البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة

كتاب الجوائح والمساقاة
من سماع ابن القاسم من مالك من كتاب الرطب باليابس
قال سحنون أخبرني ابن القاسم عن مالك في الرجل يشتري الثمرة فتصيبه الجائحة فيريد أن يوضع عنه ، فيقول رب الحائط أنا أقيلك ولا أضع عنك ، أو يربحه في بقية الثمر قال الوضيعة له دين قد ثبت له إذ دعاه إلى الإقالة أو إلى الربح في بقية الثمر ، لأنه لو خسر أكثر مما أصيب في الجائحة لم يرد عليه شيء ، ولو لم ير رب المال أن فيما بقي فضلاً أو وفاء لم يقله والوضيعة له ثابتة ولا ينظر في غلاء السعر ورخصه .
قال محمد بن رشد : وهذا كما ذكر ، وهو مما لا اختلاف فيه أعلمه لأن ما أجيح من الثمرة إذا بلغ ما يجب وضعه عن المشتري مصيبته من البائع فلا حجة له في ذلك على المشتري بما رضي به من الإقالة ، لأنه إنما رضي بالإقالة لسبب غلاء الثمرة ، ولا حجة للبائع على المشتري في غلاء الثمرة ، لأن الربح له كما أنه لا حجة للمشتري على البائع برخصها ، لأن الخسارة عليه ولو خسر على ما وزن لم يكن له بذلك على البائع رجوع ، ولا له أيضاً إن

(12/139)


أجيح الجل أن يرد الباقي ويأخذ جميع ثمنه إذ لا سبب للبائع في الجائحة ففارق ذلك حكم الاستحقاق والرد بالعيب ، ووجب للمشتري الرجوع بقدر الجائحة بحكم ما أوجب الشرع لما بقي على البائع من التوفية في ذلك حسبما بيناه في غير هذا الكتاب وبالله التوفيق .
مسألة
قال مالك ولا بأس أن يشترط الداخل في المال على صاحب الحائط الغلام أو الدابة إذا كان شيئاً ثابتاً لا يزول ، فإن اغتل الغلام أو هلكت الدابة أخلف مكانها أخرى وإلا كان الغرر لا ينبغي ، وإنما هذا إذا كان الحائط كثير المؤنة والدابة فيه يسيرة قال سحنون مثله ولا يجوز هذه في القراض أن يدفع الرجل إلى الرجل المال القراض فيشترط العامل على رب المال عون غلامه أو دابته أو يشترط إن مات الغلام أو هلكت الدابة أن على رب المال خلفها أن ذلك مكروه وزيادة يزدادها العامل ، وذلك في المساقاة جائز ولو لم يشترط ضمانها في المساقاة لما جاز .
قال محمد بن رشد : قوله في اشتراط الداخل على صاحب الحائط الغلام أو الدابة إن ذلك لا بأس به إذا كان شيئاً ثابتاً لا يزول يدل على أن ذلك لا يجوز إلا بشرط الخلف ، وقد روى ذلك عن سحنون نصاً ، وقد قيل أن الحكم يوجب الخلف وإن لم يشترطه ، وهو ظاهر ما في الواضحة ، وما في المدونة محتمل الوجهين ، والذي أقول به على التفسير للروايات جميعاً أنه أن كان عين الغلام أو الدابة في اشتراطه إياهما بإشارة إليهما أو تسمية لهما فلا تجوز المساقاة على ذلك إلا بشرط الخلف ، وإن كان ليم يعنيهما فالحكم يوجب

(12/140)


خلقهما أن لم يشترطه ، وقد اعترض بعض أهل النظر جواز اشتراط الخلف في الدابة والغلام المعينين وذهب إلى أن ذلك لا يجوز ، كما لا يجوز اشتراط خلف الدابة المعينة إذا أكرت ، وليس بصحيح أن الدابة المعينة إنما لا يجوز اشتراط الخلف فيها إذا نقد الكراء لأنه يصير فسخ دين في دين وأما إذا لم ينفذ فذلك جائز ، والدابة المشترطة على رب الحائط في المساقاة في حكم ما اكترى ولم ينفذ كراءه ، إذ ليس لها في المساقاة كراء معلوم لأن العرض فيها مجهول ، فإن لم يشترط الخلف حيث يجب اشتراطه أو اشتراط إلا خلف حيث يوجب الحكم الخلف رد إلى مساقاة مثله ، لأن المساقاة إذا فسدت باشتراط أحد المساقين على صاحبه من عمل الحائط ممالا تعظم نفقته ويتأيد لرب الحائط منفعته كحفر البير وإنشاء الظفيرة ، وما أشبه ذلك فإنه يرد فيه إلى مساقاة مثله ، كما إذا عقداها على وجه من وجوه الغرر لم يخرجا به من حكم المساقاة مثل أن يساقيه حائطاً على النصف وحائطاً على الثلث أو يساقيه في حائطه سنين وفيه ثمرة قد طابت أو يجمعها مع البيع أو مع الإجارة المنفردة عنها في صفقة واحدة وما أشبه ذلك ، بخلاف إذا اشترط أحدهما على صاحبه زيادة من دنانير أو دراهم أو عروضاً أو عملاً كثيراً يعظم نفقته ويتأيد لرب الحائط منفعته فإن هذا كله وما أشبهه يرد فيه إلى إجارة مثله فهذا اصل فيما
يرد فيه إلى مساقاة مثله والى إجارة مثله يأتي عليه مسائل كثيرة هي مسطورة في الأمهات لابن حبيب وغيره .
وأما القراض فيجوز فيه اشتراط الدابة والغلام على رب المال دون اشتراط الخلف فإن اشترط الخلف لم يجز ، والفرق بين المساقاة والقراض أن المساقاة لها أمد والقراض لا أمد له ، والنفقة في ذلك على العامل في المساقاة وفي القراض وان اشترط ذلك على رب المال في القراض أو على صاحب الحائط في المساقاة لم يجز ورد في ذلك إلى مساقاة مثله والى قراض مثله وبالله التوفيق .

(12/141)


ومن كتاب سلعة سماها
وسئل مالك عن الرجل يساقي الرجل نخلة فيريد المساقي أن يساقي غيره أن الناس يختلفون في أمانتهم ورضي الناس بهم ، فإن أتي برجل أمين فذلك له ، قيل له : فالمقارض يريد أن يقارض بما أعطى ويجد في ذلك أهل الثقة والأمانة ؟ قال : ليس هو مثل المساقاة ليس له أن يقارض أحداً إلا يرضي صاحبه .
قال محمد بن رشط : فرق بني القراض والمساقاة في أن له أن يساقي رجلاً أميناً وليس له أن يقارض غيره وإن كان أميناً إلا يرضي صاحب المال أن المال يغاب عليه والحائط لا يغاب عليه ، فمن حق صاحب المال أن يقول أنا لا أرضى أن يغيب هذا على مالي وإن كان أميناً عند الناس ، وفي قوله وإن أتي برجل أمين فذلك له دليل على أن الذي يساقيه على غير الأمانة حتى يثبت أنه أمين ، بخلاف ورثته إذا مات هم محمولون على الأمانة حتى يثبت أنهم غير أمناء ، بخلاف القراض هم فيه محمولون على أنهم غير أمناء حتى يثبت أنهم أمناء ، هذا ظاهر ما في المدونة في القراض والمساقاة ، والفرق بينهما ما قدمته من أن مال القراض يغاب عليه والحائط في المساقاة لا يغاب عليه ولم يذكر في الرواية أن كان دونه في الأمانة أو مثله في غير الأمانة وذلك اختلاف قد ذكرته في مسألة رسم أن أمكنتني من سماع عيسى من كتاب الشفعة وبالله التوفيق .
ومن كتاب شك في طوافه
وسئل مالك عن الرجل أخذ من رجل نخلاً على أن يأبرها ويصلحها ويسقيها على أن له من كل نخلة عرجوناً قنوا ، قال : لا

(12/142)


خير فيه ، ولكن يشترط عليه مدا في كل نخلة أو إجارة تلزمه أو أمراً ثابتاًٍ .
قال محمد بن رشد : سقط من بعض الروايات أو إجارة تلزمه أو أمراً ثابتاًُ ، واسقاطه الأولي لأنه أصح في المعنى من أجل أنه لا يجوز أن يشترط عليه مدا في كل نخلة إلا أن يكون في ذلك إجارة تلزمه في ذمته لا في عين ثمر كل نخلة ، ففي إثباته دليل على إجارة ذلك في عين ثمر كل نخلة ، وإذا سقط سقط الدليل بسقوطه ، وتأول على ما يجوز من أنه أراد مدا في كل نخلة إجارة لازمة له في ذمته لا في عين ثمر كل نخلة وهذا كله بين والحمد لله .
ومن كتاب ليرفعن أمراً إلى السلطان
قال وسئل مالك عن الرجل يساقي الرجل لسنة أو لسنتين أو ثلاثة فإذا فرغ قال صاحب الحائط لم يدفع إلى تمرة ، قال مالك إن كان قد جذ فلا شيء له .
قال محمد بن رشد : قوله أن كان قد جد فلا شيء له معناه أن المساقي مصدق مع يمينه في دفع حظه إليه من الثمرة لأنها في أمانته لا في ذمته فوجب أن يكون القول قوله كالمودع يدعي صرف الوديعة إلى ربها وذلك منصوص في كتاب ابن المواز قال يحلف العامل كان بقرب الجذاذ أو لبعده ، قال كذلك لو جد بعضاً رطباً والباقي ثمراً فقال قبل الجذاذ لم يدفع إلى من الرطب شيئاً ولا من ثمنه كان المساقي مصدقاً في الرطب على هذا المنصوص عليه في هذه المسألة ، ولا يبعد دخول الإختلاف فيها بالمعنى من مسألة الوكيل على القبض يدعي الدفع إلى من وكله ، إذ قد قيل أن القول قول الوكيل مع يمينه بكل حال قرب أو بعد ، وقيل أن كان قريباً كان القول قول

(12/143)


الموكل مع يمينه أنه ما قبض ، وإن بعد بمثل الشهر أو نحوه كان القول قول الوكيل مع يمينه على الدفع ، وإن بعد الأمر جداً كان القول قوله دون يمين وقيل أن كان بحضرة ذلك وقربه بالأيام اليسيرة صدق الوكيل مع يمينه وإن طال صدق دون يمين ، وأما إن مات المساقي فادعى صاحب الحائط أنه لم يقبض حظه من الثمن فإن كان بقرب الجذاذ كان ذلك في ماله ، وإن بعد الأمر لم يكن ذلك في ماله ، ولا خلاف عندي في هذا الوجه وبالله التوفيق .
ومن كتاب طلق ابن حبيب
وسئل مالك عن رجل اشترى ثمر حوائط في صفقة واحدة فيصاب منها حائط ثمرته كلها أو بعضها أترى أن يوضع عنه؟ قال : أن كان ذلك الحائط أو ما أصيب منه ثلث الثمرة من جميع الحوائط وضع عنه وإلا لم يوضع عنه من كل حائط ثلث ثمرته لما أصابته الجائحة .
قال محمد بن رشد : أما الحوائط إذا اشتريت في صفقة واحدة فحكمها في الجائحة حكم الحائط الواحد أن تلفت الجائحة ثلث ثمر الجميع وضع عن المبتاع ثلث الثمن كان الذي أجيح بعض حائط أو حائطاً وبعض حائط أو من كل حائط ، هذا إذا كان الثمر من صنف واحد متساوياً في الطيب أو قريباً بعضه من بعض ، واختلف إذا كان بعضه أفضل وأطيب من بعض على ثلاثة أقوال ، أحدها أنه لا قيمة في ذلك ، ويكون ثلث الثمر بثلث الثمن ، وهو قول ابن القاسم في رواية أصبغ عنه ، بخلاف ما يجني بطناً بعد بطن والثاني أنه أن بلغت الجائحة ثلث الثمن أو أكثر وضع عن المشتري ما ينوب

