البيان
والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة البيان
والتحصيل
والشرح والتوجيه والتعليل
في مسائل المستخرجة
لأبي الوليد ابن رشد القرطبي
المتوفى عام 520 هـ
وضمنه
المستخرجة من الأسمعة المعروفة بالعتبية
لمحمد العتبي القرطبي
المتوفى عام 255 هـ
تحقيق
الأستاذ أحمد الحبابي
الجزء الثاني عشر
دار الغرب الإسلامي
(12/1)
بسم الله
الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
كتاب الشركة
من سماع ابن القاسم من مالك رواية سحنون من
كتاب الرطب باليابس
قال سحنون : أخبرني ابن القاسم عن مالك أنه
قال في رجل دعا أخاً له إلى أن يسلفه ذهباً
ويخرج مثلها أو يشاركه فيها ويتجران جميعاً
بها في موضعهما أو يسافران في ذلك ، قال : إذا
كان ذلك على وجه الصلة والمعروف منه إلى أخيه
ولا حاجة إليه في شيء إلا الرفق به فلا بأس
بذلك ، وأن يحتاج إليه في بصره بالبيع
والاشتراء أو نفاذه في التجارة وتعلمه ونحوه
فلا خير فيه ، قال ابن القاسم : وقال لي مالك
بعد ذلك : لا خير فيه على حال ، وتفسيره الأول
إذا كان لا يحتاج إليه في بصر ولا مرفق لم أر
به بأسا هو أحب إلي .
قال محمد بن رشد : قوله إذا كان ذلك منه على
وجه الصلة والمعروف منه ولا حاجة له في شيء من
ذلك إلا الرفق فلا بأس به صحيح ، لأنه إذا فعل
ذلك لإرتفاقه بمشاركته إياه في وجه من الوجوه
كان سلفاً جر منفعة ، وقد نهي رسول الله صلى
الله عليه وسلم عن سلف جر نفعاً ، ولا اختلاف
في أنه لا بأس بذلك إذا صحت نيته ولا في أنه
لا يجوز ذلك إذا قصد
(12/5)
به منفعة نفسه
، فمرة رأى مالك النية في ذلك محتملة فسأله
عنها وصدقه فيها ، ومرة رآها بعيدة ، والأظهر
منه أنه قصد منفعة نفسه بدليل سؤاله إياه
الشركة فنهاه عن ذلك وقال له الآخر فيه ، ولو
كان المشرك هو الذي سأله أن يسلمه ويشاركه
لوجب أن يسأل عن نيته في ذلك قولاً واحداً ،
وهذا كله فيما يؤمر به ابتداء أو ينهي عنه ،
وأما إذا وقع ذلك وادعى أنه قصد بسلفه منفعة
نفسه ليأخذ سلفه معجلاً أن كان ضرب له أجلاً
أو قيمته أن كان عرضاً فعلى القول بأنه يسأل
عن نيته ونهي عن الفعل يصدق في ذلك مع يمنيه
ويأخذ سلفه معجلاً ، وقد مضت هذه المسألة في
رسم طلق من سماع ابن القاسم من كتاب الصرف
فأوجزنا الكلام فيها وأرجانا تمامه إلى هذا
الموضع وبالله التوفيق .
مسألة
قال ابن القاسم وقال مالك في رجلين اشتركا في
مال لهما لا يستويان فيه لأحدهما مائة وللآخر
خمسون ، ثم أن صاحب المائة دعا صاحب الخمسون
أن يسلفه نصف الخمسين التي يفضله لها حتى
يستويان في الشركة قال : إذا كان ذلك على غير
شرط عند المشاركة ولا لحاجة من المسلف الذي
أسلفه في بصر ولا على شيء إلا الرفق فلا بأسس
به .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال إنه إذا كان
ذلك شرطاً في أصل الشركة فلا يجوز من أجل أنه
إذا كان ذلك شرطاً في أصلها وذلك مثل أن يقول
له لي مائة دينار فأنا أسلفك خمسة وعشرين على
أن تشاركني بأن أخرج أنا الخمسة والسبعين
الباقية لي وتخرج أنت مثلها بالخمسة وعشرين
التي سلفتك فقد تبين أن المسلف قصد منفعة نفسه
فكان ذلك سلفاً جر منفعة وكذلك لو قال ذلك بعد
أن عقد الشرك ة معه على أن يخرج هذا مائة وهذا
خمسين
(12/6)
فيشتركا فيها
على الثلث والثلثين لما جاز أيضاًُ لأن الشركة
من العقود الجائزة التي لا تلزم بالعقد وإنما
يفترق أن يقول ذلك له في العقد أو بعده إذا
قاله له على غير وجه الشرط مثل أن يقول له
تعال أسلفك خمسة وعشرين فتضيفها إلى الخمسين
التي لك فأخرج لنا خمسة وسبعين مثلها فنشترك
فيها أو يقول ذلك له بعد أن عقد الشركة معه
على أن يخرج هو مائته وهذا خمسينه فيشتركا
فيها على الثلث والثلثين ، لأنه إذا قال ذلك
له في العقد ابتداء كان الأظهر منه أنه قصد
منفعة نفسه فصدق في ذلك مع يمينه إن ادعاه
حسبما مضى في المسألة التي قبلها ، وإذا قال
ذلك له قبل العقد كان محمولا على انه لم يقصد
منفعة نفسه إذ قد رضي بشركته فأشبه إذا كان
المشترك هو الذي سأله ذلك ، ولو قال ذلك له
بعد أن عقد الشركة فاشتريا به عروضاً للتجارة
على الثلث والثلثين مبلغ رؤوس أموالهما لكان
ذلك بيعاً جائزاً وان سمياه سلفاً لأنه باع
منه سدس العروض بالخمسة وعشرين التي سميا سلفا
. وبالله التوفيق .
مسألة
قال مالك في رجلين اشتركا في ذهبين مختلفين في
الوزن وصرفهما ونفاقهما في البيع مختلفة
فاشتريا بها كيف يقتسمان الربح أعلى وزنهما أو
على نفاقهما ؟ قال : بل على وزنهما يجمع هذه
في كفة وهذه في كفة ثم يقتسمان الربح على قدر
ما يكون لكل واحد منهما من الوزن .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال أن الربح
بينهما على وزن ما أخرج كل واحد منهما من
الذهب إذا لم يعتر على ذلك إلا بعد الشراء
يريد بعد أن يأخذ كل واحد منهما مثل الدنانير
التي أخرج ، ولو عتر على ذلك قبل
(12/7)
الشراء إنفسخت
الشركة بينهما وهذا في الاختلاف الكثير في
النفاق مع الاستواء في الطيب ، ولو كان
الاختلاف في النفاق يسيراً لجازت الشركة على
ما قال في المدونة إذا أخرج أحدهما دنانير
هاشمية والآخر دمشقية ، ولو وقعت الشركة على
دنانير مختلفة في الطيب مثل العبادية والنصفية
فلم يعتر على ذلك إلا بعد الشراء لاقتسماها
على قيمة الدنانير التي أخرجها كل واحد منهما
وبالله التوفيق .
مسألة
وقال مالك في رجلين اشتركا على مال مسمى من كل
واحد منهما على أن ما باع أحدهما بدين فقد
ضمنه معاً صاحبه فقال : أكره ذلك ، لأن كل
واحد منهما ما يدري ما يعيب به عنه صاحبه من
الخلاف ، قال سحنون قال مالك لا أرى بذلك
بأساً لأن الشركة لا تكون إلا باالتفاوض
والضمان من كل واحد منهما لصاحبه .
قال محمد بن رشد : المعنى عندي في هذه المسألة
أن مالكاً لم ير الرجلين إذ اشتركا في مال
مسمي متفاوضين فيما اشتركا فيه إلا أن يشتركا
فيه على المفاوضة بخلاف إذا اشتركا في جميع
أموالهما فرأى ما اشترطاه من أن ما باعه
أحدهما بدين فقد ضمنه معه صاحبه غرراً لأنه
ضمن هذا نصفه ما باع هذا على أن ضمن هذا نصف
ما باع هذا ، ورآهما سحنون متفاوضين فيما
اشتركا فيه من المال وان لن يشترطا ذلك بمنزلة
إذا تشاركا في جميع أموالهما فلم ير ما
اشترطاه من أن باعه أحدهما بدين فقد ضمنه معه
صاحبه غرراً لأن الحكم يوجب ذلك عنده وان لم
يشترطاه على حكم المفاوضة . وبالله التوفيق .
مسألة
وقال مالك في عبد بين رجلين أراد أحدهما أن
يضربه : إن
(12/8)
ذلك ليس له إلا
أن يأذن له شريكه فإن فعل ضمن ما أصابه في ذلك
أن يكون ضربه ضرباً لا يعنت أحد في مثله أو في
ذلك أدبه ، فإن كان هذا لم يضمن ، قال سحنون
أراه ضامناً ضربه ضرباً يعنت في مثله أو لا
يعنت لو لم يضربه إلا ضربة واحدة لكان ضامناً
له لأنه ليس هو له دون شريكه ، وهو بمنزلة
الرجل يعدو على عبد الرجل فيضربه ضرباً لا
يعنت في مثله فيموت منه أنه ضامن .
قال محمد بن رشد : رأى مالك شركته في العبد
شبهة تسقط الضمان في ضربه إياه الضرب الذي
يؤدب بمثله على ما أجترم خلاف قول سحنون ، وهو
أظهر ، لأن أدبه هو صلاح له فهو يقول لو لم
أؤدبه لفسد على فنقص مالي وعلى هذا اختلفوا في
الأرض بين الرجلين يزرع أحدهما فيها زرعاً أو
يبني فيها بنياناً هل يكون كالغاصب فيقلع
الشريك زرعه وبنيانه أو لا يكون كالغاصب؟
لشبهة الشركة فيكون له الزرع وإن كان الإبان
لم يفت ، ويكون عليه الكراء في نصيب شريكه
ويكون له قيمة بنيانه قائماً ، وقد مضى القول
على هذا في أول سماع ابن القاسم من كتاب
الإستحقاق ويأتي أيضاً في رسم القطعان من سماع
عيسى من هذا الكتاب وفي سماع سحنون في زيد من
كتاب الزراعة ، وعلى هذا اختلفوا في الأمة
تكون بين الحر والعبد فيولدها العبد هل تكون
جناية يلزم سيده أن يفتديه بنصف قيمته أم لا؟
فقال ابن القاسم في أول سماع سحنون من كتاب
الجنايات : إنها جناية تلزم سيده أن يفتديه
بنصف قيمته أو يسلمه جناية وتباع الأمة فيما
لزمه من نصف قيمتها فإن لم يف بذلك اتبع
بالباقي ديناً ثابتاً في ذمته ، ولا اختلاف
بينهم في أن الشركة في الأمة شبهة يسقط به
الحد عن الشريك أن وطئها لقول النبي عليه
السلام ادرءوا الحدود بالشبهات
(12/9)
مسألة
قال وسئل مالك عن رجل شارك رجلاً في تجارة
فجهزه بمتاع فقال له واشتر سلعة كذا يبني
وبينك لشيء له غلة مثل الحانوت وما أشبهه ففعل
ثم جحده أن يكون أمره بذلك وزعم أنه إنما
اشتراه لنفسه خالصاً من ماله فلما وجد عليه
البينة أنه أمره قال فإني أشركت فيه فلاناً
عند الإشتراء ولا يعلم ذلك إلا بقوله ، قال :
أراه بينهما على ما أمره ، ولا يصدق في قوله
أنه أشرك فيه فلاناً وفلاناً ، قال ابن القاسم
: ويدخل اللذان زعم أنه أشركهما بذلك على الذي
أقر لهما إن أقر بالنصف كان لهما نصف ما في
يديه وإن كان الثلث فلهما الثلث مما في يديه
والذي صار لصاحبه .
قال محمد بن رشد : قوله في هذه المسألة ثم
جحده أن يكون أمره بذلك وزعم أنه اشتراه لنفسه
خالصاً من ماله فلما وجد عليه البينة أنه أمره
بذلك قال إني أشركت فلاناً وفلاناً دليل هو
كالنص ، إذ لو أقر أنه أمره بذلك وقال لم أرد
أن اشتري لك شيئاً فاشتريته لنفسي لم يكن ذلك
له وكان معه شريكاً شاء أو أبى .
