البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة

كتاب القسمة والشفعة
من سماع ابن القاسم من مالك رواية سحنون من كتاب حلف ليرفعن أمراً إلى السلطان
قال سحنون : أخبرني ابن القاسم عن مالك أنه قال في رجل هلك وترك نخلاً وترك عرقاً نحواً من خمسين عرقاً بخبير ونحوها بواد القرى ومن ناحية الفرع ومن وراء المدينة إلى مكة نحو ذلك وفي ناحية الفرع مثل ذلك ، ويقسم ورثته على ثلاثة وعشرين سهماً ، فقالوا أقسموا كل أعرق على ناحية .
قال مالك : لا أرى ذلك لهم ، كيف يأخذون نخلة نخلة؟ورأي هذا وجه ضرورة ، ولكن يقسم ما بخيبر وواد وواد القرى ومن ناحية الفرع مثل ذلك ، وما شابه وادي القرى وخيبر ثم يقوم ذلك ويقتسمونه ، وتضم النواحي بعضها إلى بعض خيبر إلى واد القرى والفرع إلى ما كان من

(12/105)


ناحيتها ولم يره مثل القطع التي وصفت قبل ذلك .
قال محمد بن رشد : الحكم في قسم حوائط النخل كالحكم في قسم الأرضين ما جاز من هذا قسمه بالسهمة جاز من هذا ، وما لم يجز من هذا فإذا كانت الحوائط في موضع أو كانت قريبة بعضها من بعضه مع إستوائها في القرب من الحاضرة التي تعمر منها أو تشابهها في ذلك قسمت قسماً واحداً بالسهمة ، وان كان بعضها أقرب إلى الحاضرة بيسير تخرج ذلك عندي على اختلافهم في جواز قسم الأرض بالسهمة إذا كان بعضها أكرم وأطيب من بعض ، لأنها تتفق بالقرب كما تتفق بالكرم ، فتختلف لذلك قيمتها ، وحد اليسير في ذلك الميل والميلان ونحو ذلك ، وكذلك يختلف أيضاًَ في جواز قسمتها بالسهمة إذا بعد بعضها من بعض وهي على حد واحد في القرب من الحاضرة ، لأن الأغراض تختلف في ذلك فتقسم قسماً واحداً على ما في كتاب القسمة من المدونة في الدارين أنها تقسم قسماً واحداً إذا استوت في النفاق وإن تباعدت في الموضع ، ويأتي على ما في رسم الأقضية من سماع أشهب من هذا الكتاب في قسمة الدور أنها لا تقسم قسماً واحداً على التراضي وأما إن كان بعضها أقرب إلى الحاضرة بكثير فلا تقسم قسماً واحداً بالسهمة لأنها لكثرة تباينها في القيمة كالصنفين ، فقول مالك في هذه الرواية في الذي هلك وترك خمسين عرقاً بخيبر وخمسين عرقاً بوادي القرى وخمسين في ناحية الفرع ويقسم ورثته على ثلاثة وعشرين سهماً لأن النواحي يضم بعضها إلى بعض فتقسم قسماً واحداً ولا يقسم نخل كل ناحية على حدة لأنه ضرر من أجل أنه لا يصير لكل واحد منهم أن قسموا كل عرق على حدة إلا نخلة ، يريد أن دعا إلى ذلك بعض الأشراك لأن معنى قوله فقالوا اقسموا كل أعرق على حدة أي فقال بعضهم ذلك جميعهم واتفقوا عليه لجاز على التراضي ولم يكن فيه كلام ، فقول مالك في هذه المسألة يأتي مثل قول عيسى ابن دينار في رسم حمل صبيا على دابة من

(12/106)


سماع عيسى في الأرض الكريمة والدينة إن الكريمة تقسم على حدة والدنية على حدة وإن كانت كل واحدة منهما
تحتمل أن تقسم على حدة .
ويأتي في المسألة ثلاثة أقوال أحدها أنها لا تقسم إلا على حدة ، فإن لم تقسم على حدة بيعت على حدة وقسم الثمن بينهم إلا أن يتفقوا على قسمتها على التراضي بغير سهمه والثاني أنها تجمع في القسم وإن كانت تحتمل أن تقسم كل واحدة منهما على حدة والثالث الفرق بين أن تحتمل أن تقسم كل واحدة منهما على حدة أو لا تحتمل وهو قول مالك في هذه الرواية وقول عيسى ابن دينار الذي ذكرته في مسألة الأرض الكريمة والدنية ، وقول مالك في آخر المسألة ولم يره مثل القطع التي وصفت لك قبل ذلك يريد والله أعلم ولم ير هذه الأعراق اليسيرة في كل ناحية التي لا تنقسم على سهام الورثة كالقطع الكثيرة التي تنقسم عليها .
ويتخرج في صفة قسمها بالسهمة فيما يقسم منها بالسهمة ثلاثة أقوال أحدها أنها تقسم قسماً واحداً من حيث تنتهي إليه سهامهم التي تنقسم منها وإن كان سهم أقلهم ينتهي إلى عشرة أسهم أو أكثر ، ثم يفرع بينهم أما على طرف بعد طرف ، وإما على طرفين بعد طرفين فمن خرج سهمه على طرف ضمن إليه بقية حقه منه وهو مذهب ابن القاسم في المدونة والثاني أنها تقسم على سهم أقلهم نصيباً فيسهم له على طرفين ، فيأخذ سهمه حيث خرج له ، ثم يقسم الباقي أيضاً على من بقي على سهم أقلهم نصيباً مما بقى إلى آخرهم ، وهو الذي يأتي على قول مالك في المدونة ، وذلك يتبين بالتنزيل مثال ذلك أن تموت امرأة وتترك زوجاً وأما وابناً وابنة فللأم السدس ، وللابنة السدس وثلث السدس وهي تنقسم من ستة وثلاثين سهماً ، وترك أربعة حوائط تنقسم الحوائط الأربعة على مذهب ابن القاسم ستة وثلاثين قسماً ثم يفرع بينهم إما على طرف بعد طرف وإما على الطرفين فمن خرج سهمه في

(12/107)


طرف ضمن إليه بقية حظه فيه وتنقسم الحوائط على مذهب مالك أولا أسداساً لأن سهم الأم أقل الأنصباء ، فتأخذ سدسها في طرف من الأطراف بالسهمة ، ثم تخلف الخمسة الأقسام الباقية فتقسم ثلاثين نصيباً ، تأخذ الإبنة منها سبعة أنصباء بالقرعة لأن حقها من الثلاثين الباقية بعد نصيب الأم سبعة ، ويأخذ الزوج منها تسعة أجزاء بالفرعة لأن حقه منها تسعة ويأخذ الإبن منه أربعة عشر جزءاً منها لأن حقه منها أربعة عشر جزءاً والقول الثالث ذهب إليه ابن حبيب وهو أن تقوم الحوائط كلها حائطاً حائطاً فيعرف حق كان وارث من جملة القيمة ، ثم يسهم بينهم ، فمن خرج سهمه على حائط منها وفي قيمته وفاء من حقه أخذه ولم يكن له سواء ومن خرج سهمه على حائط منها وقيمته أكثر من حقه كان له منه بقدر حقه ، ومن خرج سهمه على حائط وقيمته أقل من حقه كان له جميعه وأكمل له بقية حقه في أقرب الحوائط إليه مثال ذلك أن يكون قيمة أحد الحوائط ستة ,والثاني
تسعة والثالث سبعة ، والرابع أربعة عشر ، فإن خرج سهم الأم على الحائط الذي قيمته ستة ، وسهم الزوج على الحائط الذي قيمته تسعة ، وسهم الإبنة على الحائط الذي قيمته سبعة وسهم الإبن على الحائط الذي قيمته أربعة عشر انفصلوا كل واحد منهم بالحائط الذي خرج إليه بالسهم ، وإن خرج سهم الزوج على الحائط قيمته أربعة عشر انفصلوا وانفرد كل واحد منهم بالحائط الذي خرج إليه بالسهم ، وإن خرج سهم الزوج على الحائط الذي قيمته ستة أخذه وبقية حقه من أقرب الحوائط إليه الحائط الذي قوم بتسعة كان له منه ثلثه وإن كان أقرب الحوائط إليه الحائط الذي قوم بأربعة عشر ، كان له منه سبعة ونصف ثم يضرب لمن بقي من الورثة بالسهام على ما بقي من الحوائط فإن خرج السهم الأم على الحائط الذي قيمته تسعة كان لها منه ثلثاه مع الزوج أن كان أخذ من ثلثه أو مع من يخرج له السهم عليه بعد ذلك إن كان لم يأخذ الزوج منه شيئاً ، فإن خرج سهمها على الحائط الذي قيمته سبعة كان لها ستة أسباعه مع من يخرج له السهم عليه بعد ذلك أن

(12/108)


