البيان
والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة [: كتاب
الوصايا الثالث] [أوصى فقال لفلان كذا
وكذا وفضلوا فلانا]
من سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم
من كتاب أوله نقدها قال عيسى بن دينار: وقال ابن القاسم في رجل أوصى. فقال:
لفلان كذا وكذا، وفضلوا فلانا، قال: أرى أن يفضل على أكثرهم وصية على قدر
المال.
قال محمد بن رشد: قوله: أرى أن يفضل على أكثرهم وصية على قدر المال، يدل
على أنه أوصى لجماعة بشيء سماه لكل واحد منهم. وقال: فضلوا فرأى أن يفضل
على أكثرهم وصية على قدر المال بالاجتهاد، ويتخرج فيها قول آخر، وهو أن
يفضل بمثل ثلث أكثرهم وصية، وذلك أن ابن حبيب حكى عن أصبغ فيمن أوصى لرجل
بوصية، ثم كلم أن يزيده فقال: زيدوه، ثم مات ولم يسم ما يزاد، قد قيل: يزاد
مثل ثلث وصيته، ولا أراه، ولكن يزاد بقدر المال وقدر الوصية بالاجتهاد، مع
مشورة أهل العلم، ولا فرق بين المسألتين، والقول باعتبار الثلث في ذلك حسن؛
لأنه آخر حد اليسير، وأول حد الكثير، وإذا زاد أحد الموصى لهما على الآخر،
فقد فضله عليه، فلا فرق بين التفضيل والزيادة، والظاهر من الزيادة اليسير،
فوجب ألا يزاد على الثلث الذي هو آخر حده. وبالله التوفيق.
(13/85)
[مسألة: أوصى
فقال لفلان عشرة ولفلان ما بقي من ثلثي]
مسألة وقال في رجل أوصى فقال: لفلان عشرة، ولفلان ما بقي من ثلثي، فمات
صاحب العشرة قبل الموصي، قال: يحاص بالعشرة، مات الموصى له بها قبل الموصي
أو بعده، علم الموصي أو لم يعلم، وهو بمنزلة ما لو أوصى ببعير أو بعبد
لرجل، وأوصى ببقية الثلث لرجل، فمات البعير أو العبد قبل الموصي أو بعده.
فإن الموصى له ببقية الثلث، يحاص بالبعير وبالعبد الميت، علم بموته الموصي
أو لم يعلم.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة لا يدخل فيها اختلاف قول مالك في
المدونة فيمن أوصى لرجل بعشرة ولرجل آخر بعشرة وثلث عشرة، فمات أحد الموصى
لهما قبل الموصي إنه قال مرة للباقي العشرة كلها ومرة قال: له نصف العشرة،
ومرة فرق بين أن يعلم الموصي بموت أحد الموصى لهما أو لا يعلم، فإن علم
كانت له العشرة، وإن لم يعلم لم يكن له إلا نصفها الواجب له بالمحاصة؛ لأن
هذا إنما أوصى له بما بقي من الثلث بعد. العشرة، أو بعد البعير وبعد العبد،
فلا يكون له أكثر من ذلك، صحت الوصية بالعشرة وبالبعير وبالعبد أو لم تصح.
ومسألة المدونة إنما أوصى لكل واحد منهما بعشرة، ولم يبدأ أحدهما على الآخر
فمرة رأى للباقي العشرة كلها؛ لأن الثلث يحملها، ومرة لم ير له إلا نصفها؛
لأن الورثة ينزلون منزلة الموصى له الآخر. إذا مات قبل الموصي، أو لم يقبل
الوصية. وقد قال ابن دحون. كل ما ذكر فيه بقية الثلث، فإن الموصى له يحتسب
عليه الورثة ما مات من مدبر أو من معتق كان في الوصية مات قبل الموصي أو
بعده، فإن بقي له بعد ذلك شيء أخذه، وإلا فلا شيء له، فإن كان معه أهل
وصايا مسماة، كانت لهم وصاياهم من الثلث كاملا، ولا يحاسبون بما مات من
المعتقين والمدبرين، ماتوا قبل الموصي أو بعده يأخذون وصاياهم من
(13/86)
الثلث كاملا، يحتسب على من أوصى له ببقية
الثلث بمن مات من مدبر أو من معتق، ويأخذ ما بقي بعد ذلك إن بقي شيء. وقول
ابن دحون صحيح، وهو بين في رسم إن أمكنتني من هذا السماع بعد هذا وبالله
التوفيق.
[مسألة: يشتري أباه في مرضه بأكثر من الثلث ثم
يموت]
مسألة وقال في الذي يشتري أباه في مرضه بأكثر من الثلث، ثم يموت، قال ابن
القاسم: البيع جائز لا يرد، فإن خرج من الثلث عتق منه ما حمل الثلث، ورق ما
بقي للورثة، فإن كان الورثة ممن يعتق عليهم، عتق ما بقي عليهم.
قلت فإن كان ثمن الأب ما له كله وورثه ممن يعتق عليهم، أيجوز الاشتراء؟
قال: الاشتراء جائز، ويعتق عليهم. وسئل عنها سحنون، فقال: اختلف الرواة
فيما اشتراه الرجل في مرضه ممن يعتق عليه. أخبر ابن وهب في الرجل يشتري في
مرضه ابنه أو بعض من يرثه، فقال: إن كان المشتري يحجب من يرث المشتري حتى
يصير جميع الميراث له، كان ابنه أو غير ابنه، إذا كان كما وصفت لك، فإنه
يجوز له أن يشتريه بجميع ماله أو بما بلغ، ويعتق عليه، ويرث ما بقي إن بقي
شيء. قال لي ابن وهب: وإن كان ثم من يشركه في ميراثه ولا يحجبه، فلا يجوز
له أن يشتريه إلا بالثلث، فإن اشتراه بالثلث لم يصر له من الميراث قليل ولا
كثير؛ لأنه إنما يعتق بعد موت المشتري، وقد صار المال لغيره. قال سحنون:
وقال لي أشهب: لا يجوز له أن يشتريه إلا بالثلث، كان ممن يحجب أو ممن لا
يحجب، فإذا اشتراه بالثلث لم يصر له من الميراث قليل ولا كثير، ولا يكون له
من الميراث شيء. وقال لي غيرهما من الرواة:
(13/87)
كل من يجوز له استلحاقه، جاز له اشتراؤه
بجميع ما يملك، شاركه في الميراث غيره أو لم يشاركه؛ لأنه لو استحلقه ثبت
ميراثه ونسبه. وسألت عنها ابن القاسم، فقال لي: إذا اشتراه وكان الثلث
يحمله جاز اشتراؤه، وعتق وورث بقية المال إن كان وحده، وإن كان مع غيره أخذ
حصته من الميراث.
محمد بن رشد: قوله في الذي يشتري أباه في مرضه بأكثر من الثلث ثم يموت: إنه
إن خرج من الثلث عتق وورث، يدل على أنه يرث إن خرج من الثلث، وإن لم ينظر
فيه إلا بعد الموت، والوجه في ذلك أنه لما كان وجه الحكم فيه عنده أن ينظر
فيه قبل الموت، فإن حمله الثلث عجل عتقه، كان إذا نظر فيه بعد الموت فوجد
ثلثه يحمله، كشف الغيب أن الحرية قد كانت وجبت له قبل موته، فوجب أن يرث.
وقد مضى الكلام على هذه المسألة مستوفى في صدر رسم الوصايا الثاني من سماع
أشهب. وقد ذكرنا هنا كاعتراض قول ابن وهب هذا، فلا معنى لإعادة شيء من ذلك،
وبالله التوفيق.
[مسألة: أوصى لرجل بوصية فبلغ ذلك أبا الموصى
له]
مسألة قال عيسى: وقال ابن القاسم في رجل أوصى لرجل بوصية، فبلغ ذلك أبا
الموصى له، فوهب الموصي عبدا شكرا له لما أوصى به لابنه، فأعتقه الموصي، ثم
مات، فإذا الوصية أكثر من الثلث، فأبى الورثة أن يجيزوا. قال: يمضي عتق
الغلام ويخير الورثة بين الوصية يمضونها وبين قيمة الغلام يدفعونها، فإن
كانت قيمة الغلام أكثر من الثلث، عتق منه ما حمل الثلث، وكان بقيته للورثة
رقيقا، قال: ولو كان الغلام قائما بعينه لم يعتقه، وكان الثلث أقل مما
(13/88)
أوصى له به، خير الورثة بين أن يمضوا
الوصية، وبين أن يردوا العبد إذا لم يعتق.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة فيها نظر. وجواب ابن القاسم فيها خارج عندي عن
الأصول؛ لأن الوصية لم يحملها الثلث، كأن الورثة قد استحقوا منها ما زاد
على الثلث، وأب الوصي لم يهب العبد للموصي إلا على أن تتم الوصية لابنه،
فكان وجه النظر فيها إن لم يحمل الثلث الوصية أن يكون بالخيار بين أن
يجيزوا الوصية، وبين أن يردوا إلى أب الموصى له من قيمة عبده إذا فات
بالعتق قدر ما نقص الموصى له من الوصية، كمن باع عبدا بدار، فاستحق بعض
الدار، وقد فات العبد بعتق. مثال ذلك، أن يكون الموصي أوصى لرجل بدار،
قيمتها مائة، فوهب أبو الموصى له للموصي عبدا قيمته مائة، شكرا على ما أوصى
به لابنه، فأعتقه الموصي في صحته، ثم مات فتبلغت تركته بالدار الموصى بها
مائتين، فيقال للورثة: إما أن تجيزوا له الوصية بالدار، فلا يكون عليكم في
العبد شيء، وإما أن تنخلعوا من الثلث للموصى له شائعا أو في الدار، فيحصل
للموصى له منها ثلثاها فيجب عليكم أن تؤدوا إلى أبي الموصى له ثلث قيمة
العبد، إذ قد استحققتم من الوصية التي هي عوض العبد الذي قد فات بالعتق
ثلثها، وكذلك لو كان العبد قائما بعينه، لم يعتقه الموصي على مذهب ابن
القاسم، إذ لا يرجع عنده في عين العبد بمقدار ما نقص من الوصية إذا لم
يجزها الورثة لضرر الشركة، وعلى مذهب أشهب، يرجع في العبد بقدر ذلك، فيكون
به شريكا فيه، ولو أعتق الموصي العبد في مرضه، وقيمته الثلث فأكثر، لعتق
منه ما حمل الثلث وكان باقيه رقيقا للورثة، وسقطت الوصية بالدار للموصى له
بها، لكون العتق مبدأ عليها، ولزمهم غرم جميع قيمة العبد للأب إن لم يجيزوا
الوصية بالدار لابنه. وقد رأيت لابن دحون، أنه سلم هذه المسألة من الاعتراض
فقال في قول ابن القاسم فيها: معناه، يدفعون القيمة إلى الابن -
(13/89)
الموصى له؛ لأن الأب قد وهب ذلك لابنه، إذ
أخرجه من يده شكرا عن ابنه إذ أوصى له، وليس ذلك عندي بينا؛ لأن الأب لم
يهب العبد لابنه، وإنما وهب للموصي جزاء على وصيته لابنه، فالحق في ذلك
إنما هو للأب؛ لأنه يقول: إنما وهبت له العبد لسروري بوصيته لابني، فالحق
في ذلك إنما هو له، لا للابن، فإن مات نزل ورثته في ذلك منزلته. ووجه ما
ذهب إليه ابن القاسم، إن الأب يقول: إنما وهبت له العبد لتحصل الوصية لابني
كاملة، ولو علمت أن الثلث لا يحملها، وأن الورثة لا يجيزونها لم أهبه شيئا،
والذي ذكرته هو وجه القياس. والله أعلم. وبالله التوفيق.
[مسألة: يوصي لرجل بمائة دينار هي له عليه دين]
مسألة وعن الرجل يوصي لرجل بمائة دينار، هي له عليه دين، ويوصي لقوم
بوصايا، ثم يرسل إلى الذي عليه المائة، فيأخذها منه في مرضه، ثم يموت،
فيطلب الرجل المائة، وقد أنفقها الموصي، أو استودعها رجلا، فقال: لا وصية
له، إن كان قال: ما لي على فلان فهو له، ثم أخذه منه، فليست له وصية. وهو
أمر رجع فيه، إلا أن يكون أوصى بمائة مبهمة، أو عرفت المائة بعينها، لم
تحرك، وإنما مثل ذلك مثل الرجل يوصي للرجل بدين لي على رجل آخر، فيقول: ما
لي على فلان فهو لفلان، فإن أخذه فأنفقه فلا شيء له، وإنما نفقته إياه
بمنزلة ما لو وهبه لغيره وإن لم ينفقه واقتضاه، فكان على حاله فالوصية له.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال إنه إذا أوصى لرجل بمائة دينار له عليه،
فأخذها منه، إن أخذه إياها منه رجوع منه في الوصية له بها، إذ لا وجه
لأخذها منه إلا الرجوع فيها، فسواء أنفقها أو لم ينفقها، فكانت عنده، أو
استودعها. ومعنى قوله: أو عرفت المائة بعينها، لم تحرك أي لم تقبض
(13/90)
وعرف أنها باقية عنده على ما أوصى بها
ويختلف، هل يحاص الورثة بها أهل الوصايا إن كان الثلث لا يحملها كلها أم
لا؟ على اختلاف قول مالك في المدونة في الذي يوصي لرجلين بعشرة عشرة،
وثلاثة عشر فيموت أحدهما في حياة الموصي، ويعلم ذلك قبل موته. وأما إذا
أوصى لرجل بمائة له على رجل آخر، فلا تبطل وصية له بها بقبضه إياها إذا لم
ينفقها ووجدت عنده بعينها، لاحتمال أن يكون إنما قبضها من الذي هي عليه
ليحفظها على الموصى له بها، ولا تبطل الوصية بها إلا بيقين. هذا وجه قول
ابن القاسم في هذه الرواية. وقد وقع له في المجموعة ما يعارض قوله هذا.
وذلك أنه قال: وإن أوصى له بزرع ثم حصده، وبثمرة ثم جدها فليس برجوع، إلا
أن يدرس القمح ويكتاله ويدخله منزله فهذا رجوع، فإذا جعل اكتياله القمح،
وإدخاله منزله رجوعا منه في الوصية به، فكذلك الدين إذا قبضه على قياس ذلك.
قال في المجموعة: وإن أوصى له بعبد فرهنه فليس برجوع، وليبدأ من رأس المال،
ولو أجره فالعبد للموصى له به. وقاله مالك. وبالله التوفيق.
[مسألة: أوصى بعتق عبده وما بقي من ثلثه لفلان]
مسألة وسئل عن رجل أوصى بعتق عبده، وما بقي من ثلثه لفلان، فمات، فقامت
بينة للعبد أنه كان حرا أعتقه سيده هذا في صحته واستحق العبد، قال: لا أرى
له إلا ما بقي من ثلثه بعد قيمته.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله: إنه لا شيء للموصى له ببقية الثلث،
إلا ما فضل بعد قيمة العبد الموصى بعتقه سواء أعتق العبد من الثلث، أوثبت
أنه كان حرا أعتقه سيده قبل ذلك في صحته، أو استحق بحرية أو ملك، وإن أخذ
له ثمن في استحقاقه، لم يكن للموصى له ببقية الثلث فيه شيء ولو أوصى مع عتق
العبد بوصايا، وما بقي من ثلثه لفلان، فاستحق
(13/91)
العبد بحرية أو ملك بعد أن قدم على أهل
الوصايا، لرجع أهل الوصايا بوصاياهم في ثلث ما بقي بعد العبد الموصى بعتقه
المستحق.
واختلف إن رجع فيه بثمن، هل يدخل فيه أهل الوصايا أم لا؟ فقال في رسم أسلم
بعد هذا: إنها لا تدخل فيه؛ لأنه مال لم يعلم به، وذكر في رسم باع شاة منه
أن قول ابن القاسم اختلف فيه، وبالله التوفيق.
[مسألة: قال في وصيته فلانا أعطاني مائة دينار
أتصدق بها عنه وإني تسلفتها]
مسألة قال ابن القاسم: إذا قال الرجل في وصيته: إن فلانا كان أعطاني مائة
دينار أتصدق بها عنه، وإني تسلفتها. وليس لفلان ذلك ورثة يسألون عن ذلك،
فإنه إن كان يورث كلالة، لم يحز منه قليل ولا كثير، لا في ثلث ولا في رأس
المال، وإن كان ورثته ولدا جاز قوله، وأخرجت من رأس المال، وإن كان فلان
ذلك المسمى حيا سئل، فإن صدقه في ذلك أجيز، وإن لم يصدق لم يجز منه قليل
ولا كثير، وإن كان فلان ذلك قد مات، سئل ورثته أيضا، فإن صدقوه جاز، وإن
كان يورث كلالة أو بولد، وإن لم يصدقوه لم يجز منه قليل ولا كثير. قال
مالك: لا يجوز إلا أن يكون الشيء اليسير التافه الذي لا يتهم عليه. قال ابن
القاسم: وأصل هذا التهمة.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها في رسم اغتسل من سماع ابن
القاسم من هذا الكتاب، وفي رسم حلف ليرفعن أمرا من سماع ابن القاسم من كتاب
المديان والتفليس؛ لأنه إذا لم يكن لفلان ذلك ورثة يسألون عن ذلك، فهو كمن
أوصى بدين لمن لا يعرف. وبالله التوفيق.
(13/92)
[مسألة: أوصى
فقال لفلان مائة ولفلان مائتان]
مسألة وقال في رجل أوصى، فقال: لفلان مائة، ولفلان مائتان، قيل له: ففلان
قال: هو شريك معهما، قال: تجمع المائة والمائتان، فيكون له ثلثها، ثم تكون
المائتان بين الرجلين، لصاحب المائة ثلثها، ولصاحب المائتين ثلثاها. وقد
قال ابن القاسم في غير هذا الكتاب في كتاب بع ولا نقصان عليك، يكون له نصف
وصية كل واحد منهما مما أوصى لهما به، ليس من بقية الثلث، ولكن من وصاياهم.
قال محمد بن رشد: القول الأول الذي قال فيه: إنه تجمع المائة والمائتان
فيكون له ثلثها، ثم تكون المائتان بين الرجلين على الثلث والثلثين، هو الذي
يأتي على ما في كتاب السلم الثالث من المدونة في اللذين اشتريا العبد،
فلقيهما رجل فقال لهما: أشركاني فيه، فأشركاه، إن العبد يكون بينهم أثلاثا،
ووجه هذا الاختلاف أن قوله: هو شريك معهما، هو لفظ محتمل، يحتمل أن يكون
أراد أنه شريك مع كل واحد منهما بالسواء فيما أوصى له به، فيأخذ نصف وصية
كل واحد منها، على ما قاله في رسم بع ولا نقصان، ويحتمل أن يكون أراد أنه
شريك معهما جميعا بالسواء فيما أوصى لهما به، إن كانا اثنين أو مع جميعهم
بالسواء، فيما أوصى لهم به، إن كانوا جماعة، فيأخذ ثلث ما بيد كل واحد
منهما إن كانا اثنين، أو ربع ما بيد كل واحد منهم إن كانوا ثلاثة أو خمس ما
بيد كل واحد منهم إن كانوا أربعة، وكذلك ما زاد عددهم. وسواء على ظاهر
الرواية قال: هو شريك معهما أو معهم بالسواء، أو لم يقل بالسواء؛ لأن قوله
بالسواء، لا يرفع الاحتمال من المسألة لجواز أن يريد الموصي بالسواء مع كل
واحد منهم على انفراد أو بالسواء مع جميعهم على اجتماعهم. فما وقع في رسم
بع ولا نقصان عليك، بعد هذا من تفرقته بين أن يقول بالسواء، أو يسكت عن
ذلك، قول ثالث في
(13/93)
المسألة، والرجوع في هذا إنما هو إلى ما
يغلب على النظر بأن الموصي أراده بلفظه، فالأظهر عنده من الاحتمالين، فمرة
رأى قوله: هو شريك معهم، أظهر في أنه شريك مع كل واحد منهم على انفراده
فيما أوصى له به على السواء، ومرة رأى قوله: هو شريك معهم، أظهر في أنه
أراد أنه شريك مع جميعهم فيما أوصى لهم به على السواء، ومرة رأى إذا قال
بالسواء أظهر في أنه أراد إن يساوي بينه وبين جميعهم، وإذا لم يقل بالسواء
أظهر في أنه أراد أن يساوي بينه وبين كل واحد منهم فيما أوصى له به على
انفراده. والذي أقول به: إنه إن كانت وصاياهم متفقة، فالأظهر أن يكون شريكا
مع جميعهم، فيستوي هو وكل واحد منهم فيما يصير له على ما في المدونة في
مسألة العبد، وإن كانت وصاياهم مختلفة، فالأظهر أن يكون شريكا مع كل واحد
منهم في وصيته، إذ لا بد من اختلاف وصاياهم، إذ قد فضل بعضهم على بعض.
وبالله التوفيق.
[مسألة: أوصى بعتق نصيبه من عبد فأبى صاحبه أن
يبيع]
مسألة قال مالك في رجل أوصى بعتق نصيبه من عبد، وأن يعتق عنه نصيب صاحبه،
فأبى صاحبه أن يبيع، قال: ذلك عليه إن شاء وإن أبى من بيعه.
قال محمد بن رشد: مثل هذا في رسم العتق من سماع أشهب من كتاب العتق. وقال
سحنون: رأيت فيه رواية لابن وهب عن مالك وهي: ولعل أن شريكه إن أبى لا
يستقيم نصيب شريكه ويعتق نصيبه وحده، قال أبو إسحاق التونسي: والأشبه ما
روى ابن وهب ولا أدري من أين أنكرها سحنون، وإنما قال أبو إسحاق: إن الأشبه
ما روى ابن وهب؛ لأنه إذا لم يلزم الشريك ذلك إذا لم يوص به، لوجب ألا
يلزمه إذا أوصى به؛ لأن وصيته في مال غيره غير جائزة، والذي يوجب النظر أن
يلزمه ذلك وإن لم يوص به؛ لأن الثلث له بعد
(13/94)
وفاته، فإذا أعتق فيه حظه من العبد بإيصائه
بذلك، وجب أن يقوم فيه حظ شريكه وإن. لم يوص بذلك، كما إذا أعتق حظه من
العبد في مرضه، يقوم على شريكه شاء أو أبى على ما في المدونة.
فيتحصل فيمن أوصى بعتق حظه من عبده ثلاثة أقوال: أحدها: إنه يقوم في ثلث حظ
شريكه، وإن لم يوص بذلك. والثاني: إنه لا يقوم فيه، وإن أوصى بذلك إلا أن
يشاء ذلك الشريك، والثالث: الفرق بين أن يوصي بتقويم حظ شريكه في ثلثه،
وبين ألا يوصى بذلك وبالله التوفيق.
[مسألة: يوصي أن يباع عبده ممن أحب]
مسألة ومن كتاب أوله استأذن سيده وسألته من الرجل يوصي أن يباع عبده ممن
أحب، فيوصي بوصايا، فيضيق الثلث عن ثلث رقبة العبد، وعن الوصايا فقال: قال
مالك: إذا لم يجد من يشتريه، عتق منه ثلثه، فأرى إذا جعله مالك عتقا أن
يبدأ. قلت: ولم صار عتيقا؟ ألأنه ملك بعض رقبته حين أوصى له سيده بثلثها
فلم يجد من يشتريه بذلك؟ قال ليس هذا من هذا الوجه، ولو كان من هذا الوجه
لعتق بقيته في سائر ماله إن كان للعبد مال، ولكنه لما سماه مالك عتقا فصارت
فيه المحاصة، بدئ على أهل الوصايا.
قال محمد بن رشد: قوله: إنه يبدأ العبد بثلث ثمنه على الوصايا، إذا لم يجد
من يشتريه بثلثي ثمنه، خلاف ما تقدم في رسم الطلاق، ومن سماع أشهب، وهو
صحيح على القول بأنها وصية للعبد، إن
(13/95)
لم يرد من أحب أن يباع منه أن يشتريه بثلثي
ثمنه، ولا أراد الورثة أن يبيعوه منه بأقل من ثلثي ثمنه، أعتق ثلثه.
وقد مضى بيان هذا في رسم الوصايا ورسم الطلاق من سماع أشهب. وقد قال ابن
دحون إنما هذا إذا رجع فيه إلى عتق ثلثه، فأما إن وجد من يشتريه ببعض
الثلث، أو بأقل فلا بد من المحاصة مع أهل الوصايا، يقال للمشتري: تشتريه
ببعض ثلث ثمنه، على أن تحاص أهل الوصايا، فتنقص من ثمنه ما وقع لك في
المحاصة. وقول ابن دحون هذا ليس بصحيح؛ لأنه قد نص في الرواية أنه يبدأ
بالثلث ثمنه على أهل الوصايا، من أجل أن الوصية له بذلك تؤول إلى العتق.
ونص فيما مضى في رسم الوصايا من سماع أشهب على أن المشتري لا يجوز الشراء
بحطيطة ثلث الثمن، إلا ما دخله من العول. وقد مضى الكلام على ذلك هنالك،
فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.
[مسألة: ترك في حانوته شعيرا وأوصى أن ذلك
الشعير بينه وبين رجل سماه]
مسألة وسألته عن رجل هلك وترك في حانوته شعيرا وأوصى أن ذلك الشعير بينه
وبين رجل سماه، فأتى الوصي إلى ذلك الرجل الذي سمي أن الشعير بينه وبينه،
فذكر له ما عهد إليه صاحبه، فقال: ما لي عنده شعير، ولكن لي عنده أربعون
دينارا. وأتاه ببينة على الأربعين، فقبضها ثم قال: قد والله وجدت في
برنامجي أن الشعير بيني وبينه. قال: يحلف بالله أنه له، ويكون له شطره؛
لأنه لم يقر بشيء يخاف به تلف الأربعين حين كانت له البينة على الأربعين.
وقال رأيت أن لو لم يدع الأربعين أو ادعاها وقال: الشعير لي، لم يكن له
الشعير، فإني أراه له إذا حلف.