وقد اختلف فيمن أمره رجلاً أن يشتري له سلعة
بعينها فاشتراها لنفسه على أربعة أقوال أحدها
أن القول قول المأمور إن دفع إليه الثمن بعد
أن يحلف أنه إنما اشتراها لنفسه إن اتهم في
ذلك وهي رواية محمد بن يحيي السبادي عن مالك
والثاني أن السلعة للآمر وان لم يدفع إليه
الثمن ، وهي روايته عن ابن القاسم في المدينة
وقول أصبغ وروايته عن ابن القاسم في الثمانية
قال وسواء أشهد المأمور أنه إنما يشتريها
لنفسه ، القول الرابع الفرق بين أن يكون قد
دفع إليه الثمن أو لم يدفعه إليه وإنما أمره
أن يشتريها له بمائة فوعده بذلك ، وفي قوله
ولا يصدق في قوله إنه أشرك فيه فلاناً وفلاناً
دليل على
(12/10)
أنه لو كان
لفلان وفلان بينة على أنه أشركهما في ذلك لوجب
أن يكونا أحق بالنصف ، وفي ذلك اختلاف ، قيل
أنه لا يكون لهما إلا نصف النصف لأنه إنما
أشركهما في ماله ، وقال غيره يتخرج هذا
الاختلاف على اختلافهم في دار بين رجلين باع
أحدهما من أجنبي نصفها على الإشاعة ، هل يقع
بيعه على نصفه الذي له فينفذ عليه أو يقع على
نصفه ونصف شريكه فينفذ عليه البيع في نصف
نصيبه وينفسخ البيع في نصف شريكه إلا أن يشاء
أن يجيزه وسيأتي الكلام على هذا في رسم أول
عبد ابتاعه فهو حر من سماع يحيي من كتاب
الشفعة أن شاء الله ، فإذا قلنا أن الأمر أحق
بنصف الحانوت فيخرج المشتركين من النصف لأنه
يقول لهما أنا أشركتكما في حقي وحق غيري فليس
لكما إلا نصف ما بقي بيدي والثاني انه يكون
لهما جميع النصف لأنهما يقولان له أشركتنا في
نصف الحانوت ولك نصفه فأسلمه إلينا ، وإذا
قلنا إن المشركين أحق منه بنصف النصف الذي بيد
المأمور ، ويصير الحانوت بينهم أرباعاً ، رعه
للآمر وربعه للمأمور ، ونصفه للمشركين ،
وبالله التوفيق .
ومن كتاب أوله سن رسول الله صلي الله عليه
وسلم
وسئل عن رجل اشترى سلعة فسأله رجل أن يشركه ،
فقال قد أشركتك ولم يسم الذي استشركه ، فباع
السلعة بنقصان ، فقال الذي أشرك : إنما
أشركتني بسدس أو ربع ، قال : ذلك له ، ويحلف
إلا أن يأتي بأمر لا يعرف كالدينار ونحوه فإن
زادت السلعة فقال الذي أشركه إنما أشركتك على
الربع والسدس ، قال : يحلف ، وذلك به ، قال
مالك : إذا كان النقصان فالقول قول الذي أشرك
وعليه اليمين وذلك أن الذي أشركه مدعى .
(12/11)
وإذا كانت
الزيادة فالقول قول الذي أشركه وعليه اليمين ،
وذلك أن الذي أشرك مدع ، وذلك إذا لم يسميا
واليمين عليهما يحلفان على ما ادعيا .
قال ابن القاسم : فإذا قال كل واحد منهما لم
أنو شيئاً ولم يدعياه : أن السلعة تكون بينهما
نصفين ، ولو كانت السلعة قائمة فقال الذل
أشركتك بالربع والسدس وذلك الذي أردت ، فالقول
قوله وعليه اليمين ، وإذا قال الذي أشرك إنما
أردت الربع والسدس فالقول قوله أيضاً وعليه
اليمين إذا لم يكونا بينا ، قال ابن القاسم
وذلك أن الشركة ها هنا إنما هي بيع من البيوع
، ولو أن رجلاً أتى إلى رجل فقال قد بعتني نصف
جاريتك ، فقال له صاحبه : ما بعتك إلا ربعها
حلف وكان القول قوله مع يمينه ولو أن صاحبها
قال لصاحبه قد بعتك نصف جاريتي وطلب منه الثمن
فقال ما اشتريت منك إلا ربعها كان القول قوله
مع يمينه .
قال محمد بن رشد : قوله في هذه الرواية وذلك
إذا لم يسميا واليمين عليهما يحلفان على ما
ادعيا نص جلي على أنهما يحلفان على نياتهما
إذا لم يدعيا الإفصاح ، ومثلها في كتاب محمد
ابن المواز ، وله فيها أيضاً ما يدل على أن
لفظ الشركة يوجب المساواة ولا يلتفت إلى النية
بعد أن فرط قوله قد أشركتك ، وهو قول سحنون ،
وإليه ذهب ابن حبيب في الواضحة ولا اختلاف
بينهم إذا ادعيا الإفصاح أن القول قول الذي
ادعى الأقل منهما مع يمينه ولا في أنهما إذا
لم يدعيا إفصاحاً ولا نية أن السلعة تكون
بيمنهما بنصفين ، وهذا كله حيث لا يجب على
المشتري أن يشركه فيها فالقول قول من ادعى
النصف منهما أن كانا اثنين أو الثلث أن كانوا
ثلاثة أو الربع أن كانوا أربعة وسواء ادعوا
الإفصاح بأكثر من الواجب لهما أو قالوا كان
ذلك ضميرنا إلا أنه لا بد أن يحلف المدعي عليه
منهم في الإفصاح لصاحبه ، وقد مضى في
(12/12)
نوازل أصبغ من
كتاب الجامع البيع تحيل القول فيما يجب
الإشتراك فيه من السلع وعلى من يجب وأين يجب
فلا معنى لإعادة ذلك وستأتي المسألة أيضاً في
سماع أبي زيد من هذا الكتاب أن شاء الله .
وأما قوله ولو أتي رجل إلى رجل فقال قد بعتني
نصف جاريتك فقال له صاحبه ما بعتك إلا ربعها
حلف وكان القول قوله مع يمينه ولو أن صاحبها
قال لصاحبه قد بعتك نصف جاريتي فطلب منه الثمن
فقال ما اشتريت منك إلا ربعها كان القول قوله
مع يمينه فظاهره أن القول قول من ادعى الأقل
منهما مع يمينه كان البائع أو المبتاع ،
واستحق بيعه على المشتري أن كان هو البائع وقد
قال أبو إسحاق التونسي الصواب أن يتحالفا
ويتفاسخا لأنهما وإن لم يختلفا في الثمن فمن
حجة المبتاع أن يقول لم أرض شراء الربع وإنما
رغبت في النصف ، قال ولعل ذلك إرادته في
الرواية ، فيكون إنما قصد إلى أنه لا يصدق
مدعي النصف في الربع ولم يتكلم على تمام
التحالف ، ولم يقل أبو إسحاق التونسي إنهما
يتحالفان ويتفاسخان إذا ادعى البائع أنه باع
النصف وقال المبتاع لم اشتر إلا الربع سكت عن
ذلك ، فانظر هل يستويان عنده أو بينهما فرق ،
والأظهر عندي الفرق بينهما ، وأن لا اختلاف في
أنهما يتحالفان ويتفاسخان أن لا إذا كان
المبتاع هو مدعي النصف؟ لأن الجملة قد يزاد في
ثمنها ، فمن حجة المشتري أن يقول لا أرضى أن
آخذ الربع بالسوم الذي اشتريت منه النصف
والبائع إذا أخذ منه الربع بالسوم الذي رضي أن
يبيع به النصف لم تكن له حجة ، فعلى هذا لا
يجوز لمن اشتري سلعة جملة أن يبيع نصفها
مرابحة بنصف الثاني في صفقة أخرى أن يبيعها
جملة ولا بين ، وفي نوازل سحنون من كتاب
المرابحة فيمن اشترى سلعة بعشرة وصبغها بعشرة
ثم باعها مرابحة بعشرين ولم يبين أن يردها في
القيام ، فإن فاتت مضت القياس
(12/13)
على ما قلناه
أن لا يكون له ردها في القيام ، وإذا رأى له
ردها في القيام أن ترد إلى قيمتها في الفوات
أن كانت القيمة أقل من الثمن على حكم مسائل
الغش والخديعة في المراجعة وبالله التوفيق .
مسألة
وقال مالك لا بأس أن يشترك الرجلان في العمل
في الحانوت يجلسان فيه جميعاً مثل الصواغين
والخياطين والحدادين يكونان في حانوت واحد
يتعاونان في العمل ولا يفترقان في حانوتين ولا
في قريتين لعمل هذا ها هنا وهذا ها هنا فما
اكتسبا كان بينهما فلا خير فيه وإنما كره هذا
فيما عمل باليد فأما ما لم يعمل باليد فلا خير
فيه وإنما كره هذا فيما عمل باليد فأما ما لم
يعمل باليد فلا بأس بالشركة فيه وإن افترقا في
حانوتين مفترقين ، قال عيسى : إنما كره ذلك في
العمل وإنما كره ذلك إذا افترقا في مجلسين أو
حانوتين أو قريتين .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال لأن قال شركة
الأبدان لا تكون إلا مع التعاون بأن يكونا في
موضع واحد ويكون العمل واحداً فإن افترقاً في
جانوتين والعمل واحد أو في حانوت والعمل مفترق
لم يجز إلا أن يحسنا ذلك جميعا فيعمل كل واحد
مهما مع صاحبه وفي رسم البيع والصرف من سماع
أصبغ أنهما يجوز لهما أن يفترقا في حانوتين
إذا كان العمل واحد وهو شذوذ من القول وسيأتي
الكلام عليه في موضعه أن شاء الله وبالله
التوفيق .
ومن كتاب أوله أخذ يشرب خمراً
وسئل عن الرجلين يكونان شريكين وهما في بلدين
أحدهما بالمدينة والآخر بمصر فيجهر كل واحد
منهما على صاحبه ويبيع ويقتضي في موضعه ونفقة
الموضعين مختلفة مثل المدينة ومصر
(12/14)
يشتري بالدينار
من القمح بمصر أضعاف ما يشتري به بالمدينة
افترى أن يحسب كل واحد منهما نفقته التي أنفق
أم تكون النفقة بينهما بنصفين ولا ينظر إلى ما
يفصله به فتفكر فيه ، ثم قال : بلى أرى أن
تكون النفقة بينهما سواء والربح سواء والنقصان
سواء إلا أن يأتي من النفقة ما يتفاحش مثل أن
يكون لهذا عيال كثير ولهذا أن يصرف نفسه فلا
أرى أن يحمل ذلك عليه ، وكأنه قال إذا كان ذلك
غير متفاوت فأراه بينهما سواء .
قال محمد بن رشد : هذا مثل ما في المدونة
والواضحة فلا أعرف فيه في المذهب اختلافاً
والعلة فيه أن ذلك عرف قد دخلا عليه وبالله
التوفيق .
مسألة
وسئل عن رجل كان شريكاً لرجل فمرض أحدهما
فأوصى أن فلاناً عالم بمالي فما دفع إليكم من
شيء فهو مصدق ولا يمين عليه في ذلك ، فرفع
أمره إلى السلطان وأتى بما قبله من المال
فقسمه بينه وبين ورثة شريكه ثم أقام يقضي
ويقسم أقام بذلك عشرين ، وكتب له السلطان
براءة من ذلك وبقى بينها دين وبلغ الورثة
فقالوا يريد أن نستحلفك فيما اقتضيت افترى ذلك
لهم وهذا الأمر منذ عشر سنين قد كتب له
السلطان براءة من ذلك ؟ قال مالك : أرى أن
ينظر السلطان في ذلك ويكشف أمره ، فإن رأى
أمراً صحيحاً لم أر أن يستحلفه ، فإن استنكر
شيئاً رأيت أن يحلفه ، فقال له الرجل يا أبا
عبد الله بعد عشر سينين؟ قال : نعم أرى ذلك إن
رأى أمراً يستكره .
قال محمد بن رشد : هذه اليمين في أصلها يمين
تهمه ، وقد
(12/15)
اختلف في
لحوقها . وتوصية الميت بإسقاط اليمين عنه لا
يلزم الورثة لأن الحق صار إليهم في المال
بموته ، فإن اتهموه استحلفوه على القول بلحوق
يمين التهمة ، فلذلك أن السلطان ينظر في ذلك
فإن رأى أمراًٍ صحيحاً لم يوجب لهم عليه
يميناً ، وإن رأى أمراً يستنكره وجب لهم
اليمين عليه وبالله التوفيق .
