البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة

كتاب الحوالة والكفالة
من سماع ابن القاسم رواية سحنون من كتاب الرطب باليابس
قال سحنون : أخبرني ابن القاسم قال : سئل مالك عن القوم يشتركون في الصفقة من الرقيق ، فيريدون بيعها ، فيعطي أحدهم بعض أصحابه شيئاً على أن تكون عهدته عليه . قال : هذا حرام لا يحل ، ومن أخذ من ذلك ، رده إلى أصحابه ، وكانت التباعة على من كانت عليه . وهذه الحمالة بالجعل ، وقال مالك : الحمالة بالجعل حرام ، وإنما هي بمنزلة من باع من رجل سلعة ، فقال رجل أجنبي للبائع : هل لك أن تعطيني دينارين ؟ على أنه إن تبع السلعة تباعة لأحد ، فأنا ضامن لتلك التباعة ، فإن تمت ، كان الذهب بالذهب متفاضلاً ، وإن لم تتم أخذ لله باطلاً ، كأنه قال : أعطني خمسة في خمسين ، أغرمها إن تبع السلعة تباعة .
قال الإمام القاضي : قوله في هذه المسألة : على أن تكون عهدته عليه ، معناه : على أن يكون عليه بما أعطاه ما للمشتري من العهدة عليه ، ليرجع عليه إن استحقت السلعة من يديه ، بما كان له

(11/289)


أن يرجع به عليه : ثلث الثمن ، إن كان له ثلث السلعة أو ربعه إن كان له الربع منها أو أقل من ذلك أو أكثر . وقوله : وهذه الحمالة بالجعل ، إذ ليس بحمالة على الحقيقة ، لأن الحميل إذا أدى يرجع على المتحمل عنه بما أدى عنه . ووجه الشبهة بينهما ، أنه جعل على الغرر فيهما جميعاً الحميل أخذ الجعل على أنه إن طلب بالحمالة ، فإذا رجع بما أدى فكان ذلك ربى وغرراً ، وملتزم العهدة عن غيره أخذ الجعل على أنه إن استحقت السلعة غرم ، ولم يرجع بما غرم ، فكان أيضاً ربى وغرراً ، إلا أنه إن غرم كان الذهب بالذهب متفاضلاً إلى أجل ، وإن لم يغرم كان له الجعل باطلاً ،و اشتراط البائع على المشتري أن تكون عهدته على رجل سماه ، يقتضي الانبتات بنيهما وأنه لا تباعة له عليه بحال . فهذا على ذلك محمول ، حتى يتبين أن ذلك على سبيل الحمالة ، هذا ظاهر هذه الرواية ، خلاف ما حكى ابن حبيب عن أصبغ من اشتراط العهدة على محمول سماه على الحمالة ، حتى تبين أنه أراد الانبتات منه . والانبتات له عليه ، فيكون البيع فاسداً لأنه ذمة بذمة . وعلى ظاهر هذه الرواية ، لو اشترط البائع على المشتري أن عهدته تلي رجل سماه برضاه دون جعل ، جعله له لجاز ، وإن شرط الانبتات منه ولم يكن ذلك ذمة بذمة ، وهو أظهر ، إذ لم ينتقل من ذمة إلى ذمة إذا كان ابتاعه إياه دون البائع مشترطاً عليه في أصل البيع ، وإنما كان يكون ذمة بذمة ، لو وقع البيع دون شرط ، ثم تحول بالعهدة على غيره ، فإذا تحمل الرجل بجعل يأخذه من الطالب أو من المطلوب بعلم الطالب ، سقطت الحمالة ورد الجعل . وأما إن تحمل بجعل يأخذه من المطلوب بغير علم الطالب ، فالجعل ساقط ، والحمالة لازمة .
قاله مطرف وابن الماجشون ، وابن وهب وأصبغ في الواضحة ، وابن

(11/290)


القاسم فيهما ، وفي كتاب ابن المواز وكذلك إذا التزم العهدة عن البائع للمشتري ، بجعل يأخذه من المشتري ، أو من البائع ، بعلم المشتري ، فالجعل مردود والالتزام ساقط ، فترجع العهدة على البائع . وأما إن كان الجعل من البائع بغير علم المشتري ، فالجعل مردود ، والالتزام لازم . فقوله في هذه الرواية : وما أخذه من ذلك رده إلى صاحبه ، وكانت التباعة على من كانت عليه ، معناه عندي : إذا علم المشتري بما عاقده البائع عليه ، وأما إن لم يعلم بذلك ، فمن حجته أن يقولك أنا لم أشتر إلا أن تكون تباعتي وعهدتي عليك ، فلا أرضى أن تكون على البائع . وقوله في آخر المسألة : وإنهما هو بمنزلة رجل باع من رجل سلعة إلى آخر قوله ، تنتظر صحيح ، لأن هذه المسألة التي ذكرها أشبه بمسألة التزام العهدة عن البائع على جعل ، من مسألة الحمالة بالجعل ، لأنه يرجع في الحمالة بما أدى ، ولا يرجع في هاتين المسألتين بما يؤدي .
وقد مضى في رسم سلم ديناراً في ثوب إلى أجل ، من كتاب السلم والآجال ، تحصيل القول في المشتري يشترط العهدة فيما اشترى ، على البائع الأول ، وفي حكم التولية والشركة في ذلك ، فلا معنى لإعادته . وبالله التوفيق .
مسألة
وقال مالك فيمن أحال رجلاً بحق له على رجل ، ثم تبين له أنه لم يكن للغريم قبله ذلك المال كله الذي أحاله به عليه قال : يكون ما له قبله حولاً ، وما بقي حمالة ، يتبع بهما الغريم أيهما شاء .
قال محمد بن رشد : جعل في هذه الرواية الحوالة على غير أصل دين كالحمالة ، فقال : إن له أن يتبع أيهما شاء ، على قول مالك الأول في أن

(11/291)


للذي له الدين في الحمالة أن يتبع أيهما شاء ، وفي ظاهر ألفاظ المدونة في هذا اختلاف ، مرة قال : إن ذلك كالحمالة ، ولا سبيل له إلى المحال عليه ، حتى يوجد للغريم مال ، على قول مالك الثاني الذي اختاره ابن القاسم ومرة قال : يبدأ بالذي أحيل عليه . فإن أفلس رجع على الذي أحاله ، وذهب ابن الماجشون إلى أن لا رجوع له عليه بحال ، كالحوالة على أصل دين ، وهو بعيد ، لأنه إذا كان من حق المحال عليه أن يرجع على المحيل بما أدى عنه ، فما الذي يمنع صاحب الحق أن يرجع عليه إذا فلس ؟ فيتحصل في الحوالة على غير أصل دين أربعة أقوال : أحدها إن له أن يأخذ أيهما شاء ، وهو قول مالك في هذه الرواية والثاني إنه لا سبيل له إلى المحال عليه ، إلا في عدم المحيل ، وهو أحد قولي ابن القاسم في المدونة على ما اختاره من قول مالك في تفدية الغريم بالغرم على الحميل في الحمالة . والثالث عكس هذا القول ، لأنه لا سبيل له إلى المحيل ، إلا في عدم المحال عليه . وهو أحد القولين الظاهرين من المدونة ومن قول مالك وابن القاسم في المسألة التي بعد هذا . ووجهه ، أنه جعل لفظ الحوالة كشرط التبدئة في الحمالة ، والقول الرابع إنه لا رجوع له على المحيل بحال ، كالحوالة على أصل دين . وهو قول ابن الماجشون . وبالله التوفيق .
مسألة
وقال مالك فيمن أحال غريماً على عبده أو مكاتبه ، فأفلس أو عجز ، يرجع على السيد ، فيقتضي منه حقه . قال ابن القاسم : وذلك إذا أحاله من غير دين يكون للسيد عليهما ، فأما إن كان عليهما دين ، والعبد مأذون له في التجارة ، فليس له أن يرجع على سيدهما ، لأن دين عليهما كأنه على أجنبي يحاص الغرماء بما

(11/292)


كان له عليهما ، إذا أفلسا أو ماتا وكذلك قال مالك في العبد المأذون له في التجارة : إن سيده يحاص بما كان عليه للغرماء ، وإذا لم يكن له عليهما دين يجال به ، فهما بمنزلة الحميلين .
قال محمد بن رشد : قول ابن القاسم . وذلك إذا أحاله من غير دين يكون للسيد عليهما ، مفسر لقول مالك ، وفي قول مالك : فأفلس أو عجز إنه يرجع على السيد ، فيقضي منه حقه ، دليل على أنه لا رجوع له عليه ، إلا أن يفلس أو يجز ، وذلك خلاف قول ابن اقاسم في آخر المسألة . وذلك إذا لم يكن له عليهما دين أحال به فهما بمنزلة الحميلين لأنه إذا كان عنده بمنزلة الحميلين ، فلا شيء للغريم المحال عليهما ، إلا في عدم السيد المحيل له ، على ما اختاره من قولي مالك ، أو يكون له أن يأخذ من شاء منهما على قول مالك الأول ، وما تقدم من قوله في المسألة التي قبل هذا .
وقد مضى القول على ذلك ، فلا معنى لإعادته . وبالله التوفيق .
ومن كتاب أخذ يشرب خمراً
قال وسئل مالك عن رجل رهن رهناً وضعه على يدي رجل ، وأبى الذي وضع على يديه أن يتحمل بالحق ، إلا أنه كتب عليه في آخر الكتاب : وعلى فلان ، إذا طلب فلان ماله ، فإن على فلان أن يأتيه به سالماً من كل علقة أو تبعة ، بنقص حقه من كل أحد من الناس ، أتراها حمالة ؟ قال : نعم هي حمالة .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال : لأن الذي أباه أولاً قد رجع إليه آخراً بما كتب عليه في آخر الكتاب ، وأشهد به على نفسه ، مما لا معنى له سوى الضمان .
وقد مضى في أول سماع ابن القاسم من كتاب الرهون ، القول في إذا

(11/293)


قال : أنا ضامن لرهنك ، ولما نقص من رهنك ، ولرهنك ولما نقص من حقك . فتأمله ، فإن فيه تمام هذه المسألة . وبالله التوفيق .
ومن كتاب أوله مساجد القبائل
وسئل مالك عن الرجل يشتري الجارية من الغريب ، فإذا كان بعد يوم أو يومين ، سأله المعرفة . قال مالك : ليس ذلك له ، إلا أن يشترط ذلك عند بيعه . ثم قال : أرأيت أهل منى أيراد منهم معرفة ؟ ليس ذلك عليهم .
قال محمد بن رشد : معنى قوله : سأله المعرفة أي سأله أن يأتيه بمن يعرفه ، مخافة أن يكون قد غصبه الجارية ، أو يفتات على صاحبها في بيعها ، أو تواطأ معها على بيعها وهي حرة ، وما أشبه ذلك ، فلم أنظر هذا الوجه . وذلك يلزمه أن يشترط ذلك عليه عند البيع . واستدل على ذلك بالعرف الجاري في أن أهل البادية يأتون بالإبل والغنم ، فيبيعونها ولا يكلفون حميلاً بمعرفتهم ، إذ لا يجدون من أهل الحاضرة من يعرفهم . فقد دخل معهم المشتري على الجهل ، وكذلك أهل منى وهم الحاج الذي يقدمون مكة ، من جميع الآفاق ، فلا يكلفون حميلاً بمعرفتهم ، إذ لا يجدون من أهل مكة من يعرفهم ، إلا أن يشترط ذلك عند البيع ، فإن اشترط ذلك على أحد منهم عند البيع ، أعطاه حميلاً بوجهه . قال ذلك ابن دحون ، وفي ذلك من قوله نظر ، لأن حمل الوجه لا يلزمه إلا إحضار الوجه ، وقد يكون هذا الذي سرق الجارية أو غصبها ، أو افتات على صاحبها في بيعها ، أو تواطأ معها على بيعها ، وهي حرة وما أشبه ذلك ، فلا يكون له منفعة في إتيانه به معدماً ، وهو لما اشترط المعرفة فقد اشترط الثقة ، فيلزمه عندي أن يعطيه حميلاً بوجهه ، إن لم يكن هو المعتدي فيها ، وبالمال إن كان هو السارق لها والمتعدي فيها . ولو قال له رجل عند البيع : اشتر منه فإنه ثقة ، ولم يلزم له

(11/294)


ضمان ، فوجد سارقاً لها ، لجرى ذلك على الاختلاف في الغرور بالقول ، هل يضمن به أو لا ؟ . وبالله التوفيق .
ومن كتاب أوله مرض وله أم ولد فحاضت
وسئل مالك عن رجل كانت له دنانير على رجل قد حلت ، ولغريمه مثلها دنانير ، على رجل إلى شهر . قال مالك : إن كانت قد حلت فلا بأس به أن يتحول على غير غريمه إلى أجل ، وإن كان حقه إلى أجل ، فأراد أن يحيله على رجل بدين له عليه حال . قال مالك : لا أحب ذلك ، إلا أن يحتال بما قد حل من دينك فيما حل وفيما لم يحل ، ولا يحتل بما لم يحل فيما قد حل وفيما لم يحل ، قال ابن القاسم : وقال مالك : احتل بما قد حل من دينك ، فيما حل وفيما لم يحل ، ولا يحتمل بما لم يحل فيما قد حل ، وفيما لمي حل . قال ابن القاسم يريد دنانير من دنانير ، وثياباً من ثياب تشبه صفته التي حل له ، فأما إن كان من غير صفته بذلك الدين ، فالدين لا يحل على حال من الحال .
قال الإمام القاضي : قول ابن القاسم في هذه المسألة : يريد دنانير من دنانير أو ثياباً من ثياب ، يشبه صفته التي حل له ، فأما إن كانت من غير صفته ، فذلك الدين بالدين لا يحل على حال من الحال . تفسير لقول مالك لأن الحوالة بيع من البيوع ، إلا أنها خصصت من عموم نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - " عن بيع الذهب بالذهب والورق بالورق إلا مثلاً يمثل يداً بيد " ومن عموم

(11/295)


نهيه عن الدين بالدين بقوله - صلى الله عليه وسلم - " ومن اتبع على ملي فليتبع " لما كانت على سبيل المعروف ، وكما خصصت الشركة والتولية والإقالة في الطعام المكيل والموزون ، من عموم نهيه عن بيع الطعام قبل أن يستوفى لما كان على سبيل المعروف ، فإن دخل الحوالة وجه من وجه المكايسة ، رجعت إلى الأصل فلم تجز . والحوالة جائزة في جميع الديون إذا تساوت في الوزن والصفة ، وحل الدين المحال به ، لأنه إن لم يحل كان ذمة بذمة ، ويدخله ما نهى عن من الكالئ بالكالئ إلا أن يكون الدين الذي ينتقل إليه حالاً ويقبض ذلك مكنه قبل أن يفترقا ، مثل الصرف فيجوز ذلك ، وسواء كان الديون من بيع أو قرض أو تعد ، إلا أن يكونا جميعاً طعاماً من سلم ، فلا تجوز الحوالة بأحدها على الآخر ، حلت الآجال أو لم تحل ، أو حل أحدهما ولم يحل الآخر ، لأنه يدخله بيع الطعام قبل أن يستوفى استوت رؤوس أو مالهما أو لم تستو ، خلافاً لأشهب في قوله : إذا استوت رؤوس أموالهما ، جازت الحوالة وكانت تولية ، فإن كان أحدهما من قرض والآخر من سلم ، لم تجز حوالة أحدهما في الآخر ، حتى يحلا جميعاً عند ابن القاسم . وأجاز ذلك من سواه من أصحاب مالك ، إذا حل المحال به ، بمنزلة إذا كانا جميعاً من سلف ، وينزل المحال في الدين الذي أحيل به ، منزلة من أحاله ، ومنزلته في الدين الذي أحيل به ، فيما يريد أن يأخذ به منه أو يبيعه به من غيره . وقد شرحنا هذا في كتاب المقدمات . وبالله التوفيق .

(11/296)


مسألة
وسئل مالك عن رجل كان له على غلام لرجل دين ، وكان قد تحمل به سيده ، فباعه . وانتزع ماله ، فقال غريمه لسيده : اقض حقي قد بعت الغلام ، قال : ليس ذلك له حتى يبلغ الأجل ، وليس هل أن يعطيه قبل الأجل .
قال محمد بن شد : رأيت لابن دحون في هذه المسألة أنه قال فيها : القياس ، لا يجوز له نزع ماله ، لأنه للغرماء ولهم مقال ، يقولون : نخاف أن تفلس أنت ، وإنما يجوز أن يبيعه بماله ويتبع الغرماء ذمته وماله ، كأن بائعه يشترط أن عليه ديناً فيما في يديه ، فإذا حل الأجل قبض الغرماء دينهم مما في يد العبد ، فإن بقي لهم شيء ، رجعوا به على بائعه ، لأنه تحمل به ، فإن كان عديماً اتبعوا بذلك من شاءوا : العبد أو السيد . وقول ابن دحون صحيح ، ولو لم يتحمل به سيده ، لم يكن له أن ينتزع ماله إن كان العبد مأذونا له في التجارة ، لأن من استدان المأذون له في التجارة من دين ، يكون فيما كان بيده من المال ، قبل أن يأذن له في التجارة . وفيما بقي في يديه بعد خراجه ، فليس له أن ينتزع ذلك منه ويبطل الدين ، إذ ليس له أن يسقطه عن ذمته . وأما إن كان غير مأذون له في التجارة ، فليسده أن ينتزع ماله ، لأن ما استدان العبد المحجور عليه من دين بغير إذن سيده ، فله أن يسقط ذلك من ذمته ، وإذا كان له أن يسقط من ذمته ، فأحرى أن يكون له انتزاع ماله . وقول ابن القاسم في المدونة : إن ما لزم ذمة العبد ، لا يكون فيما بقي في يديه بعد خراجه ، وإنما يكون فيما وهب له أو تصدق به عليه ، أو أوصي له به فقبله ، معناه : في العبد الذي لم يؤذن له في التجارة ، وفيما لزم ذمته مما ليس لسيده أن يسقطه عنه ، لأن ما لسيده أن يسقط عنه عن ذمته ، لا يؤخذ مما وهب له ، أو تصدق به عليه ، إلا بإذنه ، فإن لم يسقط ذلك عن ذمته حتى يعتق ، اتبع به ديناً بعد العتق .
والمأذون له في التجارة ، ويكون ما لزم ذمته فيما بقي في

(11/297)


يديه من عمله بعد خراجه إن كان سيده استعمله بخراج معلوم يؤده إليه . فقف على الفرق في هذا بين المأذون له في التجارة وغير المأذون له فيها ، وعلى الفرق في غير المأذون له في التجارة بين أن يكون ما لزم ذمته مما للسيد أن يسقط ذلك عنها ، أو مما ليس له أن يسقط ذلك عنها .
وسيأتي في رسم إن خرجت من سماع عيسى مسألة من معنى هذه . سنتكلم عليها إذا وصلنا إليها إن شاء الله وبه التوفيق .
ومن كتاب أوله الشريكان يكون لهما مال
وقال مالك في الرجل يبيع من الرجلين السلعة ، ويكتب عليهما أن عليهما حقه ، أيهما شاء ، أخذ بحقه حيهما عن ميتهما ، ثم سافر أحدهما ومات الآخر ، قال مالك : أرى أن أخذ صاحب الدين من مال الميت حقه كله ، ويتبع الورثة الآخر بما عليه . قال مالك : ولو أن الميت لم يكن له مال ، فأراد صاحب الحق أن يأخذ من الباقي حصته الذي مات ، لم يكن له حتى يحل حقه ، وإنما هو حميل ، وليس لورثة الميت أن يأخذوا منه شيئاً حتى يحل أجله . قال ابن القاسم : وذلك رأيي .
قال محمد بن رشد : قوله : يبيع من الرجلين السلعة ، معناه : إلى أجل ، على ما ظهر من جوابه في المسألة . وقوله : إذا مات أحدهما أن صاحب الدين يأخذ من مال الميت حقه كله ، صحيح ، لأن النصف عليه في خاصته ، فيحل عليه بموته باتفاق ، والنصف هو به حميل ، فيحل عليه بموته باتفاق ، والنصف هو به حميل ، فيحل عليه بموته على ما في المدونة . وفي ذلك اختلاف . روى ابن وهب عن مالك ، أنه يوقف حق الطالب من مال الميت ، فإذا جل الأجل قبضه إن لم يأت الغائب ، فإن أتى رد نصف ما أوقف على الورثة ،

(11/298)


وودى الغائب النصف ، وذلك إذا رضي الطالب بذلك . هذا نص رواية ابن وهب عن مالك في هذه المسألة ، وفي قوله فيها : يوقف حق الطالب من مال الميت نظر ، لأن الذي يوجبه النظر ويقتضيه القياس ، أن يأخذ نصف حقه معجلاً ، وهو الذي يجب له على الميت في خاصة نفسه ، ويوقف النصف الثاني ، وهو الذي يجب عليه بالضمان ، حتى يحل الأجل ، فإذا حل قبضه إن لم يأت الغائب ، فإن أتى رد ما وقف على الورثة ، وودى ذلك الغائب وقوله . وذلك إذا رضي بذلك الطالب صحيح ، إذ من حقه أن يأخذ ما وقف له ، إذا حل الأجل ، وإن أتى الغائب وكان ملياً ، لشرطه أن يأخذ أيهما شاء بحقه . وقوله في الرواية : ولو أن الميت لمي كن له مال ، فأراد صاحب الحق أن يأخذ من الباقي حصة الذي مات ، لم يكن ذلك له ، حتى يحل حقه ، هو نص ما في المدونة من أن الكفيل ، لا يحق عليه الحق بموت المتكفل به المطلوب ، ولا اختلاف في هاذ أحفظه ، وإنما الاختلاف هل يحل على الرجل بموته ما عليه من الكفالة الموجبة ؟ حسبما ذكرناه وقوله في آخر المسألة : وليس لورثة الميت أن يأخذوا منه شيئاً حتى يحل أجله ، راجع إلى قوله في المسألة الأولى : ويتبع الورثة الآخر بما عليه ، فلو اتصل به لاستقام الكلام ، وارتفع الإشكال . وبالله تعالى التوفيق .
من سماع أشهب وابن نافع
رواية سحنون من كتاب أوله بيع ثم كراء
قال سحنون : سمعت أشهب وابن نافع يقولان : سئل مالك عمن كانت له عن رجل مائة درهم ، فسأله أن ينظره ويتحمل له بها حميل . قال : لا بأس بذلك .
قال محمد بن رشد : معناه : إذا كان ملياً والوجه في جواز ذلك أنه لو شاء أخذ حقه منه معجلاً فإذا أخذه على أن يتحمل له به حميل ، أو يعطيه

(11/299)