(12/144)


ذلك من الثمن ، وإن أجيح أقل من الثلث لم يوضع عنه شيء ، وإن ناب ذلك من الثمن أكثر من الثلث ، وهو قول أصبغ والثالث أنه إن أجيح ما قيمته من ذلك الثلث فصاعداً وضع عنه وإن كان عشر الثمرة وإن كان قيمة الذ أجيح أقل من الثلث لم يوضع عنه وإن كان تسعة أعشار الثمرة مثل تين وعنب ورمان على ثلاثة أقوال أحدها أنه يفض الثمن على الأصناف كلها فتعتبر الجائحة في كل صنف على حدته بما ينوبه من الثمن كما لو اشتراه وحده ، والثاني أنه إذا بلغ ما أجيح من ذلك ثلث الثمن فأكثر وضع ذلك عن المشتري من غير إعتبار بقدر الجائحة من الثمر ، وهو قول أشهب ، وذهب ابن المواز إلى أنه إذا كان أحد الأصناف من الثلث لم يوضع منه شيء وإن أتت الجائحة على جميعه وبالله تعالي التوفيق .
ومن كتاب أوله سن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وسئل مالك عن رجل ساقى نخلاً فجذه إلا نحوا من عشرين نخلة تخلفت أعليه سقي الحائط كله ؟ قال : نعم ، قال عيسى في روايته قيل له وإن كانت عدائم ؟ والعدائم التي يتأخر طيبها .
قال محمد بن رشد : العدائم صغار النخل التي يتأخر طيبها ، قاله بعض أهل اللغة ، وقال الخليل ، هي صنف من الرطب بالمدنية تأتي في آخر السنة ، وهو الأظهر ، فعلى قوله إن العدائم صنف من أصناف التمر يتأخر طيبه يدخل فيه من الاختلاف ما في الحائط يكون فيه أصناف من الثمار مثل عنب وتين ورمان ويتعجل طيب ذلك قبل بعض ، ويتحصل فيها ثلاثة أقوال أحدها أنه يلزم المساقى سقي الحائط كله ما بقي من العدائم شيء لم يجذ

(12/145)


وإن قل وهو قوله في هذه الرواية ومثله في المختصر لمالك وابن القاسم والثاني أنه لا يجب عليه سقي العدائم وحدها ، كانت الأقل من الحائط أو الأكثر منه ، وهو الذي يأتي على قياس قول مطرف في الحائط يكون فيه أصناف من الثمر إلا أن يشترط عليه سقي الحائط كله حتى يفرغ ما فيه من الثمر فيجوز ذلك ، رواه ابن وهب عن مالك في موطأة والقول الثالث أن القليل تبع للكثير ، فإن كانت العدائم قليلة في الحائط كان على صاحب الحائط سقى جميع حائطه العدائم وغيرها ، فإذا جد العدائم دفع إلى المساقي حظه منها وإن كانت أكثر الحائط كان على المساقي سقي جميع الحائط كله كما يكون عليه سقية كله إذا وجد بعضه وبقي وإن كان ذلك متأصلاً أو متشابهاً فعلي المساقي أن يسقى العدائم وحدها وعلى رب الحائط أن يسقي من حائطه ما سوى العدائم التي انقضى السقي فيها بجذاذها ، ولا اختلاف في الصنف الواحد يتعجل جذاذ بعضه قبل بعض والأمر في ذلك متتابع في أنه يلزمه سقي جميع الحائط حتى ينقضي جذاذ جميع ثمره وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل عن الرجل يساقي النخل وفيها شيء من الموز الثلث أو دون ذلك ، قال : قال مالك : إني أرى أن يكون خفيفاً ، قال سحنون إن كان الموز مساقي مع النخل جاز ، وإن لم يشترط العامل لم يحل .
قال محمد بن رشد : قول سحنون مفسر لقول مالك ، لأن الموز وإن كان لا تجوز مساقاته على انفراد فيجوز إذا كان في حيز التبع للحائط بمنزلة الأرض البيضا لا يجوز كراؤها بالجزء مما يخرج منها ويجوز ذلك مع النخل إذا كانت تبعاً لها ، ولا يجوز أن تلغي للعامل وإن كانت في حيز التبع بخلاف الأرض البيضا ولا أن يكون لرب الحائط لأنه يكون قد ازداد على العامل سقيه .

(12/146)


والفرق بين الأرض البيضا والموز إذا كانا في حيز التبع للحائط في جواز إلغائهما للعامل السنة الواردة في إلغاء الأرض في المساقاة وإذ قد جاء ذلك في بعض الآثار ، ولذلك قال مالك : فهذا أحله هو الذي يأتي في هذه المسألة على ما في المدونة لأنه لم يجز فيها لأحد المساقين في الزرع أن كانت فيه نخلات يسيرة أن يشترطها أحدهما على صاحبه ، وقد روى ابن وهب عن مالك أنه لا بأس أن يشترط العامل الزرع الذي في الحائط إذا كان يسيراً لنفسه خاصة ، ومثله لمالك في الثاني من التفسير ليحيي عن ابن القاسم ، رواه الحارث عن ابن القاسم عنه ، فعلي هذا يجوز إذا كان الموز يسيراً في الحائط أن يشترطه كل واحد منهما على صاحبه فيحتمل على هذا أن يكون قول سحنون مثل ما في المدونة من قول ابن القاسم وروايته عن مالك ، إذ قد اختلف قول مالك في هذا الأصل حسبما بيناه وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل مالك عن رجل ساقي نخلاً له ثم أن الذي ساقي عليها أنفق عشرين ديناراً ثم أراد الخروج فأراد أن يعطي العشرين الدينار التي أنفق فيها ويخرج من المساقاة ، قال مالك : لا خير فيه ولكن إن أحب أن يساقيها أحداً على ما شاء النصف أو الثلث فذلك له .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال ، وهو مما لا اختلاف فيه ولا إشكال أنه لا يجوز أن يخرج من المساقاة على شيء يعطي لا قبل أن يعمل ولا بعد أن عمل ، لأنه إذا فعل ذلك كان قد باع حظه من الثمر قبل أن يخلق بما عليه من عمل الحائط ومن بقية عمله وبما أعطي ، فدخله ما نهي عنه من بيع الثمر قبل أن يخلق ، وأما المساقاة غيره على ما شاء النصف أو الثلث فقال في الرواية إن ذلك له يريد إذا كان أميناً مثله في الأمانة باتفاق ، وأما إن كان أميناً إلا أنه دونه في الأمانة أو غير مأمون إلا أنه مثله في الأمانة فيتخرج ذلك على ما

(12/147)


ذكرته من الاختلاف في رسم أن أمكنتني في سماع عيسى من الشفعة وفي ذلك تفصيل .
أما إذا ساقاه على مثل الجزء الذي سوقى فذلك جائز بعد أن عمل باتفاق شاء رب الحائط أو أبى ، وأما قبل أن يعمل فيجوز أيضاً شاء رب الحائط أو أبى على مذهب مالك الذي يرى المساقاة تلزم بالقول ولا تجوز إلا برضاء على مذهب من يرى المساقاة لا تلزم بالقول
وأما إذا ساقاة على أكثر من الجزء الذي سوقي عليه مثل أن يكون ساقاه صاحب الحائط على أن يكون له النصف وساقي هو الأخر على أن يكون له الثلثان فإن كان بعد أن عمل كان له الفضل وإن كان قبل أن يعمل كان له الفضل أيضاً على مذهب مالك الذي يرى المساقاة تلزم بالقول ، ولم يكن له على مذهب من يري أنها من العقود الجائزة التي لا تلزم بالقول .
وأما إن كان ساقاه على أقل من الجزء الذي سوقي به مثل أن يكون ساقاه صاحب الحائط على أن يكون له النصف وساقي هو الآخر على أن يكون له الثلثان فسواء كان ذلك قبل أن يعمل أو بعد ، عمل رب الحائط أحق بالجزء الذي اشترطه ، ويرجع العامل الثاني على العامل الأول ، قال في كتاب القراض من المدونة : ويتبع المساقي الآخر المساقي الأول بالسدس الذي بقي له ، فيأخذه وهو كلام وقع في المدونة على غير تحصيل ، لأن الواجب إنما هو أن يرجع المساقي الثاني على المساقي الأول بربع قيمة عمله في الحائط ، لأن رب الحائط استحق من نصيبه من التمر الذي استحقه بعمله ربعه ، فوجب أن يرجع بربع قيمة عمله ، إذ قد فات ، كمن استأجر أجيراً بمكيلة من التمر بعينه فاستحق ربعه منه بعد أن عمل ما استوجر عليه ، ، ويخرج ذلك على ما في كتاب الشفعة من المدونة في الذي يشتري الشقص بطعام بعينه فيستحق بعد أن أخذ الشفيع بالشفعة أن البيع لا يرد ويغرمه مثل طعامه وأصلحه سحنون أن البيع لا يرد ويغرم له قيمة الشقص ، وإصلاح سحنون

(12/148)


صحيح على أصولهم ، وأصله ما ذكرناه في هذه المسألة وبالله التوفيق .
مسألة
وقال مالك في رجل ساقي نخلاً فجاء الله بماء السماء فدخل في الحائط فأقام فيه حيناً أترى أن يحاسبه صاحب الحائط بتلك الأيام التي أقام فيها الماء ؟ قال مالك لا أرى أن يحاسبه بشيء
قال محمد بن رشد : هذه مسألة صحيحة بينة لا اختلاف فيها عندي ، لأنه إذا عامله على عمل الحائط وسقيه في وقت حاجته إلى السقي دون جهد ولا توقيت على جزء من الثمرة فجاز ذلك على ما جاءت به السنة في مساقاة النبي عليه السلام أهل خيبر وتخصص بها من الإجارة المجهولة فلا رجوع لواحد منهما على صاحبه أن اختلفت الثمرة أو زاد العمل على المعهود أو نقص منه ، بخلاف الإجارة لو استأجر رجل بدنانير أو دراهم على أن يسقى له حائطه زمن معلوم عند أهل المعروفة فجاء الله بماء من السماء فدخل الحائط فأقام فيه حيناً لوجب أن يحط من إجارته بقدر ما أقام الماء في الحائط فسقط عنه فيه السقي ، وقوله حيناً يريد مدة من الزمن غير موقته ، لأن الحين يقع على القليل والكثير من الزمن ، وليس ذلك بخلاف لما في المدونة لمالك في أن الحين في الأيمان منه لأن المعنى في ذلك إنما تحمل على السنة إذا لم تكن له نية في أقل منها ولا أكثر ، لقول الله عز وجل ( تؤتي أكلها كل حين ) وبالله سبحانه وتعالي التوفيق .
ومن كتاب باع غلاماً
وسئل مالك عن رجل ساقي رجلاً عن حائطه فعمل فيه شهراً

(12/149)