ومن كتاب باع غلاماً بعشرين
قال وسألت مالكاً عن معاصر الزيت زيت الجلجلان
والفجل يأتي هذا بأرادب وهذا بأخرى حتى
يجتمعون فيها فيعصرون جميعاً .
قال : إنما يكره هذا لأن بعضه يخرج أكثر من
بعض ، فإذا احتاج الناس إلى ذلك فأرجو أن يكون
خفيفاً لأن الناس لا بد لهم مما يصلحهم والشيء
الذي لا يجدون عنه غنى ولا بد ، فأرجو أن يكون
لهم في ذلك سلعة أن شاء الله ولا أرى به باساً
والزيتون مثل ذلك ، قال سحنون لا خير فيه .
قال محمد بن رشد : قول سحنون هو القياس ، وقول
مالك استحسان دفعه للضرورة إلى ذلك إذ لا
يتأتي عصر اليسير من الجلجلان والفجل على حدثه
مراعاة لقول من يجيز التفاصل في ذلك من أهل
العلم ، وهذا نحو إجازتهم للناس خلط أذهابهم
في الضرب بعد تصيغتها ومعرفة وزنها ، فإذا
خرجت من الضرب أخذ كل إنسان منهم على حساب
ذهبه وأعطى الضراب أجرته ، وقد مضى الكلام في
ذلك وبسط ما فيه من الخلاف وتوجيه قول من رخص
فيه وأجازه مستوفاً في رسم حلف من سماع ابن
القاسم من كتاب الصرف وبالله التوفيق .
(12/16)
ومن كتاب صلى
نهاراً ثلاث ركعات
وسألت مالكاً عن القوم يجتمعون يشترون السلعة
فيضع البائع لرجل منهم .
قال مالك : إن كان الذي ولى الصفقة هو الذي
وضع له فما وضع له من ذلك فهو بينهم .
قال محمد بن رشد : اختلاف في أنه إذا كان الذي
ولي الصفقة هو الذي وضع له فما وضع له من ذلك
فهو بينهم ، ولما سأله عن القوم يجتمعون
يشترون السلعة فيضع البائع لرجل منهم فقال أن
كان الذي ولي الصفقة هو الذي وضع له فهو بينهم
دل ذلك على أن ما وضع لأحدهم إذا اجتمعوا في
شرائها للذي وضع له وحده لا يدخل معه في
الوضيعة أشراكه ، والفقهاء السبعة يقولون ما
وقع لأحدهم فهو بين جميعهم ، وهذا الاختلاف
إنما هو إذا لم يكونوا شركاء عقد ولا في
الموضع الذي يجب الحكم بينهم بالشركة ، فلا
اختلاف بينهم إذا كانوا شركاء عقد فوضع لأحدهم
أن الوضيعة بينهم ، وكذلك إذا اجتمع التجار
واشتروا السلعة حيث يجب الحكم بينهم بالشركة
فيها فوضع لواحد منهم لا اختلاف في أنهم كلهم
يدخلون في الوضيعة وكذلك لو وضع للذي ولى
الصفقة أو الوضيعة ما يشبه أن يكون وضيعة من
الثمن وبالله التوفيق .
ومن كتاب أشهب وابن نافع من مالك رواية سحنون
قال أشهب وابن نافع : سئل مالك عن الرجل يدعو
جاره المحتاج وهو أخ له يريد صلته وليست له به
حاجة إلا صلته فيقول له
(12/17)
أخرج معي اشتري
طعاماً بمائة دينار ولك ثلث الربح .
فقال : ما أعرف هذا ولكن لو اشتراه وعرف الربح
ثم قال ذلك له لم يكن به بأس ، فقبل له
أفتكرهه؟ فقال : ما أعرف هذا .
قال محمد بن رٍشد :
هذا كما قال والمكروه في ذلك بين لأنه لو كان
استأجره على الخروج معه بثلث ما يربح في
الطعام الذي يشتري فذلك غرر لا خير فيه وبالله
التوفيق .
مسألة
وسئل مالك عن رجل اشترى لؤلؤا فاستشركه فيه
قوم فأشركهم فيه وقد قالوا له عند إشراكهم
إياه إذا لا تقتسمه إنما تبيعه لنا ، فقال :
نعم لا نقتسمه أبيعه لكم ، فباع صدراً من ذلك
ثم رأى منهم ما كره فأراد مقاسمتهم إياه فأبوا
ذلك عليه وقالوا عليك أن تبيعه لنا .
قال مالك : له أن يقاسمهم فأما البيع فنعم
عليه أن يبيع لهم ولكن لو بار اللؤلؤ وذهب
الزمان الذي كان يرجى أن يباع إليه فلا أرى
ذلك لهم عليه ، وأرى له أن يدفع الذي إليهم
الذي لهم وليس على هذا أراد أن يبيع لهم ،
ولعل الرجل أيضاً يريد سفراً ، فأرى له أن
يقاسمهم ويدفع الذي لهم إليهم .
قال محمد بن رشد : رواية أشهب وابن نافع هذه
عن مالك في الذي يشرك القوم في اللؤلؤ الذي
ابتاعه على أن يبيع لهم نصيبهم الذي أشركهم
فيه دون أن يضرب لذلك أجلاً خلاف ما في كتاب
الجعل والإجازة من المدونة من أنه لا يجوز
للرجل أن يبيع من الرجل نصف السلعة على أن
يبيع له النصف الآخر إلا أن يضرب لذلك أجلاً
لأنه إذا لم يضرب لذلك أجلاً كان
(12/18)
جعلاً ، ولا
يجوز أن يجتمع الجعل والبيع في صفقة ويجوز أن
يجتمع البيع والإجارة في صفقة واحدة والإجارة
لا تجوز إلا بضرب الأجل ، فإذا لم يضرب لهما
أجلاً فسدت وفسد البيع لفسادها لاجتماعه معها
في صفقة واحدة ووجه رواية أشهب هذه أنه رأى ما
يباع إليه اللؤلؤ على ما قد عرف بالعادة
كالأجل المضروب ، وذلك بين من قوله ، ولكن لو
باز اللؤلؤ وذهب الزمان الذي يرجى أن يباع
إليه فلا أرى ذلك لهم عليه ، يريد ويستوجب
البائع الثمن كله ، ولو باع اللؤلؤ وقد مضى من
الأجل بعضه لوجب أن يرجع المبتاعون المشركون
عليه بما ناب ذلك من الثمن لأنهم دفعوه إليه
ثمناً لما اشتروه من اللؤلؤ وإجارة على بيعه
إلى المدة التي قد عرفت بالعرف والعادة ، ووجه
في ذلك أن يقوم حظهم الذي اشتراه من اللؤلؤ
والإجارة على بيعه إلى تلك المدة ، وإن كانت
في التمثيل قيمة حظهم من اللؤلؤ عشرة وقيمة
الإجارة إثنان وباع في نصف المدة رجع
المبتاعون عليه بنصف سدس الثمن الذي دفعوه
إليه كان أقل من اثني عشر أو أكثر وهذا كله
بين والحمد لله وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل مالك عن العبد يكون بين الرجلين لأحدهما
أن يبيع مصابته منها ولا يبع معه شريكه ؟ فقال
: نعم ذلك له قيل لمالك : لمن مال العبد إذا
باع أحد الشريكين مصابته منه ولم يبع شريكه
معه ، فقال : للبائع إلا أن يشترطه المبتاع ،
ولكن مال هذا العبد إذا كان بين الشريكين لا
يقدر البائع منهما أن يأخذ ماله لأنه لا يجوز
في مال العبد قسم إلا بإذن شريكه ورضاه ، فلا
أرى هذا البيع
(12/19)
يجوز إذا باع
أحدهما مصابته من العبد إلا أن يبيعه بماله من
المشتري وإلا لم يجز .
وقال محمد بن رشد : هذا مسألة فيها ثلاثة
أقوال : أحدهما أن البيع فاسد إلا أن يبيعه
بماله ، وهو نص قول بن القاسم أيضاً في ر سم
استأذن من سماع عيسى من كتاب جامع البيوع ،
والثاني أنه يقال للبائع أما أن تسلم إلى
المبتاع مصابته من المال مع مصابته التي باعها
منه من العبد وإلا فخذ حظك منه وينفسخ البيع
فيه وهو دليل ما في رسم العارية من سماع عيسى
من كتاب العتق والثالث أنه يكون المال للمشتري
ويثبت البيع وهذا القول يتخرج على قياس قول
ابن دينار في رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن
القاسم من كتاب البيوع في الرجل يبيع حائطه
وثمرته قد أبر نصفها مشاعاً إذ لا فرق بين
المسألتين في المعنى والقياس ، وفي مسألة
الثمرة قول رابع لا يصح في مسألة العبد وهو
قول ابن حبيب في الثمرة أنها تكون كلها للبائع
لأنها تجعل تبعاً لما قد أبر منها وبالله
سبحانه وتعالي التوفيق .
ومن كتاب الأقضية الثانية
قال وسئل مالك فقيل له إني أكريت أنا وشريكي
إبلاً لنا فتخلف شريكي ينتقد الكراء وذهبت أنا
أطلب الكراء فانتقد شريكي الكراء ، فدفعه إلى
غلام له فخرجت أنا وعبد شريكي الذي دفع إليه
(12/20)
الدنانير فقلت
أين سيدي ؟ فقال : تخلف وأرسلني ، فقلت له أبن
دنانيرنا ؟ فقال : أعطانيها وها هي ذي معي
فسكت عنه حتى قدمنا ثم ذهب العبد ينظر ، فقال
: أنا أفتقد دينارين .
فقال له مالك : أراهما عليك وعلى شريكك بالحصص
لأن العبد قد أخبرك أنها معه فرضيت وسكت
فأراهما عليك وعلى شريكك إنما عليه أيسر ذلك
إن كانت الدنانير عشرين ديناراً ولك منها خمسة
فعليك ربعها وعلى شريكك ثلاثة أرباعها .
قال محمد بن رشد : جوابه في هذه المسألة صحيح
على القول بأن السكوت كالإقرار ، وهو أصل قد
إختلف فيه قول ابن القاسم فيدخل اختلاف قوله
في هذه المسألة ويكون الشريك ضامناًُ
للدينارين اللذين دفع إلى عبده فادعى العبد
أنها تلفت عنده بعد يمنه أنه لم يسكت راضياً
بكونها عند العبد وأنه إنما سكت لأنه علم أن
ذلك لا يلزمه ولا ينفذ عليه وبالله التوفيق .
مسألة
وقال مالك في العبد الذي نصفه حر فأراد سيده
أن يخرجه إلى بلد غير البلد الذي هما فيه ،
فقال ، أري ذلك له إن كان مأموناً على ذلك فإن
لم يكن مأموناً لم أر له أن يخرجه ، فروجع في
ذلك فقاله أيضاً وما هو بالبين ، فقيل له :
فعلى من النفقة إذا قضي له بالخروج به والكراء
؟ فقال على السيد وليس على العبد من ذلك شيء
حتى يقر قراره بالموضع الذي يكون له عمل فيه ،
وذلك أنه أخرجه من موضع عمله وكسبه ، فإذا نزل
قرية له فيها عمل ومكتسب كانت له أيام وللسيد
أيام ، وإذا كان ذلك في سفرهم في الموضع الذي
ليس له فيه مكتسب رأيت النفقة على السيد حتى
يقدم به .
