البيان
والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة
كتاب الشفعة
من سماع ابن القاسم من مالك رواية سحنون من
كتاب الرطب باليابس
قال سحنون أخبرني ابن القاسم قال سمعت مالكاً
قال من باع شقصاً له في دار مشتركة فسلم بعض
الشركاء وأبى بعضهم إلا أن يأخذ جميع ما باع
شريكه نصيبه ونصيب من سلم من شركائه .
قال محمد بن رشد : أما إذا سلم أحد الشفعاء
بعد وجوبها له ولم يقل لك ولا له على وجه
تركها وكراهة الأخذ بها فلا اختلاف ولا إشكال
في أن لمن يقي من الشفعاء أن يأخذ حظه وحظ من
سلم من شركائه .
وأما أن قال للمشتري قد سلمت لك شفعتي أو قال
لمن سأله ذلك قد سلمت لك شفعتي فقد وقع لأصبع
في الواضحة أن تسليمه الشفعة له أن كان على
وجه الهبة والعطية للمشتري فليس له أن يأخذ
بالشفعة إلا حظه وحظ من لم يسلم للمشتري
وللمشتري سهام المسلمين ، فإذا صح على قول
أصبغ هذا
(12/53)
للمشتري بالهبة
حظ المسلم ولم يكن سواه من الشفعاء أخذه فكذلك
البيع على هذا القياس ينزل المشتري منزلة
الشفيع للبائع الشفعة فلا يكون لمن سواء من
الشفعاء شفعة إلا أن يكونوا بمنزلته فيكون لهم
منها بقدر حظوظهم وعلى هذا تأول ابن لبابة
رواية ابن القاسم عن مالك في أنه لا يجوز أن
يبيع الرجل شفعة قد وجبت له ولا يهبها فقال
معناه من غير المبتاع واستدل على تأويله
برواية جلبها من كتاب الدعوى والصلح ، قال
يجوز أن يبيع شفعته من المبتاع بعد وجوب صفته
قبل أن يستشفع ولا يجوز له بيع ذلك من غيره
ومثل هذا حكي أيضاً عن مالك من رواية اشهب عنه
أنه قال : ولا يجوز له أن يبيعها من غير
المبتاع قبل أن يأخذ شفعته ، وأختار هو من
رأيه أن لا يبيع الشفعة ولا يهبها لا من
المتاع ولا من غيره وهو الصواب والروايات التي
جلبها ليست بجلية لاحتمال أن يتأول على أنه
إنما أراد بها أخذ العوض من المبتاع على تسليم
الشفعة له بما يجوز له بعد وجوب الصفقة وسمي
ذلك بيعاً لما فيه من شبهة البيع ، وقول أصبع
بعيد شاذ في النظر وحكى ابن لبابة أيضاً أنه
رأى ابن الجسار يعقد لنفسه وثيقة شراء نصيب
رجل من مال وما وجب له من الاستشفاع في نصيب
كان بيع من ذلك المال قبل ذلك ، قال فلما تمت
الوثيقة قال لي هذه من غرائب النتيجات التي لا
يعرفها والله غيرنا ، يريدني ونفسه .
فالذي يتحصل في هذا أنه لا يجوز للشفيع أن يهب
ما وجب له من الاستشفاع لغير المبتاع ولا بيعه
منه .
واختلف هل له أن يهب ذلك للمبتاع أو يبيعه منه
أم لا على قولين أحدهما أن ذلك جائز ويختص
المشتري بما اشترى فلا يكون لغير البائع أو
الواهب من الشفعاء عليه شفعة إلا أن يكون
بمنزلته فيكون لهم منها بقدر حقوقهم والثاني
أن ذلك لا يجوز وينفسخ البيع فيكون الشفيع على
شفعته وينفسخ أيضاً حكم الهبة فيمضي على حكم
التسليم .
وأما بيع الشفيع نصيبه الذي يستشفع قبل أخذه
بالشفعة فلا يجوز
(12/54)
باتفاق وكذلك
هبته لا تلزم باتفاق وأما تسليم الشفعة بمال
وجوبها له فجائز باتفاق وبالله سبحانه وتعالى
التوفيق .
ومن كتاب خلف ليرفعن أمراً إلى السلطان
قال : وسئل مالك عن رجل باع نصف أرضه بأرض آخر
أو زيادة دنانير أترى له شفعة ؟قال : نعم ،
ويكون عليه قيمة أرضه التي أخذها ، قال : وقال
ابن القاسم وقد كان يبلغنا من بعض إخواننا أنه
كان من قول مالك وغيره من المدنيين أنه إذا
علم أنه أراد المناقلة والسكنى ولم يرد وجه
البيع ولم يكن يرضي أن يخرج من داره ويقعد لا
دار له ، وكان بعض المدنيين يذكر ذلك ويذكر عن
ربيعة أنه لا شفعة في ذلك فكلمنا مالكاً
وحاججناه بوجه السكنى وإنما أراد المناقلة ولم
يكن ذلك منه على وجه البيع فلم يره شيئاً
وأنكره وكأنه قاله ورجع عنه ، واتبع الحديث
ورآه بيعاً من البيوع ، وقال الشفعة فيه ، قال
وكذلك لو أعطاها امرأة في صداقها وإنما تزوجها
لهواه فيها فأرى الشفعة ولم ير الذي ذكر عنه
شيئاً ، قال ابن القاسم وهو رأيي وهو الشأن ،
قال مطرف وابن الماجشون الذي قال مالك لا شفعة
فيه إنما ذلك في المناقلة بين الشركاء في
المسكنين أو الحائطين أو في الأرضين يناقل
أحدهم بعض أشراكه يعطيه حظه في هذه الدار وهذه
الأرض وهذا الحائط يحط صاحبه في الدار الأخرى
أو الأريط الآخر فيصير حظه من ذينك الشيئين
المفترقين في شيء واحد منهما ، فهذه المناقلة
التي قال مالك لا شفعة فيها للشركاء لأنه لم
يرد وجه البيع إنما أراد التوسع في حظه وجمعه
لكي ينتفع به ، وأما إذ1 ناقل بنصيبه من هذه
(12/55)
المشتركة بدار
أخرى أو أرض أخرى لا نصيب له فيها ولا حظ
لكانت في ذلك الشفعة ولجرى مجرى البيع وليس
مجرى المناقلة ، وسواء عامل بذلك بعض شركائه
أو أجنبياً ممن لا شرك له معه .
قال محمد بن رشد : قوله في هذه المسألة سئل
مالك عن رجل باع نصف أرضه بأرض أخرى معناه نصف
نصيبه بأرض أخرى وهذه مسألة فيها اختلاف ولها
تفصيل ، وتحصيل القول أنه لم يختلف قول مالك
في أن في الشقص المبيع الشفعة إذا بيع بعين أو
يعرض ، فأما إن باع الرجل شفصه من شريكه أو من
اجنبي بأصل أو شقص من أصل له فيه شرك أو لا
شرك فيه فمذهب ابن القاسم وروايته عن مالك أن
في ذلك كله الشفعة ، ووقع هنا ما ظاهره أن قول
مالك اختلف في ذلك كله ، وأنه كان يقول إذا
علم أنه أراد المناقلة والسكنى ولم يرد وجه
البيع إنه لا شفعة في ذلك ، وأن بعض المدنيين
كان يذكر ذلك وأنه قول ربيعة ، فعلى هذا تكون
المناقلة اختلف في وجوب الشفعة فيها في هذه
الأربعة وجه وحكى العتبي عن مطرق وابن
الماجشون أنهما قالا أن المناقلة التي قال
مالك لا شفعة فيها إنما هي أن يبيع الرجل شقصه
من شريكه يشقص من أصل له فيه شرك ، فيكون كل
واحد منهما إنما أرادج التوسع في حظه مما صار
إليه من حظ شريكه عوضاً عما عاوضه به ، فعلى
هذا المناقلة إنما تكون في هذا الوجه الواحد
من الأربعة الأوجه المذكورة وروى أبو زيد عن
مطرف في الدار تكون بين الرجلين فيبيع أحدهما
شقصه ، من شريكه يشقص من أصل له مع شريك آخر
أنه لا شفعة لهذا الشريك الأخر في هذا الشقص
لأنه لم يقصد به البيع وإنما أراد التوسع في
حظه ، وكذلك على قول مطرف هذا لو كانت دار بين
ثلاثة نفر فباع أحدهم حظه من أحد شريكيه بأصل
فلا شفعة للشريك الثالث الذي لم يرد البيع
وإنما أراد التوسع في حظه فعلي قول مطرف هذا
تكون المناقلة المختلف في إيجاب الشفعة فيها
في ثلاثة وجوه ، وأصله أنك متى وجدت أحد
المتعاوضين في الأصول قد
(12/56)
أخذ من صاحبه
شقصاً فيما له فيه شقص فيهي المناقلة التي لا
شفعة فيها فعلى رواية مطرف وابن الماجشون أن
المعاملة في الأصول لا تكون مناقلة وتسقط فيها
الشفعة حتى يكون كل واحد منهما قد أخذ من
صاحبه شقصاً
فيما له من شقص و على ظاهر ما وقع في هذه
المسألة من رواية ابن القاسم عن مالك أن
المعاملة في الأصول كيف منا وقعت فهي مناقلة
لا تجب فيها الشفعة على أحد القولين ، ففي
تعيين المناقلة المختلف في إيجاب الشفعة فيها
ثلاثة أقوال على ما بينناه وفي المدينة لابن
كنانة أنه سئل عن ورثه بينهم أرض هم فيها
أشراك فقال رجل من الورثة أعطوني حقي في مكان
واحد واجمعوا لي أرض في ناحية واحدة فرضوا
بذلك وفعلوا لم أن الشركاء في الأرض أرادوا
الأخذ بشفعتهم وقالوا قد بعت قال : يحلف الذي
جمعت له أرضه في مكان واحد بالله ما أردت
بيعاً وما أردت إلا أن يجمع لي أرضي في مكان
واحد فإذا حلف احتبس أرضه ولم يكن لاولئك فيها
شفعة ، قال عيسى قال ابن القاسم لا شفعة فيه
وقول ابن القاسم هو الصحيح وأما قول ابن كنانة
فهو بعيد لأن ذلك ليس ببيع وإنما هي قسمة وليس
لأحد المتقاسمين على صاحبه شفعة وبالله
التوفيق .
مسألة
وسئل مالك عن أخوين ورثا دارين فباع أحدهما
أحد الدارين فعلم أخوه الذي لم يبع فقال أنا
آخذ هذه الدار التي بعت بشفعتي وأقاسمك الأخرى
، فقال له الذي باع ليس لك ذلك ولكن أقاسمك
الدارين فإن تقع الدار التي بعت لي نفذ بيعي
والا تقع لي بطل بيعي ويقاسمه الأخرى وليس له
أن يأبى ذلك .
قال محمد بن رشد : هذا مثل ما في آخر كتاب
الشفعة من المدونة في الدار تكون بين الرجلين
فيبيع أحدهما طائفة منها بعينها ولا اختلاف
فيها
(12/57)
عندي من آجل حق
المشتري ، بخلاف مسألة أول رسم من سماع ابن
القاسم من كتاب الإستحقاق في أرض بين الرجلين
يبني أحدهما فيها بنياناً وشريكه غائب أنهما
يقتسمان الأرض فإن كان بنيانه فيما صار له من
الأرض كان له وكان عليه من الكراء بقدر ما
انتفع من نصيب صاحبه ، وإن كان البنيان والغرس
في نصيب غيره خير الذي صار له في نصيبه بين أن
يعطيه قيمته منقوضاً وبين أن يسلم إليه نقضه
ينقله ويكون له أيضاً الكراء على الباقي بقدر
ما انتفع به من مصابه صاحبه الغائب لأن ذلك
إنهما يكون إذا اختلفا في القسمة فدعا إليها
أحدهما ودعا أحدهما إلى أن يحكم بينهما في
الغرس والبناء قبل القسمة حسبما ذكرناه هناك
فيدخل في تلك الخلاف من هذه ولا يدخل من هذه
الخلاف في تلك من أجل حق المبتاع لأنه قد يقول
وجب لي حظ البائع من الدار فليس لكما أن
تقتسما قبل مخافة أن تصير الدار لغير البائع
فيبطل جميع شرائي فالواجب أن يأخذ الشريك نصف
الدار بالإستحقاق ونصفها بالشفعة إلا أن يتفقا
على القسمة قبل ويرضى بذلك المبتاع فيجوز
وبالله التوفيق .
ومن كتاب البز
وسئل مالك عن رجل باع شركاً له في جار فأقام
شريكه تسعة أشهر ثم طلب أن يأخذ بالشفعة أترى
ذلك به ؟قال : نعم ما تسعة أشهر عندي بكثير ،
وإني أرى أن يحلف بالله ما كانت إقامته تركا
لشفعته ويأخذ شفعته في هذا إلا أن يأتي من ذلك
ما يطول زمانه .
قال محمد بن رشد : مثل هذا في المدونة في
التسعة الأشهر والسنة لأنه لم ير السنة فيها
كثيراً ولو قام بعد الشهر أو الشهرين لم يكن
عليه يمين على ما قال في رسم الشجرة بعد هذا
إلا أن يكون قد كتب شهادته في عقد الشراء
فيلزمه اليمين أن قام بقرب ذلك بعد العشرة
الأيام ونحوها على ما قاله بعد هذا في رسم باع
، ولو كتب شهادته في عقد الشراء ولم يقم إلا
بعد
(12/58)
شهرين لم يكن
له شفعة .
فتحصيل هذه المسألة أنه إن لم يكتب شهادته
وقام بالقرب مثل الشهر والشهرين كانت له
الشفعة دون يمين ، وإن لم يقم إلا بعد السبعة
أو التسعة أو السنة على ما في المدونة كانت له
الشفعة بعد يمينه أنه لم يترك القيام راضياً
بإسقاط حقه ، وإن طال الأمر أكثر من السنة لم
تكن له شفعة ، وأما أن كتب شهادته وقام بالقرب
أو العشرة الأيام ونحوها كانت له الشفعة بعد
يمينه ، وإن لم يقم إلا بعد الشهرين لم يكن له
شفعة وإذا قال لم أعلم بالشفعة فالقول قوله مع
يمينه ، وإن كان حاضراً بالبلد وإن كان بعد
أربع سنين ، قاله ابن عبد الحكم .