كان لم يأخذ الزوج منه شيئاً ، وإن كان الزوج قد أخذ مه ثلاثة أسباعه كان لها بقيته وبقية حقها من أقرب الحوائط إليه على ما تقدم إلى أن يقضي الإستهام بينهم في ذلك ، وهو قول يعيد في النظر ، لأن الأمر قد يؤول بينهم على القول إلى إلا ينفصل جميعهم عن الشركة أو إلى إلا ينفصل عنها واحد منهم ، وقول مالك في تكرير القسمة مرة بعد أخرى تعب وعناء ، فقول ابن القاسم اصح في النظر وأولي والله الموفق .
مسألة
وسئل مالك عن جعل الذين يحبسون مع القاضي ويقتسمون الدور في جعائلهم فكرهه ، وضرب لذلك وجهاً وقال قد كان خارجة ابن زيد ومجاهد يقتسمان ولا يأخذان شيئاً يعني مع القضاة ، قال ابن القاسم : وذلك رأيي وأرى أن ينظر الوالي في ذلك إلى رجل ممن يحتاج الناس إليه في ذلك فيجري عليه عطاءه مع الناس كما يجريه على الغزاة ومن يحتاج إليه في أمر المسلمين ويحسبه عليهم مثل القاضي وشبهه .
قال محمد بن رشد : هذا مثل ما في المدونة من كراهية أرزاق قسام القاضي ، ووجه الكراهية في ذلك أن القاضي هو الحاكم بذلك على اليتيم باجتهاده فلعله لو كان مالكاً لأمره واحتاج إلى القسمة لوجد من يستأجره على ذلك بأقل مما جعله القاضي عليه ، وكذلك إذا تحاكم عليه القوم واختصموا عنده في القسم فقضي بها بينهم وأمر القاسم بذلك وجعل له الأجرة عليهم باجتهاد يكره له أخذ ذلك إذ لعلهم لا يرضون بذلك المقدار الذي جعله له عليهم ، وإن رضي بذلك المحكوم له لا يرضي به المحكوم عليه ، ولعلهم لا يرضون به قاسماً بينهم ، وكذلك قال مالك في رسم الأقضية الثالث من سماع أشهب من كتاب الأقضية لمن سأله في هذا المعنى من القضاء : وليكن من

(12/109)


شأنك أن تدعو الورثة فتأمرهم يرتضون رجلاً ، فإذا ارتضوه وليته أمرهم يحسب بينهم ، فإني قد رأيت بعض من عندنا يفعل ذلك ، فهذا كله بين في أن الأولي والأحسن لقسام القاضي أن يتنزهوا ويتورعوا عن أخذ الجعل على ما يأمرهم به القاضي من القسمة كما كان يفعل خارجة بن زيد ومجاهد ، ومن هذا المعنى جعل الشرط على الناس فيما يبعثون فيه من أمرهم ، وقد مضى ذلك في رسم طلق من سماع ابن القاسم من كتاب السلطان وأما إذا استأجر القوم فاسماً يقسم بينهم فلا كراهية في ذلك وكذلك قال في المدونة وكذلك أيضاً لا يكره أخذ ما جعله له الإمام من بيت المال على ذلك لأن هذا وشبهه مما يحتاج إليه المسلمون ويعمهم نفعه فعلى الإمام أن يرزقهم من بيت مالهم وبالله التوفيق .
ومن كتاب أوله باع غلاماً
وسئل عن رجل اشترى ثلاثة أخماس من حائط واشترى الأخر خمسين ثم أن أحدهما دعا صاحبه إلى القسم فأبي قال تعال أقاومك فيتقاومان نخلة نخلة فدخلت عليها وضيعة ، قال مالك : الوضيعة بينهما إنما لو باعها من رجل آخر يتردان النقصان بينهما ويجمعان الثمن ثم يترادان بعد ذلك النقصان .
قال محمد بن رشد : هذا بين على ما قاله من أن الوضعية بينهما أخماساً كما كان يكون الربح بينهما لو ربحا في ذلك . مثال ذلك أن يشتري أحدهما ثلاثة أخماس الحائط بثلاثين ويشتري الآخر خمسية بعشرين فيتقاومان الحائط صاحب ثلاثة الأخماس على صاحب الخمسين بأربعة دنانير لأن الواجب لصاحب الثلاثة الأخماس من جميع الثمن وهو أربعون ثلاثة أخماسه وهو أربعة وعشرون عنده من ذلك عشرون ، بقيت له على صاحبه

(12/110)


أربعة يرجع بها عليه كما لو باعا جميعاً الحائط من أجنبي بأربعين لوجب لصاحب الثلاثة الأخماس منها أربعة وعشرون ولصاحب الخمسين ستة عشر
ومن كتاب المحرم يتخذ الخرقة لفرجه
وسئل مالك عن الرجل الغائب يأتي إلى شريك له فيقول له تعالي أقاسمك فيقول قد قاسمتك وهذه ناحيتي التي أسكن فيها وهذه ناحيتك ، ويقول الآخر ما قاسمتك شيئاً ، على من ترى البينة ؟ قال : أن أولاهما بالبينة الذي يقول قد قاسمتك .
قال محمد بن رشد : هذا بين على ما قاله لقوله النبي عليه السلام البينة على المدعي واليمين على من أنكر والذي يدعي القسمة مدع فعليه إقامة البينة إلا أن يحوز عليه في وجهه تلك الناحية مدة تكون فيها الحيازة عاملة فيكون القول قوله فيما ادعاه من القسمة مع يمينه وقد مضى الإختلاف في قدرها وتحصيل القول وفي ذلك بين الأجنبيين وغيرهم في رسم يسلف من سماع ابن القاسم من كتاب الإستحقاق .
مسألة
وسئل عن الرجل والمرأة يرثان الدار فيقع لأحدهما مواريث بعضها بعد بعض فيريدان القسم أترى أن يجمع له حظه كله في قسم واحد أم يقسم على ما ورثا ؟ قال : بل يجمع حظه كله في قسم واحد كل ما ورث من ذلك المورث بعد المورث أو اشتراه في قسم واحد ولا يجمع من يقسم منهم لرجلين يقسم كل واحد منهما حقه ، قال ابن القاسم : يريد إلا يجمع لاثنين من الورثة سهمهما في

(12/111)


موضع واحد يقسم لكل واحد منهما حقه على حدة .
قال محمد بن رشد : هذا بين على ما قاله إن القسمة لا تكون إلا على ما انتهى إليه حظه بالمواريث والأشرية ، وإن كان ذلك شيئاً بعد شيء إذ لا يصح أن يقسم له بعض حقه ويبقي شريكاً ببعضه إلا مع اتفاقهما على ذلك ، وذلك بين إذا كانت الدراهم تنقسم على ما أنتهي إليه حقه فيها وقد كانت تقسم على ماله فيها ولا يشبه أن يكون من حقه أن يقسم له حقه الأول منها إذا كان الزائد بميراث لأنه يقول قد وجب لي القسمة فليس الميراث الذي وجب لي بالذي يسقط حقي في القسمة وألا يكون ذلك من حقه إذا كان بشراء أو هبة بعدها .
وأما قوله إنه لا يجمع حظ اثنين في القسم فهو قوله في المدونة ، ومعناه إذا لم يكونوا أهل سهم واحد مثل الزوجات والبنات والجدات والأخوات والإخوة للأم ، لأن أهل السهم الواحد يجمع حظهم في القسمة ، وأما غير أهل السهم الواحد لا يجمع حظهم في القسم يريد بالسهمة لأنه غرر ، وأما في القسم على المراضاة بغير سهمه لأنه غرر ، وأما في القسم على المراضاة بغير سهمه فذلك جائز وبالله التوفيق .
ومن كتاب يسلف في المتاع والحيوان المضمون
سئل مالك عن قوم ورثوا أرضين مفترقة فأراد بعضهم أن يجعل نصيبه في موضع وأبي الآخرون أن يفعلوا ذلك ، وقالوا نقطع نصيبك من كل أرض ، قال مالك : أن كانت الأرضون متقاربة وكانت كلها بنضح أو بعين كلها ، رأيت أن يجمع له نصيبه في موضع واحد ، وإن كانت متباعدة بعضها من بعض في مثل قرى مختلفة رأيت أن يعطى نصيبه من كل أرض ، ومعنى قوله أن يجمع ما يسقى

(12/112)


بالعين أن كانت الأرضون متقاربة وأن يجمع ما يسقى بالنضج أن كانت الأرضون متقاربة ولا يجمع بين النضح والعين في القسم وإن لم تتقارب لم يجمع له نصيبه وإن كانت ينضح كلها .
قال محمد بن رشد : قد مضى في أول مسألة من السماع تحصيل القول في البعد من القرب المانع من الجمع في القسمة ، فلا معنى لإعادته ونص في هذه الرواية على أنه لا يجمع النضح مع السقى بالعين ولم ينص فيها هل يجمع ما يسقى العين مع البعل أم لا؟ وظاهرها أنها لا تجمع مثل ما في الواضحة وسماع أشهب منصوص عليه ، خلاف ما في الموطأ من أن البعل يقسم مع العين إذا كان يشبهها ، وأما النضح فلا يقسم مع البعل ولا مع العين قولا ً واحداً على ما نص عليه في هذه الرواية ، وفي الموطأ وفي الواضحة ، واختلف إذا كانت كلها بعلاً أو تسقي بعين أو ينضح وبعضها أفضل من بعض على ما سيأتي القول فيه في رسم حمل صبيا من سماع عيسى وبالله التوفيق .
من سماع أشهب وابن نافع من مالك رواية سحنون
قال أشهب وابن نافع : سألنا مالكاً عن الأرض فيها النخل بعضها أقرب من بعض من الماء ، وهي بين أشراك فأرادوا القسمة ، قال : يقسم بالقيمة فيفضل ما كان قرب الماء لأنه ربما بعد النخل من الماء وقل الماء فلم يشرب الماء من النخل إلا ما قرب ، تكون هذه التي هي أقرب إلى الماء مائة نخلة ، والتي على أثرها خمسين ومائة ، والتي خلفها ثلاثمائة يقسم ذلك بالقيمة .
قال محمد بن رشد : هذا على الإختلاف في جمع الأرض في القسمة إذا كان بعضها أفضل من بعض وسيأتي ذلك في رسم حمل صبياً من