به رهناً ، فذلك بمنزلة أن لو أسلفه إياه ابتداء ، على أن يأخذ منه به حميلاً أو يرهنه به رهناً ، ولو كان معسراً ، إن قام عليه ، لم يجد عنده إلا بعض حقه ، لما جاز أن يؤخره بالجميع ، على أن يعطيه به حميلاً أو رهناً ، لأنه يصير سلفاً جر منفعة إذ لو لم يؤخره وقام عليه بحقه ، لوجب أن يؤخره ببعضه . لقول الله عز وجل : {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} فيصير إنما أخره بما كان يجده عنده من حقه ، لو قام عليه على أن يعطيه رهناً أو حميلاً بالباقي ، وذلك لا يجب عليه وقد وقع في رسم البيوع من سماع أشهب ، من كتاب المديان والتفليس مسألة ، قال فيها بعض الشيوخ : إنها معارضة لهذه ، وليست بمعارضة لها ، لأن المعنى فيهما مختلف . وقد بينا ذلك هنالك ، وبالله التوفيق .
مسألة
قلت : أرأيت لو قال الحميل أنا أتحمل لك ، وضع عشرة دراهم ؟ قال : لا يصلح ذلك ، بمنزلة أن لو قال : أعطني عشرة دراهم من دينك وأنا أتحمل لك ، قال : لا يصلح ، وذلك ذمة بذمة .
قال محمد بن رشد : الجواب في هذه المسألة صحيح والتعليل فاسد ، إذ ليس ذلك ذمة بذمة ، إنما هو غرر وجعل على سلف ، قد يكون ولا يكون ، إذ لا فرق بين أن يتحمل الحميل على عشرة يشترطها لنفسه أو لغيره ، لأنه إذا فعل ذلك ، كان قد أخذ العشرة لنفسه ، أو لمن يشترطها له ، على أن يؤدي عن المطلوب الحق ، إن طلب به على وجه السلف عنه ، ثم يرجع به عليه ، وذلك ما لا يجوز باتفاق .
وقد مضى في أول مسألة من سماع ابن القاسم من هذا الكتاب ،

(11/300)


الحكم في ذلك إذا وقع فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق .
ومن كتاب الأقضية
قال : وسئل فقال له : كان لي على رجل ذكر حق فسألني بيعاً فأبيت إلا بحميل ، فجاءني بحميل ، فكتبت حمالته ، وكتبت عليهما ذكر حق ، أيهما شئت أن آخذ بحقي أخذته ، ثم مات الغريم ، فبعت كل شيء هوله ، حتى استوفيت ثلثي مالي عليه ، ثم سألني ورثته أن أحلله ففعلت ، ثم ذهبت أن أتقاضى الحميل ، ما كان يحمل لي به ، فقال : ليس لك علي شيء قد حتى حللت الذي تحملت لك به ، فقال مالك : أرى أن يكون ما ، قد وصل إليك من المالين جميعاً ، يعني بالحصص ، وتحلف بالله ما وضعت إلا للميت ، ثم تكون على حقك .
محمد بن أحمد هذه مسألة حايلة إذ لا يصح أن يسقط الدين عن المحمول عنه ، ويبقى على الحميل ، لأن الحميل إنما يؤدي عن المحمول عنه ما يجب عليه ويتبعه به ، فإذا أسقط الدين عنه ، سقط عن الحميل ، وقد رأيت لابن دحون في هذه المسألة أنه قال فيها : إنه إنما ألزمه اليمين ، من أجل الدين الذي كان له بغير حمالة ، فيحلف أنه ما حلله إلا من دينه الذين كان بغير حمالة ، قال : ولو كان الدين كله بحمالة ، فأخذ بعضه ، وحلل الميت من الباقي ، لم يكن له تبع على الحميل ، إذ لا حجة له ها هنا ، أن

(11/301)


يقول : إنما حللته من ديني الذي كان بغير حمالة ، وهو تأويل تصح عليه المسألة ، فينبغي أن تحمل عليه ، وإن كان بعيداً من ظاهر لفظها ، إذ يقتضي أنه حلل الميت من جميع ما بقي له من دينه ، ما كان منه بحمالة ، فالظاهر من قول مالك : إنه حلفه أنه لم يرد إلا تحليل الميت لا تحليل الحميل ، لا على أنه أراد تحليل الميت من بعض الورثة دون بعض وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل عمن كان له ذكر حق على رجل إلى أجل ، فأخذ منه به حميلاً ، فلما حل الأجل ، أخر غريمه بحقه عليه سنة مستقبلة فقال الحميل لصاحب الحق : قد انفسخت حمالتي ، أخرته عن الأجل الذي تحملت لك إليه ، أيفسخ ذلك الحمالة ؟ فقال : لا والله الحمالة عليه كما هي ، من تحمل له ، لم يقدر أن ينظر غريمه ، قيل له : يقول له الحميل : أنت أهلكت حقك ، وأنظرته سنة حتى أفلس ، وذهب ما في يديه ، فقال : من تحمل له لم يستطع أن ينظر غريمه . عليه الحمالة لو شاء هو قام عليه .
قال محمد بن رشد : هذه المسألة أصلها في المدونة ووقعت ها هنا . وفي رسم أوله عبد ابتاعه من سماع يحيى بعد هذا ، وفي ظواهر ألفاظها وفي المواضع المذكورة اختلاف .
وتحصيل القول فيها : إن المطلوب إذا أخره الطالب ، فلا يخلو من أن يكون ملياً أو معدماً ، فإن كان معدماً ، لم يكن للكفيل في ذلك كلام ، ولزمته الحمالة قولاً واحداً ، وهو نص قول غير ابن القاسم في المدونة . وإن كان ملياً فلا يخلو الأمر من ثلاثة أوجه : أحدها أن يعلم بذلك فينكر والثاني أن يعلم بذلك فيسكت والثالث ألا يعلم بذلك حتى يحل الأجل الذي أنظره إليه ، فأما

(11/302)


إن علم بذلك فأنكر ، فلا تلزمه الكفالة . ويقال للطالب : إن أحببت أن تمضي التأخير على ألا كفالة ، لك على الكفيل ، وإلا فاحلف أنك ما أخرته إلا أن يبقى الكفيل على كفالته ، فإن حلف لم يلزمه التأخير ، وإن نكل عن اليمين لزمه التأخير ، والكفالة ساقطة على كل حال . هذا مذهب ابن القاسم في المدونة . وإن كان سكت فيها عن اليمين . وقد قيل : إن الحمالة ساقطة بكل حال ، وهو قول الغير في المدونة . وقيل : إنها لازمة بكل حال . في هذا الموضع على ما بيناه ثلاث أقوال . وأما إذا علم بذلك حتى حل الأجل ، فسكت ، فالحمالة لازمة له . قاله في المدونة . وهو ظاهر قوله في هذه الرواية ، وفي سماع يحيى بعد هذا . ويدخل في هذا الاختلاف المعلوم في السكوت ، هل هو كالإقرار أم لا ؟ وأما إن لم يعلم بذلك حتى حل الأجل ، فيحلف صاحب الحق ما أخره ليبرأ الحميل من حمالته ، وتلزمه الحمالة ، فإن نكل عن اليمين سقطت الحمالة . وهاذ كله في التأخير الكثير ، وأما التأخير اليسير ، فلا حجة فيه للكفيل ، وأما تأخير الكفيل فإنه تأخير عن الذي عليه الأصل ، إلا أن يحلف أنه لم يرد تأخير الذي عليه الأصل ، فإن نكل عن اليمين لزمه التأخير . هذا كله في المدونة وبالله التوفيق . واللهم لطفك .
من سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم من كتاب نقدها نقدها
قال عيسى : سألت ابن القاسم عن رجل باع سلعة بعشرين ديناراً ، وأعطاه بها كفيلاً ، وكتب أيهما شاء أخذ بحقه ، ثم إن صاحب الحق أمر الكفيل بقبض الكفيل ذلك الحق ، فقبضه ثم زعم أنه ضاع ، قال : إن كان شرط أيهما شاء أخذ بحقه أخذه ، فهو والبيع سواء ، فإن كان ذلك منه على وجه الوكالة ، يقول : أشهدوا أني قد وكلته بما عليه يأخذه ، فهو في الحمالة يبرأ وفي البيع يبرأ من

(11/303)


نصف الحق ، لأن المبتاع يقول : لا أدفع إليك ما يصيبني لأني أخاف أن تأكله وتفسده ، فأتبع به ، فإذا دفع إليه على وجه الوكالة من صاحب الحق فقد برئ ، وإن كان قال على غير وكالة : خذ لي حقي على وجه التقاضي ، لم يقل على وجه الوكالة ، فهما ضامنان جميعاً .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة مشكلة ، لإجمالها ونقصان بعض وجوهها ، فلا بد من بيان ما أجمله فيها ، وإتمام ما نقصه منها . فقوله فيها : إن كان اشتراط أيهما شاء أخذ بحقه أخذه ، فهو والبيع سواء . معناه : أن الشرط في ذلك عامل ، يكون له أن أخذ بها الغريم المبتاع ، فيستويان في وجوب الغرم على كل من طلب منهما وإن افترقا في حكم الرجوع ، لأن الكفيل يرجع بما أدى ، لأنه أدى عن غيره ، والمتابع لا يرجع بشيء لأنه أدى عن نفسه ، وإعمال الشرط هو المشهور المعلوم من مذهب ابن القاسم ، وقد روي عنه أنه لا يجوز إلا في القبيح المطالبة . أوذي السلطان وقد تؤول عليه أنه إنما عمل الشرط على عمومه من غير استثناء ، إذا كانت الحمالة في أصل البيع ، وبالاستثناء إذا كانت الحمالة بعد عقد البيع والأظهر أن ذلك اختلاف من قوله ، وابن كنانة وابن الماجشون وأشهب لا يعملون الشروط بحال . فيتحصل في المسألة أربعة أقوال : إعمال الشرط ، وإبطاله ، والفرق بين أن تكون الحمالة في أصل البيع وبعده ، والفرق بين أن يكون الغريم ممن يتعذر الاقتضاء منه أو لا يتعذر ، فإن كان ذلك منه على وجه الكفالة فهو في الحمالة يبرأ ، يريد : يبرأ من الجميع ، وهو صحيح ، لأنه وكيل للطالب ، فهو مصدق على ما يدعي من التلف مع يمينه إن اتهم كالمودع ، وإذا صدق فيما يدعي من التلف ، كانت المصيبة من الطالب ، فيبرأ المطلوب وسقطت الكفالة . وهذا إذا كانت له بينة على معاينة الدفع ، فلا يبرأ بتصديق القابض إذا ادعى التلف . ولا اختلاف في ها إلا أن يدخل فيه الاختلاف بالمعنى من مسألة

(11/304)


اللؤلؤ من كتاب الوكالة من المدونة ، وإنما اختلف إذا عدم الدفع هل له أن يرجع على القابض أم لا ؟ فقال مطرف : يرجع عليه لأنه فرط في دفع ذلك إلى الذي كله حتى تلف . وقال ابن الماجشون : لا يرجع عليه حتى يتبين منه تفريط ، وهذا إذا قامت على الوكالة بينة ، وأقر بها الموكل .
وأما إن ادعاها الوكيل ، فقيل : القول قوله ، وقيل القول قول الوكيل . وقوله في البيع : يبرأ من نصف الحق ، لأن المبتاع يقول : لا أدفع إليه ما يصيبني ، لأني أخاف أن يأكله أو يفسده ، فاتبع به ، فإذا دفعه إليه على وجه الوكالة من صاحب الحق ، فقد برئ ، إشارة منه إلى مسألة لم يتقدم لها ذكر ، وهو أن يبيع الرجل السلعة من رجلين ، على أن واحداً منهما حميل بما على صاحبه ، وله أن يأخذ من شاء منهما بجميع حقه ، ولذلك قال : إنه إذا قبض لعدمها الحق كله من صاحبه وعلى سبيل الوكالة من الطالب البائع ، يبرأ الدافع إليه من نصف الحق ، وهو ما ينوبه منه في خاصته من أصل الدين ، لأنه دفع إلى وكيل الطالب فيبرأ بدفعه إليه ، وإن ادعى تلفه إذا كانت له بينة على معاينة دفعه إليه ، على ما بيناه . يريد : ويرجع عليه بالنصف الثاني ، لأنه أداه عنه بالحمالة إلى الطالب إذا دفعه إليه . وهو وكيل : فصدق فيما ادعاه من تلفه ، وكانت مصيبته من الموكل الطالب . وقوله : وإن كان قال على غير وكالة ، أخذ لي حقي على وجه الوكالة ، فهما ضامنان جميعاً ، معناه : يضمن كل واحد منهما لصاحبه ، فيرجع الطالب على الدافع ، ويرجع الدافع على القابض ، وإن أراد الطالب أن يرجع على القابض ، وترك الدافع كان ذلك له ، وإن أراد أن يأخذ من كل واحد منهما ماله عليه ، وهو نصف الحق ، كان ذلك له ، لأن كل واحد منهما حميل بصاحبه ، وله أن يأخذ من شاء منهما بجميع حقه ، فإن رجع الدافع على القابض بما رجع به عليه ، وإن كان قبض أحدهما على وجه الرسالة من الدافع ، والمصيبة منه بعد يمين القابض على ما ادعاه من التلف ، ويبقى الحق عليهما على ما كان قبل .

(11/305)


فقف على افتراق هذه الوجوه الثلاثة وهي : أن يقبض أحدهما الحق كله على وجه الوكالة من الطالب ، أو على وجه الرسالة من الدافع أو على وجه الضمان . وبالله التوفيق .
مسألة
وعمن ضمن على رجل طعاماً فيلزمه به ، فأتى الحميل إلى الغريم ، فقال له : قد لزمت بما ضمنت عنك ، فأعطى دنانير ، وقال : ابتع لي بها طعاماً ، وأقضه ، ووكله ، فقال : عندي طعام ، أنا أبيعكه ، آخذ لك من غلامي وهو يبيع في الساحل ، فبعث إلى غلامه فكيل له . قال ابن القاسم : لا يحل حتى يستوفيه الضمين ، لأنه الموكل ، ويصير في ضمان الغريم ، ثم يوفيه إياه . وأحب إلي أن لو وكل الغريم غيره يستوفيه منه ، ولعل هذا بحوز ، وما بحوز إلا رصها .
قال محمد بن رشد : المعنى في هذه المسألة ، أن الطعام الذي ضمن من بيع لا من قرض ، لأن الطعام القرض ، لا يجوز أن يقضي مما ابتيع قبل أن يستوفي وأن الطعام للعبد لا لسيده الضمين ، فهو مبتاعه منه للذي تحمل عنه ، يدل على ذلك قوله : آخذ ذلك من غلامي ، لأن المعنى في ذلك ، أشتريه له منه ، فلا فرق على أصل مذهب مالك في أن العبد يملك بين أن يشترى له الطعام من عبد ، أو من أجنبي ، فلا يحل كما قال ، أن يقضيه حتى يستوفيه من غلامه بالكيل ، فيصير في ضمان الغريم ، لأنه وكيل له على ابتياعه له ، وقضائه عنه . فيده في ذلك كيده . وقوله في أول

(11/306)


المسألة : عندي طعام أنا أبيعكه ، بحوز في الكلام نسب طعام عبده إلى نفسه ، لعلمه أنه لا يخالفه في ابتياعه منه . وأنه يملك انتزاعه منه إن شاء . واستحب أن يوكل الغريم غيره ، مراعاة لقول من يقول : إن العبد لا يملك ، وأن الطعام للسيد ، فكأن الغريم اشتراه منه ، فلا يجوز أن يقضيه حتى يستوفيه منه بالكيل ، ولو كان الطعام للضامن على ما وقع في سماع أبي زيد ،فاشتراه منه المضمون بدنانير فدفعها إليه ، لما حل للضامن أن يقضيه عنه ، حتى يكتاله له ، فيصير في ضمانه . قال : ذلك له في سماع أبي زيد ، وضعفه . ومعناه : بعد أن يوكله بعد اكتياله له من نفسه ، واختار أن يوكل غيره ، وفي جواز قضائه عنه بعد كيله له بتوكيله إياه على ذلك ، اختلاف ، أجاز ذلك في السلم الثاني في المسألة التي قال فيها : كله لي في غرائرك ، أو في ناحية بيتك ، ومنع من ذلك في كتاب السلم الثالث ، فقال : لا يجوز أن يوكل الذي عليه السلام بقبضه . قال بعض شيوخ القرويين : وإنما يجوز أن بيعه بقبضه على القول بجواز ذلك إذا قامت بينة على اكتياله ، ولا يصدق في ذلك إن كان الضمان يرتفع عنه إذا هلك في الوجهين جميعاً .
وليس قوله عندي بصحيح ، بل الخلاف القائم من المدونة في ارتفاع الضمان عنه بقوله : قد كلته وإن لم تقم على ذلك بينة تدخل في جواز بيعه بذلك وبالله التوفيق .
مسألة
وقال في رجل تحمل عن رجل بحمالة ، فقال المتحمل : تحملت لك بألف درهم ، وقال صاحب الحق : لا بل بخمسمائة دينار . وصدق الغريم الذي عليه الحق صاحب الحق ، قال ابن القاسم : يحلف الحميل أنه ما تحمل له إلا بألف درهم ، فإذا حلف أخذ من الحميل الألف الدرهم التي أقر بها ، فباع بدنانير ، فإن بيعت بثلاثمائة دينار ، اتبع صاحب الذي عليه الحق بمائتين بقية الخمسمائة دينار ، ويرجع الحميل على الغريم بثلاثمائة دينار ،

(11/307)


ثمن دراهمه التي بيعت ، فيشتري له بها دراهم ، فإن بلغت الألف درهم فبسبيل ذلك ، وإن زادت فالزيادة للغريم الذي عليه الحق ، فإن نقصت حلف الذي عليه الحق للحميل ، أنه ما تحمل عنه إلا بخمسمائة ، فإن نكل حلف هذا الحميل وأخذ .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة فيها نظر ، والذي يوجبه القياس فيها والنظر ، أن يحلفا جميعاً ، يحلف الحميل ما تحمل إلا بألف درهم ، ويحلف صاحب الحق أنه تحمل عنه بخمسمائة دينار ، فإن حلفا جميعاً أو نكلا جميعاً عن اليمين ، كان الجواب فيها على ما ذكر . إلا فيما قال في آخر المسألة : إن الذهب التي ابتيعت بالدراهم ، إن نقصت عن الألف درهم ، فنكل الذي عليه الحق عن اليمين ، أنها تحمل عنه إلا بخمسمائة دينار ، يحلف الحميل ، ويأخذ ، لا يحتاج إليه إذا حلفا جميعاً ، لأنه قد حلف مرة ، فلا يلزمه أن يحلف ثانية ، وإن حلف أحدهما ونكل الآخر ، كان القول قول الحالف منهما ، إن صدقه الذي عليه الحق ، وأما إن كذبه ، فيحلف على ما أقر به ، ويشتري به للحميل ما أدى ، فإن كان في ذلك زيادة ، رجعت الزيادة إليه ، وإن كان فيه نقصان لم يلزمه أكثر من ذلك ، لأن الدراهم إذا أخذت من الحميل ، إنما تباع على ملكه ، ومصيبتها منه إن تلف والأخر إن احتيج في تصديقها إلى أجر عليه ، فلا يصلح أن يفعل هذا كله ، إذا حلف أنه لم يتحمل عنه إلا بألف درهم ، حتى يحلف صاحب الحق أنه ما تحمل عنه بخمس مائة دينار .
مسألة
وقال في رجل تحمل له رجل بحمالة وقال : تحملت لك

(11/308)


بألف إردب قمح ، وقال صاحب الحق : لا بل الخمسمائة دينار . وقال الغريم الذي عليه الحق : إنما تحمل عني بألف درهم ، قال ابن القاسم : يأخذ من الغريم ألف درهم ، فيجعلها قضاء عن الحميل ، فينظر كم ثمنها قمحاً ؟ وكم تبلغ من القمح ؟ فإن بلغت مائة إردب ، أخذ من الحميل تسعمائة إردب ، تمام الألف إردب التي أقر بها ، ثم يباع ذلك كله بدنانير فيوفي صاحب الحق الخمسمائة ، قال : فإن نقص عن الخمسمائة دينار ، لم يكن له على الحميل أكثر منها ، وإن زادت على خمسمائة إردب ردت إلى الحميل .
قال محمد بن رشد : قوله : وإن نقصت عن خمسمائة ، لم يكن له على الحميل أكثر منها ، يريد : ولم يكن له ولا للحميل رجوع على الغريم المطلوب بشيء ، لأنه إنما أقر بألف درهم ، وقد غرمها ، فهي مصيبة دخلت عليه ، وسكت في هذه المسألة عن ذكر الأيمان ولابد منها ، لأن من نقص منهم من حقه شيء ، فله أن يحلف على من يدعي عليه ، فوجه الحكم فيها أن يحلفوا كلهم ، وحينئذ يكون ما قال ، يحلف الغريم المطلوب الذي عليه الحق ، أنه ليس عليه إلا ألف درهم ، ويحلف الحميل أنه لم يتحمل إلا بألف إردب قمحاً ، ويحلف الطالب صاحب الحق أنه لم يتحمل له إلا بخمسمائة دينار ، فإن حلفوا أو نكلوا ، كان الحكم في ذلك على ما قاله في الرواية ، وإن نكل الذي عليه الحق ، وحلف الطالب والحميل ، لزمه ما حلف عليه الطالب ، وكان الحكم بين الطالب وبين الحميل على ما ذكره في الرواية ، وإن نكل الطالب لم يكن له على المطلوب الغريم ، إلا ما حلف عليه ولا على الغريم الحميل ، إلا ما حلف عليه ، وإن نكل الحميل لزمه ما حلف عليه الطالب ، ولم يكن له أن يرجع على الذي عليه الحق ، إلا بما حلف عليه . وبالله التوفيق . اللهم لطفك .