وقد اختلف في الحد الذي تنقطع فيه شفعة الحاضر
بمجرد السكوت بعد العلم بالبيع على أربعة
أقوال أحدها أن حده السنة وهو قول أشهب
وروايته عن مالك والثاني قول ابن القاسم
وروايته عن مالك في المدونة أن السنة قليل ولا
ينقطع إلا فيما فرق السنة والثالث قول مطرف
وابن الماجشون أنه على شفعته ما لم يوقفه
الإمام على الأخذ أو الترك أو يتركها طوعاً
منه ويشهد بذلك على نفسه أو يمضي من طول
الزمان ما يدل على أنه كان تركاً له والخمس
سنين قليل إلا أن يحدث المشتري فيها بنياناً
أو عرشاً فتنقطع شفعته في أقل من ذلك ،
فكأنهما رأيا الحد في ذلك ما تكون فيه الحيازة
، والرابع أنه على شفعته وإن طال ما لم يصرح
بتركها روى ذلك عن مالك وهو مذهب الشافعي وأبو
حنيفة يقول بضد ذلك أن الشفعة إنما هي الوقوف
فإن لم يقم بشفعته وأبو حنيفة يقول بضد ذلك أن
الشفعة إنما هي الوقوف فإن لم يقم بشفعته ساعة
علم بالبيع فلا شفعة له ، وهو قول خامس في
المسألة وبالله التوفيق .
ومن كتاب أوله تأخير صلاة العشاء في الحرس
وسئل مالك عن أربعة إخوة باع أحدهما نصيبه من
دار لهم
(12/59)
فسلم إخوته
للمشتري ما اشترى شفيعاً معهم إذا باع أحد
منهم ؟ قال : نعم .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال وهو مما لا
اعلم فيه اختلافاً لأن المبتاع يحل محل بائعه
، واختلف لو كان المبتاعون لسهم الواحد جماعة
فباع أحدهم حظه فقال ابن القاسم لا يكون
أشراكه أحق بالشفعة من أشراك البائع منهم ،
وقال أشهب أشراكه أحق بالشفعة من أشراك البائع
لأنهم كأهل سهم واحد وبالله تعالي التوفيق .
ومن كتاب أوله كتب عليه ذكر حق
وسئل مالك عن حائط بين رجلين تصدق أحدهما
بنصيبه على قوم وعلى عقبهم ما عاشوا ، ثم أن
الشريك باع نصيبه فأراد أهل الصدقة أن يأخذوا
حصة شريكهم بالشفعة ، قال مالك : ليس لهم في
مثل هذا شفعة ، إنما هي صدقة فيما أرى الشفعة
تكون في الصدقة ، قال : وسمعته يقول غير مرة :
قال ابن القاسم وبلغني عن مالك أنه قال إذا
أراد صاحب المتصدق أن يأخذ بالشفعة لم يكن ذلك
له إلا أن يلحقه بالحبس فيكون ذلك له .
قال محمد بن رشد المعنى في هذه المسألة أن أهل
الصدقة أرادوا أن يأخذوا بالشفعة لأنفسهم
ملكاً فلذلك لم ير لهم شفعة ولو أرادوا أن
يأخذوا بالشفعة ليلحقوها بالحبس لكان ذلك لهم
، وكذلك لو أراد المحبس أن يأخذ بالشفعة لنفسه
لم يكن ذلك له ولو أراد أن يأخذ بها يلحقها
بالحبس كان ذلك له ، وعلى قياس هذا القول بأن
من تصدق على رجل وعقبه بعقار ما عاشوا فإنها
لا ترجع للمحبس بحال أبداً وتكون ملكاً لآخر
العقب على ما روى أشهب عن
(12/60)
مالك في كتاب
الحبس أو يرجع بمرجع الأحباس على ما حكاه ابن
عبدوس وهو قول مالك وبعض رجاله في المدونة
وأما على القول بأنه يرجع إلى المحبس ملكاً
بعد انقراض المتصدق عليه وعقبه فللمحبس أن
يأخذ بالشفعة لنفسه على ما حكي ابن حبيب عن
مطرق من أن الحبس إذا كان له مرجع إلى المحبس
فالشفعة له مال من ماله وبالله التوفيق .
ومن كتاب باع غلاماً
وسئل مالك عن رجل باع شقصاً له في أرش وشفيعه
حاضر وشهد فيها ثم إنه بدا له بعد عشرة أيام
ونحوها أن يأخذها بالشفعة قال أرى ذلك له وأشد
ما عيه أن يحلف بالله ما كان ذلك منه تركاً
لشفعته ثم يأخذ ماله .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة قد مضى تحصيل
القول فيها في رسم البر قبل هذا فلا معنى
لإعادة شيء من ذلك وبالله التوفيق .
ومن كتاب صلى نهاراً ثلاث ركعات
وسئل عن قوم لهم ثمرة حائط صدقة فأراد رجل ممن
له أصل في ذلك الحائط أن يبيع أترى لهم سفعة
؟قال : لا شفعة لهم ، وإنما الشفعة لمن كان له
أصل مال ، قال مالك : ولو كان المحبس حياً
وأراد أن يأخذ بالشفعة ليلحق ذلك بحبسه كان
ذلك له ، وإن لم يكن يريد أن يلحقه بحبسه فلا
شفعة له .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة قد مضى تحصيل
القول فيها في
(12/61)
رسم كتب عليه
ذكر حق فلا معنى لإعادته وبالله سبحانه وتعالى
التوفيق .
ومن كتاب الشجرة
وسئل عن الشريكين في الدار يبيع أحدهما نصيبه
فيقيم شريكه شهراً أو شهرين لا يطلب ثم يريد
أخذها ، قال : ذلك ما لم يتطاول ذلك ، قلت له
أفترى الشهرين قريباً ؟ قال نعم قلت له أفيحلف
أن إقامته ما كانت تركاً لذلك ، قال لا أرى
عليه في مثل هذا يميناً إلا أن يأتي من ذلك ما
يستنكر من تباعد ذلك فأرى أن يحلف .
قال محمد بن رشد : قد مضى تحصيل القول فيها في
رسم البر قبل هذا فلا معنى لاعادته وبالله
التوفيق .
من سماع أشهب وابن نافع من مالك رواية سحنون
قال سحنون قال أشهب وابن نافع : سئل مالك عمن
ابتاع شركاً له في مال قيمته عند الناس عشرون
ومائة درهم ثم زعم المشتري أنه ابتاعه بمائتي
درهم وزعم البائع ذلك أيضاً فأراد الذي له
الشفعة أن يحلف البائع أو المبتاع ، وزعم أنه
إنما أراد أن يقطعا عليه شفعته ولم يأت على
ذلك ببينة ، قال ذلك في الأثمان مختلف لحاجتهم
أما إذا كان المشتري السلطان أو الشريك في
المال والجديد فيه أو الجار فإن هؤلاء ربما
بالغوا في إعطاء الثمن لحاجتهم إلى ذلك وخفة
مؤنته عليهم لقدرة السلطان وخفة الشأن عليه
ولرغبة الجديد فيه والجار في ذلك ولكراهية أن
يشاركه أحد
(12/62)
فيه أو يجاوره
، فإذا كان هذا فلا أرى على أحد يميناً ، لأن
بعض هؤلاء قد يشتري المال لهذا الأمر بأضعاف
ثمنه ، وأما إذا كان على غير هذا الأمر الذي
وصفت لك واشترى ذلك بما لا يعرف من الثمن فإني
أرى على المبتاع اليمين بالله الذي لا إليه
إلا هو لقد ابتاعه بهذا الثمن ولا أرى على
البائع يميناً لأنه لو أبى أن يحلف لم يكن
عليه في ذلك شيء ، وإنما اليمين على المبتاع
إذا لم يكن على ما وصفت لك واشترى من الثمن ما
يستنكر ولا يعرف .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة كان الشيوخ
يحملونها على أنها خلاف لما في الدونة ، لأنه
قال فيها القول المشتري ولا يمين عليه إلا أن
يأتي بما لا يشبه ، وقال في المدونة القول قول
المشتري يريد مع يمينه إلا أن يأتي بما لا
يشبه ، وقال في المدونة القول قول المشتري
يريد مع يمينه إلا أن يأتي بما لا يشبه فيصدق
ويكون القول قول الشفيع ، وليس ذلك بصحيح ،
لأن معنى رواية أشهب هذه أن الشفيع لم يحقق
الدعوى على المشتري ولا ادعي معرفة الثمن ،
وإنما أراد أن يحلفه بالتهمة فلم يوجبها عليه
إلا في الموضع الذي تظهر فيه التهمة وهو أن
يأتي بما لا يشبه من الثمن ، وذلك بين ما
سياقه المسألة ، ومعنى ما في المدونة أنهما
اختلفا في الثمن وحقق كل واحد منهما الدعوى
فيه على صاحبه ، فوجب أن يكون القول قول
المشتري إذا أتي بما يشبه فإن لم يأت بما يشبه
كان القول قول الشفيع إن أتي بما يشبه فإن لم
يأت بما يشبه حلفاً جميعاً على دعواهما ،
وكانت له الشفعة بالقيمة ، وإن نكل أحدهما
وحلف الأخر كان القول قول الحالف وإن أتي بما
لا يشبه ، لأن صاحبه قد أمكنه بنكوله من دعواه
، ولا اختلاف عندي في هذه المسألة إذا اختلفا
في الثمن وحقق كل واحد منهما الدعوى على صاحبه
، وأما إذا لم يحقق الشفيع الدعوى على المشتري
وأتي المشترى بما يشبه فقيل إنه لا يمين عليه
، وهو قول مالك في هذه الرواية ، وقيل قوله مع
يمينه إلا أن يكون على ذلك بينة بتعور البائع
مع المشتري على ما ادعاه ، وأما أن أتي بما ل
(12/63)
ا يشبه فقبل
القول معم يمينه والشفيع بالخيار أن شاء أخذ
بذلك وإن شاء ترك وهو قول مالك في هذه الرواية
، وقول مطرف في الواضحة ، وقيل أن الشفيع
بالخيار أن شاء أن يأخذ بالقيمة أخذ لأن
المشتري بنهم على تغيب الثمن لقطع الشفعة إلا
أن تكون له بينة على مشاهدة الشفقة والنقد ،
فيكون الشفيع مخيراً بين أن يأخذ بذلك أو يترك
، وهو قول سحنون ، ولا تأثير للبينة في هذا
على
تعاور البائع مع المشتري على الثمن الذي ادعاه
، قاله ابن حبيب في الواضحة ، ولا يمنع عندي
أن يكون له شاهد يحلف معه إذا كان عدلاً ولم
يتهم في شهادته على ما قاله ابن القاسم في أول
سماع أبي زيد في مسألة اللؤلؤ إذ لا تهمة عليه
في شهادته له ، وإنما كان يتهم لو شهد للشفيع
على المشتري لأ ، ه يقلل العهدة على نفسه فيما
يستحق من الشقص أن استحق منه شيء ، وإذا
اختلفا المتبايعان في ثم الشقص فتحالفا
وتفاسخا لم يكن للشفيع شفعة ، ويشبه أن يكون
له الشفعة إذا رضي أن تكون عهدته على البائع ،
لأ ، ه يقر أن الشقص للمشتري ، واختلف أن نكل
المشتري وحلف البائع فقيل يأخذ الشفيع أن شاء
الله الذي حلف عليه البائع ، وقيل بل يأخذ
بالثمن الذي أقر المشتري أنه اشتراه به ،
ولكلا القولين وجه ، والأظهر إلا يكون للشفيع
أن يأخذ إلا بالثمن الذي حلف عليه البائع
وأخذه ، ولا إشكال إذا حلف المشتري ونكل
البائع في أنه يأخذ بما حلف عليه المشتري
وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل مالك هل في الثمرة شفعة ؟ فقيل أفي رؤوس
النخل هي ؟فقيل : نعم ، قال فيه الشفعة ،
وإنما تكون الشفعة في الأرض وفي كل ما انبتت
الأرض ، وسئل هل في ا لزرع شفعة؟قال : لا أن
كان قبل أن يحل بيعه ، فهذا لا يصلح ، وإن كان
بعد أن يبس واستحصد وحل بيعه فلا يصلح أن
يقتسماه إلا بكيل ولا تكون
(12/64)
الشفعة في مثل
هذا وليس هذا مثل الأول .
قال محمد بن رشد : ظاهر قوله في أول مسألة
وإنما تكون الشفعة في الأرض وفي كل ما انبتت
الأرض أن في الزرع الشفعة خلاف ما نص عليه بعد
ذلك ، وفي المدونة من أنه لا شفعة في الزرع
وفي تعليله سقوط الشفعة في الزرع ها هنا وفي
المدونة بأن بيعه لا يجوز حتى ييبس فإذا يبس
لم يصلح أن يقتسم إلا بالكيل ما يدل على أن
الشفعة تجل فيه إذا بيع بعد أن افترك وقبل أن
ييبس على مذهب من يجير ذلك من أهل العلم أو
يرى العقد فيه فوتاً إذا وقع من أصحابنا أو
إذا بيع مع الأصل بعد أن نبت ، لأنه قد وقع
عليه حصته من الثمن ، وقد قيل أن الشفعة فيه
إذا بيع مع الأصل قبل أن ينبت لأنه قد وقع
عليه حصة من الثمن على كل حال لما فيه من
البذر الذي قد أخرجه البائع من عنده بخلاف
الثمرة إذا بيعت مع الأصل قبل أن تؤبر لأ ، ها
إذا لم تؤبر فلم يقع عليها حصة من الثمن فإنما
يأخذها الشفيع بالشفعة على مذهب ابن القاسم ما
لم تجد من جهة الاستحقاق لا من جهة الشفعة ،
فاختلاف قول مالك في إيجاب الشفعة في الزرع
على أصل قد أختلف فيه قوله اختلافاً واحداً
وهو ما كان متشبثاً بالأصول ومتصلاً بها
كالثمرة والكراء ورقيق الحائط إذا بيعوا مع
الحائط والرحا إذا بيعت مع الأصل والماء ،
والنقض إذا بيعا دون الأصل فمرة قال مالك في
ذلك كله الشفعة لتعلقه بأصل ما فيه الشفعة ،
ومرة قال أن ذلك كالعروض المنفصلة من الأرض
فلا شفعة فيها وفي قوله أيضاً أن الشفعة في كل
ما انبتت الأرض دليل ظاهر من جهة العموم أن
الشفعة واجبة في القول ، وسيأتي القول على ذلك
في آخر سماع أبي زيد أن شاء الله وبه التوفيق
.
ومن كتاب أوله مسائل بيوع
وسئل عمن باع شقصاً في حائط غائب فقال الشفيع
حتى
(12/65)
اذهب فأنظر إلى
شفعته وهي ليست معه في القرية ، قال ليس ذلك
له فراجعه السائل ، فقال أن كان الحائط على
ساعة من نهار فذلك له وإلا فليس ذلك له يخرج
فيقيم أيضاً عشرة أيام ثم يجئ .