قال محمد بن رشد: إنما لزمته اليمين وإن كان الميت قد أقر له
(13/96)
من أجل أنه اتهم أن يكون ندم إذ أنكر ألا
أن يكون له في الشعير شيء، ويجوز أن يكون الموصي غلط فيما أمر أو نسي فلما
رجع وادعى الشعير بعد أن أنكره، وجبت عليه اليمين للتهمة، وبالله التوفيق.
[مسألة: أوصى بثلاثة أعبد لرجلين]
مسألة وسألت ابن القاسم عن رجل أوصى بثلاثة أعبد لرجلين، ثم قال بعد ذلك:
وفلان وفلان من أولئك الرقيق لفلان لأحد الرجلين، وفلان للرجل الآخر. قال:
أرى أن يضرب كل واحد منهما فيهم بأكثر الوصيتين، ينظر، فإن كان نصف ثلاثتهم
أكثر من العبد الذي أوصى به لأحدهما، ضرب مع صاحبه فيه بنصف قيمتهم، فلا
يتهم بالوصية الأولى، وسقطت الآخرة، وإن كان العبد الذي أوصى له به أكثر
قيمة من نصف ثلاثتهم ضرب فيهم بقيمة العبد، يعطى أكثر الوصيتين، وينظر أيضا
للآخر فإن كان قيمة العبدين أكثر من نصف قيمتهم، ثلاثتهم، ضرب بقيمتها مع
صاحبه فيهم أو فيما حمل الثلث منهم، وإن كان نصف قيمتهم ثلاثتهم أكثر من
العبدين اللذين أوصى بهما له ضرب بنصف قيمتهم، يضرب كل واحد منهما في
الثلاثة الأعبد، وفيما حمل الثلث منهم بأكثر الوصيتين. قال: وكل شيء أوصي
به لرجل في شيء بعينه ثم أوصي له في ذلك الشيء أيضا بوصية أخرى، فإنه يؤخذ
له بأكثر الوصيتين، مثل أن يقول: لفلان عشرون دينارا، ثم يقول بعد ذلك:
لفلان ثلاثون دينارا، فإنه يعطى ثلاثين وتسقط العشرون، ومثل أن يقول: لفلان
وفلان المائة الدينار التي على فلان، ثم يقول بعد ذلك: لفلان لأحد الرجلين
المائة الدينار التي على فلان، فليس يضرب فيها بخمسين ومائة بالوصية الأولى
والآخرة، إلا أنه
(13/97)
يؤخذ له بأكثرهما، فيحاص صاحب المائة
بالمائة ويحاص الآخر بخمسين.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة على أصل ابن القاسم ومذهبه في أن من
أوصى بوصيتين، له الأكثر منهما كانت الأولى أو الآخرة، تحمل على التفسير
لما مضى في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم، حسبما ذكرناه هناك. وقد قال
الفضل فيها: إنها خلاف لأصل ابن القاسم في هذه المسألة. والصواب أن تؤول
على ما يخالف أصله في هذه المسألة على ما بيناه، وبالله التوفيق.
[: أوصى لرجل بمائة دينار مبدأة ولقوم بوصايا]
ومن كتاب العرية وقال مالك في رجل أوصى لرجل بمائة دينار مبدأة، ولقوم
بوصايا ثم قال بعد ذلك: ولصاحب المائة المبدأة ألف دينار. قال: يحاص لصاحب
المائة المبدأة بألف، فما صار له في المحاصة بالألف أعطيه، إلا أن يكون
الذي صار له في المحاصة بالألف أقل من مائة فيعطى المائة المبدأة وإنما
ينظر إلى أي ذلك أكثر المائة المبدأة أو ما يصير له في المحاصة بالألف
فيعطى الأكثر؟ قلت لابن القاسم: فإن قال: زيدوا صاحب المائة المبدأة، قال
يحاص أهل الوصايا بالألف ويأخذ الوصيتين جميعا.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة أيضا كالمسألة التي قبلها على أصل
ابن القاسم وروايته عن مالك، في أن من أوصي له بوصيتين من نوع واحد، له
الأكثر منهما، كانت الأولى أو الآخرة وبالله التوفيق.
(13/98)
[مسألة: يقول
في وصيته نصف عبدي حر]
مسألة وسألته عن الرجل يقول في وصيته: نصف عبدي حر، قال: يعتق نصف قيمتهما
بالسهم. قلت له: فإن قال: أحد عبدي حر، قال: كذلك أيضا يعتق نصف قيمتهما
بالسهم.
قال محمد بن رشد: هذا صحيح على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك. ومذهب ابن
كنانة، ومطرف، وابن الماجشون، أن القرعة تكون في الموصى بعتقهم. وفي
المبتلين في المرض إذا سمى منهم عددا أو جزءا أو جميعهم ولا يحملهم الثلث.
والأصل في ذلك ما جاء في حديث الموطأ: من «أن رجلا أعتق عبيدا له ستة عند
موته، فأسهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينهم، فأعتق
ثلث تلك الرقيق» . قال مالك: وبلغني أنه لم يكن لذلك الرجل مال غيرهم. وهو
كما بلغه والله أعلم. إذ لو كان مال غيرهم، لعتق منهم ما حمل الثلث
بالقرعة، على ما ذهب إليه مالك، خلاف ما ذهب إليه ابن نافع، من أن القرعة
لا تكون إلا حيث السنة في الذي يعتق عبيده عند موته، ولا مال له سواهم.
وذهب أشهب إلى أن القرعة إنما تكون في الموصى لهم بالعتق دون المبتلين في
المرض. فإذا قال الرجل في وصيته: أحد عبدي هذين حر أو نصفهما حر، أعتق نصف
قيمتهما بالسهم، كما قال على قول جميعهم. ووجه العمل في ذلك، أن يقوم كل
واحد منهما على حده، ثم يضرب عليهما بالسهام، فإن كان قيمة أحدهما في
التمثيل عشرين، وقسمة الثاني أربعين، فخرج سهم الذي قيمته عشرون، عتق
جميعه، وعتق من الآخر الذي قيمته أربعون ربعه، وبقي ثلاثة أرباعه رقيقا،
وإن خرج سهم الذي قيمته أربعون، عتق منه ثلاثة أرباعه، ورق ربعه ورق جميع
الآخر الذي أخطأه السهم؛ لأن نصف قيمتهما ثلاثون، على ما نزلناه.
(13/99)
ولو قال. أنصاف عبدي أو نصفا عبدي لعتق من
كل واحد منهما نصفه، على ما قاله في العتق من المدونة، وبالله التوفيق.
[مسألة: يوصي لرجل بعبد فيموت العبد عن مال]
مسألة وسألته عن رجل يوصي لرجل بعبد بعينه، فيموت العبد عن مال قبل أن ينظر
في مال الميت. قال مالك: المال للموصى له بالعبد.
قلت: فمن أين يخرج؟ من ثلث ما بقي بعد موت العبد، أو من قيمة العبد؟. قال:
بل من ثلث ما بقي بعد موت العبد، ويكون العبد كأنه لم يكن في مال.
قال محمد بن رشد: قد مضى اختلاف قول مالك في مال العبد الموصى به، هل يكون
تبعا له أو لورثة الموصي؟ في رسم البر من سماع ابن القاسم، وذكرنا هناك
تحصيل الاختلاف فيه ووجهه فلا معنى لإعادته. وقوله ها هنا: إن المال للموصى
له بالعبد، خلاف قوله في رسم الوصايا من سماع أشهب. والقولان جميعا في رسم
البر من سماع ابن القاسم كما ذكرناه وبالله التوفيق.
[مسألة: قال في وصية في عبد كان يملكه إنه حر]
مسألة وسئل عن رجل قال في وصية في عبد كان يملكه: إنه حر من من أصله، وإنما
اغتصبته نفسه، ولم يكن لي عبد قط قال: إن كان يورث كلالة فلا يقبل قوله،
ولا يعتق من ثلث ولا غيره، وإن كان وارثه ولدا فإني أرى أن يعتق من رأس
المال، وذلك لأن مالكا سئل عن رجل قال عند موته: فلانة لجارية له،
(13/100)
هي أم ولدي، وقد ولدت مني، ولم يذكر ذلك
قبل ذلك، ولا يعرف أحد ما قال، فقال: إن كان وارثه ولدا فإني أرى أن تعتق
من رأس ماله، وإن كان يورث كلالة، فلا تعتق في رأس مال ولا ثلث، فمسألتك
مثلها. ورواه أصبغ.
قال محمد بن رشد: قياسه للمسألة التي سئل عنها على ما قاله مالك في الذي
يقر في مرضه عند موته لجارية له أنها أم ولد ولا ولد معها صحيح، إذ لا فرق
بين المسألتين في المعنى، فيدخل فيها من الاختلاف ما في مسألة مالك.
وتحصيله: أن فيها إن كان يورث بولد، ثلاثة أقوال: أحدها: قوله في هذه
الرواية، وفي المدونة إنها تعتق من رأس المال. والثاني: إنها لا تعتق من
رأس المال. ولا من الثلث، وهو قول ابن القاسم وغيره في كتاب أمهات الأولاد
من المدونة. والثالث: يتخرج بالمعنى على ما في كتاب المكاتب من المدونة.
وهو أنها تعتق من الثلث. وإن كان يورث كلالة، ففيها ثلاثة أقوال أيضا:
أحدها: أنها لا تعتق في رأس مال ولا ثلث. وهو قوله في هذه الرواية وفي
المدونة. والقول الثاني: أنها تعتق من الثلث، وهو قول ابن القاسم في كتاب
المكاتب من المدونة. والثالث: أنها تعتق من رأس المال، وهو الذي يأتي في
كتاب الكفالة والحوالة من المدونة في بعض الروايات من أن إقرار المريض لمن
لا يتهم عليه بدين جائز، كان يورث بكلالة أو ولد، وفي مجموع المسألة خمسة
أقوال: أحدها: أنها لا تعتق من رأس المال ولا من الثلث، كأن يورث بولد أو
كلالة، وهو أحد قولي ابن القاسم في كتاب أمهات الأولاد من المدونة،
والثاني: أنها تعتق من رأس المال كان يورث بكلالة أو بولد، وهو الذي يأتي
على ما في بعض الروايات من كتاب الكفالة والثالث: بكلالة أو بولد، فإن ورث
بولد عتقت من رأس المال وإن ورث بكلالة لم يعتق من رأس المال ولا من الثلث.
والرابع: أنه إن ورث بولد عتقت من رأس المال، وإن ورث بكلالة عتقت من
الثلث. والخامس: إن
(13/101)
كان يورث بولد عتقت من الثلث، وإن كان يورث
بكلالة، لم تعتق من رأس المال ولا من الثلث وفي آخر سماع أبي زيد مسألة من
هذا المعنى فيها إشكال سنتكلم عليها إذا وصلنا إليها إن شاء الله، وبالله
التوفيق.
[مسألة: له ثلاثة أعبد فأوصى بهم لرجل]
مسألة وسئل عن رجل له ثلاثة أعبد، فأوصى بهم لرجل ونصهم بأسمائهم، وليس له
من الأعبد غيرهم، ثم أوصى بعبد منهم بعد ذلك لرجل وسماه باسمه، ولم يذكر
انتزاعا. قال: إن حملهم ثلاثتهم الثلث، كان الاثنان لهذا خالصا، ورجع،
فقاسم هذا الذي سمي له العبد بعد ذلك، فكان له نصفه وللآخر نصفه، وهو
بمنزلة رجل ليس له إلا عبد واحد، فأوصى به لرجل، ثم أوصى به بعد ذلك لرجل
آخر، ولم يذكر انتزاعا، فإن مالكا قال فيما أظن يكون بينهما نصفين، فهذا
حين أوصى له بالثلاثة الأعبد، ثم أوصى بواحد منهم بعد ذلك، كان قد أوصى
بهذا العبد لهما جميعا. قلت: فإن لم يحملهم الثلث، قال: يحاص بهم ثلاثتهم،
فإن خرج من كل رأس من الثلاثة ثلثاه، كان ما خرج في العبدين لهذا خالصا،
ورجع فأخذ ثلث هذا العبد الآخر، وأخذ الآخر ثلثه، فعلى حساب هذا يكون. قال
أصبغ: ويجعل ما أصاب العبد في العبدين خاصة، خالصا له وحده، شريكا للورثة،
ولا يضرب صاحب العبد المنفرد في الثلاثة، فإن قطع الثلث لهما، فإنما يجعل
وصية كل واحد منهما فيما سمى له وأوصى له به. وتفسير ذلك: أن يكون لا مال
له غيرهم، ويكون ثمن كل واحد منهم ثلاثين دينارا، والثلث ثلاثين، فللموصى
له بالعبدين الخالصين ثلث كل واحد منهما، وباقيهما للورثة، وثلث العبد
(13/102)
الذي اجتمعت فيه الوصيتان بينهما، لكل واحد
منهما خمسة، وهو سدسه، فذلك ثلث جميع مال الميت.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة على أصل ابن القاسم في أن من أوصى لرجل
بشيء ثم أوصى به بعد ذلك لغيره، لا يكون إيصاؤه به لغيره رجوعا منه عن
وصيته به للأول، ويكون بينهما، فلا إشكال فيها من قول ابن القاسم يحتاج إلى
تفسير. وكلام أصبغ أيضا بين صحيح مثل قول ابن القاسم في معناه، وإن خالف
لفظه. وبالله التوفيق.
[مسألة: له على رجلين مائتا دينار فأوصى لهذا
بما على هذا وأوصى لهذا بما على هذا]
مسألة وعن رجل له على رجلين مائتا دينار، فأوصى لهذا بما على هذا وأوصى
لهذا بما على هذا، وكان أحدهما مفلسا ولم يترك من المال إلا المائتين،
ومائة أخرى فأبى أن يجيز الورثة. قال: يقطع لهما الورثة بثلث النقد وثلث
الدين، ثم يتحاصان، يحاص المفلس بقيمة ما على الغني، ويحاص الغني بقيمة ما
على المفلس، فما صار له في المحاصة عليه اتبعه الورثة فيه، والغني بما صار
له على المفلس، فيحاصون فيه جميعا.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة، إلا أنها ناقصة تفتقر إلى تتميم بيان
وجه العمل فيها إذا أجاز الورثة، وإذا لم يجيزوا، فأما إذا أجازوا فيؤخذ من
الغني ما عليه للمفلس، فيتحاص فيه الغني مع سائر غرماء المفلس، يضرب فيه
الغني بحقه، وهو مائة والغرماء بمبلغ ديونهم ويتبعونه ببقية حقوقهم، فكلما
أفاد شيئا يحاص فيه الغني وسائر الغرماء بما بقي من حقوقهم حتى، يستوفوها.
وأما إذا لم يجيزوا وقطعوا لهما بالثلث شائعا في النقد والدين، فوجه العمل
في ذلك أن يقال: كم قيمة ثلث الدين الذي على المفلس وهو ثلاثة وثلاثون
وثلث؟ بأن يعرف ما يسوى بعرض، ثم يعرف ما
(13/103)
يسوى العرض، فإن كان ذلك في التمثيل عشرة،
قيل: كم قيمة ثلث الدين الذي على الغني وهو ثلاثة وثلاثون وثلث؟ بأن يعرف
أيضا ما يسوى بعرض، ثم يعرف ما يسوى العرض، فإن كان ذلك في التمثيل ثلاثين،
تحاصا جميعا في ثلث النقد فكان بينهما أرباعا؛ لأنه يضرب فيه المفلس
بثلاثين، قيمة ثلث ما على الغني، ويضرب فيه الغني بعشرة، قيمة ثلث ما على
المفلس، فما ناب الغني من ذلك أخذه، وما ناب المفلس أخذه منه، فيحاص فيه
الورثة. والغني يضرب فيه الورثة بما لهم عليه، وهو ستة وستون وثلثان،
والغني بماله عليه، وهو ثلاثة وثلاثون وثلث، ويؤخذ من الغني للمفلس ثلث
المائة التي عليه، فيتحاص في ذلك الورثة، والغني الموصى له يضرب في ذلك
الغني بجميع حقه الذي له عليه، وذلك ثلاثة وثلاثون وثلث، ويضرب فيه الورثة
بما بقي لهم عليه من حقوقهم، وذلك أنه كان لهم عليه ستة وستون وثلثان إذ
سلموا الثلث من المائة التي كانت لهم عليهم للوصية فصار إليهم من الستة
والستين والثلثين ما وجب لهم في المحاصة من ثلث الناض إذا تحاصوا فيه مع
الغني الموصى له بما على المفلس، حسبما ذكرناه، ويأخذ الورثة. من الغني
ثلثي الدين الذي كان لهم عليه، إذ قد أسلموا الدين للوصية، ويتبع الغني
المفلس بما بقي له قبله من ثلث الدين، إذ قد قبض مع ذلك ما وجب له في
المحاصة من ثلث الناض حسبما بيناه، ويتبعه الورثة بما بقي لهم قبله من ثلثي
الدين إذ قد قبضوا من ذلك ما صار لهم في المحاصة مما وجب لهم من الثلث
الناض، وما صار لهم في المحاصة مما وجب له بالوصية على الغني، حسبما وصفناه
وبيناه. وقد ذكر ابن المواز في هذه المسألة أن قول مالك وأصحابه إنه لا
يقدم الدين الموصى به، وإنما يحسب عدده. ومذهب المغيرة وابن وهب تقديم
الدين وهو الأظهر؛ لأن الدين حكمه حكم العرض. قال ابن المواز: إنما ذلك عند
ضيق الثلث، ولو كان الثلث يخرج منه المائتان لكان لكل واحد منهما مائة
بعينها. وقد ذكر بعض أهل العلم، أنه يأخذ كل واحد منهما ثلث ما على صاحبه،
ويتحاصان
(13/104)
في ثلث الناض يضرب كل واحد منهما فيه بقدر
وصيته. وقول ابن القاسم هو الصحيح في النظر؛ لأن الوصايا إذا تجاوزت الثلث
فردت إليه صارت شائعة في جميع المال. وقد قيل: إنه من أوصى له بشيء بعينه
فلم يحمله الثلث، يجعل له مبلغ الثلث فيما أوصى له به، ولا يكون شائعا في
جملة المال. وهو أحد قولي مالك في المدونة. فعلى هذا يجعل للغني ما وجب له
من جميع الثلث فيما على المفلس، وللمفلس ما وجب له من جميع الثلث فيما على
الغني، وهو قول ثالث في المسألة. وقد روي عن سحنون أن الدين لا يقطع له
قيمة، بخلاف العرض. وسيأتي في رسم النسمة مسألة من هذا المعنى يدخلها ما
دخل هذه، وبالله التوفيق.
[مسألة: تحضره الوفاة فيوصي أن تباع جاريته ممن
أحبت]
مسألة وسئل عن رجل تحضره الوفاة، فيوصي أن تباع جاريته ممن أحبت، ويوصي
لرجل بعشرة دنانير، فيحمل ماله الجارية فقط، فأبى الورثة أن يجيزوا أو
أجازوا. قال ابن القاسم: يقال للورثة: إما أجزتم الوصية فتبيعونها ممن تحب
بوضع ثلث ثمنها وأعطيتم هذا عشرة، وإما أعتقتم ثلثها وتسقط العشرة.
قال محمد بن رشد: قوله هذا في إيجاب العتق للجارية إذا أبى الورثة من إجازة
الوصية، هو مثل ما تقدم في رسم استأذن من هذا السماع، خلاف ما تقدم في رسم
الوصايا ورسم الطلاق من سماع أشهب. وقد مضى الكلام على ذلك هنالك مستوفى،
وبالله التوفيق.
[مسألة: أوصى لرجل بسكنى دار له ما عاش]
مسألة وسألته عن رجل أوصى لرجل بسكنى دار له ما عاش، وأوصى بوصايا، فضاق
الثلث عن الوصايا، فيتحاصون في الثلث:
(13/105)
هذا بقية سكنى الدار حياته، وأهل الوصايا
بوصاياهم، فأخذ كل ذي حق حقه، فعاش الذي أوصى له بالسكنى أكثر مما عمر، هل
يرجع على أهل الوصايا بشيء؟ وإن مات هو قبل الأجل الذي عمر إليه، هل يرجع
أهل الوصايا فيأخذون ما بقي؟. قال ابن القاسم: إذا ضاق الثلث عن وصايا أهل
الوصايا فيتحاصون في الثلث، فإن من أخذ شيئا كان ذلك الشيء له بتلا وهو حكم
يقع ويمضي، ولا يرجع أهل الوصايا على ما في يديه بشيء إذا مات قبل الأجل
الذي عمر إليه؛ لأنه حكم قد مضى، وكذلك لو أوصى أن ينفق على رجل ما عاش
فعمر ولم يحمل الثلث نفقة تعميره، إنه إن لم يجزه الورثة، كان ما صار له من
الثلث بتلا يدفع إليه، وليس للورثة أن يرجعوا عليه بشيء وإن مات بعد ذلك
بيوم؛ لأنهم قد خيروا في أن ينفذوا وصية صاحبهم، وفي أن يقطعوا له بالثلث
بتلا، فاختاروا القطع له بالثلث بتلا ولو كانوا أنفذوا وصية صاحبهم ثم مات،
رجعوا فأخذوا ما بقي من النفقة، وكذلك أيضا لو حمل الثلث النفقة، وفضل في
أيدي الورثة من الثلث فضلة، فعمر فوقف له من الثلث قدر نفقة تعميره، إنه إن
مات قبل أن يستنجز النفقة، رجع على الورثة أيضا فأخذ منهم نفقة ما بقي من
عمره مما بقي في أيديهم من بقية الثلث.
قال محمد بن رشد: قوله: إن الثلث إذا ضاق عن وصايا أهل الوصايا فيتحاصون
فيه، لم يرجع بعضهم على بعض بشيء، لا المعمر إذا عاش أكثر مما عمر على أهل
الوصايا، ولا أهل الوصايا على ما بقي في يد المعمر إن مات قبل الأجل الذي
عمر إليه؛ لأنه حكم قد مضى هو خلاف ما مضى في رسم الأقضية الثاني من سماع
أشهب؛ لأنه قال فيه: إن المعمرين لا يرجعون على أهل الوصايا إن عاشوا أكثر
مما عمروا، وإن أهل الوصايا
(13/106)
يرجعون عليهم فيما فضل مما وقف لهم إن لم
يستنفذوه بموتهم قبل الأجل الذي عمروا إليه. وقد قيل: إنهم يرجعون على أهل
الوصايا إن عاشوا أكثر مما عمروا فيعمرون ثانية، كما يرجع أهل الوصايا
عليهم فيما فضل مما وقف لهم إن ماتوا قبل أن يستنفذوه، وهو اختيار أشهب،
والثلاثة الأقوال في آخر الرسم الأول من سماع أصبغ. وكذلك إن لم يكن ثم
وصايا مع الموصى له بالنفقة أو بالسكنى حياته، فلم يحمل الثلث نفقة تعميره
أو قيمة السكنى حياته، فلم يجز ذلك الورثة وقطعوا له بالثلث، قيل: إنه يكون
له ما صار له من الثلث، لا يرجع عليه فيه الورثة، وإن مات بعد يوم أو
يومين، وهو قوله في هذه الرواية، وقيل: إنهم يرجعون في الفضل، فيكون لهم إن
مات قبل الأجل الذي عمر إليه. ولو أجاز الورثة الوصية أو حملها الثلث
لارتفع الخلاف من المسألة، ولوجب إن لم يبلغوا الأجل الذي عمروا إليه، أن
يرجع ما فضل مما وقف لهم إلى الورثة إن عاشوا أكثر مما عمروا أن يرجعوا على
الورثة فيما بقي بأيديهم من بقية الثلث إن كانت الوصية أقل من الثلث، أو في
بقية مال الميت إن كانت أكثر من الثلث فأجازوها، ولم يكن لهم على الوصايا
رجوع بحال. وقوله في أول المسألة الذي أوصى له بسكنى الدار فعاش يحاص أهل
الوصايا بقيمة سكنى الدار حياته ليس بخلاف لما في المدونة من أن من أوصي له
بخدمة عبد أو سكنى دار، إنما يقوم في الثلث رقبة العبد والدار، لا قيمة
الخدمة والسكنى لأن المعنى في ذلك إنما هو من حق الورثة إن لم يحمل الثلث
رقبة العبد والدار، ألا يجيزوا الوصية، وأن يقطعوا للموصى له بالخدمة أو
السكنى بالثلث من جميع ما ترك الميت، وإن كان الثلث يحمل قيمة الخدمة
والسكنى، إذ قد يموتون قبل أن ترجع إليهم الرقبة، فيكون الميت كأنه قد أوصى
بالرقبة ولا يحملها الثلث. وهذا هو معنى قول مالك في المدونة لأني لو أقمت
الخدمة والسكنى، لكنت قد حبست العبد عن أربابه، والدار عن أربابها، وهم
يحتاجون إلى بيع ذلك، فهذا لا يستقيم، وأما إذا لم يحمل الثلث رقبة الدار
واحتيج في ذلك إلى المحاصة مع الوصايا فلا
(13/107)
يحاص إلا بقيمة السكنى على غيره؛ لأنه هو
الذي أوصى له به، لا الرقبة، ولو كان الثلث لا يحمل الرقبة والوصايا، وهو
أكثر من قيمة السكنى والوصايا، لوجب إذا عاش أكثر مما عمر إليه أن يكون أحق
بما فضل من الثلث، فيستوفي منه السكنى بقية حياته، كما أوصي له به؛ لأن أهل
الوصايا قد أخذوا وصاياهم، فلا كلام لهم، والموصى له بالسكنى أحق بقيمة
الثلث من الورثة.
[مسألة: له عبد قيمته مائة دينار وللعبد مائتين
فيقول للعبد أعطني المائتين وأعتقك]
مسألة وسألته عن الرجل يمرض وله عبد قيمته مائة دينار، وللعبد مائتا دينار،
فيقول للعبد: أعطني المائتين، وأعتقك فأخذها وأعتقه. قال: عتقه جائز. قلت
كيف يجوز لهذا وهو مريض؟ وهو لو قال في ذلك هو حر بتلا أو أوصى بعتقه، لم
يعتق منه إلا ثلثها رقبة، وأقر ماله في يديه، ولم يحاص في عتقه بشيء من
ماله إذا لم يترك إلا العبد وماله، فقال: أرأيت لو قال: خذوا من عبدي ماله
وأعتقوه، وليس له مال غيره، فوجدوا العبد ثلث ماله أليس قد كان يعتق؟ قلت:
لا أدري قال: نعم، إذا قال: خذوا ماله وأعتقوه، جاز عتقه إذا كان هو ثلث
ماله.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال إن عتقه جائز؛ لأنه قد كان له أن يأخذ
ماله ولا يعتقه، فإذا أخذ المائتين منه وأعتقه، وقيمته مائة، فذلك بين
الجواز؛ لأنه أعتقه، وثلث ماله يحمله، إذ قد صار المال له بانتزاعه إياه
منه، وإنما قال له أعطني المائتين، وأعتقك التماس رضاه بذلك، خشية أن يكون
كارها للعتق إذا لم يكن له مال، لا من أجل أن له أن يمتنع من ذلك. وقد قال
بعض أهل النظر: إنما جاز ذلك؛ لأنه نفذ عتقه في حياته على عوض وهو ثلثه.