(12/113)


سماع عيسى بعد هذا وبالله سبحانه وتعالي التوفيق .
ومن كتاب أوله مسائل بيوع
قال : وسألته عن الإخوة للأم يرثون الثلث فيقول أحدهم أقسموا لي حصتي على حدة ولا تضموني إلى إخوتي ، قال : ليس ذلك له حتى يقسم له ولاخوته جميعاً الثلث ، ثم يقاسمهم بعد أن شاء ، وكذلك أزواج الميت يرثن الربع أو الثمن فتقول إحداهن اقسموا لي حصتي فتقع حصته هذه ها هنا وحصته هذه ها هنا فلا أرى ذلك لهن حتى يقتسم لهن جميعاً ، فيقتسمن بعد أن يقسم لهن جميعاً أن شئن ، وكذلك العصبة الإخوة وغيرهم يقول بعضهم أقسموا لي حصتي فليس ذلك لهم حتى يقسم للإخوة للأم حصتهم وللأزواج حصتهن ثم يقسم العصبة ما صار لهم أن شاؤوا .
قال محمد بن رشد : أما أهل السهم الواحد وهم الزوجات والبنات والأخوات والجدات والإخوة للأم والموصى لهم بالثلث فلا اختلاف أحفظه أنه يجمع حظهم في القسمة بالسهمة شاؤوا أو أبوا ، لأنهم بمنزلة الواحد .
وأما العصبة فاختلف على ثلاثة أقوال أحدها أنهم كأهل السهم الواحد يقسم لهم بحقهم معاً ثم يقتسمون بعد أن شاؤوا وهو قوله في هذه الرواية وإليه ذهب ابن حبيب في الواضحة والثاني أنهم ليسوا كأهل سهم واحد فلا يجمع حظهم في القسمة بالسهمة وإن رضوا ، وأراه قول المغيرة ، ويحتمل أن يكون ذهب إليه سحنون ، ولذلك طرح من كتاب القسمة من المدونة جملة المسألة التي وقع من قول ابن القاسم في آخرها متصلاً بقول مالك فيها ، وقد قال لي مالك ما أخبرتك أنه لا يجمع نصيب رجلين في القسم ، وهذا في أهل الميراث كلهم غيرها ولاء ، وهذا تفسير منى عن قول مالك ، و الثالث أنه لا

(12/114)


يجمع حظهم في القسم بالسهمة إلا ولا يريدوا أن يقتسموا والى هذا ذهب ابن القاسم في المدونة لأنه فسر قول مالك فيها فيمن ترك زوجة وعصبة وترك أرضاً أن المرأة يضرب لها بحقها في أحد الطرفين ، فقال معناه عندي إذا كان العصبة واحداً أو عدداً لا يريدون القسمة ، وقد اختلف في تأويل قول مالك أن المرأة يضرب لها بحقها مع العصبة في أحد الطرفين فقيل إنه يضرب لها في أحد الطرفين مع الورثة من كانوا ؟ ثم يقتسمون بعد إن أحبوا وهو ظاهر قول مالك في المدونة ورواية ابن الماجشون عن مالك وقيل أن ذلك مع العصبة بخاصة إذا لم يريدوا أن يقتسموا وبالله التوفيق .
ومن كتاب الأقضية الثالث
قال وسئل عن المرأة يموت زوجها أيقتسم ماله قبل أن يستبرأ رحمها ، فقال أن كانت حاملاً لم يقتسم الميراث حتى تضع ، قيل له إنما مات زوجها ولم يعلم أنها حامل أيؤخر الميراث حتى يستبرأ رحمها بحيضه فقال ما سمعت بهذا ولكن إن كانت حاملاً أخر الميراث ولم يقسم حتى تضع ما في بضنها ثم سئل بعد ذلك فقيل له أيضاً توفي وله امرأة قد أبطأت عنها حيضتها أيقتسم ميراثه حتى تحيض فقال : لا يقتسم ميراثه ولا يعجل فيه حتى يتبين من حملها فقيل له حتى يستبرأ ، فقال ليس حتى يستبرأ ولكن لا يعجل في قسم ميراثه حتى ينظر في ذلك من أمرها .
قال محمد بن رشد : مثل هذا في رسم العتق من هذا السماع من كتاب العتق أن الميراث لا يقتسم حتى توضع الحمل ، فإن قال الورثة نحن نجعل الحمل ذكراً ونعزل له ميراثه لم يكن ذلك لهم ، قال أصبغ فإن فعلوا فسخت القسمة ووقف جميع المال فإن غصب سهم الورثة يريد في أيديهم بعد

(12/115)


أن أخذوه قبل أن تفسخ القسمة ويوقف المال وولد المولود أعطى نصيبه ومضى الضمان عليهم ، وإن تلف سهم المولود وسلم سهمهم أعطى سهمه مما بأيديهم وابتدئت القسمة فيه لا من الجميع ، هذا قول أصبغ إلا ما زدته فيه على سبيل البيان والتفسير ، ولو تلف الجميع سهم المولود الذي وقف له وسهامهم التي أخذوها بأيديهم لوجب أن يرجع عليهم بحظه مما تلف بأيديهم لأنهم تعدوا بأخذه لا بحظه من الجميع ، لأنهم فعلوا في توقيف حظه ما وجب إذ كان الواجب أن يوقف الجميع ، وكذلك أن كان له ولد فقالت امرأته عجلوا لي الثمن لأنه لي واجب وضعت ذكراً أو أنثى أو أنفش الحمل أو لم تضع شيئاًٍ لم يكن ذك لها ، قال مالك في المبسوطة : فإن جهلوا ذلك فأعطوها ميراثها ثمن تلف المال بعد ذلك أو هلك أو نقص لم أر أن يرجعوا عليها بشيء مما أعطوها ، قال ابن القاسم مفسراً لقول مالك : أما من قاسمها فلا يرجع عليها بشيء ، وأما الحمل فإنه يرجع على من كان من الورثة ملياً فيقاسمهم ما في أيديهم ويتبع هو وهم المعدمين .
قيل له فما فرق بين ذلك وبين الورثة إذا اقتسموا ثم طرأ ولد لم يرجع ذلك الولد على الأملياء دون المعدمين ، لكن يرجع على المليء والمعدم بقدر ما صار في يده من مصابته ؟فقال : فرق ما بينهما لأن الذين إقتسموا المال وله ولد لم يعلموا به صنعوا ما كان يجوز لهم ، فهذا فرق بينهما ، وأراه قول مالك ، قال ابن القاسم فإن أعتق أحد الورثة رأساً بينهما ، وأراه قول مالك ، قال ابن القاسم فإن أعتق أحد الورثة رأساً من رقيق الميت قبل أن يوضع الحمل قوم عليه فعتق عليه كله ، ومعنى ذلك عندي إذا كان يرث مع الحمل ولم يكن الحمل يحجبه والله أعلم .
واختلف إذا أوصى بوصايا وله حمل ، فقيل إنها لا تنفذ الوصايا وينظر الحمل ، وهو قول مالك في رسم البز من سماع ابن

(12/116)


القاسم من كتاب الوصابا ، وقوله أيضاً في رواية ابن أبي أويس عنه ، وقول محمد بن مسلمة ، قال لأن ما يهمك يهلك من رأس المال وما زاد زاد من رأس المال ، فيكون الموصي له قد استوفي وصيته على غير ما ورث الورثة ، وروى ابن نافع عن مالك في المبسوط أن الوصايا تنفذ ويؤخر الورثة القسمة حتى تضع المرأة ، وهو قول أشهب في بعض روايات العتيبة من رسم البز من الكتاب المذكور .
وأما الدين فإنه يؤدي من تركته ولا ينتظر به وضع الحمل هذا ما لا أعرف فيه خلافاً إلا ما ذكر فيه عن بعض الشيوخ من الغلط الذي لا يعد في الخلاف ، قال الباجي شهدت ابن أيمن يحكي في ميت مات وترك إمرأته حاملاً أنه لا يقسم ميراثه ولا يؤدي منه دينه حتى يضع الحمل فأنكرت ذلك ، فقال : هذا مذهبنا ولم يأت ابن أيمن بحدة ، والصحيح أن يؤدي دينه ولا ينتظر الحمل ، ولا يدخل في هذا الاختلاف قول مالك في تنفيذ الوصية قبل وضع الحمل للورثة الرجوع على الوصي لهم بثلثي ما قبضوا ولعلهم سواء كانوا معينين أو غير معينين فلا يجدون على من يرجعون ، وأما تأخير أداء الدين حتى يوضع الحمل فلا علة توجبه بل يجب ترك التوقيف وتعجيل أداء الدين مخافة أن يهلك المال فيبطل حق صاحب الدين من غير وجه منفعة كان في ذلك للورثة وإذا وجب أن يقضي دين الغائب مما يوجد له من المال مع بقاء ذمته إن تلف المال الموجود له كان أخرى أن يؤدي الدين عن الميت من تركته لوجهين أحدهما أن الميت قد انقطعت ذمته ، والثاني أن الحمل لا يجب له في التركة حق حتى يولد حياً ويستهل صارخاً ، ولو مات قبل ذلك لم يورث عنه نصيبه ، والغائب حقه واجب في المال الموجود ، ولو مات ورثه عنه ورثته