قال محمد بن رشد : هذا مثل ما في كتاب ابن
المواز وظاهر ما في المدونة من أن الشفيع إنما
يؤخر في النقد لا في الإرتباء في الأخذ ، وهو
مثل ما في هذا السماع من كتاب الايلاء في
المولى يوقف أنه ليس له في ذلك أجل يترك إليه
لينظر ، وإنما هو في مجلسه ذلك ، ومثل ما في
كتاب النكساح الثالث من المدونة في الزوجين
المجوسين يسلم الزوج فيعرض عليها الإسلام أنه
يفرق بينها أن لم تسلم ولا تؤخر ، بخلاف إذا
غفل عن عرض الإسلام عليها ومثله المملكة
يوقفها السلطان أنها لا تؤخر لتستشير وتنظر
وهو عذر للشفيع يغيب عنه الحائط وإن كان لم
يره أو كان قد رآه وطال عهده به وصف كما توصف
الأرض والدار الغائبة ، وقد قال ابن عبد الحكم
في المختصر يؤخر الإمام اليومين والثلاثة
يستشير وينظر قاله والله أعلم قياساً على
استتابة المرتد وعلى حديث المصراة ، ولا يبعد
دخول هذا الاختلاف في هذه المسائل كلها لقرب
معانيها ، والأصل في الثلاثة الأيام في هذه
المعاني قول الله عز وجل : ( فقال تمتعوا في
داركم ثلاثة الأيام ذلك وعد غير مكذوب ) ومنه
أخذ القصاة التلوم الثلاثة أيام ومنه استظهار
الحائض بثلاثة أيام وبالله التوفيق .
مسألة
قال وسئل عن الدار تكون بين الرجلين فيبيع
أحدهما نصيبه وشريكه مفلس فيقول له رجل من
الناس خذ بالشفعة وأنا أربحك كذا
(12/66)
وكذا فأخذ
بالشفعة فيسلم إليه الشفعة فيعطيه الذي أريحه
فيظهر بعد على أنه أخذها لغيره ويقر بذلك
ويقول : لم يكن لي شئ ، وقال لي هذا الرجل خذه
ولك كذا وكذا ، فقال مالك أما اصل البيع فلا
يجوز ، ولكن من أين يعلم هذا أنه قال له ذلك ؟
فقيل له يقر بذلك صاحب الشفعة ، فقال ليس
اقراره ولكن لو ثبت ببينة أو أمر ثابت رأيت أن
يرد في رأي المشتري لأنه إنما أخذ الشفعة
لغيره ولكن كيف يعلم هذا وإذا علم رد .
قال محمد بن رشد : هذا كما إنه ليس للشفيع أن
يأخذ بالشفعة لغيره لأن الحق إنما هو له لدفع
الضرر عن نفسه ، قيل ضرر والاشتراك وقيل ضرر
القسمة ، وكذلك ليسل له أن يأخذ بالبيع ، وقد
قالوا في المديان أن له أن يأخذ بالشفعة فيباع
لغرمائه ، وفي ذلك نظر ، لأنه إنما يأخذ للبيع
وقد استحسن أشهب إلا يكون ذلك ، وأما المريض
فإنه يأخذ بالشفعة ولا إعتراض في ذلك وإن كان
أخذه في هذه الحال إنما هو لورثته لأنه إن لم
يأخذ ذلك في مرضه كان لهم يأخذوه لأنفسهم بعد
موته وبالله التوفيق .
مسألة
قلت لمالك أرأيت الذي يوصي في حائط له لقوم
بثلثة أو بسهم منه معلوم أو أجر معلوم فيبيع
بعضهم ؟ فقال إذا باع بعضهم فشركاؤه في ذلك
الثلث أو ذلك السهم أحق بالشفعة فيما باع
شريكهم فيه من أهل الحائط .
قال محمد بن رشد : قول مالك هذا في رواية أشهب
عنه أن الموصي لهم أهل سهم واحد مثله في كتاب
ابن المواز وحكاه عن أشهب وابن عبد الحكم
وحكاه الفضل عن عيسى ابن دينار وابن القاسم
بجعلهم كإلعصبة فيرى للورثة الدخول معهم ،
وعلى هذا الاختلاف يختلف في الموصي له
(12/67)
بجزء يطرأ على
الورثة فقيل إنه بمنزلة طرو الغريم على الورثة
، والى هذا ذهب ابن حبيب وهو على قياس قول ابن
القاسم ، وقيل إنه بمنزلة طرو الوارث على
الورثة وهو مذهب ابن القاسم ، وذلك يرد قوله
أن الموصي لهم ليسوا بأهل سهم وبالله التوفيق
.
مسألة
قلت أرأيت العصبة يرثون ما بقى من المال
أيكونون أحق بالشفعة بينهم ، فقال : لا قال
محمد بن رشد : قد روي عن مالك في العصبة أنهم
أهل سهم وهو يعيد لم يأخذ به ابن القاسم وراءة
خطأ وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل عمن ابتاع من رجل شقصاً له في أرض ثم
يأتي إلى الشفيع فيقول له أني ابتعت أرضاً
لفلان فإن كان له بالشفعة حاجة فخذها ، فيقول
بك ابتعتها فيقول بألف دينار فيقول الشفيع
ليسل هذا ثمنها ولد اشتريتها بأقل من هذا
فاحلف لي لقد اشتريتها بهذا الثمن على منبر
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ذلك
يختلف ، أما في الثمن الكثير المتفاوت إذا علم
أنه ليس ثمنها فإن على المشتري أن يحلف لقد
اشتريتها بذلك ، ولا أرى على البائع يميناً ،
والمشتري هو الذي له الأرض والذي يؤخذ منه
بالشفعة ، فأرى عليه اليمين على منبر الرسول
صلى الله عليه وسلم ، وإنما يكون ذلك عليه
واجباً إذا جاء بما لا يشبه ثمن الأرض .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة قد مضى الكلام
فيها مستوفي في أول السماع فلا معنى لإعادته
وبالله تعالي التوفيق .
(12/68)
مسألة
قال وسئل عن الذي يشتري البقعة فيبين فيها
ويعمر فيأتي من يستحقها بشفعة فيقول الثاني
أعطني ما انفقت ، فقال : ليس إلا قيمة ما بني
يوم يأخذ الرجل بالشفعة بني بنيانها فانهدام
أو فسده المطر أو مال أو انكسر أو خرب .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة قد مضى القول
فيها مستوفي في سماع أشهب من كتاب الاستحقاق
فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق .
ومن كتاب البيوع الأول
وسئل عن رجل كانت له أرض مشتركة مع قوم فأفلس
وعليه دين فبيعت الأرض فيه يريد الأمر السلطان
هل فيها شفعة ؟ قال : نعم ، وليس السلطان يقطع
الشفعة .
قال محمد بن رشد : أشهب يستحسن إلا يكون في
هذا شفعة وقد مضى القول على هذا في رسم الذي
قبل هذا وبالله التوفيق .
من سماع عيسى من ابن القاسم من كتاب أوصى أن
ينفق على أمهات أولاده
قال عيسى سألت ابن القاسم عن الثمرة هل فيها
شفعة؟ قال : نعم قلت فإن أصابت الثمرة جائحة
هل يرجع آخذ الشفعة على بائع الثمرة بشئ؟قال :
نعم ، قلت فعلي من يرجع أعلى شريكه الذي باع
منه أو على آخذ الشفعة من يديه ؟ قال : على
الذي أخذها من يديه ، قال عيسى : ويرجع
المشتري على البائع .
(12/69)
قال محمد بن
رشد : قوله في الثمرة إن فيها الشفعة يريد ما
لم تيبس فهو نص قوله في المدونة ودليل قوله ها
هنا إذا قال أن الجائحة فيها إذ لو ككان من
مذهبه أن الشفعة فيها وإن يبست ما لم تجد ما
أطلق القول بوجوب الجائحة فيها ، ولقال أن
الجائحة تجب فيها إذا استشفعها قبل أن تيبس
وقد قال ابن القاسم أن فيها الشفعة وإن يبست
ما لم تجد إذا اشتراها مع الأصول بعد الطياب ،
ولا فرق بين المسألتين فهو اختلاف من قوله مرة
رأى في الثمرة الشفعة ما لم تيبس ومرة رآها
فيها ما لم تجد قوله عندي ما لم تجد أو ما لم
يزبب على ما قاله في المدونة معناه ما لم تبلغ
حد جدادها للتيبيس أو التزييب إذ لا تيبس
الثمرة في أصولها حتى تجد منها ، فالمعنى على
ذلك في هذا القول أن الشفعة فيها ما لم يجد
جدادها للتيبس أن كانت مما ييبس أو للأكل
خضراء أن كانت مما لا ييبس وكذلك قال ابن
كنانة في المدنية أن الشفعة في الثمرة ما لم
تيبس ، وقوله الثاني أن الشفعة فيها وإن حان
جدادها ما لم تجد .
وقوله في الرواية أن الجائحة فيها صحيح على
المشهور في المذهب من أن الأخذ بالشفعة ينزل
منزلة البيع فيما يختص به من الأحكام ويأتي
على مذهب من ينزله في ذلك منزلة الإستحقاق .
أن جائحة فيها .
وأما قوله إنه يرجع بالجائحة في الثمرة على
المشتري الذي أخذها من يديه فهو صحيح على
المنصوص في أن عهدته عليه ، وقد وقع في كتاب
الشفعة من المدونة ما يدل على أنه مخير في
كتاب عهدته على من يشاء منهما ، وهو بعيد في
النظر لا يحمله القياس ، لأن الشفعة لا تخلو
من أن يحكم لها بحكم البيع أو بحكم الاستحقاق
، فإن حكم لها بحكم البيع وهو الأظهر كانت
العهدة على المشتري ، والرجوع بالجائحة عليه ،
وهو مذهب ابن أبي ليلي ، وقال أبو حنيفة أن
أخذ الشفيع الشفص من يد البائع فالعهدة عليه
وإن أخذه من يد المبتاع فالعهدة عليه ، وقول
مالك أظهر الأقوال ، لأن البيع لمي ينفسخ فيما
بين البائع والمشتري فالحق إنما هو واجب
للشفيع على المشتري بإيجاب النبي عليه السلام
ذلك له عليه ووجه قول ابن أبي ليلى أن الأخذ
بالشفعة استحقاق فينتقض البيع ويأخذ الشقص من
(12/70)
البائع بما باع
به ، فيدفع إليه أن كان لم يقبضه من المشتري ،
وإن كان قد قبضه منه دفعه إلى المشتري ، لأن
الواجب أن يرد إليه إذا انتقص البيع ، ووجه ما
وقع في كتاب الشفعة من الدليل على أن الشفيع
مخير في كتاب عهدته على ما شاء منهما أنه
بالخيار بين أن يجيز البيع فتكون عهدته على
المشتري على حكم البيع وبين أن ينقض البيع
فتكون عهدته على البائع على حكم الاستحقاق ،
وقول عيسى ابن دينار إن المشتري يرجع على
البائع بما يرجع به الشفيع عليه من الجائحة
صحيح مفسر لقول ابن القاسم ، لأنه حق لكل واحد
منهما على صاحبه ولو وجد الشفيع المشتري
عديماً لكان من حقه أن يرجع على البائع لأنه
غريمه وبالله التوفيق .
ومن كتاب أسلم وله بنون صغار
وسئل عن الرجل يكون له شريك في أرض مبهمة
فيغيب عنه فيبيع شريكه سهمه ثم يبيع الشريك
الغائب وهو لا يعلم ببيع صاحبه هل يكون له أن
يأخذ بالشفعة؟ قال : ذلك له ويكتب عهدته على
الذي يعطيه الدنانير ويأخذها من يديه .
قال محمد بن رشد : قوله في أرض مبهمة يريد غير
معينة ولا محوزة إلا أنها معروفة بالتسمية قد
رآها المشتري أو وصفت له إذ لو كانت غير معينة
ولا محوزة ولا معروفة بالتسمية لما جاز بيعها
ولا بيع جزء منها وفي قوله وهو لا يعلم ببيع
صاحبه دليل على أنه لو علم ببيع صاحبه لم تكن
له شفعة وإن كان دليل فيه ضعف إذ لم يقع ذلك
الجواب وإنما وقع في السؤال فالمعنى يؤيده
لأنه إذا باع حقه بعد أن علمي ببيع شريكه حظه
فقد رغب عن المبيع ، وأما إذا باع حظه قبل أن
يعلم ببيع شريكه حظه فمن حجته أن يقول إنما
بعت حظي لزهادتي فيه لقلته ، ولو علمت أن
شريكي باع لما بعت حظي ولأخذت
(12/71)
بالشفعة ، وهذا
بين ، ففي المسألة ثلاثة أقوال أحدها هذا
والثاني أن له الشفعة وإن باع حظه بعد أن علم
ببيع شريكه حظه وهو قول ابن القاسم في رواية
يحي عنه بعد هذا في رسم الصبرة واحد قولي مالك
والثالث أنه لا شفعة له إذا باع حظه وإن يعلم
ببيع شريكه وهو أحد قولي مالك وظاهر ما في
كتاب الشفعة من المدونة لابن القاسم لأنه قال
فيه فيمن باع شقصاً بخيار ثم باع صاحبه بيعه
بت أن الشفعة للمشتري بالخيار على مشتري البت
أن اختار إمضاء الشراء ، ووجه قوله أن بيع
الخيار إذا أمضى فكأنه فلم يزل ماضياً فلم يبع
بائع البتل سهمه على هذا التعليل إلا بعد وجوب
الشفعة له فيما بيع بالخيار ، فلو كان من
مذهبه أن يبيع الشفيع سهمه بعد وجوب الشفعة لا
تسقط شفعته لأوجب لبائع البتل الشفعة على
مشتري الخيار ولما كان لمشتري الخيار شفعة على
مشتري البت حتى يعرض الشفعة على بائع البت
فيتركها على ما روي يحيي عن ابن القاسم في رسم
الصبرة بعد هذا أن الشفعة للبائع الثاني فيما
باع الأول حتى يترك البائع الثاني فيجب
للمشتري من البائع الأول على المشتري من
البائع الثاني ، فقد باع بعض حظه على قياس هذا
القول كان له من الشفعة بقدر ما بقى من حظه
وقع اختلاف قول مالك في هذا في كتاب ابن عبدوس
حكي عن
أشهب أنه قال اختلف قول مالك فيه ، فمرة قال
أن الشفعة لا تسقط عنه ببيع نصيبه ، ومرة قال
إنما تجب له الشفعة ما كان الشقص الذي به
يستشفع في يديه ، فإذا زال من يديه قبل الآخر
، لأنه إنما باع راغباً في البيع وإنما الشفعة
للضرر ، فلم ير له شفعة في ظاهر قوله أصلاً
إذا باع إلا أن تبقى له بقية أخرى وقوله إلا
أن تبقى له بقية أخرى فيكون له من الشفعة بقدر
ما بقى ، فيكون قوله مثل أحد قولي مالك وظاهر
ما في المدونة ويحتمل أن يريد إلا أن تبقى له
بقية أخرى فيأخذ شفعته بقدر حظه كله ما باع
منه وما بقى فيكون ذلك قولاً
(12/72)
خامساً في
المسألة ، وأظهر هذه الأقوال كلها الفرق بين
أن يبيع وهو عالم بيع شريكه حظه أو غير علم
وبالله التوفيق .