(11/309)


ومن كتاب العرية
وسئل ابن القاسم عن الرجل يعطي الرجل ديناراً في دينارين إلى شهر ، ويتحمل له رجل بالدينارين ، هل على الحميل شيء ؟ قال : إن كان علم بمحلهما وحضره فعليه الدينار الذي أعطاه وإن كان لم يعلم ، وإنما جاءه وقال : تحمل عني لهذا بدينارين إلى شهر ، ولا يعلم عملهما ، ثم علم ، فلا شيء عليه ، لأنه يقول : لو علمت لم أتحمل لك ولم أدخل في الحرام ، قيل له : فإن كان أعطاه ديناراً في دراهم إلى شهر ، وتحمل له رجل بالدراهم ، قال : هو مثله أيضاً إن لم يعلم فلا شيء عليه ، وإن كان علم ، قيل له : أخرج الدراهم التي تحملت له بها ، فاتبع له بها ديناره ، واتبع أنت صاحبك بالدراهم ، قيل له : فإن كانت الدراهم أكثر من ثمن الدينار ، أو لا تبلغ ثمن الدينار ، قال : أما إن كانت أكثر اشترى ديناراً بما كان أقل من ثمن الدينار ، اتبع له بها ما بلغت من أجزاء الدينار ، واتبع هو صاحبه بما بقي له من ديناره ، ويتبعه الحميل بالدراهم ، قيل له : فلو أن رجلاً كان له على رجل دينار ، فحوله في زيت إلى شهر ، وتحمل له رجل بذلك الزيت إلى شهر . قال : هو مثله أيضاً إن كان لم يعلم ، فلا شيء عليه ، وإن كان علم ، خرج الزيت فيبيع له منه بدينار فقضاه ديناره واتبع هو صاحبه بالزيت . قال : وإن ناساً ليقولون ، وهم أهل العراق ، ينتقض ويسقط عن

(11/310)


الحميل على كل حال ، ولكن الذي يستحسن وآخذ به أن يكون عليه غرم الدينار ، إذا علم ، لأنه كأنه دخل في استهلاك شيء ، فنحن نسقط عنه الحرام ، ويغرم الذي دفع عنه صاحبه فقط .
قال الإمام القاضي : ظاهر قول ابن القاسم في رسم باع شاة بعد هذا : وكل حمالة كان أصل شرائها حراماً ، فليس على المتحمل مما تحمل شيء ، مثل قول أهل العراق : إن الحمالة تبطل على كل حال ، إذا كان أصل الشراء فاسداً ومثله في المدونة من قول ابن القاسم وروايته عن مالك وهو قول ابن عبد الحكم : إن الحمالة ساقطة ، علم الحميل بفساد البيع أو لم يعلم ، ومثله في كتاب ابن المواز : قال : وكل حوالة وقعت على أمر حرام بين المتبايعين ، في أول أمرهما أو بعد ، فهي ساقطة ، ولا يلزم الحميل بها شيء ، علم المتبايعان بحرام ذلك أو جهلاه ، علم الحميل - بذلك أو جهله ، قال محمود : إن حرامه للبائع فيه عقد وسبب ، وهو قول أشهب : إن الحمالة بالحرام ، وبالأمر الفاسد باطل ، بخلاف الرهن ، لأن الرهن يجعل رهناً بالأقل ، ووجه هذا القول ، أن الذي تحمل به الحميل ، وهو الثمن ، لما سقطت عن المتحمل عنه ، لفساد البيع ، سقط عن الحميل . وفي المسألة قول ثالث : إن الحمالة لازم على كل حال ، على الحميل بفساد البيع أو لم يعلم . وهو قول ابن القاسم في آخر هذا الرسم ، وقول غير ابن القاسم في المدونة ، وقول سحنون في نوازله بعد هذا من هذا الكتاب . ووجه هذا القول ، أن الكفيل هو الذي أدخل المتحمل له ، في دفع ماله للثقة به ، فعليه الأقل من قيمة السلعة أو الثمن ، للذي تحمل به . وهذا الاختلاف كله إنما هو إذا كانت الكفالة في

(11/311)


أصل البيع الفاسد ، وإن كانت بعد عقد البيع الفاسد ، فهي ساقطة قولاً واحداً .
هذا تحصيل الحكم في الكفالة في اللزوم ، إذا وقع الفساد بين المتبايعين ، وأما إذا وقع بين الكفيل وبينهما ، أو بينه وبين الطالب منهما ، أو بينه وبين المطلوب فيهما بعلم الطالب ، فالكفالة ساقطة ، فإن وقع الفساد بين الكفيل والمطلوب ، بغير علم الطالب لزمت الحمالة .
وقد مضى هذا المعنى في أول مسألة من الكتاب في الحمالة بالجعل . وبالله التوفيق .
مسألة
وعن رجل لزم رجلاً بدنانير له عليه ، فقضاه رجل عنه فيها دراهم ، فما ترى على الغريم أن يقضي من قضى عنه الدنانير التي كانت له عليه والدراهم التي قضاها عنه ؟ قال ابن القاسم : لا يجعل هذا أن يقضي رجل عن رجل دراهم ، ويأخذ منه دنانير ، وإن كان قال : اقضه دنانير فأعطاه فيها دراهم ، فله دنانير ، وإن كان صالح صاحب الحق بدنانير يدفعها عنه ، فإنما يرجع أيضاً عليه بدنانير ، وعن رجل لزم رجلاً فصالح من قمح ، فقضى رجلاً عنه ثمراً قال : هذا مثل الأول ، فإن كان إنما أحاله على رجل بقمح يعطيه إياه ، فأعطاه فيه ثمراً صالحه عليه ، فليس له أن يرجع عليه إلا بثمر ، وذلك إذا كان له من سلف ، فإن كان من بيع باعه أو ابتاعه ، فإن ذلك لا يحل ، يأخذ فيه ثمراً إن كان من بيع أو ابتياع ، فإن كان القمح سلفاً فصالحه على ثمر يسلفه من إنسان ، وأمره أن يدفعه إليه ، فإنما له ثمراً .

(11/312)


قال محمد بن رشد : سؤاله في أول هذه المسائل عمن قضى عن رجل بغير أمره دراهم عن دنانير لغريمه ، هل يقضي من قضى عنه الدنانير التي كانت عليه أو الدراهم التي قضاها عنه ؟ فلم يجبه على ذلك بجواب بين ، إذ عدل في الجواب عما سأله عنه ، إلى ما قاله من أنه لا يحل أن يقضي رجل عن رجل دراهم ويأخذ منه دنانير ، والجواب البين في ذلك أن يرجع على الذي قضاه بما دفع إليه من الدراهم ، وتبقى الدنانير عليه لصاحب الحق كما كانت ، لأنه قضاء فاسد ، ولا اختلاف في هذا عندي إذا قضاه بغير أمره ، وإنما اختلف إذا أمره أن يقضي عنه دنانير لغريمه ، فقضاه دراهم أو أمره أن يقضيه قمحاً فقضاه ثمراً هل يرجع عليه بما أمره به من الدنانير والقمح بما دفع من الدراهم والثمر ؟ فقال : إنه يرجع بما ابتاع من القمح والدنانير ، ومرة جعله مصالحاً عن الذي عليه الحق بما دفعه إلى غريمه عنه من الدراهم أو الثمر فقال : إنه يرجع بالدراهم أو الثمن الذي دفع ، إلا أن يشاء الآمر أن يدفع إليه ما كان عليه ، يكون مخيراً في ذلك ، وهو معنى قول مالك في كتاب المديان من المدونة ، لأنه يربح في السلف ، ولو بين ، فقال : أصارفك لنفسي في الذهب الذي لك بهذه الدراهم ، وأنا ابتاع منك القمح الذي لك بهذا الثمر ، لوجب أن يرجع بالدنانير وبالقمح قولاً واحداً . وكذلك لو بين أيضاً فقال : أن أصالحك عن الذي عليه الدنانير والقمح ، بهذه الدراهم ، أو بهذا الثمر ، لوجب أيضاً أن يرجع بالدراهم والثمر قولاً واحداً ، إلا أن يشاء الآمر أن يدفع إليه ما كان عليه ، لأن من حقه أن يقول : لا أرضى بهذا الصلح ، إذ لم آمرك ، فإنما يرجع الخلاف في هذه المسألة إلى ما يحمل عليه الآمر عند الإبهام . ومن أهل النظر من ذهب على أن يجبر الآمر . قول ثالث في المسألة ، وليس ذلك عندي بصحيح .
وتحصيل الخلاف في المسألة في جواز القضاء فيها قولين أحدهما إنه لا يجوز ، ويفسخ من أجل

(11/313)


الخيار الذي للآمر ، فلا يدري المأمور بما رجع والثاني إنه يجوز ولا يفسخ من أجل أنه خيار أوجبه الحكم ، لم يدخلا عليه فلا تأثير له في صحة القضاء ، فقوله في هذه الرواية ولو كان صالح صاحب الحق بدنانير يدفعها عنه ، يريد : في دراهم عليه رجع عليه أيضاً بدراهم صحيحن لا اختلاف فيه عندي لأنه قد بين أنه إنما دفع الدنانير عن الذي عليه الحق صلحاً عنه فيما كان عليه من الدراهم ، بخلاف المسألة التي قبلها ، إذا قال له : اقضه عني دنانير ، فأعطاه دراهم ، تلك هي مسألة الخلاف ، إذ لم يبين على أي وجه دفع الدنانير عن الدراهم ؟ ، إن كان على وجه الصلح عن الآمر ، وعلى وجه المصارفة لنفسه . وقوله فيمن لزم رجل بصاع من قمح ، فقضى رجل عنه ثمراً إنها مثل الأول ، يريد : إنها مثلها في أنه قضاء يجب فسخه على ما بيناه ، من أجل أنه لم يأمر به . وقوله : فإن كان إنما أحلاه على رجل بقمح يعطيه إياه فأعطاه فيه ثمراً صالحه عليه ، فليس له أن يرجع عليه إلا بثمر ، خلاف قوله في المسألة التي قبلها ، وهي إذا قال أقضه عني دنانير فأعطاه بها دراهم ، فله دنانير ، إذ لا فرق بين أن يقضي دنانير عن دراهم ، أو ثمراً عن قمح ، إلا أن يفرق بينهما من أجل أنه في مسألة الدنانير مأمور لا حميل ، وفي مسألة القمح حميل ، لأنه لما أحاله عليه وهو لا دين عليه ، كان حميلاً . وقد فرق في المدونة في أحد أقاويله بين الحميل والمأمور ، ووجه الفرق بينهما أن الحميل إنما تحمل على أن يؤدي إلى الطالب ماله على المطلوب ويتبعه بما أدى على أن يشتري ما للطالب على المطلوب ، فيتبع به المطلوب ، فوجب أن يحمل أمره عند الإبهام على ما علم من قصده أو لا .
فيتحصل في المأمور والكفيل يدفع أحدها دنانير عن دراهم ، أو دراهم عن دنانير ، أو قمحاً عن ثمر أو ثمراً عن قمح ثلاث أقوال : أحدهما أن يرجع على المطلوب بما أدى إلى الطالب ، إلا أن يأبى المطلوب أن يعطي إلا ما عليه والثاني أن يرجع عليه بما كان للطالب عليه . والثالث الفرق بين الكفيل والمأمور ، فيرجع الكفيل على المطلوب بما أدى إلى الطالب ، ويرجع المأمور عليه بما كان للطالب عليه .

(11/314)


وقوله في الرواية : وإن كان القمح من بيعه باعه أو ابتاعه فإن ذلك لا يحل أن يأخذ فيه ثمراً بين ، لا إشكال فيه ، لأنه بيع الطعام قبل أن يستوفي . وأما قوله : فإن كان القمح سلفاً ، فصالحه على ثمر يسلفه من إنسان ، وأمر أن يدفعه إليه ، فإنما له ثمن ، فلا اختلاف فيه ، لأن المطلوب هو الصالح للطالب ، المستسلف للثمر ، فلا إشكال في أنه يرجع عليه بما أسلفه إياه من الثمر ، ودفعه يأمره إلى الطالب ، إلا أن الصلح لا يجوز ، إلا أن يقبض التمر في الوقت ناجزاً ولا يتأخر عن عقد الصلح . وقد قال ابن دحون فيها : إنه على قياس ما تقدم في الرجوع ، يريد أنه يدخل فيها من الاختلاف في الرجوع ، ما دخل فيما تقدم . وليس ذلك بصحيح على ما بيناه . وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل عن رجل تحمل ، رجل بثمن سلعة فوجد البيع فاسداً وقد فاتت السلعة ، فرجع بها إلى القيمة ، هل يلزم الحميل شيئاً ؟ قال : الحميل ضامن فيما بينه وبين أن تبلغ القيمة الثمن الذي تحمل به ، فإن زادت القيمة على الذي تحمل له ، يلزمه أكثر مما تحمل به .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة مضى الحكم عليها مستوفى في أول هذا الرسم ، فلا معنى لإعادة شيء منه . وبالله التوفيق .
ومن كتاب أوصى لمكاتبه
وسئل ابن القاسم عن الرجل يتحمل عن الرجل بعشرة دنانير ، فيدفعها الذي عليه الحق إلى الحامل ، ليدفعها إلى صاحب الحق ، بحضرة الذي عليه ، وبعلمه ، ولم يشهد عليه ، ثم يجحد الذي قبضها أن يكون قبض شيئاً . قال : على الذي كانت عليه أن يغرمها

(11/315)


ثانية ، لأن التقصير جاء من قبله ، إذ لم يشهد على براءة منها حين دفعها الحميل ، وإن كان بعلمه وبحضرته . قال : ولو كان الحميل دفعها ولم يشهد ولم يحضر الذي عليه الحق حين دفعها الحميل ، كان لها ضامن ، لأنه هو أهلكها حين لم يشهد على دفعها . ولو أن الحميل دفعها من ماله نفسه ، بحضرة الذي عليه الحق ، ثم جحد الذي قبضها أن يكون قبض شيئاً والذي عليه الحق يشهد أنه قد دفعها إليه أخذت من الذي عليه الحق ، إن كان موسراً ولم يتبعه الحميل بشيء من العشرة التي دفع ، وكانت مصيبة العشرة الأولى من الحميل ، ولو كان الذي عليه الحق دفعها بحضرة الحميل ، ولم يشهد ، ثم جحد الذي قبضها ، فإنها تؤخذ منه ثانية إن كان موسراً ، أو إن كان معسراً أو غائباً فأخذت من الحميل ، لم يرجع الحميل على الذي عليه الحق ، بقليل ولا بكثير ، لأنها مظلمة دخلت عليه . وهو يعلم أن الذي عليه الحق قد دفعها .
قال محمد بن رشد : قوله : إن الحميل إذا دفع العشرة إلى الطالب من مال المطلوب بحضرته دون إشهاد ، فأنكر الطالب إنه لا ضمان في ذلك على الحميل الدافع ، لأن التقصير كان من المطلوب الذي له المال إذا لم يشهد ، بخلاف إذا كان الدفع بغير حضرته صحيح ، على معنى ما في كتاب القراض من المدونة من المقارض يدفع ثمن سلعة اشتراها إلى البائع بحضرة رب المال ، فيجحد البائع الثمن ، فلا ضمان على الدافع ، وغرمها المطلوب ثانية ، بعد عين الطالب الجاحد ، فإن كان عديماً أو غائباً فأخذت من الحميل ثانية ، لم يرجع الحميل بها على المطلوب ، لعلمه أنه لا شيء قبله ، كما كان إذا دفعها المطلوب من ماله بحضرة الحميل ، فجحدها الطالب ، فأخذت من الحميل ثانياً لعدم المطلوب ، ولقيمته إنه لا يرجع بها على المطلوب ، لعلمه أنه قد أداها فلا شيء عليه منها ، وهو على قياس رواية عيسى عن ابن

(11/316)


القاسم في رسم استأذن من سماعه من كتاب الاستحقاق ، في الذي يستحق من يديه العبد وهو يعلم أنه من تلاد البائع ، إنه لا رجوع له عليه ، فيدخله في الخلاف ما في تلك ، حسبما مضى القول فيه هناك ، وإن دفعه بغير حضرته ،فهو ضامن لرب المال ، ويسوغ له تضمينه ، وإن علم أنه جحد أنه أتلفه عليه ، إذ لم يشهد على دفعه . وأما إذا دفع الحميل العشرة من ماله إلى الطالب بحضرة المطلوب ، ولم يشهد ، فجحد القابض ، فقال في هذه الرواية : إن مصيبة العشرة الدنانير من الحميل الدافع لها ، لأنه هو أتلفه على نسه ، إذ لم يشهد على دفعها ، فلا يرجع بها على المطلوب ، وتؤخذ العشرة من المطلوب ، فإن لم تؤخذ منه على قوله ، وأخذت من الحميل ثانية ، رجع بها على المطلوب . وقال في سماع أبي زيد : إنه أخذت من الحميل ثانية بحضرة المطلوب أيضاً ، رجع عليه بعشرين ، فإن لم تؤخذ منه ثانية على قوله ، وأخذت من المطلوب ، رجع بالعشرة الأولى على المطلوب .
والمعنى فيما ذهب إليه في رواية أي زيد هذه ، أنه رأى أن التقصير في ترك الإشهاد على الدفع ، كان على المطلوب ، إذ أداها بحميل عنه بحضرته إلى الطالب ، فجحدها ، لأن تلفها كان منه ، بتضييعه الإشهاد ، فوجب أن يرجع بها عليه . ورأى في رواية عيسى عنه ، أن التقصير في ترك الإشهاد على الدفاع ، كان من الحميل ، لأن المال ماله ، لا من المطلوب الحاضر ، فلم ير له بها عليه رجوعاً من أجل أنه هو أتلفها على نفسه ، وهو الأظهر ، لأن المال ماله ، فهو أحق بالإشهاد على دفعه من المطلوب ، وإن كان حاضراً . فهذا معنى اختلاف قول ابن القاسم في هذه المسألة . وقد ذهب بعض الناس إلى أن رواية أبي زيد تأتي على قياس قول ابن وهب وأشهب في سماع عبد الملك بعد هذا ، إلا أنه أرجع الحميل على المطلوب بما أدى عنه ، وإن علم أنه لا يجب عليه شيء ، من أجل أنه أدى عنه بعلمه ما تحمل به عنه بأمره ، كما أرجع ابن وهب وأشهب ، الحميل على صاحبه بما تحمل عنه يأمره ، وإن علم أن ذلك لا يجب عليه ، وأن رواية عيسى في هذه المسألة ،

(11/317)


تأتي على قياس روايته في رسم استأذن من سماع عيسى من كتاب الاستحقاق ، في الذي يستحق العبد من يده ، وهو يعلم أنه من بلاد البائع ، إنه لا رجوع له عليه بشيء من الثمن الذي دفع إليه ، وليس ذلك عندي بصحيح ، لأن اختلاف قول ابن القاسم في رواية عيسى وأبي زيد عنه في هذه المسألة ، إنما هو مبني على الاختلاف فيمن تعين عليه الإشهاد منهما ، على الدافع ، حسبما ذكرناه . وأما قول أشهب وابن وهب في سماع عبد الملك ، فليس بمخالف لشيء من ذلك ، لأنها مسألة أخرى لا يتصور إلا دخول الاختلاف فيها عندي . حسبما نبينه في موضوعه إذا مررنا به . وبالله التوفيق .
ومن كتاب أوصى أن ينفق على أمهات أولاده
وسئل عن رجل قال لعبده : إن جئتني بخمسين ديناراً فأنت حر ، فتحمل بها رجل للسيد ، وعجل له العتق . قال : حمالته ثابتة تلزمه ، لأنها حمالة في حرمة ثبتت ، بمنزلة من قال لرجل : أعتق عبدك ، ولك علي خمسون ديناراً إلى أجل ، فدلك الحق يلزمه . قيل له : أيرجع الحميل على العبد ؟ قال : نعم ذلك له .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة صحيحة ، مثل ما في المدونة من أن الحمالة للسيد بكتابة مكاتبه ، لا تجوز ، إلا أن يعجل العتق ، فإن فعل فأدى عنه كان له أن يرجع عليه . وبالله التوفيق .
مسألة
قال : إذا اشترط على الحميل أن حقي عليك ، لست منه في شيء ، أو كتب عليهما ، إن حقه عليهما جميعاً ، حيهما عن ميتهما ، وأيهما شاء أخذ ، كان حقه لازماً للحميل ، وإن كان

(11/318)


الغريم ملياً ، فليأخذ من الحميل جميع حقه إن شاء ، وإن لم يكن كذلك . قال مالك : بدئ بمال الغريم ، إلا أن يكون الغريم غائباً أو مفلساً .
قال محمد بن رشد : قوله : إذا اشترط على الحميل ، إن حقي عليك لست منه في شيء ، معناه : أنه اشترط على الحميل أن حقه عليه . وقال للذي عليه الأصل : لست أنت منه في شيء ، أي لا شيء عليك منه . وإذا قال ذلك له ، فقد أبراه مما كان عليه ، لاشتراطه إياه على الحميل ، فمساواته بين ذلك وبين أن يشترط أن حقه عليهما جميعاً حيهما من ميتهما ، وأيهما شاء ، مثل رواية مطرف عن مالك في الواضحة خلافاً لما في المدونة في إبراء الغريم ، واشتراط حقه على الحميل ، لأن الظاهر من قول فيها : إنه لا رجوع له عليه بحال . وقد قيل : إن معنى قوله : إنه لا رجوع عليه ، إلا أن يموت الحامل أو يفلس ، على ما روى ابن وهب عن مالك . وقال ابن الماجشون شرطه باطل ، ولا يعدى عليه حتى يبلى الغريم . وهذا الاختلاف عندي إنما هو إذا أبرأ الطالب الغريم من أن يكون عليه رجوع ، أو تباعة ، أو الحميل يرجع عليه بما أدى عنه ، وأما إن وقع الشرط على ألا تباعة لواحد منهما قبله . فقد أسقط الدين عنه ولم يكن لواحد منهما رجوع ولا تباعة قولاً واحداً . وقد يحتمل أن يكون معنى ما تكلم عليه ابن القاسم ، أنهما أبرآه جميعاً ، فيكون قد تكلم على غير الوجه الذي تكلم عليه مالك في رواية ابن وهب . وبالله التوفيق .
مسألة
قال ابن القاسم كل حميل قال : حقك علي ، دع صاحبك لا تكلمه ، فإن الحق عليه ، وإن كان الذي عليه الحق ملياً ، كان

(11/319)


صاحب الحق مخيراً فيه ، وفي الحميل إذا قال حقك علي ، مثل أن يقول صاحب الحق للذي عليه الحق : أنا أخاف شغبك وكلامك ، فقال الحميل : حقك علي ، لا تكلمه فإن الحق على الحميل وإن كان الغريم ملياً .
قال محمد بن رشد : القول في هذه المسألة ، كالقول في التي قبلها سواء ، لاتفاقهما في المعنى ، وإن اختلف اللفظ . وبالله التوفيق .
ومن كتاب سلف ديناراً في ثوب
قال ابن القاسم : من تحمل بوجه رجل إلى أجل فمات التحمل به ، وهو مع صاحبه في البلد الذي هو له قبل الأجل ، فلا شيء على المتحمل ، لأنه حين مات قبل الأ<ل ، لم يلزمه من حمالته شيء ، حتىي طلبه ، وإن مات بغير البلد الذي تحمل به فيه قبل الأجل ، وكان المكان لو كان حياً لم يأت به حتى يمضي الأجل ، فهو ضامن له ، وكذلك لو مات بعد الجل بغير البلد ، كان ضامنا له ، طلبه أو لم يطلبه ، لأنه لو طلبه منه لم يقدر على أن يأتيه به . قال ابن القاسم : وكل ما قلت لك من خلاف هذه المسألة فيها ، فدعه ، وخذ بهذا . وإن مات بغير البلد قبل الأجل ، وكان فيما بقي من الأجل ما يأتي به فيه ، فلا شيء عليه . قال سحنون : وسألت ابن القاسم عن الرجل يتحمل بوجه الرجل إلى أجل ، فيموت المتحمل به قبل الأجل أو بعده ، قال : إ ، كان حاضراً أو مات في الحضر ، فلا شيء على الحميل ، وإن كان غائباً فمات نظر ، فإن كان بموضع لو كلف أن يأتي به أتاه به في الأجل أو بعده بشيء ، لم يكن على الحميل غرم ، وإن كان بموضع لو كلفه أن يأتي به لم يأت

(11/320)