(12/117)


فإذا لم ينتظر الغائب مع وجوب المال الذي يؤدي منه الدين الآن له كان أحرى إلا ينتظر الحمل إذ لم يجب له بعد في التركة حق ومن قول ابن القاسم في المدونة وغيرها عن من أثبت حقاً على صغير قضى له به عليه ولم يجعل للصغير وكيل يخاصم عنه في ذلك ، فإذا قضى على الصغير بعد وضعه من غير أن يقام له وكيل فلا معنى لانتضار وضع الحمل بتأدية دين الميت ، وهذا كله بين لا ارتياب فيه ولا إشكال ، فقف على هذه الثلاث المسائل : الدين يؤدي باتفاق ولا ينتظر وضع الحمل والتركة لا يقتسمها الورثة باتفاق حتى يوضع الحمل ، والوصايا تختلف هل يعجل إنفاذها قبل وضع الحمل أو لا يعجل فيه الميراث حتى تسأل المرأة هل بها حمل أم
لا ؟ فإن قالت أنا حامل وقفت التركة حتى تضع أو يظهر أنه ليس بها حمل ، بانقضاء أمد عدة الوفاء وليس بها حمل ظاهر ، وان قالت لست بحامل قبل قولها واقتسمت التركة ، وان قالت لا أدري أخر قسم الميراث حتى يتبين أنه ليس بها حمل بأن تحيض حيضة أو يمضي أمد العدة وليس بها ريبة من حمل ، وهذا معنى قوله في هذه الرواية لا يعجل بقسم الميراث حتى يتبين من حملها ، وكره أن يقول حتى تستبرأ إذ هي مأمونة على نفسها في ذلك مصدقة في قولها بما دل من كتاب الله عز وجل على إئتمانها بقوله : ( ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن ) وبالله التوفيق .

(12/118)


ومن كتاب البيوع الأول
قال وسألت مالكاً عن الرجلين يكون بينهما الشيء من الثمار النخل أو العنب أو التين فيريدان اقتسام ذلك في رؤوس الشجر بالخرص فقال لا بأس باقتسام ذلك كله في رؤوس الشجر من النخل والعنب أو التين أو الثمار كلها إذا وجد من يعرف ذلك ويحسنه ، وإنما يجوز ذلك إذا طابت الثمرة وحل بيعها ، فأما قبل أن يحل بيعها فلا يصلح ذلك وإنما يقسم ذلك إذا طاب وحل بيعه بالخرص وهو يعمل به ها هنا عندنا في ثمر النخل .
فقلت له وما يدعوهم إلى إقتسامه بالخرص؟ فقال : إنما يدعوهم إلى ذلك أن يكون أحدهم يريد أن يأكله رطباً أو يبيعه والآخر يريد أن يأكله أو يبيعه ثمراً ، فإذا اختلفا هكذا فكان هذا يريد به أن يقسم في شجرة إذا طاب وحل بيع ، لا يحل اقتسام شيء منه إلا بعد أن يطيب ويحل بيعه ، فأما قبل أن يطيب فلا يصلح ذلك .
قلت له بعد ذلك : إنك قد قلت لي في الثمار من النخل والأعناب والأتيان والثمار كلها تكون بين الشريكين إنه لا بأس أن يقتسما ذلك في رؤوس النخل أو الأشجار بالخرص إذا كان ذلك الثمر قد طاب وحل بيعه ، وأنه رحمك الله قد يكون في ذلك الثمر أصناف غير واحدة فيكون في النخل العجوة والصيحاني والبرني وغير ذلك من الأصناف ويكون في الأعناب الأبيض والأسود والأحمر ويكون مع ذلك في غيرها من الثمار فيكون في الشيء منها أصناف غر واحدة فكيف ترى أن يقسم ذلك ؟ أيقسم كل صنف منها على حدته حتى يصير لكل واحد منها من عدد الكيل عدداً واحداً ولا

(12/119)


يقتسمان فيأخذ هذا نخلة يرني خرصها عشرة أصوع بنخلة يعطيها الآخر من الصيحاني أو من العجوة وخرصها خمسة عشر صاعاً ، قال وكذلك لو كانت النخلة عجوة أو صيحانياً أو برنياً وبعض ذلك أفضل من بعض أسلم طعاماً وأكثر قدراً وأقل حشفاً فإنه يقسم كل واحد منهما على حدته حتى يصير لكل واحد منهما من عدد الكيل عدد وأحد ، ولا يقتسمان فيأخذ هذا نخلة طيبة الطعام خرصها عشرة أصوع بنخلة يعطيها الآخر خرصها خمسة عشر صاعاً .
فقلت له أني أمتع الله بك لم أراد هذا الذي أردت إذا كانت النخل فيها غير صنف واحد العجوة والصيحاني والبرني فأراد اقتسام ذلك مجتمعاً ليس كل صنف منها على حدته يعطي هذا نخلة صيحاني بنخلة يأخذها من يرني وعجوة وخرصها واحد جميعاً أترى بذلك بأساً ؟ أم لا يقسم ذلك على كل حال من الحال إلا كل صنف من ذلك على حدته الصيحاني على حدته والعجوة على حدته والبرني على حدته .
فقال إذا كان أحدهما لا يأخذ أبداً من مكلية الثمرة في الخرص أقل ولا أكثر مما يأخذ صاحبه فلا بأس بأن يقسم ذلك كله بالخرص مجتمعاً ليس كل صنف على حدته إذا لم يتفضل أحدهما على صاحبه في مكيلة الخرص ، وكان ما يصير إلى كل واحد منهما في الخرط من عدد المكيلة إلى عدد واحد فلا يبالي كيف اقتسم ذلك كل صنف على حدته أو اقتسم جميعاً لا بأس بذلك كله إذا لم يتفضل أحدهما على صاحبه ، قيل أرأيت الزرع أيقسم كذلك ؟ فقال لا أرى ذلك يجوز في الزرع ولا أراه إلا في الثمار .
قال محمد بن رشد : ساوى في هذه الرواية بين ثمار النخل وسائر

(12/120)


الثمار كلها من العنب والتين وغير ذلك مما يجوز فيه التفاصل ومما لا يجوز في جواز قسمة ذلك بالخرص إذا اختلفت الحاجة في ذلك ، خلاف مذهب ابن القاسم في المدونة وروايته عن مالك في أن القسمة في ذلك لا تجوز على الخرص مع اختلاف الحاجة إلا في العنب والتين والذي مضى فيه الخرص لوجوب الزكاة فيه ، والى هذه الرواية أشار في المدونة بقوله : وذلك أنه ذكر لوجوب الزكاة في÷ ، والى هذه الرواية أظهر وأصح في المعنى من رواية ابن القاسم عن مالك ، لأنه إذا جاز التحري والخرص فيما لا يجوز فيه التقاصل لضرورتهم إلى ذلك من أجل اختلاف حوائجهم فأحرى أن يجوز ذلك فيما يجوز فيه التفاصل لا تدخله المزابنة ، وقوله أيضاً إنما يجوز ذلك إذا طابت الثمرة خلاف لما في المدونة لأنه أجاز فيها قسمة البلح الكبير علىالخرص وفي رؤوس الثمار إذا اختلفت حوائجهما فيه خلاف قول سحنون في ذلك فاشتراط مالك في هذه الرواية طيب الثمرة مثل مذهب سحنون في البلح الكبير لأن العلة عنده في أن قسمته بالخرص لا تجوز هو أنه إن ترك أحدهما نصيبه أو شيئاً منه حتى يطيب انفسخت القسمة بينهما ، فإذا كان هذا يأكل وهذا يبيع ولك بجداد لا يجوز لكل واحد منهما أن يترك شيئاً منه حتى يطيب فلم تختلف حوائجهما لأنهما إذا كان لا بد لهما من الجد قبل الطياب فليقتسماه إذا جداه بالكيل ، وقول ابن القاسم في هذه أظهر لأنهما لا يجدان معاً وإرادة كل واحد منهما أن يجد بقدر حاجته أحدهما قليلاً والآخر كثيراً اختلاف حاجة يجوز لهما به قسمته على الخرص وأما الزرع فلا يجوز قسمته على الخرص بإتفاق حوائجها فيه ، إذ لا يؤكل فريكاً فلا يجوز قسمته إلا بالكيل بعد أن يحصد ويدرس إلا أن يكون ذلك قبل أن يبدو صلاحه على أن يحصد كل واحد منهما حصته مكانه فيجوز على الإختلاف في قسمة البقل القائم بالخرص والثمر الذي يجوز فيه التفاضل وبالله
التوفيق .