ومن كتاب شهد على شهادة ميت
وسئل عن رجل تصدق بحظه في قرية مبهمة على أخت
له وقال إني قد كنت أصبت من مورثها مالاً
فسهمي عليها صدقة لما أصبت ما ماله ولا يعلم
ما أصاب من مالها فأراد الشركاء الأخذ بالشفعة
ألهم ذلك؟ أم هل يجوز قوله إني أخذت من مالها
أو تجوز لها الصدقة بما أخذ من مالها فيما
يزعم على غير حوز حتى هلك؟ قال ابن القاسم :
ذلك لها ولا أرى لأحد فيها شفعة لأن أصل الثمن
لا يعرف ، لأن مالكاً قال لنا ما طال من
الشفعة حتى نسي ثمنه ولم ير أن صاحبه أخفي ذلك
لقطع الشفعة فلا شفعة له فيه إذا أتي من يطلبه
ولا حوز عليها في ذلك الحظ لأن ذلك الحظ إنما
صار لها على وجه اشتراه ، فلا حوز فيه ، وسئل
سحنون عن رجل تصدق بحظ في قرية مبهمة على أخت
له وقال إني قد كنت أصبت من مورثها مالاً
فسهمي عليها صدقة لما أصبت من مالها ولا يعلم
ما أصاب من مالها فأراد الشفعاء الأخذ بالشفعة
الهم ذلك ؟ فقال : الصدقة لها ولا أرى لأحد
فيها شفعة لأنه ليس بيعاً ولا مطالبة إنما هو
تمنح من شئ لا يطلبه المقر له ولا يعرفه فلو
كان عن طلب من المقر له أو تدع فصالح عنه أنزل
منزلة البائع وأخذ الشفعة بالقيمة إذا لم يسم
الذي أصابه من مورثها .
قال محمد بن رشد : اتفق ابن القاسم وسحنون على
الجواب في هذه المسألة بإسقاط الشفعة واختلفا
في التعليل أما ابن القاسم فرآه بيعاً
(12/73)
جهل فيه الثمن
فأسقط الشفعة من اجل الجهل بالثمن لأنه أشبه
عند
(12/74)
ه بأهل من أمر
الشفعة حتى نسي الثمن ولم ير على الأخت في
الحظ حيازة ، لأنه إنما صار لها على وجه البيع
عنده لا على وجه الصدقة ، وأما سحنون فرآها
صدقة لا تصح لها أن مات إلا بالحيازة لأنه
إنما أعطاها الحظ على وجه المتمنح من شيء لا
يعرفه ولا يطلبه ، فأبطل الشفعة فيه من أجل أن
الصدقة لا شفعة فيها عنده على مذهب ابن القاسم
وروايته عن مالك ، فعلي تعليله بأنها صدقة يجب
فيها الشفعة بالقيمة على مذهب من يرى في الهبة
والصدقة الشفعة بالقيمة ، والقولان في مختصر
ابن عبد الحكم ، وقول سحنون أن ذلك هبة أظنه
والله أعلم .
ومن كتاب الجواب
وسألته عن الرجل يهب الشقص في شئ مشاع على
الثواب ثم يطلب الثواب فيقول الموهوب له مالي
غائب أو غلامي بمالي أو شيء مما يتعذر به ولكن
هذه عشرة دنانير فخذها ما دام مالي غائباً ،
فإذا قدم مالي أتيتك بثواب ترضاه أن شاء الله
، فيأخذه فيقيم الشفيع عند ذلك فيريد أن يأخذ
بالشفعة كيف الأمر في ذلك ؟قال : ابن القاسم
أنا أخذ الشفعة وادفع العشرة فإذا أتابه
التمام دفعته إليه لم يكن ذلك له ولم يكن له
شفعة لأن هذا لو كان بيعاً يبتدأ على هذا
الوجه والفعل والصفة ما حل ، والأخذ بالشفعة
بيع من البيوع ، فليس ذلك له ولا يجوز هذا ،
ولأنه أيضاً إن لم يشبه رضاه ، رد الهبة ورجع
في عشرته ولم يلزمه تمام المثوبة به ولا قيمة
الهبة بمنزلة الذي يفوض إليه في النكاح فيقدم
شيئاً لا يكون صداق مثلها أو يبعث بها فيطلبون
بعد ذلك تمام ذلك ولم يكونوا رضوا بما بعث به
، فالزوج بالخيار في أن يتم له صداق مثلها أن
يرد النكاح ويرجع بما كان بعث ولا يلزمه أن
يتم لها الصداق لما قدم قبل ذلك .
قال محمد بن الرشد : هذه مسألة صحيحة بينة على
معنى ما المدونة وغيرها من أن من وهب شقصاً
بما فيه الشفعة على ثواب يرجوه ولم يسمه فليس
للشفيع إلا بعد العوض ، فإن أثابه أقل من
القيمة فرضي بذلك أخذ الشفيع به ، وان إثابه
أكثر من القيمة قبل تغير السلعة لم يكن للشفيع
أن يأخذ إلا بجميع العوض واختلف أن أثابه أكثر
من القيمة بعد تغير السلعة فقال ابن القاسم في
المدونة ليس للشفيع أن يأخذ إلا بجميع العوض
وهو قول ابن الماجشون وقال أشهب في كتاب ابن
المواز يأخذ الشفيع بالأقل من قيمة الشقص أو
مما أثابه ، وفي قوله ولأنه أيضاً إن لم يثبه
رضاه رد الهبة ورجع في عشرته دليل على أنه لا
يلزمه الرضى بالقيمة إلا بعد فواتها وهو قول
مطرف وروايته عن مالك وظاهر قول عمر بن الخطاب
خلاف مذهب ابن القاسم في المدونة أنه يلزمه
الرضي بالقيمة وإن لم تفت ، والذي في المدونة
أصح ، لأن الهبة والثواب مقيسة على نكاح
التفويض فكما يلزم الزوجة صداق المثل إذا فرضه
لها الزوج وإن لم يدخل بها فكذلك يلزم الواهب
القيمة إذا أتابه لها وإن لم تفت السلعة ، ولم
أعلمهم اختلفوا في أن الموهوب له لا يلزمه
قيمة السلعة ما كانت قائمة ولا أقل منها إن
رضي بذلك الواهب كما لا يلزم الزوج في نكاح
التفويض صداق المثل قبل الدخول ولا أقل منه
وإن رضيت بذلك المرأة ، وإنما اختلفوا في نكاح
التحكيم إذا كانت الزوجة هي المحكمة فقيل أن
الصداق لا يلزم قبل الدخول بقليل ولا كثير إلا
مع اتفاقهما جميعاً ، وقيل إنه يلزم الزوجة
صداق المثل فأكثر إذا رضى به الزوج ولا يلزم
الزوج صداق المثل فأقل إن رضيت به المرأة ولا
يلزم المرأة صداق مثلها فأكثر أن رضي به الزوج
فقوله أن الموهوب له إذا قدم بعض الثواب لا
يلزمه تمامه وله أن يسترد ما قدم
(12/75)
يريد أن لم ترض
به وطلبت منه زيادة عليه كالمفروض إليه في
النكاح إذا قدم شيئاً من صداق مثلها فطلبوه
ببقيته كان بالخيار بين أن يسترد ما قدم
منه أو يتم بقيته وما وقع في رسم القطعان من
سماع عيسى من كتاب النكاح ليس بخلاف لما ها
هنا لأنه إنما وجب عليه هناك نصف صداق مثلها
إذا طلقها لقوله ، فإن لها صداق مثلها ولو قدم
في نكاح التفويض شيئاً من صداقها ولم يقل فإن
لها صداق مثلها فطلقها قبل الدخول لكان لها
نصف ما قدم إليها وبالله التوفيق .
ومن كتاب أن أمكنتني من حلق رأسك
وقال : إذا باع الرجل شقصاً له في دار بدين
إلى أجل ثم أتي الشفيع فإنه يأخذه إلى ذلك
الأجل إذا أتي بحميل ثقة ، وإن كان مليا أخذه
بغير حميل .
قال محمد بن رشد : هذا مثل ما في المدونة وفي
الواضحة عن مالك من رواية مطرف عنه ، وعن ابن
الماجشون ، وأصبغ ، وظاهره أنه لا يلزمه
الحميل إلا إذا كان معدماً ، وأما عن كان
ملياً فلا يلزمه حميل وإن كان المشتري أملا
منه وهو نص قول محمد بن المواز من رأيه خلاف
قول أشهب إنه يلزمه وإن كان ملياً أن يأتي
بحميل مثل المشتري في الملا ، وكذلك اختلف إذا
اشترى برهن وحميل فقيل لا شفعة للشفيع إلا أن
يأتي برهن وحميل وقيل لا يلزمه ذلك إلا أن
يكون أعسر منه فيفترق استواؤهما في العدم من
استوائهما في الملا ويكون الشفيع أقل ملا من
كونه أشد عدماً لأنهما إذا استويا في العدم
لزمه حميل على اختلاف ، وإذا استويا في الملا
لم يلزمه حميل باتفاق ، وإن كان الشفيع أقل
ملاً لزمه حميل على اختلاف ، وإن كان أشد
عدماً لزمه حميل باتفاق ، وإذا عجز الشفيع عن
الحميل في الموضع الذي يلزمه فيه الحميل
(12/76)
فعجزه السلطان
ثم قدر على حميل قبل محل الأجل لم تكن له شفعة
، واختلف إذا لم يقم الشفيع بشفعته حتى حل
الأجل فقيل أنه يكون له من الأجل مستأنفاً مثل
الذي عقد عليه البيع ، وقيل لا يأخذه إلا
بالثمن نقداً وهو قول أصبغ ، والأول قول مالك
في رواية مطرف عنه ، وقول ابن الماجشون وهو
أظهر والله أعلم .
ومن كتاب العتق
وقال في الرجل يشتري الشقص من الحائط وفيه
رقيق يعملون فيه فاشتراه برقيقه ثم أتي الشفيع
، فقال : أن أراد الأخذ بالشفعة والرقيق لم
يفوتوا لم يكن له أن يأخذ إلا بجميع الشقص
والرقيق إذا كانوا رقيق الحائط وعماله ولم يكن
للحائط منهم بد أو يدع فإن كانوا قد فأتوا
ببيع قسم الثمن الذي ابتاعوا به على قيمة
الرقيق وقيمة الشقص فيأخذ الشقص بما يصيبه من
ذلك بالشفعة وكذلك لو تصدق بالرقيق أو وقفهم
مثل البيع سواء ، فأما الموت فإن شاء أخذ
الشقص بجميع الثمن كله أو يترك فذلك له .
قال محمد بن رشد : إيجابه الشفعة في رقيق
الحائط إذا بيعوا مع الحائط خلاف قوله في
الرحا إذا بيعت مع الأصل أنه لا شفعة في الرحا
ويفض الثمن على قيمة الرحا وقيمة الأصل فيأخذ
الأصل بالشفعة مما ينويه من الثمن لأن الرحا
أكثر تشبثاً بالأرض من الرقيق بالحائط ، فإذا
أوجب في رقيق الحائط الشفعة فأحرى أن يوجبها
في الرحا وإن لم يوجبها في الرحا فأحرى إلا
يوجبها في رقيق الحائط ويحتمل أن يفرق بين
المسألتين فيكون في المسألة ثلاثة أقوال إيجاب
فيها ، وإسقاطها ، وإيجابها في الرحى دون رقيق
الحائط والاختلاف فيها جميعاً جار على أصل قد
اختلف فيه قول مالك
(12/77)
وهو ما كان من
العروض التي لا شفعة فيها متشبثاً بالأصول
التي فيها الشفعة أو متصلاً بها كالثمرة
والزرع إذا بيعا مع الأصل أو دنه ، وكالماء
والنقض إذا بيعا دون الأصل إذ لا اختلاف فيهما
إذا بيعا مع الأصل أن الشفعة تكون في الجميع
وكالكراء إذا انفرد عن بيع الأصل ولا يتصور
فيه غير ذلك ، فمن هذه الأشياء التي ذكرناها
يختلف في إيجاب الشفعة فيما بيع ما الأصل أو
دونه وهو الثمرة والزرع ومنها ما يختلف في
إيجاب الشفعة فيها إذا بيعت منفردة عن الأصل
ويتفق على إيجاب الشفعة فيها إذا بيعت مع
الأصل وهو الماء والنقض ، ومنها ما يختلف في
إيجاب الشفعة فيها إذا بيعت مع الأصل ويتفق
على إلا شفعة فيها إذا بيعت منفردة عن الأصل
وهو الرحا والرقيق والحائط ، وأما الكراء فلا
يتصور فيه الانفراد ، وفي الشفعة في الثمرة
والنقض مسائل كثيرة تفترق أحكامها لافتراق
معانيها تركت ذكرها ها هنا اختصاراً مخافة
التطويل ، إذ قد حصلناها وحكمنا القول فيها في
كتاب المقدمات ، وتفرقته في رقيق الحائط بين
أن يفوتوا بموت صحيح على قوله في إيجاب الشفعة
فيهم ، لأن موتهم كانهدام الدار التي فيها
الشفعة وأما على القول بأنه لا شفعة فيهم
فسواء فأتوا بموت أو بيع أو هبة أو صدقة أن
كانوا قياما يفض الثمن عليهم وعلى
الحائط فيأخذ الحائط الشفيع بما ينوبه من
الثمن .
مسألة
وسئل عن رجل اشترى أرضاً وقبضها ثم أن رجلاً
أتي يطلب فيها الشفعة فزعم المشترى أنه اشترى
شيئاً مقسوماً وأدعى الشفيع أنها لم تقتسم على
من ترى البينة؟ قال : بلغني عن سعيد بن المسيب
أنه قال : أيما رجل عرف المدعي من المدعى عليه
لم يلتبس عليه ما يحكم به بينهما ، فالمدعي أن
يقول الرجل قد كان والمدعي عليه أن يقول لم
يكن ، فالذي قال هو مقسوم وقد اشتريت مقسوماً
مدع لأنه لا يشك أن الأرض أصل ما كانت عليه
أنها لم
(12/78)
تقسم ، فهو مدع
حين يقول اشتريت شيئاً قد قسم ، فعليه أن يثبت
ذلك ، والذي يقول لم يقسم مدعى عليه فالقول
قوله حتى تبطل قوله البينة .