إلا إلى أبعد من الأجل بكثير فأراه ضامناً .
قال الإمام القاضي : رواية سحنون عن ابن القاسم ، في أنه إن مات قبل الأجل من غير البلد بموضع لو كلفه أن يأتي به لأتى به في الأصل أو بعده بشيء ، يريد : بمقدار مكان يتلوم له فيه لو طلبه لم يكن عليه غرم ، وإن كان بموضع لو كلفه الإتيان به إلى أبعد من الأجل بكثير ، فأراه ضامناً ، يحمل على التفسير لرواية عيسى عن ابن القاسم هذه ، ولما حكى ابن حبيب عنه في الواضحة من رواية أصبغ . ومثل هذا في كتاب ابن المواز وهذا كله خلاف لما في المدونة من قوله : وإن أخذ الحميل بالغريم ، والغريم غائب ، فحكم على الحميل وأغرم المال ، ثم طلعت للحميل بينة ، أن الغريم كان ميتاً قبل أن يحكم على الحميل ، ارتجع ماله ، لأنه لو علم أنه ميت حين أخذ منه الحميل ، لم يكن عليه شيء ، لأنه إنما تحمل بنفسه ، وهذه نفسه قد ذهبت ، فعلى مذهبه في المدونة ، إذا مات لا يبالي حيث مات ، تسقط الحمالة بموته ، مات في مغيبه أو في البلد ، وهو قول أشهب . وقد دل على اختلاف قوله في هذه المسألة قوله : وكل ما قلته من خلاف في هذه المسألة فدعه وخذ بهذا ، ولو أتى الحميل بالغريم عند الأجل ، والطالب غائب ، لما بريء بإتيانه به حتى يجمع بينه وبين صاحبه ، إلا أن يكون شرط عليه عند الحمالة أنك إن غبت ولم توكل من يقتضي مني ، فلا حمالة لك علي ، ويكون ذلك له إذا أحضره عند الأجل ، ويرى من حمالته بإشهاده على إحضاره قال ذلك ابن حبيب في الواضحة . ولو لقي الحميل المتحمل مساءً وصباحاً حتى تمر به الأعوام ، بعد حلول الأجل ، لما بريء من حمالته إن غاب بعد ، فطلبه به حتى شهد له بالبراءة من حمالته . رواه أصبغ عن ابن القاسم في بعض الروايات ،

(11/321)


وقد اختلف إذا غاب الغريم فقضي على الحميل بالغرم ، فلم يؤخذ المال منه حتى أتى به ، فقال في المدونة يغرم ما قضى عليه به ، وقد مضى الحكم ومثله في العشرة لابن القاسم ، وقال سحنون : إن أحضره قبل أن يغرم بريء . وبالله التوفيق .
ومن كتاب إن خرجت من هذه الدار
وسئل ابن القاسم عن رجل اشترى هو وغلامه سلعة من رجل إلى أجل ، وكتب عليهما جميعاً حظه ، وبعضهما حميل ببعض ، فباع الرجل العبد قبل الأجل ، هل يكون على سيد العبد أن يدخل له حميلاً ما كان ؟ وهل يحل عليه هذا الحق حين باع العبد ؟ قال : ليس عليه شيء حتى يحل الأجل ، وليس عليه أن يدخل له حميلاً ما كان للعبد ، وهو يبيع العبد حيث كان ، فإن رضي المشتري أن يحسبه بما عليه من الحمالة ، كان له البيع ، وإلا رده ، إلا أن يشاء بائع العبد أن يخرجه من ذلك العيب بالقضاء عنه ، ويلزمه المشتري البيع ، وذلك إذا لم يعلمه .
قال محمد بن رشد : لم ير أنه يجعل بيع العبد قبل الأجل ما تحمل به العبد عنه إلى الأجل ، ولا أن يقيم له حميلاً سواه ، وهو كمال قال ، لأن حمالة العبد عن سيده لا تبطل عنه بيعه إياه ، لأنه إن بين ذلك للمشتري لزمه ، وإن كان لم يبين له به كان بالخيار بين أن يمسكه بما عليه من الحمالة ، وبين أن يرده ، وفي إجازة بيعه إياه نظر ، لأنه بنفس البيع يكون منتزع المال ، والعبد المأذون له بالتجارة إذا كان عليه دين ، فليس لسيده أن ينتزع ماله ، لأن انتزاعه إياه ، إبطال للدين الذي في ذمته ، فمعنى المسألة عندي أن العبد محجوز عليه ، لأن ما لزم ذمة العبد المحجور عليه من الدين الذي لا يجوز

(11/322)


للسيد أن سقط ذلك من ذمته ، كنحو هذا الدين الذي علم به فأمضاه ، لا يكون إلا فيما وهب له أو تصدق به عليه ، فيكون لسيده أن ينتزع ما سواه من ماله .
وقد مضى في رسم مرض من سماع ابن القاسم ما فيه بيان هذه المسألة . وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل عن الرجل يكون له على الرجل الحق إلى أجل ، فيتقارب الأجل ، فيريد الذي عليه الحق سفراً ، ويتعلق به صاحب الحق ، ويقول له : إنك تريد سفراً ، وأنا أخاف أن يحل أجل ديني ، وأنت غائب ، ولكن أعطني حميلاً إن غبت عني يقوم لي بحقي . قال : ينظر في ذلك السلطان ، فإن رأى الأجل سيحل قبل أن يقضي سفره لبعد المكان الذي يريد في مثل ما بقي من الآجل ، كان عليه أن يعجل له حميلاً ، وإلا لم يكن عليه حميل ، ويحلف بالله ما أريد إلا سفراً لمثل ما يخرج إليه من التجارة ، وطلب الحوائج الغربية مما يأتي في مثله ويخليه :
قال محمد بن رشد : لم يذكر في المدونة من كتاب السلم الثاني منها يمينه في هذه المسألة . وقال ابن أبي زيد في اختصاره لها : يريد :و يحف في هذه المسألة والله أعلم . وكذلك لم يذكر يمينه في مسألة كتاب النكاح الثاني من المدونة في الزوج يريد سفراً أنه ينظر إلى سفره الذي يريد ، فيفرض لزوجته قدر ذلك ، فيرجع إليها ويأتيها بحميل يجبر به لها ومعناه ، بعد يمينه إن زعمت أنه يريد السفر إلى ما هو أبعد من ذلك . اليمين يمين تهمة ، فيدخل في لحوقها ابتداء ، وفي رجوعها إذا لحقت على القول بأنها تلحق ما يدخل في يمين التهمة ، وقد ذكرنا ذلك في غير ما موضع وبالله التوفيق .

(11/323)


ومن كتاب أسلم وله بنون صغار
قال وكتب إلى ابن القاسم ، قاضي الإسكندرية ، يسأله عن رجل أسلف رجلاً ديناراً إلى أجل ، وأخذ عليه حميلاً ، فلما حل الأجل لقي الرجل الذي عليه الدينار ، فقال : اقضني الدينار ، فقال ليس عندي ، ولكن أجعله لك في عشرة أراديب شعيراً إلى الغلة . وكتب عليه بها ذكر حق ، ثم لقي الحميل ، فقال له : قد بريت من الدين الذي تحملت لي به عن فلان ، فأشهد له بالبراءة ، حتى مضى له شهر ، ثم رجع فقال : هذا مكروه ، ولم أعلم ، وتعلق بالحميل ، أفله أن يرجع إليه أم لا ؟ قال : ليس له أن يرجع على الحميل ، وقد برأ الحميل من الحمالة ، ولا ينفعه ما جعل من ذلك شيء ، ولا ينفعه الحرام الذي جعل فيه ، ويرجع على صاحبه ، والحميل بريء .
قال محمد بن رشد : إنما بطلت عن الحميل بالدينار الحمالة ، من أجل أن المحتمل أبرأ÷ منها بما ظن من جواز فسخ الدينار في الشعير إلى أجل ، فلم يعذره بالجهالة ، لأنه أصل مختلف فيه ، فيأتي على القول بأنه يعذر بها إذا كان ممن يمكن أن يجهل مثل هذا أن يحلف ما أبرأه من حمالة الدينار ، إلا وهو يظن أن الدينار قد بطل عن المطلوب بالشعير ، الذي سلمه فيه . وهذا نحو ما حكى ابن حبيب عن أصبغ في الحميل بما على الغريم إذا أخذ الذي له الحق من الغريم ، عبداً بالحق ، ثم استحق العبد من يده ، فرجع إلى الغريم بما كان عليه ، فلا سبيل له إلى الحميل ، وقد بريء الحميل حين أخذ من الغريم بالحق ما أخذ وبالله التوفيق اللهم لطفك .

(11/324)


ومن كتاب الثمرة
قال : وقال مالك في رجل قال : أشهدكم من داين فلاناً فأنا حميل بما بويع به ، فأتاه رجل ، فقال : إن على فلان حقاً ولا بينة له عليه إلا إقرار من المتحمل به ، وهو يقر أن له عليه حقاً وليس لصاحب الحق عليه بينة ، قال : لا يكون على الحميل غرم شيء مما أقر به المتحمل به ، إلا ببينة تقوم لصاحب الحق على حقه عليه ، وكذلك الرجل الذي يشكو الرجل عند القوم ، أنه مطله ، فيقول رجل : مالك عليه ، فهو علي ، فيقر له الذي قبله الحق بألف دينار ، إنه لا يجوز إقراره على الحميل ، ولا يقبل قوله ، ولا يكون له على الحميل شيء ، إلا ما أثبت عليه بالبينة .
قال محمد بن رشد : قوله : في الذي قال : أشهدكم أنه من بايع فلاناً فأنا حميل بما بويع به ، إنه لا يلزمه الحمالة بالإقرار من المتحمل به ، مثله في المدونة ، لأنه قال فيها في الذي قال لرجل ، بايع فلاناً فما بايعته به من شيء ، فأنا ضمين للثمن ، إن الضمان يلزمه إذا أثبت ما بايعه به ، إذ لا فرق بين المسألتين ، زاد غيره فيه على سبيل التفسير ، وإنما يلزم من ذلك ما كان يشبه أن يداين بمثله المحمول عنه ، ولا اختلاف في ذلك عندي ولا في المسألة التي أدخلها عليها بقوله : وكذلك الرجل يشكو الرجل عند القوم ، وقد مطله إلى الغرماء . وقد كان ممن أدركناه من الشيوخ ، يذهب في هاتين المسألتين مخالفتان لما يدل عليه قوله في المدونة للذي يقول : لي على فلان ألف درهم ، فيقول له رجل : أنا لك بها كفيل ، فيجيء فلان ، فينكر أنه لا شيء على الكفيل ، إلا أن يقيم البينة على حقه ، لأن الذي عليه الحق قد

(11/325)


جحده ، دليل على أنه لو أقر ولم يجحده للزم الحميل الحمالة ، وليس ذلك عندي بصحيح ، إلا أن المسألتين مفترقتان ، وإذا قال الرجل : لي على فلان ألف دينار ، فقال له رجل : أنا لك بها كفيل ، ألزم الكفيل غرمها إذا أقر بها المطلوب ، قولاً واحداً .
وإذا قال الرجل : لي على فلان حق ، فقال له رجل : أنا لك به كف يل ، فقال المطلوب : له علي ألف دينار ، لم يلزم الكفيل غرم ألف بالكفالة ، إلا أن يثبتها على المطلوب بالبينة قولاً واحداً ، بمنزلة من قال لرجل : أنا ضامن لما بايعت به فلاناً ، وأنا ضامن لما بويع به فلان ، وإنما اختلف إذا قال لرجل : أنا كفيل لفلان بألف دينار له على فلان ، على ثلاثة أقوال : أحدها إنه يلزمه غرمها بالكفالة ، وإن أنكر المطلوب أن يكون له عليه شيء ، وهو قول ابن القاسم في أول عبد ابتاعه من سماع يحيى بعد هذا ، ومثله في كتاب ابن سحنون من سؤال ابن حبيب ، قال في المدعي عليه ينكر الدين ويقر الحميل به إنه يضمن ذلك ويؤديه ، فإن كانت للمدعي بينة ، فهل يقيمها ليطلب الغريم قبل الحميل ، حتى يعوزه طلب الغريم ؟ فقال : لا ، وإنما يؤخذ الحميل من مثل هذا ، فله أخذ الضامن بحقه عاجلاً ، ثم للضامن أن يقوم بتلك البينة على الغريم بما ضمن عنه . والقول الثاني : إنه لا يلزمه غرمها إذا كان منكراً ، وهو قول مالك في رواية أشهب عنه . والقول الثالث : إنه يلزمه غرمها وإن كان هكذا ، إذا كان معدماً . وهذا القول يقوم من قول ابن القاسم في أول رسم من سماعه من كتاب الشهادات .
وقد مضى هناك وجهه وتحصيل القول في المسألة ، وبالله التوفيق .
ومن كتاب حبل حبلة
قال وسألت ابن القاسم عن الرجل يشتري اللحم بدرهم من الجزار ، ويعطيه به حميلاً ، فيغرم الحميل الدرهم إلى الجزار ، هل

(11/326)


يجوز له أن يأخذ بصاحبه بذلك الدرهم شيئاً من الطعام قال لا بأس به .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال : لأن الحميل لم يدفع طعاماً ، إنما دفع درهماً ، فجاز له أن يأخذ به طعاماً ، ولو أراد الجزار أن يأخذ بذلك الدرهم من الحميل طعاماً لم يجز ، لأنه دفع طعاماً ، فلا يجوز له أن يأخذ منه إلا ما كان يجوز له أن يأخذه من الذي أحاله حسبما يأتي القول عليه في سماع أصبغ بعد هذا إن شاء الله .
ومن كتاب الرهون
وقال في رجل هلك وعليه دين لا يدري كم هو ؟ وقد ترك مالاً من عين وعرض ، لا يدري كم هو ؟ ولم يحصل ولم يعلم ، فيقوم بعض ورثة الميت ، فيقول لغرمائه : أنا أتحمل لك بجميع دينه على أن تخلو بيني وبين جميع ما ترك ، إن ذلك لم يزل من أمر الناس المعروف إذا كان ذلك من الحميل على وجه المعروف والتماس الخير للميت ولورثته ، كان الحق الذي يحمل به على الميت نقداً أو إلى أجل . وتفسير ذلك أن يكون أمر الحميل والذي يجمع عليه ، أنه إن كان فيما ترك الميت فضلاً عن دينه . كان لجميع الورثة ، ولم يكن للحميل من بين الورثة ، وإن قصر المال

(11/327)


عن قضاء الدين ، كان على الحميل ما بقي من قضاء الدين بعد ذهاب المال خاصة ، دون الورثة ، فإن كان هذا وجه اصنع ، ودخل به الحميل في الحمالة ، لم يكن به بأس ، وإن كان إنما تحمل بالدين على أن يكون له ما فضل من المال بعد وفاء الدين خاصة ، دون الورثة ، لم يصلح ، لأنه غرر ،يحمل على أن يكون ضامناً بما نقص المال عن وفاء الدين ، على أن يكون له ما زاد المال ، فصار ذلك بيعاً من البيوع ، يحله ما يحل البيع ، ويحرمه ما يحرم البيع ، أو يكون يريد أن يأخذ تركة الميت على أن يضرب له أجلاً مستأخراً ، فيأخذ قليلاً على أن يعطي أكثر منه إلى أجل ، في ذلك ذهب وورق بأشياء غير مسماة ولا معلومة من تركة الميت ، فيدخل في ذلك غرر عظيم ، وبيع ما لا يحل بيعه متفاضلاً إلا مثل بمثل ، ويداً بيد ، ولا إلى أجل . ولا يرى ابن القاسم به بأساً ، إن كان وارثاً واحداً ، لا وارث له غيره ، إن ذلك لا بأس به ، كذلك قال مالك .
قال محمد بن رشد : رأيت لابن دحون في هذه المسألة ، أنه قال فيها : إنما جازت هذه المسألة على المسامحة ، وبما جرت به عادة الناس ، وأصلها ألا تجوز ، لما فيها من المجهول . وقد تكررت في كتاب المديان ، في رسم أخذ يشرب من سماع ابن القاسم . وفي رسم البيوع من سماع أشهب مضى الكلام عليها هناك مستوفى . وبالله التوفيق .
مسألة
وقال في قوم كانت بينهم نائرة فخرج رجل منهم ، فقال له رجل من الناس : أنا أضمن لك عقل جرحك هذا ، وانطلق فرجع إليه بعد ذلك فقال : لا أضمن لك شيئاً ، فقال : ذلك له لازم ، إذا كان على وجه الحمالة والإصلاح بين الناس ، وكان صاحب الجرح

(11/328)


قد قبل ذلك منه ورضي به ، وإنما ذلك في الخطأ مما فيه دية أو عمد ، اصطلحوا فيه على يديه .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال ، إن ذلك لازم له ، يريد في الحياة والموت ، كان على وجه الحمالة وإصلاح ، وكان صاحب الحق قد قبل ذلك ورضي به ، والجرح خطأ مما فيه دية ، أو مد اصطلحوا فيه على دية . إنما شرط في لزوم الحمالة رضاء صاحب الجرح بما دل عليه مساق اللفظ ، من أنه إنما تحمل له بعقل الجرح عنهم ، على أن يترك طلبه قبلهم ، ولو كان هذا من التزامه الحمالة على غير هذا الوجه ، مثل أن يقول في مغيبها شهدكم أني ضامن لفلان عقل جرحه ، وتلزمه الحمالة وإن كان لم يقل قد قبلت ورضيت ، إذا كان الجرح أيضاً خطأ أو عمداً اصطلحوا على دية ، ومعنى ذلك في العمد ، إذا كان الجرح ليس له عقل مسمى وإنما فيه القصاص ، وأما لو كان مما له عقل مسمى ، كفقيء العين ، وقطع اليد ، وجذع الأنف ، وما أشبه ذلك ، للزمت لما في ذلك الكفالة بدية العمد المعلومة في ذلك ، ولم يكن له رجوع بها على الجاني ، إذ لا يلزمه إلا برضاه ، وكذلك لو ضمن رجل عن رجل مال حق عن جنايته على الناس ، للزمه ، قال ذلك أصبغ ، حكى ابن حبيب عنه في الرجل يكون له الولد الفاسق المتعسف على الناس بالقتل وأخذ المال ، فيأخذه في ذلك ، ويريد عقوبته ، فيقول له : لست بعائد إلى ذلك ، وأنا أعطيك حملاً يتحملون ، كما أجترمته من قتل أو حد أو أخذ مال ، فذلك عليهم ، فيفعل ، أرى ذلك لهم ، ويؤخذون بكل ما يؤخذ به ، إلا أنهم لا يقتلون بمن قتل . وفي قوله : إنهم يؤخذون بكل ما يؤخذ به ، إلا أنهم لا يقتلون بمن قتل ، إشكال فيحتمل أن يريد بذلك ، أنه يؤخذ بكل ما اجترم من المال ، ولا يؤخذ بالقتل ولا بالجراح ، ويحتمل أنهم يؤخذون بالذمة بالقتل ، ولا يقتلون ، وكذلك الجراح ، وهو الأظهر ، فيكون

(11/329)


المجني عليه بالخيار ، بين أن يقتص منه ، أو يأخذ الدية منهم بالضمان الذي التزموه ، لأنه ترك عقوبته التي لعلها كانت تردعه بسبب ضمانهم . وبالله التوفيق .
ومن كتاب الجواب
وسألته عن الرجل يتحمل عن ابنه لامرأته بصداقها ، والرجل الأجنبي ، يتحمل بمثل ذلك عن الأجنبي ، فيغيب الزوج قبل أن يبتني بالمرأة ، فيطلب أهل المرأة أخذ الصداق من الحميل . قال ابن القاسم : إن كانت غيبته قريبة الأيام اليسيرة ، وما أشبه ذلك ، الذي ليس فيه ضرر ،وبعث في الزوج وأتى به ، فإن جاء فأعطاها الصداق ، وإلا أخذ الحميل ، وإن كانت غيبته بعيدة ، أو لا يدري أين هو ؟ ولا يعرف موضعه ، أخذ لها من الحميل الصداق ، ولم يضرب له أجل في ذلك ، وإن جاء الزوج فطلق ، رجع عليها بنصف الصداق ، وهو إذ لم يعرف موضعه بمنزلة المفقود ، لأن امرأة المفقود يتعجل صداقها وإن لم يكن داخل بها ، لأن مالكاً قال في امرأة المفقود ، شيء هو لها واجب ، فإن جاء الزوج فطلق ، رجع بالنصف ، وإلا فهو حق ، لها ، قال : وإن طلبوا من الحميل بالصداق في مسألتك النفقة ، فليس ذلك لهم عليك . وقد قال مالك في امرأة المفقود إن قدم زوجها وقد تزوجت : لم يرجع عليها بشيء ، ولم يكن بنى بها وبه يأخذ عيسى ، وليس من رواية عيسى . وفي رواية سحنون . قلت لابن القاسم : الرجل يفقد قبل دخوله بأهله ، فيفرق بينهما بعد الاستقصاء ، وتعطى صداقها كاملاً ، ثم تتزوج ،فيأتيها زوجها قال : يرجع عليها بنصف صداقها .