والوجه في جواز ذلك هو ما ذكرته، لا ما سواه. وبالله التوفيق.
(13/108)
[مسألة: يقول
أحد عبيدي لفلان وله ثلاثة أعبد قيمتهم سواء]
مسألة وسألت ابن القاسم عن الرجل يقول: أحد عبيدي لفلان، وله ثلاثة أعبد
قيمتهم سواء، وليس له مال غيرهم، ثم يقول بعد ذلك: عبدي فلان لفلان، رجل
آخر، والعبد من تلك الثلاثة الأعبد، قال: إذا كان قيمتهم سواء، أسهم بينهم
بثلاثتهم للذي قال: أحد عبيدي لفلان، حتى يعلم في أي عبد يقطع له فيه
وصيته، فإن خرج سهمه في الذي أوصى به للرجل الآخر كان نصفه له، ونصفه
للآخر، وإن خرج سهمه في آخر كان له نصفه، وللورثة نصفه، وكان لهذا الآخر
نصف العبد الذي له به، فعلى هذا فقس أمرها إذا اختلفت قيمتهم أو اتفقت على
هذا، وإن كان مع العبيد مال غيرهم، إلا أن العبيد أقل من الثلث، فإن الذي
أوصى له بالعبد بعينه يحاص صاحبه بقيمة العبد الذي سمي له ويحاص الآخر بثلث
قيمتهم ثلاثتهم.
قال محمد بن رشد: قوله: إذا لم يكن له مال سواهم، وكانت قيمتهم سواء، إنه
يسهم بينهم للذي قال: أحد عبيدي لفلان، فإن خرج السهم منهم على الذي أوصى
به للآخر، كان بينهما نصفين، وإن خرج على غيره، كان له نصفه، وللورثة نصفه،
وكان للآخر العبد الذي أوصى له به، بين لا إشكال فيه، إذ ليس له أن يوصي
بأكثر من ثلث ماله، وثلث ماله هو عبد من الأعبد الثلاثة إذا لم يكن له مال-
سواهم. وقوله: فقس أمرها إذا اختلفت قيمتهم، أو اتفقت على هذا، يريد أنه
إذا اختلفت قيمتهم يسهم أيضا بينهم ثلاثتهم، للذي قال: أحد عبيدي لفلان فإن
خرج السهم على العبد الذي أوصى به للآخر، وقيمته الثلث فأقل، كان بينهما
بنصفين، وإن كانت قيمته أكثر من الثلث، كان بينهما بنصفين ما حمل الثلث
منه، وكانا شريكين فيتبع
(13/109)
الورثة بالزائد على الثلث، وإن خرج السهم
على عبد من العبدين الآخرين، وقيمتهما جميعا الثلث فأقل، أخذ العبد الذي
خرج له في السهم، وأخذ الآخر العبد الذي أوصي له. به، وإن كانت قيمتهما
أكثر من الثلث، مثل أن تكون قيمة أحد العبيد عشرة، والثاني عشرين، والثالث
ثلاثين، فيوصي للرجل بالعبد الذي قيمته عشرة، ويخرج للآخر بالسهم العبد
الذي قيمته عشرون، كان الثلث من العبيد إذا قطع به الورثة لهما، ولم يجيزوا
الوصية بينهما على قدر وصاياهما؛ لأن الوصايا إذا لم يحملها الثلث حالت
ورجعت إلى الإشاعة في الثلث. وهذا على القول بأن من أوصي له بعبد من جملة
عبيده يعطى واحدا من عددهم بالقرعة، وأما على القول بأن من أوصي له بعبد من
جملة عبيد، يكون له ثلثهم بالقيمة، إن كانوا ثلاثة، وربعهم إن كانوا أربعة،
يخرج لهم في ذلك بالقرعة من عددهم ما خرج، والقولان قائمان من المدونة،
فالحكم في ذلك أن يخرج ثلثهم بالسهم للذي أوصي له بالعبد من الأعبد
الثلاثة، فإن حمل الثلث الوصيتين جميعا، افترقت في العبيد أو اجتمعت في
العبد الموصى بعينه لأحدهم أو كان في ذلك فضل عنه بعد ذلك، وانفرد بالفضل
الموصى له بالعبد من الأعبد. وإن لم يحمل الثلث الوصيتين جميعا، ولا أجاز
ذلك الورثة، فقطعوا لهما بالثلث، تحاصا فيه على قدر وصاياهما. وفي المسألة
قول ثالث، وهو أن من أوصي له بعبد من جملة عبيد، يكون شريكا مع الورثة في
كل عبد بالثلث، إن كان العبيد ثلاثة، أو بالربع إن كانوا أربعة فالحكم في
مسألتنا على قياس هذا القول أن يكون للموصى له بالعبد بعينه ثلثا العبد
الذي أوصي له به، ويكون ثلثه بينه وبين الموصى له الآخر لأن وصاياهما قد
اجتمعت في ثلثه، ويكون للموصى له الآخر، ثلث كل عبد من العبدين الآخرين
أيضا. هذا إن حمل ذلك الثلث، وأما إن لم يحمله الثلث، ولا أجاز ذلك الورثة،
فقطعوا لهما بالثلث، تحاصوا فيه على قدر وصاياهما. وأما قوله: وإن كان مع
العبيد مال غيرهم، إلا أن العبيد أقل من الثلث إلى آخر قوله، فلا يستقيم،
إلا أن يعدل
(13/110)
بالكلام عن ظاهره من العموم، فيقال: معناه:
إذا كان العبيد أقل من الثلث، ووصاياهما جميعا إذا اجتمعت أكثر من قيمة
العبيد، مثل أن تكون قيمة أحدهم تسعين، وقيمة الثاني عشرين، وقيمة الثالث
عشرة، فيوصي لرجل بعبد منهم غير معين، وللآخر بالعبد الذي قيمته تسعون؛ لأن
جميع قيمة العبيد على هذا مائة وعشرون، ووصاياهما جميعا مائة وثلاثون؛ لأن
الذي أوصى له بعبد غير معين له ثلث قيمتهم بأربعين، فيتحاصان جميعا في جميع
العبيد الموصى له بالعبد المعين بتسعين، والموصى له بالعبد من الأعبد
بأربعين؛ لأن المحاصة إنما تكون عند ضيق المال عن حقوق أهله، وأما إذا كانت
وصاياهما إذا اجتمعت، مثل قيمة العبيد أو أقل، فيأخذ كل منها وصيته كاملة،
ولا يحتاج في ذلك إلى التحاص. وبالله التوفيق.
[مسألة: يوصي بأن يحج عنه بثمن جارية له فولدت
الجارية]
مسألة وسئل عن الرجل يوصي بأن يحج عنه بثمن جارية له، ثم إنها ولدت بعد موت
الموصي قبل أن تباع، فهل تباع بولدها؟ أو يكون أوصى لرجل بجارية فلم ينظر
في وصيته حتى ولدت هل تكون هي وولدها للذي أوصي له بها مع ولدها؟ أو تكون
ماتت وبقي ولدها، هل ترى ولدها للموصى له؟ أو يكون قال جاريتي حرة إن دخلت
دار فلان، أو كلمت فلانا، ثم إنها ولدت أولادا قبل أن يدخل الدار، وقبل أن
يكلمه، ثم كلمه، هل يعتقون معها أم لا؟ قال ابن القاسم: أما الذي أوصى
بالحج عنه بثمن جارية له، فأرى الوصية في الجارية وولدها إن ولدت بعد موت
الموصي، وأما الذي أوصى بجارية له لرجل فولدت، فإنها إن كانت ولدت بعد وفاة
الموصي، فولدها أيضا للموصى له، بقيت الأمة أو هلكت، وإن كانت ولدت والموصي
حي، ثم هلك بعد، فلا حق للموصى له في ولدها.
(13/111)
وأما الذي قال: إن دخلت هذه الدار فجاريتي
حرة، فولدت قبل أن تدخلها، ثم دخلها ولها ولد، فإنها تعتق بولدها. كذلك قال
لي مالك على الاستقلال للعتق.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال إن ما ولدت الجارية الموصى بها لرجل أو
الموصى بعتقها، والموصى بالحج بثمنها بعد موت الموصى فولدها تبع لها، أن
الوصية قد وجبت بموت الموصي وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «كل ذات رحم فولدها بمنزلتها» وأما ما ولدت الجارية المحلوف
بعتقها ألا يفعل فعلا، فالقياس ألا يعتق ولدها بعتقها؛ لأنه فيها على بر،
وله أن يطلق ويبيع، إلا أن قول مالك قد اختلف في ذلك، مرة كان يقول: تعتق
بولدها، ومرة كان يقول: تعتق بغير ولدها، ولكن الذي ثبت عليه من ذلك
واستحسن على ذكره، أن تعتق هي وولدها على ما قاله في هذه الرواية، في رسم
بع ولا نقصان عليك، من سماع عيسى من كتاب العتق، وفي رسم المدبر والعتق من
سماع أصبغ منه، وفي رسم باع غلاما من سماع عيسى عن ابن القاسم، وأما اليمين
التي يكون فيها على حنث مثل أن يحلف بعتقها ليفعلن فعلا ولا يضرب لذلك أجلا
فالقياس أن يعتق ولدها بعتقها، وهو المشهور من قول مالك. وقد روي عن مالك
أن ولدها لا يدخل في اليمين، وهو قول المغيرة المخزومي. وإن ضرب ليمينه
بعتقها ليفعلن فعلا أجلا فهو أخف. وفي دخول ولدها في اليمين اختلاف؛ لأن
مالكا إذا رأى في أحد قوليه أن الولد يدخل في اليمين التي يكون فيها على
بر، وله أن يطأ ويبيع، فأحرى أن يرى ذلك في هذه اليمين التي يمنع فيها من
البيع، ويختلف في جواز الوطء له، وبالله التوفيق.
(13/112)
[: قال عند
موته قد كنت أعتقت غلامي فلانا فأنفذوا ذلك وأوصى بوصايا]
ومن كتاب أمهات الأولاد قال ابن القاسم: إذا قال الرجل عند موته: قد كنت
أعتقت غلامي فلانا أو كنت تصدقت على فلان بكذا وكذا، وقد كنت جعلت كذا وكذا
في سبيل الله، فأنفذوا ذلك، وأوصى بوصايا فإن ذلك يكون في الثلث بمنزلة
الوصايا يصنع فيها ما يصنع في الوصايا حين قال: أنفذوا ذلك إن كان عتقا
بعينه يبدأ، فإن كانت رقبة ليست بعينها هكذا أو غير ذلك من الوصايا مما
يشبه حص بين ذلك كله، ووقعت فيه المحاصة، وإن كان قال ذلك، قد كنت فعلت كذا
وسكت ولم يقل فأنفذوا ذلك فليس ذلك شيء لا في الثلث ولا في رأس المال، وهو
ميراث، ولا يدخل فيه الوصايا ويدخل في ثلث ما بعده، وإن لم يقل شيئا وسكت،
ولم يذكر رأسا، إلا أنه قد فعله في الصحة، ولم يزل في يديه حتى مات، ولم
يخرج من يديه، فإن الوصايا تدخل فيه، وإن كان على أصل ذلك بينة، ثبت العتق
من رأس المال، وردت الصدقات والنخل، وجرت فيه الوصايا؛ لأنه لم يذكرها، ولم
يقل أنفذوها وقاله أصبغ كله.
قال محمد بن رشد: أما إذا قال في مرضه هذه الأشياء: قد كنت فعلت ذلك في
صحتي فأنفذوا ذلك، فلا اختلاف في أنها تنفذ من ثلثه على سبيل الوصية، فتبدأ
على ما هي أوكد منها، ويحاص بينها وبين ما كان في منزلتها. وأما إذا قال:
قد كنت فعلت ذلك في صحتي ولم يقل فأنفذوه، فأما العتق، فيتخرج على الاختلاف
الذي ذكرناه في رسم العرية في الذي يقر في مرضه عند موته في جارية أنها أم
ولده. وأما ما ذكره في مرضه من أنه كان تصدق به في صحته، أو جعله في
السبيل، فلا اختلاف في أنه لا ينفذ إن مات من مرضه في رأس مال ولا ثلث،
وإنما يدخل الاختلاف في، العتق،
(13/113)
بخلاف الصدقة وما أقر أنه جعله في السبيل
من أجل أن العتق لا يفتقر إلى حيازة، بخلاف الصدقة، وما كان في معناها، ولا
تدخل الوصايا في شيء من ذلك، وإنما تكون في ثلث ما بقي بعدها، ولا اختلاف
أحفظه في هذا. وأما إذا تصدق في صحته ولم تحز الصدقة عنه حتى توفي، فاختلف
هل تدخل فيها الوصايا أم لا على قولين: أحدهما: أنها تدخل فيه، وهو قوله في
هذه الرواية. ووجه ذلك أنه لما أمسكه ولم يحوزه حمل عليه أنه أراد إبطاله،
فوجب أن تدخل فيه الوصايا. والقول الثاني: أنه لا تدخل فيه الوصايا. وهو
قول مالك في الموطأ رواية يحيى ورواه ابن وهب عنه أيضا وهو قول ابن كنانة
قال: لأنها صدقة للمتصدق عليه بها حتى مات، وإنما ردها القاضي بعد الموت
بالحكم للتهمة، وقد كان من أدركنا من الشيوخ يقولون في مسألة رسم القضاء
المحض من سماع أصبغ، من كتاب الصدقات والهبات إنها خلاف هذه الرواية، مثل
قول مالك في الموطأ ورواية ابن وهب عنه. وقول ابن كنانة، وليس ذلك بصحيح؛
لأنها مسألة أخرى، لا اختلاف فيها حسبما بيناه هنالك، من الفرق بين
المسألتين. والذي قلته عن الذي قال في مرضه: قد كنت أعتقت عبدي في صحتي،
يتخرج على الاختلاف الذي ذكرناه في رسم العرية في الذي يقر في مرضه عند
موته بجارية أنها أم ولده، يؤيده ما حكاه ابن المواز عن مالك في القائل في
مرضه: كنت أعتقت فلانا في صحتي، وتصدقت على فلان بكذا، إنه يعتق العبد من
ثلثه، وتبطل الصدقة، إذ لو ثبتت بالبينة لبطلت، ولو قامت بالعتق بينة كان
من رأس المال.
قال محمد وهذه الرواية غلط ويبطل ذلك كله، وليست بغلط كما قال محمد؛ لأنه
اختلاف معلوم من قول مالك، وهو كتاب المكاتب من المدونة فقف على ذلك كله
وتدبره تصب إن شاء الله، وبه التوفيق.
(13/114)
[: يوصي
لمكاتبه بوضع نجم من نجومه]
ومن كتاب يوصي لمكاتبه بوضع نجم من نجومه وسألته عن رجل هلك وترك ولدا وترك
ثلاثة أعبد، وليس مع الولد وارث غيره، فقال: هذا العبد أوصى أبي بعتقه، ثم
قال بعد ذلك: لا ليس هو هذا، ولكن هو هذا، ثم قال بل هو هذا، حتى ينصهم
بثلاثتهم. قال يُقوَّمون ثلاثتهم ثم ينظر إلى قيمتهم ثلاثتهم فيعتق في كل
واحد ثلث قيمتهم ثلاثتهم سواء أعتقوا ثلاثتهم، وإن كانت قيمتهم مختلفة فمن
كانت قيمته منهم ثلث قيمتهم ثلاثتهم، عتق كله. ومن كانت قيمته أكثر من ثلث
قيمتهم عتق منه ما حمل الثلث من قيمتهم. فعلى هذا يعتقون.
قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة إن لم يكن له مال غيرهم، ولذلك
قال: إنه يعتق في كل واحد منهم ثلث قيمتهم ثلاثتهم؛ لأنه قد أقر لكل واحد
منهم أنه هو المعتق، فوجب أن يعتق إن كانت قيمته ثلث قيمتهم ثلاثتهم فأقل،
مثال ذلك أن تكون قيمة أحدهم عشرة، وقيمة الثاني عشرون، وقيمة الثالث
ثلاثون، فالذي قيمته عشرة، يقول له: قد أقررت لي أني أنا هو الذي أوصى أبوك
بعتقه، فأعتقني؛ لأن قيمتي أقل من الثلث، والذي قيمته عشرون يقول له: قد
أقررت لي أنا هو الذي أوصى أبوك بعتقه، فأعتقني؛ لأن قيمتي الثلث. والذي
قيمته ثلاثون يقول له: قد أقررت لي أني أنا هو الذي أوصى أبوك بعتقه، فأعتق
مني ثلث قيمة العبيد؛ إذ لم يترك أبوك مالا غيرهم، فهو عشرون، فيعتق منه
ثلثاه، ولو ترك من المال سوى العبيد ثلاثين دينارا لعتق جميع العبد الذي
قيمته ثلاثون أيضا لحمل الثلث له، فالأصل في هذا أن يعتق كل واحد منهم إن
كان يحمله ثلث مال الميت، ومن لم يحمله منهم ثلث الميت، عتق ما حمل الثلث
منه. وبالله التوفيق.
(13/115)
[مسألة: يأتيه
الخبر أن غلامه هلك فيوصي بوصايا فيأتي خبر أن ذلك الغلام حي]
مسألة وسألته عن الرجل يأتيه الخبر، أن غلامه هلك، وأن سفينته غرقت، وأن
فرسه مات، أو نحو ذلك من الأمور، فتحضره الوفاة فيوصي بوصايا، ثم يموت،
فيأتي خبر أن ذلك الغلام حي، والفرس حي، والسفينة لم تغرق، قال ابن القاسم:
إن كانت قامت عنده البينة، وشهد قوم عنده قبل الوصية أو بعدها أن العبد
مات، والسفينة غرقت، والفرس مات، أو بلغه ذلك فطال زمانه، ويئس منه، ثم جاء
خبر بعد موته أنه لم يذهب منه شيء، فلا يدخل فيه شيء من الوصايا، وهو
كَمَالٍ طارئ لم يعلم به، وإن كان ذلك شيء بلغه، فلم يلبث إلا يسيرا حتى
مات، ولم يشهد عنده أحد بهلاكه، إلا خبر بلغه، فإن الوصايا تدخل فيه.
قلت فالعبد يأبق؟ قال: تدخل فيه الوصايا متى ما رجع.
قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة والقول فيها في أول سماع أشهب، فلا
معنى لإعادته وبالله التوفيق.
[: قال أنفقوا على أمهات أولادي وأوصى بخادم
تخدمهن فعلى من نفقة الخادم]
ومن كتاب أوصى أن ينفق على أمهات أولاده سمعت عبد الرحمن بن القاسم، وسئل
عمن أوصى فقال: أنفقوا على أمهات أولادي ثلاث سنين، وأوصى بخادم تخدمهن
حياتهن، على من نفقة الخادم؟ قال: نفقتها في الثلاث سنين من مال الميت،
فإذا انقضت فنفقتها عليهن، قيل: فإن قال: أنفقوا عليهن كلهن ثلاث سنين، في
كل سنة عشرة دنانير، أيكون
(13/116)
للخادم نفقة من مال الميت في ثلاث سنين؟
قال: لا. قلت: لم؟ قال لمكان التسمية؛ لأنه قد سمى ما ينفق عليهن، فليس
يزدن عليه.
قال محمد بن رشد: قوله: وأوصى بخادم تخدمهن حياتهن، يدل على أنه إن لو لم
يوص لهن بذلك، لم يفرض لهن في الثلاث سنين خدمة في جملة النفقة، وهو قول
ابن الماجشون؛ لأنه لا يفرض للموصى له بالنفقة للخدمة إلا بوصية. وقد مضى
هذا وما يدخله من الخلاف في رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب. وأما إذا سمى
ما ينفق عليهن في كل سنة من الدنانير، فلا إشكال في أنهن لا يزدن على ذلك
شيئا في إخدام ولا في نفقة من أوصى بخدمتهن؛ إذ لا يصح أن يزدن على ما أوصى
به لهن، والله الموفق.
[مسألة: أوصى فقال أنفقوا على أم ولدي ما دامت
مقيمة على ابنها]
مسألة قيل: فرجل أوصى فقال: أنفقوا على أم ولدي ما دامت مقيمة على ابنها ما
لم تنكح ما عاشت، فمات الابن، وقالت: لا أنكح وطلبت النفقة. قال: لا أرى
ذلك لها ولا أرى أن ينفق عليها.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال لأنه إنما أوصى بالنفقة ما لم تنكح بشرط
قيامها على ابنها؛ إذ لا غرض للموصي في ترك نكاحها إلا ما لابنه من المنفعة
في ذلك بحسن قيامها عليه، فإذا مات الولد، ذهب الذي من أجله أوصى لها
بالنفقة، فوجب أن تسقط. وبالله التوفيق.
[مسألة: قال أنفقوا على أم ولدي ما عاشت ما لم
تنكح]
مسألة قيل له: فرجل قال: أنفقوا على أم ولدي ما عاشت ما لم
(13/117)
تنكح، فصالحها الورثة من النفقة التي لها
حياتها بشيء يدفعونه إليها، قال: لا بأس به. قيل له: فأرادت النكاح. ألهم
أن يرجعوا في الصلح؟ قال: لا. قيل: أفتمنع من النكاح؟ قال: لا أرى أن تمنع
من النكاح. قال عيسى: وإن ماتت بعد اليوم أو اليومين لم تتبع بشيء.
قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة والقول فيها في آخر رسم البيوع
الأول من سماع أشهب، فلا معنى لإعادته.
[مسألة: أوصى فقال لفلان مثل نصيب أحد ولدي
وليس له ولد]
مسألة وسئل عمن أوصى، فقال: لفلان مثل نصيب أحد ولدي وليس له ولد، وجعل
يطلب الولد، فقدر أن مات ولم يولد له. قال: ليس للموصى له شيء؛ لأنه لم
يثبت له شيء، واحتج في ذلك بمسألة مالك في الذي قال: اكتبوا ما بقي من ثلثي
لفلان، حتى أنظر لمن أوصي فمات قبل أن يوصي بشيء غير ذلك. قال مالك: ليس
للموصى له ببقية الثلث شيء.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال: لأنه لا شيء للموصى له بمثل نصيب أحد ولده
إذا مات قبل أن يكون له ولد؛ لأن المعنى فيما أوصى به إن له مثل نصيب أحد
ولده إن كان له ولد، فإذا لم يكن له ولد بطلت الوصية. ولا اختلاف أحفظه في
هذا.
وأما المسألة التي احتج بها في قول مالك، فأشهب يخالف فيها، ويرى له الثلث
كله، ووجه ما ذهب إليه أنه لما جعل له ما بقي من ثلثه، ثم لم يوص بعد بشيء،
تبين أنه أراد أن يبقى له جميع الثلث. ووجه قول مالك: أنه كان مجمعا على أن
يوصي ولا يدري لو أوصى هل كان يفضل من الثلث شيء أم لا؟ ولا تكون الوصايا
بالشك، كما لا يكون الميراث به، فلكلا القولين وجه من النظر. وقد وقع في
سماع محمد
(13/118)
بن خالد بعد هذا من قول أشهب في بعض
الروايات، أن له ثلث الثلث، مكان ثلث الميت، فقيل: إنه غلط في الرواية،
وتصحيف فيها، وقيل إنه اختلاف من قول أشهب، وإنه قول ثالث في المسألة. وعلى
ذلك حمله ابن حارث في كتاب الاتفاق والاختلاف له وهو بعيد لا وجه له في
النظر. ولو قيل: إن له نصف الثلث، لكان قولا له وجه؛ لأنه يقول: لي الثلث
كله، ويقول الورثة: لا شيء لك منه، فيقسم بينهما بنصفين. وقول مالك هذا هو
قوله في رسم بع ولا نقصان عليك، ورسم أسلم بعد هذا من هذا السماع، وبالله
التوفيق.
[مسألة: أوصى الرجل أن ربع عبده حر]
مسألة قال مالك: وإذا أوصى الرجل أن ربع عبده حر، لم يقوم على العبد ما بقي
منه؛ لأن السيد هو المعتق، وإذا أوصى لعبده بربع نفسه، عتق وقوم على العبد
ما بقي منه. قال مالك: لأنه لو كان بين اثنين فأعتق أحدهما مصابته قُوِّم
عليه، فالعبد إذا ملك بعض نفسه أحرى أن يُقَوَّم عليه ما بقي منه؛ لأنه ما
ملك من نفسه عتق. قال ابن القاسم، فإن أوصى لعبده بربعه وثلث ما بقي من
ثلثه، لعتق عن نفسه فيما أوصى له به.
قال محمد بن رشد: لا اختلاف إذا أوصى الرجل بعتق بعض عبده أنه لا يقوم على
العبد بقيته إذا لم يعتق عليه شيء منه، وإنما اختلف إذا أوصى له بثلثه، أو
بثلث ماله فعتق ثلثه عليه؛ إذ لا يصح له ملك نفسه، هل يُقَوَّم عليه باقيه
في مال إن كان له، أو فيما بقي من ثلث سيده إن كان أوصى له بثلث ماله، على
ما مضى القول فيه في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم، وما يأتي في
رسم أسلم ورسم الرهون من هذا السماع، وفي سماع أبي زيد، وبالله التوفيق.
(13/119)
[مسألة: قال
لفلان مالي ولفلان سدس مالي]
مسألة وقال: لو قال لفلان: مالي ولفلان سدس مالي فإن الثلث يقوم بينهما على
سبعة أجزاء لهذا ستة، ولهذا جزء.
قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة وهو مما لا اختلاف فيه أحفظه في
المذهب، وسواء كان المال على السدس، أو السدس على المال، وسواء كان ذلك في
نسق واحد، أو لم يكن في نسق واحد، أو كان في وقتين؛ لأن الوصية بالمال أو
جزء منه، أو بالجزئين من المال في وقت واحد، أو في وقتين، لا تدخل إحدى
الوصيتين على الأخرى، ولكل واحد منهما وصيته التي أوصي له بها، يحاص بها
أهل الوصايا إن ضاق الثلث عنها، بخلاف العبد يوصي به لرجل بجزء منه الآخر
إنهما يشتركان في الجزء الذي أوصى به منه، وإن كان ثم مع العبد وصايا يضيق
الثلث من جميعها، ضربا جميعا بقيمة العبد في الثلث، ولم يضرب هذا فيه بقيمة
العبد، وهذا بالجزء الذي أوصى له به، كما لو أوصى لرجلين، واحد بعد واحد،
لم يضربا جميعا إلا بقيمة العبد، بخلاف إذا أوصى بجميع ماله، أو بثلثه
لرجل، ثم أوصى بعد ذلك لرجل آخر بمثل ذلك، إن كان واحدا مما يضرب بوصيتة
كاملة. وبالله التوفيق.
[مسألة: نعجة أوصي لرجل بصوفها وللآخر بجلدها]
مسألة قال وسمعت ابن القاسم وسئل عن نعجة أوصي لرجل بصوفها وللآخر بجلدها،
فاستؤني بها حتى ولدت أولادا قال: أما صاحب الصوف فليس له من ولدها قليل
ولا كثير، وأما صاحب الجلد فله قيمة الجلد، ولا شيء له في الولد.
واحتج بقول مالك في البعير الذي بيع على أن ينحر واستثني جلده واستحيي إنما
له قيمة الجلد، وقال في النعجة: إنما شأنها
(13/120)
ووجه الوصية فيها على الموت أن تذبح
فاستحييت، فله قيمة جلدها، أو لم يكن على الموت، فلا يكون له في الولد شيء،
وإنما هو أحد هذين الوجهين وإنما هو على الموت، فليس له إلا قيمة جلدها.
قال محمد بن رشد: قوله في صاحب الصوف إنه ليس له من ولدها قليل ولا كثير
بين، إذ ليس لصاحب الصوف من رقبة النعجة شيء، ولا من أولادها، وإن استحياها
صاحب الجلد وصاحب اللحم، فأبقياها بينهما على الاشتراك. وأما قوله في صاحب
الجلد: إن له قيمة الجلد ولا شيء له، في الولد ففيه نظر؛ لأن القياس في هذه
النعجة الموصى لأحد الرجلين بجلدها، وللآخر بلحمها، أن يكونا شريكين فيها.
هذا بقيمة الجلد، وهذا بقيمة اللحم، ولا يكون لصاحب اللحم أن يعطى صاحب
الجلد قيمته، ولا شراؤه، كما لو اشترى أحدهما جلد الشاة، والآخر لحمها. وقد
قال ذلك ابن حبيب في الواضحة إذا اشترى أحدهما الرأس والآخر البقية: إنه
ليس للذي اشترى بقيتها أن يعطي صاحب الرأس شرواه ولا قيمته ويستحييها ولكن
يكونان شريكين جميعا على قدر الأثمان. وإنما قال مالك في الذي يبيع الشاه
ويستثني جلدها أن للمبتاع أن يعطى البائع شروى الجلد أو قيمته على القول
بأن المستثنى مبقى على ملك البائع استحسانا؛ مراعاة لقول من يرى المستثنى
بمنزلة المشترى لأن من اشترى جلد الشاة قبل أن تذبح، على القول بجواز
الشراء للبائع أن يعطي المشتري شروى الجلد أو قيمته، ويستحي الشاة، وليس
للمبتاع أن يمتنع من ذلك، لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا ضرر ولا
ضرار» قياسا على من وجب له
(13/121)
بقض عرصة، فأراد أن يهدمه ويأخذه، إن لرب
العرصة أن يأخذه بقيمته منقوضا وما أشبه ذلك، فقول ابن القاسم في هذه
المسألة: إن للموصى له بلحم الشاة أن يعطي الموصى له بجلدها قيمته
ويستحييها هو مثل ما روي عنه فيمن وهب لرجل لحم شاته والآخر جلدها وأكارعها
أن للذي وهب له لحمها أن يعطي للذي وهب له جلدها وأكارعها مثل ذلك، أو
قيمتها ويسحييها، وذلك استحسان، لا يحمله القياس ولو كان ذلك من حقه بوجه
القياس، لما وجب أن يكون الولد له، إلا إذا حدث بعد أن استخلص الشاة،
بإعطاء صاحب الجلد قيمة جلده، وأما إذا غفل عن ذلك حتى ولدت أولادا فلا يصح
في وجه النظر، والقياس. أن يكون الأولاد له، وإنما الواجب أن يكون الولد
بينهما كما كانت تكون المصيبة فيها منهما جميعا لو هلكت. وهذا بين. والحمد
لله.
[مسألة: وصى في مرضه فقال مسح الشعير أعطوه
فلانا فهل يأخذه بالطعام]
مسألة وسئل عن رجل حضرته الوفاة وفي بيته حس ومسح مملؤين طعاما فقال مسح
الشعير أعطوه فلانا، هل يأخذه بالطعام أو بغير الطعام؟ قال: بل بالطعام.
قيل فلو قال: الخريطة الحمراء أعطوها فلانا، والخريطة مملوءة دنانير. قال:
تكون له الخريطة وما فيها.
قال محمد بن رشد: وقعت هذه المسألة في رسم بع ولا نقصان عليك من هذا السماع
من كتاب المديان والتفليس، ووصل بها قال: ابن القاسم في الذي يقول: أعطوا
فلانا زقا كذا وكذا فيوجد الزق مليئا عسلا قال: يعطاه بالعسل، قيل: فلو كان
مليئا دراهم، قال: إذا لا يكون له إلا الزق إلا أن يكون عرف أن فيه دراهم،
فهو له. والوجه في ذلك أنه إذا كان
(13/122)
الطرف الذي أوصى به للرجل مملؤا مما جرت
العادة أنه يجعل فيه حملت وصيته على أنه أراد أن يعطاه بما فيه، وإن كان
مملوءا بغير ما جرت العادة أن يجعل فيه، لم يكن له مما فيه، إلا أن يقول:
أعطوه إياه بما فيه، أو يعلم أنه عرف يوم أوصى أنه كان فيه ما وجد بعد موته
فيه، إذ لا يصح أن يعطى بالوصية إلا ما يرى أن الموصي أراده، وبالله
التوفيق.
[: أراد أن يوصي وأحضر شهودا فأوصى لأقوام]
ومن كتاب أوله بع ولا نقصان عليك وسئل عن رجل أراد أن يوصي وأحضر شهودا
فأوصى لأقوام أو لم يوص بشيء، فقال: إني أريد أن أؤخر وصيتي إلى غد، فأوصي،
ولكن ما بقي من ثلثي فلفلان، فيموت قبل أن يوصي قال: قال مالك: لا شيء له،
إذا أخر وصيته فمات قبل أن يوصي؛ لأنه لا يرث أحد أحدا بالشك، فكذلك الذي
يعلم أنه إنما أوصى لرجل ببقية الثلث، وهو يريد أن يقدم قبله وصايا، فلم
يقدمها وفات بنفسه، ولم يعلم أنه ترك الوصية لهم، فلا وصية لهم؛ لأنه لا
يدري أكان يفضل له شيء أم لا؟؛ لأنه كان مجمعا على أن يقدم قبله وصايا؛
لأنه على ذلك أشهد وإنما جعل له ما فضل بعد تلك الوصايا فلا يعلم الذي له،
فلا شيء له.
قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة والقول فيها في الرسم الذي قبل هذا.
فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق.
[مسألة: قال جزء من مالي أو سهم من مالي لفلان]
مسألة قال ابن القاسم في رجل قال: جزء من مالي أو سهم من مالي لفلان، فمات،
قال: أرى أن ينظر من حيث يقوم أصل
(13/123)
فريضتهم، فيعطى منها سهما إن كانت من ستة
أسهم، وإن كانت اثني عشر فسهم من اثني عشر وإن كانت من أربعة وعشرين فسهم
من أربع وعشرين، وإن كانت ورثته أولادا فقط، فإن كان رجلا وابنة أعطى سهما
من ثلاثة، وإن كان رجلا وامرأتين فسهم من أربعة، وإن كانا رجلين وامرأتين،
فسهم من ستة أسهم، فعلى هذا فاحسب، قلوا أو كثروا، وإن لم يكن إلا ولدا
واحدا، فله سهم من ستة؛ لأنه أدنى ما يقوم منه سهم أهل الفرائض. قال أشهب:
له سهم من ثمانية. لأني لم أجد أحدا ممن فرض الله له سهما أقل من الثمن.
قلت: فإن كانت الفريضة أصلها من ستة، وهي تربوا حتى تنتهي عشرة، فمن عشرة
يعطى سهما أم من ستة؟ قال: من عشرة.
قال محمد بن رشد: إنما جعل ابن القاسم السدس إذا لم يكن له ورثة، فيعطيه
سهما من سهام فريضتهم التي تنقسم عليها مواريثهم؛ لأن السدس أقل سهم مفروض
لأهل النسب من الورثة، فأعطي الموصى له أقل سهم فرضه الله لمن يرث الميت من
أهل نسبه. وإنما أراد أشهب له الثمن لأنه أقل سهم فرضه الله لمن يرث الميت
من أهل نسبه وهو الأظهر؛ لأن هذا إنما يرجع فيه إلى ما يرى أن الميت أراده
وقصده، وإذا احتمل أن يريد الموصي السدس للمعنى الذي رآه ابن القاسم،
واحتمل أن يريد الثمن للمعنى الذي رآه أشهب، وجب أن لا يكون له إلا الأقل،
ويسقط الزائد للشك فيه. وبالله التوفيق.
[مسألة: أوصى لأربعة نفر بوصايا مختلفة]
مسألة وقال أشهب في رجل أوصى لأربعة نفر بوصايا مختلفة أوصى لواحد بعشرة
دنانير، ولآخر بعشرين، ولآخر بثلاثين، ولآخر
(13/124)
بأربعين، فكلم في رجل، فقال: والله ما بقي
شيء، ولكن هو شريك معهم، فمات، قال: يعطى نصف وصية كل واحد مما أوصى لهم
له، ليس من بقية الثلث بعد وصايا هؤلاء، ولكن من وصاياهم، قيل له: فإنه
قال: هو شريك معهم بالسوية، قال: يعطى ربع كل وصية إذا كانوا أربعة، وإن
كانوا خمسا فخمسها، فعلى هذا يعطى، ينظر إلى عدد الذين أوصى لهم، فإن كانوا
ثلاثة، كان رابعا أعطى ثلث ما أوصى به لكل واحد منهم، وإن كانوا أربعة،
فربع كل إنسان، وإن كانوا خمسة فخمس كل إنسان على هذا بحسب إذا قال شريك
بالسواء، فإن كانوا ثلاثة كان رابعهم، وإن كانوا خمسة كان سادسهم، وإن
كانوا ستة، كان سابعهم، فعلى هذا يحسب. قد قال ابن القاسم في غير هذا
الكتاب وهو كتاب العشور من سماع عيسى بن دينار، في رجل أوصى لرجل بمائة،
ولآخر بمائتين. ولآخر بثلاثمائة، فكلم في آخر، فقال له مثله، قال: له ثلث
وصية كل رجل منهم، وكذلك لو كثروا حتى يكونوا خمسة أو عشرة، فله خمس كل
وصية أو عشرها. قال: ولقد قال مالك: ونزلت في رجل قال: لفلان مثل نصيب أحد
ورثتي وهم عشرة أولاد ذكور وإناث، فقال: له عشر المال، وكذلك لو كانوا كلهم
ذكورا له عشر المال، ولقد حدثني ابن دينار عن أبي الزناد مثله وإن ناسا
ليقولون: يجعل حادي عشر سهما من كل من يرثه من ولد ذكرا أو أنثى. فقيل ذلك
لمالك فأنكره أشد الإنكار، قال: وأهل العراق يقولون: يقاسمهم ويكون كرجل من
ولده.
(13/125)
قال محمد بن رشد: قوله في الذي أوصى لنفر
بوصايا مختلفة، ثم كلم في آخر فقال: هو شريك معهم بالسوية: إنه يعطى ربع كل
وصية إن كانوا أربعة، أو خمسها إن كانوا خمسة، معناه: إن كانوا أربعة به،
وخمسة به، وقوله عقب ذلك: ينظر إلى عدد الذين أوصى لهم، فإن كانوا ثلاثا
كان رابعا أعطي ثلث ما أوصى به لكل واحد منهم، هو كلام وقع على غير تحصيل؛
لأنه إنما يعطى ثلث ما أوصى به لكل واحد منهم إذا كانوا اثنين، فكان هو
ثالثهم، وقوله بعد ذلك. فإن كانوا أربعة فربع كل إنسان، معناه: أربعة له،
على ما تقدم، وكذلك قوله: إن كانوا خمسة فخمس كل إنسان، معناه أيضا خمسة به
على ما قال بعد ذلك: إنهم إن كانوا ثلاثة، كان رابعهم، يريد فيأخذ ربع ما
بيد كل واحد منهم وإن كانوا خمسة، كان سادسهم، يريد: فيأخذ سبع ما بيد كل
واحد منهم.
وقد مضى الكلام على هذه المسألة مستوفى في رسم نقدَها نقْدها فلا معنى
لإعادته. والمسألة التي ذكر من كتاب العشور في رجل أوصى لرجل بمائة ولآخر
بمائتين ولآخر بثلاثمائة، فكلم في آخر، فقال: له مثله. هي مسألة أخرى إذ لا
شرك للذي قال فيه: له مثله في شيء من وصايا الأولين، وإنما له مثل وصية
أحدهم من بقية الثلث إن كانت وصاياهم متفقة، وإن كانت مختلفة، كما ذكر،
وكانوا ثلاثة، فله مثل ثلث وصية كل وأحد منهم من بقية الثلث، وإن كانوا
أربعة، فله مثل ربع كل واحد منهم من بقية الثلث، وكذلك إن كانوا خمسة أو
عشرة فله مثل خمس وصية كل واحد منهم أو مثل عشر وصية كل واحد منهم من بقية
الثلث، وهو الذي ذكرته بيِّن في سماع أصبغ في أول رسم منه وإن لم يحمل ذلك
الثلث تحاصا معهم، فيه بقدر ما أوصى به له ولهم مثال ذلك أن يكون أوصى لرجل
بمائة، ولآخر بمائتين، ولآخر بثلاثمائة، وثلث ستمائة، ويقول في آخر: له
مثله، فيجب له ثلث وصية كل واحد منهم، وذلك مائتان فيتحاصان معهم في الثلث
وهو ستمائة، يضرب هو فيه بمائتين، والأول بمائة، والثاني بمائتين، والثالث
بثلاثمائة،
(13/126)
وهذا مثل الذي يوصي لرجل بمثل نصيب أحد
ولده، سواء. وهو على مذهبه في المدونة. في الذي يوصي لرجل بمثل نصيب أحد
بنيه، وله ثلاثة بنين إنه يكون له ثلث المال والذي أنكره مالك من قول من
يقول في الذي يوصي لرجل بمثل نصيب أحد ولده وهم عشرة، إنه يجعل حادي عشر
يريد أنه يأخذ كل واحد منهم جزءا من أحد عشر، فيستوفي بذلك هو وهم، ويكون
الذي يحصل له مثل الذي يبقى لكل واحد منهم إن كانوا ذكورا كلهم أو إناثا
كلهم هو القوال الذي حكي عن أهل العراق، من أنه يقاسمهم، ويكون كرجل من
ولده، وبالله التوفيق.
[: يقول فلان مثل حظ أحد ولدي أو سهم واحد من
ورثتي]
ومن كتاب أوله لم يدرك من صلاة الإمام إلا الجلوس وسألته عن رجل يقول:
لفلان مثل حظ أحد ولدي أو سهم واحد من ورثتي. قال: إذا قال: مثل سهم أحد
ولدي ومع ولده أهل فرائض: أبوين وزوجة أو غيرهم. وفي ولده ذكور وإناث، فإنه
يقسم ماله على فرائض الله. يأخذ أهل الفرائض فرائضهم، ويقسم ما بقي بين
ولده، للذكر مثل حظ الأنثى، فيعطى الموصى له من عدد جماعتهم سهما إن كان
الولد خمسة، أخذ خمس ما صار لهم، وإن كانوا ستة، فسدس، وإن كان الولد كلهم
ذكورا قسم الميراث على ما وصفت لك، وأعطي مثل سهم أحد ولده، بعد أخذ من
شركهم بفريضة مسماة فريضة، فعلى هذا يحسب، فإذا أخذ الموصى له ما صار له
أخذ ما صار بجميع البنين، ومما صار لأهل الفرائض المسماة فأخلط كله، ثم
يقسم على فرائض الله، يعطى أهل الفرائض فرائضهم ويقسم الولد ما بقي بعد ذلك
للذكر مثل حظ الأنثيين، وإن قال: لفلان مثل سهم أحد ورثتي وفي ورثته
(13/127)
أم وأب وزوجة وأهل فرائض، وولد، ذكور
وأناثا، أو ذكور فقط، أو إناثا فقط، فإنه يقسم جميع مال الميت، على جميع من
يرثه من أم أو ولد أو زوجة أو والد، يقسم ماله على جماعهم بالسوية، فما صار
لواحد منهم أعطيه الموصى له، ثم يرجعون بعد أخذ الموصى له وصيته، فيخلطون
ما بقي فيقتسمون ما بقي على فرائض الله، فعلى هذا يحسب قال: ولو كان ولده
كلهم إناثا إذا قال مثل حظ أحد ولدي، قسم ماله على فرائض الله، ثم كان له
سهم ابنة من بناته، ثم أخلط جميع ماله، فيقسم ثانية. قال ابن القاسم: إذا
أوصى له بسهم كسهم ولده وله ولد واحد فقط، لا وارث له غير ذلك، فإنه يقال
له: انخلع من جميع المورث أو تعطى الثلث، وإن كان له ابنان لا وارث له
غيرهما، خيرا أيضا بين أن يخرجا نصف المال أو ثلثه، إن أبيا، وإن كانوا
ثلاثة، فأوصى لهم بسهم كسهم أحد ولده، قطع له بالثلث، ولم يخير الورثة في
هذا. قال عيسى: وإذا قال من عدد ولدي، فإن كان ذكرا فله سهم ذكر، وإن كانت
أنثى فله سهم أنثى يخلط مع الولد في العدد، فإن كان معهم أهل فرائض، أخرجت
فرائضهم، ثم أخذ الموصى له كما وصفت لك مما بقي، ثم يرد أهل الفرائض ما
أخذوا والولد، فيقتسمون على فرائض الله. قال: وإذا قال: وارث مع ورثتي،
فإنه يعد الجماجم، فإن كانت ثلاثا كان هو رابعهم، فإن زادوا فعلى هذا
الحساب.
قال محمد بن رشد: قوله في الذي يوصي لرجل بمثل حظ أحد ولده، وولده ذكور
وإناث وأهل فرائض، إن ماله يقسم على فرائض الله فما وجب لأولاده منه بعد
أخذ أهل الفرائض فرائضهم، قسم على عدد ولده، الذكر والأنثى شرعا سواء فيكون
للموصى له مثل حظ أحدهم، ثم يجمع
(13/128)
الباقي، فيقسم بين جميع الورثة على فرائض
الله، وأنه إذا أوصى له بمثل سهم أحد ورثته، وفي ورثته أهل فرائض وأولاد
ذكور وإناث؛ أن المال يقسم على عدد جماجمهم، فيأخذ الموصى له ما يصير لواحد
منهم على عددهم، ثم يخلطون الباقي، فيقتسمونه بين جميع الورثة على فرائض
الله، هو كله بيِّن صحيح، على قياس قوله في المدونة في الذي يوصي لرجل بمثل
نصيب أحد بنيه، وله ثلاثة بنين، أو بمثل نصيب أحد ورثته، ويترك رجالا
ونساء، وعلى قياس قوله في الرسم الذي قبل هذا، في الذي يوصي لرجل بمائة،
ولآخر بمائتين، ولآخر بثلاثمائة، ثم يكلم في آخر فيقول: له مثله، أي مثل حظ
أحدهم. وقد مضى الكلام على ذلك مستوفى، ويدخل في هذا قول أهل العراق، الذي
أنكره مالك في المسألة التي قبل هذه.
ويأتي قولهم في هذه المسألة على أصلهم، مثل قول عيسى بن دينار في الذي
يقول: هو من عدد ولدي أو من جملة ورثتي، وقول عيسى بن دينار: وإنه إذا قال
في الموصى له: هو من عدد ولدي، أنه يضاف إلى ولده، فيعد في جملتهم، ويقسم
المال على جميع الورثة على فرائض الله، مما نابه دفع إليه، وأخلط الباقي،
فيقسم بين جميع الورثة على كتاب الله، صحيح لا اختلاف فيه، وكذلك قوله: إذا
قال فيه: هو وارث مع ورثتي: إن المال يقسم على جماجمهم، ويكون له ما يصير
لواحد منهم، ثم يخلط الباقي، ويقسم على الفرائض، صحيح أيضا بين لا اختلاف
فيه بين مالك وأهل العراق، ولم يفرق في هذه الرواية بين أن يقول: من ثلثي
أو يسكت عنه، وقيل: إن ذلك سواء؛ لأنه قد علم أن الوصية لا تكون إلا من
الثلث، فإذا قال الرجل: أعطوا فلانا مثل نصيب أحد ولدي، فإنما معناه: أعطوه
من ثلثي مثل نصيب ولدي من جميع مالي، بمنزلة إذا قال: أعطوه مثل نصيب ولدي
من ثلثي، والأظهر أنه إذا قال من ثلثي، فإنما أراد أن يساويه معه، بأن يعطي
من ثلثه مثل نصيبه مما بقي من ماله، بعدما أوصى به من ثلثه، على ما رواه
أبو زيد عن ابن القاسم في سماعه بعد هذا، وبالله التوفيق.
(13/129)
[مسألة: يوصي
بأن يشترى من ماله رقبة وذكر أنها واجبة عليه]
مسألة وسألته عن الرجل يوصي بأن يشترى من ماله رقبة، وذكر أنها واجبة عليه،
فابتاعوا رقبة قبل أن يقسم ماله، فمات العبد، أو جنى جناية تحيط برقبته قبل
أن ينفذ عتقه. قال ابن القاسم: أما إذا مات فإنه يرجع أيضا في المال، فيخرج
مما بقي ثمن رقبة، فتشترى، فتعتق إن حمل ثلث ما بقي بعد موت الغلام ما يكون
فيه رقبة، أو ما كان ثلثه، وكذلك لو أخرج ثمنه فسقط، وأما إذا جنى، خير
الورثة في أن يسلموه، ويبتاعوا من ثلث ما بقي عبدا، أو أن يفتكوه فيعتقوه،
وكذلك يرجع أبدا في ثلث ما بقي ما لم ينفذ عتقه، أو يقسم المال، فإن قسم
المال، وقد اشترى أو خرج ثمنه فذهب، فلا شيء على الورثة، إلا أن يكون معه
في الثلث أهل وصايا قد أخذوا وصاياهم، فيؤخذ مما أخذ ما يبتاع به رقبة؛
لأنه لا تجوز وصية، وثم عتق لم ينفذ إلا أن يكون معه في الوصية من الواجب
ما هو مثله، فيكون في الثلث سواء، وإن بقي في أيدي الورثة من الثلث ما
يبتاع به رقبة، أخذ ذلك من أيديهم بعد القسم، وابتيع به رقبة، وأنفذ لأهل
الوصايا وصاياهم، لا يكون لهم من الثلث شيء، وثم وصايا لم تنفذ.
قال محمد بن رشد: قوله: إذا مات العبد قبل أن يعتق: إنه يرجع في ثلث ما بقي
بعد العبد، فيشترى به عبد آخر، فيعتق إن كان المال لم يقسم، وإن كان قد قسم
لم يرجع على الورثة إلا بما بقي في أيديهم من الثلث بعد العبد الذي كان
اشتري للعتق فمات، استحسان لا يحمله القياس؛ لأن الحقوق الطارئة على التركة
لا يسقطها قسمة المال، وقد روى أصبغ عن ابن القاسم: أنه يرجع إلى ما بقي من
المال، فيخرج ثلثه، ويكون ذلك كشيء لم يكن، لا يحسب في ثلث، ولا يفرق بين
أن يكون المال قد
(13/130)
قسم أو لم يقسم، وهو ظاهر ما في كتاب
الوصايا الأول من المدونة، ومن الناس من ذهب إلى أن يفسر ما في المدونة بما
وقع في هذه الرواية من الفرق بين أن يقسم المال أو لا يقسم، وهو قول أصبغ،
وليس ذلك بصحيح؛ لأن الأولى أن يحمل الكلام على ظاهره مما هو القياس، ولا
يعدل به عن ظاهره بالتأويل، إلى ما ليس بقياس، وإنما هو استحسان، وكذلك
قوله: إنه يرجع في ثلث ما بقي ما لم ينفذ عتقه، يريد أنه إذا أنفذ عتقه،
فاستحق بعد العتق، لا يرجع في ثلث ما بقي من التركة بعد قيمته، وأن يقسم
المال، وإنما يرجع فيما بقي من الثلث بعد قيمته، هو استحسان أيضا على غير
قياس، والذي يوجبه النظر بالقياس على الأصول، أن يرجع أيضا إذا استحق العبد
بعد أن أعتق في ثلث ما بقي من التركة بعد قيمته، قسم المال أو لم يقسم،
وبالله التوفيق.
[: أوصى في ثلاثة أفراس أو أعبد ولم يسم له
شيئا بعينه]
ومن كتاب أوله سلف دينارا في ثوب إلى أجل وقال في رجل أوصى في ثلاثة أفراس،
أو ثلاثة أعبد، فقال: أعطوا فلانا عبدا أو فرسا، ولم يسم له شيئا بعينه،
وخيروا فلانا في الاثنين الباقيين، فما اختار فهو له، والآخر ادفعوه إلى
فلان. قال: أحب إلي أن يكون للأول ثلثها، فيعطى وسطا منها، يكون له ثلثها.