قال محمد بن رشد : إنما هو إذا علم أن الأرض
كانت مشتركة بين البائع والشفيع ببينة قامت
على ذلك أو بإقرار البائع بذلك قبل البيع ،
وأما إن لم يقر بذلك إلا بعد البيع فلا يجوز
قوله على المشتري لأنه إنما هو شاهد للشفيع
فيحلف معه أن كان عدلاً ويأخذ بالشفعة إلا أن
يأتي المشتري بالبينة على أن البائع قد قاسم
الشفيع قبل البيع ، ولو قاسم المشتري للبائع
بعد الشراء والشفيع غائب دون أن يوكل أو يقسم
عليه القاضي لم ينفذ القسم عليه وكانت له
الشفعة ، واختلف أن قسم عليه القاضي وهو غائب
ثم أتي ، فقيل أن له أن يرد القسمة ويأخذ
بالشفعة ، وهو قول ابن القاسم في المدونة ،
وقيل ليسل له أن يرد القسمة ويأخذ الشفيع الحظ
الذي صار للمشتري بالشفعة وهو أحد قولي أشهب
واختيار سحنون وابن عبدوس ، وهذا الاختلاف على
اختلافهم في القسمة هل هي بيع من البيوع أو
تمييز حق فيكون له أن يرد القسمة كما يرد
البيع على القول بأن القسمة بيع من البيوع ولا
يكون له أن يرد القسمة على القول بأنها بيع من
البيوع أو تمييز حق ويأخذ الحظ الذي كان
للمشتري بالقسمة .
وقول سعيد بن المسيب أيما رجل عرف المدعي من
المدعى عليه لم يلتبس عليه ما يحكم به بينهما
فالمدعي أن يقول الرجل قد كان ليس على عمومه
في كل موضع وإنما يصح إذا تجردت دعوى المدعي
في قوله قد كان من سبب يدل على تصديق دعواه ،
فإن كان له سبب يدل على صدق دعواه أقوى من سبب
المدعى عليه القائل لم يكن يدلي عليه باليمين
، مثال ذلك من حاز شيئاً مدة تكون فيه الحيازة
عاملة في وجه المدعي فادعى الشراء كان القول
قوله مع يمينه في ذلك وهو مدعي يقول قد كان
والمدعي عليه يقول لم يكن
(12/79)
ذلك وكذلك
المودع يدعي رد الوديعة القول قوله وهو مدع
يقول قد كان والمودع يقول لم يكن ، وإنما كان
القول قوله في رد الوديعة وإن كان مدعياً في
ذلك لأنه في معنى المدعي عليه لأن ذمته برية
والمودع يريد تعميرها فهو في ذلك مدع ، فوجب
أن يكون القول قول المدعي عليه وهو المودع في
صرف الوديعة وبالله التوفيق .
من سماع يحيي بن يحيي من ابن القاسم من كتاب
الكبش
قال يحيي وسألت ابن القاسم عن النصرانيين
الشريكين في الأرض يبيع أحدهما حظه من مسلم أو
نصراني فتجب الشفعة لشريكه أيقضي له بها على
المشتري مسلماً كان أو نصرانياً ؟ قال أما على
المسلم فيقضي بها للنصراني لأني كنت أقضي بها
أيضاً للمسلم على النصراني وأما إذا كان
الشفيع نصرانياً وكان شريكه مسلماً أو نصرانيا
فاشتري نصراني نصيب شريك النصراني فلا أرى أن
يقضي بينهما بشيء لأن الطالب والمطلوب
نصرانيان ، فهما يردان إلى أهل دينهما ل ،
المطلوب يقول ليس في ديننا الحكم بالشفعة ،
فلا أرى للمسلم أن يحكم بينهما إلا أن يتراضيا
على ذلك .
قال محمد بن رشد : تحصيل القول في هذه المسألة
أنه إذا كان الشفيع الذي لم يبع أو المشتري
المشفوع عليه مسلماً قضي بالشفعة لكل واحد
منهما على صاحبه باتفاق في المذهب لأنه حكم
بين نصراني ومسلم ، واختلف عن كان الشفيع
والمشتري المشفوع عليه نصرانيين والشريك
للبائع مسلماً فقال في هذه الرواية إنه لا
يقضي في ذلك بالشفعة ويردان إلى أهل دينهما
لأن الشفيع والمشفوع عليه نصرانيان وهو مثل ما
في كتاب العتق الثاني من المدونة
(12/80)
لأشهب ولغير
ابن القاسم وهو ابن نافع فراعياً كون أحد
الشريكين مسلماً وهو قول أشهب في المجموعة أنه
إذا كان أحد الثلاثة مسلماً بائعاً مبتاعاً أو
شفيعاً قضى في ذلك بالشفعة .
اختلف إذا باع نصراني من نصراني شقصاً بخمر أو
يخنزير والشفيع مسلم فقيل إنه يأخذ للشفعة
بقيمة الشقص ، وهو قول أشهب ، فكأنه لم ير
للخمر قيمة ، وقد قال ابن الماجشون في المسلم
يستهلك الخمر للنصراني أنه لا قيمة عليه ،
فإذا دفعها بطوعه فأحرى إلا تكون لها قيمة
وقيل يأخذ بقيمة الخمر والخنازير وهو قول أبن
عبد الحكم وأشهب على مذهب ابن القاسم لأن ذلك
مما يضمن للنصراني فأشبه شراء الشقص بعرض ،
ومن أهل العلم من لا يري للنصراني على المسلم
شفعة فيحكم بها للمسلم على النصراني والمسلم
ولا يحكم بها للنصراني على المسلم ولا على
النصراني ويردهما إلى دينهما أن كانا نصرانيين
وهو قول أحمد بن حنبل والحسن البصري والشعبي
والله تعالى الموفق .
ومن كتاب الصبرة
وسألته عن ثلاثة نفر بنيهم أرض مشتركة فباع
أحدهم ولا علم لشريكيه ببيعه أو علما ولم يفت
وقت طلب الشفعة حتى باع أحد الباقين أترى
للمشتري الأول شفعة فيما باع الشريك الثاني ؟
فقال الشفعة فيما باع الأول للبائع الثاني
وللشريك الثالث المتمسك بحظه ، وذلك أن البائع
الثاني باع حظه وقد كانت وجبت له الشفعة فيما
باع الأول فليس بيعه حظه بالذي يقطع عنه شفعة
قد كانت له واجبه قبل أن يبيع هو حظه قال :
فإن ترك البائع الثاني الأخذ بالشفعة مع
الشريك الذي لم يبع كانت الشفعة كلها واجبة
للشريك الثالث الذي تمسك بحظه ، فإن تركها هو
أيضاً صار المشتري من البائع
(12/81)
الأول شفيعاً ،
والثالث الذي لم يبع فيما باع الثاني ، وان
ترك الأخذ بالشفعة فيما باع الأول وأراد أن
يستشفع ما باع الثاني صار المشتري من البائع
الأول شفيعاً مع الثالث الذي لم يبع حظه فيما
باع البائع الثاني لأنه قد نزل منزلة بائعه إذ
لم يؤخذ منه بالشفعة ، فقد صار شريكاً للبائع
الثاني ولصاحبه الذي لم يبع فباع الثاني حين
باع والمشتري من البائع الأول شريك تجب له
الشفعة ، إذ قد أقر على ما اشترى ولم يؤخذ ذلك
منه ، وأيما شريكين ترك أحدهما الأخذ بالشفعة
مع شريكه فليس للشريك أن يأخذ بقدر حصته ولكن
يأخذ الجميع أو يدع .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة قد مضى الكلام
عليها مستوفي في رسم أسلم من سماع عيسى فلا
معنى لإعادته وبالله التوفيق .
ومن كتاب الصلاة
قال يحيي وسئل ابن القاسم عن الدار تشتري
بالعبد أو بما أشبه ذلك من العروض فيستحق نصف
الدار ، فيقول المشتري للبائع أما إذا لم تتم
لي كلها فلا حاجة لي بها فيردها على البائع
فيريد الذي استحق نصف الدار أن يأخذ بالشفعة
النصف الباقي وقد ردها المشتري على البائع ،
فقال : الشفعة له واجبة ولا يقطعها عنه ما فسخ
البائع عن نفسه من الاشتراء الذي لو شاء أن
يأخذ أخذ به .
قال محمد بن رشد : قال ابن القاسم في هذه
الرواية أن الشفعة للمستحق واجبة على المشتري
في نصف الدار الذي بقي بيده وإن كان لم يقم
عليه فيه بالشفعة إلا بعد أن رده على البائع
وأخذ عبده ، وهذا على القول بأن الرد بالعيب
ابتداء بيع ، وأما على القول بأنه نقض بيع فلا
شفعة فيه ، لأنه قد
(12/82)
رجع إلى يد
بائعه على الملك الأول ، فإذا قلنا أن له
الشفعة على قياس القول بأن الرد بالعيب ابتداء
بيع يجب أن يكون مخيراً في عهدته بجعلها على
من شاء منها كما اشترى شقصاً ثم باعه من بائعه
فالشفيع مخير أن شاء أجاز البيع وأخذ بالشفعة
من المبتاع الثاني وهو البائع الأول وإن شاء
نقضه وأخذ بالشفعة من المبتاع الأول وهذا بين
، ولو قال المشتري أنا أراد النصف وأخذ عبدي
وقال المستحق أنا أخذ بالشفعة لوجب أن يبدأ
الشفيع على قياس هذا القول أن له أن يقض رده
ويأخذ بالشفعة فأحرى أن يكون له أن يمنعه من
الرد ، وقد اعترض سحنون قوله في المدونة وقال
لا يقول به لانا نعرف من قوله خلافه ، وقوله
على قياس القول أن الرد بالعيب نقض بيع لأنه
إذا كان من حقه أن ينقض البيع وجب أن يبدأ على
الشفيع إذا أراد أن يرد وأراد الشفيع أن يشفع
، وقد رأيت في حواشي بعض الكتب على مسألة
المدونة قال سحنون ليس للشفيع شفعة ، وكيف
يأخذ بالشفعة والبيع لم يتم ؟ ولا يستقيم كتاب
قوله سحنون هذا على مسألة المدونة ، لأنه لم
يتكلم فيها إلا على أن الشفيع قام يطلب الشفعة
قبل الرد وأراد أن يمنعه من الرد ، وإنما يحسن
أن يكتب قول سحنون على مسألتنا هذه في رواية
يحيي ، لأنه رأى الرد بالعيب فيها نقضاً للبيع
فأبطل الشفعة ، وهو القياس أن يبطل على القول
بأن الرد بالعيب نقض بيع حسبما ذكرناه وبالله
التوفيق .
مسألة
قال يحيي وسألت ابن القاسم عن رجل اشترى من
رجل داراً معينة بعينها فردها حين علم ثم جاء
فاستحق بعض الدار أتكون له الشفعة فيما بقى من
حساب ما كان اشتراها به الذي ردها بالعيب؟
فقال : نعم ، الشفعة له واجبة إن أراد الأخذ
من حساب جميع الثمن لا يوضع عنه للعيب شيء
قال محمد بن رشد : قوله في هذه المسِألة على
أصله في المسألة
(12/83)
التي قبلها من
أن الرد بالعيب ابتداء بيع ، فتكون عهدته إذا
اخذ بالشفعة على من شاء منهما حسبما ذكرناه
قبل هذا وبينا وجهه ، وعلى القول بِأن الرد
بالعيب نقض لا شفعة في ذلك وبالله التوفيق .
مسألة
قلت أرأيت إن اشتراها بالعبد واستحق نصفها رجل
أو ترك المستحق الأخذ بالشفعة ورضي المشتري أن
يحبس النص ويرد إليه نصف العبد ويكون بذلك في
العبد شريكاً لبائع الدار منه أيكون ذلك؟ قال
: نعم ، إلا أن يفوت العبد فيكون له على
البائع نصف قيمة العبد الفائت .
قيل له : فإن قال البائع إنما بعتك داري ليكون
لي العبد خالصاً ، فأما إذا أردت أن تشركني
فيه فلا حاجة لي فيه ينتقض البيع بينهما ؟ قال
: نعم أرى البيع مفسوخاً عنهما إلا أن يفوت
العبد فلا يكون للبائع حجة في إمضاء البيع
ويرد نصف قيمة العبد .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة قد مضى القول
عليها مستوفي غاية الاستيفاء في رسم الثمرة من
سماع عيسى من كتاب الاستحقاق فلا معنى لإعادة
شيء من ذلك وبالله التوفيق .
ومن كتاب المكاتب
قال : وسألته عن الشفيع يعرض عليه الإمام
الأخذ بالشفعة أو الترك فيقول أنا آخذ فيؤجله
في الثمن فيبدو له فيقول لا حاجة لي بالشفعة ،
ويقول المشتري لا أقليه ، قال الأخذ بالشفعة
يلزم
(12/84)
الشفيع ، فإن
لم يكن له مال بيع عليه حظه الذي كان به
شفيعاً والحظ الذي وجبت له الشفعة فيه حتى
يوفي المشتري جميع حقه ، ولا يقال فيما رضي
بأخذه إلا أن يرضى المشتري أن يقبله .
قال محمد بن رشد : هذه المسألة لا تخلو عندي
من ثلاثة أوجه أحدهما أن يوقفه الإمام على
الآخذ أو الترك فيقول قد أخذت ويقول المشتري
وأنا قد سلمت فادفع إلى مالي فيؤجله الإمام في
ذلك فلا يأتي بالمال إلى الأجل ، فهذا بيع تام
يباع فيه جميع ماله ، والحظ الذي إستشفعه
والذي استشفع به ، وليس للشفيع أن يقول
للمشتري : خذ حائطك لا أريده ولا للمشتري أن
يقول للشفيع رد إلى حائطي لا أسلمه لك إذا لم
تنقذ لي مال إلى الأجل الذي أجله لك السلطان
فلا ينحل البيع إلا برضاهما جميعاً والوجه
الثاني أن يوقفه الإمام على الأخذ أو الترك
فيقول قد أخذت فيسكت المشتري ولا يقول وأنا قد
سلمت ، فيؤجله الإمام في الثمن بطلب من أحدهما
لذلك فلا يأتي به إلى الآجل فهذا أن طلب
المشتري أن يباع له في الثمن ماله الشفيع كان
ذلك له ، وإن أراد الشفيع أن يرد الشقص على
المشتري أو يتمسك به حتى يباع ماله في ثمنه لم
يكن له في ذلك خيار ، وهذا الوجه في المدونة ،
والوجه الثالث أن يقول الشفيع أنا آخذ ولا
يقول قد أخذت فيؤجله الإمام في إحضار الثمن
فلا يأتي به إلى الأجل ، فهذه الوجه يختلف فيه
قيل يرجع الشقص إلى المشتري إلا أن يتفقا
جميعاً على إمضائه للشفيع واتباعها بالثمن ،
وقيل إنه أن أراد المشتري أن يلزم الشفيع
الأخذ كان ذلك له ، ويباع ما له في الثمن ،
وإن أراد الشفيع أن يرد الشقص لم يكن ذلك له ،
وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية وقول أشهب
، والقول الأول بين وبالله التوفيق .