(12/21)
قال محمد بن
رشد : تفرقة مالك في هذه المسألة بين المأمون
وغير المأمون استحسان على غير قياس ، والقياس
في ذلك ما حكي ابن حبيب وابن المواز عن أشهب
أنه قال ويقع بقلبي أن ذلك ليس للمأمون ولا
لغير المأمون ، قال غير ابن حبيب مستعربياً
كان أو غير مستعربي قال عنه فلا يخرج به إلا
برضاه لأنه ملك من نفسه ما يملك الشريك ، قال
ابن حبيب : وأما لو أراد الإنتقال به إلى قرية
يسكنها فإن كانت من الحواضر فذلك له وإن كره
العبد وفي المسألة قول ثالث أن له أن يسافر به
مأموناًُ كان أو غير مأمون ويكتب له كتاباً إن
لم يكن مأموناً ، وهو قول مالك في رسم طلق ابن
حبيب من سماع ابن القاسم من كتاب الإقضية وقد
مضى القول على ذلك هنالك فلا معنى لإعادته
وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل عن القوم يحملون الطعام من القمح في
السفينة الواحدة يختلط بعضه ببعض ثم يريد
بعضهم البيع في الطريق ، فقال : لا أرى ذلك
إلا أن يرضى أصحابه أن يعطوه ، لأني أخاف أن
يكون أسفل الطعام فاسداً أن يمطروا بعد ذلك
فيفسد القمح فلا أرى لأحد منهم أن يأخذوا حتى
يبلغوا حده فيقتسمونه الفاسد والجيد إلا أن
يرضى أصحابه أن يسلموا له حقه فأرى ذلك له ولا
أرى لهم عليهم تباعه إذا نزلوا فوجدوا القمح
فاسداً .
قال محمد بن رشد : المعنى في هذه المسألة أنهم
حملوا الطعام في السفينة على أن يمروا به لبد
واحدة لتجارة أو لغير تجارة فلذلك لم ير لواحد
منهم أن يأخذ طعامه إذا كان قد اختلط بمنزلة
لو كانوا خلطوه وحملوه على الشركة لأن اختلاطه
يوجب اشتراكهم فيه وذلك بخلاف ما لو حملوه على
(12/22)
أن يمروا به
إلى منازلهم فاختلط أو كانوا هن قد خلطوه على
ذلك لأنهم إذا حملوه على أن يمروا به إلى
منازلهم كان من حق من يمر منهم بمنزله أولاً
أن يأخذ طعامه فيه ولا يكون لأصحابه عليه تبعة
إلا أن ينقص الطعام أو يكون قد أصابته أفة على
معنى ما قاله في أول رسم من سماع ابن القاسم
من كتاب الرواحل والدواب حسبما بيناه في ذلك
فليست هذه الرواية بمخالفة لها ، وليس ذلك
عندي بصحيح ، والله أعلم وبه التوفيق .
ومن كتاب الأقضية الثالث
وسئل مالك عن الشريك المفوض إليه أو غير
المفوض يقول لشريكه إني قد جعلت في هذا المال
الذي يعمل فيه أنا وأنت مالاً من عندي عند
المحاسبة أو قبل ذلك أيجوز قوله أم لا يصدق
إذا أبى شريكه أن يصدقه فقال : أكتب إليه أنه
لا يجوز قوله ويحلف شريكه بالله ما جعل فيه
شيئاً ولا له فيه شيء .
قال محمد بن رشد : ظاهر قوله في هذه الرواية
أنه يحلف على البت ، وروى ابن أبي جعفر
الدمياطي عن ابن القاسم أنه يحلف على العلم
وهو الصحيح إذ لا يصح القطع على أنه كاذب فيما
أدعاه وبالله التوفيق .
ومن كتاب الأقضية
وسئل عن الرجلين يشتركان في مال بعينه فيقيم
أحدهما ويسافر الآخر فيدان المسافر في مال ثم
يفلس فيريد الغرماء أن يتبعوا الشريك المقيم ،
فقال : ليس ذلك لهم إنما شاركه في مال معروف
بعينه .
(12/23)
قال محمد بن
رشد : وهذا كما قال إنهما إذا لم يتفاوضا في
جميع أموالهما وإنما تفاوضا في مال مسمى فلا
يلزم أحدهما ما داين به الآخر إلا في ذلك
المال الذي تفاوضا فيه بعينه وبالله التوفيق .
من سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم من كتاب
أوله نقدها نقدها
قال عيسى : وسألت ابن القاسم عن رجلين اشتركا
أخرج أحدهما دنانير والآخر دراهم فعملا على
ذلك وربحا كيف يقسمان الربح؟ قال : يقتسمان
على الدنانير والدراهم ما وقع من شيء للدنانير
وقع للدراهم مثله من الدراهم إن كان للدنانير
دينار فللدراهم نصف درهم ، وإن كان ربع فربع
على هذا يقتسمان الربح ، قلت أفيصرفان الربح
دراهم ثم يقتسمانه على هذا الحال؟ فقال : أن
شاء اصرفا وإن شاءا لم يصرفا إذا قسماه على
هذا القسمة ويأخذ كل واحد منهما رأس ماله مثل
الذي أخرج ، يأخذ صاحب الدنانير رأس ماله
دنانير ويأخذ صاحب الدراهم رأس ماله دراهم
ويقتسمان الربح على ما فسرت لك ، وكذلك بلغني
عن مالك وهذا إذا فات ، ولا تصلح الشركة
بالدنانير والدراهم .
قال محمد بن رشد : لا تجوز الشركة بالدنانير
من عند أحد الشريكين والدراهم من عند الأخر
على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في
المدونة وغيرها وهو مذهبه في هذه الرواية ،
لأنه إنما تكلم على الحكم في ذلك إذا وقع ولم
يعثر عليه حتى فات بالعمل ، فقال إنه يأخذ
صاحب الدنانير رأس ماله وصاحب الدراهم رأس
ماله دراهم ثم يقتسمان الربح على ما
(12/24)
ذكره حسبما
يتبين مراده به ، إذ ليس على ظاهره ، وذلك أنه
قال ما وقع للدنانير من شيء من الدنانير وقع
للدراهم مثله من الدراهم فمراده به أن ما وقع
ربح الدنانير من الدنانير وقع للدراهم مثل ذلك
الجزء من الدراهم لا مثل ذلك العدد على ما
يقتضيه لفظه لا يسما بقوله بعد ذلك أن وقع
للدنانير دينار وقع للدراهم درهم وإن وقع
للدنانير عشرة دنانير وقع للدراهم عشرة دراهم
، إذ لا يصح إذا وقع للدنانير ربح دينار إلا
يقع للدراهم إلا ربح درهم وإذا وقع للدنانير
ربح عشرة دنانير إلا يقع للدراهم إلا ما يربح
صاحب الدنانير من عدد الدنانير هذا ما لا يصح
أن يريده أبي القاسم أو يقوله ، وإنما عبر عن
تساوي الجزءين بتساوي العددين إلا ترى إلى
قوله بعد ذلك وإن وقع للدنانير مثلها من
الدنانير وقع للدراهم مثلها من الدراهم ، فكما
يكون إذا وقع للدنانير مثلها من الدنانير يقع
للدراهم مثلها من الدراهم فكذلك يكون إذا وقع
للدنانير مثل نصفها من الدنانير أو مثل ثلثها
أو مثل ربعها أو مثل عشرها أو مثل عشر عشرها
يقع للدراهم مثل نصفها من الدراهم أو مثل
ربعها أو مثل عشرها أو مثل عشر عشرها ، وما
كان من الأجزاء وذلك يرجع إذا اعتبرته بما
يخرج الحساب إلى أن يقتسما جميع ما بأيديها
على ما كان فيه من ربح أو خسارة على قيمة
الدنانير والدراهم يوم الفسخ فهذا أقرب مأخذ
في العمل وقيل إنهما يقتسمان ذلك على قيمة
الدنانير والدراهم يوم اشتركا ، وهو قول غير
ابن القاسم في المدونة ، وقد روى عن مالك
إجازة الشركة بالدنانير من
عند أحدهما والدراهم من عند الآخر وبالطعامين
المختلفين وبالعرضين المختلفين ، روى عنه أنه
قال في الشركة بالعرضين المختلفين : ما هو من
عمل الناس ، وذلك والله أعلم لما يدخله من بيع
وشركة .
فيتحصل في جملة المسألة لمالك ثلاثة أقوال ،
أحدهما أن الشركة جائزة في ذلك كله لأنه إذا
أجازها بالدنانير من عند أحدهما والدراهم من
عند الآخر أو بالطعامين بالمختلفين فأخرى أن
يجيز ذلك بالعرضين المختلفين إذ
(12/25)
ليس في العرضين
المختلفين إلا علة واحدة ، وهي اجتماع البيع
والشركة وفي الدنانير والدراهم والطعامين
المختلفين علتان وهما عدم التناجز والبيع
والشركة في الطعامين المختلفين والصرف والشركة
في الدنانير والدراهم ، وهو مذهب سحنون أجاز
ذلك كله إذ لا ير اعي في الشركة عدم التناجز
ولا الصرف والشركة ولا البيع والشركة إذا كانا
داخلين في الشركة ، والثاني أن الشركة لا تجوز
عنده في شيء من ذلك كله ، لأنه إذا لم يجزها
في العرضين المختلفين فأخرى إلا يجيزها في
الطعامين المختلفين وفي الدنانير من عند
أحدهما والدراهم من عند الآخر ، والثالث أن
الشركة جائزة بالعرضين المختلفين ولا يجوز
بالطعامين المختلفين ولا بالدنانير من عند
أحدهما والدراهم من عند الآخر وهو مذهب ابن
القاسم لاجتماع علتين في الطعامين المختلفين
في الدنانير من عند أحدهما والدراهم من عند
الآخر وانفراد علة واحدة في العرضين المختلفين
وقد روى أبو زيد عن ابن القاسم في كتاب ابن
المواز إجازة الشركة بالدنانير من عند أحد
الشريكين والدراهم من عند الآخر إبتداء مثل
قول سحنون واحد قولي مالك وبالله التوفيق .
ومن كتاب أوله استأذن سيده
قال : وسألته عن الرجل يشتري السلعة وتجب له ،
فيقول أشركني فيها ، قال : هذا حرام لا خير
فيه لأنه بيع وسلف ، قيل له فلو كان صاحب
الصفقة هو المسلف قال لرجل تعال أشركك فيها
وأنقذ عنك ثمنها وأوخرك ؟ قال : إن كانت
السلعة حاضرة بعينها فلا بأس به ، قال ابن
القاسم : عن كانت سلعة مضمونة فلا خير فيه
لأنه الدين بالدين .
قال محمد بن رشد : هذا بين على ما قاله لأن
الشركة إذا وقعت على أن ينقد المشرك عن الذي
أشركه ثمن الحظ الذي بقي بيده ولم يشركه
(12/26)
به فهو بيع
وسلف لأن المشرك يؤدي عن المشرك ثمن الحظ الذي
بقى بيده ثم يطلبه به ديناً ثابتاً في ذمته ،
فهو سلف لا يجوز أن يشترطه أحدهما على صاحبه
في أصل الإشراك ، لا يجوز أن يقول المشتري أنا
أشركك على أن تنقد عني ولا أن يقول المشرك
أشركني وأنا أنقد عنك وأما ثمن الحظ الذي وقعت
فيه الشركة فجائز أن يشترط كل واحد منهما على
صاحبه نقده لأنه إن اشترط ذلك المشتري على
المشرك فهو واجب وهي شركة جائزة على وجهها وإن
اشترط ذلك المشرك الذي أشركه فهو بيع صحيح
لأنه باعه ذلك الحظ على أن يؤخره بثمنه وينقده
هو عن نفسه فلا إشكال في جوازه إلا أن تكون
السلعة مضمونة على ما قال فيكون الدين بالدين
الذي لا يجوز وبالله التوفيق .
مسألة
قال وسألت ابن القاسم عن رجل له شريك بدمياط
وهو بالفسطاط فأتته ثياب من عند شريكه من
دمياط فوجد في بعض الثياب بطاقتين أحدهما أكثر
ثمناً من صاحبتها ما سمى له ، هل ترى عليه
يميناً أنه ليس بهذا الرسم للأدنى ؟ قال : نعم
أرى عليه اليمين ، قلت : فإن أبي اليمين أيحلف
الآخر ؟ قال : نعم إن أبي أن يحلف قيل للآخر
أحلف ، قلت كيف يحلف؟ قال يحلف على البتات أن
هذه الثياب بهذا الرسم للأدنى .