قال أصبغ: يعني بالقيمة ثلث قيم الثلاثة، وهو من كل واحد ثلثه، فأرى أن
يجمع ذلك في فرس منها بالسهم، فإن نقص من صاحب السهم، فلا شيء له غيره، وإن
زادت القيمة عليه أتم من غيره، ثم يخير صاحب الخيار في خيرة ما بقي، حتى
يستكمل فيما إن كان فيها كسر من فرس، ثم يكون للآخر ما بقي خيرا كان أو
كسرا.
(13/131)
قال محمد بن رشد: العمل في هذه المسألة على
ما ذكره فيها، من أن من أوصى له بعبد غير معين من جملة عبيد، يكون له ثلثهم
بالسهم إن كانوا ثلاثة، أو ربعهم به إذا كانوا أربعة، وكذلك إن زاد عددهم
على هذا أو نقص؛ أن ينظر كم قيمة الثلاثة؟ فيؤخذ ثلث القيمة، ثم يضرب
بالسهم في الثلاثة، فما خرج فهو الذي أوصى له أولا.
فإن كانت قيمته ثلث قيمة الثلاثة، أخذه وخير الثاني في الاثنين الباقيين،
وكان للثالث الباقي منهما، وإن كانت قيمة الذي خرج أكثر من الثلث كان له
منه قدر الثلث، وخير الباقي في الاثنين الباقيين، أو في أخذ الجزء الذي بقي
مما أخذه الأول، ويستتم بقية فرس من الاثنين الباقيين من أيهما شاء، ويأخذ
الثالث ما بقي من الثلاثة الأفراس، وإن وقع للأول في الفرس أقل من ثلث
القيمة ضرب له بالسهم ثانية، فما خرج من له من الفرسين الباقين، أخذ منه
بقدر ما بقي له من الثلث، ثم يخير الثاني بين أخذ الفرس الباقي، وأخذ الجزء
الذي بقي من الفرس الثاني، ويستتم عليه من الثالث تمام فرس، ويأخذ الموصى
له الثالث ما بقي.
وقد قيل: إن من أوصي له بعبد غير معين من جملة عبيد، يكون له ثلث كل واحد
منهم إن كانوا ثلاثة، أو ربع كل عبد إن كانوا أربعة، وكذلك إن زاد عددهم
على هذا أو نقص، فيأتي في هذه المسألة على قياس هذا القول.
وهو قوله في المسألة التي بعدها: إذا عمي على الشهود الفرس الذي سمي للأول
أن يعطى الأول ثلث كل فرس، ويعطى الثاني ثلثي المرتفع، أو ثلثي الوسط؛ لأنه
هو الذي يختار لا شك، إلا أن يكون له غرض في غيره، ويعطى الثالث ما بقي.
وقد قيل: إن من أوصي له بعبد بغير عينه من جملة عبيد، يكون عبد من جملتهم
بالقرعة، كان أقلهم قيمة أو أكثر قيمة، فيأتي في هذه المسألة على قياس هذا
القول، أن يكون للأول عبد من الثلاثة الأعبد بالقرعة، ويخير الثاني الذي
جعل إليه التخيير في الفرسين الباقيين، ويكون للثالث العبد الباقي، وبالله
التوفيق.
(13/132)
[مسألة: أوصى
في ثلاثة أفراس فقال ادفعوا إلى فلان فرسا سماه بعينه]
مسألة وسئل عن رجل أوصى في ثلاثة أفراس له فقال: ادفعوا إلى فلان فرسا سماه
بعينه، وخيروا فلانا في الفرسين الباقيين، وادفعوا الآخر إلى فلان، فعمي
على الشهود الفرس الذي سمي للرجل، ولم يعرف، فقال: أرى أن يعطى الذي أوصي
له بالفرس المسمى فنسي الثلثَ من كل فرس، ثم يعطى الذي أوصى له بالتخيير
ثلثي المرتفع، وثلث الوسط، ويعطى الذي أوصى له بأحدهما ثلثي الفرس الدنيء،
وثلث الوسط، وقد أخذ ذلك الأول الثلث من كل واحد؛ فقد صار لكل واحد فرس
تام، وقد ثبت مالك على هذا القول الآخر ورد عليه غيره مرة، فثبت عليه بعد
ذلك اليوم أيضا.
قال محمد بن رشد: أجاز ابن القاسم في هذه الرواية شهادة الشهود، وإن عمي
عليهم الفرس الذي سمى الموصي للرجل، وشكوا فيه، فقيل: إن ذلك يأتي على ما
في أصل الأسدية، من كتاب الأيمان بالطلاق من المدونة في الذي طلق إحدى
امرأتيه، ولم يدر أيهما المطلقة، من أن الشهود شكوا، فلم يعرفوا أيتهما
المطلقة، إن كانت التي قد دخل بها، أو التي لم يدخل بها، وعلى قول ابن وهب
في رسم الوصايا والأقضية، من سماع أصبغ، من كتاب الصدقات والهبات، خلاف
المشهور من قول ابن القاسم.
وقيل: إن إجازة ابن القاسم للشهادة في هذه المسألة ليس بخلاف المشهور، من
قوله؛ لأنه إنما أجازها في الوصية بعد الموت على ما قيل من أنها تجوز في
الوصية بعد الموت، ولا تجوز على الحي، وفي المسألة قول ثالث: إن الشهادة لا
تجوز في الوصية بعد الموت، ولا على الحي، وهو قول أشهب في أول سماع سحنون
بعد هذا؛ لأنه إذا لم يجز الشهادة في الوصية بعد الموت، فأحرى أن لا يجيزها
على الحي. وجوابه في هذه
(13/133)
المسألة على إجازة الشهادة خلاف جوابه في
المسألة التي قبلها. وقد ذكرنا أن المسألة تتخرج على ثلاثة أقوال، فلا معنى
لإعادة ذلك، وبالله التوفيق.
[مسألة: الوصي أيبيع المتاع بغير إذن الورثة]
مسألة وسئل عن الوصي: أيبيع المتاع بغير إذن الورثة؟ قال: إن كانوا كبارا
قد رضي حالهم، أو نساء ثيبا أو متزوجات، قد برزن ورضي حالهن، فلا يبيع إلا
بإذنهم، فإن باع رد المتاع؛ لأنه إنما أوصي إليه بالآخرين الذين تولى
عليهم، ولم يوص إليه بهؤلاء، وإنما هؤلاء شركاء في هذا المتاع. قيل له: فإن
فات؟ قال: إن كان فات وقد أصاب وجه البيع، كأنه يقول: مضى.
قال أصبغ: لا أرى ذلك، وأرى للورثة رده، إلا أن يكون له ثلث موصى به مع
ذلك، يحتاج إلى تحصيل المال وبيعه وجمعه، فيكون ذلك له إلا في العقار
والرباع، فلا أرى ذلك له دونهم؛ لأنه ملعون، وأنه مما يقسم، وقسمه غير ضرر،
وإن لم يكن ثلث على ما وصفت، فهو مردود على الورثة البالغين المالكين
حصصهم، أو يأخذون بما بلغ، كالشركاء في السلع المفترقة التي لا تجتمع في
القسم، فهم كالشركاء الأجنبيين للميت إن شاء الله.
قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم فيما باع الوصي على الصغار من المال،
والمتاع المشترك بينهم وبين الكبار: إن البيع يرد ما لم يفت، فإن فات، يريد
من يد المشتري ببيع أو هبة أو بتحويله عن حاله، مثل أن يكون ثوبا فيصبغه،
أو غزلا ينسجه، أو طعاما فيأكله، وما أشبه ذلك، وقد أصاب وجه البيع مضى
استحسان، والقياس أن لا ينفذ البيع على الكبار بحال، فات أو لم يفت، وكذلك
قال أبو إسحاق: لا يجوز بيع الوصي على الكبار بقليل ولا كثير، أصاب البيع
أو لم يصب؛ لأنه مالهم، وهم أحق وأولى بالنظر لأنفسهم.
قال: وهو أولى أيضا بكل ما باع من مال الميت، إذا كان لهم رأي
(13/134)
في شراء شيء مما يباع من التركة في ثلثه،
فكيف يجوز أن يباع عليهم مالهم أنفسهم بلا مؤامرتهم؟ هذا خطأ. وكذلك قول
أصبغ أيضا: إن البيع يمضي إذا فات إذا كان له ثلث موصى به إليه، يحتاج إلى
تحصيل المال أو جمعه أو بيعه، إلا في العقار استحسان أيضا، والقياس ألا
ينفذ على الكبار البيع في حظوظهم من ذلك كله إلا بإذنهم، كالشركاء
الأجنبيين للميت، ولأشهب في كتاب ابن المواز: إن للموصي أن يبيع الحيوان
والرقيق والعقار وغيره لتأدية الدين، ولتنفيذ الوصية أيضا، وإن كان في
الورثة كبار لا يولى عليهم، أو كانوا كبارا كلهم. وقد قيل: إنه ليس له بيع
شيء من العقار إلا الثلث، وهو أحب إليّ. وقد مضى في رسم الشجرة من سماع ابن
القاسم، طرف من هذا المعنى، وبالله التوفيق.
[مسألة: ضمان ما شق من الثياب على الميت]
مسألة قال عيسى: قيل له: فما شق الورثة من الثياب على الميت؟ قال: يضمنون،
قيل: فإن خلى بينهم وبين ذلك الوصي، قال: يضمن إن كانوا صغارا، وإن كانوا
كبارا فهو عليهم.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنهم يضمنون ما شق من الثياب على الميت،
وخرقوه فأفسدوه. وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«ليس منا من حلق ولا سلق ولا خرق» ، فإن خلى الوصي بينهم وبين ذلك ليشقوه
ويفسدوه، ضمن إن كانوا صغارا لتسليطهم على ذلك، ولم يلزمه في الكبار شيء؛
لأنهم هم الضامنون لما أفسدوه، وبالله التوفيق.
(13/135)
[مسألة: قال في
مرضه ثلثي لموالي]
مسألة قال ابن القاسم: قال مالك: إذا قال الرجل في مرضه: ثلثي لموالي،
وفيهم المدبر والمكاتب والمعتق إلى سنة، قال مالك: أما المدبرون فليس لواحد
من هؤلاء وصية حتى يعتقوا في ثلث الميت، فما فضل من الثلث عن عتقهم، كان
المدبرون، ومواليه الذين كانوا في حياته، والمعتقون إلى أجل، والمكاتبون
فيما بقي من الثلث بالسواء، يقسم بينهم على السواء، غير أن ما يصير
للمكاتبين والمعتقين إلى أجل يوقف لهم، فإن أدى المكاتبون، وعتق المعتقون
إلى أجل، أعطوا ما وقف لهم من ذلك، فإن عجز المكاتبون، ومات المعتقون إلى
أجل، رجع حقهما إلى من بقي من الموالي؛ قال مالك: ولو كان له ولاء أنصاف
عبيد، وأنصاف مدبرين، دخلوا مع الموالي بأنصاف ذلك الولاء، فأعطوا بقدر
ذلك.
قال محمد بن رشد: مذهبه فيمن أوصى لمواليه، أنه يدخل في ذلك المعتقون بعده
بالوصية والتدبير، إن خرجوا من الثلث، وفضلت منه فضلة لا اختلاف أحفظه في
هذا، وهو بين إن لم يكن له موالٍ سواهم، وأما إن كان له موالٍ سواهم يوم
أوصى، فقد كان يشبه ألا يكون لهم دخول معهم؛ لأنهم لم يكونوا له بعد موالي
يوم أوصى، إلا أنهم قد قالوا في الذي يوصي لولد فلان: إنه يدخل في الوصية
من يولد لفلان بعد الوصية قبل موت الموصي، ولا فرق بين المسألتين والمسألة
في رسم الوصايا والأقضية من سماع أصبغ.
أما المكاتب والمعتق إلى أجل، فقال في هذه الرواية: إنهم يدخلون مع مواليه
الذين كانوا في حياته بالسواء، ويوقف لهم ما صار لهم، فإن أدى المكاتبون،
وعتق المعتقون إلى أجل أعطوا ما وقف لهم من ذلك،
(13/136)
وإن عجز المكاتبون، ومات المعتقون إلى أجل،
رجع حقهما إلى من بقي من الموالي. وحكى ابن المواز عنه أنه نفذ عتقهما.
بأداء المكاتب، وبلوغ أجل المؤجل قبل القسم دخل في الوصية، وإن سبقهم القسم
فلا شيء لهم. وهذا عندي جار على اختلاف قوله في المدونة في الذي يوصي
لإخوانه، وبنيهم مرة حملهم محمل المعينين، فرأى أن يقسم المال بينهم على
السوية، وهو قوله في هذه الرواية، فعلى قياس ذلك، يوقف لهم حقوقهم، ومرة لم
يحملهم محمل المعينين، فرأى أن تقسم الوصية بالمال بينهم على الاجتهاد،
فعلى قياس هذا لا يوقف لهم شيء، فإن عتقوا قبل القسم قسم لهم، وإلا فلا،
وهو القول الذي حكى محمد عنه.
وقال في ولاء أشقاص العبيد: إنهم يدخلون مع الموالي بأشقاص ولائهم، فيعطون
بقدر ذلك إن أعطي التام الولاء دينارا أعطي الذي نصف ولائه نصف دينار،
والذي له ثلث ولائه ثلث دينار، والذي له ربع ولائه ربع دينار. قال ابن
حبيب: وإن لم يكن له مع الذين له بعض ولائهم مولى تام الولاء، استووا في
الوصية، ولم يفضل بعضهم على بعض في العطية، وإن تفاضلوا في قدر ماله من
ولائهم، وبالله التوفيق.
[مسألة: قال في وصيته تسكن امرأتي داري حياتها]
مسألة وقال ابن القاسم في رجل قال في وصيته: تسكن امرأتي داري حياتها،
ولفلان مائة دينار، وما بقي من ثلثي فلفلان. قال: إن خرجت الدار والمائة من
الثلث، نظر إلى ما بقي بعد ذلك، فأعطي الذي أوصى له ببقية الثلث، فإن أجاز
الورثة للمرأة ما أوصى لها به من السكنى، فذلك لها، وإن لم يجيزوا سكن
الورثة معها، أو أكروه حياة المرأة، فاقتسموه على فرائض الله، فإذا هلكت
أسلم إلى الذي أوصى له ببقية الثلث.
وأصل هذا وما يستدل به، لو أن رجلا أوصى إلى امرأته بسكنى دار حياتها،
ولرجل أجنبي بما بقي من الثلث، فنظروا، فإذا الدار ثلث المال سواء، فإن
الورثة
(13/137)
يجيزون، فإن أجازوا ذلك للمرأة سكنته
حياتها، فإذا ماتت، أسلمت الدار كلها إلى الذي أوصي له ببقية الثلث، وإن لم
يجيزوا دخلوا معها فيها على الفرائض حياتها، فإذا ماتت أسلمت إلى الموصى له
كلها.
قال محمد بن رشد: قوله: إن خرجت الدار والمائة من الثلث، يريد رقبة الدار
على ما في المدونة من أن من أوصي له بخدمة عبد أو سكنى دار، تقوم رقبة
الدار والعبد لا قيمة الخدمة والسكنى، فالعمل في هذا أن تقوم الدار وتجمع
إلى الوصايا، فإن خرج ذلك كله من الثلث، تمت الوصايا، وكان ما بقي للموصى
له ببقية الثلث إن بقي شيء، ومتى تم أجل السكنى أخذ الدار الموصى ببقية
الثلث، وإن لم يحمل الثلث قيمة الدار والوصايا، فأبت الورثة أن يجيزوا ذلك،
قطعوا لهم بالثلث، فتحاص فيه أهل الوصايا والموصى لها بالسكنى حياتها،
بقيمة ما تعمر إليه على ما مضى من الاختلاف في حده، في رسم الأقضية الثالث
من سماع أشهب، وأهل الوصايا بوصاياهم، ولم يكن للموصى له ببقية الثلث شيء،
وإن كان في الثلث فضل عن الوصايا وقيمة السكنى كان ذلك لمن له السكنى، وهي
الزوجة؛ إذ قد تعيش أكثر مما عمرت إليه، فإذا ماتت رجع ما فضل من ذلك إلى
الموصى له ببقية الثلث، ولا شيء للزوجة في ذلك كله، إلا أن يجيزه، فإن لم
يجيزوه دخلوا معها في سكنى الدار حياتها إن حملها الثلث، فإن ماتت كانت
الدار للموصى له ببقية الثلث، ولا شيء للزوجة في ذلك كله، إلا أن يجيزه لها
الورثة، فإن لم يجيزوه لها دخلوا معها في سكنى الدار حياتها إن حملها
الثلث، فإن ماتت كانت الدار للموصى له ببقية الثلث، وكذلك ما صار لها
بالمحاصة إن لم يحمل الثلث الدار، إن لم يجيزوه لها اقتسموا معها على فرائض
الله، ولا اختلاف في أن الدار إذا حملها الثلث، ترجع بعد موت الزوجة إلى
الموصى له ببقية الثلث، إذا لم يقل: فإذا ماتت فهي رد على
(13/138)
جميع الورثة، ولو قال ذلك لم ترجع إليه على
قول عيسى بن دينار الذي يأتي في رسم أسلم، وقد مضى ذلك في رسم اغتسل، من
سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق.
[: أوصى بأن يقوم بلهو عرس رجل أو مناحة ميت]
ومن كتاب إن خرجت من هذه الدار وسئل عن رجل أوصى بأن يقوم بلهو عرس رجل، أو
مناحة ميت، هل تنفذ وصيته وتؤجر النائحة وصاحب اللهو؟ قال: لا أرى أن تنفذ
وصيته، وقوله باطل، قيل: أرأيت إن كان ذلك اللهو مما يجوز من شأن العرس مثل
الكبر والدف، فأوصى بذلك؟ قال: فلا أرى أن تنفذ.
قال محمد بن رشد: أما الوصية بإقامة مناحة على ميت، فلا اختلاف في أن
الوصية بذلك لا يجوز تنفيذها؛ لأن النياحة على الموتى محرم بالسنة، فالأجرة
على ذلك حرام، لا تحل ولا تجوز، وكذلك ما لم يرخص فيه من اللهو في العرس
باتفاق، أو باختلاف على مذهب من لا يجيزه، مثل الكبر والمزهر؛ لأن ابن حبيب
أجازهما جميعا في هذه الرواية، وهو قول أصبغ في سماعه، من كتاب النكاح،
وعليه يأتي قول ابن القاسم في سماع سحنون في الكبر إذا بيع: إنه يفسخ بيعه
ويؤدب أهله؛ لأنه إذا قال ذلك في الكبر، فأحرى أن يقوله في المزهر. وقيل:
إنه يجوز الكبر، ولا يجوز المزهر. وهو قول ابن القاسم في رسم سلف، من سماع
عيسى، من كتاب النكاح، وأما على مذهب من يجوزه ويستحب تركه، فلا ينبغي أن
تنفذ الوصية.
وأما على مذهب من يجيزه ويراه من الأمور الجائزات التي لا ثواب في تركه،
ولا حرج في فعله، ففي جواز تنفيذ الوصية قولان، وكذلك الغربال التي اتفق
على إجازته في العرس، في جواز تنفيذ الوصية به قولان، على
(13/139)
مذهب من يراه من الأمور الجائزات التي لا
ثواب في تركه، ولا حرج في فعله، وأما على مذهب من يجيز فعله، ويستحب تركه،
فلا ينبغي تنفيذ الوصية به، هذا تحصيل القول في هذه المسألة.
قال محمد بن المواز: ويرجع ما أوصى به لذلك ميراثا لأهل الميراث، ولا يدخل
فيه الوصايا، يريد أنهم يحاصون به أهل الوصايا عند ضيق الثلث، لا أنه يبدأ
على الوصايا، ويكون الورثة أحق به. وفي كتاب محمد بن المواز: من أوصى لرجل
بمال على أن يصوم عنه، لم يجز ذلك، وهو نحو قول ابن كنانة في أن الوصية
بالحج لا يلزم تنفيذها، وبالله التوفيق.
[مسألة: إجازة الابن وصية أبيه بأكثر من ثلث
ماله بعد موته]
مسألة وقال ابن القاسم: إذا أوصى لرجل بجميع ماله، وليس له وارث إلا ولد
واحد، ومات عن ثلاثمائة دينار، فبلغ ذلك الولد وهو مريض فقال: قد أمضيت ما
صنع والدي، وثلث مالي صدقة على رجل سماه، وليس له مال إلا الذي ورث من
أبيه، قال: يكون للذي أوصى له أبوه ثلث الثلاثمائة دينار، وذلك مائة دينار،
ثم يرجع في المائتين، فيتحاص في ثلثها هو والذي ذلك أوصى له الابن بثلث
ماله، يضرب فيه هذا بمائتي دينار، وهذا ثلث المائتين.
قال عيسى: إنما ذلك إذا كان الابن إنما أجاز وهو مريض ثم مات؛ لأنها وصية،
فأما إن كانت إجازته في الصحة ثم مرض، فأوصى بثلث ماله، فليس ذلك المال له
بمال، إذا كان قبضه المتصدق به عليه أولا قبل موت هذا أو مرضه، فإن لم
يقبضه حتى مات أو مرض هذا الابن، فلا شيء له؛ لأنها صدقة لم تحز.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة صحيحة؛ لأن إجازة الابن وصية أبيه بأكثر
من ثلث ماله بعد موته، هبة منه للموصى له مما زاد على
(13/140)
الثلث، فإن كان صحيحا لزمه ذلك، ولم يكن له
فيه رجوع.
قال في المدونة: وإن كان عليه دين، كان للغرماء رد ذلك، وإن كان مريضا فمات
من مرضه: كان ذلك في ثلثه، على حكم هبة البتل في المرض، فإذا أجاز وصية
أبيه بجميع ماله بعد موته وهو مريض، وأوصى بثلثه لرجل، فمات من مرضه، ولا
مال له غير ما ورث عن أبيه، ولم يترك أبوه إلا ثلاثمائة دينار، وجب أن
يتحاص في ثلث المائتين التي ورثها عن أبيه الذي أوصى له هو، والذي أوصى له
أبوه، يضرب الذي أوصى له هو بثلث المائتين؛ لأنه أوصى بثلث ماله، ويضرب
فيها الذي أوصى له الأب بجميع ماله بمائتين؛ لأنه وهبها له في مرضه، إذا
جاز وصية أبيه له بها، فوجب أن تكون في ثلثه، وفي هذا اختلاف، قد قيل: إن
هبة البتل تبدأ على الوصية، اختلف في ذلك قول مالك حسبما بيناه في رسم طلق
بن حبيب، من سماع ابن القاسم، وقول عيسى بن دينار: إن إجازته إن كانت في
الصحة، ثم مرض، فأوصى بثلث ماله، فليس ذلك المال له بمال، إذا كان قد قبضه
المتصدق به عليه أولا قبل موت هذا أو مرضه، فإن لم يقبضه حتى مات أو مرض،
فلا شيء له؛ لأنها صدقة لم تحز صحيح، يبين أن الورثة إذا أجازوا أكثر من
الثلث؛ أن الزائد على الثلث لا يجري مجرى الوصية التي لا حيازة فيها، وإنما
يجري مجرى الصدقة إن لم تحز بطل، وأشهب لا يراها كالهبة، ويراها له قبضها
قبل موت المجيز، أو لم يقبضها، وهو ضعيف، وبالله التوفيق.
[مسألة: أوصى لرجل بأربعين دينارا ينفق عليه
منها ما يكفيه كل سنة]
مسألة وسئل عن رجل أوصى لرجل بأربعين دينارا ينفق عليه منها ما يكفيه كل
سنة، فمات الموصي ووقف ماله لينظر في ثلثه، وليجمع ما كان منه مفترقا، فمضت
سنة أو نحوها، ولم يجمع ما كان منه متفرقا، ومات الذي أوصى له بالنفقة قبل
أن يصل إليه شيء، قال: يعطى ورثته نفقة ما عاش، وترد البقية على الورثة.
(13/141)
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛
لأنه قد استوجب من النفقة ما عاش بعد الموصى، والله الموفق.
[مسألة: أوصى بعتق نصف عبد له وبالحج بالنصف
الآخر]
مسألة ولو أن رجلا أوصى بعتق نصف عبد له، وبالحج بالنصف الآخر، قال: إن كان
أبت عتق النصف، استتم عتقه كله، وبطل الحج، وإن كان لم يبت كان نصفه حرا،
ونصفه في الحج.
قال محمد بن رشد: هذا ما قال: إنه إن كان أبت عتق نصفه في مرضه، يقوم عليه،
ويبطل الحج؛ إذ لا اختلاف في أن من أعتق نصف عبده في مرضه، يقوم عليه،
وإنما الاختلاف متى يقوم عليه؟ فقيل: إنه يقوم عليه جميعه في مرضه من
الثلث، وقيل: يوقف، ولا يقوم إلا بعد الموت من الثلث، كانت له أموال مأمونة
أو لم تكن، وقيل: إنما يقوم إذا لم تكن له أموال مأمونة، فإن كانت له أموال
مأمونة، عجل عتقه من رأس ماله، وهذا الاختلاف كله في المدونة. وأما إن كان
أوصى بعتق نصفه، ولم يبتله، فيكون النصف الآخر في الحج كما قال؛ لأن من
أوصى بعتق بعض عبده، لا يعتق منه إلا ما أوصى به منه، وبالله التوفيق.
[مسألة: قال في مرضه لفلان ثمر حائطي ولا يدرى
أي ثمر جعل له]
مسألة وسئل عن رجل قال في مرضه: لفلان ثمر حائطي، ولا يدرى أي ثمر جعل له؟
أو كم من سنة؟ فقال: إن كان في النخل ثمر، فله ثمر تلك السنة، ولا شيء له
غيرها، وإن كان حين أوصى بذلك، ليس في النخل ثمرة، فله ثمرة، فله ذلك
الحائط حياته. قال سحنون مثله.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه إذا كان في الحائط ثمرة يوم أوصى ومات،
والثمرة لم تجد، احتمل أن يريد تلك الثمرة خاصة، ولم يرد ما سواها، فوجب
ألا يكون له ما سواها إلا بيقين، وقد قال ذلك سحنون في نوازله من كتاب
الحبس في الذي يقول: ثمر حائطي حبس على فلان،
(13/142)
ولا يقول: حياته، فكيف بالوصية؟ وأما إن جد
الثمرة قبل موته، وأدخلها منزله، فيتخرج ذلك على قولين، هل يكون ذلك رجوعا
في الوصية أم لا؟ وقد مضى ما يبين هذا المعنى في رسم نقدها قبل هذا، وإذا
لم يكن في الحائط ثمرة ذلك اليوم، وجب أن تكون له ثمرته فيما يستقبل حياته،
لتناول لفظه لذلك تناولا واحدا، وبالله التوفيق.