ومن كتاب الأقضية
قال : وسألت ابن القاسم عن الشفعاء أهل
الميراث هل يكون
(12/85)
بعضهم أولى
بمشافعة بعض أم كيف الأمر فيهم ؟ قال : قال لي
مالك : كل أهل مورث أحق بشفعتهم يتشافعون
بينهم دون سائر الورثة ، مثل أن يهلك الرجل
ويرثه ابناه فيموت أحدهما فيبيع بعض ولده حقه
، فيكون إخوته بنو الابن أحق بالشفعة فيما باع
أخوهم ومن شركهم في الميراث ابن الابن من عمهم
أخي أبيهم ، فأهل كل سهم يتشافعون بينهم ، دون
أهل رأس الميراث ، وكذلك أهل كل سهم في كتاب
الله أو السنة يتشافعون فيما بينهم ، وهو
أجمعون على العصبة فيما باع بعض العصبة ، ولا
تدخل العصبة على أهل السهام ، قال : وقال لي
مالك غير مرة : من باع من أهل السهام المفروضة
ثم سلم ذلك للمشتري أهل شفعة البائع شركاؤه
دنيا في السهم الذي يجمعهم بفريضة مسماة فإن
الشفعة تجب لجميع أهل الميراث شركاء البائع
وأهل سهمه في رأس فريضة الميراث ، قال وإن
أسلموا أجمعون للمشتري أو كان المشترون جماعة
ثم باع أحد المشترين نصيبه مما اشترى فأراد
شركاؤه في الصفقة أن يأخذوا بالشفعة وأن
يتشافعوا فيما بينهم كما كان يتشافع أهل السهم
الذي اشتروا منهم دون جماعة الورثة مثل أن
يكونوا اشتروا ربع الزوجات أو سدس الجدتين أو
الثلث الإخوة للأم أو ما أشبه ذلك ، قال ابن
القاسم : فإن مالكاً لا يكون ذلك لهم لولا
يحملون محملهم بل يشافعهم جميع الورثة على قد
أنصبائهم في الميراث ، ويكون شركاء البائع
منهم في ذلك النصيب خاصة وبقية الورثة أجمعين
وبقية شركاء البائع المشتري في ذلك الحظ الذي
يؤخذ بالشفعة شفعاء أجمعين ، قال مالك : فإنما
يتشافع في كل سهم دون جماعة الورثة أهل السهم
بأعيانهم الذين ورثوه ، لا ينزل من اشتراه
منهم أو اشترى بعضه في ذلك منزلتهم ، قال :
وقال مالك ليس المشتري
(12/86)
كالورثة ولا
العصبة كأهل السهام المفروضة ، أهل السهام
المفروضة يتشافعون بينهم على ما فسرت لك ، ،
وهم أجمعون يدخلون على العصبة فيما أخذه
بعضهم فيما يبعه بعضهم فكذلك أيضاً يدخل أهل
السهام المفروضة على كل من أشتري من بعضهم بما
باع بعضهم من اشترى أنهم يدخلون أجمعون على
أشراك البائع الذي اشتروا معه وصاروا شفعاء
باشترائهم معه يوم اشترى ، قال : وإذا باع بعض
الورثة من أهل السهام المفروضة لم يدخل
المشتري ولا العصبة عليهم فيما يتشافعون به
فيما بينهم إذا كان في ذلك السهم للبائع شريك
فيه دنيا فإن أخذ جماعة الورثة بالشفعة دخل
معهم العصبة والمشتري .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة جيدة حسنة ، قوله
فيها أن أهل السهم الواحد مثل الزوجات والجدات
والإخوة للأم يتشافعون بينهم البين ولا يدخل
غيرهم من الورثة عليهم ويدخلون هم عليهم هو
مذهب مالك وجميع أصحابه حاشى ابن دينار ،
واختلف في العصبة والموصى لهم بجزء والمشترين
لسهم أهل السهم مثل أن يشتري جماعة ثمن
الزوجات أو سدس الجدات أو ثلث الأخوة للأم وما
أشبه ذلك والمشتري بحظ واحد من الورثة فقبل في
كل طائفة منهم إنهم أهل سهم واحد يتشافعون
فيما بينهم دون الورثة وهو قول أشهب واحد قولي
مالك في العصبة وقيل إنهم ليسوا كأهل سهم واحد
فيدخل الورثة كلهم عليهم كانوا أهل سهم أو لم
يكونوا أهل سهم ، ولا يدخلون هم على أهل
السهام إلا أن يبيع جميعهم أو يكونوا واحداً ،
وهو مذهب ابن القاسم واختلف في الأخوات للأب
مع الأخت الشقيقة ، فقال ابن القاسم إنهن كلهن
أهل سهم واحد لاشتراكهن في الثلثين أن فضلتهن
الأخت الشقيقة فإن باعت إحدى الأخوات للأب
حظها دخلت فيه الأخت الشقيقة ، وقال الأخوات
للأب مع الأخت الشقيقة أهل سهم واحد في
(12/87)
السدس فلا تدخل
عليهن فيه الأخت الشقيقة ، وقد مضى هذا المعنى
في رسم تأخير صلاة العشاء من سماع ابن القاسم
وفي رسم مسائل بيوع من سماع أشهب وبالله
التوفيق .
مسألة
يحيي حدثني ابن القاسم عن أبي الدراوري عن
سفيان الثوري أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه
قضي بالشفعة على قدر الأنصباء .
قال محمد بن رشد : هذا ما لا اختلاف فيه أعلمه
في المذهب أن الشفعة على قدر الأنصباء ،
والمخالف في ذلك أبو حنيفة يقول إنها على عدد
الرؤس ، والحجة لمالك ومن قال بقوله أن الشفعة
لما كانت تجب بالملك وجب أن تكون على قدر
الأملاك كالغلل ، ولما كانت لدفع المضرة عن
الاشراك وكانت المضرة عليهم على قدر حصصهم وجب
أن تكون الشفعة التي تدفع الضرر عنهم على قدر
حصصهم .
مسألة
قال ابن القاسم : قال مالك : الشفعة في الماء
الذي يقتسمه بينهم الأوراث بالأقلاد وإن لم
يكونوا شركاء في الأرضين التي تسقى بتلك
العيون أو الحوائط التي تسقي بتلك العيون ،
قال : وقال مالك وأهل كل ولد يتشافعون فيما
بينهم دون جماعة الورثة وشفعتهم في ذلك الماء
يجري مجرى شفعتهم في الدور والأرضين فيما
وصفنا من أمر العصبة والمشتري وأهل السهام
المفروضة وما يدخل به
(12/88)
بعضهم على بعض
فيما فسرت لك في صدر هذه المسألة وبالله
التوفيق . د
قال محمد بن رشد : لا اختلاف أعلمه في المذهب
في إيجاب الشفعة في الماء إذا بيع مع الأرض أو
دونها ولم يقسم الأرض ، واختلف في إيجاب
الشفعة فيه إذا قسمت الأرض فقال في المدونة
إنه لا شفعة فيه ، وقال في هذه الرواية إن فيه
الشفعة ، فذهب سحنون وابن لبابة إلى أن ذلك
ليس باختلاف من القول ، إلا أنهما اختلفا في
تأويل الجمع بينهما ، فقال سحنون معنى مسألة
المدونة أنها بئر واحد فلا شفعة فيها إذا لا
تنقسم لأن الشفعة تكون فيما ينقسم دون ما لا
ينقسم ، وقال ابن لبانة معنى مسألة المدونة
أنها بئر لا بناء لها ولا أرضِ ، ومعنى رواية
يحيي أن لها بناء وأرضاً مشتركة يكون فيها
القلد ، وذهب القاضي أبو الوليد الباجي إلى أن
ذلك اختلاف من القول ، وإن الاختلاف في ذلك
جار على الاختلاف في الشفعة فيما لا ينقسم
كالنخلة والشجرة بين النفر ، إذ لا تنقسم
العين والبير كما لا تنقسم النخلة والشجرة ،
وكان من أدركت من الشيوخ يقول أن ذلك اختلاف
من القول ، وإن الاختلاف من ذلك جار على
اختلاف قول مالك فيما هو متعلق بالأرض ومتشبث
بها كالنقض والنخل دون الأرض والكراء وما أشبه
ذلك ، وهو أبين وأولى وبالله التوفيق .
ومن كتاب أوله أول عبد ابتاعه فهو حره
قال : وسألته عن الرجل يشتري الأرض من الرجل
وهي فدان من أرض مشتركة أو بقعة لرجل فيها شرك
فيشتري المشتري ذلك الفدان أو تلك البقعة
بحضرة الشريك وعلمه فيبني فيها أو يغرس
(12/89)
فيريد الشريك
الذي لم يبع أن يأخذ حقه من تلك الأرض ويأخذ
بقيتها بالشفعة ، قال ابن القاسم ليس في مثل
هذا شفعة إنما الشفعة في أن يبيع الشريك جزءاً
من أجزاء الأرض المشترك أو الدار وبعض ما تكون
الشفعة فيه ، فيبيع نصف الدار أو ثلثها أو
ربعها أو جزءاً من أجزائها قل أو كثر ، فإن
الشريك حينئذ ، يأخذ نصف ما باع بحقه والنصف
بشفعته ، وأما إذا باع فداناً بعينه أو بيتاً
من الدار بعينه بحضرة الشريك فلم ينكر عليه
بيعه فسكوته عليه تحويز لبيعه والاشتراء
للمشتري ماض ولا شفعة فيه ، وإنما للشريك على
شريكه البائع حصته من الثمن فقط ، قال وإنما
مثل بيع الفدان من جملة الأرض أو البيت من
جملة الدار بمنزلة بيع الثوب الذي يكون بين
الشريكين بحضرة الشريك فإن سكت فذلك منه تجويز
وإن أنكر لم يمض البيع عليه ، قال سحنون : قال
لي ابن القاسم : في الأرض تكون بين الرجلين
مشاعة غير مقسومة فيبيع أحدهما فداناً بعينه
أو نصف فدان بعينه بحضرة صاحبه لا يغير ولا
ينكر ثم أنكر بعد قال البيع لازم ولا تكون له
الشفعة من قبل أنه قد بيع نصيبه وهو حاضر لا
يغير ولا ينكر ، وكذلك كل من يباع عليه شيء من
ماله وهو حاضر لا يغير ولا ينكر فالبيع له
لازم ، وكذلك لو كانت دار بين رجلين فباع
أحدهما شيئاً من الدار وصاحبه حاضر لا يغير
ولا ينكر لزمه البيع ولم يكن له أن يرد ، وإذا
باع ثلث الأرض أو ربع الأرض ولم يره أرضاً
بعينها لا ربعاً أو ثلثاً فالبيع جائز وللشريك
الشفعة .
قال محمد بن رشد : قوله في أول هذه المسألة في
الذي يشتري الفدان أو البقعة من الرجل من أرض
بينه وبين شريكه بحضرته فيبني فيها أو يغرس
فيريد الشريك الذي لم يبع أن يأخذ حظه من تلك
الأرض وبقيتها بالشفعة أنه ليس في مثل هذا
شفعة صحيح ، لأنه إذا حضر بيع شريكه فلم
(12/90)
ينكره وسكت حتى
بني المشتري أو غرس فقد لزمه ومضي عليه ، فصار
بمنزلة أن لو باعها جميعاً فلم يكن في ذلك وجه
للشفعة ولا إشكال في هذا ، ولو حضر البيع فسكت
ولم ينكره حتى انقضى أنكره في المجلس وقال
إنما صمت لأني علمت أن ذلك لا يلزمني لوجب أن
يحلف أنه ما رضي ببيع نصيبه وتتكون له الشفعة
، ولو أنكر ذلك قبل انقضاء البيع لكانت له
الشفعة دون يمين ، ولو أنكر ذلك بعد انقضاء
المجلس لسقطت الشفعة ولم يكن له إلا الثمن إلا
أن يدعي الشريك أن الأرض كلها صارت إليه منه
بابتياع أو هبة أو مقاسمة فيكون القول في ذلك
قوله مع يمينه ، لأن حضوره البيع مع سكوته هذه
المدة حيازة عليه ، فقف على افتراق الأحكام في
هذه الأربعة الأوجه ، وجه تكون له الشفعة فيه
دون يمين ، ووجه تكون له الشفعة فيه بعد يمينه
ووجه لا يكون له فيه إلا الثمن ، ووجه يكون
الثمن فيه للشريك البائع مع يمينه ولو لو يحضر
البيع ، وإنما علم به بعد وقوعه ، فإن أنكره
حين علم بقي على حقه في نصيبه من الأرض وكانت
له الشفعة في حظك شريكه ، وإن لن ينكره إلا
بعد العام أو العامين أو الثلاثة لم يكن له
إلا الثمن ، وإن لم ينكره ولا قام إلا بعد
العشرة الأعوام أو نحوها لم يكن له إلا الثمن
إن ادعى شريكه البائع لحيازته إياه عليه
بالبيع مع طول هذه المدة ، وقد مضى هذا المعنى
في غير ما موضع من هذا الديوان من ذلك في سماع
سحنون من جامع البيوع وفي رسم الكبش من سماع
يحيي من كتاب الأقضية وفي رسم يسلف في المتاع
والحيوان من سماع ابن القاسم من كتاب
الاستحقاق ، وفي سماع أشهب منه وفي رسم الكبش
من سماع يحيي منه أيضاً .