قال محمد بن رشد : مثل هذا في أخر رسم الأقضية
الثاني من سماع أشهب من كتاب جامع البيوع في
لحوق يمين التهمة وفي وجوب ردها والاختلاف في
ذلك مشهور معلوم في المذهب قيل أنه لا يحكم
بها ولا يردها وقيل أنه يحكم بها ويردها وقيل
أنه لا يحكم بها ولا يحكم بردها إلا أنه لا
يسوغ لمن مكن منها بوجه الحكم إن لم يكن على
يقين مما حلف عليه لأنه إنما مكن منها على أن
يحلف إن كان يدعي معرفة ما يحلف عليه ،
(12/27)
والأصل في هذا
أن النبي عليه السلام لما قال للجاريتين في
صاحبهم الذي قتل إذ بداهم باليمين أتحلفون
وتستحقون دم صاحبكم أو فاتلكم؟ قالوا يا رسول
الله كيف نحلف ولم نشهد ولم نحضر؟ فلم يرد ذلك
رسول الله صلى الله عليه وسلم ووداه من عنده
وقد تأول بعض الناس على ما وقع في رسم البراءة
من سماع أنه يجوز للرجل أن يحلف مع شاهده وإن
لم يعلم صحة ما شهد له به وذلك بعيد ، وقد مضى
الكلام عليه في رسم كتب عليه ذكره حق من سماع
ابن القاسم من الكتاب المذكور وبالله التوفيق
.
ومن كتاب أوصى لمكاتبه بوضع نجم من نجومه
وسئل عن قوم اشتركوا في سلعة اشتروها فتولى
أحدهم بيعها فباعها وأمسك الدنانير ، فقال له
شركاؤه ، أبعت السلعة ؟فقال : نعم بعتها قيل
له : فأين الثمن ؟ قال هو ذا في كيسي مع
دنانيري قيل له فاعطنا حقنا ، قال نعم أتسوق
ثم أعطيكم الذي لكم ، فذهب عنهم ثم أتاهم فزعم
أنها قرضت من كمه .
قال : هو ضامن إذ سألوه حقهم فلم يعطهم وجهه
عنهم ، قيل له إنا لما أردنا أن نخاصمه قال
أسلفوني دينارين أتجر فيها ، فما صار فيها من
ربح قضيتكم ، ووخرني عشرة أشهر وأنا أقولكم
وأكتب علي بذلك ذكر حق ففعلنا فأردنا أن
نخاصمه الآن فهل تقضي عليه بذلك إلا قرار لأنه
يقول إنما أقررت لكم على أن تسلفوني ولكن إن
كانت لكم بينة
(12/28)
حين سألتموه
حقكم حبسه عنكم ثم جاء يزعم أنه تسوق فهو ضامن
.
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال أنه إذا أقر
أنه باع السلعة وقبض الثمن فلا يصدق فيما ادعى
من أنه قرض من كمه إذا كانوا قد سألوه حقهم
فحسبه عنهم ، ولو أدى ذلك قبل أن يسألوه إياه
لوجب أن يصدق في ذلك على ما دل من قوله ، وهذا
إذا كان توليه لبيع السلعة بإذهم وأما لو تولي
ذلك بغير إذنهم لما صدق فيما ادعى من أن الثمن
قرض من كمه كان ذلك من دعواه قبل أن يسألوه
الثمن أو بعد أن سألوه إياه ، ولا إشكال فيما
ذكره من الإقرار إذا كان منكراً ألا يلزمه إذا
كان على الوصف الذي وصفه ، لأنه إنما أقر على
شرط ، فإذا لم يتم له الشرط لم يلزمه الإقرار
ولو أسلفوه الدينارين ووخروه إلى المدة ثم
قاموا عليه عنها انقضائها للزمه الإقرار وإن
كان وقع عليه سبب فاسد وبالله سبحانه وتعالى
التوفيق .
ومن كتاب أوصى أن ينفق على أمهات أولاده
وسئل عن رجلين اشتركا في شراء صفقة فاشرياها
بعشرة دنانير اشترى أحدهما منه خمسة أراديب
بخمسة دنانير ، والأخر ما بقي بخمسة دنانير .
قال : لا بأس به ، وهو حلال إذا كان باسماً من
الكيل الذي استثناه لأحدهما يجوز للبائع أن
يستثنيه الثلث فأدنى ، قيل له أيهما على ذلك
اشترياه فكأنه أشركه ، قال : ليست بشركة وليس
(12/29)
بذلك بأس ،
وإنما باعه البائع من الأرادب ما كان يجوز له
أن يستثنيه ، أرأيت لو باعه من صبرة وفيها ألف
إردب عشرة أرادب بخمسة دنانير ثم باع بعد ذلك
ما بقي من رجل آخر قبل أن يكيل العشرة أنه لا
بأس به ، قال وليس هذا مثل الضان أن يكون له
مائة شاة فيبيع منها عشرة يختارها ثم يبيع
بقيتها من رجل آخر قبل أن يختار الأول فلا خير
فيه وهو لا باس أن يبيع عشرة من خيارها أبداً
ولا خير في أن يبيع بقيتها قبل أن يختار
العشرة حتى يختار ، وفرق بين ذلك لأنه يجوز أن
يبيع بقية الصبرة بعد الأرادب جزافاً قبل أن
يكتال الأرادب ، ولا يبيع الضان لأنه لا يدري
ما بقي منها ، ولأن الطعام هو صنف واحد ليس
للكيل الذي يؤخذ منه فضل على ما بقي من الجزاف
.
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال وهو مما لا
اختلاف فيه أعرفه في المذهب أنه إذا باع من
الصبرة كيلا معلوماً يجوز له أن يستثنيه منها
وهو الثلث فأدني جائز له أن يبيع بقية الصبرة
من غيره أن المكيلة التي اشترى الأول منها كان
البائع استثناها لنفسه ، وأما إذا باع من غنمه
عشرة يختارها المشتري فاختلف هل يجوز له أن
يبيع بقيتها من غيره قبل أن يختار الأول عشرته
، والمشهور قوله ها هنا إن ذلك لا يجوز ، وقد
مضى القول على ذلك في رسم استأذن من سماع عيسى
من كتاب جامع البيوع فلا معنى لإعادته ولو باع
من غنمه أكثر من ثلثها على الخيار لما جاز له
أن يبيع بقيتها من غيره قبل أن يختار الأول ما
ابتاع قولاً واحداً والله اعلم .
(12/30)
من كتاب أوله
بع ولا نقصان عليك
قال إذا اشترى الرجل سلعة وأشرك فيها ناساً
فاستوضع صاحب الصفقة البائع فوضع له فأشراكه
يدخلون في الوضعية معه وكذلك قال مالك وإذا
استوضعه أحد الذين أشرك فوضع كانت الوضيعة له
دون شركائه ودون صاحب الصفقة ، وإذا اشتراها
نفر صفقة واحدة فوضع لواحد منهم فالوضعية له
دون شركائه وهو قول مالك .
قلت : فإن كان الذي اشتروها شركاء عقد فوضع
لواحد منهم أيكون لأصحابه في ذلك أم لا ؟ وهل
يفترق إذا كانوا شركاء عقد أو غير ذلك ، قال :
الوضيعة لهم جميعاً إذا كانوا شركاء عقد فوضع
الواحد منهم .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة قد مضى القول
فيها مستوفي في رسم صلى نهاراً ثلاث ركعات من
سماع ابن القاسم من هذا الكتاب فلا معنى
لإعادته .
ومن كتاب إن خرجت من هذه الدار إلى رأس الحول
وسئل عن شريكين كانا عند القاضي فسأل أحدهما
صاحبه عن ماله فقال ضاع مني ، فقال القاضي :
اكتبوا أيضاً إقراره ، فقال حينئذ إنما دفعت
إليك من مالي بعد أن ضاع مني قال لا يقبل قوله
وأراه ضامناً .
(12/31)
قال محمد بن
رشد : لم يصدقه فيما ادعاه من دعوى القضاء لما
تقدم من دعوى الضياع ، وهو أصل قد اختلف فيه
قول مالك وأقوال أصحابه اختلافاً كثيراً فيمن
سأل أمانة فأنكرها ثم ادعى الرد أو الضياع
فقيل إنه يصدق في كل واحد من الوجهين ، وقيل
إنه لا يصدق في واحد منهما لما تقدم من إنكاره
، وقيل إنه يصدق في دعوى الرد ، والثلاثة
الأقوال كلها لمالك في رسم أسلم من سماع عيسى
من كتاب القراض ، وفيمن ادعيت عليه أيضاً دعوى
فأنكرها فلما قامت عليه البينة بها جاء بما
يخرج منها من بينة على البراءة منها أو من
أشبه ذلك ، فقيل إن ذلك لا يقبل منه إلا في
اللعان إذا ادعى الرؤية بعد إنكار القذف وأراد
أن يلاعن وهو قول محمد ابن المواز ، وقيل إنه
لا يقبل منه إلا في اللعان والأصول ولا يقبل
منه في الحقوق ، وهو قول ابن كنانة وابن
القاسم في المدينة وبالله التوفيق .
ومن كتاب أسلم وله بنون صغار
وسئل عن صيادين اجتمعوا على غدير ومعهم شباك
فقال بعضهم لبعض تعالوا نشترك ويضرب كل واحد
منا بشبكته ، فأخرج صيداً فأبى أن يعطي
للآخرين منه شيئاً وقال لهم ليس لكم فيما أصبت
شيئاً ، فقال : ذلك له ، وليس لهم فيما أصاب
شيء لأنها شركة لا تحل .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال ، لأن شركة
الأبدان لا تجوز إلا فيما يحتاج الاشتراك فيه
إلى التعاون ، ولأنهم متى اشتركوا على أن يعمل
كل واحد منهم حدة لأن ذلك من الضرر البين
فاشتراك الصيادين فيما يخرجونه بشباكهم من
الغدير على أن يضرب كل واحد منهم بشبكته على
حدة
(12/32)
من الغرر البين
الذي لا خفاء به ، فوجب ألا تنفذ الشركة بينهم
وأن يكون كل واحد منهم أحق بما أخرج بشبكته ،
ولو كان الغدير صغيراً لا يحمل إلا شبكة واحدة
فأراد كل واحد منهم أن يضرب بشبكته أولاً
وترافعوا على ذلك لوجب أن يقضي بينهم
بالاشتراك في ذلك على ما تصح به الشركة في ذلك
بأن يستأجروا أحدهم على أن يضرب بشبكته بينهم
خوفاً من أن يقتتلوا على ذلك ، ولو بدأ وأحدهم
فضرب بشبكته قبل ذلك لكان له ما أخرجت له
شبكته وهذا كل على قياس ما قاله سحنون في
نوازله من كتاب الصيد في القوم يجدون العش
فيريد كل واحد منهم أخذه ويتدافعون عليه وهو
أصل لما يختلف فيه من القوم المتيممين يجدون
من الماء قدر ما يتوضأ به واحد منهم هل ينتقص
تيمم جميعهم أو تيمم الذي أسلم إليه وحده ،
وقد مضى الكلام على هذا مستوفي في سماع سحنون
ونوازله من كتاب الوضوء وإن شاء ترك هو
المشهور في المذهب على ما في رسم أوله أول عبد
ابتاعه فهو حر من سماع يحيي من كتاب الشفعة ،
وعلى قياس ما وقع في كتاب المرابحة من المدونة
من الرجل إذا اشتري نصف سلعة وورث نصفها لا
يجوز له أن يبيع نصفها مرابحة حتى يبين ، لأنه
أن باع ولم يبين وقع بيعه على ما ورثه وعلى ما
اشترى ، وقد قيل أن للمشرك جميع حظ الذي أشركه
وهو دليل قوله في كتاب العتق الأول من المدونة
وفي آخر
المسألة من أول رسم من سماع ابن القاسم من هذا
الكتاب وقد مضى القول على ذلك هنالك وبالله
التوفيق .
مسألة
قلت له : فلو كان قال له اشتر سلعة كذا وكذا
علي وأنا فيها شريكك فاشتراها رجل غيره فأشركه
فيها ، قال يكون الذي قال له اشتر علي وأنا
شريكك مخيراً بين أن يأخذ نصف ما اشترك به
صاحبه وبين أن يدع ولا يلزمه شيء .
(12/33)
قال محمد بن
رشد : القول في هذه المسألة كالقول في المسألة
التي قبلها يدخل فيها من الإختلاف ما دخل فيها
إذ لا فرق بين أن يشتري نصف السلعة أو يشرك
فيها بنصفها وبالله التوفيق .
ومن كتاب القطعان
وسئل ابن القاسم عن الرجل يشرك الرجل فيقول
أحدهما لصاحبه أقعد في هذا الحانوت تبيع فيه ،
وأنا آخذ المتاع بوجهي والضمان علي وعليك ،
فيفعلان ذلك ، قال الربح بينهما على ما تعاملا
عليه ويأخذ أحدهما من صاحبه أجرة ما يفضله به
في العمل .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال ، لأن الربح
تابع للضمان إذا عملا بما تداينا به كما هو
بائع المال إذا عملا بما أخرجه كل واحد منهما
من المال وبالله التوفيق .