[: أوصى بعتق وبوصايا]
ومن كتاب أوله أسلم وله بنون صغار
وسئل عن رجل أوصى بعتق، وبوصايا، ثم قال: إن فضل شيء من الثلث فهو لفلان،
فاستحق عبد من أولئك العبيد بحرية، فأخذ ثمنه، هل يدخل في ثمنه الذي أوصى
له ببقية الثلث؟ أو أهل الوصايا؟ فقال: لا يدخل واحد منهم في ثمن ذلك
العبد، وثمنه للورثة، وهم يقاصون به أهل الوصايا.
قال محمد بن رشد: قد قال ابن القاسم بعد هذا في آخر رسم باع شاة: إنه يدخل
في ثمن العبد المستحق أهل الوصايا، وإياه اختار ابن زرب، ولكلا القولين وجه
فوجه القول: إن الوصايا لا تدخل فيه، هو أنه مال طرأ للموصي لم يعلم به،
فوجب ألا تدخل فيه، وأن يكون في ثلث ما بعد العبد المستحق؛ إذ لا تدخل
الوصايا فيما لم يعلم به الموصي، وإنما تدخل فيما لم يعلم به المدبر في
الصحة، واختلف في دخول المدبر في المرض فيه.
ووجه القول أن الوصايا تدخل فيه لاحتمال أن يكون الموصي قد علم بسبب
استحقاقه، وأن الحق يوجب الرجوع بثمنه إن استحق بذلك السبب، فوجب ألا تبطل
الوصايا التي أوصى بها إلا بيقين، وأما الموصى له ببقية الثلث، فلا شيء له
إلا ما فضل من الثلث بعد العبد المستحق، والوصايا، مثال ذلك: أن يوصي الميت
بعتق عبد، قيمته ثلاثون، ويوصي لرجل بخمسة وعشرين، ويترك تسعين دينارا
بقيمة العبد، فيعتق العبد بثلاثين دينارا،
(13/143)
وتسقط الوصايا لوجوب تبدئة العتق عليها،
فإن المستحق العبد بحرية، وجب لأهل الوصايا ثلث ما بقي للميت من مال، بعد
العبد المستحق، وذلك عشرون دينارا، واختلف إن أخذ العبد المستحق ثمنا فقيل:
يكون للورثة ولا يكون للموصى لهم فيه حق؛ لأنه مال لم يعلم به الميت، وقيل:
إنه يكون لأهل الوصايا ما بقي من وصاياهم، وذلك خمسة دنانير في ثلثه، ويكون
الباقي للورثة، ولا يكون للموصى له ببقية الثلث فيه حق؛ لأنه إنما أوصى له
بما بقي من ثلثه بعد العبد والوصايا.
وقد مضت هذه المسألة في رسم نقدها من هذا السماع، وستأتي في هذا الرسم، وفي
آخر رسم باع شاة، وبالله التوفيق.
[مسألة: قال داري حبس على فلان وعبدي حبس على
فلان]
مسألة قال مالك: لو أن رجلا قال: داري حبس على فلان، وعبدي حبس على فلان،
فإذا انقرضوا، فالعبد والدار رد على ورثتي، وما بقي من ثلثي فهو لفلان،
فينظر في ثلثه، فإذا الدار والعبد قد أحاطا بجميع الثلث، فقيل: للموصى له
ببقية الثلث، لا شيء لك؛ لأن الدار والعبد قد أحاطا بجميع الثلث، فقال: قال
مالك: إذا انقرض اللذان جعل لهما الدار والعبد، فهو للذي أوصى له ببقية
الثلث، وليس للورثة من ذلك شيء، وإن كان حبس ذلك على وارث، فلم يجز ذلك
الورثة، حبست تلك الدار والغلام على الورثة، فإذا انقرض الذي جعل ذلك له
رجع إلى الذي أوصى له ببقية الثلث قال عيسى: إذا قال: فإذا انقرضا فهو رد
على ورثتي، فليس للموصى له ببقية الثلث فيه شيء.
(13/144)
قال محمد بن رشد: استدل عيسى بقول الموصي:
فإذا انقرضا فهو رد على ورثتي، على أنه لم يرد أن يجعل للموصى له ببقية
الثلث إلا ما بقي بعد قيمة الدار والغلام، ولم ير مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ
- في ذلك من قوله دليلا على هذا، وقوله في هذه المسألة أبين من قول عيسى بن
دينار؛ لأنه إنما أراد أن يبين بذلك أن الدار والعبد يرجعان إلى ملكه بموت
المحبس عليهما، لا بمرجع الأحباس، وإذا رجعا على ملكه دخلت فيه وصاياه.
وقد مضى في رسم اغتسل، من سماع ابن القاسم لمالك، مثل قوله هاهنا فيما يشبه
هذه المسألة، وبالله التوفيق.
[مسألة: أوصى لأقاربه بثلث ماله هل تدخل
القرابة من قبل الأم والأب]
مسألة وسئل عن رجل أوصى لأقاربه بثلث ماله، هل يدخل في ذلك قرابته من قبل
الأم والأب؟ قال مالك: أراها لقرابته من قبل الرجال، ولا أرى لقرابته من
قبل الأم شيئا إلا أن يكون له قرابة من قبل الرجال، فتكون لقرابته من قبل
النساء، وهذا الآخر قول ابن القاسم: والنساء والرجال من قبل الأب فيه شرعا
سواء. قال عيسى: وقال أشهب: إني لأستحب أن يدخل فيه قرابته من قبل الرجال
والنساء لأبيه وأمه.
قال محمد بن رشد: لا اختلاف في أنه إذا لم يكن له يوم أوصى قرابة من قبل
أبيه، أن الوصية تكون لقرابته من قبل أمه، وإنما اختلف إذا كان له يوم أوصى
قرابة من قبل أبيه، هل يدخل معهم قرابته من قبل أمه أم لا؟ فمذهب ابن
القاسم، وروايته عن مالك، أنه لا يدخل في ذلك قرابته من قبل الأم، قال في
سماع أبي زيد: وإن لم يبق من أهل أمه إلا خال أو خالة، فلا شيء لهم. وقال
أشهب: إنه يدخل في ذلك قرابته من الرجال والنساء من قبل أبيه وأمه. قال في
كتاب ابن المواز: يبدأ بالفقراء ويعطى بعض
(13/145)
الأغنياء، فرأى قسمة ذلك عليهم على وجه
الاجتهاد، لا على السواء. وقد اختلف قول ابن القاسم في ذلك في المدونة في
الذي يوصي لأخواله وأولادهم، ولا اختلاف في أنه لا دخول للموالي في ذلك،
وإنما اختلف فيمن أوصى لقبيلة، هل يدخل في ذلك مواليهم على ثلاثة أقوال؛
أحدها: أنهم لا يدخلون في ذلك، وهو مذهب ابن القاسم، وروايته عن مالك.
والثاني: أنهم يدخلون في ذلك، وهو قول ابن الماجشون. والثالث: أنه إن قال
لبني تميم، لم يدخل في ذلك الموالى، وإن قال ليتمم، دخلوا فيه. وهو قول
أشهب وهي تفرقة ضعيفة؛ إذ من القبائل ما لا يحسن أن يقال فيه من بني فلان
مثل جهينة، ومزينة، وربيعة، وقيس، وأما إذا أوصى لمساكينه، فإن مواليه
يدخلون في ذلك، قاله ابن القاسم، وابن وهب في رسم الوصايا والأقضية من سماع
أصبغ بعد هذا من هذا الكتاب. قال ابن وهب: الذين هم موالي عتاقة، فتحصيل
هذا أنه إذا أوصى لقرابته، لم يدخل في ذلك الموالي، وإذا أوصى لمساكينه،
دخلوا في ذلك، وإذا أوصى لقبيلة، فعلى الاختلاف الذي قد ذكرته. وقد مضى في
أول رسم، سماع ابن القاسم، من كتاب الحبس التكلم على الآل والأهل، وبالله
التوفيق.
[مسألة: يقول أشهدكم أن بقية ثلثي في سبيل الله
أو لفلان ثم يموت ولم يوص بشيء]
مسألة وقال مالك: إذا قال الرجل: إني أريد أن أوصي غدا، وأنا أشهدكم أن
بقية ثلثي في سبيل الله، أو لفلان، ثم يموت، ولم يوص بشيء، قال: ليس للذي
معي له ببقية الثلث شيء؛ لأنه لم يوص بشيء فيعرف بقية ثلثه، وأشهب يقول: له
الثلث كله.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها في رسم أوصى، وتكررت أيضا
في رسم بع، وتأتي في رسم جاع، وفي سماع محمد بن خالد، وبالله التوفيق.
(13/146)
[مسألة: أوصى
الرجل لقوم بوصايا]
مسألة وقال: قال مالك: إذا أوصى الرجل لقوم بوصايا، وأقر لبعض من يرثه بدين
مائة دينار، فقال: ليس لأهل الوصايا في المائة الدينار شيء، رجعت إلى
الورثة أو لم ترجع، لا يخرج الثلث إلا بعد خروج المائة.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه؛ لأنه لما أقر
بالمائة عليه دينا، فلم يرد أن تكون الوصايا إلا فيما بعدها، أجازها الورثة
للمقر له بها، أو لم يجيزوها له، وبالله التوفيق.
[مسألة: أوصى بوصية لرجل غائب فمات الموصي ومات
الموصى له]
مسألة وقال مالك: إذا أوصى بوصية لرجل غائب، فمات الموصي، ومات الموصى له
بالوصية قبل أن يصل إليه، أو يبلغه أمرها، فلم يعلم أيهما مات قبل، فطلب
ورثة الموصى له ما أوصى به لصاحبهم، وقال ورثة الموصي: لا وصية لصاحبكم؛
لأنه مات قبل صاحبنا. قال: قال مالك: لا شيء لورثة الموصى له، إلا أن يأتوا
بالبينة أن الموصي مات قبل الموصى له؛ لأنه إنما يجري مجرى الميراث، لا يرث
أحد أحدا بالشك، لا يرثه إلا بالبينة، وكذلك الموصى له، لا يكون له ولا
لورثته وصية، إلا بأمر يبين أن الذي أوصى له بها مات قبل صاحبهم، وكذلك لو
أن رجلا وكل وكيلا على أن يعقد له نكاحا بأرض غائبة، على صداق معلوم، ففعل
الوكيل ذلك، ومات الناكح قبل أن يرجع إليه وكيله، فطلب أهل المرأة الصداق
والميراث، وزعم أهل الرجل أن الرجل مات قبل أن يعقد النكاح، قال ابن
القاسم: لا شيء للمرأة إلا أن تقيم البينة أن النكاح وقع قبل موت الناكح،
وإلا فلا شيء لها.
(13/147)
قال محمد بن رشد: هذا كله كما قال، وهو بين
لا إشكال فيه، والحمد لله.
[مسألة: أوصى بوصايا لقوم وأوصى لرجل ببقية
ثلثه]
مسألة قال ابن القاسم: قال مالك: من أوصى بوصايا لقوم، وأوصى لرجل ببقية
ثلثه، فأقام أياما، فأوصى بعتق رقيق له، وأوصى بوصايا لقوم آخرين، ولم يغير
من الوصية الأولى شيئا، ثم مات، قال مالك: يبدأ العتق، ثم يكون أهل الوصايا
الأولين والآخرين في الثلث سواء، إن وسعهم الثلث، كانت لهم وصاياهم، وإن
ضاق الثلث عليهم تحاصوا في الثلث بعد العتق على قدر وصاياهم، ولا يكون
للموصى له ببقية الثلث شيء، إلا بعد العتق، وبعد أخذ أهل الوصايا الأولين
والآخرين وصاياهم، فإن فضل عنهم من الثلث شيء، كان له ما فضل، وإن لم يفضل
شيء فلا شيء له.
قال ابن القاسم: وإن مات أحد العبيد، أو استحق أحدهم بحرية، أو استحق
فأخذوا له قيمة، أو رد أحد من أهل الوصايا ما أوصى له به، فأبى أن يقبله،
لم يكن للذي أوصى له ببقية الثلث في ذلك شيء، ويدخل في الثلث قيمة الميت،
وثمن الذي استحق بالحرية، ويكون ذلك للورثة، فإن فضل من الثلث عن الوصايا
عن ثمن العبد شيء، وكان له، وإلا فلا شيء له.
قال ابن القاسم: وهذا مخالف للذي حبس الدار والعبد؛ لأن الميت حين أوصى
ببقية الثلث، قد علم أن ذلك الحبس راجع، وأن ثمن هذا العبد الذي استحق
بالحرية، كأنه مال طرأ له من موروث، أو صدقة أو هبة، فلم يعلمه، ولم يدخله
في الثلث، فكذلك الذي استحق الحرية. قال: ولا يدخل فيه أهل الوصايا أيضا في
المال الطارئ.
(13/148)
قال محمد بن رشد: قوله في الذي أوصى
بوصايا، وأوصى لرجل ببقية ثلثه، ثم أوصى بعد أيام بعتق ووصايا: إنه ليس
للموصى له ببقية الثلث، إلا ما فضل عن وصايا الأولين والآخرين، مثله في رسم
الصلاة، من سماع يحيى، وفي آخر سماع موسى بن معاوية، ومعناه على ما فسره
محمد بن المواز إذا أوصى بوصايا لرجل، وأوصى بما بقي من ثلثه لغيره، ولم
يقل: وما بقي من ثلثي بعدها لفلان؛ لأنه إذا قال: وما بقي من ثلثي لفلان،
فإنما معناه وما بقي من ثلثي بعدما نوصي به بعد هذا فهو لفلان، وأما إذا
أوصى بوصايا لرجل وقال: ما بقي من ثلثي بعدها لفلان، ثم أوصى بعد ذلك
بوصايا، فلا تبدأ الوصايا الثانية على الموصى له ببقية الثلث، وإنما تبدأ
الوصايا الأول على الموصى له ببقية الثلث، فيتحاص في الثلث الموصى له ببقية
الثلث، والموصى له بالوصايا الأول.
والموصى له بالوصايا الأخيرة، فما حصل من الثلث في المحاصة للموصى له ببقية
الثلث كل منه للوصايا الأول بقية وصاياهم؛ لأنه إنما له ما فض عن وصاياهم،
مثال ذلك أن يكون الثلث ثلاثين، ويكون قد أوصى لرجل بعشرة، وأوصى لرجل آخر
بما بقي من الثلث بعد العشرة، وأوصى لثالث بعشرة، فيتحاصون كلهم في الثلث،
يضرب فيه الموصى له أولا بعشرة، والموصى له ببقية الثلث بعشرين، والموصى له
آخرا بعشرة، فيجب للموصى له أولا سبعة ونصف، وللموصى ببقية الثلث خمسة عشر،
وللموصى له آخرا سبعة ونصف، ويقال للموصى له ببقية الثلث: أكمل للموصى له
أولا عشرة مما صار لك؛ لأنه مبدأ عليك بعشرة، فيدفع إليه اثنين ونصفا تتمة
العشرة التي أوصى له بها، ويبقى له اثني عشر ونصفا، وإن شئت ضربت للموصى له
أولا، وللموصى له ببقية الثلث، بمبلغ وصاياهم جميعا، وذلك ثلاثون، وضربت
للموصى له آخرا بعشرة، فيخرج للموصى له آخرا سبعة ونصف، وللموصى له أولا مع
الموصى له ببقية
(13/149)
الثلث اثنان وعشرون ونصف، يأخذ الموصى له
منها أولا عشرة كاملة؛ لأنه مبدأ عليه بها. ويبقى له اثنا عشر ونصف، وإن
كانت الوصية الآخرة عتقا كان مبدأ على جميع الوصايا، ولم يكن للموصى له
ببقية الثلث إلا ما فضل عن الوصيتين جميعا الأولى والآخرة؛ لأن الأولى تبدأ
عليه بما أوصى به الموصى، والثانية بما يوجبه الحكم من تبدئة العتق على
الوصايا؛ فهذا وجه القول في هذه المسألة، وأما قوله في الرواية عن ابن
القاسم: وإن مات أحد العبيد أو استحق أحدهم بحرية أو استحق، فأخذ له قيمة
إلى آخر المسألة، فقد مضى القول عليه في أول مسألة من الرسم، وفي التي
بعدها، فلا معنى لإعادة شيء من ذلك، وبالله التوفيق.
[مسألة: يوصي أن يشترى عبد بخمسين دينارا من
ماله فيعتق]
مسألة وسألته عن الرجل يوصي أن يشترى عبد بخمسين دينارا من ماله فيعتق؛
فيشتري ورثته أو وصيه بالخمسين دينارا رأسين فيعتقان. قال: عتقهما جائز،
وعلى من فعل ذلك من وصيه أو وارث ضمان رقبة يشتريها بخمسين دينارا، أو
يعتقها عن الميت.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ إذ لا يجوز أن يتعدى ما أوصى به الميت،
ويخالف أمره في وصيته، ومن فعل ذلك وجب عليه الضمان؛ لقول الله عز وجل:
{فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ
يُبَدِّلُونَهُ} [البقرة: 181] ، ولو وصف الموصي العبد أجزأهم شراء تلك
الصفة بأي ثمن كان، ولو اشترى الوصي بتلك الدنانير عبدين على تلك الصفة ضمن
نصف الدنانير للورثة إن كان اشتراهما صفقة واحدة، وهما سواء، وإن كانت
إحداهما أفضل من الثانية، ضمن ما ينوب الأدنى منهما، وإن كان اشتراهما في
(13/150)
صفقتين، ضمن ثمن الثانية، وأجرى الأولى عن
الميت إذا كان على الصفة، وأما إذا كان العبد غير موصوف، فعلى ما قال في
الرواية، وبالله التوفيق.
[مسألة: أوصى الرجل لعبده بثلث ماله]
مسألة قال ابن القاسم: قال مالك: إذا أوصى الرجل لعبده بثلث ماله عتق جميعه
في ثلث الميت إن حمله الثلث. قال ابن القاسم: وإن لم يحمله الثلث فكان
للعبد ما أعتق على نفسه في ماله، بقدر ما وجد في يديه إن كان في يديه ما
يستتم به عتقه عتق كله، وإلا فبقدر ذلك يكون العبد في نفسه مع ورثة الميت
كهيئة الشركاء في العبد إذا أعتق أحدهم نصيبه عتق عليه جميع العبد، إن كان
له مال، وإلا فبقدر ذلك، فكذلك العبد في نفسه؛ لأنه حين أوصى له بثلث ماله،
فقد أوصى له بثلث رقبته؛ لأن رقبة العبد من ماله، فلما ملك العبد ثلث رقبته
عتق، واستمر عتق نفسه عليه، ولو أوصى بعتق ثلثه، وأوصى له ببقية ثلثه، أو
بدنانير مسماة، منه إلا ثلثه الذي سمى، وكانت له الوصية دنانير، أو غير ذلك
إن كان أوصى له ببقية الثلث.
قال محمد بن رشد: قوله: إذا أوصى لعبده بثلث ماله: إنه يعتق جميعه في الثلث
إن حمله الثلث، وإن لم يحمله، وكان له مال عتق على نفسه بقيته في ماله، هو
مثل ما تقدم في رسم أخذ يشرب خمرا، من سماع ابن القاسم، ومثل قول ابن
القاسم وروايته عن مالك في المدونة. وفي ذلك من الاختلاف ما قد ذكرته في
رسم أخذ يشرب خمرا المذكور.
وأما قوله: ولو أوصى بعتق ثلثه، وأوصى له ببقية ثلثه؛ أنه لا يعتق منه إلا
ثلثه الذي سمى، وكانت له بقية ثلثه، بمنزلة إذا أوصى بعتق ثلثه، وأوصى له
بدنانير، فلا اختلاف في أنه لا يعتق على العبد ببقيته، لا فيما أوصى له به
من بقية ثلثه،
(13/151)
ولا من الدنانير التي أوصى له بها، ولا في
مال إن كان له سواه؛ لأنه إذا أوصى بعتق ثلث عبده، وأن يعطى بقية ثلث ماله،
فلم يملك بذلك شيئا من رقبته، وكذلك قال في رسم الصبرة من سماع يحيى: إذا
أوصى بعتق ثلثه، وأن يعطى ثلث بقية ماله؛ أنه لا تعتق بقيته فيما أوصى له
به من ثلث بقية ماله، وفي ذلك من قوله نظر؛ لأن ثلثي رقبته من بقية ماله،
فإذا أوصى له بثلث بقية ماله، فقد أوصى له بثلث الثلثين الباقيين من رقبته،
فوجب على قياس قوله: أن يعتق على نفسه ثلث الثلثين الباقيين من رقبته؛ لأنه
قد ملكه ذلك؛ إذ أعطاه ثلث ما بقي من ماله، وإذا أعتق على نفسه شيئا منه؛
وجب أن يقوم عليه بقيته في ماله على قياس قوله، فلم يفرق على ما في رواية
يحيى بين أن يوصى له بعتق ثلثه، وبثلث ما بقي من ماله، وبين أن يوصي له
بعتق ثلثه، وببقية ثلث ماله، وهما يفترقان في وجه القياس والنظر على ما
بيناه، وبالله التوفيق.
[مسألة: أوصى لهذا العبد بثلث ماله وأوصى بعتق
عبد آخر]
مسألة قلت: فلو أوصى لهذا العبد بثلث ماله، وأوصى بعتق عبد آخر من المبدأ
منهما في الثلث؟ قال: المعتق مبدأ في الثلث؛ لأن المعتق إنما يعتق عن
الميت، والموصى له بالثلث، إنما يعتق عن نفسه.
قال محمد بن رشد: هذا بين على مذهبه في أن ثلث العبد إنما يعتق على نفسه،
ولذلك تقوم عليه بقيته في بقية الثلث، وفي مال إن كان له سواه. ويأتي على
قياس قول ابن وهب الذي يرى أن ثلث العبد، إنما يعتق بوصية الميت لا على
العبد، ولذلك لا تقوم عليه بقيته في بقية الثلث، إلا أن تبدأ الوصية بعتق
العبد على عتق ثلثه، وأن يسهم بينهما في ذلك، وأما على بقية ثلثه فيبدأ على
كل حال باتفاق؛ لأنها وصية لمال، وبالله التوفيق.
(13/152)
[مسألة: أوصى
لهذا العبد بثلث ماله وأوصى لقوم بوصايا]
مسألة قلت: فلو أوصى لهذا العبد بثلث ماله، وأوصى لقوم بوصايا، فقال: العبد
الموصى له بثلث الميت مبدأ على جميع الوصايا لا العتق.
قال محمد بن رشد: في سماع أبي زيد خلاف هذا: إنهما يتحاصان، فإن كانت
الوصايا الثلث بينهما بنصفين، فما صار للعبد منه عتق فيه. هذا معنى قوله؛
فقوله في هذه الرواية: إن العبد الموصى له بالثلث يبدأ به على جميع
الوصايا، هو على قياس رواية ابن وهب عن مالك، في أن العبد الموصى له بثلث
المال، يقوم فيه، لا فيما سواه من ماله؛ لأن وجه هذا القول أن الميت لما
أوصى له بثلث ماله، فكأنه قصد إلى حريته، فوجب أن يبدَّأَ على مسألة
الوصايا.
وقوله في سماع أبي زيد: إنهما يتحاصان، هو على قياس قوله وروايته عن مالك
في المدونة، وفي رسم أخذ يشرب خمرا، من سماع ابن القاسم؛ أنه يعتق ثلث
نفسه، ويعتق باقيه في بقية الثلث، وفي مال، إن كان له مال سواه؛ لأن الوصية
له بالثلث على هذا القول وصية بمال؛ إذ لا يعتق شيء منه إلا على العبد،
فوجب أن يتحاصا. ويتخرج في المسألة على قياس قول ابن وهب في أنه لا يعتق من
العبد إذا أوصى له بثلث المال إلا ثلثه، ولا يقوم شيء منه في بقية الثلث،
ولا في مال إن كان له أن يبدأ منه على الوصايا ثلثه الذي يعتق بوصية الميت،
ويحاص أهل الوصايا ببقية الثلث بالثلث، حين ملك من رقبته شيئا.
[مسألة: أوصى لعبده بربع رقبته فكان للعبد مال]
مسألة قال: ولو كان أوصى لعبده بربع رقبته، فكان للعبد مال، عتق منه قدر ما
بقي في يده من المال، مثل الموصى له بالثلث حين ملك من رقبته شيئا.
(13/153)
قال محمد بن رشد: هذا بين على مذهب ابن
القاسم، وروايته عن مالك؛ لأنه إذا أعتق الربع الذي أوصى له به منه، عتق
سائره عليه في ماله إن كان له مال، وعلى مذهب ابن وهب لا يقوم بقيته عليه
في ماله؛ لأنه يرى العتق في ذلك بوصية الميت لا محل العبد، وبالله التوفيق.
[مسألة: أوصى لعبده بعتق ثلثه أو ربعه أو جزء
منه]
مسألة قال: ولو كان أوصى لعبده بعتق ثلثه أو ربعه، أو جزء منه لم يعتق منه
إلا ما عتق، ولم يستتم عتقه بمال العبد، وإن كان له مال؛ لأنه لم يملك شيئا
من رقبته.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله لا اختلاف فيه، والحمد لله.
[: أوصى لعبد له بثلث ماله]
ومن كتاب الرهون وقال في رجل أوصى لعبد له بثلث ماله، قال: يجعل ذلك في
رقبته، فإن حمله الثلث عتق وأعطى ما فضل من الثلث، إن كان فيه فضل من
رقبته، وإن قصر عنه الثلث، عتق منه قدر ما وسع الثلث، وكان ما بقي رقيقا
للورثة، وإن أوصى العبد بدنانير مسماة، أو دابة من دوابه؛ أنه يعطاه العبد،
ولا يعتق في ذلك؛ لأنه مال مسمى لم يدخل ذلك في رقبة.