ووجه تفرقته بين أن يبيع أحد الشريكين طائفة
بعينها من الأرض أو الأرض المشتركة بينهما
بحضرة شريكه وهو ساكت لا يغير ولا ينكر وبين
أن يبيع جزءاً منها على الإشاعة وهو حاضر لا
يغير ولا ينكر في أنه لا شفعة في الطائفة
المعينة وله الشفعة في الجزء الشائع هو أن
البيع لأزم له في حظه من الطائفة المعينة
لحضوره وسكوته إذ لا عذر في ذلك ، وإذا لزمه
البيع بطلت الشفعة
(12/91)
ولا يلزمه
البيع في حظه من الجزء الذي باع على الإشاعة
بحضوره وسكوته لأن من حجته أن يقول ظننت أن
البيع يختص بحظه ولا يكون شائعاً في حظي وحظه
، فلا يلزمني منه شيء ، وهي حجة ظاهرة لها وجه
، إذ قد قيل ذلك وهو دليل قوله في كتاب العتق
من المدونة وفي العبد بين الشريكين يحلف
أحدهما بعتق نصيبه إلا يفعل شيئاً فيبيع نصيبه
ويشتري نصيب شريكه ثم يفعل ما حلف عليه أنه لا
يحث ، فإذا لم يلزمه البيع في نصيبه وعذر في
سكوته لهذه العلة وجبت له الشفعة ، لأن من حقه
أن يأخذ قدر حقه مما باع شريكه النصف إن كانت
شركتهما على النصف بالاستحقاق ، ويرجع المشتري
على البائع بنصف الثمن ويأخذ النصف الثاني
بالشفعة بنصف الثمن ، فهذا وجه الفرق بين
المسألتين ولو قال الشريك البائع أبيعك نصف
حظي من هذه الدار ونصف حظ شريكي وشريكه حاضر
ساكت لم تكن له شفعة ، واشتركت المسألتان
ويأتي على قول ابن القاسم في هذه المسألة وعلى
ما في كتاب المرابحة من المدونة في الرجل
يبتاع نصف السلعة ويرث نصفها أنه لا يجوز له
أن يبيع نصفها مرابحة حتى يبين أن الدار أو
العبد إذا كان بين الشريكين فباع أحدهما نصف
الدار ونصف العبد أن البيع يقع على نصفه ونصف
شريكه إلا أن يبين فيقول أبيعك نصفي من هذه
الدار أو من هذا العبد وعلى ما في كتاب العتق
الأول في المسألة التي ذكرناها أن البيع يقع
على حظه دون حظ شريكه إلا أن يبين فيقول أبيعك
نصف حظي ونصف حظ شريكي من هذا الدار أو من هذا
العبد وبالله التوفيق .
من سماع سحنون من ابن القاسم
قال سحنون سئل ابن القاسم عن الرجل يكون له
شقص في دار ليس له غيره قيمته ثلاثون ديناراً
فيبيعه من رجل بعشرة دنانير وهو مريض ، قال
ينظر في ذلك إذا مات البائع فيقال للمشتري إن
أحببت
(12/92)
أن لم تجز
الورثة هذه المحاباة برد عشرة أجزاء وخذ الدار
ولا قول للورثة ، فإن فعل فللشفيع إن كان له
شفيع أن يأخذ الدار بعشرين ديناراً فإن أبى
المشتري أن يزيد عشرة دنانير وقد أبت الورثة
أن يسلموا الدار إليه كما أوصي الميت قيل لهم
أعطوه ثلث الشقص بتلا بلا شيء يأخذونه منه ،
قلت لابن القاسم لم أعطيتها للشفيع بعشرين
ديناراً إذا رضي المشتري أن يزيد عشرة على
العشرة الأول التي أخذها الميت بعشرة ؟ فلم لا
تجعلها للمشتري وتقول للشفيع خذها بثلاثين
؟قال : لا ، لأن الشراء إنما وقع بعشرين ، إلا
ترى لو أن رجلاً باع شقصاً له في دار بعشرين
ديناراً قيمته أربعون ديناراً حاباه بعشرين
فللشفيع أن يأخذ ذلك بعشرين وهو خلاف أن يبيع
بأربعين ، ثم يضع عشرين لأنه إذا باع بأربعين
فقد وجب للشفيع بأربعين ، فإذا حط البائع عن
المشتري حطاً يعلم في مثله الهبة ، ليس مثل ما
يتغابن الناس في مثله لم يوضع ذلك عن الشفيع ،
وإن حط حطاً يعلم أن في مثله ما يتغابن الناس
في مثله حط ذلك عن الشفيع ، قلت لابن القاسم
أرأيت الموصي له بيع الدار أن رد الدار وأبى
أن يزيد العشرة فأراد الورثة أن يخلوا له من
ثلثها إذا أبوا أن يجيزوا الوصية أتكون فيه
شفعة ؟قال : لا .
قال محمد بن رشد : اختلف في المريض يبيع في
مرضه بمحاباة لا بحملها ثلثه على قولين ،
أحدهما أن الورثة أن لم يجيزوا البيع فطعوا له
بثلث الميت بتلا من غير ثمن ، وردوا إليه ما
دفع من الثمن إلا أن يشاء المشتري أن يزيد ما
حوبي به فينفذ البيع ، وهو قوله في هذه
الرواية ، فإن كان المبيع شقصاً مما فيه
الشفعة فرضي المشتري بزيادة المحاباة كان
للشفيع في ذلك الشفعة بالثمن الذي اشترى به مع
الزيادة ، هذا قوله في هذه الرواية أن الشفعة
(12/93)
له بعشرين ،
وإن كانت قيمة الشقص ثلاثين وكذلك على قياس
قوله لو أجاز الورثة البيع لكانت الشفعة له
بعشرة ، وأن كانت قيمته ثلاثين ، وهذا كما قال
، إذ لا أعرف نص خلاف في أن الثمن إذ عرف
فللشفيع أن يأخذ به كان أقل من القيمة أو أكثر
، وفي ذلك نظر إذا كانت القيمة أكثر من الثمن
وتبينت في ذلك المحاباة لأن القياس كان على
قول ابن القاسم الذي لا يرى في الهبة الشفعة ،
ولا يكون له شفعة إلا في قدر ما لا محاباة فيه
ويسقط في قدر ما وقعت فيه المحاباة ، وعلى قول
ابن عبد الحكم عن مالك الذي يرى في الهبة
الشفعة أن لا يكون له شفعة إلا في قدر ما لا
محاباة فيه ويسقط في قدر ما وقعت فيه المحاباة
بالقيمة .
فيتحصل على هذا فيمن باع شقصاً بعشرة دنانير
ثمنه ثلاثون أقوال ، أحدها أن للشفيع في جميع
الشقص بشعرة والثاني أن له الشفعة في ثلثيه
بالقيمة والقول الثاني أن الورثة أن لم يجيزوا
البيع قطعوا له بثلث الميت بتلا وكان له من
المبيع بقدر ما نقد ولم يرد ذلك إليه لأنه لا
يكون سلفاً جر منفعة إذا رد إليه رأس ماله
وقطع له بثلث الدار إلا أن يشاء المشتري أن
يزيد ما حوبي به فيفذ البيع ، وقد قيل أن ذلك
ليس باختلاف ، وإنما يرجع ذلك إلى المشتري
بالخيار أن لم يجز الورثة له البيع أن يأخذ من
المبيع بقدر ما نقد ، وبين أن يسترده ، وظاهر
ما في سماع أبي زيد من كتاب الوصايا أنه ليس
للمشتري أن يزيد ما حاباه به الميت زائداً
ويستخلص البيع وقد مضى القول على هذا المعنى
في سماع أبي زيد من كتاب المديان والتفليس .
وقوله إذا باع بأربعين ثم حط عشرين إنه لا
يوضع عن الشفيع معناه إذا كانت قيمة الشقص
أكثر من العشرين الباقية مثل أن تكون قيمته
ثلاثين لأنه إنما
(12/94)
يتبين أن
الحطيطة هبة بذلك وأما أن كانت قيمته عشرين أو
أقل فإنه يوضع عنه ، لأنه تبين بذلك حقيقة
الثمن عشرون وإن تسميتهم الأربعين لغو قصدا
بذكرها إلى إبطال الشفعة ، وهذا بين من
المدونة وبالله التوفيق
مسألة
وسئل سحنون عن الأناذر أفيها شفعة ؟ قال : لا
تكون فيها شفعة ، قال وكذلك الأفنية لا شفعة
فيها إذا بيعت والأناذر عندي مثل الأفنية .
قال محمد بن رشد : إنما لم يريد سحنون في
الأناذر شفعة لأن من مذهبه أن الشفعة لا تكون
إلا فيما بحكم بقسمته والأنذار عنده لا بحكم
بقسمته لأنه لا ينقسم إلا بضرر لأنه إذا قسم
بطل أن يكون أنذار فلم ينتفع به في ذلك ،
فالشفعة فيها واجبة على من يرى قسمتها ولا
يراعي الضرر على ذلك وهو مذهب مالك لقول الله
تعالى : ( مما قل منه أو كثر نصيباًُ مفروضاً
) وعلى مذهب من يرى الشفعة فيما لا يحكم
بقسمته من الأصول إذا كان لا ينقسم إلا بضرر ،
وهو قول ابن القاسم في المدونة خلاف قوله في
رسم المكاتب من سماع يحيي من كتاب السداد
والأنهار ، وقد قيل أن الشفعة واجبة فيما لا
ينقسم بحال كالنخلة والشجرة بين النفر لأنها
من جنس ما ينقسم .
فتحصل في ذلك في المدهب ثلاثة أقوال أحدها أن
الشفعة واجبة في
(12/95)
الأصول كلها
كانت مما ينقسم أو مما لا ينقسم ، وهو مذهب
مطرق والثاني أنها لا تجب إلا فيما ينقسم
ويحكم بقسمته ، وهو قول ابن القاسم في رسم
المكاتب من سماع يحيي من كتاب السداد والأنهار
، والثالث أنها تجب فيما ينقسم وإن كان لا
يحكم بقسمته للضرر الواقع في ذلك ، وقد مضى
ذكره والاختلاف فيه في رسم المكاتب من الكتاب
المذكور .
وأما قوله وكذلك الأفنية لا شفعة فيها إذا
بيعت فمعناه في الفناء المشترك بين القوم
كساحة الدار بين الشركاء إذا اقتسموا البيوت
لأن حكمها حكم الأناذر في القسمة لها وفي جواز
البيع فيها وفي جواب الانتفاع بجمعيها لمن
احتاج من الشركاء إليها دون من لم يحتج إليها
منهم ، وأما الأفنية المتصلة بطرق المسلمين
فلا يجوز بيعها ولا اقتطاعها وإنما يجوز
الانتفاع بها وكراؤها إذا لم يضر ذلك بالمارة
في الطريق المتصلة بها والله الموفق .
من سماع عبد الملك بن الحسن
قال عبد الملك : وسألت عبد الله بن وهب عن
الأنذر الذي يدرس فيه الزرع هل فيه شفعة ؟فإنه
قد اختلف عندنا فيه وهل يحوز الأب على ابنه
الصغير في حجره صدقة عليه بالأنذار أو لا يكون
الأنذار للصغير بالصدقة حتى يبرأ منه كحال
المسكن الذي يسكنه الأب يدرس فيه حتى يموت ،
فقال : أن كنت إنما تعني نفقة الأنذار من
الأرض فنعم فيه الشفعة لا شك فيه ، وهو بمنزلة
غيره من البقاع والأرضين بمنزلة عراص الدور
المهدومة وغير المبنية .
وحوز الأب لابنه الصغير حوز إذا تصدق عليه
وأعلن الصدقة بمنزلة غيرها من الأشياء
والأرضين والمساكن إلا أن يكون
(12/96)
الأب يعمل فيها
لنفسه وماله بحال ما كان من الصدقة فلا أرى
ذلك شيئاً إن كان كذلك ، وقال أشهب الشفعة فيه
كان أنذراً أو غير أنذر كان قليلاً أو كثيراً
إذ كان ملكاً لهم .
وأما ما ذكرت من حوز الأب على ابنه الأنذر فإن
ذلك ليس بحوز يبرأ منه كحال المسكن أن درس فيه
أو انتفع به الأب حتى مات فلا شيء للابن فيه .
قال محمد بن رشد : قول ابن وهب وأشهب في أن
الشفعة يجب في الأنذر الذي يدرس فيه الزرع
خلاف قول سحنون المتقدم قبل هذا في آخر سماعه
، وقد مضى ذكر الاختلاف في ذلك فلا معنى
لإعادته ، وأما قولهما في صدقة الأب به على
ابنه الصغير أن ذلك بمنزلة الدار تبطل الصدقة
به أن درس فيه بعد الصدقة كما كان يدرس فيه
قبل الصدقة بمنزلة المسكن فهو خلاف مذهب ابن
القاسم وما حكي ابن حبيب عن مطرق وابن
الماجشون وأصبغ من أن ما عدا المسكون والملبوس
لا يبطل صدقة الأب به على ابنه الصغير انتفاعه
به بعد الصدقة وأن حرث الأرض واختدم العبيد
وأكرى الحوانيت واغتل ماله غلة من الأصول ،
بخلاف ما سكن أو لبس ، وقع بيان مذهب ابن
القاسم في ذلك في رسم شهد من سماع عيسى من
كتاب الصدقات والهبات ، وحكاه ابن حبيب أيضاً
عنه من رواية أصبغ ، وجلوسه في الحانوت للتجر
تسكناه الدار ، بخلاف كرائه إياه ، وقول ابن
وهب وأشهب هذا مثل ظاهر ما حكي ابن حبيب في
الواضحة من رواية مطرف عن مالك في تفسير قول
عثمان بين عفان إن نحلة الأب لأبنه الصغير
جائزة إذا أشهد عليها وأعلن بها وإن وليها أن
معنى ذلك أن يليها بالتثمير والتوفير ، فعلى
هذا لا فرق بين الملبوس والمسكون وما سواه من
الأشياء تبطل الصدقة بانتفاع الأب به فيتفق في
المسكون والملبوس ويختلف فيما عداه على هذين
القولين ، أحدهما أن الإشهاد والإعلان يكفي
وإن انتفع الأب بذلك بعد الصدقة كما كان ينتفع
به قبل الصدقة إلى أن مات كالمسكون
(12/97)
والملبوس سواء
، وفي المسألة قول ثالث وقع لأصبغ في نوازله
من كتاب الصدقات والهبات أن الصدقة لا تبطل
إذا كان الانتفاع ممزوجاً مرة ينتفع الأب ومرة
ينتفع الإبن وبالله التوفيق .