(12/121)


ومن كتاب الأقضية
وسألته عن الرجلين يشتريان الرقيق ثم يدعو أحدهما صاحبه إلى قسم الرقيق أيكون ذلك على شريكه إذا كانت تلك الرقيق تنقسم ؟ قال نعم ، أرى ذلك له عليه إذا كانت الرقيق تنقسم ، فقلت له يقول إذا دعا أحدها صاحبه إلى المقاسمة كان عليه أن يقاسمه إياها أن كانت تنقسم إلا باعوها ، فقال نعم إذا كانت تنقسم كان عليه أن يقاسمه إياها وإن لم تنقسم تقاوموها أو باعوها في السوق ، فقلت له بعد ذلك بيوم : أرأيت القوم يشتركون فيشترون الدور ثم يدعو بعضهم إلى القسم أيجمع كل واحد منهم حقه من الدور موضع واحد إذا كان متقارباً أم يقسم بينهم كل دار على حدتها ؟ فقال : بل يقسم لكل إنسان منهم حقه من الدور في موضع واحد إذا كان متقارباً ، قلت له ما تقارب ذلك ؟قال : في مكان من المدينة بناحية واحدة وكان لعرض واحد من الأعراض فإذا كان ذلك كله يقسم جميعاً فيجمع لكل إنسان منهم حقه في موضع ولا يعطي حقه من كل دار فيها ، وأما ما تباعد منها بعضها من بعض فلا يقسم كل واحد إلا على حدته .
قال محمد بن رشد : قوله في الشريكين يكون بينهما الرقيق فيدعو أحدهما إلى القسمة إنها تنقسم بينهم أن كانت تنقسم يريد أن كانت تعدل في القسم بالقيمة حتى يصير لكل واحد منهما في حظه عبد كامل أو عبدان كاملان أو عبيد كاملة ، فإن لم تنقسم بينهما إلا بجزء من عبد تقاوموها أو باعوها فاقتسما الثمن ، يريد تقاومها أن أحبوا ذلك أو باعوا ، لأن المقاومة لا يجبر من أبي منهما ، فكان الصواب في الكلام أن يقول إنها أن لم تنقسم باعوها في السوق إلا أن يريدوا أن يتقاوموها فيجوز ذلك بينهما ، ويأتي في هذه المسألة

(12/122)


على ما ذكرناه من قول ابن حبيب في أول مسألة من سماع ابن القاسم أنها أن لم تفسر بالقيمة على قدر حظوظهم منها قوم كل عبد منها على حدة ثم يضرب عليها بالسهام فإن خرج سهم وأحدهم على عبد منها وقيمته أكثر من حظه كان له منه قدر حظه وكان بقيته وسائر العبيد لشريكه ، وأن خرج سهمه عليه وقيمته أقل من حظه كان له وضرب له بالسهم الثانية فإن خرج سهمه على العبد قيمته أكثر من بقية حظه كان له منه بقدر ما بقي له من حظه ، وإن خرج سهمه على عبد قيمته أقل من قيمة حظه أخذه وضرب له بالسهم الثالث على ما بقي من العبيد حتى يستكمل بقية حظه كاملاً ، وبالله التوفيق .
مسألة
قلت أرأيت الدارين تكون إحداهما في موضع حي عامر يرغب والأخرى في موضع غير عامر ، وكلاهما بقرية واحدة ؟ قال أما الشيء البعيد مثل منزلي هذا ومنزل آخر بالتشبيه ، فإنه يقسم كل واحد منهما على حدته ولا يقتسمان جميعاً حتى يجمع لأحدهما حقه إذا كانت متباعدة هكذا ، وإنما هذا في الدور إذا تباعدت هكذا قسم لكل واحد منهم في ذلك كله ، ولم تجمع له في موضع وأحد ، وليس الحوائط في هذا مثل الدور والحوائط وإذا كانت هكذا بالمدينة وما قارتها وإن تباعدت بعضها من بعض فإنها تقسم فيقطع لكل واحد منهم نصيبه من الحوائط كلها في موضع واحد إلا أن يكون بعضها ليس يعارض صاحبها سائر المدينة لا تقتسم حوائطها مع حوائط خيبر تقسم هذه على حدتها وهذه على حدتها ، وليس يقسم العين مع النضح ، ولا البعل مع السقي وإن تقاربت الحوائط ، وإنما يقسم كل شيء من هذه بينهم إذا كانت على هذه الصفة على حدته إلا أن يتراضوا أن يجمعوا ذلك كله في القسم فيكون ذلك لهم.

(12/123)


قلت له أرأيت أن كان الحائطان جميعاً متقاربان في الموضع وكلاهما من سقيه على شيء واحد من عين أو نضح أو بعل إلا أن أحد الحائطين عجوة والآخر صيحاني إنما يختلفان في ثمارهما فأرادا اقتسامهما أيقسم لكل واحد منهما حقه من كل حائط أو يجمع له من الحائطين جميعاً في حائط واحد؟ فقال لي بل يقسم له كله من الحائطين فيجمع له في حائط واحد ولا يقسم له في حائط بحقه فيقطع له ذلك في الحائطين جميعاً ، وإن كان أحدهما صيحانياً والآخر عجوة فإن ذلك يجمع لكل واحد منهما في موضع واحد لا يقسم له في كل حائط بحقه ، قال لي : وكذلك ما ورث من الأموال والدور وهو مثل ما يشتري منها ، فالمرأة يقطع لها الربع من الدور في موضع واحد إذا كانت الدور متقاربة ، وإنما تقسم هذه الأشياء إذا كانت هكذا بالقيمة .
قال محمد بن رشد : راعي في قسمة الدور في هذه الرواية اختلاف مواضعها ولم يراع اختلاف نفاقها ، فلم يجز أن يجمع في القسمة إذا اختلف مواضعها بالعبد وإن اتفقت بالنفاق عكس ما في المدونة من أنها تقسم قسماً واحداً إذا اتفقت مواضعها في النفاق وإن اختلفت بالبعد ولا تقسم قسماً واحداً وإن اختلفت بالبعد ولا تقسم قسماً واحداً ذا اختلفت مواضعها في النفاق وإن اتفقت في القرب ، وفي المسألة قول ثالث يقوم من المدونة أنها لا تقسم قسماً واحداً إلا أن يتفقا في النفاق والقرب ، فإن تباعد ما بينهما في المواضع واختلف موضعهما في النفاق وإن كان قريباً لم يجمع في القسم ، وقسم كل واحد منهما على حدته .
وتفرقته بين الحوائط والدور في مراعاة البعد ليس ببين في القياس والنظر ، والصواب أن يدخل في الحوائط الاختلاف من الدور حسبما ذكرناه في أول مسألة من سماع ابن القاسم وفي قوله بعد ذلك أن الحائطين إذا كان جميعاً متقاربين في المواضع يجمعان في القسم دليل على أنه لا يجمعان فيه إذا لم

(12/124)


يكونا متقاربين ، فعلى هذا ساوى بين الدارين والحائطين وهو القياس على ما ذكرناه .
وقوله أن البعل لا يقسم مع السقي وهو خلاف قول مالك في الموطأ مثل ما حكي ابن حبيب في الواضحة وقد مضي هذا في آخر رسم من سماع ابن القاسم ، وقوله أن الحائطين يجمعان في القسم وإن كان ثمر أحدهما عجوة والآخر صيحانياً صحيح لا اختلاف فيه لأن العجوة والصيحاني صنف وأحد ، ولو كان أحد الحائطين نخلاً والثاني تيناً أو عنباً لما جمعا في القسمة بالسهمة لأنهما صنفان وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل عمن توفي وترك ثلاثة ولد وذكوراً وترك ثلاثة أعبد واقتسم الورثة فأخذ كل واحد منهم عبداً فنوفي أحد الأعبد عند أحدهم واعترف الآخر في يد الثاني ، وبقي الآخر في يد الثالث ، فقال الذي مات العبد في يديه هو منه ، وليس للذي اعترف العبد في يديه عليه شيء ، لأنه قد فات عنده ، ويرجع الذي اعترف العبد في يديه على أخيه الذي في يديه العبد الثاني فيكون له ثلثه وللذي في يديه العبد الثلثان ، ولا يكون لأخيهما الذي توفي العبد في يديه فيه شيء لأنه مات عنده ، ولا يكون للذي انتزع منه العبد من الباقي إلا الثلث ، وإن كان هذا العبد الباقي مات أيضاً عند صاحبه ما كان عليه شيء ولا يكون للذي اعترف العبد في يديه عليه شيء .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة قد مضت في سماع سحنون من كتاب الاستحقاق والكلام عليها مستوفي فلا وجه لاعادته وبالله التوفيق .