(11/330)


قال محمد بن رشد : قوله في الحميل بالمال إذا غاب المتحمل به : إنه يتلوم له في الغيبة القريبة الأيام ، يريد اليومين والثلاثة ، خلاف ما في سماع يحيى بعد هذا في رسم المكاتب ، من أن الحميل بالمال لا يؤجل ولا يؤخر وهو كالغريم بعينه ، ولا اختلاف في هذا على اختلافهم في الحميل ، هل يكون الطالب مخيراً فيه وفي الغريم ، يتبع أيهما شاء ؟ إن كان الغريم ملياً ، أو لا يكون له على الحميل سبيل ، إلا في عدم الغريم أو مغيبه ، فرواية عيسى هذه على ما اختاره ابن القسم من قولي مالك ورواية يحيى على قول مالك الأول إن الذي له الحق مخير في الغريم والحميل ، يتبع أيهما شاء في اليسر والعدم ، والغيب والحضور . وأما الحميل بالوجه ، فإنه يتلوم له إذا حل الأجل . قال في المدونة ، اليوم ونحه . قال في كتاب ابن المواز : اليوم واليومين قال في سماع يحيى بعد هذا : اليوم واليومين والثلاثة . وفي كتاب محمد بن المواز لابن وهب في حميل الوجه إذا غاب الغريم ، إنه يقضي عليه بالغرم ، ولا يضرب له أجل يطلبه ، وهو بعيد ، لأن الحميل بالوجه ، يبدأ بإحضار الغريم ، ملياً كان أو معدماً ، والحميل بالمال ، لا يبرأ بإحضار الغريم معدماً . واختلف ، هل يبرأ بإحضاره ملياً ؟ فعلى هذا الاختلاف يأتي الاختلاف في التلوم له الأيام اليسيرة ، حسبما ذكرناه .
وأما قوله : إن الحميل بالصداق يؤخذ بجميعه إذا غاب الزوج قبل البناء فهو صحيح ، على قياس القول بأن المرأة يجب لها بالفقد جميع الصداق ، ويسقط نصفه ، إلا نصف الصداق ألا يقضي على الحميل إذا غاب الزوج قبل البناء إلا بنصفه ، ويأتي على قياس القول بأن الصداق يجب على الزوج جميعه بالعقد وجوباً غير مستقر ، فيستقر لها نصفه بالطلاق ، وجميعه بالموت والدخول ألا يقضي على الحميل بشيء من الصداق إذا غاب الزوج قبل الدخول ، حتى يأتي ، فيطلق فيقضي عليه بالنصف ، ويدخل فيقضي عليه بالجميع ، وهو قول ابن الماجشون في امرأة المفقود قبل البناء ، إنها لا يقضي لها بشيء من الصداق حتى يأتي وقت ، لو قدم الأول ، لم يكن له إليها سبيل ،

(11/331)


وهو أن يتزوج ويدخل بها الزوج ، أو لا يدخل ، على اختلاف قول مالك في المدونة . وقيل : إنه لا يقضي لها إلا بنصفه ، فإن بلغ من السنين مالاً يحيى إلأى مثلها ، أو ثبتت وفاته ما بينه وبين أن تبين منه بالدخول أو التزويج ، على الاختلاف المعلوم في ذلك ، قضى له ببقيته . حكى هذا القول سحنون وابن الجلاب . والمشهور في المذهب قول ابن القاسم . وروايته عن مالك ، أنه يقضي له بجميعه . واختلف قول ابن القاسم إن جاء زوجها بعد أن تتزوج ويدخل بها زوجها . ولا يدخل على اختلاف قول مالك في ذلك ، فمرة قال : إنه لا يرجع عليها ، لأنها قد انتظرته وضيق عليها ، واعتدت منه ، ومنعها النكاح ، وهو قوله في رواية عيسى عنه . ومرة قال : إنه يرجع عليها ، وهو الصحيح في النظر والقياس .
وظاهر قوله في هذه الرواية إذا كان لها الصداق كاملاً ، فهو يعجل لها : إنه يعجل لها وإن لم يحل أجله ، مثل قول أصبغ في الواضحة إن كالئها يحل ، وهو الذي يدل عليه قول مالك في رسم أسلم من سماع عيسى من كتاب طلاق السنة ، فإذا مضى لامرأته أربع سنين ، وأربعة أشهر وعشر ، أعطيت صداقها إن كان له قبله من حقها أن تأخذ صداقها إن كان حالاً قبل ضرب الأجل وقبل العدة ، لأنه دين من الديون ، يحكم لها به دون تلوم إذا غاب غيبة بعيدة ، وإن عرف حياته .
وقد مضى القول في هذه المسألة مستوفى في رسم أسلم من سماع عيسى من كتاب طلاق السنة ، وفي سماع سحنون من كتاب النكاح . وبالله التوفيق .
من كتاب القطعان
وقال ابن القاسم في رجل : كان له على رجل عشرة دنانير ، فيأتيه يتقاضاه ، فقضاها إياه ، فذهب بها يرى وجوها أو يزنها فألفها قبيحة الوجه ، أو ناقصة الوزن ، فجاءه بها ، فقال له : إنما أخذتها

(11/332)


من فلان ، فاذهب إليه بها ، فإنه سيبد لها فانطلق بها ، فوقعت منه بالطريق ، فذهبت قال : إن كان قبضها منه ثم دفعها إليه فقال : أذهب بها إلى فلان ليبد لها لك ، فضاعت ، فمصيبتها من الذي عليه الحق ، وإن كان لم يقبضها منه ، فمصيبتها من الذي وقعت منه .
قال محمد بن رشد : لم ير أن تنتقل الدنانير من ذمة المقتضي لها من حقه إلى أمانته ، بقول الدافع لها : اذهب إلى فلان ليبد لها لك ، حتى يأخذها منها ، ثم يردها إليه مرسلاً له بها . ومثله من سماع ابن القاسم من كتاب البضائع والوكالات ، وفي كتاب السلم الأول من المدونة في الذي يسلم الثوب في طعام يحرقه رجل في يديه قبل أن يقبضه المسلم إليهن لأنه قال فيه : إن كان إنما تركه وديعة في يديه بعدما دفعه إليه ، فأرى قيمته على من أحرقه والمسلم على حالة . وعلى هذا يأتي قوله في كتاب القراض من المدونة ، يضيع منه بعضه ،فيخبر بذلك رب المال ، فيقول : اعمل بما بقي في يديك قراضاً ، إنه على القراض الأول ، وإن حضر المال وحاسبه ، ما لم يدفعه إليه ، ثم يرده عليه قراضاً مستأنفاً ، خلاف ما حكى ابن حبيب في الواضحة عن مالك ، وربيعة ، ومطرف ، وابن الماجشون ، والليث ، وجماعة من أصحاب مالك ، إلا ابن القاسم ، فإنه كان يشدد فيه ويقول : هو على القراض الأول حتى يدفعه إليه ثم يرده عليه ، فيأتي على قول في مسألتنا : إن الدنانير تنتقل من ذمة المقتضي لها إذا احضرها بقول الدافع لها : اذهب بها إلى فلان ، فإنه سيبدلها يأخذ منه في ذمته على حالها فتكون مصيبتها منه ، وإن قامت بينة

(11/333)


على تلفها ، وتكون على حالها في يديه كالرهن ، لا يضمنها إن قامت بينة على تلفها ، والظاهر من المدونة أنها تبقى في ذمته على حالها ، والأشبه على مذهبه في السلعة المحبوسة بالثمن ، أنها تكون كالرهن في يديه ، لأنها تشبهها ، إذ قد التزم له أخذها على أن يعوضه منها ، فيتخرج على هذا في المسألة ثلاثة أقوال : أحدها إنها تنتقل إلى أمانته ، فيصدق في تلفها ، وهو الذي يأتي على ما حكاه ابن حبيب عن من ذكرناه والثاني إنها تبقى على حالها ، فتكون مصيبتها منه ، وإن قامت بينة على تلفها ، والظاهر أيضاً من هذه الرواية .
والثالث الفرق بين أن تقوم بينة على تلفها ، أو يدعي ذلك ، ولا يعرف إلا بقوله ، وهو الذي يأتي على القول بأن السلعة المحبوسة بالثمن كالرهن . وبالله التوفيق .
ومن كتاب باع شاة
وسألته عن نصراني سلف نصرانياً خمراً أو خنازير ، وتحمل له نصراني بالخمر والخنازير ، فأسلم الحميل ، وأعدم الذي عليه الحق ، قال : فليس على الحميل الذي أسلم شيء ، ويتبع النصراني غريمه النصراني . قال ابن القاسم : وكل حمالة كان أصل شرائها حراماً فليس على المتحمل مما تحمل شيء .
قال محمد بن رشد : هذه المسألة قد مضى القول عليها مستوفى في أول رسم العرية فلا وجه لإعادته . وبالله التوفيق .
مسألة
وسألت عن الرجل كان للرجل عليه صك بخمسين ديناراً ،

(11/334)


فتحمل عنه رجل بخمسة وعشرين ديناراً منها ، ثم فلس الغريم ببيع ماله ، فلم يأخذا المحتمل له بالخمسة والعشرين ديناراً من الخمسين التي له على المفلس إلا بثلاثين ديناراً ، لم يطرأ من المحاصة غيرها . هل على الحميل العشرون كلها أو نصف العشرين ؟ أو تكون الثلاثون التي تقاضا بين الحمالة وبين الذي له من غير الحمالة ؟ قال ابن القاسم : تكون الثلاثون التي تقاضيا بين الحميل وبين الغريم ، ولا تكون على الحميل من العشرين الباقية إلا عشرة دنانير ، ويتبع صاحب الحق الغريم المفلس . وقال سحنون في الحمالة مثل قول ابن القاسم سواء .
محمد بن أحمد : - مذهب أصبغ أن على الحميل العشرين الباقية ، وهو قول ابن الماجشون ، وابن كنانة ، قالاه في الرجل يتزوج امرأة بمائة دينار ، تأخذ منه حميلاً بخمسين ، فيطلقها قبل الدخول ، إن لها أن تأخذ الحميل بالخمسين الواجبة لها قبل الزوج ، خلاف قول ابن القاسم : إنها ترجع على الزوج بخمسة وعشرين ديناراً ، ولا فرق بين المسألتين على القول بأن الصداق يجب جميعه بالعقد ، وأما على القول بأنه لا يجب بالعقد إلا نصف الصداق إن طلق قبل الدخول ، يجب على الحميل جميع الخمسين ، قولاً واحداً . ووجه ما ذهبوا إليه ، أن المتحمل له ، يقول : إنما أخذته وثيقة من حقي ، مخافة ، ألا أجد عند الغريم وفاء منه .
وقد مضى هذا المعنى والقول عليه مستوفى في سماع سحنون

(11/335)


من كتاب النكاح ، وفي رسم الكراء والأقضية من سماع أصبغ من كتاب المديان والتفليس . فقف على المسألة في الموضعين . وبالله التوفيق .
مسألة
وعن الرجلين يشتريان السلعة من الرجل ، ويكتب عليهما صكاً أنه يأخذ حاضرهما بغائبهما وحيهما بميتهما ، وأيهما شاء أخذ بحقه ، فتحمل عنهما رجل بجميع ذلك الحق ، فيؤخذ الحق من الحميل ، هل يكون للحميل أن يأخذ أيهما شاء ، بجميع ما أدى عنهما كما كان لصاحب الحق ، وليس له على كل واحد منهما إلا ما ينوبه من الحق ؟ قال : للحميل أن يأخذ أيهما بالحق كله ، وذلك أنه لو تحمل للغريم بما على أحدهما ، كان للغريم أن يتبع الحميل بالحق كله ، لأن له أن يتبع أحدهما بالمال كله بما عليه من المال ، وبالحمالة ، فكذلك يتبعه الحميل بما ضمن للغريم ، وبما كان يتبع الغريم ، لو مل يتحمل بهما جميعاً حميل واحد ، فالحميل بمثابة الغريم فيما يتبع .
محمد بن رشد : قوله وذلك أنه لو تحمل للغريم بما على أحدهما ، كان للغريم أن يتبع الحق كله ، معناه : إذا عرف الحميل ما على كل واحد منهما من الشرط ، وسائر المسألة بينة لا وجه للقول فيها ، سوى ما ذكرناه من الاختلاف في إعمال الشرط ، بأن يأخذ من شاء منهما بجميع حقه ، في رسم نقدها قبل هذا فلا معنى لإعادته . وبالله التوفيق .
ومن كتاب العتق
وقال في رجلين لهما على رجل مائة إردب فتقاضا أحدهما حصته بغير إذن صحبه ، فعلم به ، فأتاه ، فقال له : هبني إياها وأنا

(11/336)


أضمن لك الخمسين التي بقيت لك ، إن ذلك لا يحل ، ولو كان يضمن له خمساً وعشرين إردباً قدر ما كان يصيبه مما كان قبض ، لم يكن ذلك بأس .
قال محمد بن رشد : تكررت هذه المسألة في رسم البيع والصرف من أول سماع أصبغ من كتاب السلم والآجال ، بزيادة من قول أصبغ وافق فيها ابن القاسم على قوله : ولو كان يضمن خمسة وعشرين قدر ما كان يصيبه مما قبض ، لم يكن بذلك بأس ، وفي ذلك من قولهما اعتراض بين قد ذكرناه ، وبيناه هناك . فلا وجه لإعادته . والله الموفق .
ومن كتاب الرهون
قال عيسى سئل ابن القاسم عن الرجل يبتاع الرأس والدابة فيتحمل له رجل بالسرقة ، أو بعيب مسمى ، مما يخشى المبتاع أن يكون فيما ابتاع ، ثم يظهر المبتاع بعد ذلك من السلعة على عيب غير الذي تحمل به ، أيلزمه الحميل ؟ قال : لا يلزم الحميل شيء من ذلك ، إلا ما تحمل به من العيوب بعينها وسميت .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال ، وهو مما لا إشكال فيه ، إذ لا يلزم أحداً سوى ما التزم وبالله التوفيق اللهم لطفك .
من نوازل سئل عنها عيسى
وسئل عيسى بن دينار عن الحميل ينكر الحمالة ، والمتحمل عنه غائب ، فيصالحه المتحمل لرضاه بالصلح ، قال : بل يرجع فيأخذ ما نقص من حقه ، ويدفع المتحمل عنه إلى الحميل ما صالح به عن نفسه .

(11/337)


قال محمد بن رشد : حكى ابن حبيب في الواضحة عن مطرف وابن الماجشون ، أنه لا يرجع عليه ببقية حقه ، إلا بعد يمينه بالله أنه ما صالح الحميل رضى بالصلح من جميع حقه ، إلا أن يكون أشهد أنه إنما يصالح الحميل لإنكاره الحمالة ، وأنه على حقه على الغريم ، فلا يكون عليه يمين ، واليمين يمين تهمة ، فيجري الأمر في ذلك على الاختلاف في لحوق يمين التهمة ، إلا أن يحقق عليه الغريم الدعوى فيحلف قولاً واحداً . وبالله التوفيق .
من سماع يحيى بن يحيى من ابن القاسم من كتاب الصبرة
قال يحيى : قال ابن القاسم في الرجل يطلب الرجل في حق له ، فذهب معه إلى غريم المطلوب ، فيقول : خذ من هذا حقك ويأمره بالدفع إليه ، فيقضيه إياه ، فنقصت بعض حقه ، أو لا يقضيه شيئاً فيريد أن يرجع على الأول يلزمه ببقية حقه ، إ ، ذلك له ، وليس هذا نحو الحول اللازم لمن احتال بحقه ، لأنه يقول لم أحتل عليه بشيء ، وإنما أردت أن أكفيك التقاضي وأخفف عنك مؤنة التلوم ولم أترك من حقي عليك ، وإنما وجه القول اللازم أن يقول : أحيلك على هذا بحقك ، وأبرأ بذلك إليك بما تطلبني به ، ولا رجوع عليه بحقه .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال لأن الحوالة بيع من البيوع ، ينتقل الدين بها عن ذمة المحيل ، إلى ذمة المحال عليه ، فلا يكون ذلك

(11/338)


إلا بيقين ، وهو التصريح بلفظ الحوالة وما ينوب منابه ، مثل أن يقول له : خذ من هذا حقك ، وأنا بريء من دينك وما أشبه ذلك . وقد قال بعض الشيوخ : ولو قال له : اتبع فلاناً بحقك على ، كانت حوالة ، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ومن اتبع على مليء فليتبع " قال : فلما أتى بلفظ يشبه النص ، كان ذلك حوالة ، إذا كان ذلك على الحال عليه ، وليس ذلك بين ، وإنما البين في ذلك أن يقول له : قد ابتعتك على فلان ، وأما إذا قال له : اتبع فلاناً ، فيخرج ذلك على قولين ، ذكرتهما في آخر أول رسم من سماع أشهب ، من كتاب جامع البيوع . وهذا الأمر هل يحمل على الإيجاب عليه أم لا ؟ اختلف في ذلك قول مالك . وبالله التوفيق .
ومن كتاب المكاتب
قال وسألت عن الحميل بالوجه إذا غاب المتحمل عنه وحل الأجل ، كم ترى أن يؤجله السلطان في طلب صاحبه ؟ قال . إن كانت غيبة المتحمل عنه قريبة ، اليوم واليومين والثلاثة ، ونحو ذلك ، مما لا يضر ذلك بالمتحمل له ، وعلى قدر ما يرى الإمام من الحمل عليه في قدره ، ونحوه مما لا يضر به فيه بطالب الحق ، وإن كانت غيبة المطلوب ببلد لا يرتجى قدومه منه إلى اليوم واليومين والثلاثة ، وحو ذلك ، لم يؤجل الحميل قليلاً ولا كثيرا ، وأعدى عليه بالحق الذي وجب على المتحمل عنه قلت : فإذا أعدى على الحميل ، فأراد الحميل أن يباع له مال المتحمل عنه ، أترى أن يباع ، أو يستأنا به ؟ قال : إن كان ببلد بعيد على مسيرة العشر ليالي ونحوها ، لم ينتظر ، ويبيع ماله ، فقضى الغريم منه ، وإن كانت

(11/339)


على مسيرة اليوم واليومين ونحو ذلك ، انتظر حتى يعذر إليه بكتاب ليقدم ، فيبرأ أو سن له بحقه ، ليباع ماله ، ويقضي به دينه . قال : والحميل بالمال إذا حل الأجل لم يؤجل ، ولم يؤخر إلا برضى صاحب الحق هو في ذلك كالغريم بعينه .
قال محمد بن رشد : قوله : إن الحميل بالوجه إذا غاب المتحمل به وحل الأجل ، إن السلطان يؤجله في طلب صاحبه اليوم واليومين والثلاثة ، خلاف ما في المدونة من أنه يؤجل اليوم ونحوه . وقوله : إن الحميل بالمال إذا حل الأجل لا يؤجله ولا يؤخر إلا برضى صاحب الحق .
وقد مضى القول على ذلك كله هنالك ، فلا معنى لإعادته . وأما قوله : إن الحميل بالوجه إذا غرم المال في غيبه المتحمل عنه به ، فسأل أن يباع به مال الغريم ، إنه لا يباع له ، دون أن يعذر إليه إلا في الغيبة البعيدة العشرة ليال أو نحوها ، فهو صحيح ، لأنه حكم على غائب ، والغائب لا يحكم عليه إلا بعد الإعذار إليه ، وقد مضى تحصيل الحكم في الغائب في رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الأقضية ، فلا معنى لإعادته . وبالله التوفيق .
مسألة
قال : وسألته عن رجل قال لرجل : أحيلك على غريمي هذا بعشرة دنانير ، فيقبض ذلك منه ، ثم إ ، المحيل أتى القابض فقال : أقضني ما تقاضيت من غريمي ، فإني إنما كنت أسلفتكما سلفاً ، وقال القابض : إنما أحلتني بحق كان لي عليك ، فقد قبضت حقي . وإحالتك إياي إقرار منك بحقي ، وليست له بينة على أصل الحق ، قال : أرى المتقاضي غريماً للعشرة ، وأراها كالسلف

(11/340)


عليه ، ولا حق له على الحميل ، إلا أن تكون له بينة على أصل الحق ، فأما إحالته إياه ، فليس هو عندي إقرار ، بل هو بذلك مسلف ، وارى للقابض أجره التقاضي إن كان ذلك شيئاً له أجرة .
قال محمد بن رشد : قوله : إن المتقاضي غارم للعشرة ، معناه ، بعد يمين المحيل ، وقوله : وأراها كالسلف عليه ، معناه : وأراها كالسلف الذي يتقاران جميعاً عيه ، لأنه يستحقه بيمينه قبله . وفي قوله : وأرى للقابض أجرة مثله نظر ، إذ لم يدع الأجرة ، وإنما زعم أنه قبض حقه الواجب له ، وكذلك لو قال الحميل : إنما أحيلك بها ، لتكفيني مؤنة تقاضيها ، لكان القول قوله أيضاً على ما حكاه ابن حبيب ، ولكانت له أجرة التقاضي إن كان شيئاً له أجرة ، وكان ممن يعمل هذا بالأجرة . وقوله في هذه المسألة على قياس قوله في آخر كتاب المديان من المدونة في الذي يقول للرجل : ادفع إلى فلان عني ألف دينار ، فيدفعها إليه ثم يريد أخذها من الأمر ، فيقول : كانت لي عليك ديناً ، غ ، القول قول المأمور ، لأنه أخرج الدينار من عنه ، فالقول قوله : إنها له ، حتى يثبت أنها كانت عليه ديناً للآمر . يريد : إلا ألا يشبه ما يقول ، مثل أن يعلم من فقره ، وكونه غريماً للآمر ، ما لا يشك أنه يكسب هذا القدر .
وحكى ابن حبيب عن ابن الماجشون في مسألة الكتاب هذه ، أن ذلك على ما يشبه ، فإن كان من أحلته يشبه أن يكون له عليك مثل ذلك ، فهو مصدق مع يمينه ، وإن كان لا يشبه ، فهو كوكيلك ، فيكون القول قولك مع يمينك . وحكي عن أشهب أن الحميل مصدق ، أشبه قوله أو لم يشبه ، وإنما معناه : إن القول قوله إذا أشبه قول المحال ، أو لم يشبه ، فلا اختلاف إذا أشبه قول أحدهما ولم يشبه قول الآخر ، إن القول قول من أتى منهما بما يشبه ، وإنما الاختلاف إذا أتيا جميعاً بما يشبه ، أو بما لا يشبه ، فقال ابن القاسم وأشهب : القول قول المحيل ، وقال ابن الماجشون : القول قول

(11/341)


المحال القابض ، وهو على القول المعروف من مذهب أشهب أنه لا يؤخذ أحد بأكثر مما يقربه على نفسه ، لأنه يقول : لم أقبض إلا حقي الواجب لي ، خلاف قوله وقول ابن القاسم في هذه المسألة . وبالله التوفيق .
ومن كتاب الأقضية
قال : قال ابن القاسم في الرجل يتحمل عن الرجل بعرض من العروض : الطعام والحيوان ، وغير ذلك ، فيقضي على الحميل بالغرم ، إنه إن اشترى للطالب العرض الذي تحمل له به ، غرم المتحمل عن الثمن الذي اشترى به العرض الذي أدى عنه بالغاً ما بلغ . قال : وأن أدى عنه ثمناً من دنانير أو دراهم ، خير المتحمل عنه ، إن شاء غرم ما غرم عنه ، وإن شاء غرم العرض الذي كان عليه . قال : ولو كان غرم عنه مثل العرض الذي كان عليه من عند نفسه ، لم يشتره ، فإن كان مما يكال أو يوزن ، مما يوكل أو يشرب ، أو غير ما يوكل أو يشرب ، غرم مكيله ذلك أو وزنه من صنفه ، وإن كان الذي عليه عرض من العروض ، غرم عنه من عنده مثله ، غرم لذلك ، أو وزنه أيضاً مثل ذلك ، وإن كان غرم عنه عرضاً مخالفاً للعرض الذي كان تحمل به عنه ، خير المطلوب ، فإن شاء غرم قيمة العرض الذي غرم عنه يوم أخرجه الحميل ، وإن شاء غرم مثل العرض الذي كان وجب عليه فقط .
قال محمد بن رشد : أما إذا اشترى الكفيل العرض الذي تحمل به للطالب ، فلا اختلاف أعرفه في أنه يرجع على المطلوب بالثمن الذي اشتراه

(11/342)


به ، ما لم يحاب البائع ، فلا يرجع عليه بالزيادة على القيمة . فقوله في هذه الرواية : بالغاً ما بلغ ، معناه ما لم يكن أكثر من القيمة بما لا يتغابن الناس بمثله في البيوع ، لأن لما تكفل عنه بأمره ، فكأنه وكيل له على الشراء ، إذ قد علم أنه سيطلب بما تحمل به عنه ، ويحتاج إلى ابتياعه ، وأما إن أدى عنه في العروض دنانير أو دراهم أو عرضاً مخالفاً له ، وكان تحمل عنه بدنانير ، فأدى عنه دراهم ، أو بدرهم ، فأدى عنه دنانير ، أو تمراً فأدى عنه قمحاً . ففي ذلك ثلاثة أقوال : أحدها إن ذلك لا يجوز ، والثاني إن ذلك جائز ، والثلث إن ذلك جائز فيما تجوز فيه النسيئة في المبايعة ، وغير جائز فيما لا تجوز فيه النسيئة في المبايعة ، وهو أن يؤدي عنه دنانير من دراهم ، أو دراهم من دنانير ، أنو تمراً من قمح ، أو قمحاً من تمر ، وما أشبه ذلك ، فعلى القول إن ذلك لا يجوز ، يفسخ القضاء ويرجع على الطالب بما دفع إليه . واختلف على القول بأن ذلك جائز بما يرجع الكفيل على المطلوب المتحمل عنه ، فقيل : يرجع عليه بما تحمل به عنه ، وقيل : يخير المتحمل عنه ، فإن شاء غرم ما غرم عنه ، وإن شاء غرم الذي كان عليه ، وهذا معنى قول مالك في كتاب المديان من المدونة : إنه لا يربح في السلف ، والقولان في كتاب الكفالة من المدونة . فهذا تحصيل القول في هذه المسألة وقد مضى هذا له في رسم العريه من سماع عيسى من هذا الكتاب ، وفي أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الصرف . وكذلك اختلف في المأمور يقضي خلاف ما أمر به على هذين القولين ، وقد فرق بين الكفيل والمأمور في ذلك . فقيل إن الكفيل يرجع بما أدى وإن المأمور يرجع بما كان للطالب عليه .
واختلف إذا أدى عنه من عنده مثل العرض الذي كان عليه ، فقال في هذه الرواية : إنه يرجع عليه بمثله ، وهو مذهبه في المدونة ، والمشهور في المذهب ، وقال في سماع أبي زيد : إن المطلوب مخير ، إن شاء دفع إليه مثل ما غرم عنه . وإن شاء دفع إليه