من سماع أبي زيد بن أبي الغمر من ابن القاسم
قال أبو زيد سئل ابن القاسم عن رجل اشتري نصف
دار بمائة دينار ولؤلؤة ثم جاء الشفيع يريد أن
يأخذ ، قال : يصف المشتري اللؤلؤة كذا وكذا
فيكون القول قول ما شهدوا به ، فإن لم يعلموا
قيمتها وفاتت ونكل المشتري عن صفتها وعن
اليمين وصفها الشفيع وحلف على الصفة وكان
القول قوله فإن لم يعلم الشفيع صفتها كانت له
الدار بقيمتها نقداً
قال محمد بن رشد : قوله في هذه المسألة ونكل
المشتري عن صفتها وعن اليمين معناه أنه قال لا
أعرف صفتها فلا أحلف فها هنا يكون ما قال من
أن الشفيع يحلف على ما يدعي من الصفة أن عرف
صفتها ، فإن لم يعرف صفتها كانت له الدار
بقيمتها نقداً ، وقوله كانت له الدار بقيمتها
نقداً معناه كانت له الشفعة في الدار بقيمة
نصفها نقداً يريد ما لم تكن القيمة أقل من
المائة دينار فلا ينقص من المائة دينار ، وقد
قيل إنه لا يمين عليه إذا أتي بما يشبه ، وأما
إن ادعيا جميعاً معرفة صفتها ونكلا عن اليمين
فالقول قول المشتري لأنه هو المبدأ باليمين
على حكم المدعي والمدعى عليه إذا نكلا عن
اليمين كان القول قول المدعي عليه ، ولو حلف
أحدهما ونكل الآخر كان القول قول الحالف ،
وهذا إذا أتيا جميعاً من صفتها بما يشبه ، كان
الشفيع أو المشتري فإن نكل عن اليمين كان
القول قول الذي أتي منهما بما يشبه ،
(12/98)
لأنه هو المبدأ
باليمين ولو أتيا جميعاً من الصفة بما لا يشبه
لوجب أن يحلف جميعاً فإن حلفا أن نكلا كانت له
الشفعة بقيمة الحظ نقداً ما لم تكن أقل من
المائة فلا ينقص من المائة ، وان حلف أحدهما
ونكل الآخر كان القول قول الحالف منهما وان
أتي بما لا يشبه ، لأن صاحبه قد أمكنه من
دعواه بنكوله .
فالمسألة لا تخلو من أربعة اوجه أحدهما أن
يدعي كل واحد منهما من صفتها ما يشبه والثاني
أن يدعي كل واحد منهما من صفتها ما لا يشبه
والثالث أن يدعي أحدهما من صفتها ما يشبه
والثاني ما لا يشبه والرابع إلا يدعي واحد
منهما معرفة صفتها وفيما ذكرناه بيان الحكم في
كل واحد منهما لمن تدبره وفهمه .
وفي قوله إلا يشهد الذين باعوا أن قيمة
اللؤلؤة كذا وكذا فيكون القول ما شهدوا به نظر
، إذ ليس على عمومه في كل موضع وإنما معناه في
الموضع الذي تكون شهادتهم لا منفعة لهم فيها
بل قد يضرهم فيما يرجع به عليه أن يستحق
المبيع أو بعضه ، وأما في الموضع الذي تكون
شهادتهم فيه للشفيع على المشتري فلا يجوز
لأنهم يتهمون على تقليل الثمن إن جاء استحقاق
.
وقوله أن المشتري يصف اللؤلؤة ابتداء ويحلف
على صفتها أصح مما وقع من قوله في المدونة من
أنه لا يقال للمشتري صف العرض صف العرض الذي
وقع به البيع إلا بعد أن يدعيا جميعاً من
قيمته ما لا يشبه ، وظاهر قوله فيها أنه إذا
دعيا جميعاً من قيمة ما لا يشبه كان القول قول
المشتري فيما ادعاه من الصفة وأن لم يشبه ،
وذلك بعيد لا يصح أن يكون القول قول من أتي
منهما بما لا يشبه إذا كذبه الآخر وادعى ما
يشبه ، وإنما يصح ذلك إذا لم يكذبه صاحبه وقال
لا أدري وبالله التوفيق .
(12/99)
مسألة
وقال ليس في رحا شفعة لا رحا الماء ولا رجا
الدواب ، وأما البيت الذي فيه الرحا وجدرانه
وشقفه وأرضه ففيه الشفعة ، قال ولو باع رجل
بيتاً فيه رحل فأراد الشفيع أن يأخذ ذلك
بالشفعة فإنه يقوم البيت ويقوم الرحا بأداتها
فيفض الثمن عليها ، فما صار على البيت من
القيمة من الثمن أخذ البيت بالشفعة بالذي يقع
عليه من الثمن بالقيمة وهو بمنزلة ما لو باع
رجل دابة وداراً فإنما يأخذ بالشفعة في الدار
ولا شفعة في الدابة بمنزلة ما فسرت لك في
الرحا .
قال محمد بن رشد : قوله أنه لا شفعة في الرحا
إذا بيعت الأصل خلاف ما مضى من قوله في رسم
العتق من سماع عيسى في رقيق الحائط يباعرن مع
الحائط ، وقد مضى الكلام على ذلك هنالك فلا
معنى لإعادته .
مسألة
قال ابن القاسم في رجل باع داراً بعشرة دنانير
فباع المشتري مصراعي الدار بعشرة ، ثم جاء
الشفيع ، فقال : يقوم المصرعان ويقوم الدار ثم
يفض الثمن عليهما فما وقع على الدار من الثمن
أخذها بالشفعة ولا شيء له في المصراعين لأنهما
قد فات بالبيع .
قال محمد بن رشد : المعنى في هذه المسألة
معلوم ، ولفظه فيها فاسد معلوم ، لأنه قال إنه
باع الدار بعشرة دنانير فباع المشتري
المصراعين بعشرة دنانير ، ثم جاء الشفيع ،
وإذا بيعت الدار كلها فلا شفعة فيها فالمعنى
الذي أراد والله أعلم أنه ابتاع الدار ثم أتي
رجل فاستحق بعضها وأراد أخذ بقيتها بالشفعة ،
فقال : إنه يقوم المصراعان وتقوم الدار فيفض
الثمن عليهما فما وقع على الدار من الثمن
أخذها بالشفعة يريد أخذ بقيتها بالشفعة ، فقال
: إنه يقوم المصراعان وتقوم الدار فيفض الثمن
عليهما فما وقع على الدار من الثمن أخذها
بالشفعة يريد أخذ منها الحظ المستشفع
(12/100)
بما ينوبه من
الثمن بالشفعة ، وقوله ولا شيء له في
المصراعين لأنهما قد فاتا بالبيع ، يريد لا
شيء له فيما ناب الجزء المستحق منها فللشفيع
أن يأخذه بالاستحقاق لا اختلاف في ذلك ، وإن
شاء أن يجيز البيع ويأخذ الثمن فله ذلك ، وهذا
كله بين والمصراعان البابان
وقوله ولا شيء له في المصراعين لأنهما قد فاتا
بالبيع خلاف ما نص عليه في المدونة من أن نقض
الدار إذا هدمه المشتري فباعه لا يفوت بالبيع
وللشفيع أن يأخذ من يد مشتريه من المشتري ،
وهذا الاختلاف جار على اختلافهم في الشفعة هل
يحكم لها بحكم البيع أو بحكم الاستحقاق ؟ فعلي
القول بأنه يحكم لها بحكم البيع ويأخذ الشفيع
البقعة بما ينوبها من الثمن ، وعلى القول بأنه
يحكم لها بحكم الاستحقاق لا تفوت الأنقاض
بالبيع ويأخذها الشفيع من يد المشتري بالشفعة
ويرجع المشترى على الذي باعه إياها بالثمن
الذي دفع إليه فيها ، وإن شاء أن يجيز البيع
ويأخذ الثمن كان ذلك له ، وفي المدونة أيضاً
ما يدل على فواتها بالبيع .
واختلف إذا فاتت إما بالبيع على هذه الرواية ،
وإما بفوات عينها بعد البيع على ما نص عليه في
المدونة ، فقيل في ذلك ثلاثة أقوال أحدهما وهو
قوله في المدونة وفي هذه الرواية إنه يأخذ
البقعة ينوبها من الثمن ، ووجه العمل في ذلك
أن تقوم البقعة مهدومة والنقض مطروحاً بها يوم
وقعت الصفقة ، ثم ينظر ما يقع للنقض من الجميع
، فإن كان الثلث مثل أن يكون قيمته مقلوعاً
مطروحاً بالأرض مائة وقيمة البقعة مهدومة
مائتين ، قيل للشفيع أن شيئت أن تأخذ البقعة
بالشفعة فخذها بثلثي الثمن كان أقل من قيمة
البقعة أو أكثر إن كان الثمن ثلاثمائة وستين
أخذها بالشفعة بمائتين وأربعين ، وإن كان
الثمن مائتين وأربعين أخذ الشفيع البقعة بمائة
وستين ، وهذا القول على قياس القول بأنه يحكم
للأخذ بالشفعة بحكم البيع والقول الثاني أنه
يأخذ البقعة والثمن الذي باع به الانقاض كان
أقل من قيمته أو أكثر ، ويؤدي جميع الثمن فأن
كان
(12/101)
ثمن الانقاض من
جنس الثمن الذي اشترى به المشتري النقض فاصه
منه بثمن النقض ودفع إليه البقية ، والقول
الثالث أنه ليس للشفيع إلا الأقل من قيمة
النقض أو الثمن الذي بيع به ,هو اختيار محمد
بن المواز ، وهذان القولان على قياس القول
بأنه بحكم للآخذ بالشفعة بحكم الاستحقاق ، وقد
رأيت لسحنون أنه قال في هذه المسألة لمالك
ثلاثة أقوال ، وقد قستها فلم يعتدل عندي منها
شيء ، وأشهب يقول فيها أيضاً قولاً وفيها
تنازع شديد ، ولا أذكر في وقتي هذا قول أشهب ،
ويحتمل أن يريد سحنون أن النقض تفوت بالهدم ،
وهذا الذي يأتي في المسألة على حقيقة القياس
بأن الأخذ بالشفعة بيع من البيوع وبالله
التوفيق .
مسألة
وسئل عن القوم يشترون الثمرة في رؤوس النخيل
فباع بعضهم قبل أن يقتسموها هل لشركائه الشفعة
أيضاً أم لا ؟ أن يكونوا شركاء في الزرع فباع
بعضهم بعد ما حل بيع الزرع هل فيه شفعة ؟ وفي
المقاتي والبقول كلها أو ما تنبثه الأرض هل
فيه شفعة أو جائحة ؟
قال : قال مالك في الثمرة في النخل والعنب وما
أشبهها من الأضول : لشركائه فيه شفعة إذا باع
أحد منهم ، والمساقاة كذلك ، وقال لي مالك في
الزرع : لا شفعة فيه ، قال : وقال مالك
والجوائح توضع في هذه كلها الثلث فصاعداً إلا
الزرع فإنه لا جائحة فيه وذلك إنما يباع بعدما
ييبس .
قال محمد بن رشد : المشهور من الأقوال في
الثمرة أن فيها الشفعة ما لم تيبس وقد قيل أن
الشفعة فيها وإن يبست ما لم تجد حسبما ذكرناه
في أول مسألة من سماع عيسى ، والمشهور في
الزرع أنه لا شفعة فيه ، ويتخرج وجوب الشفعة
فيه وإن يبس ما لم يحصد ، وعلى قياس القول
بوجوب الشفعة
(12/102)
في الثمرة ما
لم تجد ، وهو ظاهر قوله في أول رسم من سماع
أشهب إن الشفعة في الأرض وفي كل ما أنبتت
الأرض .
وأما البقول فالمنصوص أنه لا شفعة فيها ويتخرج
وجوب الشفعة فيها أيضاً على قياس القول بوجوب
الشفعة في الثمرة ما لم تجد في الزرع ما لم
يحصد وعلى ظهر ما في سماع أشهب أيضاً من قوله
إن الشفعة في الأرض وفي كل ما أنبتت الأرض ،
وقد مضي قولنا في آخر أول رسم من سماع أشهب
وفي أول رسم من سماع عيسى ما فيه بيان لهذا .
وأما الجائحة فلا اختلاف في وجوب وضعها في
البيع إذا بيعت بعد أن أزهت وقبل أن تيبس أن
يحين جدادها واختلف في وجوب وضعها في الشفعة
على الاختلاف في الأخذ بالشفعة هل يحكم له
بحكم البيع أو بحكم الاستحقاق حسبما مضى القول
فيه في أول رسم من سماع عيسى ، واختلف في وجوب
وضعها في البيع إذا بيعت وأجيحت بعد أن يبست
وحان جدادها واختلف على القول بأنها توضع في
البيع هل توضع في الشفعة أم لا ؟ على الاختلاف
الذي ذكرناه في الآخذ بالشفعة هل يحكم لها
بحكم البيع أو بحكم الاستحقاق .
وحكم البقول في وجوب وضع الجائحة فيها في
البيع حكم الزرع إذ لا يباع حتى ييبس ويمكن
حصاده ، وحكم الثمرة إذا بيعت وأجيحت بعد
تناهي طيبها وإمكان جدادها قيل إنها توضع وقيل
إنها لا توضع ، وفي البقول قول ثالث إنه يوضع
فيها القليل والكثير ، واختلف أيضاً على القول
بأنها توضع في البيع هل توضع في الشفعة أم لا
على الاختلاف الذي ذكرناه في الأخذ بالشفعة هل
يحكم له بحكم البيع أو بحكم الاستحقاق وبالله
التوفيق .
مسألة
وقال أشهب في الغائب إذا كان له شفعة فقدم من
سفره إن له
(12/103)
أجل سنة من حين
يقدم في آخرها وكذلك الصغير أيضاً له سنة من
يوم يبلغ .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال إنه لا يعتبر
بمدة مغيب الشفيع ولا بمدة صغره وبلوغه وملكه
أمر نفسه إذا كان صغيراً أو مولى عليه ، وقد
مضى الإختلاف في حد المدة التي تنقطع فيها
شفعة الحاضر المالك لنفسه في رسم البز من سماع
ابن القاسم فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق .
مسألة
قال أصبغ بن الفرج : سئل أشهب عن الشفعة متى
حد انقطاعها للحاضر؟ فقال : إذا كان مشتريها
يعالج فيها شيئاً هدماًَ أو مرمة أو ما أشبه
ذلك فلا أراها إلا وستنقطع قبل السنة ، وإن لم
يكن كذلك فسنه ، قال أصبغ : ما أحسنها
قال محمد بن رشد : هذه مسألة قد مضى القول
فيها في رسم البز من سماع ابن القاسم فلا معنى
لإعادته وبالله التوفيق .
مسألة
قال أبو زيد : وقال ابن القاسم في البقول لا
أرى فيها شفعة والمقاتي فإني أراها بمنزلة
الأصول فيها شفعة لأنها ثمرة .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة قد مضى القول
فيها قبل هذا فلا معنى لإعادة شيء من ذلك
وبالله التوفيق .
تم كتاب الشفعة من البيان والتحصيل بحمد الله
تعالى وحسن عونه وصلى الله وسلم على سيدنا
ومولانا محمد آله وصحبه وسلم تسليماً .
(12/104)
|