مسألة
قال ولو قال رجل لرجل اقعد في هذا الحانوت
وأنا آخذ لك متاعاً تبيعه ولك نصف ما ربحت أو
ثلثه لم يصلح ذلك ، وإن عملاً عليه كان للذي
في الحانوت أجرة مثله فيما عمل ويكون الربح
كله للذي أجلسه في الحانوت .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال : لأنها إجارة
فاسدة من أجل أن الربح تابع الضمان ، فإذا كان
الذي أجلسه في الحانوت هو الذي يأخذ السلع
ويكون ضمانها عليه وجب أن يكن الربح له ويكون
للعامل أجره مثله لأنه عمل على نصف ما ربح
فيما باع وهو غرر وبالله التوفيق .
(12/34)
مسألة
وسئل عمن اشترى أرضاً فأشرك فيها رجلاً فتعدى
الشريك فزرع الأرض كلها ، فقال للذي زرعه
وعليه نصف كراء الأرض ، قال عيسى حاضراً كان
شريكه أو غائباً ، غير أن شريكه إن كان حاضراً
يحلف بالله أنه ما كان تركه إياه رضاً منه
بذلك .
قال محمد بن رشد : قوله في هذه الرواية أن
الشريك إذا تعدى فزرع الأرض كلها يكون الزرع
له ويكون نصف كراء الأرض ظاهرة وإن كان إبان
الحرث لم يفت فهو خلاف قوله في نوازل سحنون من
كتاب المزارعة أن البذر إذا لم يفت أخذ نصيبه
من الأرض فبذرها ، وخلاف قول ابن القاسم أيضاً
في أول سماعه من كتاب الاستحقاق أنه يكون له
فيما بنى في أرض شريكه قيمة بنيابة منقوضاً إن
صار في حظ شريكه فمرة رأى الشركة بينهما في
الأرض شبهة يوجب أن يكون الزرع لزارعه فإن لم
يفت إبان البذر ورمة لم ير ذلك شبهه ورأى أن
من حق الشريك أن يأخذ نصيبه من الأرض بزرعها
إذا لم يكن للذي بذره فيه منفعة أن قلعه ، فإن
كانت له فيه منفعة إن قلعة كان من حقه أن
يقلعه إلا أن يشاء الشريك المتعدي عليه أن
يأخذه بقيمته مقلوعاًِ فيكون ذلك له ، وقد مضى
ذكر الاختلاف في ذلك في أول سماع ابن القاسم
من كتاب الاستحقاق وقول عيسى ابن دينار أن
لشريكه الكراء حاضراً كان أو غائباً بعد يمنيه
أن كان حاضراً خلاف روايته عن ابن القاسم في
أول سماع من كتاب الاستحقاق ، وقد مضى القول
على ذلك هنالك مستوفي وبالله التوفيق .
من سماع يحيي من ابن القاسم من كتاب الصلاة
قال يحيي قال ابن القاسم : وسمعت مالكاً يقول
لا ينبغي للرجلين أن يشتركا إذا خر جا أحدهما
ذهبا وأخر
(12/35)
ج الآخر ورقاً
وهو عندي من المكروه والبين ، فإن وقع ذلك ولم
ينظر فيه حتى يشتريان ويبيعان أخذ كل واحد
منهما مثل ما كان أخرج ، صاحب الذهب مثل ذهبه
وصاحب الورق مثل ورقه ، ثم يقتسمان الربح على
قد أموالهما ، وتفسير أن كان ربحاً للعشرة
خمسة عشر فكان لصاحب الذهب مائة ديناراً
ولصاحب الورق ألف درهم جعل لصاحب المائة دينار
فضل خمسين ديناراًٍ ولصاحب الألف درهم خمسمائة
درهم وإن كان الربح للعشرة أحد عشر أو إثني
عشرة أو نحو ذلك فعلى هذا الحساب يقتسمان
الربح .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة تقدم القول فيها
مستوفي في رسم نقدها من سماع عيسى لإعادة ذلك
وبالله التوفيق .
ومن كتاب أوله أو ل بعد ابتاعه فهو حر
وسألته عن الشريكين العقيدين يغيب أحدهما ثم
يقدم فيجد أموالاً بيد شريكه ( فإذا أراد
قبضها فيرى فيها ) في تجارتهما منعه الشريك
وقال هي أموال الناس استودعها وإن كانت عروضاً
قال : ( قد دفعت إلى أهلها ) فيقول له شريكه
فمن أهلها أو لمن هذا المال الذي تزعم أنه
ودايع الناس؟ فيقول لا أحب أن أخبر بأهله وليس
لك ذلك علي ، أيقبل قوله أم لا؟ قال : إن سمى
لها أهلها فادعاها للذي سماها لهم لم أر أن
تدفع إليهم حتى يحلفوا مع إقراره لهم ،
فيكونون بمنزلة من يستحق حقه باليمين مع
الشاهد فإن نكلوا دفعت
(12/36)
إليهم نصيب
المقر وأخذ الشريك نصيبه من ذلك المال ، قال
وسواء أقر بوديعة أو بمتاع أمر ببيعه فيما
يزعم قال وإن لم ينص أحداَ ولم يدعه أخد مما
يقر له فالمال بين الشريكين نصفان كهيئته على
شركتهما .
قلت : أرأيت أن قال هو لي دونك ورثته أو وهب
لي وما أشبه ذلك أيقبل قوله ؟قال إن ثبت له
معرفة الميراث أو العطايا والهبات وإلا فهو
بينهما
قال محمد بن رشد : هذه المسألة كلها صحيحة
بينة لا وجه للقول فيها إلا قوله فيكون بمنزلة
من يستحق حقه باليمين مع الشاهد فإن ظاهره
يقتضي أنه يحتاج إلى عدالة لأنه جعله الشاهد
قال ذلك أبو إسحاق التونسي ، قال أيضاً وكان
ينبغي أن يجوز إقراره لم لا يتهم عليه ، وقد
يحلفون إستبراءاً والصواب أنه لا يحتاج إلى
عدالته ، وعلى ذلك يجب أن يحمل قوله في
الرواية لأنه لم يقل إنه يكون شاهداً له يحلف
معه وإنما قال إنه يكون بمنزلة الشاهد له في
أنه يحلف مع قوله كما يحلف مع شهادة الشاهد
فإن نكل عن اليمين لم يكن له إلا نصيب المقر ،
ولم يذكر هل يحلف الشريك أم لا؟ والوجه في ذلك
أن يحلف أن كان تحقق الدعوى أنه أقر له بباطل
، وأما إن قال لا أدري إلا أني أتهمه في
إقراره له فلا يمين عليه ، إلا أنه لما كان
هذا أقر به ليس بدين التجارة واستظهر على
المقر له باليمين شبهاً بما قالوا في المديات
يرث أباه فيقر بدين عليه الودائع في تركته أن
المقر له يحلف مع إقراره بخلاف إذا أقر بدين
في ذمته وقع ذلك من إيجاب اليمين على المقر له
في آخر كتاب الوصابا الثاني في المدونة وبالله
التوفيق .
(12/37)
من سماع سحنون
من ابن القاسم
قال سحنون : أخبرنا ابن القاسم ، قال مالك في
الرجل يأتي بحمامة أنثى ويأتي الآخر بذكر على
أن يكون الفراخ بينهما أن الفراخ بينهما على
الحضانة .
قال محمد بن رشد : قول ابن القاسم في هذه
المسألة عن مالك على قياس قوله في أن الزرع في
المزارعة الفاسدة يكون لصاحب العمل والأرض ،
يريد ويرجع صاحب الحمامة الأنثى على صاحب
الحمامة الذكر مثل بيض حمامته ويأتي على قياس
القول في أن الزرع في المزارعة الفاسدة لصاحب
البذر الفراخ الحمامة الأنثى لأن البيض له
ولصاحب الحمامة الذكر قيمة ما أعان به من
الحضانة وبالله التوفيق .
مسألة
قيل له فإن أتى رجل ببيض إلى رجل فقال له اجعل
هذا البيض تحت دجاجتك فما كان من فراخ فبيني
وبينك فخرج الفراخ لصاحب الدجاجة ولصاحب البيض
بيض مثله وإنما هو عندي بمنزلة الذي يأتي
بالقمح إلى رجل فيقول له أزرع هذا في أرضك فما
ساق إليه من رزق فهو بيننا ، فيزرعه فإن الزرع
لصاحب الأرض ولصاحب القمح قمح مثله ومثله
السفينة والدابة يعطيان على أن يعمل عليهما
على بعض ما يكسب فإن العمل للعامل ولرب
السفينة والدابة أجرة مثلها .
قال محمد بن رشد : وهذا على قياس قوله في أن
الزرع في المزارعة الفاسدة يكون لصاحب البذر
أن الفراخ تكون لصاحب البيض ولصاحب الدجاجة
قيمة ما حضنت دجاجته ، وعلى هذا يأتي قول
سحنون في
(12/38)
نوازله من كتاب
الغصب في الغاصب بعصب البيضة فيحضنها تحت
دجاجته فيخرج منها فراخاً أن الفراخ لصاحب
البيضة وللغاصب عليه قدر ما حضنت دجاجته
وبالله التوفيق .
من سماع أصبغ بن الفرج من ابن القاسم من كتاب
البيع والعيوب
قال أصبغ : وسمعت ابن القاسم وسئل عن رجلين
اشتركا على اخذ متاع بدين لهما وعليهما ولهما
مال ولا مال لهما ، قال : أن كانا يشركان في
سلعة بعينها يشتريانها بدين فلا بأس بذلك ، كن
لهما رأس مال أو لم يكن وإن كان إنما يشتركان
على ما يشتري كل واحد منهما يقولان ما اشترى
كل واحد منا بدين ولا مال لهما فنحن فيه شركاء
فلا يعجبني ذلك ، قال أصبغ فإن وقع نفذ على
سنة الشركة وضمناه جميعاً وفسخت الشركة من ذي
قبل وقطعت بينهما .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال ، ومثله في
المدونة وهو مما لا اختلاف فيه أنهما إذا
اشتركا في شراء سلعة بعينها بدين فذلك جائز ،
وهما شريكان فيها كان لهما مال أو لم يكن لهما
مال ، فإن اشترط البائع عليهما أن كل واحد
منهما ضامن عن صاحبه بجميع الثمن جاز ، وإن لم
يشترط ذلك عليهما لم يلزم كل واحد منهما إلا
حصته حظه من الثمن النصف أن كانت شركتهما على
النصف أو الثلث أو الثلثان أن كانت شركتهما
على أن لأحدهما الثلث وللآخر الثلثان أو اقل
من ذلك أو أكثر ، إلا أن يكونا شركاء عقد قد
اشتركا شركة صحيحة على مال لهما فيكون كل واحد
منهما ضامنا لثمن ما اشترى صاحبه بدين اجتمعا
في أخذ المتاع بالدين أو افترقا ، وأما أن
اشتركا
(12/39)
ولا مال لهما
على أن يشتريا بالدين ويكونا شريكين في ذلك
يضمن : كل واحد منهما ثمن ما اشترى صاحبه فلا
يجوز ذلك كما قال ، لأنها شركة بالذمم ، ولا
تجوز على مذهب مالك وجميع أصحابها الشركة
بالذمم ، لأن ذلك غرر ، يقول كل واحد منهما
لصاحبه عني بنصف ما اشتريت على أن أتحمل عنك
بنصف ما اشتريت واختلف أن وقع ذلك ، فقيل تفسخ
الشركة بينهما ، ويكون كل واحد منهما ضامناً
لما اشترى صاحبه قبل الفسخ على ما تعاقدوا
عليه وهو قول أصبغ هذا ، ومذهب ابن القاسم في
المدونة ، وقيل إنه يكون ضمان ما اشترى كل
واحد منهما عليه ، لا يكون على صاحبه ، والى
هذا ذهب سحنون ، وهو القياس على القول بأن
شركة الذمم لا تجوز ، وقول ابن القاسم وأصبغ
استحسان مراعاة لقول أبي حنيفة في إجازته شركة
الذمم وقوله إنها تنعقد على الوكالة فتجوز على
مذهبه حالة الافتراق ، كما تجوز حال الاجتماع
، وليس ذلك بصحيح إذ لا غرر فيها حال الاجتماع
وبالله التوفيق .