(11/343)


قيمته . وقال في الواضحة : لا يغرم له إلا قيمته ، ولا اختلاف إذا أدى عنه عروضاً من دنانير ، والبلد يتبايع فيه بالدينار في أن ذلك جائز ، لأن ذلك يرجع إلى التخيير بين القليل والكثير ، وليس في ذلك اختلاف أعراض أنه يؤدي إلى الأقل ، وبالله التوفيق .
ومن كتاب أوله : أول عبد ابتاعه فهو حر
قال وسألته عن الرجل يقر للرجل أنه تحمل له بما على غريم له ، فأنكر الذي زعم أنه تحمل عنه أن يكون للطالب قبله حق ، أو أن يكون المقر بالحمالة تحمل عنه بشيء ، فقال : يغرم المقر لصاحب الحق ما أقر له مما زعم أنه عمل به عن المطلوب ، ثم لا يعدى الحميل الغريم على المطلوب إلا أن يقيم عليه البينة أن ذلك الحق عليه للطالب .
قلت : أرأيت إن أقر بالحق أو أنكر أن يكون تحمل المقر بالحمالة عنه بشيء ؟ فقال : يغرم المطلوب ما أقر به ، ولا سبيل إلى الحميل حتى لا يوجد للغريم وفاء بما عليه ، فإن لم يكن عنده وفاء ، غرم الحميل ما أقر أنه تحمل به ، وأعدي على الغريم يطلبه بما أدى عنه .
قلت له : ولم يعدى عليه ، ولم يقر له أنه تحمل عنه بشيء ؟ قال : ألا ترى أنه لو لم يغرم عنه شيئاً فأحاله عليه صاحب الحق ، جاز له أن يطلبه بذلك الحق ، ولو أنه قال لصاحب الحق ولم يكن تحمل عنه بشيء : أقضيك عن فلان ، وأنا أطلبه بهذا الحق ، كان ذلك له ، فلا حجة للمطلوب إذا أعدي عليه المقر بالحمالة الغارم بالإقرار ، في أن يقول : لا يعدى علي ولم يتحمل عني بشيء ، إذا أوصل

(11/344)


إلى صاحب الحق حقه ، من قبل أن المقر له بالحمالة أعدي على الغريم بما أدى عنه ، كما كان يعدى عليه ولو أدى عنه بغير حمالة .
قال محمد بن رشد : المعنى في هذه المسألة أن الحميل أقر أنه يعرف الحق على المتحمل عنه ، ولذلك ألزمه الحميل ، دون أن تثبت بينة لصاحب الحق عليه ، فقال : يغرم المقر لصاحب الحق بما أقر له به مما زعم أنه تحمل به عن المطلوب ، ثم لا يعدى الحميل الغريم على المطلوب إلا أن يقيم عليه البينة أن ذلك الحق عليه للطالب ، فليست هذه المسألة على هذا التأويل بمخالفة لما في المدونة ، ولا لما مضى في رسم التمرة من سماع عيسى إلا أنها مسألة فيها اختلاف قيل : إنه لا يلزمه الغريم بإقراره بالكفالة ، وإن أقر أنه يعرف الحق قبل المطلوب ، إذا كان المطلوب منكراً ، وهو قول مالك في رواية أشهب عنه؛ وقيل : إنه يلزمه الغريم بإقراره بالكفالة ، وأن كان المطلوب منكراً ، إذا كان معدماً ولا يلزمه إذا كان ملياً . وهذا القول يقوم من قول ابن القاسم في أول رسم من سماعه من كتاب الشهادات ، في أن شهادة الكفيل على الغريم بالدين الذي تحمل به عنه ، تجوز إن كان الغريم ملياً ، ولا تجوز إن كان معدماً . فعلى قول ابن القاسم في هذه الرواية ، لا يجوز شهادة الحميل بالين على الغريم ملياً كان أو معدماً ، وهو نص قول مالك في أول سماعه من كتاب الشهادات . وقد قيل : إن الحمل إن كان معدماً جازت شهادته على الغريم بالدين ، وإن كان ملياً لم تجز شهادته عليه ، وهو صحيح على قياس قول ابن القاسم في هذه الرواية : إن الحميل غارم ، لأنه إذا اسقط عنه الغرم لعدمه سقطت عنه التهمة في شهادته . وأما إذا قبض صاحب الحق من الحميل حقه بإقراره بالحمالة فلا تجوز شهادته للحميل على الغريم ، لأنه قد كان مكذباً في دعواه ، فإذا أشهدوا بما يصدق نفسه فيما كان ادعى وأمضى ، فإن ما شهد فيه أصله ، فهو شاهد لنفسه .
وقد مضى في رسم الثمرة من سماع عيسى من هذا الكتاب ، وفي أول

(11/345)


سماع ابن القاسم من كتاب الشهادات في هذه المسألة زيادات ، فتأملها وقف عليها .
وأما قوله : إن أقر الغريم بالحق ، وأنكر أن يكون المقر بالحمالة تحمل عنه بشيء إلى آخر المسألة ، فهو كله كلام بين لا إشكال فيه ولا التباس في شيء من معانيه إلا في قوله : ولو قال لصاحب الحق أقضيك عن فلان ، وأنا أطلبه بهذا الحق ، كان ذلك له ، فإنه ليس على ظاهره ، ومعناه : إذا قال له : أنا أطلبه به على وجه المعروف منه إليه في كفايته الاقتضاء منه على سبيل الشرط عليه ، لأنه لم يجز في كتاب الهبات من المدونة أن يسلف الرجل الرجل دنانير ، على أن يحيله بها على رجل آخر ، كانت المنفعة للذي أسلف أو للذي أسلف وهذا الاختلاف على اختلافهم في القراض بلفظ البيع ، هل يجوز أم لا ؟ لأن الحوالة بيع من البيوع ، وإنما يجوز ذلك على القول بجوازه إذا لم يرد بذلك ضرره وسجنه . قاله في المديان من المدونة وغيره من الكتب وبالله التوفيق .
مسألة
قال وسألته عن الرجل يتحمل له الرجل عن غريمه بماله عليه إلى أجل ، فلما حل الأجل ، أراد صاحب الحق أن يأخذ الحميل بما له على الغريم ، وقال الحميل للغريم : أنا كنت تحملت لك إلى الأجل ، فلما حل الأجل ، لقيت صاحبك فاقتضيته بعض حقك ، وأنظرته بما أحببت ، فإنظارك إياه ، يبريني من الحمالة ، قال : لا براءة له حتى يصل إلى صاحب الحق آخر حقه ، ولا يضره إنظاره إياه ، وإنما هو مرفق أدخله الطالب على الغريم والحميل ، فليس إحسانه حجة يسقط بها ما وجب على الحميل .
قال محمد بن رشد : هذه المسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في رسم الأقضية من سماع أشهب ، فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق .

(11/346)


من سماع سحنون من ابن القاسم
قال سحنون : وسألت ابن القاسم عن الرجل يتحمل بوجه رجل إلى أجل ، فيموت المتحمل عنه قبل الأجل أو بعده ، قال : إن كان حاضراً أو مات في الحضر ، فلا شيء على الحميل ، وإن كان غائباً فمات نظر ، فإن كان بموضع لو كلفه أتى به في الأجل أو بعده بشيء ، لم يكن على الحميل غرم ، وإن كان بموضع لو كلفه لم يأت به إلا بعد الأجل بكثرة فأراه ضامناً .
محمد بن أحمد هذه المسألة قد مضى القول عليها مستوفى في رسم سلف ديناراً من سماع عيسى لتكرر الرواية هناك ، فلا معنى لإعادته . وبالله التوفيق . اللهم لطفك .
من مسائل نوازل سئل عنها سحنون
وسئل سحنون عن رجل يدعي قبل رجل دابة ، فقال له رجل آخر أناضا من لك ما جاء في هذه الدابة ، فحل عنه فأخرجت الدابة إلى الداعي يوماً آخر فماتت فقال هو ضامن لها إن أثبتها المدعي عند القاضي وقضى له بها .
قال محمد بن رشد : أصبغ يقول في هذه المسألة : إنه لا يضمن في الموت ، وهو الأظهر ، لأن المعنى المقصود في ضمانها ما يخشى من أن يكون الذي هي بيده بعينها ، أو يهرب بها ، فترك ما يجب له من توقيفها بما أظهره من الشبهة فيها ، إلا أن يثبتها بالضمان الذي ضمنه له ، فالأظهر لا يضمن له إلا المعنى الذي ظهر أنه قصده . ووجه قول سحنون ، إتباع عموم ظاهر اللفظ ، إذ لا يحصر حالاً من حال ، ومن هذا المعنى ما تقدم القول

(11/347)


عليه في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الرهن في ضمان الرهن للمرتهن ، فهو أصل قد اختلف فيه قول مالك ، حسبما بيناه هناك . وبالله التوفيق .
مسألة
قلت : فالرجل يتحمل عن الرجل ، فإذا حل الأجل ، قام الغريم على الحميل ، إن المتحمل عنه عديم ، ويقول الحميل : بل غريمك مليء على من كشف مال الغريم ، فقال : إذا لم يعرف له مال ظاهر ، فإن الحميل ما يحمل عنه ، إلا أن يكشف لمن تحمل له مال الغريم ، فلا يكون له عليه حينئذ شيء .
قال محمد بن رشد : قوله : إذا لم يعرفه له مال ظاهر ، فإن الحميل غارم ، يدل على أنه محمول على العدم ، وأن على الحميل إقامة البينة على ملائه ، وإلا غرم ومما يقوي هذا من مذهبه قوله الذي حكيناه عنه في رسم الثمرة من سماع عيسى في الحميل يقر بالحمالة وينكر الذي عليه الحق يضمن ، ولا يكلف الطالب أن يثبت الدين قبل المطلوب ، إن كانت له بينة ليطلب الغريم قبل الحميل عاجلاً ، ثم يقوم هو البينة على الغريم ، ليرجع عليه بما غرم ، وفي رسم الكبش من سماع يحيى من كتاب النكاح ، ما يدل على أنه محمول على الملإ ، وأن على المتحمل له إقامة البينة أنه عديم ، لأنه قال فيه : إنه لا شيء على الحميل حتى لا يوجد للغريم مال . وقول سحنون أظهر لقول النبي عليه السلام " الزعيم غارم " لأنه يجب بظاهر هذا القول

(11/348)


حتى يثبت ما يسقط ذلك عنه من ملإ الغريم ، ولأنه قد روي عن مالك ، بدليل هذا الحديث إن للطالب أخذ الكفيل بالغريم ، وإن كان المطلوب المتحمل به ملياً ، والأظهر قوله الثاني الذي اختاره ابن القاسم ، لأنه لا يؤخذ الحميل إلا في عدم الغريم ، لأنا إن قضينا على الحميل بالغرم ، والغريم مالي ، وجب أن يقضي للحميل في الحين بالغرم على الغريم ، فالقضاء للطالب على الغريم أولى ، وأقل عناء ، ووجه رواية يحيى في أن الغريم محمول على الملإ وأن على الطالب إقامة البينة على عدمه ، هو الإجماع على أن الدين لم يسقط عن ذمة الغريم بالكفالة ، بدليل قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث جابر للذي ادعى الدين الذي يحمل به عن الميت ، " الآن بردت عليه جلده " . فإذا لم يسقط الدين عن ذمته بالكفالة ، كان هو أحق أن يتبع به . وبالله التوفيق .
مسألة
قال سحنون وسئل المغيرة عن رجل له على رجل دين ، فأحاله على غريم له ، وشرط عليه إن لم يقض أو فلس ارتجع على صاحبه . أترى هذا حولاً ثابتاً أم حمالة ؟ وهل تراه أولى به من الغرماء إن فلس قبل أن يقضي ؟ قال : أراه حولاً ثابتاً وأراه للطالب الذي احتال عليه ، وله على صاحبه ما ضمن له من شرطه عليه ، إذا فلس الذي احتال عليه ، رجع على صاحبه بما اشترط عليه .
قال محمد بن رشد : قول المغيرة هذا صحيح ، لا أعرف فيما

(11/349)


أجازه من هذا الشرط في الحوالة خلافاً في المذهب ، لأنه شرط لا فساد فيه ، فوجب أن يجوز ويلزم ، لقول النبي عليه السلام : " المسلمون على شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً " . وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل سحنون عن رجل دفع إلى رجل ديناراً ذهباً ، على أن يدفع إليه أربعين درهماً إلى شهر ، ويحمل له رجل بالأربعين درهماً إلى ذلك الأجل ، فلم يستفق لذلك حتى حل الأجل ، فقال : يؤخذ الحميل بالأربعين درهماً الذي تحمل بها ، فإن كان فيها ما يشتري به ديناراً ، اشترى به ديناراً لرب الدين ، ودفع إليه ، ورجع الحميل بالأربعين درهماً على الذي غرمها عنه ،و إن كان في الأربعين درهماً أكثر من دينار ، اشترى منهما دينار بما بلغ ، ثم أن يشتري بعشرين درهماً ويرجع الكفيل بعشرين على الذي غرمها عنه ، وإن كانت الأربعين لا يكون فيها ما يشتري بها ديناراً لرخص الدراهم أو كثرتها ، غرم الحميل الأربعين درهماً ، وغرم الذي أخذ الدينار بقية تمام الدينار ، واشترى الدافع الدينار ديناراً ، ودفعه إليه ، ورجع الذي غرم الأربعين درهماً بما غرم على صاحبه .
قال محمد بن رشد : هذه المسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في أول رسم العرية فلا معنى لإعادته .

(11/350)


مسألة من سماع عبد الملك بن الحسن من ابن وهب وأشهب
قال عبد الملك بن الحسن : سئل عبد الله بن وهب عن رجلين طلبا دابتين ذهبتا منهما ، فألفيا هما عند رجل من الناس ، فأعلماه أنهما سرقتا منهما ، فقال لهما الذي ألفياهما في يديه : أعطياني حميلاً بقيمتهما إلى أجل ، واذهبا بالدابتين إلى بلدكما ، فإن أقمتما لي بينة عليهما عند قاضيكما ، فلا حق لي على حمليكما ، وإن لم يثبت ذلك أخذت حميلي بالقيمة إلى ذلك الأجل ، فتحمل أحد الرجلين الطالبين للذي ألفيا عنده الدابتين بقيمتهما إلى أجل ، ثم انطلقا بالدابة إلى بلدهما ، ليقيما عليهما البينة ، فهلكتا الدابتين في أيديهما قبل أن يستحقاهما بالبينة ، فأتى الذي ألفيت الدابتان عنده عند الأجل إلى الحميل أحد الرجلين ، فأخذ منه القيمة التي كان يحمل بهما بأمر السلطان ، أو بغير أمر السلطان ، قلما ذهب أن يرجع على صاحبه الذي تحمل عنه بما غرم عنه ، قال له صاحبه : ذلك أن تغرمني ثمن دابة ، وأنت تعلم أنها دابتي وإني إنما طلبت من أمرها حقاً ، فقال الحميل : إنما أعرف أنها دابتك ، غير أنك لم تستحقها بالبينة حتى تدفع عني ما تحملت به عنك من قيمتها ، وقد غرمت عنك بحمالتي قيمتها فيما يذهب مالي وإنما غرمته عنك بالأمر في ذلك . قال يرجع عليه بما غرم عنه على ما أحب أو كره ، إذا كانت حمالته بأمره ، لأنه قد أدخله في ذلك ، وأمره بالحمالة ، وقد علم أنه يثبت أو لا يثبت ، ويسلم الدابتان أو لا يسلمان ، ولم يثبت بها حق فيسقط الغرم عنهما ، فهو يرجع على صاحبه بنصف الغرم ، حكم يحكم به عليه ، شاء أو أبى . وإذا كان قد غرم ما تحمل به عنه وعن نفسه ، وإن لم يكن غرم رجع

(11/351)


المتحمل له عليهما ، فأخذ من كل واحد منهما النصف ، إذا كانت حمالة المتحمل بإذن صاحبه المدعي معه ، وأمره كما وصفت .
قال أشهب : عليه أن يغرم له ما غرم عنه ، إلا أن يستحق الدابتان ببينة ، فيرجع المتحمل إلى الذي كانت له الدابتان في يديه فيأخذ من قيمتها التي دفع إليه مثل قول ابن وهب .
قال محمد بن رشد : كان من أدركنا من الشيوخ يحملون قول ابن وهب وأشهب في هذه المسألة على أنه خلاف قول ابن القاسم في رسم استأذن من سماع عيسى في كتاب الاستحقاق ، في الذي يستحق من يديه العبد ، وهو يعلم أنه من تلاد البائع ، إنه لا رجوع له عليه بشيء من الثمن الذي دفع إليه وخلاف قول سحنون في نوازله من كتاب جامع البيوع في الذي يبتاع الأرض أو الدار من الرجال ، وهو قد عرفه في يديه يحوزه ويملكه ثم يسأله أن يحوزه إياه ، إن ذلك لا يلزمه ، ولست أرى ذلك ولا أقول به ، لأنهما إنما أرجعا الحميل على صاحبه بما أدى عنه من أجل أنه قد التزم ضمان ذلك ، لأنهما جميعاً التزما ضمان الدابتين للذي ألفياهما في يديه ، وتحمل أحدهما بذلك عن صاحبه ، فوجب إذا غرم عنه بالحمالة ، ما هو له ضامن بالتزامه ضمانه ، أن يرجع به عليه قولاً واحداً . وبالله التوفيق .
من سماع أصبغ من ابن القاسم من كتاب البيع والصرف
قال أصبغ : قال ابن القاسم في رجل باع طعاماً نقداً بدين إلى أجل ، وتحمل له رجل بالدينار ، فلما حل الأجل ، غرمه الحامل ، ثم رجع على صاحبه ، فأراد أن يعطيه في ذلك طعاماً مخالفاً لذلك الطعام الذي اشترى منه أو من صنفه أكثر من كيله ، قال : لا بأس بذلك كله ، والحميل ها هنا بمنزلة البائع ، قيل : فلو لم يكن حميلاً فتطوع ، فقضاه عن الغريم ، ثم أراد أن يأخذ من المشتري ما

(11/352)


وصفناه ، قال : فلا بأس بذلك ، هو بمنزلة الجميل أيضاً في ذلك ، وإنما الذي كره من ذلك ، أن يكون البائع الذي تحمل به عليه ، فلا يجوز للمتحمل إلا ما كان يجوز للبائع أن يأخذه ، لأنه بمنزلته .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال : إنه لا يجوز للحميل أو المتطوع بالأداء إذا أدى الدينار عن المشتري ، للبائع أن يأخذ منه بديناره طعاماً مخالفاً له ، أو من صنفه أكثر من ، لأنه لم يدفع طعاماً ، وإنما دفع ديناراً ، فجائز له أن يأخذ به طعاماً . وقوله : ليس الحميل ها هنا بمنزلة البائع ، بين صحيح ، لأن البائع باع طعاماً ، فلا يجوز له أن يأخذ من المشتري طعاماً ، لأنه يدخله الاقتضاء من ثمن الطعام طعاماً ، فيتهمان على أنهما عملاً على بيع طعام بطعام إلى أجل . وقوله : وإنما الذي كره من ذلك أن يكون البائع الذي تحمل به عليه ، معناه : وإنما الذي كره من ذلك أن يكون البائع للطعام بالدينار ، تحمل رجلاً له عليه دينار به ، فيأخذ منه به طعاماً ، وذلك صحيح على ما قاله ، لأن المحيل ينزل في الدين الذي أحيل به منزلة من أحاله ، ومنزلته في الدين الذي أحيل به فيما يجوز له أن يأخذ له منه ، وفيما يريد أن يتبعه من غيره ، فلا يجوز له أن يأخذ منه إلا ما كان يجوز للذي أحاله أن يأخذه منه ، وما كان يجوز له هو أن يأخذه من الدين الذي أحيل به . وبالله التوفيق .
مسألة
قال أصبغ : وسألت ابن القاسم ، وسئل عن الرجل يشتري من الرجل السلعة على أن يتحمل للبائع رجل على أنه إذا مات الحميل قبل ذلك ، فلا حق له على ورثته ، أو مات صاحبه قبل ، فلا حمالة له على الحميل والورثة ، قال : هذا حرام ، فإن وقعت وفاتت السلعة ردت إلى القيمة ، والحمالة ساقطة عن الحميل ، على كل حال . قال أصبغ : أرى جوابه هذا على عجلة وغير علم بالمسألة ،

(11/353)


وأنه أجاب جواب غيرها مما سبق إليه ظنه به ، وليس بالمسألة بأس ، والبيع عليهما ، لأن الشرط ليس للمشتري ، وإنما هو للحميل ، والحق ثابت بحاله للغريم ، ليس فيه شرط ، فيكون فيه غرور ، ومعناه : وإنما شرط الحميل لنفسه كما لو تحمل على غير بيع ، ولا اشترى منهما بدين قد كان على المحيل قبل ذلك ثابتاً بعوض أو بغيره ، واشترط الحميل لنفسه هذا الشرط ، لم يكن به بأس ، فذلك هو البيع والاشتراء ، إذا كان الثمن المشتري ثابتاً مؤجلاً وللحميل شرطه ، وإنما ذلك بمنزلة ما لو احتمل مهر امرأة إن تم الدخول بها فعليه ، وإن ماتا قبل ذلك أو طلقها فلا احتمال عليه ، وهو على الزوج ثابت . أو تحمل على إن أعطاني فلان وثيقة قبل أن يموت ، وإلا فلا حمالة لك علي ، أو تحمل إلى قدوم فلان ، فإن قدم ، أو إلى أجل على إن قدم قبل الأجل فلا حمالة عليه ، فهذا كله وما أشبهه ، جائز ولا مغاررة فيه من الحميل والبائع ، ولا في البيع والاشتراء ، لأن الثمن ثابت على المشتري ، وإنما الذي يفسد ويحرم ، أن لو اشترط المشتري إن مات قبل الأجل ، فلا تباعة عليه ، وإن مات صاحب الحق فلا تباعة له ولا لورثته ، والثمن مقدر ، أو اشترط الحميل لنفسه وللمشتري جميعاً ، فيكون أفسد وأشهد وإلا فلا بأس به إن شاء الله .
قال محمد بن رشد : قول : الرجل يشتري من الرجل السلعة على أن يحمل للبائع رجل ، يريد : بالثمن الذي اشتراها به إلى أجل . وقوله . على أنه إن مات قبل ذلك ، يريد : قبل الأجل الذي اشترى إليه السلعة . وقوله : أو مات صاحبه قبل ، يريد : أو مات المتحمل به المشتري قبل الأجل أيضاً ، والحمالة على هذا الشرط جائزة إن كانت بعد عقد البيع ، روى ذلك

(11/354)