أن الداخل عجز ، قال له صاحب الحائط : أنا أعطيك عشرة دنانير ولا تخرج منه ، قال لا خير فيه .
قال محمد بن رشد : هذا بين على ما قاله لأنه إذا عجز فلم يقدر على العمل ولا على الاستيجار عليه ولا وجد من بساقيه فيه فقد وجب أن يرجع الحائط إلى ربه ويخسر هو عمله ، فإذا أعطاه عشرة دنانير وذلك ما لا يحل ولا يجوز وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل مالك عمن باع ثمراً واشترط البراءة من الجائحة قال : لا أرى البراءة تنفعه من الجائحة وأراها لازمة له إذا نزلت الجائحة بالمشتري .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة صحيحة ، والوجه فيها أن الجائحة لو أسقطها بعد وجوب البيع لم يلزمه ذلك ، لأنه أسقط حقاً قبل وجوبه ، فلما اشترط إسقاطها في عق البيع لم يسقط ولا أثر ذلك عنده في صحته إذا أرى أن الشرط لم يقع له حصة من الثمن من أجل أن الجائحة أمر نادر والسلامة منها أغلب ، فوجب أن يثبت البيع ويسقط الشرط وهو أحد الأقسام في الشروط المقترنة بالبيوع ، وهي أربعة أٌقسام القسم الثاني ما يفسخ فيه البيع والشرط وهو ما كان الشرط فيه يودي إلى الإخلال بشرط من الشروط المشترطة في صحة البيع ، والقسم الثالث ما يجوز فيه البيع والشرط وهو ما كان الشرط فيه جائزاً لا يؤدي إلى الإخلال بشرط من الشروط المشترطة في صحة البيع والقسم الرابع ما يفسخ فيه البيع ما دام مشترط الشرط متمسكاً بشرطه فإن ترك الشرط صح البيع ، وهي بيوع فعلى هذا لا تتعارض الآثار الواردة عن

(12/150)


النبي عليه السلام في البيع والشرط وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل مالك عن رجل ساقي حائطاً له فتهور البير ، قال أن احب الداخل أن ينفق عليها من ماله ويكون الثمر في يديه رهناً حتى يستوفي فذلك له .
قال محمد بن رشد : لم ير في هذه الرواية على صاحب الحائط أن يصلح البير المساقي ، وقال إن أحب أن ينفق هو من ماله ويكون الثمرة في يديه رهناً يريد حصة صاحب الحائط حتى يستوفي فذلك له فعلى قوله فيها أن لم يف حظ صاحب الحائط من الثمرة فيما أنفق العامل في البير لم يكن له عليه بالباقي رجوع ، وذلك على قياس ما في كتاب الرهون من المدونة من أن الراهن إذا أبى أن يصلح البير كان للمرتهن أن يصلحها ليحي رهنه ، ولا يرجع بذلك على الراهن ، وتكون نفقته في الرهن مبدأة على الدين ، فإن لم يف الرهن بالنفقة لم يرجع على الراهن بما بقي له من نفقة ، وذلك كله خلاف ما في رسم الأقضية من سماع يحيي من كتاب الرهون في الذي يرتهن الثمرة فتهور البير أن إصلاحها على الراهن حتى تتم الثمرة ويتم الرهن لصاحبه يجبر على ذلك إن كان له مال ، وإن لم يكن مال فتطوع المرتهن ببنيانها نظر في ذلك ، فإن رأى أن تطوعه خير لرب الأصل من أن يباع منه بعضه لإصلاح البير قيل له : انفق ويكون الأصل لك رهناً ، في الذي تنفقه في البير ويطلب الراهن بنفقته كاملة ، لأنها كالسلف عليه ، فيأتي في مسألة المساقاة هذه على قياس رواية يحيي أن يجبر رب الحائط على إصلاح البير ليلا يذهب عمل المساقي باطلاً أن كان له مال ، فإن لم يكن له مال سوى الحائط بيع منه ما يصلح فيه البير ، فإن تطوع المساقي بالنفقة في إصلاح حظ صاحب الحائط كان له أن يتبعه ببقيتها لأنها كالسلف عليه ، قال فضل : وقد روى أشهب عن مالك إذا عمل المساقى فإنهدم البير أو تهورت العين إن أحب الداخل أن يعمر

(12/151)


ويكون على مساقاته وإلا ترك المساقاة ولا شيء له من الثمرة ، ولم ينص ما نص ابن وهب وابن القاسم أنه يعمر بن نصيب رب الأرض وإن كان لم ينص على ذلك في هذه الرواية كما قال فضل ، فهي إرادته إذ لا يصح أن يكلف ذلك من ماله بوجه ، وإنما يفعله عنه على سبيل السلف أن شاء وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل عن رجل أخذ حائطاً على النصف ثم يدفعه على الثلثين وعلم صاحب الأصل بذلك ، فلما حضرته الثمرة أراد الداخل أن يأخذ الثلثين ، قال مالك ليس ذلك له ولكن يأخذ الأول النصف ، فقال له الداخل أفلي أن يرجع على صاحبي بما بقي ؟ قال : نعم
قال محمد بن رشد : قوله وعلم صاحب الأصل بذلك معناه علم فلم ينكر ، فلم ير عليه حجة في سكوته ، وقال أن من حقه أن يأخذ نصف الثمرة ، قال في كتاب محمد : وكذلك لو حضر دفعه إليه على الثلثين إذ لعله يقول لم يكن الشيء في يدي فأرضي بتسليمه وظننت أنه يعطيه من عنده أو يشتري من نصيبي ، وهذا عندي على القول بأن السكوت ليس كالإذن ، وهو أحد قولي ابن القاسم وأما على القول بأنه كالإذن فيجب أن يكون الثاني أحق بثلثي الثمرة ويرجع رب الحائط على المساقي الأول الذي ساقاه بمثل سدس الثمرة فيستوفي بذلك نصفها ، وإذا كان الأول أحق بنصف الثمرة على ما قاله في الرواية في المدونة سواء ، وقد تقدم من قولنا في رسم سن قبل هذا الرسم أنه كلام رفع على غير تحصيل ، لأن الواجب أن يرجع عليه بقدر صاحب الحائط من حظه من الثمرة في قيمة عمله ، لأن الثمرة إجارة له في عمله ، فلما استحق بعضها وجب أن يرجع بذلك الجزء من قيمة عمله ، ويلزم على قياس هذا إذا علم المساقى الثاني أن المساقى الأول على النصف أن تكون مساقاته فاسدة أنه دخل معه على أن يكون له بعمله نصف الثمرة وقيمة ربع علمه ، وذلك ما لا يحل ولا يجوز ، وقد رأيت لبعض أهل

(12/152)


النظر ممن حمل قوله على ظاهرة من أنه يرجع عليه بمثل سدس الثمرة أن المساقاة لا تجوز لأنه يصير كأنه ساقاة الحائط على نصف ثمرته وعلى مثل سدس ثمرته يدفعها إليه من حائط آخر فكيف بهذا ؟ وبالله التوفيق .
ومن كتاب كتب عليه ذكر حق
قال مالك : لا يتغير للمساقي أن يشترط ثمر نخلة واحدة ، ولا مقارض أن يشترط ربح دينار واحد ، ولا ينبغي للمساقي أن يشترط ما على ربيع الماء من النخل ولا بأس أن يشترط الجداول أن يسقيها إذا كانت يسيرة .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال من أنه لا ينبغي أن يشترط رب الحائط على العامل ثمر نخلة من الحائط ، ولا ما على ربيع الماء منه ، لأن المساقاة عقد على حياله مستثني من الأصول أجيز لضرورة الناس إلى ذلك وحاجتهم إليه إذا لا يمكن الناس على حوائطهم بأيديهم ، ولا بيع الثمر قبل بدو صلاحها فضلاً عن بيعها قبل أن تخلق للإستيجار من ثمنها على ذلك أن لم يكن لهم مال ، فلهذه العلة رخص في المساقاة مع اتباع السنة في مساقاة النبي عليه السلام أهل خيبر ، فلا يجوز إلا على ما جوزته السنة من أن يساقيه في الحائط بأن يدفع إليه كما هو ، وبعماله إن كان له عمال من دواب أو غلمان على أن يكفيه سقيه وعمله بجزء من ثمرته ، غير أن أهل العلم استخفوا اليسير من العمل ، أو من ألته من الحديد وشبهه يشترطه من وجب عليه منهما على صاحبه كالدابة والغلام في الحائط الكبير ، فيشترطه العامل على رب الحائط وكنجم العين وسد السرب وإصلاح الشيء اليسير وما أشبه ذلك يشترطه رب الحائط على المساقي ، فإن وقعت المساقاة بينهما على أن اشترط أحدهما على صاحبه من العمل ما لم يجوزه أهل العلم ، وفات العمل رد إلى مساقاة

(12/153)


مثله كنحو هذه المسألة في اشتراط رب الحائط تمر النخلات من حائطه على المساقي لأنه كأنه ساقاه فيما على النخلات التي استثني ثمرتها على أن يسقى له النخلات التي استثنى ثمرتها ، فهي زيادة في عمل المساقاة لم يخرجا بها عن سنة المساقاة ، فإن عثر قبل العمل فسخت ، وإن لم يعثر عليها إلا بعد العمل رد إلى مساقاة مثله فيما عدى النخلات التي استثنى رب الحائط ثمرتها ، ويكون له أجرة مثله في سقى تلك النخلات ، وكذلك إذا ساقاه في حائط على أن يكفيه مؤنة حائط آخر
حسيما يأتي في رسم سلف من سماع عيسى ، وكذلك إذا ساقاه في الحائط على أن يكون ثمر البرني بينهما وما سواه فلرب الحائط ، قاله ابن حبيب ، ولو ساقاه فيه على أن يكون ثمر البرني بينهما وما سواه فللعامل لوجب على قياس ما قلناه أن يرد في الجميع إذا فات إلى إجارة مثله ، ولم ينص في المدونة على الحكم في ذلك ، إنما وقع وإنما قال إن ذلك لا يجوز إلا أكثر وأما إجارته اشتراط سقي الجداول عليه أن كانت يسيرة فهو من العمل اليسير الذي جوزوا استصاله وبالله التوفيق .
ومن كتاب الشجرة
وسئل عن الرجل يبيع حائطه ويستثني أوسقاً أقل من الثلث فيصاب الحائط بنصف الثمرة فيريد المبتاع أن يضع عنه نصف ما استثنى عليه أترى ذلك؟ قال : نعم .
قال محمد بن رشد : مثل هذا في كتاب ابن المواز : وقال أن أشهب وابن عبد الحكم رويا عن مالك مثله ، وقال أن أجيح أقل من الثلث أخذ البائع بما سلم جميع ما استثني ، وهذا كله صحيح على القول بأن المستثني بمنزلة المشتري ، لأنه إذا باع حائطه واستثنى منه عشرة أرادب فكأنه في التمثيل على هذا القول قد باع جميع الثمرة وفيها ثلاثون إردباً بعشرة دنانير وبالعشرة الأرادب التي إستثنى ، فإن أجيح من ثمر الحائط وهو على ما نزلناه

(12/154)