مسألة
قال أصبغ : سئل أشهب عن شركاء ثلاثة ، في سلعة
تقاوموها فخرج منها واحد وقعت على الإثنين
بربح دينار ، ثم ذهب الخارج فاستوضع البائع
ديناراً فقام عليه الإثنان لرد ، قال : ذلك
لهما إلا أن يخرج ذلك الدينار الذي وضع له
فيكون بينهما وبينه أثلاثاً ، قيل له ويسوغ
الربح كله ؟ قال : نعم .
قال محمد بن رشد : قول أشهب في هذه المسألة لا
يستقيم على حال ، لأنه إن كان خرج من حصته من
السلعة لشريكيه فيها بربح دينار على ما إنتهت
إليه في المقاومة فاستوضع البائع الدينار
فوضعه عنه هو الذي ولي صفقة شرائها فأشرك فيها
شريكيه وجب أن يكو للمشرك حظه باقياً في يديه
أو كان قد خرج عنه ببيع
(12/40)
أو غيره ، وليس
له أن يقول أن أشركه لا أضع عنك شيئاً وأنت
بالخياران شيئت أن تمسك وإن شيئت أن ترد وإنما
يكون له ذلك في بيع المرابحة لأن المرابحة على
سبيل المكايسة والشركة على سبيل المعروف ، هذا
قوله في المدونة ، وقد قال أبو إسحاق التونسي
القياس أن يكون مخيراً في الشركة كالمرابحة ،
وعلى هذا يأتي قول أشهب في هذه المسألة ، وإن
كان الذي وضع له الدينار فالشركاء الثلاثة ليس
هو الذي كان ولي صفقة شرائها وإنما كان اشترى
وهم لها جميعاً صفقة واحدة فالدينار الموضوع
يكون له خالصاً لا حق فيه لشريكيه على مذهب
مالك وأصحابه خلاف ما ذهب إليه الفقهاء السبعة
حسبما ذكرناه في رسم صلى نهاراً ثلاث ركعات من
سماع ابن القاسم ولو كان أحد الشركاء في
السلعة باع حظه من شريكه بربح دينار مرابحة لا
على سبيل المقاومة لوجب إن كان هو الذي ولي
صفقة شراء السلعة أن يرد على شريكيه ثلثي
الدينار أو أبى ، ويكون مخيراً في الثلث التي
ناب منه حظه الذي باعه مرابحة بين أن يحطه
عنهما قيل ما ينوبه من الربح فيلزمهما البيع
ولا يحط ذلك عنهما يكون لهما أن يرد البيع ،
وكذلك أن لم يكن هو الذي ولي الصفقة على مذهب
الفقهاء السبعة وأما على مذهب مالك وأصحابه
فيكون له ثلثا الدينار لا
يلزمه أن يرده عليهما ويكون مخيراً في الثلاثة
التي ناب حظه الذي باعه منهما مرابحة على ما
ذكرناه وبالله التوفيق .
مسألة
قال أصبغ : سألت أشهب عن ثلاثة نفر اشتركوا
بمائة دينار ثم يحضر سفر فيخرج اثنان بجميع
المال ويتخلف واحد فلما كانا ببعض الطريق
تشاجرا وتفاصلا فاقتسما فأخذ كل واحد منهما
مائته ونصف مائة الغائب عنهما فتجر أحدهما في
جميع ذلك وربح ، وتجر الآخر فخسر فقال لا ينفع
الحائز يعني في الخسارة مال لا يكون تقدم
(12/41)
إليهما ، قال
ويضم المال كله يريد خسارته وربحه فيقسم ذلك
بينهما وبين الغائب أثلاثاً لم يقتسما المال ،
لأنهما لا مقاسمة لهما على الغائب عنهما ، ثم
يترادان الإثنان منهما بينهما وتجوز مقاسمتهما
فيما بينهما ، وبرئ كل واحد منهما لصاحبه
فيكون على هذا خسارته ، ولهذا ربحه ، قاله
أصبغ ، وقال لهذا تفسير وتفسيرها إن كان تقدم
إليهما إلا يقتسما فاقتسما فربح الواحد وخير
الآخر فإن المقيم لا يلزمه من الخسارة
والوضيعة على المتعدي بتعديه بالقسمة ، وأما
ربح الآخر فإن الربح يكون بينه وبين شريكيه
ذلك القسم ، وهو على الشركة ، وكذلك لو وضع
لزمه من الوضعية بقدر ماله معه من المال ، وفي
الربح اختلاف فمن أصحابنا من قال الربح على
الثلث والثلثين ، ومنهم من قال نصفين لأنه وجد
الذي قبض نصف مائته وهو الشريك معدماًُ لرجع
على هذا الشريك الآخر لأنه متعد عندما قسم
ودفع المال إليه .
قال محمد بن رشد : قوله لا ينفع ذلك الحاض في
الخسارة معناه أنه لا حجة له عليه في القسمة
بضمنها الخسارة إلا أن يكون قد تقدم إليهما
ألا يقتسما ماله فحينئذ يضمن له ما خسر من
نصيبه وأما إن لم ينقدم إليهما في ذلك ليكون
الحكم فيه ما ذكره من أن يضم المال كله
بخسارته وربحه فيقسم ذلك بينهما وبين الغائب
أثلاثاً كأنهما لم يقتسما المال إلى آخر قوله
، وذلك يرجع عند الاعتبار إلى أن يأخذ الغائب
ثلث ما بيد كل واحد منهما كان قد ربح فيه أو
خسر فهو مراده ، ولا معنى للتطويل لما ذكره من
الكلام ولا يخلو اقتسام الشريكين دون الثالث
الغائب ما بأيديهما من أموالهما وقال الغائب
من ثلاثة أحوال أحدهما أن يكونا فعلا ذلك بعد
أن أذن لهما فيه الغائب ، والثاني أن يكونا
فعلا ذلك بعد أن نهاهما عنه والثالث أن يكونا
فعلا ذلك دون أن يتقدم منه إليهما فيه إذن ولا
نهي فأما إن كانا إقتسما المال بعد أن إذن
الغائب لهما
(12/42)
في ذلك فأخذ كل
واحد منهما مائته ونصف مائة الغائب فلا اختلاف
في أن المقاسمة جائزة نافذة على الغائب وفيما
بين الشريكين ، فيكون الغائب شريكاً لكل واحد
منهما على انفراد بالثلث ، يأخذ ثلث ما بيد كل
واحد منهما كان قد ربح فيه أو خسر ، وأما عن
كانا اقتسما المال بعد أن نهاهما عن اقتسامه
وأخذ كل واحد منهما مائته ونصف المائة الغائب
فتجوز قسمتهما على نفسهما فيما بينهما ولا
تجوز على الغائب ، ويكون كل واحد منهما
متعدياً عليه في ذلك فإن تجرا فربح أحدهما
وخسر الأخر كان الذي خسر ضامناً لما خسر في
نصيب الغائب وهو قول أصبغ إنه أن كان تقدم
إليهما لم يلزم المقيم من الخسارة شيء وكانت
الوضعية عليه بتعديه بالقسمة وفي قوله وكذلك
لو وضع يريد الشريك الآخر لزمه من الوضعية
بقدر ما له معه من المال إشكال ومراده بذلك أن
الشريك الآخر لو وضع كا وضع الأول للزمه أن
يضمن للغائب من الوضعية بقدر ما له من المال
كما ضمن الآخر فالهاء عايدة على
الشريك الذي تجر في المال لا على الغائب ولو
لم يبق بيد الذي تجر وخسر من المال ما يقوم
بحظ الغائب من الخسارة وهو عديم لكان من حقه
أن يرجع على الآخر بما نقص من حقه ، لأن كل
واحد منهما متعد عليه في القسمة فإن رجع بعدم
الذي خسر رجع بذلك المرجوع عليه على الذي خسر
فاتبعه به ديناً في ذمته لأنه المتعدي بالتجمر
فيه دومن شريكه ، ولو تلف المال في يد أحدهما
وهو عديم فرجع الغائب على الآخر لما كان
للمرجوع عليه رجوع على الذي تلف المال عنده إذ
لم يتعد فيما صار بيده منه ولا تلف بسببه ،
وأما إن كانا قد قسما المال دون أن يتقدم
إليهما الغائب فيه بإذن أو نهي فاختلف هل
يكونان متعديين في قسمة أم لا على قولين
؟أحدهما أنهما لا يكونان متعديين في قسمة أم
لا على قولين ؟ أحدهما أنهما لا يكونان
متعديين في قسمته كما لو إذن لهما في ذلك وهو
قول أشهب وأصبغ في هذه الرواية والثاني أنهما
يكونان متعديين في قسمته كما لو نهاهما عن ذلك
، وإلي هذا ذهب محمد بن المواز ، وهو أظهر ،
ووجه قول أصبغ وأشهب أنه لا ضرر على الغائب في
القسمة إذ قد دخل معهما على أن لكل واحد منهما
أن ينفرد بالبيع والشراء دون
(12/43)
صاحبه ،
فالشريكان في قسمة مال الغائب بغير إذنه على
مذهب أشهب وأصبغ بخلاف المودعين للعلة التي
ذكرناها ، وقد روى زياد عن مالك أن للمودعين
أن يقتسما الوديعة .
فتحصل في الجملة ثلاثة أقوال ، يضمنان جميعاً
ولا يضمن واحد منهما ويضمن المودعان ولا يضمن
الشريكان ، وقد مضى القول في الحكم على كل
واحد من الوجهين فيما خسر أحدهما فلا معنى
لتكراره وأما ربح أحدهما فقد ذكر في الرواية
الاختلاف في ذلك والصحيح أن يكون للغائب ثلث
الربح إنما له ثلث أصل المال الذي كان عنه
الربح ، ووجه القول الآخر أن الشريك الذي عمل
بالمال قد دخل مع الغائب على أن يتساويا في
الربح إذ جعل كل واحد منهما مائة كما جعل
صاحبه ، والقسمة لا تلزمه ولا تجوز عليه ،
والقول الأول هو الصحيح لأنه يلزم على قياس
هذا القول لو ربحا جميعاً أن يأخذ الغائب نصف
ربح كل واحد منهما فيصير له ربح نصف الجميع
وليس له من رأس المال إلا الثلث وبالله
التوفيق .
ومن كتاب البيع والصرف
وسئل أشهب عن صناعين حداد وجزار في حانوت واحد
اشتركا بعمل هذا مع هذا في جزارته وهذا مع هذا
في حديده ، قال : إن كانا يحسنان ذلك جميعاً
ويعملان فيه جميعاً فلا بأس بذلك .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال لأن شركة
الأبدان لا تجوز إلا مع التعاون في الأعمال
لأنهما إذا لم يتعاونا وانفرد كل واحد منهما
بعمل له دون شريكه أو أشراكه أن كانوا جماعة
كان ذلك غرراً ، لأن كل واحد منهما يقول
لصاحبه لك جزء من أجرين فيما انفرد بعمله ،
على أن يكون لي بعض أجرتك فيما تنفرد بعمله
دوني ، وذلك أعظم المخاطرة والغرر . وقد مضى
بيان هذا في آخر رسم من سماع ابن القاسم
وبالله التوفيق .
(12/44)
مسألة
قبل له فإن استأجرا رجلان أجيرين فاشتركا فيما
يكتسبان وكل واحد منهما مستأجر لأجيره على حدة
، قال لا بأس بذلك إذا كان الأجيران يعملان
جميعاً عملاً واحداً .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال لأن يد كل
واحد منهما كيد مستأجره ، فإذا تعاون أجيراهما
في العمل كان ذلك كتعاونهما أنفسهما فيه
وبالله التوفيق .
مسألة
قيل له فإن اشتركا في حانوت واحد والعمل مفترق
على حدة صنعة كل واحد منهما غير صنعة صاحبه ،
قال : لا خير في ذلك ، يريد أن العمل بينهما
قيل له فإن اشتركا والعمل واحد والحانوتان
مفترقتان قال لا بأس بذلك .