(12/125)


من سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم من كتاب المكاتب
قال عيسى ابن دينار : سئل ابن القاسم عن رجلين اشتريا عشرة أرؤس فاقتسماها فأخذ كل واحد منها خمسة ، فكان حظ أحدهما خيراً من حظ صاحبه بدينار ونصف ، فغرم لصاحبه ديناراًَ ونصفاً فوجد الذي أخذ الدينار ونصفا في حظه رأساً به عيب وقد فاتت رقيق صاحبه أو لم تفت ، قال ابن القاسم : إن لم تفت رقيق صاحبه نظر إلى قيمة رقيق هذا الذي وجد العيب بالعبد والعبد المعيب فيها يقام صحيحأً فينظر ما اسم هذا العبد المعيب من جميع قيمتها ، فإن كان السدس كان هذه العبد بينهما بنصفين ، ورد من الدينار ونصف على صاحبه نصف سدسها ، وكان شريكاً في رقيق صاحبه بنصف سدسها ، وان كانت قد فاتت رجع عليه بنصف سدس قيمتها وحاصة في نصف سدس الدينار ونصف ، وكان العبد المعيب بينهما ، لأن الدينار والنصف قد أصاب كل رأس منها بقدر قيمته فلما أن صار هذا العبد المعيب سدس قيمته الخمسة أرؤس كان الذي أصابه من الدينار نصف سدسه فكان للذي وجد العيب نصف السدس .
قال ابن القاسم : ولو كان العبد الذي وجد به العيب هو وجه الخمسة أروس التي أخر فيها رجاء الفضل ولم يفت رقيق صاحبه انتقضت القسمة كلها ، واقتسموا ثانية ، ولو كانت قد فاتت رقيق صاحبه بنماء أو نقصان أو اختلاف أسواق كان عليه قيمتها ثم اقتسموا الرقيق والقيمة .

(12/126)


قال محمد بن رشد ، قوله فكان حظ أحدهما خيراً من حظ صاحبه بدينار ونصف فغرم لصاحبه ديناراً ونصفاً كلام وقع على غير تحصيل لا يصح ، لأنه إنما يجب أن يغرم له ديناراً ونصفاً من ماله إذا كان حظ صاحبه خيراً من صابه بثلاثة دينار ، وكذلك قوله إذا كان العبد المعيب سدس قيمة الأعبد التي صار في نصيبه أنه يكون بينهما نصفين ويكون شريكاً في رقيق صاحبه نصف سدسها غلط وكلام وقع على غير تحصيل ، لأن الواجب إنما هو أن يرد إليه جميع سدس الدينار ونصف أو بحاصة بذلك في سدس قيمة رقيقه إن كانت قد فاتت وبذلك تستقيم المسألة فيكون قد رد إليه قدر ما رجع به عليه فتدبر ذلك تجده صحيحاً ، ويتبين ذلك بالتنزيل مثال ذلك أن تكون الأرؤس التي بينهما خمس عشرة شاة فيقتسمانها بينهما يأخذ أحدهما ست شياه قيمتها ستة دنانير ويأخذ الآخر تسع شياة قيمتها تسعة دنانير ، فيعتدلان بذلك فإن وجد الذي أخذ الدينار ونصفاً عيباً بشاة من الست شياه التي أخذ وقيمتها دينار والتسع قائمة بيد شريكه لم تفت رد على شريكه الشاة المعيبة فكانت بينهما بنصفين ، ورد عليه سدس الدينار ونصف الذي قبض منه ، وكان شريكاً معه في التسع شياه بنصف سدسها فكان إذا فعل ذلك قد قبض كل واحد منهما من صاحبه ما ينوب ما دفع إليه مما بيده ، لأن الذي وجد العيب بالشاة أعطي صاحبه أربعة أسداس مثقال ونصف سدس مثقال نصف الشاة بثلاثة أسداس وسدس الدينار ونصف سدس وأخذ من صاحبه نصف سدس التسع شياه وقيمة ذلك أربعة أسداس ونصف سدس كما دفع لأن قيمتها تسعة مثاقيل فنصف سدسها أربعة أسداس ونصف سدس .
ولو كانت التسع شياه قد فاتت بيد الذي قبضها لوجب إذا رد عليه الشاه المعيبة فكانت بينهما أن يرجع عليه بنصف قيمة التسع شياه ، وذلك أربعة أسداس ونصف السدس بعد أن يدفع إليه سدس الدينار ونصف ، أو يقاصه به فيأخذ منه نصف دينار ، وهذا كله بين والحمد لله .

(12/127)


وقوله أنه يكون شريكاً في رقيق صاحبه بنصف سدسها أن كان العبد المعيب سدس حظه ، وإن كان وجهه انتقضت القسمة هو أحد قوليه في المدونة ، وقوله الثاني فيها إنه في اليسير يرجع بما نابه من حظ صاحبه دنانير وإن كان قائماً وفي الكثير يكون شريكاً بما نابه ولا يتنقص القسمة ففرق في كلي القولين بين الوجهين وقال في كل القولين بين الوجهين وقال في كل وجه منها قولين ، فلا اختلاف في أنه لا تنتقض القسمة في اليسير ، ولا في أنه لا يرجع في قدره من الدنانير في الكثير ، وهذا الاختلاف كله في القيام ، ولا اختلاف في أنه يرجع بما ناب المعيب أو المستحق من الدنانير في الفوات وبالله التوفيق .
ومن كتاب حمل صبياً على دابة
قال عيسى : سألت ابن القاسم عن الحائط والدار والأرض تكون بين الورثة كيف يقتسمون ذلك ؟ قال ابن القاسم : يقسم على أدناهم سهماً ثم يضرب في الطرفين فأيهم وقع سهمه في أحد الطرفين ضم له نصيبه إلى حيث وقع سهمه ، ثم يضرب لمن بقي فيما بقي كذلك في أحد الطرفين بعد الذي عزل ، فإذا وقع سهم أحدهم في شق ضم إليه نصيبه إلى حيث وقع سهمه حتى يكمل كذلك حتى يكون نصيب كل واحد به مجتمعاً ، ولا يقع حقه مبدداً وكذا وجه ما فسر لي مالك ووصف لي قال ابن القاسم وتفسير يقسم على أدناهم سهماً أن كان أدناهم صاحب السدس قسمت الأرض على ستة أجزاء بالقيمة ، فإن كان بعض الأرض أفضل من بعض فضلت بالقيمة على قدر تفاضهما ، فقد يكون الفدان الواحد ثمن فدادين يحمل كل سهم بالقيمة على قدر تفاضله حتى يستوي في القيمة فتكون قيمة كل سهم واحد وإن كثرت الأرض في بعض ذلك

(12/128)


السهام لرداءتها وفي بعضها لارتفاعها في القيمة وكرمها ، فإذا استوت في القيمة كتب أهل كل سهم اسم سهمهم ثم أسهم في الطرفين جميعاً ، فمن خرج سهمه في طرف ضم إليه ما بقي من حقه إلى حيث خرج سهمه ثم يضرب أيضاً في الطرفين فيصنعوا في ذلك كما صنعوا أولا حتى يأتوا على آخرها ، قال عيسى : إذا كانت الكريمة تحمل القسمة ، والدنية تحمل القسمة الكريمة على حدتها والدنية على حدتها
قال محمد بن رشد : قوله في أن الحائط والدار والأرض تقسم على أدناهم معناه إذا كانت فريضتهم تقسم على أدناهم سهماً مثل أن تهلك امرأة عن زوج وأم وأخت لأم ، فإنها تقسم أسداساً ثم يضرب بسهامهم على الطرفين فإن خرج سهم الزوج في أحد الطرفين وسهم الأم في الطرف الآخر أخذ الزوج النصف في الطرف الذي خرج سهمهم فيه ، وأخذت الأم الثلث في الطرف الذي خرج سهمها فيه ، وكان للأخت السدس الباقي من الوسط حيث بقي وإن خرج سهم الأخت في أحد الطرفين وسهم الزوج أو الأم في الطرف الآخر أخذت الأخت السدس في الطرف الذي خرج سهمها فيه وكان للزوج النصف الباقي في الوسط ، وان كان الزوج هو الذي خرج سهمه في الطرف الآخر أخذت فيه ، وكان للأم ثلث الباقي في الوسط ، وكذلك ما أشبهه على هذا القياس .
وقد قيل إنه يضرب سهامهم على الطرف الواحد أبداً وهو الذي في المدونة ثابت في كل رواية ، وأما أن كانت فريضتهم لا تنقسم على أدناهم سهماًُ فلا بد أن تنقسم على مذهب ابن القاسم على ما تنتهي إليه السهام

(12/129)