قال سحنون: إنما هذا إذا أوصى له بدنانير، يكون أقل من ثلث ماله، فحينئذ
يعطى العبد، ولا يعتق فيها، فأما لو أوصى له بدنانير، تكون أكثر من ثلث
ماله،
(13/154)
لعتق فيها، وكان بمنزلة ما لو أوصى له بثلث
ماله أو بجزء منه، وهذا معنى قول ابن القاسم: وهي مسألة جيدة، وقال أصبغ في
مسألة الدنانير كقول سحنون سواء.
قال محمد بن رشد: قد تقدم الكلام في الرسم الذي قبل هذا، وفي رسم أخذ يشرب
خمرا من سماع ابن القاسم في الذي يوصي لعبده بثلث ماله، فلا معنى لإعادة
الكلام في ذلك. وأما قول سحنون وأصبغ إذا أوصى له بدنانير مسماة، أو بدابة
من دوابه هي أكثر من الثلث: إنه يعتق في ذلك، بمنزلة ما لو أوصى له بثلث
ماله أو بجزء منه، فمعناه عندهما: إذا لم يجز ذلك الورثة وقطعوا له بالثلث
في كل شيء، إلا أنه قال: إنما ذلك لحرمة العتق، استحسان.
والقياس أن يعطى من نفسه ثلثها، ومن كل شيء ثلثه يريد: ولا يعتق منه إلا
الثلث الذي أعطى من نفسه، والأمر عندي بعكس ذلك، بل القياس إذا أعتق عليه
من نفسه ثلثها، أن يعتق عليه باقية في بقية الثلث، والاستحسان إنما هو ألا
يعتق عليه إلا الثلث الذي أعطى من رقبته، إنما هذا على أحد قولي مالك في أن
الموصى له بشيء بعينه، وهو أكثر من الثلث، إذا لم يجز ذلك الورثة، فقطعوا
له بالثلث من كل شيء، وأما قوله الآخر: إن الثلث يجعل له في الشيء الذي
أوصى له به، فلا يعتق منه شيء؛ لأن ذلك يكون على هذا القول بمنزلة إذا
أجازوا له الوصية، لا يعتق منه شيء، وقد حمل ابن دحون قول سحنون في هذه
الرواية على ظاهره، من أنه إذا كان العبد والدنانير التي أوصى له بها، أكثر
من الثلث، يعتق فيها، أجاز الورثة الوصية، أو لم يجيزوها، فقال: لما أوصى
بدنانير هي أكثر من ثلثه، دل على أنه أراد الثلث وزيادة، فكأنه أوصى بثلث
ماله مبهما؛ ألا ترى أن الورثة إن أبوا أن يجيزوا لزمهم إجازة الثلث؟ وهو
بعيد، لا يصح بوجه؛ لأنهم إذا أجازوا لم يجب له في نفسه شيء، فلا يصح أن
يعتق عليه منه شيء، وبالله التوفيق.
(13/155)
[مسألة: أوصى
لعبده بثلث ماله وللعبد ولد]
مسألة قيل لسحنون: أرأيت لو أوصى لعبده بثلث ماله، وللعبد ولد، هل يبدأ
بعتق الأب في الثلث قبل الابن، أم يتحاصان جميعا؟ فقال: بل يكون الأب أولى
بالعتق في الثلث، فإن بقي من الثلث شيء دخل فيه الابن فعتق منه مبلغ الثلث.
قال محمد بن رشد: قول سحنون في هذه المسألة قياس ما تقدم من قول ابن القاسم
في رسم أسلم قبل هذا في الذي يوصي لعبده بثلث ماله، ويوصي بوصايا؛ أن العبد
الموصى له بثلث الميت، يبدأ على أهل الوصايا.
ويأتي فيها على قياس رواية أبي زيد، في أنه لا يبدأ على الوصايا، ويتحاصان
ولا يبدأ الأب على الابن، ولا الابن على الأب، فيعتق من الأب ثلثه؛ لأنه
ملك بالوصية ثلث نفسه، ومن الابن ثلثه أيضا؛ لأنه ملك بالوصية أيضا ثلثه؛
لأنه من مال الميت الذي أوصى له بثلثه، ثم يعتق من كل واحد منهما في بقية
الثلث ما حمل منهما بالسوية، لا يبدأ فيه أحدهما على صاحبه، كمن أعتق شقصا
له في عبدين، وليس له من المال ما يحمل أن يقوما فيه عليه جميعا، فيقوم
منهما جميعا ما حمله بالحصص، ولا يبدأ أحدهما على صاحبه، وبالله التوفيق.
[: يقول عند موته بيعوا غلامي هذا بثلاثين
دينارا]
ومن كتاب جاع فباع امرأته وسألته عن الرجل يقول عند موته بيعوا غلامي هذا
بثلاثين دينارا، وأعطوا فلانا منها عشرة دنانير، فيبيع ذلك العبد بأدنى أو
بأكثر، قال: إن بيع بثلاثين أو بأكثر، فله العشرة فقط، وإن بيع بدون ثلاثين
وأكثر من عشرين، فإنما له ما زاد على عشرين دينارا أو دينارين، أو ما زاد؛
لأنه إنما له ما بين العشرين إلى الثلاثين إن زاد
(13/156)
شيئا على عشرين، وإن بيع بعشرين أو بأدنى
لم يكن له قليل ولا كثير؛ لأنه إنما أوصى له بعد إخراج عشرين، فلا شيء له.
قال محمد بن رشد: في سماع محمد بن خالد، عن ابن القاسم: أنه إن بيع بأقل
مما سمى كان للموصى له مما بيع به ما يقع العدد الذي أوصى له به مما سمى أن
يباع به، فيكون له في هذه المسألة على هذا القول؛ أن بيع العبد بأقل من
الثلاثين ثلث ما بيع به، وإن بيع بأقل من عشرين، وقال أشهب في السماع
المذكور: له مما بيع به ما سمى له كاملا، وإن بيع بأقل مما سمى له فجميع
ذلك له.
قال محمد بن رشد: فحمل ابن القاسم في هذه الرواية أمر الموصي على أنه إنما
سمى ما يباع به العبد احتياطا على الورثة، مخافة أن يباع بأقل مما سمى، فلا
يبقى لهم من ثمنه القدر الذي أراده، فلم ير للموصى له أن يبيع بأقل من
ثلاثين، إلا ما زاد على عشرين؛ لأنه على هذا التأويل، إنما أوصى له بعشرة،
شرط أن يباع بثلاثين أو أكثر، فإن بيع بأقل، كان النقصان عليه لا على
الورثة، وحمل أشهب في سماع محمد بن خالد، أمر الموصي، على أنه إنما سمى ما
يباع به العبد احتياطا على الموصى له؛ لئلا ينقص مما أوصى له به إن بيع
بأقل مما سمى، وكأنه قال: أعطوا فلانا من ثلثي من ثمن هذا العبد كذا وكذا،
وإن لم يبيعوه إلا بكذا وكذا، فلم يسر للورثة إلا ما زاد على مما أوصى له
به، ولا يصح أن يحمل أمر الموصي على أحد الوجهين دون الآخر إلا بقرينة تدل
على ذلك من بساط تخرج عليه الوصية، أو ما أشبه ذلك مما تبين به قصد الموصي
من إرادة الرفق بورثته في ذلك، أو بالموصى له، فإن لم يتبين من قصد الموصي
أحد الوجهين دون الآخر، وجب أن يرجع ذلك إلى التحاص على ما قاله ابن القاسم
في سماع محمد بن خالد، فيحمل قول ابن القاسم في هذه الرواية على أنه تبين
له من قصد الموصي ما خرج جوابه عليه، ويحمل قول أشهب على أنه تبين له من
قصد الموصي ما خرج جوابه
(13/157)
عليه، ويحمل قول ابن القاسم في سماع محمد
بن خالد على أنه لم يتبين له من قصد الموصي أحد الوجهين دون الآخر، فلا
يكون بين الروايات على هذا الاختلاف إلا بسبب اختلاف المعاني عندهم، وبالله
التوفيق.
[مسألة: أوصى في جارية له أن تخير]
مسألة وقال ابن القاسم: قال مالك في رجل أوصى في جارية له أن تخير، فإن
شاءت بيعت، وإن شاءت أعتقت: إنه لا يجوز عتق أحد من الورثة فيما إلا
برضاها، حتى تختار أو تدع.
قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة في رسم طلق من سماع ابن القاسم،
ومضى الكلام عليها هناك، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.
[مسألة: يوصي فيقول لفلان عشرة دنانير ثم يقول
أنا أريد أن أوصي غدا]
مسألة وسئل عن الرجل يوصي فيقول: لفلان عشرة دنانير، ثم يقول: أنا أريد أن
أوصي غدا، ولكن اشهدوا أن ما بقي من ثلثي فلفلان، فيموت قبل أن يوصي قال:
لا شيء له.
قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة، والقول فيها في رسم أوصى، ومضت
أيضا في رسم بع ورسم أسلم. وتأتي في سماع محمد بن خالد، وبالله التوفيق.
[مسألة: يموت عن مائة دينار وعليه مائة دينار
دين وقد أوصى بوصايا]
مسألة وسألته عن الرجل يموت عن مائة دينار، وعليه مائة دينار دين، وقد أوصى
بوصايا عتق وغيره، ثم طرأ له مال بعد موته.
(13/158)
قال: يقضى الدين من هذه المائة التي علم،
وتسقط جميع الوصايا، إلا أن يكون مدبرا، فإنه يعتق فيما علم، وفيما لم
يعلم، وإنما ينظر أبدا إلى ما عليه من الدين، فإن أحاط الدين بالمال الذي
علم، سقطت الوصايا، وكان المال الذي طرأ للورثة خالصا.
قلت: وكذلك لو قتل عمدا كانت ديته مثل ما طرأ، لا تدخل فيه الوصايا، قال:
نعم. الدية في العمد مثل مال طرأ.
قال محمد بن رشد: لم يفرق ابن القاسم في هذه الرواية بين أن يكون المدبر في
الصحة أو المرض، ومثله في رسم جاع من سماع عيسى من كتاب الديات، فظاهر ذلك
أن المدبر في المرض، يدخل فيما لم يعلم به الميت من المال، وهو نص قوله في
رواية عيسى عنه في المدنية خلاف قوله في المدونة: أن المدبر في الصحة هو
الذي يدخل فيما لم يعلم به الميت من المال، وقوله: فإنه يعتق فيما علم،
وفيما لم يعلم، يريد بعد إخراج الدين مما علم، وكذلك في رسم جاع من سماع
عيسى، من كتاب الديات، فعلى ما قاله في المسألة، من أنه مات عن مائة، وعليه
دين مائة، لا يعتق المدبر كله إلا في المال الطارئ، وإنما يعتق فيما علم
وفيما لم يعلم، إذا بقي من المال الذي علم به بعد إخراج الدين بقية.
مثال ذلك أن يترك مدبرا قيمته ثلاثون، وسبعين دينارا، وعليه دين ثمانون
دينارا، ويوصي بوصايا، ويطرأ له بعد موته عشرون دينارا، فتخرج الثمانون
دينار التي عليه دينا من جملة التركة، وهي مائة، ويعتق المدبر في العشرين
التي علم بها، وهي الباقية من التركة بعد الدين، وفي العشرين الطارئة،
فيفضل من العشرين التي علم بها خمسة الدنانير تكون لأهل الوصايا، ويبطل مما
سوى ذلك من الوصايا، وتكون الخمسة دنانير الباقية من العشرين الطارئة
للورثة، ولا يكون فيها لأهل الوصايا حق، وبالله التوفيق.
(13/159)
[: أوصى لرجل
باثني عشر دينارا هي له عليه دين]
ومن كتاب النسمة قال ابن القاسم في رجل أوصى لرجل باثني عشر دينارا هي له
عليه دين، وهو معدم، وأوصى لرجل آخر باثني عشر دينارا عينا تركها، ولا مال
له غير ذلك، ولم يجز الورثة إلا الثلث، قال ابن القاسم: يخرج ثلث الاثني
عشر العين، وهي أربعة، لأهل الوصايا، ويكون ثلثاها للورثة، ثم ينظر كم قيمة
الاثني عشر الدين التي أوصى بها للذي هي عليه، فينظر كم قيمتها الساعة لو
بيعت؟ فإن كانت قيمتها أربعة، ضرب الذي أوصى له بالاثني عشر التي عليه
بأربعة؛ لأنها كأنها وصيته التي أوصى له بها، وضرب الذي أوصي له بالاثني
عشر العين، باثني عشر سهما في هذه الأربعة التي هي ثلث عشر العين، فما صار
للذي ضرب بالاثني عشر أخذه، وما صار للذي ضرب بالأربعة أخذ منه؛ لأنه من
كان عليه دين فوجد له مال، أخذ منه، فيؤخذ منه فيوقف ويطرح عنه مثله من
الذين عليه، ثم يرجع إلى ثلث الاثني عشر الدين، فيعاد فيها بالضرب كما صنع
في الأولى سواء، يضرب الذي هي عليه بأربعة، ويضرب الذي أوصى له بالاثني عشر
العين، باثني عشر سهما، يضربون بذلك في ثلثها وثلثاها للورثة، فثلثها
أربعة، فيصير لصاحب الاثني عشر ثلاثة، ولصاحب الأربعة واحد، فما صار له من
المحاصة طرح عنه من الدين الذي هو عليه، وهو دينار صار له، فيطرح دينار من
الاثني عشر التي عليه، ويطرح آخر مكان الدينار الذي صار له في العين في
المحاصة، فأخذ منه، فيبقى عليه عشرة، ثم يرجع الورثة، والذي أوصى له بالعين
النقد، إلى هذا الدينار الذي وقف فتحاصون فيه، يضرب الورثة فيه بقدر
مواريثهم، وهو ثمانية
(13/160)
أسهم، ويضرب الموصى له بالنقد بثلاثة أسهم،
وهو الذي يصير في المحاصة، ولا يضرب الموصي له بالدين الذي عليه معهم فيه
بشيء؛ لأنه قد ضرب مرة، وحاص وإنما هذا شيء صار له في المحاصة، فأخذ منه في
الدين الذي عليه، ثم ما اقتضى من العشرة الدين التي تبقى عليه فعلوا فيها
مثل ذلك سواء، يضرب بما بقي لهم الورثة من الدين، والذي أوصى له بالنقد بما
بقي له على ذلك، يقتسمون ما اقتضوا من شيء، فعلى ذلك يقسم، ولا يدخل الذي
عليه الدين معهم في شيء من ذلك.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة صحيحة إذا تدبرت، وقد لحظها ابن أبي زيد
في النوادر وقربها، فقال: يتحاصان في ثلث العين والدين، فإن كانت قيمة
الاثني عشر الدين أربعة حاص بأربعة، والآخر باثني عشر، فلهذا ربع الثلث،
ولهذا ثلاثة أرباعه، فيزول عنه ديناران، ويبقى عليه عشرة، فدينار سقط مما
عليه، ودينار نابه من العين، أخذ منه، فيتحاص في هذا الدينار، الورثة
والموصى له بالعين، على أحد عشر جزءا فلهذا ثلاثة، ولهم ثمانية، فعلى هذا
يعمل لكل ما يقتضي من الآخر، ومذهب ابن كنانة أنه يحاص في الدين بالتسمية
لا بالقيمة الذي أوصى بذلك لغير الغريم، أو أوصى به الغريم وهو عديم، كمن
اشترى شقصا بثمن غال، فإنما يأخذه الشفيع بجميع الثمن، ومذهب ابن القاسم
أنه يحاص بقيمة الدين شائعا في جميع مال الميت، وإن لم يكن عليه دين، إذا
كان معدما، وفي المجموعة لابن القاسم: إن الدين الموصى به يقوم، وإن كان
على مليء، فيتخرج في المسألة ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنه ينظر إلى قيمة
الخمسين التي أوصى له بها، وهي عليه، فإن حملها الثلث نفذت له الوصية، وإن
لم يحملها كان الورثة بالخيار، بين أن يخيروا له الوصية، وبين أن يقطعوا له
بالثلث كاملا شائعا في جميع مال الميت، كان مليا أو معدما، وهو قول ابن
(13/161)
كنانة، وقد حكاه ابن المواز عن مالك
وأصحابه. والثاني: أن للورثة أن يقطعوا له بالثلاثين التي هي الثلث في
الخمسين التي عليه، ولا يقوم، مليا كان أو معدما، وهو ظاهر قوله في هذه
الرواية. والثالث: الفرق في ذلك بين أن يكون مليا أو معدما. ولو كان الدين
مؤجلا، لم يختلف وجوب تقويمه، ولا في أنه ليس للورثة أن يقطعوا له بالثلث
في عدده، بمنزلة إذا كان عليه دين، وبالله التوفيق.
[: أوصى بعتق عبد له قيمته اثنا عشر دينارا]
ومن كتاب الرهون مسألة قال: وقال ابن القاسم في رجل توفى، وأوصى بعتق عبد
له قيمته اثنا عشر دينارا، وأوصى لامرأته باثني عشر دينارا دينا له عليها،
ولا مال له غير ذلك، وامرأته معدمة، وترك ابنه وامرأته. قال ابن القاسم:
يعتق من العبد ثلثه قبل كل شيء؛ لأن العتق يبدأ على ما كان معه من الوصايا،
ويبقى ثلثاه، وهي ثمانية أسهم، فللمرأة من ذلك الثمن وهو واحد، فيؤخذ هذا
الواحد منها فيما عليها من الدين، فيعتق من العبد أيضا ثلث هذا السهم،
ويبقى ثلثا السهم ميراثا بين المرأة والابن، فللمرأة من ذلك الثمن، ثمن
ثلثي ذلك السهم، وللابن ما بقي، ويؤخذ أيضا من المرأة ثمن ثلثي السهم الذي
صار لها من ثمنها فيما عليها من الدين، فيتحاصون فيه، العبد والوارث بقدر
حقوقهما التي بقيت لهما على المرأة، وينقطع حق المرأة منه هاهنا؛ لأنها قد
أخذت ثمنها مرة، وإنما هذا شيء أخذ منها فيما عليها من الدين.
(13/162)
قال محمد بن رشد: هذه مسألة دقيقة، من أجل
أن الدين الذي على المرأة لها منه ثمنه بالميراث، وما يجب لها من ثلثي
العبد إذا أعتق ثلثه، وهو ثمنه نصف سدس جميعه على ما ذكر من أن قيمته اثني
عشر، تؤخذ منها في الدين، فيعتق ثلثه، ويكون لها من ثلثه الثمن بالميراث،
فيؤخذ منها ذلك الثمن، فيكون بين العبد والابن على قدر ما بقي لهما من
حقوقهما على المرأة، والذي بقي للعبد على المرأة من حقه ثلث وسبعة أثمان،
وثلثا ثمن.
والذي بقي للابن عليها ستة وثلث ثمن، وذلك أن العبد يقول: وجب لي أن يعتق
مني الثلثان بثمانية؛ لأن جملة المال أربعة وعشرون، ولم يعتق مني السدسان،
وربع السدس بأربعة، وثلث الثمن، فيبقى لي من حقي ثلثه وسبعة أثمان وثلثا
ثمن، والابن يقول: وجب لي أربعة عشر؛ لأن جميع المال أربعة وعشرون، يعتق
منه ثلثا العبد بثمانية، يبقى ستة عشر، يجب للزوجة منها اثنان، ولي أربعة
عشر، يبدأ منها فيما بقي لي من العبد سبعة، وسبعة أثمان وثلث ثمن، فيبقى لي
من حقي ستة وثلث ثمن، فعلى هذه التجربة يقتسم العبد والابن ذلك الثمن، فما
ناب العبد منه عتق زائدا إلى ما كان أعتق منه، وما ناب الابن منه بقي له
رقيقا، وكذلك يقتسمان على هذه التجربة، كلما أفادت المرأة من مال، فما ناب
العبد من ذلك عتق منه على الابن بقدره، حتى يستوفيا حقوقهما، فيكون قد عتق
من العبد ثلثاه، وبقي للابن ثلثه، وصار إليه مما على الزوجة عشرة دنانير،
وبقي لها مما عليها ديناران، وهما الواجبان لها، وإنما قال: إنه يعتق من
العبد ثلثه معجلا، من أجل أن المرأة عديمة لا يرجى لها مال، ولو كان يرجى
لها مال؛ لوجب أن يوقف، ولا يعجل عتق شيء منه حتى يستوفى الدين منها، فيعتق
منه ثلث الجميع على ما قاله في المدونة في الذي يوصي بعتق عبد، وله مال
حاضر، ومال غائب: إنه يوقف، ولا يعتق منه شيء حتى يستوفى المال الغائب، إلا
أن يطول الأمر، فيدخل في ذلك ضرر على الموصي والموصى له، وعلى ما يأتي أيضا
في رسم الجواب بعد هذا، وفي
(13/163)
العشرة لابن القاسم وأشهب، يرى أنه يعتق
منه كما حمل المال الحاضر معجلا، ولا ينتظر المال الغائب، وإن قرب أمره،
فكلما حضر منه شيء زيد في عتقه بقدر ثلثه. والقول بالتوفيق حتى يجتمع المال
أقيس؛ لأنه إذا أعتق ثلثه ومبلغ ثلث المال الحاضر، فقد أخذ أكثر من ثلثه؛
لأنه أخذ ثلث المال الحاضر، وصار باقي العبد موقفا على الورثة، وبالله
التوفيق.
[مسألة: توفي وأوصى لرجل بخمسين دينارا له عليه
وترك مالا ناضا والثلث ثلاثون]
مسألة قال ابن القاسم في رجل توفي وأوصى لرجل بخمسين دينارا له عليه، وترك
مالا ناضا، والثلث ثلاثون، فقال الورثة: نحن نقطع له بالثلث فيما عليه من
الدين. قال ابن القاسم: ذلك لهم، إلا أن يكون على الموصى له دين، فإن كان
عليه دين، خير الورثة بين أن يجيزوا ما أوصى له به، فإن فعلوا فليس للموصى
له إلا ذلك، وإن أبوا قطعوا له بالثلث، مما عليه، وثلث الناض؛ لأن الغرماء
يدخلون فيه يحاصونه، ويدخل معهم الورثة فيما بقي لهم عليه.
قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في هذه المسألة: إن للورثة أن يعطوا
للموصى له بالخمسين، التي عليه بالثلاثين، التي عن الثلث، إلا أن يكون عليه
دين، ظاهره وإن كان معدما بالخمسين إذا لم يكن عليه دين، وذلك معارض لقوله
في أول مسألة من الرسم في الذي أوصى لرجل باثني عشر دينارا له عليه، وهو
معدم: إنه يحاص بقيمته لا بعدده، وعلى خلاف أصله فيها؛ لأنه حكم فيها للدين
على المعدم، بحكم العرض، فالذي يأتي على قياس قوله هذا في هذه المسألة أن
يكون الورثة بالخيار، بين أن يجيزوا له الوصية بالخمسين ويقطعوا له بالثلث.
(13/164)
[مسألة: أوصى
بعتق غلام لولد له صغار]
مسألة وعن رجل أوصى بعتق غلام لولد له صغار؛ أنه إن كان له مال جاز عتقه
عنه بالقيمة في ثلثه، وأعطى ولده القيمة، فإن لم يكن له مال، لم يجز عتقه.
قال ابن القاسم: وإنه إن سمى له ثمنا يشتري به من ولده، لم يجز من ذلك إلا
القيمة أيضا، ولم يكن ينظر إلى ما سمى.
قال محمد بن رشد: مثل هذا في رسم الكبش من سماع يحيى، من كتاب الصدقات
والهبات؛ أن الوالد إذا أوصى بعتاقة عبد ابنه الصغير، أو بتل عتقه؛ جاز ذلك
على الابن، إذا كان للأب مال، وأعطى الولد قيمة عبده، ولا أحفظه في هذا
اختلافا من قول ابن القاسم؛ لأن الوصية بعتق عبد ابنه الصغير كعتقه سواء،
إن حمله الثلث جاز، وكانت له قيمته في مال الأب، وكذلك ما حمل الثلث منه،
وإن لم يحمل جميعه.
وقوله: إنه إن سمى له ثمنا يشترى له به من ولده، لم يجز من ذلك إلا القيمة
أيضا صحيح بين؛ لأنه إذا سمى أكثر من قيمته كان الزائد على قيمته وصية له،
والوصية للوارث لا تجوز، وإن سمى أقل من قيمته، لم يكن ذلك له؛ إذ ليس للأب
أن يأخذ مال ابنه الصغير. وقد مضى في رسم استأذن، من سماع عيسى، من كتاب
الصدقات والهبات حكم صنيع الأب في مال ابنه الصغير من عتق أو هبة أو صدقة
أو تزويج مستوفى، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.
[مسألة: تحضره الوفاة فيقول خذ من عبدي فلانا
مائة دينار ثم هو حر]
مسألة وعن الرجل تحضره الوفاة فيقول للرجل: خذ من عبدي فلانا مائة دينار،
ثم هو حر، أتنجم عليه؟ قال: لا أرى أن تنجم عليه، ولكن تؤخذ منه جميعا، إلا
أن يكون أمر أن تنجم عليه.
(13/165)
قال محمد بن رشد: قال في هذه الرواية: إذا
قال خذوا من عبدي كذا وكذا وهو حر؛ أنها لا تنجم عليه، وفي العتق الثاني من
المدونة إذا قال لأمته: أدي إلى ورثتي ألف دينار وأنت حرة؛ أنها تنجم
عليها، كما تنجم الكتابة، فقيل: إن ذلك اختلاف من القول، وقيل: إنه فرق بين
اللفظين وهو الأولى من التأويلين، وإنما ينفذ ذلك من وصيته إذا حمل العبد
الثلث، فإن لم يحمله الثلث، فالورثة مخيرون، بين أن يجيزوا له الوصية، أو
يعتقوا منه ما حمل الثلث بتلا، ويقر ماله بيده، ولم يتكلم في الرواية هل
يلزم العبد ذلك ويجبر عليه إن أباه أم لا؟ ويتخرج ذلك على الاختلاف في هل
للسيد أن يجبر عبده على الكتابة أم لا؟ والقولان قائمان من المدونة ولو
أوصى أن يؤخذ مال عبده ويعتق، لزمه ذلك إن حمله الثلث دون ماله، وبالله
التوفيق.