ثلاثون نصفه سقط عن المشتري نصف الثمن ، وهو نصف العشرة دنانير ونصف العشرة الأرادب المستثناه ، لأنها من ثمر الحائط ، وكذلك على هذا القياس أن أجيح الثلثان أو الثلث سقط عن المشتري ثلثا الثمن وهو ثلث العشرة دنانير وثلث العشرة أرادب المستثناة ، وإن أجيح أقل من الثلث لم يسقط عن المشتري شئ من الثمن وهو العشرة الدنانير والعشرة الأرادب وقد روى ابن وهب عن مالك أنه يأخذ جميع ما استثني كاملاً أجيح الثلث أو أقل أو أكثر ولا جائحة على البائع حتى يستثني جزعاً شائعاً ، قال ابن عبد الحكم : وهذا كله صحيح أيضاً على القول بأن المستثني مبقي على ملك البائع لأنه على هذا القول إذا باع من حائطه ما بقي منه بعدما استثنى لأن الذي استثناه أبقاه على ملكه لنفسه لم يبعه ، فإن كان ثمن الحائط في التمثيل على هذا ثلاثين فباعه بعشرة دنانير واستثنى منه عشرة أرادب فإنما باع عشرين إردباً بعشرة دنانير ، فإن ذهب من ثمر الحائط بالجائحة عشرة أرادب كانت الجائحة قد أذهبت نصف ما اشترى المشتري ، فوجب أن يسقط عن المشتري نصف العشرة دنانير ويأخذ البائع ما استثناه ، وإن أتت الجائحة على جميع الثمرة حاشى العشرة الأرادب التي استثناها البائع كانت للبائع وسقط عن المشتري جميع الثمن ، ولو أجيح الحائط كله كانت المصيبة من ربه فسقط الثمن عن المبتاع ، وهذا كله بين والحمد لله .
وبالقول الأول يقول ابن القاسم وأصبغ فيما ذكر ابن المواز في الواضحة ، قال ومن باع ثمر حائطه وقد يبس واستثني منها كيلاً ما يجوز له ، فأجيح قدر الثلث أو أكثر فلا يوضع عن الثمن ولا من الكيل المستثني شيء كالصبرة ، وهذا كما قال ، لأنه ما بقي للبائع ما استثني بمصيبته ما استثنى من المبتاع ، ويلزمه أداء جميع الثمن على كلا القولين وأما إن تلف الجميع فعلي القول بأن المستثني مبقي على ملك البائع لا رجوع له على المبتاع ، لأنه

(12/155)


مصيبة ما استثناه منه ، لأنه تلف على ملكه ، وأما على القول بأنه بمنزلة المشتري فيرجع عليه بدقر الأرادب المستثناه من جميع الثمن في قيمة الصبرة وبيان ذلك بالتنزيل أن يبيع الرجل صبرة فيها ثلاثون إردباً بعشرة دنانير ، ويستثنى منها عشرة أرادب ، فتهلك كلها بعد العقد فإن البائع يقول له مصيبة جميع الثمرة منك ، لأنها بالعقد تدخل في ضمانك وقد بعثها منك بعشرة دنانير وبالعشرة أرادب فإد إلى العشرة دنانير ونصف قيمة الصبرة ، لأن نصف الثمن وهو العشرة الأرادب إذ قيمتها عشرة دنانير لم أقبضه لأن ضمانه منك ، إذ هو على الكيل فادفع إلى نصف قيمة الصبرة إذ قد استحق من الثمن نصفه ، وبالله التوفيق .
من سماع أشهب وابن نافع من مالك من الكتاب الذي أوله القراض
قال سحنون أخبرني أشهب وابن نافع ، قالا : سئل مالك عن رجلا سكون له الحائط فيه البعل أو غيره أيساقيهما جميعاً في سقاء واحد؟ قال : نعم لا بأس به ، وقلت لمالك لا بأس به؟ فقال مالك : نعم لا بأس به .
قال محمد بن رشد : مثل ما في المدونة من أنه يجوز مساقاة الحائطين على سقاء واحد وأن لم يكونا مستويين خلاف ما في رسم أن أمكنتني من سماع عيسى بعد هذا من هذا الكتاب من أنه لا يجوز أن يساقي الحائطان على سقي وأحد ، إلا أن يكونا مستويين ، فاختلف في هذا ولم يختلف في أنه لا يجوز مساقاة الحائطين على جزءين كانا متفقين أو مختلفين ولا فرق بينهما في المعنى والقياس إذا أخطار فيها سواء لأنه إذا اختلف الحائطان أو الجزءان فقد حمل أحدهما صاحبه وإنما فرقت بينهما

(12/156)


السنة لأن النبي صلى الله عليه وسلم ساقى خيبر كلها على النصف وفيها الجيد والردي فإن وقعت المساقاة في الحائطين المتفقين والمختلفين على جزءين أو في الحائطين على جزء واحد على القول بأن ذلك لا يجوز ففات ذلك بالعمل رد العامل فيه إلى مساقاة مثله وبالله التوفيق .
ومن كتاب أوله مسائل البيوع
قال وسألته عن الذي ساقي ثلاث سنين أليس ذلك من جذاذ إلى جذاذ؟ قال : بلى .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال ، وهو مما لا اختلاف فيه أعلمه ، لأن السنين في المساقاة إنما هي بالأجدة لا بالأهلة ، بخلاف العمالات إنما هي بالأهلة لا بالأجذة ، فإن ساقاه السنين واشترط أحدهما على صاحبه الخروج قبل الجذاذ أو بعده رد في ذلك إلى مساقاة مثله على الأصل الذي ذكرناه في أول رسم من سماع ابن القاسم وفي رسم كتب عليه حق بعده وبالله التوفيق .
مسألة
قال وسئل عن رب الحائط يقول لرجل تعال أسق أنت وأنا حائطي هذا ولك نصف الثمرة ، قال : لا يصح هذا ، وإنما المساقاة أن يسلم الحائط إلى الداخل .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال إن ذلك لا يصلح ، فإن وقع ذلك وفات بالعمل كان العامل فيه أجيراً ، لأن رب الحائط اشترط أن يعمل معه فكأنه لم يسلمه إليه وإنما أعطاه أجراً من الثمرة على أن يعمل معه ، بخلاف إذا اشترط العامل أن يعمل معه رب الحائط ، هذا قال فيه ابن القاسم

(12/157)


في المدونة وغيرها إنه يرد فيه إلى مساقاة مثله ، وقال أشهب يرد إلى إجارة مثله ، وقال سحنون ولا يرد إلى مساقاة مثله ، كما لو اشترط عليه عاملاً يعمل معه أن كان الحائط كبيراً يجوز اشتراط الغلام والدابة وبالله التوفيق .
مسألة
ولو أعطاه الحائط فقال له اسقه ولك الثمر كله لم يكن بذلك بأس إلا أن يكون سقي صاحب الحائط قبل ذلك باشهر ، قلت أرأيت الذي يسقي حائطه الشهر أو الشهرين ثم يبدو له أن يساقي حائطه على النصف ؟ فقال : إن كان يتبعه بما سقى فلا يصلح وإن كان يلغي ما ساقي فلا بأس به .
قال محمد بن رشد : قوله في المسألة الأولي إلا أن يكون سقى صاحب الحائط قبل ذلك بأشهر يبينه قوله في المسألة الثانية أن كان يتبعه بما سقى فلا يصلح ، وإن كان يلغي ما سقى فلا بأس به ، ومعناه إذا وقع الأمر على هذا على غير قصد إليه ولا اشتراط له قال تعال أساقيك في حائطي بعد أن أسقيه أنا شهراً أو شهرين لم تجز ، فإن وقع رد إلى مساقاة مثله ، وأما أن ساقاة بعد أن سقى أشهراً على أن يتبعه بما سقى فإنه يرد إلى إجارة مثله وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل عن رجل كان في حائطه مساقاة على النصف فبيع الحائط فأراد الداخل في الحائط أن يخرج منه بشيء يعطاه ، قال : لا يصلح من ذلك شيء يأخذه أو يعمل حتى يتم مساقاته ، أرأيت لو كان صاحب الحائط نفسه ولم يبعه فأراد أن يخرج منه بشيء يعطاه؟ ففال : لا يصلح هذا إلا أن يخرج منه بغير شيء ، أو يقيم على مساقاته ، قيل له أرأيت إن كانت مساقاته على النصف فلما بيع

(12/158)


الحائط أراد أن يخرج منه بأن يعطي سدس الثمرة في الجذاذ؟ فقال : هو بمنزلة صاحب الحائط الأول لو لم يبع ، قال أشهب وتفسير مكروهة إذا عمل فيه أشهراً ثم أراد أن يخرج منه بسدس الثمرة أن رب الحائط كأنه استأجره تلك الأشهر بسدس ثمر الحائط فصارت المساقاة دلسة بينهما فصار بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها .
وأما إذا لم يعمل في الحائط شيئاً حتى يخرج منه إلى رب الحائط بربح سدس الثمرة فإن ذلك لا بأس به في قول من يقول أن السقاء أذا وجب بينهما لم يقدر واحد منهما على ترك ذلك وإن كان لم يعمل .
قال محمد بن رشد : أما خروجه على المساقاة قبل أن يعمل أو بعد أن عمل لرب الحائط أو للمبتاع له على شيء يعطاه فلا يجوز باتفاق ، فإن وقع ولم يعثر على ذلك حتى فات بالعمل رد فيما عمل إلى إجاره مثله ، وأما خروجه عن المساقاة بعد أن عمل على جزء منهما فمنع من ذلك في هذه الرواية وقد فسر أشهب مكروهة بما لا مزيد عليه من أن ذلك دلسة فيما بينهما فمكروهه حماية الذرائع لهما على إجازة الإجارة الفاسدة بينهما بما أظهراه من المساقتين الصحيحتين فلا حرج عليهما إذا فعلاه لأمر بد لهما دون دلسة كانت بينهما لأنها بانفرادها مساقاة صحيحة كالأولي ، فإن وقع رد إلى إجارة مثله على تعليله ، وأجاز ذلك ابن القاسم في رسم الأقضية والأحباس من سماع أصبغ على ما ذكر من وجه جوازه .
وأما خروجه عن المساقاة قبل أن يعمل على جزء مسمى فلا خلاف في جواز ذلك على مذهب مالك الذي يرى المساقاة من العقود اللازمة وعلى

(12/159)


مذهب من يراها من العقود الجائزة التي لا تلزم لأن الجزء الذي يعطيه على مذهبه هبة من الهبات فقوله أن ذل لا بأس به في قوله من يقول أن السقاء إذا وجب بينهما لزمهما ولم يكن لواحد تركة كلام فيه نظر ، إذ هو جائز على كلا القولين ، فمراده به أنه عقد لا بأس به يلزمهما على مذهب من يرى أن الشقاء يلزمهما بالعقد لأنهما على مذهب من لا يرى السقاء لازماً بالعقد هبة من الهبات إذا علم أن ذلك لا يلزمه ولو ظن أن ذلك يلزمه فأعطاه الجزء على الخروج لكان من حقه إذا علم أن ذلك لا يلزمه أن يرجع به عليه وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل عن المساقاة على انكسار صلة الزرنوق وحرف القف يكون في ذلك غرم الدينار والدريهمات على من ترى ذلك ؟ قال : أرى ذلك كله على رب الحائط .
قال محمد بن رشد : الزرنوق الخطارة والقف المعجمة التي يقع فيها الماء ، وقال أبو صالح حرف القف الجلد الذي في القفه الذي يسقي بها الماء والأول أظهر ، وذلك كله من اليسير الذي يجوز لرب الحائط أن يشترطه على المساقاة وبالله التوفيق .
مسألة
ولا بأس بأن يشترط رب الحائط على الداخل الخرص لأنه جزء معلوم ، ولا يجوز أن يشترط ذلك الداخل على رب الحائط قد خلت من قبلكم سنن .