فريضتهم التي تنقسم منها وإن كان سهم أقلهم نصيباً ينتهي إلى عشرة أسهم أو أقل أو أكثر أن تهلك امرأة عن زوج وأم وابن وابنة ، وفإنها تنقسم على ستة وثلاثين سهماً لأن فريضتهم لا تنقسم من أقل منها ، يكون للزوج تسعة ، وللأم ستة ، وللابن أربعة عشر ، وللبنت سبعة ، ثم يضرب بسهامهم على الطرفين فمن خرج سهمه منهم في طرف ضم إليه فيه بقية حقه عن كان الزوج أخذ فيه تسعة أسهم وهو الربع وان شئت قلت السدس ونصف السدس ، وإن كانت الأم أخذت فيه ستة أسهم وهو السدس ، وإن كان الابن أخذ فيه أربعة عشر سهماً وهو السدسان وثلث السدس ، وإن كانت الأخت أخذت فيه سبعة أسهم وهو السدس وسدس السدس ، ويأخذ في الطرف الأخر من خرج سهمه فيه على هذا الترتيب ، ثم يسهم بين الباقين منهما على ما بقي من السهام ، فمن خرج سهمه منهما في طرف ضم إليه بقية حقه فيه ، وكان للباقي ما بقي وقد قيل إنه لا يسهم إلا على طرف بعد طرف ، فإن تشاحوا على أي الطرفين يسهم عليه أولا أسهم على ذلك ، وهو قوله في المدونة على ما ذكرناه ، هذا مذهبه في القسمة في المدونة وغيرها ، وقد ذكرنا مذهب مالك في ذلك في المدونة في تكلمنا على أول مسألة من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته .
وقوله : فإن كان بعض الأرض افضل من بعض فضلت بالقيمة فقد يكون الفدان الواحد تعد للفدانين ، هو مثل ما في كتاب الوصايا الثاني من المدونة خلاف ما في كتاب القسمة منها من أن الأرض لا تقسم قسماً واحداً إلا إذا كانت معتدلة في الطيب والكرم ، وقول عيسى في المسألة قول ثالث وقد مضى بيان هذا في أول مسألة من سماع أبن القاسم وبالله التوفيق .
ومن كتاب البراءة
قال وسألت ابن القاسم عن الإخوة يرثون منزلاً عن أبيهم يقتسمونه فيغيب بعضهم ويقيم بعضهم فيقدم الغائب بعد سنين

(12/130)


فتشتبه عليهم حالهم ويقول الذين عملوا لا نعرف سهامكم هل يعيدون القسمة جميعاً؟ قال أما الذين عمروا فيحلفون بالله إذا لم يصدقهم أشراكهم أن الذين عمروا إسهامهم ولا شيء عليهم ويعيدون هؤلاء الذين اشتبهت عليهم السهام القسمة فيما اشتبه عليهم .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال لأنهم قد تقارروا على القسمة فوجب أن يكون من بيده منهم أرض في اعتماره أن يكون القول قوله مع يمينه أنها هي التي صارت له بالقسمة وبالله التوفيق .
مسألة
قلت فلو كان حظ رجل منهم من تلك الأرض بيد أخيه عشرين سنة أو نحوها فمات صاحب السهم وطلب ذلك بنوه من بعده من عمهم ، أو لم يمت فطلب ذلك هو والمنزل معروف لوالدهم أنه مات عنه ، قال : إن ادعى شراء أو صدقة فذلك له أقام البينة أو لم يقم ، لأن في عشرين سنة ما ( يبيد ) الشهود وإن كان لا يدعي شراء ولا صدقة وإنما يقول هو في يدي فإن ذلك لا ينتفع به ، قال ولو مات الذي كان الحائط في يديه فقال الورثة لا ندي بأي شيء كان في يد صاحبنا فليس عليهم شيء إلا أن يأتي الذين يدعونه بأمر يبين حقوقهم .
قال محمد بن رشد : مساواته في هذه المسألة بين الشراء والصدقة خلاف قوله في رسم أن خرجت من سماع عيسى من كتاب الاستحقاق في تفرقته بينهما في الأجنبيين إذ لا فرق بني المسألتين على القول بأنه لا حيازة بين الأجنبيين في العشرة الأعوام إذا لم يكن هدم ولا بنيان كالقرابة لأنه جعل في هذه الرواية القول قول الحائز فيما يبدأ الشهود فيه من المدة إذا ادعى شراء أو صدقة ولم يجعل في رواية عيسى عنه من كتاب الاستحقاق القول قوله في

(12/131)


ذلك إلا في الشراء دون الصدقة والهبة والنزول .
قوله أن الورثة إذا قالوا لا ندري بما تصير ذلك إلى موروثنا الذي ورثناه عنه قبل ذلك منهم ونفعتهم الحيازة ، وان لم يدعوا الوجه الذي تصير به ذلك إلى موروثهم في أنهم لا ينتفعون بالحيازة إلا أن يدعوا الوجه الذي صار به إليهم ، وقد مضى القول على هذا مستوفي في رسم تسلف من سماع ابن القاسم من كتاب الاستحقاق وبالله التوفيق .
ومن كتاب العتق
وسئل ابن القاسم عن الرجلين يقتسمان داراً بينهما فيجد أحدهما في حظه جباً باللأولى ولا يجد الآخر شيئاً أيكون له معه في ذلك شيء؟ قال : نعم أرى له معه في ذلك حظاً ، وأرى أن يعادوه القسم إذا كان لم يفت ، فإن فات ببنيان رأيت له عليه نصف ذلك وهو بمنزلة بيوت وجدها أسفل بيوت لم يكن علم بها ، فليس له أن يأخذها دونه ، د
قال محمد بن رشد : قول ابن القاسم في هذه الرواية خلاف نص قول سحنون في آخر جامع البيوع ، وما ذهب إليه ابن حبيب وابن دينار وهو أصل قد اختلف فيه قول ابن القاسم ، وقد مضى الكلام على ذلك مستوفي غاية الإستيفاء في سماع ابن القاسم من كتاب الأقضية ومن كتاب اللقطة وفي آخر البيوع فلا معنى لإعادة شيء من ذلك وبالله التوفيق .
من سماع يحيي من ابن القاسم من كتاب الكبش
قال يحيي : وسألت ابن القاسم عن الذي يوصي بوصايا

(12/132)


وعتاقة فتنفذ الوصايا والعتاقة ثم يطرأ على الوصي دين يحيط بماله وقد شهد العبيد المعتقون على حقوق وطال زمان ذلك واقتسم الورثة ونما بعض ذلك في أيديهم أو نقص أو استهلك ، فقال : ترد الوصايا التي أخذها أهلها بحال ما يوجد في أيديهم نامية أو ناقصة وما هلك منها فلا ضمان عليهم إلا أن يستهلكوا شيئاً فيغرمونه أو يكونوا اشتروا شيئاً فحوسبوا به في وصاياهم فيكون لهم نماؤه وعليهم تواؤه ويردون الثمن الذي حوسبوا به قال : والورثة بهذه المنزلة فيما اقتسموا مما أخذوا على حال الاقتسام ، فنماؤه للغرماء ولا ضمان على الورثة فيه إلا أن يستهلكوا شيئاً فيكون عليهم غرمه ، وما اشتروا على حلا البيع وليس على وجه الاقتسام فنماؤه لهم وضمانه عليهم يغرمون الثمن الذي كان وجب به عليهم ، قال : وما اقتسموا من ناض ذهب أو ورق أو طعام أو إدام فإنهم يغرمون ذلك كله ، وإنما يوضع عنهم ضمان ما هلك من العروض والحيوان والعقار التي تقسم بالقيمة ، قلت أرأيت ما اقتسموا من العروض بالقيمة فغابوا عليه ولم يعرف هلاكه إلا بقولهم أيبرؤون من ضمانه ؟ أو الطعام أو الإدام أتوجب عليهم ضمانه وتراه كالذهب إذا عرف هلاكه بالبينة؟ كبراءة المرتهن والمستعير وحاله فيما لم يغب عليه كحالهما .
قال محمد بن رشد : الأصل في هذه المسألة قول الله تبارك وتعالى في آية المواريث ( من بعد وصية يوصى بها أو دين ) فنص تعالى على أنه لا ميراث لأحد من الورثة إلا من بعد تأدية الدين والوصية .
واختلف إذا طرأ على التركة دين أو وصية بعدد بعد اقتسام الورثة ما ترك

(12/133)


الميت من دنانير أو دراهم أو طعام أو عرض أو حيوان أو عقار على خمسة أقوال أحدها أن لقسمة تنتقض لحق الله تعالي شاء الورثة أو أبوا ، فيكون ما هلك من جميعهم وما نما لجميعهم ، فيخرج الدين أو الوصية من ذلك ويقسم الورثة ما بقي أن بقي شيء ، وهذا قول مالك في رواية أشهب عنه ، والثاني أن القسمة تنتقض فيكون ما هلك أو نقص أو نما بين جميع الورثة إلا أن يتفق جميعهم على إلا ينقضوها ويخرجوا الدين أو الوصية أو الوصية من أموالهم فيقروها فيكون ذلك لهم ، وهو المشهور من مذهب ابن القاسم المنصوص له في المدونة ، وقد اضطرب في ذلك قوله ، والثالث أن القسمة تنتقض أيضاً فيكون ما هلك أو نقص أو نما بين جميعهم إلا أن لمن شاء من الورثة أن يخرج من ماله ما ينوبه من الدين ويحمل نوبه مما هلك ويبقى حظه في يديه ، فيكون ذلك له ، وهو قول ابن حبيب في الواضحة ، مثال ذلك أن يهلك المتوفي وله أربع بنين ويترك عروضاً ثمان بقرات في التمثل قيمة كل بقرة منها عشرة مثاقيل ، فيقسمونها بينهم فيأخذ كل واحد منهم منها بقرتين بقرتين ، فتموت بيد واحد منهم بقرة من البقرتين الللتين صارتا له في سهمه ويطرأ على المتوفي دين عشرة مثاقيل ، فإن الواجب في ذلك على مذهبه أن تنتقض القسمة ويخرج الدين من السبع بقرات الباقية ، فإن بيع فيه بقرة واحدة قسمت الستة الباقية بين البنين الأربعة بالسهمة حسبما مضي من الاختلاف في صفة القسمة بها أن لم يتفقوا على قسمتها بالتراضي ، ولمن شاء منهم على مذهبه أن يخرج من ماله ما ينوبه من الدين وذلك ديناران ونصف دينار ، ويحمل نوبه من قيمة البقرة التي مات ، وذلك دينار ونصف دينار أيضاً أن كانت قيمتها عشرة فيؤدي خمسة دنانير ، دينارين ونصف دينار لصاحب الدين ، ودينارين ونصف لسائر الورثة ، ويترك حظه في يده ، ويردون الباقون جميع ما بأيديهم أن أبوا إلا نقض
القسمة فيقتسمون الخمس بقرات التي في أيديهم مع الدينارين ونصف دينار التي حمل الراضي بالقسمة بينهم على السواء بعد أن يؤدوا بقية الدين وذلك سبعة دنانير ونصف دينار ، والقول الرابع أن القسمة لا تنتقض ، وهو قول