قال محمد بن رشد : قول أشهب هذا إنه لا يجوز
أن يشتركا في حانوت واحد والعمل مفترق معناه
أن انفرد كل واحد منهما بعمله ولم يعمل صاحبه
معه فيه على ما قاله فوق هذا ، وأما قوله أنه
لا بأس أن يشتركا في العمل ويكونان مفترقين في
حانوتين فهو بعيد ، لأن الأصل في شركة الأبدان
أنها لا تجوز إلا على التعاون ، وهما إذا
افترقا في حانوتين فلم يتعاونا وإذا لم
يتعاونا لم تجز الشركة فلا وجه لقول أشهب هذا
، إلا أن يكون معناه أنهما يجتمعان جميعا على
أحد الأعمال ثم يأخذ واحد منهما طائفة من
العمل فيذهب إلى حانوته فيعمل فيه لرفق يكون
له في ذلك سلعة حانوته أو كثرة انشراحه أو
قرية من منزله أو ما أشبه ذلك وبالله التوفيق
.
(12/45)
ومن كتاب
القضاء 4- العاشر
قال أصبغ سألت ابن القاسم عن الشريكين
المتفاوضين إذا ترك أحدهما عمل الشركة وأخذ
مالاً فعمل فيه فربح أو آجر نفسه الصاحبه من
ذلك ؟ قال لي : لا أرى لصاحبه من ذلك شيء أو
أراه كله له ، وإنما هو رجل تعدى فترك العمل
والشركة ، فليس ذلك بالذي يوجب لصاحبه فيما
ربح من ذلك شيئاً ، قلت أفرى لهذا المشتري
المتعدي فيما ربح صاحبه الذي كان يعمل معه على
الشركة شيئاً ؟قال : نعم أراه على ربحه في
الشركة ، قال أصبغ : لأن النقصان يلزمه إذا
تركه يعمل بالشركة فكذلك الربح له ، قال أصبغ
: قلت لابن القاسم أترى لهذا العامل في الشركة
على الذي لم يعمل أجرة إذا قاسمه الربح قدر ما
تركه من العمل معه الذي كان يصيبه ؟ قال : لا
، قال أصبغ : لا يعجبني هذا وأرى ذلك له إذا
حلف العامل أنه لم يعمل على التطوع له وعنه ،
وعلى مقاسمته إلا على العمل لنفسه خالصاً إذا
اشتغل عنه وعلى أن يطالبه بعمله وكفايته فأما
لوجهين ادعاه وحلف عليه رأيت له به الأجرة على
قدر الكفاية لنصف ما باشر به من حينه ذلك وعلى
وجهه خاصة ، وليس على طول الشهور وعددها ولا
السنين ولا الأيام إذا كان العمل والتجارة
منقطعاً في حال ذلك إن شاء الله ، وسئل عنها
أشهب فقال ما أرى ربح القراض ولا الأجرة التي
آجر بها نفسه إلا بينهما أرأيت لو
(12/46)
تسلف يعني
مالاً فعمل به فربح لكان ربحه بينهما .
قال محمد بن رشد : قول ابن القاسم في أحد
الشريكين المتفاوضين يأخذ مالاً قراضاً فيرجع
فيه أيؤاجر نفسه إن ذلك له ولا شيء لشريكه فيه
أظهر من قول أشهب أن ذلك بينهما ، وقد بين أبن
القاسم في الرواية وجه قوله بقوله : وإنما هو
رجل تعدى فترك العمل إلى آخر قوله وأما أشهب
فوجه قوله أن كل واحد من الشريكين كأنه مستأجر
لنصف عمل شريكه بنصف عمله هو ، فكما يكون للذي
عمل بالقراض الذي أخذه أو بالأجرة التي أجر
بها نفسه نصف عمل شريكه في مال الشركة فيستحق
بذلك نصف الربح فكذلك يكون الشريك نصف عمله في
القراض أو في الأجرة فيستحق بذلك نصف ربح
القراض إن كان فيه ربح أو نصف الأجرة التي أجر
بها نفسه ، ولا اختلاف في أن ربح مال الشركة
الذي عمل به أحد الشريكين ما دام صاحبه يعمل
في القراض الذي أخذه أو في الأجرة التي آجر
بها نفسه بينهما نصفين واختلف إذا لم يكن
للشريك الذي عمل بمال الشركة في ربح القراض
ولا في الأجرة شيء على القول بأن ذلك للذي أخذ
المال القراض وللذي أجر نفسه هل تكون له أجرة
على الذي لم يعمل معه لانفراده بالعمل أم لا ؟
فلم ير أن القاسم في هذه الرواية ذلك له ،
ورأى ذلك أصبغ له بعد يمينه أنه لم يعمل على
التطوع عن شريكه ، وهذان القولان جاريان على
أصل قد اختلف فيه قول ابن القاسم وهو السكوت
هل يكون كالإذن أم لا ؟اصبغ في هذه المسألة
مثل قول عيسى ابن دينار من رأيه في آخر رسم
القطعان من سماع عيسى من هذا الكتاب في الرجل
يزرع في أرض بينه وبين شريكه أن عليه كراء نصف
الأرض لشريكه بعد يمينه أن كان حاضراً خلاف
روايته عن ابن القاسم في أول سماع ابن القاسم
من كتاب الاستحقاق في الرجل يبني في أرض بينه
وبين شريكه وهو حاضر أنه لا كراء عليه لشريكه
في نصيبه ، وذلك منصوص لابن القاسم في كتاب
ابن المواز في مسألتنا بعينها ، قال في شريكين
خرجا إلى الريف فابتاعا طعاماً فقدم أحدهما
الفسطاط فأخذ قراضاً فربح فيه ، قال : ربحه
(12/47)
له ، وعليه
للذي بالريف أجرة مثله فيما ولي بالريف في
حصته يريد بعد يمينه كما قال أصبغ ، وكما قال
عيسى ابن دينار في الكراء .
وقول ابن القاسم أن ربح مال القراض الذي عمل
به لا يكون بين الشريكين إذا قال إنما عملت به
لنفسي وكذلك الأجرة .
وأما لو قال إنما عملت بذلك على أن يكون الربح
أو الأجرة بيني وبين شريكي عوضاًَ عن عمل
شريكي في مال الشركة لوجب أن يكون الشريك
مخيراً بين أن يأخذ عوضاَ عن عمله وبين أن
يسلمه له ويتبعه بأجرة عمله في حصته .
ولو قال ِإنما عملت بذلك على أن يكون الربح
والأجرة بيني وبينه على سبيل التفضل عليه لكان
ذلك منه عدة تجري على الاختلاف في وجوب الحكم
بالعدة إذا كانت على غير سبب ، فقيل إنها لا
تلزم وهو المشهور ، وقيل أنها تلزم ، وهو ظاهر
قول غير ابن القاسم في كتاب الشركة من المدونة
لأنه جعل ذلك من وجه قول الرجل للرجل لك ما
أربح في هذه السلعة ، فله أن يقوم عليه بذلك
ما لم يفت أو يذهب أو يفلس .
وقول أشهب في هذه الرواية أرأيت لو تسلف مالاً
فعمل به فربح لكان ربحه بينهما ليس بحجة على
أبن القاسم ، إذ لا يسلم ذلك ولا يقول به ،
والذي يأتي على مذهبه في المدونة في الربح له
، وضمان السلف عليه ، إلا أن يعلم بذلك الشريك
ويعمل معه فيكون الربح بينهما ، ويكون نصف
المال سلفاً للشريك الذي استسلفه على شريكه ،
ولو عمل وحده بالمال الذي استسلفه على أن يكون
الربح بينهما ويكون نصف المال له سلفاً عليه
لما لزمه ذلك إلا أن يشاء إذ يلزم أحداًَ قبول
معروف أحد ، ولو عمل بالمال الذي استسلفه وحده
على أن يكون الربح على سبيل التفضل لجرى ذلك
على الاختلاف في لزوم العدة على غير سبب
وبالله التوفيق .
(12/48)
من سماع أبي
زيد بن أبي الغمر من ابن القاسم
قال أبو زيد سئل ابن القاسم عن رجل وقف على
رجل يشتري سلعة فوقف لا يتكلم حتى لما وجب
البيع قال الرجل أنا شريكك ، فقال المشتري لا
أشركك وإنما قال له ذلك بعد وجوب البيع قال :
يشركه إن شاء الله ، وإن أبى ألقى في الحبس
حتى يفعل إذا كان إنما اشتراه ليبيعه إلا أن
يكون اشتراه لمنزله أو ليخرج به إلى بلد آخر
فلا يكون له في هذا شركة . :
قال محمد بن رشد : هذه المسألة قد مضى القول
عليها مستوفي في أول نوازل أصبغ من جامع
البيوع فلا معنى لإعادته والقول فيه باختصار
أن الشركة على مذهب مالك لازمه لأهل الأسواق
فيما اشتروا للتجارة على غير المزايدة لما كان
من الطعام في سوق الطعام لأهل التجارة في ذلك
النوع باتفاق ، ولما كان من غير الطعام وإن
كان في سوق تلك السلعة أو في غير السوق وإن
كان من الطعام أو لغير أهل التجارة في ذلك
النوع باختلاف ، وقولي في غير السوق أعني في
بعض الأزقة ، وأما ما ابتاعه الرجل في داره أو
حانوته فلا شرك لأحد معه ممن حضر الشراء
باتفاق .
فيتحصل في الطعام أربعة أقوال أحدهما أن
الشركة تجب لمن حضر البيع وان لم يكن في
الأسواق ولا كان من أهل التجارة بذلك النوع
والثاني أنها لا تجب له إلا أن يكون ذلك
بالسوق وأن يكون من التجارة بذلك النوع ،
والرابع الشركة تجب له وإن لم يكن من أهل
التجارة بذلك النوع إذا كان ذلك في السوق ،
ومجموع المسألة خمسة أقوال ، الأربعة التي
ذكرناها والخامس الفرق بين الطعام وبين ما
سواه من السلع ورأى مالك الحكم بالشركة في ذلك
بين أهل الأسواق لنفي الضرر عنهم مخافة إفساد
بعضهم على بعض بالزيادة
(12/49)
عليه ، ومما
يشبه ذلك منفعة العامة نهي رسول الله صلى الله
عليه وسلم عن أن يبيع حاضر لبادي ، فمنه أخذه
مالك والله أعلم ، وهذا كله فيما اشترى
للتجارة وأما ما اشترى لغير التجارة فالحكم
بالشركة فيه باتفاق وبالله التوفيق
مسألة
وسأل عن رجل وقف لشراء سلعة فقال له رجل :
أشركني ، فقال له : نعم ثم قال إنما أشركتك
بالربع أو بالثلث ، قال القول قوله مع يمينه
إلا أن يكون أشركه ببينه ، قيل له فإن قال ه
أشركتك ولم أرد ثلثاًَ ولا نصفاً ولا أقل ولا
أكثر إلا أني قد أشركتك ، فقال يكون له النصف
.
قال محمد بن رشد : هذه المسألة قد مضى الكلام
عليها مستوفي في رسم من سماع ابن القاسم فلا
معنى لإعادته وبالله التوفيق .
مسألة
وقال في رجل قال لرجل أذهب فاشتر من فلان بقرة
عنده وأشركني فيها وانقد عني ، قال : لا يأس
به .
قال محمد بن رشد : هذا بين على ما قاله إنه لا
بأس لأنه أشركه ونقد عنه ففعل معه معروفين وقد
مضى في رسم استأذن من سماع عيسى ما فيه بيان
ذلك وبالله التوفيق .
مسألة
وعن عين بين نفر فكان لأحدهم السقي بالليل
وللآخر السقي بالنهار فأجرى الماء في زرعه
بالليل وترك زرع الذي له السقي بالليل قال :
عليه قيمة ذلك الماء ، ولا سقي له بالنهار ،
لأن سقي الليل
(12/50)
ليس يشبه
النهار وسقي الليل إلا أن يكون له سقي بالليل
فيعطيه سقية بالليل مكانها .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة صحيحة بينة
المعنى لا اختلاف فيها وهي ترد قول أصبغ في
رسم البيوع العاشر من سماعه من كتاب السلم
والآجال في سلف الماء أنه لا ينظر فيه إلى
الأزماه ولا يعتبر بها فيه ، فترد تلك إلى هذه
ولا ترد هذه إلى تلك وقد مضى الكلام على قول
أصبغ في موضعه مستوفي فلا وجه لإعادته وبالله
التوفيق تم كتاب الشركة بحمد الله تعالي وحسن
عونه والصلاة الكاملة على سيدنا ومولانا محمد
وعلى آله وصحبه وسلم تسليما اللهم عونك .
(12/51)
|