(12/160)


قال محمد بن رشد ، : الحكم في زكاة ثمر المساقاة أن يخرج من جملتها إذا بلغت ما يجب فيه الزكاة أو كان لرب الحائط مال سواه إذا أضافه إليها بلغت ما يجب فيع الزكاة ثم يقتسمان الباقي بينهما بعد إخراج الزكاة على ما اتفقا عليه من الأجزاء في المساقاة فإن اشترط أحدهما على صاحبه أن يكون جميع الزكاة في حظه جاز ذلك على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة ، اشترط رب الحائط على العامل أو العامل على رب الحائط لأن ذلك يرجع إلى جزء مسمي فلا غرر فيه من أجل أنه أن اشترط ذلك رب الحائط على العامل وقد كان ساقاه على النصف كان إنما ساقاه على أن يكون للعامل أربعة أجزاء من عشرة لرب الحائط ستة أجزاء من عشرة يخرج من ذلك الجزء الواحد في الزكاة تبقى وكذلك أن اشترطه ذلك العامل على رب المال كان إنما ساقاه على أن يكون لرب الحائط أربعة أجزاء من عشرة وللعامل ستة أجزاء يخرج من ذلك الجزء الواحد في الزكاة فيبقي له خمسة أجزاء من عشرة وذلك النصف على ما ساقاه عليه ، وقد قيل أنه لا يجوز لأحدهما أخذ أربعة أعشارها أن كان هو الذي في اشترطت عليه الزكاة أن يشترط الزكاة على صاحبه ، وهو الذي في أصل الأسدية من أجل أن الثمرة ربما لم تبلغ ما يجب فيه الزكاة فيصير العامل لا يدري على ما يعمل لأن الثمرة أن لم تبلغ ما تجب فيه الزكاة أخذ نصفها ، وإن بلغت ما يجب فيه الزكاة أخذ أربعة أعشارها أن كان هو الذي اشترطت عليه الزكاة ، فهذا بين في الغرر أن كان هو الذي اشترطت عليه الزكاة ، وأما أن كان هو الذي اشترط الزكاة على رب الحائط فلا غرر فيه ، لأنه يأخذ النصف على كل حال بلغت الثمرة ما يجب فيه الزكاة أو لم تبلغ ، والغرر الذي في جهة رب الحائط من أجل أنه أخذ نصف الثمرة إن لم تبلغ ما تجب فيه الزكاة وأربعة أعشارها إن بلغت ما تجب فيه الزكاة ، لأن العشر الخامس يخرجه في الزكاة على ما اشترطه عليه العامل لا معتبر به ، وهذا إذا

(12/161)


قلنا أن الجزء
الذي اشترطه كل واحد منهما في الزكاة على صاحبه يرجع إلى الذي اشترطه عليه منهما أن لم يبلغ الثمر ما يجب فيه الزكاة ، لأنه يقول له ساقيتك على النصف واشترطت على الزكاة فإذا لم يكن في الحائط زكاة فلا شرط لك على رد على الجزء الذي اشترطته من نصيبي لتخرجه في الزكاة ، إذ لا يجب في الحائط زكاة وأما على القول بأن الجزء المشترط في الزكاة إذا لم يكن في الحائط زكاة يكون لمشترطه فالغرر إنما يكون في المساقاة إذا اشترط الزكاة فيها العامل على رب المال إلا إذا اشترطها رب المال على العامل وعلى هذا قوله في هذه الرواية وإن كان لم يعلل قوله فيها إلا بالإتباع فقال قد خلت من قبلكم سنن ، وأما على القول بأنه بينهما بنصفين لأنهما يتداعيانه أو يلغي ويقتسمان الثمرة اتساعاً فالغرر حاصل كان العامل هو الذي اشترط الزكاة على رب الحائط أو رب الحائط على العامل ، لأنه يأخذ أربعة أجزاء من عشرة إن بلغ الحائط ما تجب فيه الزكاة وكان رب الحائط هو الذي اشترط عليه الزكاة وأربعة أجزاء ونصف جزء من عشرة وأربعة أجزاء من تسعة إن لم يكن في الحائط زكاة ، وخمسة أجزاء من عشرة أن بلغ الحائط ما تجب فيه الزكاة وكان العامل هو الذي اشترط الزكاة على رب الحائط وخمسة أجزاء ونصف جزء من عشرة أو خمسة أجزاء من تسعة أن لم يكن في الحائط زكاة فهذا وجه ما في الأسدية من أنه لا يجوز لأحدهما أن يشترط الزكاة على صاحبه ، ورواية أشهب هذه عن مالك في أنه يجوز لرب الحائط أن يشترط الزكاة على العامل ولا يجوز للعامل أن يشترطها على رب الحائط حظها في النظر ، والقياس هو ما ذكرناه من أن قوله فيها يأتي على قياس القول بأن الجزء المشترط في الزكاة لمشترطه إذا لم يكن في الحائط ما تجب فيه الزكاة وفي ذلك أيضاً الإتباع حسبما احتج به فيها من قوله قد خلت من قبلكم سنن ، والفرق بالعكس وجهه ما بيناه من أن الغرر لا يكون إذا كان العامل هو مشترط

(12/162)


الزكاة على رب الحائط ،
وإنما يكون إذا كان رب الحائط هو مشترط الزكاة على العامل ، وذلك على القول بأن الجزء المشترط في الزكاة إذا لم يكن في الحائط زكاة تكون للمشترط عليه ذلك الجزء في الزكاة لا لمشترط .
فيتحصل على هذا في المسألة أربعة أقوال أحدها جواز اشتراط الزكاة من كل واحد منهما على صاحبه ، وهو الذي في المدونة والثاني لا يجوز وذلك من واحد منهما على صاحبه وهو الذي في أصل الأسدية ، والثالث رواية أشهب هذه أنه يجوز لرب الحائط على العامل ولا يجوز للعامل على رب الحائط وهو الذي يتخرج على ما بيناه من سقوط الغرر في اشتراط العامل الزكاة على رب الحائط على القول بأن الحائط إذا لم يبلغ ما تجب فيه الزكاة يرجع الجزء المشترط في الزكاة على من اشترطه عليه منهما ، والقول الذي في المدونة أظهر أن كان الحائط كثيراً يعلم أنه يجب في ثمرة الزكاة إلا أن يخلف عمل جرت به العادة في الغالب أو يأتي عليه جائحة ، والذي في أصل الأسدية أظهر أن كان الحائط صغيراً يشبه أن تجب فيه الزكاة وألا تجب من غير جائحه تصيبه ولا اختلاف عما جرت به العادة في الحمل ويحتمل أن يحمل ما في المدونة على الحائط الكبير الذي يؤمن أن يقصر ثمرة عما تجب فيه الزكاة إلا بما يطرأ عليه من الجوائح ، لأن الطوارئ النادرة لا يعتبر بها في إحالة الأحكام عن وجوبها ، وما في أصل الأسدية على الحائط الصغير الذي يشبه أن تجب فيه الزكاة وألا تجب فلا يكون ذلك اختلافاً من القول وبالله التوفيق .
ومن سماع سحنون بن سعيد
قال : وقال ابن القاسم الفجل والإسفنارية والورد والياسمين والعصفر وقلب السكر عندي في الجوائح سواء لا يوضع قليل ذلك ولا كثيره حتى يبلغ الثلث والمساقاة فيه جائزة ، وكل ما جاز فيه المساقاة

(12/163)


فالجوائح في ثلث ذلك ، ولا توضع في أدني من ذلك إلا الموز فإنه لا توضع فيه المساقاة ولا توضع فيه الجائحة حتى تبلغ الثلث ، وأما الزعفران والبقل والريحان والقرط والقصب والكسبر فإن الجوائح في قليله وفي كثيره ، ولا تصلح المساقاة ، وأما الكمون فإنه تجب فيه المساقاة بمنزلة الزرع ، وإنما يراد منه حبه ولا يراد منه شجره ، وأما الموز والمقاتي والباذنجان ، فهذه ثمار وكل ما كان من الثمار من الفاكهة وغيرها فذلك لا جائحة فيه حتى يصيب الثلث .
وما كان يباع من الفول أخضر والجلبان وما كان من صنف هذه فأصابته جائحة فلا يوضع حتى تبلغ الثلث لأنه يرجع إلى أصله وهو ثمره ، وهذه الأشياء لا تجوز فيها المساقاة إلا أن يخاف صاحبها العجز .
قال محمد بن رشد : هذا الأصل الذي أصله ابن القاسم في رواية سحنون هذه عنه على مذهبه فيما عدى الأصول من أن ما جازت فيه المساقاة من ذلك لم توضع الجائحة فيه إلا أن تبلغ الثلث فصاعداً ، وما لم تجز فيه المساقاة من ذلك وضعف الجائحة في قليله وفي كثيره إلا الموز فإنه لا تجوز فيه المساقاة ولا توضع الجائحة فيه إلا أن تبلغ الثلث فصاعداً وجهه أن المساقاة ولا توضع الجائحة فيه إلا أن تبلغ الثلث فصاعدا وجهه أن المساقاة لا تجوز فيما يحل بيعه لأنها إنما أجيزت للضرورة فيما لا يحل بيعه أن لم يقدر على الاستيجار عليه باعه وانتفع بثمنه ، وما لا يحل بيعه لم يقدر على الاستيجار عليه هلك وضاع ، وقد نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال لأنه سبب للحياة وعون على الطاعة وان البقول إنما وضعت فيها الجوائح في القليل والكثير لأن المشتري لها لم يدخل مع البائع على تلف شيء منها إذا ليست بثمرة توكل خضراء وهو يقدر على جذها حين ابتياعه لها إذ لا يجوز ابتياعها إلا بعد أن ينتفع بها ويمكن جذاذها بخلاف الثمار التي لا يقدر على جذها حين اشتراها حتى يتناهي طيبها فقد دخل مع البائع على أنه لابد

(12/164)


أن يسقط منها وأكل الطير منها والعامة من الناس وغيرهم ، فاستقام على هذا الأصل الذي أصله فيما عدى الأصول وخرج الموز عن ذلك لأنه لما كان مما يجوز بيعه وما يأتي من بطونه لأمد معلوم من أجل أن ذلك فيه معروف لم تجز فيه المساقاة ، ولما كان ثمره توكل خضراً علم أنه لا بد أن يذهب شيء منها قبل أن تجد لما لربها من عامية الناس وغيرهم ، لأن المشتري قد دخل على ذلك مع البائع فوجب إلا توضع الجائحة فيه إلا أن تبلغ الثلث فصاعداً .
ووجه قوله أن المساقاة لا تجوز في هذه الأشياء إلا أن يخاف صاحبها العجز هو أن المساقاة إنما جوزت مع ما فيها من الغرر وبيع الثمر قبل أن يبدو صلاحه وقبل أن يخلف أيضاً للسنة الواردة عن النبي عليه السلام في مساقاة النبي عليه السلام يهود خبير في نخلها على سطر ما يخرج منها ، فجازت المساقاة في الأصول وإن لم يعجز صاحبها عن عملها إتباعاً للسنة في موضعها ، ولم يقو عنده ما عدى الأصول من الأشياء التي يجوز بيعها ويحتاج إلى الاستيجار عليها قوتها في القياس عليها فلم تجز المساقاة فيها إلا مع العجز عن عملها على الأصول ، وهو ابن نافع في كتاب ابن سحنون .
وقيل أن المساقاة لا تجوز في شيء من ذلك أصلاً لأن المساقاة في الأصول رخثة فلا يقاس عليها .
وقال ابن المواز أكره المساقاة عليها مع العجز عن عملها ، وكان أبو عمر ابن القطان يقول المساقاة جائزة على ما في المدونة في الياسمين والورد والقطن

(12/165)