أصبغ عن ابن القاسم ، فيما حكاه ابن حبيب . واختلف إن كانت مشترطة في أصل عقد البيع على أربعة أقوال : أحدهما قول ابن القاسم هذا : إن البيع فاسد ، والحمالة ساقطة والثاني قول أصبغ : إن البيع جائز ، والحمالة لازمة ، وهو قوله : والمسألة ليس بها بأس والبيع عليهما ، يريد : الشرطين والثالث إن البيع جائز ، والحمالة ساقطة والرابع إن البيع فائد والحمالة لازمة ، والاختلاف في هذه المسألة كالالختلاف في البيع على رهن فاسد ، على حسبم ا قدر ذكرناه في أول سماع أصبغ ، من كتاب الرهون . وقال بعض أهل النظر : إن قول ابن القاسم في هذه المسألة مخالف لأصله في المدونة في إجازة اشتراط الرهن الغرر ، كالثمرة التي لميبد صلاحها في أصل البيع ، وليس ذلك عندي بصحيح ، لافتراق المسألتين ، فإن الغرر في الثمرة لا صنع لهما فيه والغرر في الحمالة إنما كان بقصدهما له ، واشتراطهما إياه ، ولو كان الرهن إنما الغرر فيه بما اشترطاه ، لجاز ارتهانه بعد عقد البيع قولاً واحداً ، ويتخرج في اشتراطه في عقد البيع أربعة أقوال ، حسبما قد ذكرناه في أول سماع أصبغ ، من كتاب الرهن .
وهذه المسألة من غريب المسائل على مذهب ابن القاسم ، لأنه لا تجوز الحمالة إذا انفردت عن البيع ويبطلها ويفسد البيع إذا اشترط في أصله ، وفرق أشهب في رواية البرقي عنه بين الرهن والحمالة الصحيحين في أصل البيع الفاسد ، فأبطل الحمالة وجعل الرهن رهناً بالثمن من الثمن أو القيمة ، وابن القاسم يبطل الرهن والحمالة في أحد أقاويله ، على ما مضى من اختلاف قوله في رسم العرية من سماع عيسى . وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل عن رجل تحمل عن رجل ، فقال الذي عليه الحق للحميل : بعني سلعتك اقضها فلاناً أو أبيعها فاقضها فلاناً ،

(11/355)


فتسقط عنك الحمالة ، قال : ما أراه يحل ولا يعجبني ، لأني أخاف أن يكون من وجه الدين بالدين ، ووجه من وجوه الربا .
قال محمد بن شد : المكروه في هذه المسألة بين ، لأن المعنى فيها أنه اشترى منه السلعة إلى أجل بأكثر من قيمتها نقداً على أن يقبضها غريمه فيما كان له عليه من الدين الذي كان تحمل به عنه ، إن كان قضى السلعة بعينها عنه ، ولم يبعها ، وإن كان باعها فقضاه الثمن ، صار كأن الحميل قضى عنه عشرة ، إن كان باع السلعة في التمثيل بعشرة ، على أن يأخذ من المشتري خمسة عشر إلى أجل إن كان باعها منه في التمثيل بخمسة عشر إلى أجله ، فدخله سلف خمسة في خمسة عشر إلى أجل بذلك الدينار بعينه . ووجه من وجوه الدين بالدين كما قال ، لأن الحميل كأنه دفع إلى المتحمل له ، عشرة دنانير ، على أن يأخذ بها عن المتحمل عنه خمسة عشرة إلى أجل ، وذلك من المكروه . وبالله التوفيق .
ومن كتاب القضاء العاشر من البيوع
قال أصبغ : وسألته عن رجل باع من رجل عبداً بنظرة ، فأحال بها عليه رجلاً فأقر بها المشتري الذي أحيل بها عليه ، ثم رد العبد من عيب كان به . قال : إن كان أحاله بدين كان له عليه ، لزم المتحمل عليه غرم ذلك للمحال ، وإن كان أصله منه ، أو هبة وهبها لآخر لم يلزمه غرم شيء إذا لم يكن دفعها ، وإن هو دفعها إليه ، لم ينتفع بها الموهوب له أو المتصدق عليه والموصول بها ، ولم يتبع بها إلا البائع الذي باعه الرأس ، ولم يكن له على المدفوع

(11/356)


إليه قليل ولا كثير ، وإنما دفعه إياها بمنزلة ما لو قبضها البائع ، ثم تصدق بها على أحد ، أو وهبها له ، لأنه يوم فعل ذلك لم يكن عليه دين يرد به صدقته ولا هبته ، وإنما هو قضاء حادث . وفي سماع أبي زيد بن أبي الغمر عن ابن القاسم مثله .
قال محمد بن رشد : قوله فيمن باع عبداً بنظرة فأحال غريماً على المشتري بالثمن ، فرد بعيب : إنه يلزمه أن يدفع الثمن إلى المحال ، ويرد به على البائع المحيل ، وهو مثل قوله في كتاب الحوالة من المدونة : إنه إذا استحق العبد على القول بأن الرد بالعيب نقض بيع ، فدخل فيه قول أشهب ، فلا يلزمه على مذهبه أن يدفع الثمن إلى المحال ، وإن كان قد دفعه إليه قبضه منه أو فات عنده على مذهبه ، مضى له ، ورجع المشتري بالثمن على البائع ، وقيل : لا يلزمه أن يدفعه إليه ، فإن دفعه إليه ، كان له أن يرجع به عليه ، وإن فاته من يده ، وإن شاء رجع على البائع ، لأن البيع قد كشف أنه أحاله بما له يملك ، وأما على القول بأنه ابتداء بيع ، فيلزمه أن يدفع إلى المحال الثمن قولاً واحدا . والله أعلم .
كذلك يختلف إذا وهب الثمن أو تصدق به ثم استحق العبد أو رد بعيب على هذه أربعة أقوال : أحدها إن هبته والصدقة به ، تفوت له ، ويلزم المبتاع أن يدفعه إلى المتصدق عليه ، أو الموهوب له ، ويرجع به على البائع الواهب . روى ذلك عيسى عن ابن القاسم في المدونة قال : ذلك إذا كان قد جمع بينه وبينه ، فأقر له ، وهو قول بعض الرواة في النكاح الثاني من المدونة . وفي المرأة تهب لرجل صداقها على زوجها قبل الدخول ، فيطلقها ، إنه يلزمه أن يدفع جميعه إلى الموهوب له ، ويرجع بنصفه على المرأة . والثاني إنه لا يفوت إلا بالقبض ، فإن لم يدفعه المشتري ، كان له أن يمسكه ، وإن كان قد

(11/357)


دفعه لم يكن له أخذه ، ورجع على البائع به . والثالث إنه لا يفوت إلا باستهلاك الموهوب له بعد القبض ، فإن كان لم يدفعه كان له أن يمسكه وإن كان قد دفعه إليه ، كان له أن يأخذه منه ما لم يفوته بأكل أو استهلاك ، فإن فوته بذلك ، مضى له ورجع المشتري به على البائع الواهب . والرابع إن الهبة والصدقة لا تصح للموهوب له والمتصدق عليه في حال من الأحوال ، لأن الغيب كشف أنه وهب أو تصدق بما لم يملك ، وإن كان قد دفعه باستهلاكه ، رجع المبتاع على البائع ، ورجع البائع على المتصدق عليه والموهوب له . حكاه محمد بن المواز عن ابن القاسم في المرأة تأخذ الصداق من زوجها تتصدق به ، فيطلقها قبل الدخول ، إنه يرجع عليها بنصف الصداق ، وترجع هي به على المتصدق عليه ، لأنا تصدقت عليه بما لم يصح لها ملكه . وفي المسألة قول خامس ، وهو إن كان البائع الواهب عديماً ، : ان للمشتري أن يمسكه إن كان لم يدفعه ، وإن كان ملياً لزمه أن يدفعه إلى الموهوب له ، ويتبع به الواهب ، وهو قول ابن القاسم في النكاح الثاني من المدونة ، وفي المرأة تهب الصداق الذي لها على زوجها فيطلقها قبل الدخول .
هذا تحصيل الخلاف في هذه المسألة ، والذي يوجبه النظر والقياس فيها أن يكون هذا الاختلاف في الرد بالعيب على القول بأنه بيع مبتدأ ، وفي الطلاق قبل الدخول على القول بأن المرأة يجب لها جميع الصداق بالعقد ، ولا يجوز الهبة ولا الصداق في الاستحقاق ولا في الرد بالعيب على القول بأنه نقض بيع ، ولا في الطلاق ، لأنه لا يجب للمرأة بالعقد إلا نصف الصداق ، فيأتي جواب ابن القاسم في مسألة هبة الزوجة صداقها قبل الدخول ، على القول بأن المرأة لا يجب لها بالعقد من الصداق إلا نصفه . وجواب بعض الرواة على أنها يجب لها بالعقد جميعه . وبالله التوفيق .

(11/358)


ومن كتاب محض القضاء
وسئل أصبغ عن الرجل يقول للرجل : تحمل عني لفلان ، ولك دينار . قال : لا خير فيه ، كأنه أعطاه ديناراً على أن يضمن عنه عشرة ، فلا يجوز .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال ، وهو مما لا اختلاف فيه ، لأن الحمالات بالجعل حرام . وقوله : وكأنه أعطاه ديناراً على أن يضمن عنه عشرة ، ليس بكلام المستقيم ، إذ ليس بشبيه له ، وإنما هو ذلك بعينه فكان صواب الكلام أن يقول : لا خير فيه ، لأنه أعطاه ديناراً على أن يضمن عنه عشرة ، أو يقول : لأنه كأنه أعطاه ديناراً على أن يسلفه عشرة دنانير ، يؤديها عنه إلى غريمه ، ويتبعه بها إن طلب بالحمالة ، وقد يطلبه بها ، وقد لا يطلب ، فهو ربي بين ، وغرر ظاهر ، وذلك حرام لا يجوز ، فإن وقع ذلك ، در الدينار ، وبطلت الحمالة ، وإن كانت في أصل العقد ، وكذلك إذا أعطاه الجعل المتحمل عنه ، بعلم المتحمل له ، وأما إن أعطاه المتحمل عنه بغير علم الطالب المتحمل له ، فيرد الجعل ، وثبتت الحمالة .
وقد مضى هذا المعنى في أول رسم سماع ابن القاسم ، وفي أول سماع أشهب ، فقف على ذلك في الموضعين . والله الموفق .
مسألة
وسئل أبو زيد : عن رجل كان له على رجل مائة دينار إلى أجل ، فقال له صاحب الحق : أعطني بمالي عليك حميلاً إلى الأجل ، وأنا أضع عنك منها عشرة ، ففعل ذلك ، فأعطاه حميلاً بما له عليه إلى أجله ، على أن يضع عنه عشرة دنانير ، قال : لا بأس بذلك ، قلت : أرأيت لو قال له : أعطني بمالي عليك رهناً أو حميلاً

(11/359)


إلى أجل . وهذه عشرة دنانير ، فخذها مني ، فأعطاه رهناً أو حميلاً وأخذ منه عشرة دنانير نقداً ليس مقاصة ، ولا وضيعة مما له عليه . قال : وهذا أيضاً مثله لا بأس به .
قال محمد بن رشد : لم يذكر في بعض الروايات أبا زيد ، فدل على أن المسؤول أصبغ . وإجازة من أجاز منهما أن يضع الرجل على الرجل بعض ماله عليه من الحق على أن يعطيه بالبقية رهناً أو حميلاً ، أو يعطيه دنانير على أن يعطيه بحقه رهناً أو كفيلاً ، خلاف ما في رسم أخذ يشرب خمراً من سماع ابن القاسم من كتاب الرهون ، خلاف ما في رسم أوصى من سماع عيسى من كتاب السلم والآجال ، وإجازة ذلك على ما في هذه الرواية عن أصبغ وأبي زيد أظهر ، ووجه الكراهية فيه عند مالك وابن القاسم ، أن المعطي للدنانير أعطاه عوضاً عما لا يعلم قدر الانتفاع به من الرهن ، أو الحميل ، إذ لا منفعة للمرتهن في الرهن إلا أن يقوم الغرماء على الرهن ، وهو لا يدري هل يقومون عليه أم لا ؟ ويكون قدر انتفاعه به إن قام عليه الغرماء ، لأن كل ما كثر عليه الديون ، كثر انتفاعه بالرهن ، فدخله الغرر ، والحميل أبين من الغرر . وبالله التوفيق .
من نوازل سئل عنها أصبغ
وسئل أصبغ عن الرجل يشتري من البكر أو المولى عليه ، ويتخذ عليهما حميلاً بما لزمه من قبله أو من قبلها من درك ، هل يلزم الحميل حمالته إذا فسخ بيع السفيه والبكر ، وإبطال الثمن عنهما بفاسدهما وأنهما لم يدخلاه في منفعة ، ويعدى عليه المشتري بالثمن كما اشترط في حمالته ؟ وكيف إن لم يذكر حمالته وقال : إنما نشتري منك على أنك ضامن لما أدركني من قبله ؟ قال أصبغ : الحمالة لازمة ، ولا تسقط عنه ، لأنه ليس فيها حرام يسقط به ، إنما

(11/360)


ضمن ما دفع إلى السفيه ، فهو كرافعه إليه ، ويغرم به ، ويسقط عليه ولا يتبعه به ، فأما ضمان ما أدرك منه فلا أراه شيئاً لأنه لم يدركه من السفيه لما شرط ، إنما أدركه به وليس منه ، فلا أراه شيئاً ، إلا أن يكون السفيه هو القائم بذلك عن نفسه ، ولنفسه ، حتى فسخ له شراء المشتري وإبطال ماله ، بمعاملة قام بذلك عن نفسه فقضي له ، أو حسنت حاله ، وقام به قيام وصحة ، فقضى له ، فإن كان كذلك ، رأيت الضمين ضامناً لأنه أدركه منه وإلا فلا .
قال محمد بن رشد : ألزم أصبغ ، من تحمل للمشتري عن البكر أو المولى عليه بما لزمه من قبل كل واحد منهما ما التزمه ، وكذلك إذا ضمن ذلك عنهما . وفي قوله في السؤال : وكيف إن لم يذكر حمالته ؟ وقال إنما اشتري منك على أنك ضامن لما أدركني من قبلهن دليل على أن الحمالة عنده ألزم من الضمان في ذلك ، وإن كانا عنده جميعاً لازمين فيه ، والأظهر أن يكون الضمان في ذلك ألزم من الحمالة ، وإن لزم جميعاً ، لأن السفيه لا يرجع عليه ، والحمالة تقتضي الرجوع ، والضمان يحتمل الحمل الذي لا رجوع فيه ، والحمالة التي فيها الرجوع ، فاللفظ الذي يحتمل فيما لا رجوع فيه ، ينبغي أن يكون ألزم من اللفظ ، الذي لا يحتمل الحمل فيما لا رجوع فيه ، وظاهر قول أصبغ إلزام الحميل الحمالة ، وإن لم يعلم بسفه الذي تحمل عنه ، وهو مذهب ابن القاسم ، ومعنى ذلك عندي إذا لم يعلم بذلك المتحمل له أيضاً ، وأما إذا علم هو ولم يعلم الحميل ، فينبغي أن لا تلزمه الحمالة ، لأنه قد غره ، إذ لم يعلمه بسفهه ، حتى يتقدم في الضمان عنه على المعرفة بأنه لا يرجع بما ضمن ، وابن الماجشون يقول : إن الحمالة لا تلزم الحميل إذا لم يعلم بسفه المحتمل عنه ، معناه : علم المتحمل أو لم يعلم ،

(11/361)


فالخلاف فيما بين ابن القاسم وابن الماجشون ، إنما هو إذا لم يعلما جميعاً ، وأما إذا لم يعلم الحميل ، وعلم المتحمل له ، فلا تلزمه الحمالة ، قولاً واحداً ، فإن علما جميعاً أو علم الحميل منهما ، لزمته الحمالة قولاً واحداً .
وقد رأيت لابن الماجشون ، أنه إذا علم المتحمل له ، فلا شيء على الحميل ، علم أو لم يعلم ، وهو بعيد أن تسقط الحمالة عن الحميل إذا تحمل به وهو يعلم بسفهه ، فإن علم الحميل ولم يعلم المتحمل له ، لزمته الحمالة باتفاق ، وإن علم المتحمل له ولم يعلم الحميل مل تلزم الكفالة باتفاق ، وإن جهلا جميعاً أو علما جميعاً لزمته الحمالة عند ابن القاسم ، ولم تلزم عند ابن الماجشون ، إلا في وجه واحد من الأربعة أوجه ، وهو أن يعلم الحميل ولا يعلم المتحمل له ، ولا تسقط عند ابن القاسم إلا في وجه واحد منهما ، وهو ألا يعلم الحميل ، ويعلم المتحمل له ، وفي قوله في سؤال المسألة : وإبطال الثمن عنهما لفسادهما ، وأنهما لم يدخلاه في منفعة ، دليل بين على أن السفيه لا يبطل عنه ما أدخله في منفعته ، وصرفه في وجوهه ، وفي ما لا غناء له عنه ، وهو نص قول في نوازله من كتاب المديان والتفليس ، خلاف ما رواه عن ابن القاسم وابن كنانة حسبما ذكرناه هناك . وتفرقة أصبغ في هذه الرواية أن يقول : أتحمل لك بما أدركك منه أو من قبله بين على ما تقتضيه الألفاظ ، إذا عرى الأمر من بساط ، يدل على الوجه الذي التزم الطلاق به وبالله التوفيق . اللهم لطفك .
من سماع أبي زيد بن أبي الغمر من ابن القاسم
قال أبو زيد : سئل ابن القاسم عن الذي يتحمل بوجه الرجل إلى أجل ، فإن لم يأت به إليه ، فالمال عليه ، فلا يأتي به إلى الأجل ، ويأتي به من الغد ، إن الحميل ضامن للمال ، حين لم يأت به يوم الأجل .

(11/362)


قال محمد بن رشد : إعمال ابن القاسم هذا الشرط في رواية أبي زيد عنه ، خلاف أصله المعلوم من قوله ، وروايته عن مالك في مسألة كتاب بيع الخيار من المدونة في الذي يبيع السلعة من رجل ، على أن المشتري بالخيار ثلاثة أيام ، فإن غابت الشمس من آخر الثلاثة الأيام ، ولم يأت بها ، لزمه البيع ، إن بيع مكروه ، لاشتراطه فيه ما يوجب الحكم خلافه ، ولم يتكلم في المدونة على حكم البيع إذا وقع على هذا الشرط . وقد اختلف في ذلك ، فقيل : يفسخ البيع ، وهو دليل ما في كتاب ابن المواز من أنه بيع فاسد ، وقيل : يبطل الشرط ويجوز البيع ، على قياس قوله : إن لم يأت بالثمن إلى كذا وكذا ، فلا بيع بينهما ، فقول ابن القاسم في هذه الرواية ، يأتي على قياس قول أشهب : في أن البيع يلزم المشتري بمغيب الشمس من آخر أيام الخيار ، والذي يأتي على مذهب ابن القاسم ، وروايته عن مالك ، إن كان الحميل بهذا الشرط بعد عقد البيع أن يبطل الشرط ويتلوم الحميل إن حل الأجل ، ولم يأتي بالغريم ، حسبما مضى من الاختلاف في ذلك في رسم الجواب من سماع عيسى ، ورسم المكاتب من سماع يحيى . وقد قيل : إن المال يلزمه إذا مضى بعد الأجل قدر ما يتلوم له فيه الثلاثة الأيام . فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال : أحدها إن المال يلزمه بمضي الأجل كما شرط ، والثاني إن المال يلزمه بمضي قدر التلوم ، والثالث إن المال لا يلزمه إلا بالحكم بعد التلوم ، كما إذا تحمل بالوجه ولم يشترط شيئاً أو دون تلوم ، على ما حكاه ابن المواز عن ابن القاسم عن ابن وهب ، من أن الحميل بالوجه لا يؤجل إذا حل الأجل وغاب الغريم ، وإن كان في عقد البيع فسد البيع على الاختلاف الذي ذكرته في أول رسم من سماع أصبغ في الحمالة الفاسدة المشترطة في أصل البيع . وبالله التوفيق .
مسألة
وقال في رجل عليه دين ، وله مال غائب ، يعلم غرماؤه

(11/363)


ذلك ، فقالوا : أعطنا حميلاً حتى يقدم مالك ، قال : ليس ذلك لهم ، إلا أن يخافوا عليه أن يموت أو يغيب عنهم .
قال محمد بن رشد : كان ابن عتاب يضعف هذه الرواية ويقول : إنها رواية ضعيفة ، خارجة عن الأصول ، كالتي فوقها ، وككثير مما روي . والصواب أنه يلزمه حميل بالمال ، إذا سأل أن يؤخر بما عليه حتى يأتي به ، فرأى ذلك القاضي بوجه النظر والاجتهاد .
وكان الفقهاء بطليطة يتفقون فيمن عليه ، دين ، فسأل أن يؤخر به حتى ينظر فيه وهو وافر الحال ، معلوم بالجدة واليسار والمال المأمون ، فؤجل في ذلك ، أنه لا يلزمه حميل إلا بوجهه ، بدليل هذه الرواية ، وهو لعمري دليل ظاهر ، وإلى هذا ذهب ابن مالك فقال : إذا كان المطلوب معروف العين مشهور ظاهر الملا بين الوفر ، فلا يؤخذ منه حميل ، لأن معنى الحميل ، إنمنا هو الوثق بالطلب بحميل ، هو واثق من مطلوبه ، فإذا كان مطلوبه ثقة ، فلا معنى للحميل ، إذ لو أتاه بحميل ، هو واثق من مطلوبه ، فإذا كان مطلوبه ثقة ، فلا معنى للحميل ، إذ لو أتاه بحميل ملي بماله ، وإن لم تكن حاله في الملا كحال المطلوب ، لقبل منه ، فبان بذلك أنه لا معنى للحميل في ذلك ، قال : وإنما كان سحنون يرى على قاتل الخطأ ، الحميل ، لتشهد البينة على عينه في رجل غير مشهور . هذا معناه عندنا ، فعلى ما ذهب إليه ابن مالك ، إذا لم يكن مشهور العين ، وهو ظاهر الملا والوفر ، لزمه حميل بوجهه على ما كان يفتي به فقهاء طليطلة دون تفصيل ، فقول ابن مالك هو الصحيح في المسألة ، وتضعيف ابن عتاب الرواية صواب ، لأن مال المطلوب غائب على ما ذكره فيها ، فوجب أن يؤخذ منه حميل بالمال ، بخلاف إذا كان ماله حاضراً ووفره ظاهراً من الأصول وغير ذلك ، فها هنا يحسن قول ابن مالك ، وما كان يفتى به الفقهاء بطليطة ، وهو قول سحنون ، كتب إليه في رجل بعث معه بمال ،

(11/364)


فتعدى فيه ، فأنفقه ، ثم اعترف به عند الحاكم ، وقال : هذا ربعي أبيعه ، فيعرضه ، فلا يجد من يشتريه ، فطلب منه الطالب حميلاً بوجهه . فهل ذلك عليه ؟ وهل يحبس إن لم يجد حميلاً ؟ فكتب ، لا حميل على هذا ولا حبس ، إذا بذل من نفسه هذا ، ولم يتهم ، وإنما يحبس المفلس ، فيتهم أن يخفي مالاً . وبالله التوفيق .
مسألة
وقال في رجل اشترى من رجل دابة وثوباً إلى أجل ، وتحملت أنا البيع ، فحل الأجل ، والغريم غائب ، فقام المشتري ، قال : إن غرم الحمل ثوباً مثله ، ودابة مثلها من عنده بغير شراء يشتريه ، فالذي عليه الحق ، مخير ، إن شاء أعطاه قيمة ثوبه ، أو قيمة دابته ، بدابة مثل دابته ، أو ثوب مثل ثوبه . وإن اشترى الثوب أو الدابة ، كان على الذي عليه الحق ذلك الثمن ، ولو أعطاه الحميل من ثوب حماراً أو من حماراً ثوباً ، كان الذي عليه الحق مخيراً إن شاء قيمة ما دفع ، أو يدفع إلى الحميل مثل الذي تحمل به عنه ، ثوباً كان أو دابة .
قال محمد بن رشد : وقعت هذه المسألة ها هنا في بعض الروايات وقد مضى الكلام عليها مستوفى في رسم الأقضية من سماع يحيى فلا معنى لإعادته . وبالله التوفيق .
مسألة
وقال في رجل اشترى من رجل سلعة بعشرة دنانير إلى شهر ، على أن تحمل له بها رجل ، فلما حل الأجل ، أداها الحميل من ماله ، ثم جحد أن يكون أخذ شيئاً ، فرجع على الحميل ، فأخذها ثانياً . قال : إن كان دفع العشرة الأول أو الآخرة بحضرة الغريم