(12/134)


أشهب وسحنون إلا أنهما اختلفا في فض الدين ، فقال سحنون إنه يقض على ما بيد كل واحد منهم يوم الحكم ، وقال أشهب في أحد قوليه إنه لا يفض على الأجزاء التي اقتسموا عليها زادت أو نقصت ما كانت قائمة ، فلا اختلاف في أنه لما لا يضمن من تلف ما بيده بأمر من السماء لصاحب الدين شيئاً من دينه والقول الخامس أن القسمة تنتقض بين ما بقي بيده حظه أو شيء منه أو استهلكه أو شيئاً منه ، فأما من تلف جميع حظه يأمر من السماء فلا يرجع صاحب الدين ولا يرجع هو على الورثة بما بقي بعد تأدية الدين ، وقول ابن القاسم في هذه الرواية إذا لحق دين يغترق التركة بعد تنفيذ الوصايا والعتق واقتسام الورثة أن الوصايا ترد بنمائها ونقصانها ، وتنقص القسمة ويكون النماء للغرماء والضمان عليهم ، ولا يكون على الورثة ضمان شيء منه إلا أن يستهلكوه فيكون عليهم غرمه بين لا كلام فيه على مذهبه إذا كان الدين يغترق التركة بنمائها ، وأما أن كان لا يغترقها فاتفق جميعهم على أن يؤدوا الدين ومضوا قسمتهم فذلك لهم على مذهبه .
وأما قوله فيما اشتروا من التركة فحوسبوا في ميراثهم أو اشتراه الموصي لهم منها فحوسبوا به في وصاياهم أن لهم النماء وعليهم الضمان ، وليس عليهم إلا الثمن فهو بين صحيح لا اختلاف فيه إذ لا فرق بين أن يشتروه فيحاسبوا به في ميراثهم أو في وصاياهم وبين أن يباع من غيرهم فيدفع إليهم الثمن في ذلك .
وأما قوله وما اقتسموا من ناض ذهب أو روق أو طعام أو إدام فإنهم يغرمون ذلك كله وإنما يوضع عنهم ضمان ما هلك من الحيوان والعروض والعقار الذي يقسم بالقيمة فالظاهر منه أن الذهب والورق والطعام والإدام يغرمونه أن هلك ولا يوضع عنهم ضمانه وإن قامت بينة على تلفه ، بخلاف العروض والحيوان والعقار التي تقسم بالقيمة ، وقد بين ذلك إذ جعل الحكم فيه حكم العارية فيما لا يعرف بعينه إذا غيب عليه مضمونة كالقراض ، وكذلك

(12/135)


قال في العارية من المدونة إنها قرض ، وهو قول ابن الماجشون في رسم النكاح من سماع أصبغ من كتاب النكاح خلاف قوله فيه إنه لا ضمان عليه في العين ولا في كل ما يغاب عليه إذا قامت البينة على تلفه ، وخلاف قول أصبغ في تفرقته بين العين وبين ما سواه مما يغاب عليه .
فيتحصل في العين والطعام والإدام إذا قامت البينة على تلفه ثلاثة أقوال أحدها أنه ضامن وهو قوله في هذه الرواية ، والثاني أنه لا ضمان عليه وهو قوله في سماع أصبغ من كتاب النكاح ، والثالث الفرق بين العين والطعام والإدام وما كان في معناه من المكيل والموزون كله ، وهو قول أصبغ ، وأما إذا لم تقم بينة على تلف ذلك فهو ضامن ولا اختلاف في العروض التي يغاب عليها أنه ضان إلا أن تقوم البينة على تلفها ولا في الحيوان الذي يغاب عليه أنه يصدق في تلفه وبالله التوفيق .
ومن كتاب الأقضية
أخبرني من أرض أن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجسون قال : إذا اقتسم الورثة الدور والأرضين على سنة اقتسامها ثم استحق منها بعض ما في أيديهم أو وجد ببعض ذلك عيب فإن القسم فإن القسم يعاد بينهم ، قال : وإن كانوا اقتسموا على وجه المراضاة وكلهم قد بلغ أن يحوز أمره فيما نظر فيه لنفسه ثم استحق بعض ذلك أو وجد معيباً مما يشتري ، وذلك أنهم إذا تراضوا فكأنما اشترى بعضهم من بعض إذا اقتسموا على وجه الاقتسام .
قال محمد بن رشد : تفرقة عبد العزيز بن أبي سلمة إذا استحق بعض نصيب أحد الأشراك بعد القسمة أو وجد بها عيب بين أن تكون القسمة على التراضي أو على وجه الحكم بالسهمة يأتي على قياس القول بأن القسمة تمييز حق لا بيع من البيوع ، لأنه إذا استحق بعض نصيب أحدهم أو وجد به عيب فليس الذي بقي بيده مع الذي يرجع ليه في الاستحقاق على حكم الرجوع بالبيع من مشاركة صاحبه فيما في يده أو الدنانير التي يأخذ منه في ذلك هو حقه الذي كان تميز له بالقسمة ، لأن الذي تميز له بها أخذه بالقرعة ، فإذا لزم الرجوع على صاحبه بقدر ما استحق من نصيبه شاء أو أبي فقد حصلت القرعة على ما لا يجوز الاقتراع عليه من الصنفين ، إلا ترى أنه إذا كان أحد النصيبين أفضل من الآخر فجعل بينهما دنانير أنه لا يجوز الاقتراع على ذلك ؟ وقول ابن القاسم وروايته عن مالك في إيجاب الرجوع في ذلك على حكم البيع هو على قياس القول بأن القسمة بيع من البيوع ، وأما إذا كانت القسمة

(12/136)


على التراضي فلا اختلاف في أن حكمه حكم البيع في جميع الأحكام التي تطرأ على البيوع من الاستحقاق والعيوب وسائر الأحكام المتعلقة بالبيوع وبالله التوفيق .
مسألة
قال ولا ينبغي أن يقسم شيء من الحيوان والعروض بالقيمة ولكن يباع ذلك فيشتريه من أحب .
قال محمد بن رشد : إنما لم يجز ابن أبي سلمة قسمة شيء من الحيوان والعروض بالقيمة لأنه رأى الإستهام غرراًٍ فلم يجزه إلا في قسمة الدور والأرضين لحاجة الناس إلى اقتسامها ليشفع كل واحد منهم أن باعوها واقتسموا الثمن أو يعتاض بحظه منها مسكناً يسكنه وبالله التوفيق .
من سماع أبي زيد من ابن القاسم
قال ابن القاسم عن الرجل يكري داره سنة من رجل ثم يهلك

(12/137)


صاحب الدار بعد شهر أو شهرين كيف الأمر في ذلك إذا طلب الورثة قسمة دار أبيهم ؟ قال ابن القاسم : الكراء الذي تكارى ليس لهم أن يخرجوه حتى يتم سنة ، فإن أحبوا أن يقسموا فذلك لهم ، يعرف كل إنسان منهم ما يصير له إذا كان لا يضر بالمتكاري ولا يضيق عليه شيء ، وإن أراد ورثته إذا اقتسموا أن يبني كل إنسان منهم ما يصير له إذا كان ذلك لا يضر بالمتكاري كان ذلك له .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة صحيحة بينة لا اختلاف فيها لأن الكراء بيع من البيوع ، فهو عقد لازم يلزم ورثته كل واحد من المتكاريين ، فإن أمكنهم القسمة دون أن يضر ذلك بالمتكاري لم يمنع من ذلك مانع ، ويقتسمونها إن شاءوا على الصفة ، إذ من حق المكتري أن يمنعهم من الدخول فيها لقسمتها ، فإن إذن لهم في ذلك لم يكن لهم أن يحجروا على أنصيائهم بالبنيان إلا بإذنه ورضاه ، وقوله في الرواية إن ذلك لهم إذا كان ذلك لا يضر بالمتكاري معناه عندي إذا كان قد أذن لهم بالبنيان فلهم أن يبنوا ما لا يضر به وبالله التوفيق تم كتاب القسمة بحمد الله تعالي وصلى الله على محمد .

(12/138)