عجز عنه صاحبه أو لم يعجز ، خلاف المقاثي والزرع ، وهو بعيد إذا لا فرق في حقيقة القياس بين القطن والزرع والمقاثي وقصب السكر في جواز المساقاة فيها من غير عجزه لأن أصولها غير ثابتة بخلاف الياسمين والورد الذي الذي أصولها ثابتة فلا ينبغي أن يختلف في أن المساقاة في الياسمين والورد جائزة على مذهب مالك وإن لم يعجز صاحبها عن عملها ، ولو قال قائل أن المساقاة في المقاثي والقطن وما كان في معناها جائزة وإن لم يعجز صاحبها عن عملها بخلاف الزرع وقصب السكر وما كان في معناهما لكان له وجه ، لأن هذه ثمار تجني من أصولها فأشبهت ثمار الأصول الثابتة ، والزرع وقصب السكر وما أشبهها لا تجني من أصولها إلا بقطع الأصول ، ففارقت ثمر الأصول في المساقاة في الزرع على مذهب ابن القاسم لا تجوز إلا بثلاثة شروط أحدها أن يعجز صاحبها عن عمله ، والثاني أن ينبت وقبل أن يستقل بعد نباته ، والثالث إلا يبلغ مبلغاً يحل بيعه ، وكذلك قصب السكر بهذه المنزلة تجوز مساقاته بعد أن ينبت قبل أن يحل بيعه إذا عجز عن عمله ، واختلف أن كان له خلفه هل يجوز أن يشترطها في المساقاة ، والاختلاف في هذا جار على الاختلاف في جواز اشتراطها في البيع .
وكذلك البقل تجوز فيه المساقاة إذا نبت وعجز صاحبه عن عمله قبل أن يحل بيعه ، قال ذلك عبد الرحمان بن دينار في المدينة ، وقال ابن القاسم فيها لا تجوز المساقاة في البقل وكل شيء يجد ثم يخلف مثل البقل ، ولو كان ذلك مثل الزرع الذي لا يكون في السنة إلا مرة واحدة لم يكن به بأس ، وظاهر قول ابن دينار أن المساقاة في البقل قبل أن يحل بيعه إذا عجز عن عمله جائزة ، وإن اشترط خلفه ، وظاهر قول ابن القاسم أن ذلك جائز إذا لم يشترط الخلفة فحصل الاختلاف بينهما في جواز اشتراط الخلفة في المساقاة وذلك على الاختلاف في جواز اشتراطها في البيع ، ويحتمل أن يقال أن الاختلاف أيضاً في مساقاة البقل وإن لم يشترط خلفته ويكون ذلك جارياً على الاختلاف الذي ذكرناه في الزرع هل تجوز فيه المساقاة إذا نبت قبل أن يستقل أو لا يجوز وإن

(12/166)


نبت حتى يستقل ، لأن البقل إذا استقل فقد حل بيعه ، وما حل بيعه فلا يجوز مساقاته ، وقوله في الفجل أو الإسفنارية أن المساقاة فيها جائزة معناه قبل أن يحل بيعهما ، إذ لا تجوز المساقاة فيما يحل بيعه .
وأما قوله إن الجائحة لا توضع في قليل ذلك حتى يبلغ الثلث فبعيد ، وما في المدونة من أن الجائحة توضع في قليل ذلك وكثيره أصح ، لأن بيعه لا يحل حتى يبلغ مبلغ القلع ، فله حكم البقول في وضع الجائحة فيه ، قيل إنه يوضع القليل والكثير ، وقيل أنه لا يوضع القليل و لا الكثير ، وقيل إنه لا يوضع إلا الكثير الثلث فصاعداً وبالله التوفيق .
مسألة
قال وقال سحنون : لا بأس بمساقاة النخل بعد أن يبدو صلاحها .
قال محمد بن رشد : قول سحنون هذا خلاف مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة ، لأنه نص فيها على أن ذلك لا يجوز لأن فيه منفعة لرب الحائط ، والمنفعة التي له في ذلك سقوط الجائحة عنه لأن الثمرة إذا أجيحت في المساقاة لم يكن له قيام بالجائحة وكان بالخيار بين أن يتمادى على مساقاته أو يخرج عنه ، بخلاف الإجارة التي له أن يرجع فيها إذا أجيحت الثمرة بإجارة مثله فيما عمل ، ,وإنما أجاز ذلك سحنون لأنه رآها إجارة أخطأ في تسميتها مساقاة ، فأجازها على حكم الإجارة من وجوب الرجوع بحكم الجائحة فيها ، ولم يجزها ابن القاسم لأنه راعي تسميتها إياها مساقاة إذ حكم المساقاة لا يرجع فيها بالجائحة فرآها إجارة فاسدة يجب

(12/167)


فسخها ما لم تفت بالعمل ، فإن فات به كان للعامل أجرة مثله على حكم الإجارة تنعقد بلفظ المساقاة ، ولم يحملها ابن القاسم على الإجارة إذ رآها لا تنعقد بلفظ المساقاة وكذلك على مذهبه لا تنعقد المساقاة بلفظ الإجارة لو قال له أو أجرك على سقي حائطي هذا بنصف ثمرته إذا طابت لم يجز ، ويأتي على مذهب سحنون أن ذلك يجوز ، وتكون مساقاة وينبغي على قول سحنون إلا يجوز ذلك في الزرع لأنه كمن قال أحصده وهذبه ولك نصفه ، وهذا لا يجوز عنده ، وقول ابن القاسم أظهر لأن الإجازة والمساقاة عقدان مفترقاً الأحكام ، فلا ينعقد أحدهما بلفظ الآخر وبالله التوفيق .
مسألة
قال : وأخبرني ابن أشرس عن مالك في الرجل يساقي الرجل الحائط وله بياض تبع للنخل فيستثنيه العامل فيصيب النخل جائحه فيذهب ثمرها وقد زرع العامل البياض ، قال مالك : يكون على العامل كراء البياض قال سحنون وهي جيدة ، والحجة في ذلك لم يعط البياض إلا على السواد ، فلما ذهب السواد رجع عليه بكراء البياض .
قال محمد بن رشد : قد بين سحنون رواية ابن أشرس ووجهها واحتج لها بما لا مزيد عليه لمن وقف على معنى ما ذهب إليه ، وله في كتاب ابنه أن مالكاً قال وكذلك لو عجز الرجل عن الأصل كان عليه البياض بكراء مثله ورواه على ابن زياد عنه فمعنى ما ذهب إليه سحنون أن العامل لما أجيحت الثمرة أبي أن يتمادى على عمل الحائط إلى آخر ما يلزمه من سقاية ولذلك كان لصاحب الحائط أن يرجع عليه بكراء أرضه ، ولو تمادى على عمل الحائط إلى آخر ما يلزمه منه لما كان عليه في البياض ، كذا يتبين تشبيه مالك لذلك بعجز العامل عن العمل ، وبالله التوفيق .

(12/168)


مسألة
قال محمد ابن إبراهيم المدني وعبد الله بن نافع إذا كان لرجل أصل من نخل أو كرم أو غيره من الأصول وفيها الشيء من البياض هو تبع للنخل وكان البياض فيها الشيء من النخل هي تبع للبياض فقال للذي يساقيه النخل أو يستكري منه البياض أساقيك النخل وحدها أو أكريك الأرض وحدها وأحبس نخلي أو بياضي ولك من الماء قدر ما تروى به نخلك في السقاء وتروي به زرعك في حين تسقي الزرع ولي فضل مائي نسقي به نخلي أو ما صنعت في بياضي ليس عليك فيه سقاء كان ذلك حسناً جائزاً ، وإنما يكره من ذلك أن يجمع النخل إلى البياض أو البياض إلى النخل فيشترط ذلك المساقي خاصة ويكون على المساقي سقيه فتكون زيادة يزدادها عليه ، فإذا لم يكن كذا فلا بأس به .
قالا وكذلك إذا اشترط الرجل على صاحب الأرض أن البدر عليك كانت زيادة ازدادها فلا يصلح .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة حسنة جيدة صحيحة على مذهب مالك ، لأنه قال في موطإه في المساقي يشترط البياض إنه لا يصلح ، لأن الداخل يسقيه لرب الأرض فذلك زيادة ازدادها عليه رب الأرض فهذا يدل من قوله أنه إذا لم يسق المساقي ما اشترط عليه المساقي من الأرض فهو جائز .
وأما إذا أكرى الرجل أرضه وفيها ثمرات يسيرة أو كثيرة فأبقاها لنفسه لم يدخلها في كرائه فذلك جائز وإن اشترط على المكترى سقيها ، لأن ذلك كله معلوم فلا غرر فيه .
ولم يتكلم على الحكم إذا اشترط رب الحائط الأرض على أن يسقيها

(12/169)


المساقي والذي يأتي في ذلك على الأصل الذي قد ذكرته في أول رسم من سماع ابن القاسم وفي رسم كتب عليه ذكر حق منه وما ذهب إليه ابن حبيب أن يرد في ذلك إلى مساقاة مثله في الحائط ويكون له أجرة مثله في سقية الأرض لرب الحائط .
وكذلك لم يتكلم إذا اشترط البذر على صاحب الحائط يريد على أن يكون الزرع بينهما ، والحكم في ذلك على ما تقدم أن الزرع لرب الحائط الذي له البذر وعليه للعامل أجرة مثله في عمله وسقيه ، ويرد في النخل إلى مساقاة مثله قاله أبن حبيب في الواضحة والله الموفق .
من سماع عيسى بن دينار من أبن القاسم من كتاب سلف ديناراً
قال عيسى سألت ابن القاسم عن حائط ساقاه صاحبه سنة على النصف وسنة على الثلث ، قال : لا يحل هذا ، قيل له فإن كان قد عمل سنة وحانت الثمرة قال يرد إلى مساقاة مثله ، ويكون له أن يعمل السنة الثانية .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال ، ومثله في المدونة أن المساقاة الفاسدة للسنين إذا عمل بعضها فهو فوت في جميعها ، ورده في هذه المسألة إلى مسافة مثله صحيح على الأصل الذي ذكرناه في أول رسم من سماع ابن القاسم وفي رسم كتب عليه ذكر حق منه .
مسألة
قيل له فحائط ساقاه صاحبه رجلاً على أن يكفيه مؤنة حائط له آخر ؟ فقال : هذا حرام ، قيل له : فقد وقع ، قال : يعطي في الذي

(12/170)


اشترط عليه كفاية أجرة مثله ، ويرد إلى مساقاة مثله في الحائط الآخر .
قيل له فإن قارضه بمائة دينار على أن دينار على أن يبلغ له مائة دينار أخرى إلى موضع كذا وكذا ؟ فقال : له فيهما جميعاً إجارة مثله يريد إذا فات ، ولم يره مثل مسألة المساقاة التي فوقها .
قيل له فإن جاء بربح فأراد صاحب المال أن يسوغه إياه ويتركه له فقال صاحب المال أن الذي يترك من الربح أكثر من إجارة مثله وعلم الأخر كم هو ؟ فلا بأس به أن علما به جميعاً وأما أن يتخاطر فلا خير فيه .
قال محمد بن رشد : مثل هذا حكي ابن حبيب في الواضحة أنه يعطي أجرة مثله في الحائط الذي اشترط عليه كفاية مؤنته ويرد في الآخر إلى مساقاة مثله ، وهو على الأصل الذي ذكرناه في أول سماع ابن القاسم في كتاب ابن المواز عن ابن القاسم أنه يرد فيهما جميعاً إلى إجارة مثله وهو الأظهر ، وأما الذي قارضه بمائة على أن يبلغ له مائة إلى موضع كذا فلا اختلاف أحفظه في أنه يرد إلى إجارة مثله في جميع ذلك لو قارضه بمائتين على أن يكون ربح المائة الواحدة لرب المال وربح المائة الثانية بينهما على أن يعمل بكل مائة على حدة لرد فيهما جميعاً إلى إجارة مثله قولاً واحداً والقراض في هذا خلاف المساقاة ، وأما قوله إنه لا يجوز أن يسلم له ربح المال فيما وجب له من إجارة مثله حتى يعلم أن كان أقل من ذلك أو أكثر ، فهو بين لا إشكال فيه لما في ذلك من المخاطرة والغرر إذا جهل قدر ذلك وبالله التوفيق .
ومن كتاب إن خرجت من هذه الدار
قال : وقال ابن القاسم : لا بأس أن يستثني الداخل في الحائط