(11/365)


بعشرين ، وإن كان دفع بغير حضرته ، فليس له عليه إلا عشرة .
قال محمد بن رشد : هذه المسألة قد مضى القول فيها مستوفى في رسم أو وصى لمكاتبه من سماع عيسى ، فلا معنى لإعادته ، وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل عمن ضمن قمحاً لرجل على أخ له إلى أجل ، فلما حل الأجل ، لزم الذي ضمن القمح ، فجاء الذي عليه القمح فقال : إن فلاناً لزمني بذلك القمح ، فدفع إليه الغريم دنانير ، وقال : اذهب ، اشتر له بها قمحاً ، فاقضه ، فقال الذي ضمن ذلك القمح : عندي قمح ، وأنا أبيعك عشرة أراديب بدينار ، وادفع إليه القمح ، فقال : لا يحل للذي له القمح أن يقبضه من الذي ضمن حتى يكلفه للذي عليه الحق ، حتى يصير ضمانه منه ، ثم يقبضه منه بعد ، قال : وأحب إلي أن يوكل الذي عليه الحق من يقبضه من الذي ضمن ، ثم يوفيه إياه ، فإن وكل الذي ضمن ، فأرجو أن يكون خفيفاً وضعفه .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة قد مضى القول فيها مستوفى في رسم نقدها من سماع عيسى فلا معنى لإعادته . وبالله التوفيق .
مسألة
وقال ابن القاسم في أربعة نفر ، تحملوا لرجل عن رجل بأربعة مائة دنانير ، وبعضهم حملاً عن بعض ، فحل الأجل ، وثلاثة منهم غيب ، والرابع حاضر ، فأغرمه صاحب الحق ، مائتين ، ثم جاء أحد الثلاثة الغيب ، فقال : يغرم للذي أدى المائتين ، ستة وستين ديناراً وثلثي دينار . قيل له : فإن لم يقدم أحد الغائبين الآخرين كيف

(11/366)


يجرع عليه ؟ قال : يغرم أربعة وأربعين ديناراً ، أو أربعة اتساع الدينار ، فيكون بين الذي غرم أولاً وبين الذي جاء الثاني نصفين سواء ، اثنين وعشرين دينار وتسعي دينار لكل واحد .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة صحيحة على قياس قول غير ابن القاسم في المدونة في مسألة الستة كفلاً وعلى ما في كتاب محمد بن المواز من أن الحملا في صفقة واحدة على أن بعضهم حميل عن بعض ، إذا أخذ أحدهم ما ينوبه من جملة ما تحملوا به فأقل ، لم يكن له به رجوع على أصحابه ، وإنما يرجع على من وجد منهم بما يجب عليه مما أخذ منه زائد على ما ينوب به من جملة ما تحملوا به .
وبيان ذلك في هذه المسألة بعينها ، أن الغريم الذي تحمل له الأربعة كفلا بأربع مائة دنانير ، وكل واحد منهم حميل عن أصحابه لما وجد أحدهم ، فأخذ منه مائة دنانير ، كانت المائة الواحدة منها هي التي تنوبه من جملة ما تحملوا به ، فلا رجوع له بها على أحد ، والمائة الثانية أداها عن أصحابه الكفلا الثلاثة الغيب ، ثلاثة وثلاثين وثلثا ثلاثة وثلاثين ، وثلثا ثلاثة وثلاثين وثلثا وثلثا عن كل واحد منهم ، فإن قدم أحدهم قام عليه الذي أدى المائتين ، فقال له : قد أديت إلى الغريم مائتين! المائة الواحدة ، واجبة علي لا رجوع لي بها إلا على المتحمل عنه ، والمائة الثانية ، أديتها بالحمالة عنك وعن صاحبيك الغائبين ، ثلاثة وثلاثين وثلثا عنك ، وستة وستين ديناراً وثلثي دينار عن صاحبيك الغائبين ، ثلاثة وثلاثين وثلثا وثلاثة وثلاثين وثلثا عن كل واحد منهما ، فادفع إلى الثلاثة والثلاثين وثلثا التي أديت عنك في خاصتك بالحمالة ، ونصف ما أديت عن صاحبيك الغائبين بالحمالة ، لأنك حميل معي بهما ، وذلك ثلاثة وثلاثون ديناراً ، وثلث دينار ، لأني أديت عنهما جميعاً ستة وستين وثلاثين ، فيأخذ منه ستة وستين وثلثين ، كما قال ، وذلك بين حسبما بيناه ، فإن قدم بعد ذلك الثاني من الغائبين ، فقام عليه الأول الذي أدى

(11/367)


مائتين ، والثاني الذي رجع عليه الأول بستة وستين وثلثين ، رجعا عليه بأربعة وأربعين ، وأربعة اتساع ، فاقتسماها بينهما بالسواء .
وتفسير ذلك ، أنهما يقولان له : أدينا عنك في خاصتك ثلاثة وثلاثين وثلثاً ، فادفعها إلينا ، وأدينا عن الغائب الثاني بالحمالة ، ثلاثة وثلاثين وثلثاً ، فعليك ثلثها ، لأنك حميل ، معنا به ، وذلك أحد عشر وتسع ، فيأخذان ذلك منه قيمة أربعة وأربعين ، وأربعة اتساع بينهما كما قال : اثنين وعشرين وتسعين لكل واحد منهما ، فهذا تفسير ما ذكره من التراجع في هذه المسألة ، إن قدم بعد ذلك الغائب الرابع ، فقام عليه الثلاثة الأول ، الذي أدى مائتين ، فرجع منهما على القادم بستة وستين وثلثين ، وعلى القادم الثاني باثنين وعشرين وستعين حسبما وصفناه ، والثاني الذي رجع عليه الأول بستة وستين وثلثين ، فرجع هو منهما على القادم الثاني باثنين وعشرين وتسعين ، والثالث الذي جرع عليه الأول ، والثاني بأربعة وأربعين وأربعة اتساع فيما بينهما حسبما وصفناه ، بأنهم يرجعون عليه بثلاثة وثلاثين وثلث فيما بينهم إحدى عشر وتسع لكل واحد منهم فيستوي الأول بذلك جميع المائة التي أدى بالحمالة ، لأنه رجع على الذي قدم أولاً بستة وستين وثلثين ، وعلى الذي قدم ثانياً باثنين وعشرين وتسعين ، فتمت بذلك المائة ، ويكون كل واحد منهما من الثلاثة الغيب ، قد أدى ثلاثة وثلاثين وثلثا كما وجب عليهم ، المائة التي أداها عنهم الأول ، وذلك أن الأول من القادمين كان رجع عليه الأول بستة وستين وثلثين ، فرجع منهما على القادم الثاني ، باثنين وعشرين وتسعين ، وعلى هذا الثالث بإحدى عشر وتسع ، فتمت ثلاثة وثلاثين وثلث ، نصف ما كان أدى ، والثاني منا القدمين كان رجع عليه الأول والثاني بأربعة وأربعين وأربعة اتساع على ما بيناه ، فلما رجع منها على الثالث بأحد عشر وتسع ، كان الذي غرم ثلاثة وثلاثين وثلثاً ، فاستوى ثلاثتهم في الغرم ، وبقي لصاحب الدين من دينه مائة دينار ، فرجع بما عليهم ثلاثتهم ، فيأخذ من كل واحد منهم ستة وستين ديناراً ، وثلثي دينار ، فيكون كل واحد منهم
قد أدى مائة مائة ، كما أدى الأول ، وقد رجع بالمائة الثانية .

(11/368)


فيرجع كل واحد منهم بالمائة التي أدى إلى المتحمل له على المتحمل عنه . فهاذ بيان هذه المسألة وتمامها على هذا القول ، وأما على القول بأن الحملا في صفقة واحدة كل واحد منهم حميل على صاحبه ، يرجع من أدى منهم شيئاً على أصحابه بما يجب عليهم من جميع ما أداه حتى يستوي معهم في الغرم ، كان هو الذي ينوبه مما تحملوا به ، أو أكثر أو أقل ، فلا يحتاج في التراجع إلى هذا التشغيب ، لأن كل ما وجد واحد منهم واحداً من أصحابه ، رجع عليه حتى يساويه فيما غرم .
بيان ذلك في مسألتنا هذه : أن الأول الذي غرم مائتين ، يرجع على القادم أولاً من الغيب الثلاثة بمائة ، ثم إن قدم الثاني رجعا عليه بستة وستين وثلثين ، فاستوى ثلاثتهم في الغرم ، ثم إن قدم الثالث ، رجعوا عليه بخمسين ، ربع المائتين ، فاقتسموها بينهم ثلاثتهم ، يجب لكل واحد منها ستة عشر وثلثان ، فيكون الذي أدى كل واحد منهم ، خمسين وخمسين وهذا كله بين . وبالله التوفيق .
مسألة
وقال في رجل يكون عليه دين يحيط بماله أو ببعضه ، يتحمل بحمالة وهو يعلم أنه سيغرم ، إنه لا ينفعه ذلك فيما بينه وبين الله ، وهو يعلم أنه سيغرم ، والحمالة أيضاً عند مالك مفسوخة لا تجوز وراءها من ناحية الصدقة ، ولم يرها من ناحية البيع ، وذلك أن الحمالة معروف لا شك فيه ، وكل معروف صدقة .
محمد بن رشد : قد تكررت هذه المسألة بزيادة من قول أصبغ ، من كتاب المديان والتفليس . ومضى القول عليها هناك فلا معنى لإعادته . وبالله التوفيق.

(11/369)


مسألة
وسئل عن رجل كان له على رجل مائة إردب قمح ، فلزمه بها ، فقال : ليس عندي شيء أعطيك ، فجاء رجل فقال : أنا أتحمل لك بوجهه إلى غد ، فقال صاحب الحق ، إن لي عليه مائة إردب قمح ، فقال الحميل لست أضمن لك قمحاً ، ولكن أنظر إلى ثمنه كم هو ؟ فإن لم أجيئك به ، كان على ثمنه ، مائة درهم ، فتحمل له إن لم يأت بوجهه غداً ، كان عليه مائة درهم ، فلم يأت به للغد ، قال : عليه مائة درهم ، قيل له : كيف يصنع بها ؟ قال : يأخذها السلطان ، فيبتاع له بها قمحاً ، إن فضل شيء رد إلى الحميل ، وإن عجز لم يكن عليه شيء ، قيل له ، فإنها ضاعت قبل أن يشتري بها قمحاً ، ممن يكون ؟ قال من الغريم ، ويتبع الحميل الغريم الذي تحمل عنه بمائة درهم ، ويطلب صاحب الحق أيضاً من غريمه الأول ، ولا يكون له على الحميل شيء بعد .
قال محمد بن رشد : المعنى في هذه المسألة أن صاحب الحق ، قنع منه بالحميل بالوجه ، إذ كان من حقه أن يأخذ منه حميلاً بالقمح ، لإقراره له به ، والمعنى فيها أيضاً ، أن الغريم سأل الحميل أن يتحمل عنه ، وذلك أن مصيبته المائة درهم إن تلفت منه ، ولو كان إ ،ما تطوع له بالحمالة عنه من غير أن يسأله ذلك ، لوجب أن يكون ضمان المائة منه وأخذت المائة إردب من الغريم ، فيبعث في المائة درهم للحميل ، ويكون على الذي له الحق ما نقص من المائة درهم ، وله ما زاد . وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل ابن القاسم عن رجل كان لي عليه ثلثا دينار ، ولرجل علي نصف دينار ، فقلت للذي له على النصف : خذ من هذا ثلثي

(11/370)


دينار ، لي عليه ، أحيل به ، ويبقى لي عليك سدس دينار ، قال : هذا لا خير فيه .
قال محمد بن رشد : إنما لم يجز هذا ، لأنه أحاله بنصف دينار ، على أن يسلفه سدس دينار ، والحوالة بيع من البيوع ، لا يجوز أن يقارنها سلف ، ولو أحاله عليه بنصف دينار من ثلثي الدينار الذي له عليه لجاز ذلك ، لأنه أحال من ذهب ، لأن الثابت لكل واحد منهما في ذمة صاحبه ذهب ، وإن راعيت ما يوجبه الحكم لكل واحد منهما جاز أيضاً ، لأنه قد أحاله من دراهم في دراهم . وبالله التوفيق .
من سماع حسين بن عاصم
وسئل ابن القاسم عن رجل باع من ثلاثة نفر سلعة ، واشترط عليهم أن يأخذ حيهم بميتهم ، ومليهم بعديمهم ، وأيهم شاء أن يأخذ بحقه أخذه ، ثم سأل أحدهم حميلاً بما عليه فأعطاه حميلاً بذلك ، ولم يشترط على الحميل شيئاً ، فلما تقاضاهم الحق قال : أتاه آخذ المحمول عليه بجميع الحق ، وأراد غريم الحميل الحق كله ، وقد فلس المحمول عنه ، فقال : إنما تحملت بما ينوب هذا من المال ، فعلي ثلث الحق ، فقال ابن القاسم : أرى على الحميل ما على صاحبه ، وذلك الحق كله ، إذا أخذه الغريم بما شرط عليه ، فما وجب على المحمول عنه ، وجب على الحميل ما وجب على صاحبه المحمول عنه .
قال الفقيه القاضي وهذا كما قال : إن من حقه أن يأخذ الحميل بما كان له أن يأخذ به المتحمل عنه ، وقد كان له أن يأخذ المتحمل عنه بجميع حقه بمقتضى شرطه ، فإذا علم الحميل بشرطه ، لزمه ما كان يلزم المتحمل عنه ، ولو لم يعلم بشرطه لما

(11/371)


لزمه إلا ثلث الحق ، حظ الذي تحمل به ، وهو محمول على غير العلم حتى يثبت عليه العلم ، فإن أنكر أن يكون علم بالشرط ولم يقم عليه بذلك البينة ، لزمته اليمين ، فإن حلف لم يلزمه إلا ثلث الحق ، وبالله التوفيق .
مسألة
قال وسألت ابن القاسم عن الحميل إذا اشترط على المتحمل له ، إذا لقيت صاحبك فتلك براءتي ، أترى هذا براءة له إن لقيه ؟ وكيف إن لقيه بموضع إن تعلق به لم يقدر عليه ؟ قال ابن القاسم : أرى له شرطه هذا ، وأرى هذا براءة للحميل ، بشرط إن لقيه الغريم بموضع يقدر عليه ، وإن لقيه يموضع لا يقدر عليه ، فلا أرى له ذلك براءة .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال ، لأنه شرط لا فساد فيه ولا غرر ، فوجب أن يلزم ، لقول النبي عليه السلام : " المسلمون على شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً " ويبرأ إذا لقيه بموضع يقدر عليه فيه ، لأنه المفهوم من قوله : إذا لقيت صاحبك ، فتلك براءتي ، إذ لا معنى للقيه في موضع لا يقدر عليه فيه ، كما لو دفعه إليه في ذلك الموضع ، لم يبرأ من حمالته بدفعه إليه ، ولو لم يشترط ذلك عليه ، لم يبرأ بلقيه إياه ، وإن لقيه في موضع يقدر عليه حتى يدفعه إليه فيه ، وشهد عليه بذلك ، وكذلك روى أصبغ عن ابن القاسم . قال : قلت له : فلو تحمل رجل برجل إلى غير أجل ، أو إلى أجل ، فلقي الطالب صاحبه مساء وصباحاً بعد محل الأجل ، فتمر به السنتان والثلاث ، لا يذكر من أمره شيئاً ولا يطلب الحميل بشيء من حمالته ، فيغيب المتحمل عنه أو يموت ، فيطلب صاحبه من الحميل حمالته ، فقال :

(11/372)


هو على حمالته ، ولا يبريه لقي صاحب الحق إياه ، إلا أن يشهد له بالبراءة من حمالته . وقعت هذه الرواية في بعض الروايات في هذا الكتاب متصلة بآخر سماع يحيى وفيها بيان لهذه . وبالله التوفيق .
مسألة
قال وسألته عن رجل يتحمل بوجه الرجل ، ويشترط عليه أنه ليس عليه إلا وجهه ، ولا يكفل بمال إن جاء عليه ، وإنما علي وجهه أطلبه حيث كان ، فيغيب المحمول عنه ، ويؤجل المحيل أجلاً بعد أجل فلا يحضر به ، قال ابن القاسم : قال مالك : ليس عليه إلا وجهه أبداً ، وإن أجله آجالاً كثيرة ، وشرط الحميل جائز . قلت له : فإذا كانت غيبة المحمول عنه لا تعرف ، أيكلف الحميل طلبه ؟ قال لا أرى ذلك ، قلت : فإن قال المحمول له : أنا بموضع قد سماهن فأخرج فآتني به . قال : ينظر في ذلك للحميل ، فإن كان المحمول عنه ببلد يقوى مثله على السير إليه ، أمر بذلك ، قلت لابن القاسم : فإن خرج إليه فقدم ، فقال : لم أجده ، وقال المتحمل له : من يعلم أنك بلغت الموضع قال : إذا غاب عن موضعه قدر ما يرى أن مثله يبلغ في مثله ذلك الموضع ، فأراه مصدقاً في قوله ، قال ابن القاسم : وإن كان ضعيفاً عن الخروج إلى مثل ذلك الموضع الذي ذكره المحمول له ، فلا أرى أن يؤمر بذلك ، قلت لابن القاسم : فإن تبين أنه ببلد ، وأنه لا يطلبه ، قال ابن القاسم : وكيف يختبر هذا ؟ إلا أن تقوم بينة أنه خرج ، فأقام بقرية ، فرجع ولم يتوجه إلى المحمول عنه ، وما أشبه ذلك ، فأرى للسلطان أن

(11/373)


يعاقبه بالحبس في ذلك على قدر ما يرى ، أو يأمره بإحضار صاحبه إن قدر عليه ، فأما ضمان المال ، فلا أراه عليه إلا أن يكون لقيه فتركه ، أو غيبه في بيته وأبى أن يظهره ، فإذا أثبت ذلك ببينة عدل ، رأيته ضامناً لما عليه إن لم يحضره إياه ، وإرساله بعد أن أخذه حتى تلف ذلك الحق ، فعليه ضمان ذلك في عنقه . قال أشهب : أراه ضامناً إذا أخذه ثم خلاه .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال ، وهو مثل ما في المدونة وغيرها إن الحميل بالوجه ، إذا اشترط ألا شيء عليه من المال ، فهل شرطه ، ولا ضمان عليه إلا أن يغيبه أو يفوته عليه ، أو يحول بينه وبينه ، وما أشبه ذلك ، وإنما عليه إذا غاب عن موضعه أن يذهب عنه إن كان قريباً ، وليس عليه ذلك إن كان بعيداً ، ولا أن يطلبه إن جهل موضعه ، وقد اختلف في حد البعد الذي يكلف فيه الذهاب عنه ، فقال في هذه الرواية : ينظر في ذلك للحميل ، على قدر ما يرى أنه يقدر عليه .
وحكى ابن حبيب في الواضحة عن ابن الماجشون وابن عبد الحكم ذلك في مسيرة الأيام التي تكون من أسفار الناس ، واختلاف البلدان غير النائية جداً . قال ابن حبيب : والشهر ونحوه من أسفار الناس كثير وحكى عن أصبغ أنه لا يكلف الذهاب عنه إلا مسيرة اليوم واليومين ، وما لا مضرة عليه فيه ، واختار ابن حبيب القول الأول .
وحكى الفضل عن محمد بن عبد الحكم ، أن السلطان يتلوم له ، فإن جاء به وإلا حبسه حتى يأتي به . وفي كتاب ابن المواز إذا قال : لا أضمن إلا

(11/374)


وجهه لم يلزمه ضمان المال ، كما لو اشترط أنه لا شيء عليه من المال ، وهذا عندي فيه نظر ، إذ لا فرق بين أن يقول : أنا ضامن لوجهه ، ولا يزيد على ذلك ، وبين أن يقول : لا أضمن إلا وجهه ، في وجوب ضمان الوجه عليه ، وضمان الوجه يلزمه المال إذا لم يأت بالوجه .
والذي يوجبه النظر في ذلك عدي أن ينظر فيه إلى البساط ، لأن في قوله لا أضمن إلا وجهه ، دليل على أنه قصد إلى نفي ما سئل إياهن فإن كان قيل له : تضمن فلاناً أو تضمن المال عن فلان ، فقال : لا أضمن إلا وجهه ، لزمه ضمان المال ، ولم يأت بالوجه على حكم ضمان الوجه ، وإن كان قيل له : تضمن وجه فلان ، فإن لم تأت به ، غرمت ما عليه ، فقال : لا أضمن إلا وجهه ، لم يلزمه ضمان المال بحال . وبالله التوفيق .
مسألة
وسمعت ابن القاسم تكلم في شئ من الحمالة فقال: إنما هي ثلاثة وجوه، وهذا الذي آخذ به لنفسي إذا قال: أنا أتحمل لك بالوجه، ليس أنا من الدين في شيء، فليس عليه إلا وجهه يطلبه أبداً، وإن قال: تحمل لي بوجهه، فإن لم تأتني به غداً فالحق عليك، فإن لم يأت به إلي قدر ما تلوم له السلطان إذ لو رفع إليه، فالحق عليك، ولو رفع إلي السلطان تلوم له اليوم واليومين والثلاثة، يطلبه بعد الأجل، قال: وإن تحمل بالوجه هكذا، ولم يأت به حتي مضي الأجل، وبعد ذلك بشهرين أو ثلاثة، أو أربعة، ثم جاء به، فليس له إلا وجهه، يعني ما لم يخاصمه، فيقضي له عليه.
قال محمد بن رشد: افتراق هذه الوجوه الثلاثة صحيح كما ذكر، غير أن لبعضها تفسيراً وفي بعضها اختلاف، فأما الوجه الأول، وهو أن يتحمل بالوجه، ويشترط ألا شيء عليه من المال، فقد مضي تفسيره في

(11/375)


المسألة التي قبل هذه وأما الوجه الثاني وهو أن يتحمل بوجهه إلي أجل، ويشترط وجوب المال عليه بحلول الأجل، ففيه ثلاثة أقوال، قد مضت في أول سماع أبي زيد وأما الوجه الثالث، فلا خلاف فيما ذكره فيه أعلمه. وبالله التوفيق.
***
تم كتاب الكفالة والحوالة بحمد الله تعالي وحسن عونه وصلي الله على سيدنا ومولانا محمد النبي الكريم وعلى آله وصحبه. وسلم تسليماً، يتلوه كتاب الشركة.

(11/376)