(12/171)


ما كان فيه من بقر أن غلمان أو دواب ، وليس له أن يستثني على رب الحائط إلا ما وجد فيه من ذلك ، وعلى رب الحائط أن يخلف كل ما مات من عبد أو شيء أو ثور مما استثنى الداخل في الحائط مما وجد فيه .
قلت فإن جهل الداخل في الحائط أن يستثني ما فيه من الدواب والرقيق وظن أن ذلك له استثناهم أو لم يستثنيهم ، فلما تعاقدا المساقاة قال له رب الحائط إنما ساقيتك الحائط وحده بلا دواب ولا رقيق ؟ قال يتحالفان ويتفاسخان .
قال محمد بن رشد : قوله لا بأس أن يستثني الداخل في الحائط ما كان فيه من بقر أو غلمان أو دواب يدل على أنهم لا يكونون له إلا أن يستثنيهم خلاف ما في المدونة من أن الحكم يوجبهم له وإن لم يستثنيهم إذ لا يجوز لرب الحائط أن يستثنيهم ولا يخلو الأمر على هذه الرواية من أن يتفقا أو يختلفا ، فإن اتفقا على أن أحدهم استثناهم جاز ما اتفقا من ذلك ، وإن اتفقا على أنه يستثنيهم واحد منهما ولا كانت له نية بقوا لرب الحائط ، وإن اتفقا على أنه لم يستثنيهم واحد منهما وإلا أنهما اختلفا فيما نوياه فقال العامل كانت نيتي أن يكونوا لي وهو الذي ظننت وعليه ساقيت بما ساقيت به ، وقال رب الحائط كانت نيتي على أن يكونوا لي ولا يدخلوا في المساقاة تحالفاً وتفاسخاً كما قال في الرواية .
وكذلك لو اختلفا فقال العامل استثنيتهم وقال رب الحائط بل استثنيتهم أنا تحالفا وتفاسخا على هذه الرواية وكذلك لو أدعى أحدهما أنه استثناهم وكذبه الآخر فيما ادعاه من أنه استثناهم ولم يدع هو أنه استثناهم إلا أنه قال كانت تلك نيتي وعلى ذلك ساقيت لتحالفا وتفاسخا أيضاً ، ولو اختلفا على مذهبه في المدونة فادعي كل واحد منهما أنه استثناهم لوجب أن يكون القول قول العامل لأنه مدعي الصحة منهما ، وذلك على القول بمراعاة دعوى الإشباه مع القيام

(12/172)


لأنه إنما كان القول قول مدعي الصحة من أجل أنه أشبه بالدعوى خلاف ما في سماع أبي زيد من كتاب المغاسة ، وقد مضى هنالك من الكلام على تلك المسألة ما في بيان لهذه وبالله التوفيق .
مسألة
قال وسألته عن الرجل يساقي الرجل الزيتون على أن يعصره ، قال : لا بأس بذل وعلى ساقي النخل جذاذة وعلى ساقي الزرع حصاده ودرسه ، قيل لسحنون ما منتهى المساقي في الزيتون؟ قال : جناه ، قيل له فالثمر؟ قال : جداده قال بعد ما طاب وحل بيعه أو بعد ما يثمر؟ قال : جذاذه قال بعد ما طاب وحل بيعه أو بعد ما يثمر ؟ قال : ذلك بعد الإثمار ، قيل له فالتين والكرم؟ قال على المساقي القطاف والتيبيس هو أجل مساقاته ليس يتعويض عنه المساقاة وعلاجها بالجني حتى يتزبب ذلك وييبسه .
[ ومعنى ذلك إنما كان التيبس غالباً على أهل البلد لأنه إذا لم يكن غالباً على أهل البلد لم يلزمه إلا أن يشترط عليه إذ هو يلزمه ما هو يفتقر إلى عمله بإمكان القسمة قبله والمراعي في ذلك بالعرف في البلد أن لم يكن في المساقاة عرف وإما لأنه عرف فإياه يعتبر وأن خالف ذلك عرف البلد ] .
وقال ابن القاسم في مساقاة الزيتون أن عليه عصره إن كان عصره غالباً على أهل ذلك البلد .
قال محمد بن رشد : قوله إنه لا بأس بمساقاة الزيتون على أن يعصره المساقي دليل على أنه إذا لم يكن شرطاً لم يلزم المساقي العصر واقتسما الزيتون حباً مثله في كتاب ابن المواز أن عصر الزيتون في المساقاة

(12/173)


على شرطهما ، فإن لم يكن شرط فهو يبينهما مثل قول سحنون إن منتهي المساقاة في الزيتون جناه ومعنى ذلك إذ لم يكن العرف في البلد العصر وإما أن كان العرف بالبلد الزيتون العصر فيلزم المساقي العصر إلا أن يشترط ألا يلزمه ذلك يبين ذلك من مذهب ابن القاسم قوله أولاً قوله في المسألة الأخرى ويبينه من مذهب سحنون قوله في التين والكرم أن على المساقي القطاف والتيبيس وإن العلاج ينقضي عنه بالجني حتى يتزيب ذلك وييبسه لأن معنى ذلك إنما هو إذا كان التيبيس غالباً على أهل البلد ، لأنه إذا لم يكن غالباً على أهل البلد لم يلزمه إلا أن يشترطه عليه إذ لا يلزمه ما لا يفتقر إلى عمله بإمكان القسمة قبله والمراعي في ذلك العرف في البلد إذا لم يكن في المساقاة عرف وأما أن عرف فإياه يعتبر وإن خالف ذلك عرف البلد وبالله التوفيق .
ومن كتاب جاع
وقال لرجل سأله عن أرض اكتراها بخمسين ديناراَ وفيها شجرتين غلة بعد إخراج النفقة مثل كراء الأرض هل يحل ذلك ؟ قال لا بأس به لأن بيعه وحده ، والكراء بيع من البيوع فلا بأس به .
قال محمد بن رشد : هذا بين على ما قاله لأن الكراء والبيع جائز أن يجمع بينهما في صفقة واحدة وبالله التوفيق .

(12/174)


ومن كتاب أن أمكنتني
قال : وقال محمد أبن القاسم : لا بأس أن يساقي الرجل الحائطين مساقاة واحدة على النصف أو على الثلث إذا كانا مستويين فإن لم يستويا فلا خير فيه إذا كان لا يأخذ أحدهما إلا لمكان الآخر .
قال محمد بن رشد : قد تقدمت هذه المسألة والقول فيها في أول سماع أشهب فلا معنى فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق .
من سماع أصبغ من ابن القاسم من كتاب البيوع
قال أصبغ سمعت ابن القاسم يقول إذا باع رجل من رجل نصف ثمر حائطه أو ثلثه فأصيب من الحائط أقل من الثلث بجائحه كانت المصيبة بينهما على قدر ما لهما فيه ولم يوضع عنه من الثمر شيء ، وإن أصيب ثلثه أو نصفه وضع عنه نصف الثمن أو ثلثه ، قال : ولا يوضع عنه من الثمن شيء حتى يكون الذي بلغت الجائحة ثلث جميع الثمرة فيكون ثلث ما اشترى المشتري وهو شريك له في المصيبة فيما قل أو كثر .
قال : وقال مالك : وأن تباع نصف سبرته أو ثلثها أو جزء منها فأصابها سيل أو شيء ذهب بها أو بعضها فإنهما يتحاصان على قدر حظوظهما فيها ، والمصيبة منهما جميعأً على الحظوظ ، وليس في

(12/175)


هذا جائحه قال أصبغ : وقول مالك في الثمار أخبر نية أبن وهب وابن القاسم عن مالك .
قال محمد بن رشد : " هذه مسألة بينة صحيحة لا إشكال فيها ولا ليس في شيء من معانيها فلا معنى للقول فيها وبالله والتوفيق .
ومن كتاب الأقضية والحبس
وقال فيمن أخذ حائطاً مساقاة على النصف ، ثم سأله صاحب الحائط بعد ما علم أو قبل أن يعمل أن يرد ذلك عليه فيرد ذلك إليه ويخرج من المساقاة بربع الثمرة إذا طابت أن ذلك لا باس به ، لأنها مساقاة منه إليه مؤتنفة ، قالا : ولو كانا رجلين أخذا حائطاً مساقاة أن النصف لهما والنصف لصاحب الحائط ، ثم سأل أحد الرجلين صاحبه أن يخرج من الثمرة أن ذلك لا بأس به أيضاً ، قال : وكذلك لو كانا شريكين في حائط لهما أصله فسأل صاحبه أن يخرج له من الحائط ويسلم إليه جميع الثمرة ولا يعرض فيه جزء من الثمرة إن ذلك لا باس به ، لأنها مساقاة ، ولكن لو سأل أحدهما صاحبه سلم إليه الثمرة بدنانير أو دراهم أو عرض أو حيوان أو غير ذلك لم يصلح في شيء من جميع وجوه هذه المسألة كلها الذي لأن ذلك بيع الثمرة قبل أن يبدو صلاحها ، ولكن لو كن حائط لرجل أو كانا حائطين لرجلين شريكين وأخذهما رجلان مساقاة أو أخذهما رجل مساقاة فسأله رب الحائط أن يخرجه منه بجزء من حائطه أو سأل أحد الشريكين صاحبه أن يخرجه من أحدهما بجزء من الآخر أو سأل ذلك أحد العاملين منهما بالمساقاة صاحبه أن يخرجه من أحدهما بجزء من

(12/176)


الأجزاء لم يكن في ذلك كله خير ولم يصلح لأن ذلك بيع الثمرة قبل أن يبدو صلاحها من كلي الفريقين جميعاً .
قال محمد بن رشد : هذه مسالة قد تقدم القول فيها وفيما كان من معناها في رسم البيوع من سماع أشهب فلا وجه لإعادة القول فيه وبالله التوفيق .
ومن كتاب البيوع
قال وسئل مالك عن المرسين يساقي وقيل له أن له أصولاً تعظم وتطول وتقيم السنين فإنه يجزء منه الشتاء والصيف وليس له إبان معلوم ، يجزء أشهر معلومة ثم ينقطع ، فهذا يحل بيعه يعني في كل حين إذا أثمر أوله الذي يشتري عليه ، يشتريه سنة أو سنتين مثل الموز والقصب ، قال : وما حل بيعه فلا يحل فيه مساقاة ولا مساقاة في المرسين .
قال محمد بن رشد : المرسين هو الريحان وقد تقدم في أول سماع سحنون أنه كالبقل لا تجوز فيه المساقاة مثل قوله ها هنا ، وقد اختلف في ذلك فحكي ابن المواز عن ابن وهب إجازة مساقاته ، وحكي عن ابن القاسم أن ذلك لا يجوز ثم رجع فأجازه وبنى على هذا قال محمد وأحب إلى إلا يجوز لأنه كالموز والقصب إلا أن تكون أشجارها ثابتة وإنما تقطع منها حيطانها الثابتة في كل عام وقول ابن المواز ينبغي أن يحمل على التفسير للقولين فنقول إنه إنما أجاز المساقاة فيه قبل أن يحل بيعه ، ومنع منها بعد أن يحل بيعه كالبقل الذي يجوز فيه المساقاة إذا نبت قبل أن يحل بيعه حسبما مضي القول فيه في سماع سحنون ، وقول ابن القاسم وما حل بيعه فلا تحل مساقاته خلاف قول سحنون المتقدم في سماعه ، وقد مضى القول على ذلك هنالك فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق .

(12/177)


مسألة
قال أصبغ سألت ابن القاسم عن زيتون يكون بالمغرب ساقي فيها صاحبه على أن يحرثه للمساقي ليس عليه علاج غيره ولا سقي ، فقال : هذا بعل وكذلك الكروم والنخل من البعل ، فهذا لا بأس به ، وهو أمر الناس في مساقاة البعل وعليه مع هذا قطفها وتنقيتها وحراستها ، قلت أرأيت أن اشترط حمل نصيبه إلى منزله إلى المدينة أو اشترط ذلك المساقي على العامل؟ قال : لا خير فيه ، هذه زيادة يزدادها ، قلت أرأيت أن كان ذلك قريباً؟ قال ما يعجبني إلا أن يكون شيئاً ليس عليه فيه مؤنة ، قلت أرأيت أن كان قريب الميل وما أشبهه ، وقال ما يعجبني وقاله أصبغ وقال : إن وقعت فيه المساقاة في المكان البيعد وفاتت رد إلى المساقاة مثله بلا حملان عليه وسقط الجزء بينهما في الشرط .
قال محمد بن رشد : إجازته المساقاة في الزيتون البعل مثل ما في المدونة من إجازة المساقاة في الشجر البعل والزرع البعل ، وأما اشتراطه على العامل حمل نصيبه إلى منزله فكرهه ابن القاسم إلا أن يكون شيئاً ليس عليه فيه مؤنه ، وكراهية بينة لأنها زيادة ازدادها رب الحائط على العامل إلا أنه لم يبين وجه الحكم في ذلك إذا وقع ، والذي يأتي في ذلك على الأصل الذي ذكرناه في أول سماع ابن القاسم وفي رسم كتب عليه ذكر حق أن يرد إذا فات إلى إجارة مثله إلا في المكان القريب فيشبه أن يرد فيه على مذهبه إلى مساقاة مثله استحساناً ، وأما قول أصبغ إنه يرد إلى مساقاة مثله في المكان البعيد فهو بعيد لا يتخرج إلا على قول من يرد العامل في المساقاة الفاسدة كلها إلى مساقاة مثله جملة من غير تفصيل ، وبالله التوفيق .

(12/178)


من سماع أبي زيد بن أبي الغمر
قال أبو زيد سئل ابن القاسم عن الرجل اشترى أصل حائط قد أبر ثم اشتري الثمر قل أن تزهي ، قال : فلا جائحة فيها ، ولو كان إنما اشتري بعد أن أزهت ففيها جائحة قال محمد بن رشد : أما إذا اشترى الثمر قبل أن تزهي بعد أن اشترى الأصل فلا إشكال فيه إنه لا جائحة فيها كما لو استثناها في ابتياعه الأصل قبل أن تزهي لأنها في حين البيع لا يقع عليها حصة من الثمن ، ولا يجوز بيعها منفردة عن الأصول فأما إذا اشتراها بعد أن اشترى الأصول أو هي قد أزهت فقوله في هذه الرواية إن فيها الجائحة خلاف مذهبه في المدونة أنه لا حائجه فيها إذا اشتريت مع الأصول صفقة واحدة بعد الطياب لأنه لا يلزم على هذه الرواية إذا اشتراها مع الأصول صفقة واحدة قد طابت وحل بيعها أن تكون فيها الجائحة بما ينوبها من الثمن إذا قبض عليها وعلى الأصل إذ لا فرق بين شرائها بعد الطياب في صفقة أخرى أو في صفقة واحدة ، لأنه إذا اشتراها مع الأصل في صفقة واحدة فقد وقع لها صحة من الثمن ، وهو منصوص عليه لأصبغ في الواضحة ، والصحيح ما في المدونة أنه لا جائحة فيها لأنها بالعقد تدخل في ضمانه لكونها في أصولها ، فهذه هي العلة في ذلك لا ما علل به في المدونة من أنها تبع للأصول فالجواب في المدونة صحيح والتعليل ضعيف وبالله التوفيق .
مسألة
قال ابن القاسم الحبس جائحة .
قال محمد بن رشد : وكذلك السلطان والغاصب الذي لا تأخذه الأحكام هو جائحه على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك لأنه أمر غالب وكذلك السارق عند ابن القاسم جائحه لأنه لا يستطاع الاحتراس منه ، وقال ابن

(12/179)


نافع ليس السارق بجائحه ، وذهب مطرف وابن الماجشون إلى أنه ليس شيئ من ذلك كله جائحة ، لأنه من صنع آدمي ولا اختلاف فيما كان من غير صنع آدمي كالسموم يحرق الثمر والطير الغالب يأكلها والريح يسقطها أن ذلك كله جائحة والأول أظهر إلا فرق بين فعل الآدمي وغيره في ذلك لما على البائع في الثمرة من حق التوفية ، وقد اختلف إذا غابت الجائحة الثمرة ولم تذهب بها ولا أفسدتها جملة كالغبار يعيبها والربح يسقطها قبل أن يتناهى طيبها فيقصها ذلك من قيمتها فقيل وهو المشهور إن ذلك جائحة ينظر إلى ما نقص العيب منها ، فإن كان الثلث فأكثر وضع عن المبتاع ، وقيل ليس ذلك بجائحة ، وله حكم العيب يكون المبتاع فيه بالخيار بين أن يمسك ولا شيء له ، أو يرد ويرجع بجميع الثمن ، والى هذا ذهب ابن شعبان وقاله ابن الماجشون في أحد أقواله فإن ذهب على قولهما من الثمرة ثلثها بجائحة عابت البقية من الثمر ورجع بثلث الثمن لما ذهب من الثمر وكان بالخيار في الباقي بين أن يتمسك به أو يرد ويرجع بجميع الثمن وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل عن ورق التوت يباع في شجره ثم يصيبها جائحة أترى أن يوضع عنه الثلث فصاعداً لأن الغرر في أصله ؟ قال بل يوضع عنه ما أصابه من الجائحة من قليل أو كثير ، قيل له مثل البقل؟ قال : نعم .
قال محمد بن رشد : في الواضحة لابن حبيب خلاف هذا أن الجائحة في ذلك لا توضع في اقل من الثلث وأنها ليست كالبقول ، وقول ابن القاسم أظهر بدليل ما ذكرناه من سماع سحنون من المعنى الذي من اجله وضعت في البقول الجائحة في القليل والكثير وبالله التوفيق .
مسألة
قال ابن الماجشون في الذي يتزوج المرأة بثمرة قد بدا صلاحها كلها فأجيحت : عن مصيبتها من الزوج وترجع عليه المرأة بقيمة الثمرة وإنما يحمل بالثمرة إذا أصابتها الجائحة محمل البيع ، وابن

(12/180)


القاسم يقول لا جائحة فيها والمصيبة من المرأة ولا ترجع على الزوج بشيء .
قال محمد بن رشد : قول ابن الماجشون هو القياس على أن الصدق ثمن للبضع ، وقد قال مالك رحمه الله : أشبه شيء بالبيوع النكاح فوجب الرجوع فيه بالجائحة ، فقوله أن الثمرة إذا أجيحت كلها رجعت المرأة على الزوج بقيمة الثمرة وهو المشهور في المذهب ، ووجهه أن الثمرة لما كانت عوضاً عن البضع وهو مجهول رجعت يقيمتها كما يرجع الزوج على المرأة إذا استحق من يده ما خالعت به عن نفسها بقيمته للبضع الذي أخرجه عن يده عوضاً عنه والقياس في النكاح إذا أجيحت الثمرة كلها أن ترجع المرأة بصداق مثلها لأن العوض عن المرأة هو البضع ، وقد فات بالعقد أو الدخول ، فوجب أن يرجع بقيمته وهو صداق مثلها دخل أو لم يدخل على القول بأنها تفوت بالعقد ، وهو قول مالك في رواية أشهب عنه في العتيبة وعلى القول بأنها لا تفوت بالعقد إن أجيحت الثمرة قبل البناء انفسخ النكاح ، وهذا القول قائم من مسألة وقعت في العشيرة ليحي ، ووجه فواته بالعقد ما يوجبه من الحرمة ، فهو بخلاف البيوع ووجه ما ذهب إليه ابن القاسم من أن المصيبة في النكاح إذا أجيحت الثمرة من المرأة ولا رجوع لها على الزوج في ذلك ، هو أن النكاح طريقه المكارمة بخلاف البيوع التي طريقها المكايسة ، وأيضاً فإن الصداق على الحقيقة ليس بعوض عن البضع لأن المباضعة فيما بين الزوجين سواء تستمتع به ، وإنما هو نخلة من الله فرضها عز وجل للزوجات على أزواجهن فقال تعالى : ( وأتوا النساء صدقاتهن نحلة ) فأشبه الصداق على هذا الهبة ، فوجب إلا يرجع فيه بالجائحة وبالله التوفيق .

(12/181)


مسألة
قال : وقال سحنون : ولو أن رجلاً أعطى نخلة أو كرمة أو زيتونة مساقاة على النصف على أن يسقى ويقطف ويجني على أن يحرث ثلاث حرثات فيعمل العامل جميع العمل الذي اشترطه عليه إلا الحرث فإنه حرث حرثتين ولم يحرث الثالثة فإنه ينظر إلى ما عمل فيقوم ذلك ثم ينظر إلى ما ترك مما شرط عليه عمله فيقوم ثم ينظركم هو مما عمل؟ فإن كان الذي ترك ولم يعمله الثلث من جميع ما شرط عليه من العمل حظك العامل ثلث النصف الذي كان له أن كانت مساقاته على النصف وإن كان إنما ساقاه على الثلث أو الربع فكذلك أيضاً يحط عنه ثلث الثلث أو ثلث الربع ، وتفسير ذلك أنه ينظر إلى كل ما عمل العامل فيقومه ثم ينظر إلى قيمة ما ترك أن لو عمله فيقوم فيعرف ما اسم قيمة الذي ترك من قيمة الذي عمل فإن ثلثاً حططت من سهمه ثلثه وإن كان ربعاً فكذلك .
قال محمد بن رشد : هذا بين على ما قاله لأن الجزء الذي اشترطه العامل في المساقاة من الثمرة عوض عن عمله ، فإن نقص من العمل الواجب عليه شيئاً وجب أن يحط من جزئه من الثمرة بمقداره وهذا بين والحمد لله .
مسألة
قيل أرأيت لو اشترك رجلان فأخرجا الزريعة وأخرج أحدهما الأرض والآخر العمل وكراء الأرض مثل قيمة العمل ، وعلى أن يحرث الأرض ثلاث حرثات فحرث حرثتين ونصف الواحدة ؟ فقال ينظر إلى قيمة ما عمل ، فإن كان قيمة ذلك عشرين درهما ً ثم ينظر إلى قيمة السكة التي ترك فإن كان قيمتها عشرة دراهم نظر إلى قيمة ما ترك وهي العشرة

(12/182)


كم ذلك من الثلثين الدراهم ؟ فيوجد الثلث فيرجع رب الأرض على العامل بمثل ثلث كراء نصف هذه الأرض .
قال محمد بن رشد : هذا بين على ما قاله لأن العمل عوض عن الأرض فإذا قصر في العمل وجب أن يرجع رب الأرض على العامل من كراء أرضه بقدر ما قصر في العمل وبالله التوفيق وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً والحمد لله على ذلك .

(12/183)