[: قال أعتقوا عبدي في ثلثي أو ما حمل الثلث
منهما]
ومن كتاب أوله يدير ماله قال: ومن قال: أعتقوا عبدي في ثلثي، أو ما حمل
الثلث منهما، فذلك كله سواء، يسهم بينهما، فيبدأ من خرج سهمه.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله: إنه إذا أوصى بعتق عبده، فلا فرق
بين أن يقول أو ما حمل الثلث منهما، أو يسكت عن ذلك؛ لأنه المعلوم من قصده
وإرادته؛ إذ ليس له سواه لو قال: أعتقوهما، حملهما الثلث، أو لم يحملهما لم
ينفذ له ذلك له على الورثة، إلا أن يشاءوا، فإذا لم حملهما الثلث، فإنه
يعتق منهما ما حمله الثلث بالقرعة، كان أحدهما كاملا أو أحدهما وبعض الآخر،
أو بعض أحدهما.
وابن كنانة يقول: إنما يسهم بينهما إذا لم يقل: أو ما حمل الثلث منهما،
وأما إذا قال: أعتقوهما في ثلثي أو ما حمل الثلث منهما، فقد أراد بقوله: أو
ما حمل الثلث منهما لا يحيطهما
(13/166)
جميعا العتق، فهما يتحاصان في ثلث ماله.
ولقوله وجه. وقول ابن القاسم أظهر.
[: رجل يموت عن الزرع حين ينبت وقد أوصى بوصايا]
ومن كتاب الجواب وسألته عن رجل يموت عن الزرع حين ينبت، وقد أوصى بوصايا،
وضاق الثلث عنها، هل لأهل الوصايا في الزرع شيء؟ وكيف إن كان لهم في الزرع
شيء؟ هل يوقف الرقيق إلى استحصاد الزرع؟ قال ابن القاسم: نعم، وصاياهم في
الزرع، وفي كل ما ترك الميت من ثمرة صغيرة أو زرع صغير، فإن كانت الوصايا،
إنما هي وصايا مال لم يوقف الرقيق ويبعث، وكان لأهل الوصايا ثلث ما نص،
واستوفي بالزرع حتى يصلح، فيباع، فيكون لهم ثلثه، وإن كان في الوصايا عتق،
أو أوصى ببعض الرقيق لأحد لم يبع الدين أوصى فيهم، ووفقوا حتى يحل بيع
الزرع، فيباع، ولم يقسم شيء من المال، لا ثلث ولا غيره، حتى يستحصد الزرع
فيباع، إلا أن يخير الورثة الوصايا بذلك، فيقتسمون بقية المال، ويوقفون
الزرع حتى يحل بيعه فيبيعونه، وإن أوصى بعتق الرقيق كلهم لم يعتق منهم أحد
حتى يحل بيع الزرع ويباع ويعتق منهم ما حمل الثلث، ويرق ما بقي فيباع. وفي
سماع أصبغ، من كتاب الوصايا، عن ابن القاسم مثله. وقاله أصبغ، إلا أن يطول
أمر الزرع، ويكون ذلك في أول بذره، وازدراعه، ويتأخر حصاده وبلوغه الأشهر
الكثيرة، وفي ذلك عطب الحيوان، والضرر على العبيد، فأرى أن يترك الزرع
كالمال الغائب الذي لا يجمع بفور ذلك، فأرى أن يعتق منه ما
(13/167)
حمل الثلث معجلا.
قال محمد بن رشد: قوله: إن الوصايا في الزرع في كل ما ترك الميت من ثمرة
صغيرة أو زرع صغير، وإن الوصايا إن كانت وصايا ما لم يوقف الرقيق وبيعت،
وكان لأهل الوصايا ثلث ما نص، واستوفي بالزرع حتى يصلح فيباع، فيكون لهم
ثلثه، بين لا إشكال فيه.
وأما قوله: وإن كان في الوصايا عتق، وأوصى ببعض الرقيق لأحد، لم يبع الذين
أوصى فيهم، ووقفوا حتى يحل بيع الزرع فيباع؛ فمعناه في الذي أوصى ببعض
الرقيق لأحد، إذا دعاه الذي أوصى له بهم إلى توقيفهم حتى يصلح الزرع فيباع.
وأما إن دعا إلى بيعهم، وأخذ ما حمل ثلث المال الحاضر منهم، فلا اختلاف في
أن ذلك له، بخلاف الوصية بعتق الرقيق، فقال في هذه الرواية: إنهم يوقفون
حتى يحل بيع الزرع، ولا اختلاف في ذلك عندي، وإن دعا العبيد إلى أن يعتق
منهم ما حمل الحاضر، ويوقف الباقي إلى أن يحضر، ورضي بذلك الورثة من أجل
الغرر في تكرير القرعة فيهم مرة بعد أخرى، وإن كان عبدا واحدا، فمذهب ابن
القاسم وروايته عن مالك في المدونة أنه يوقف ولا يعتق منه شيء حتى يحضر
المال الغائب، قال ابن القاسم: وإن دعا العبد إلى أن يعتق منه ما حمل الثلث
منه من المال الحاضر مخافة أن يتلف، فإن جاء المال الغائب استتم عتقه فيه،
أو زيد في عتقه بمقدار ما بلغ ثلثه، لم يكن ذلك له، يريد: إلا برضا الورثة؛
لأن الميت يكون إذا فعل ذلك، قد أخذ أكثر من ثلث المال الحاضر؛ لأنه يعتق
ثلثه فيه، ويوقف باقيه، وأشهب يرى أن يعتق منه مبلغ الحاضر، يوقف باقي
العبد، فكلما حضر شيء من الغائب زيد في عتقه، ولو لم يكن إلا العبد وحده
عتق ثلثه ووقف باقيه.
وقول ابن القاسم أظهر؛ لأن الحجة في ذلك للورثة بينة. وقول أصبغ: إلا أن
يكون
(13/168)
ذلك في أول ازدراع الزرع، فيطول الأمر،
ويخاف في ذلك الضرر على العبيد بعطب الحيوان وما أشبه ذلك؛ مفسر لقول ابن
القاسم؛ إذ هو نص قوله في المدونة: إلا أن يكون في ذلك ضرر على الموصي
والموصى له، ومثله أيضا في التفسير لابن القاسم؛ أنه إن كانت الديون بعيدة
الآجال، والمال الغائب في بلد بعيد، لا يصل إلا بعد طول زمان، فإنه يعتق
منه ثلث ما فضل، فإذا جاء المال الغائب، أو حل أجل المؤجل فاقتضى، أعتق منه
مبلغ ثلث جميع ذلك. وقد وقع في رسم جاع فباع امرأته، من سماع عيسى، من كتاب
المدبر؛ أن الدين إذا كان إلى الأجل البعيد؛ العشرة الأعوام ونحوها، أنه
يباع بعرض إن كان عينا، أو بعين إن كان عرضا، ويعتق المدبر في ثلثه أو ما
حمل الثلث منه، وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله عز وجل.
[مسألة: يعتق عند الموت أو يكون له مدبرون
فيموت]
مسألة وسألته عن الرجل يعتق عند الموت، أو يكون له مدبرون فيموت، فيقول
الورثة: قوموا علينا ما ترك الميت من عقار أو غير ذلك، ولا تبيعوا علينا،
ويقول المدبرون وأهل الوصايا: بل نبيع، كأن البيع أزيد لنا في الثلث من
القيمة. قال ابن القاسم: ذلك للمدبر وأهل الوصايا يباع لهم إذا طلبوا البيع
وسخطوا القيمة، وإن دعا الورثة إلى البيع وكرهوا القيمة، فذلك لهم الذي لا
شك فيه، ولا كلام فيمن دعا إلى البيع فهو أولى، أصحاب الثلث كانوا أو
الورثة.
وأما الورثة فيما بينهم إذا ورثوا ميراثا، ثم طلب بعضهم البيع، وكره بعضهم،
فإنهم إن كان فيما ورثوا ما ينقسم، قسم بينهم، وما كان مما لا ينقسم، بيع
لمن طلب ذلك منهم، إلا أن يقاومه صاحبه، أو يأخذه بما يعطى به بمنزلة
الشريك بالاشتراء سواء، ومن كتاب
(13/169)
الوصايا من رواية أصبغ مثله عن ابن القاسم،
وقاله أصبغ في التقويم يأباه المدبر وأهل الوصايا. قال: لا أرى ذلك، إذا
أقاموا ذلك قيمة عدل على قيمة الاشتراء والبيع، فهو إنصاف، وليس على الموصي
أن تبيع لهم الأسواق، ولا على الورثة الزيادة الخاصة، وأنهم يعرضون عرضا لا
ينفذ ولا يتمم، فالقيمة في جميع ذلك عدل لهم.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها في رسم الوصايا، من سماع
أشهب، وبينا أنه يتحصل فيها خمسة أقوال، فلا معنى لإعادة ذلك، وبالله
التوفيق.
[مسألة: يكون له مدبرون ويعتق عند الموت]
مسألة وسألته عن الرجل يكون له مدبرون، ويعتق عند الموت، ويقول في جنان له،
أو في شيء من ماله لورثته: امضوا هذا لابني فلان، أو لابنتي فلانة، وهما
وارثان فيفعلون، والثلث يضيق عن العتق والوصايا، من أين يكون الجنان، والذي
سمى للوارث، أمن سهام الذين أمضوا أم من رأس المال أم من الثلث؟ قال ابن
القاسم: إن كانت الجنان، والذي سمى شيء زعم أنه لابنه عنده أو في يديه، أو
دينا لهما عليه بدى به، وخرج من رأس المال، ثم كانت الوصايا في ثلث ما بقي
بعده، ثم رد ذلك، بين الورثة جميعا ميراثا للتهمة في الوصية لوارث، إلا أن
يجيزه له الورثة، أو يكونوا صغارا أو سفهاء غير جائزي الأمر، أو مثل
الزوجات والبنات، ومن هو تحت يده وفي ولايته، فإن ذلك لا يجوز، وإن كانوا
كبارا مالكين أنفسهم، فأجازوه في حياة الميت، فلا مرجوع لهم فيه إذا كانوا
مالكين لأنفسهم باثنين عنه، والدين إذا أقر به في مرضه، فهو
(13/170)
من رأس المال قبل كل شيء، كان لوارث أو
لغير وارث؛ لأنه إنما أراد أن تكون الوصايا في ثلث ما بعده، وإن كان إنما
هي وصية أوصى له بها في مسألتك، فهو من الثلث، والعتق مبدأ عليه وعلى غيره
من الوصايا، ثم يتحاص هو وأهل الوصايا في بقية الثلث بعد العتق، فإن كان
الورثة قد أجازوا ذلك كله، وأمضوه في حياة الموصي، كان عليهم تمامه من
مواريثهم، كما أجازوا، وأسلم له كله إذا كانوا مالكين لأمورهم، ولم يكن
الذين أجازوا بحال ما وصفت لك من الزوجات والبنات، ومن هو في ولايته وتحت
يده، وإن لم يكونوا أجازوا ذلك له، ولا أمضوه في حياة الموصي ولا بعد ذلك،
فما صار للوارث الموصى له في المحاصة من الثلث، فهو مردود عليهم على
الفرائض، إلا أن يشاءوا أن يسلموا ذلك له، ومن شاء منهم أجازه، ومن شاء لم
يجزه، ورواها أصبغ.
قال محمد بن رشد: سأله عن الذي يكون له مدبرون، ويعتق عند الموت، يريد على
سبيل الوصية، ويقول في جنان أو في شيء من ماله لورثته: امضوا هذا لابني،
فيفعلون، يريد في حياته، بأن يقولوا له: قد أمضيناه له، بدليل قوله: إنه لا
يلزمهم إمضاء ذلك إن كانوا صغارا أو سفهاء، أو مثل الزوجات والبنات اللاتي
لم يبن عنه؛ إذ لو أمضوا ذلك له بعد موته، للزمهم إذا كانوا مالكين لأمرهم،
وإن كانوا بناته وزوجاته لم يبينوا عنه، فقال: إنه إن كان قال في الجنان
وما أشبهه أن يمضوه لابنه على سبيل الإقرار له به؛ أنه حقه، أخرج ذلك من
رأس المال، وكانت الوصايا والعتق في ثلث ما بقي بعده، ولم يتكلم على
المدبرين، والحكم فيهم إن كانوا مدبرين في الصحة أن يخرجوا من رأس المال
قبل الجنان الذي أوصى به في مرضه على سبيل الإقرار له به أنه حقه؛ إذ ليس
له أن يرجع على المدبر، وكذلك روى عن ابن القاسم فيمن مرض، وله مدبر في
الصحة، فقال في
(13/171)
مرضه: قد كنت أعتقت عبدي فلانا في صحتي
لعبد له آخر؛ أنه يعتق المدبر في ثمن العبد وغيره، ولا يضر المدبر ما ذكر
من عتق العبد في الصحة قال: وليس المدبر هنا بمنزلة الوصايا التي تكون في
ثلث ما بقي بعد الغلام؛ لأنه يتهم على المدبر في انتقاصه، فلا يقبل قوله.
فكذلك، كل من يقدر يرجع فيه فهو مثل المدبر.
قال محمد بن رشد: والذي هو مثل المدبر في الصحة؛ أنه لا يجوز له أن يرجع
فيه المدبر في المرض باتفاق، والمبتل في المرض على اختلاف؛ إذ قد نص في رسم
أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم، من كتاب الحبس؛ أن للرجل أن يرجع في
مرضه عما حبسه في مرضه، وقد مضى الكلام على ذلك هنالك.
وقوله في الرواية: وإن كان إنما هي وصية أوصى له بها في مسألتك إلى آخر
قوله، إشارة منه إلى قوله في الجنان وما أشبهه من ماله أمضوه لابني؛ أنه إن
كان قال ذلك على سبيل الوصية، كان الحكم فيه ما ذكره من أنه يتحاص هو وأهل
الوصايا في بقية الثلث بعد العتق، وأما قوله: فإن كان الورثة قد أجازوا ذلك
كله وأمضوه في حياة الموصي، كان عليهم تمامه من مواريثهم كما أجازوا، وأسلم
له كله.
فمعنى ذلك عندي، إذا كان قد أعلمهم بالوصايا، فقال لهم: إني قد أوصيت بكذا
وكذا، وأوصيت بالجنان لابني، فأمضوه له، فقالوا له: قد أمضيناه له، وهم على
تلك الحال من ملكهم لأمر أنفسهم، والبينونة بها، وأما إن لم يعلمهم
بالوصايا، وإنما سألهم أن يمضوا الجنان لابنه على سبيل العطية والوصية،
ففعلوا، فليس عليهم ضمان ما انتقصه منه أهل الوصايا؛ لأن ذلك كالاستحقاق
لبعض ما أوصى له به، فلا يلزم الورثة ضمانه على ما قاله في كتاب الزكاة
الثاني من المدونة، في الذي يوصي بزكاة زرعه، وهو أخضر؛ أن
(13/172)
للمصدق أن يأخذ منه الزكاة إن كان فيه ما
تجب فيه الزكاة، ولا يكون للمساكين الرجوع على الورثة بما أخذه المصدق؛ لأن
ذلك كالاستحقاق لبعض ما أوصى لهم، وبالله التوفيق.
[: يوصي للرجل بعشرة ولآخر بعشرة ويوصي بعتق
عبد له آخر]
ومن كتاب إن أمكنتني وسألت ابن القاسم عن الذي يوصي للرجل بعشرة، ولآخر
بعشرة، ويوصي بعتق عبد له آخر، أو يوصي بالعبد لرجل، ويوصي لرجل ببقية
الثلث، فيموت العبد قبل أن يعرف ثلث الميت، قال: ينظر كم ثلث الميت بقيمة
العبد؟ فإن كان ثلثه مثل قيمة العبد، والعشرون وصيه للرجلين هو الثلث، لم
تزد ولم تنقص، أخذ الرجلان وصيتهما العشرين، ولم يكن للذي أوصى له ببقية
الثلث شيء، وإن فضل من الثلث شيء بعد قيمة الغلام الهالك، وبعد العشرين،
كان للذي أوصى له، ولم يكن ثلثه إلا قيمة العبد سواء رجع صاحبا العشرين إلى
ثلث المال الذي بقي بعد قيمة العبد، فأخذا منه وصيتهما إن حملها الثلث، أو
ما حمل منها، وكان العبد كشيء لم يكن له في مال، ولم يكن للذي أوصى له
ببقية الثلث شيء، فعلى هذا فقس ما يرد عليك من هذا الوجه، فليس تنظر في
قيمة العبد الهالك للذي أوصى له ببقية الثلث، ليعلم بذلك مبلغ وصيته، كأن
وصيته إنما كانت بعد العبد، ولو لم يوص ببقية الثلث؛ لكان العبد ملغى من
جميع المال، وردت الوصايا في ثلث المال.
(13/173)
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة
المعنى على ما تقدم في رسم أسلم وغيره، فلا اختلاف فيها. وقد قال مالك في
كتاب ابن المواز في وجه العمل فيها: أن يأخذ أهل التسمية ما سمي لهم من ثلث
ما بقي بعد العبد، كأنه لم يكن، ثم يحيي العبد الميت بالذكر، فتضم قيمته
إلى ما ترك الميت، ثم يخرج من ثلث الجميع العبد والوصايا، فإن بقي بعد ذلك
من الثلث شيء، كان لصاحبه باقي الثلث، وإلا فلا شيء له، وهو صحيح على ما
قاله ابن القاسم في الرواية، وبالله التوفيق.
[: أوصى في أمة له أن تباع إن أحبت البيع]
ومن كتاب القطعان وسئل ابن القاسم عن رجل أوصى في أمة له أن تباع إن أحبت
البيع، أو تعتق إن أحبت العتق، فاختارت البيع، فبيعت ثم ردت، فقالت: أنا
أحب أن أعتق الآن. فقال: ليس ذلك لها، وإنما لها أن تعتق ما لم تبع. وقال
ابن وهب: ذلك لها ينفذ.
قال أبو زيد: قلت لابن القاسم: فإن أرادت البيع، هل يوضع لمن أحبت أن
يشتريها شيء من ثمنها إذا أرادت البيع؟ قال: لا، ولا درهم واحد.
قال محمد بن رشد: قوله: ثم ردت، معناه: ردت بعيب، فجواب ابن القاسم: إن
الرد بالعيب ابتداء بيع، وجواب ابن وهب على أنه نقض بيع، وهو أصل قد اختلف
فيه قول ابن القاسم وأشهب، فالمشهور من قول ابن القاسم في المدونة وغيرها
أنه ابتداء بيع، وقد روي عنه أنه نقض بيع، فجوابه في هذه المسألة على
المشهور عنه من أنه ابتداء بيع، وقد اختلف في ذلك قول أشهب، فجواب ابن وهب
في هذه المسألة على المشهور من قول أشهب، وأحد قولي ابن القاسم، من أنه نقض
بيع، ولو
(13/174)
بدا لها قبل البيع فاختارت العتق؛ لكان ذلك
عندهما جميعا، بدليل هذه الرواية، وهو نص قول ابن القاسم في أول سماع
سحنون، وفي أول سماع أصبغ أيضا، وزاد فيه، وأرى ألا يعجل بيعها حتى يردد
عليها مرة بعد مرة، فإن أبت بيعت، وإن قبلت بعد أن كرهت، فذلك لها، ما لم
يمض فيها حكم بيع أو قسمة بعد أن ردد الأمر عليها ولم تقبل، ورضيت بالبيع
فبيعت أو قسمت، وأما قوله في الرواية: إنه لا يوضع لمن أحب أن يشتريها شيء
من ثمنها، فهو صحيح لا اختلاف فيه؛ إذ لم يوص أن تباع من رجل بعينه، فيكون
ذلك وصية له، ولا ممن أحبت، فتكون وصية لمن أحبت أن تباع منه، وبالله
التوفيق.
[مسألة: أوصى عند موته فكلم في رجل فقال قد
أوصيت له]
مسألة وسئل ابن القاسم عن رجل أوصى عند موته، فكلم في رجل، فقال: قد أوصيت
له، أو قال: قد كنت أوصيت له كذا وكذا. هل يثبت ذلك له، وإن لم يقل:
فأعطوه؟ قال: نعم؛ لأنها وصية.
قال محمد بن رشد: أما إذا قال: قد أوصيت له فبين أنها وصية، وإن لم يقل
أعطوه؛ لأنه لو قال ذلك ابتداء من غير أن يكلم فيه؛ لكانت وصية، وإن لم يقل
أعطوه؛ لأنه مفهوم من قوله، وإن لم يلفظ به، وأما إذا قال: كنت أوصيت له
بكذا وكذا، فإنما رآها وصية له، لما دل عليه من تكليمهم إياه فيه؛ لأن
المعنى فيه؛ أني قد كنت أوصيت له قبل أن تكلموني فيه، لاهتمامي بأمره، ولو
قال ابتداء: قد كنت أوصيت لفلان بكذا وكذا لما كانت وصية له؛ لأن المفهوم
من قوله ذلك ابتداء: قد كنت فعلته، وأنا اليوم لا أفعله، وبالله التوفيق.
[: يقول اشتروا عبد فلان بستين دينارا فأعتقوه]
ومن كتاب أوله باع شاة واستثنى جلدها وسألت ابن القاسم عن الرجل يقول:
اشتروا عبد فلان، بستين دينارا، فأعتقوه وأعطوا العبد عشرين دينارا، فلا
يريد سيده أن يبعه
(13/175)
بأدنى من ثمانين، فيقول العبد: اجعلوا
العشرين التي أوصى لي بها سيدي في ثمني، واشتروني وأعتقوني، قال ابن
القاسم: لا يعجبني ذلك أن يزاد العشرين؛ لأن سيده لم يرد أن يكون في ثمنه،
ولعله إنما أراد أن يكفيه ويعالج بها، ولا يكون عديما يسأل الناس، ولكن لو
أن العبد أداها من مال هو بيده، لم أر به بأسا قال: ولو وقع أمضيته، ولم
أرده، ولم يكن للعبد حجة يرجع بها.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ماله من أن ذلك لا ينبغي أن يفعل ابتداء
للعلة التي ذكرها مما يخشى أن يكون السيد أراده، فإذا وقع ذلك ونفذ العتق،
لم يصح أن يرد؛ إذ لا يتحقق إرادة الموصي لذلك تحققا يصرح أن يجعل ذلك
كالشرط، ولعل للعبد المال الكثير، أو إنما يعيش من صنعة له يحاولها بيده،
ولو لم يقبل العبد العشرين، لوجب أن يرد إلى الورثة، ولم يكن ذلك مما يمنعه
العتق، فكذلك إذا رضي أن يجعل في ثمنه، ففعل ذلك، ونفذ العتق له لم يصح
رده، وبالله التوفيق.
[مسألة: يقول في وصيته رقيقي أحرار]
مسألة وعن الرجل يقول في وصيته: رقيقي أحرار، فيبيعهم ويشتري غيرهم، فيموت،
والوصية كما هي، أو يقول: عبدي حر، ولا يسميه وليس له إلا عبد واحد، فيبيعه
ويشتري غيره، أو يقول: عبدي النوبي حر، فيبيعه ويشتري نوبيا آخر، أو يقول:
عبدي الصقلبي حر، فيبيعه ويشتري صقلبيا آخر، فيموت والوصية على حالها، هل
يعتق من مات عنه في هذا كله؟ قال ابن القاسم: أما من قال: رقيقي أحرار
فباعهم واشترى غيرهم، فإنهم يعتقون، ومن قال: عبدي النوبي أو الصقلبي، فباع
في ذلك كله، واشترى عبدا غيره، أو اشترى عبدا نوبيا أو صقلبيا، لم يعتق
منهم أحد، وما
(13/176)
يبين ذلك لك في الذي قال رقيقي أحرار؛ أنهم
يعتقون إذا باعهم واشترى غيرهم، أنه لو لم يبعهم واشترى غيرهم معهم عتقوا
كلهم، وإن الذي قال: عبدي النوبي أو عبدي الصقلبي، أو عبدي ثم اشترى عبدا
غير عبده، أو نوبيا أو صقلبيا لم يعتق إلا أولئك الذين أراد، وكذلك إذا
باعهم، فإنما العتق فيهم.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في آخر رسم الأقضية
الثاني، من سماع أشهب، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.
[مسألة: يهلك وله ثلاثة أعبد وقد أوصى بعتق
اثنين]
مسألة وسئل عن الذي يهلك وله ثلاثة أعبد، يشهد شاهدان أنه أعتق اثنين منهم
يعرفانهما في وصيته، فلم يحمل الثلث إلا واحدا قال ابن القاسم: يسهم بينهم،
فمن خرج سهمه عتق إن حمله الثلث، أو ما حمل الثلث منه. قلت: فلو قال أحد
ورثته للعبد الثالث: قد أوصى أبي بعتق هذا، ثم ملكه، قال ابن القاسم: يسهم
على تسميتهم ثلاثتهم، فإن خرج سهمه نظر في الثلث، فإن كان الثلث يحمله عتق،
أو ما حمل الثلث منه، وإن لم يخرج سهمه، فلا عتق له، ويجبر على ذلك.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة على ما في المدونة وغيرها من قول
ابن القاسم وروايته عن مالك في أن من أوصى بعتق رقيق له لا يحملهم الثلث،
يقرع بينهم، فيعتق منهم ما حمل الثلث بالقرعة، وفي أنه إذا أقر أحد الورثة
بأن الميت أوصى بعتق عبد له لا يعتق عليه حظه منه، من أجل الضرر الداخل في
ذلك على سائر الورثة، إلا أن يملكه فيعتق كله عليه إن حمله الثلث، أو ما
حمل منه، فإذا قال أحد الورثة في العبد الثالث: إن
(13/177)
أباه قد أوصى بعتقه أيضا لم يعتق عليه حظه
منه. وأسهم بين العبدين اللذين شهد الشاهدان الوصية لهما بالعتق، فأعتق ما
حمل الثلث منهما، فإن ملك الوارث بقية العبد الذي أقر أن أباه أوصى بعتقه
أيضا، وجب أن يسهم عليهم ثلاثتهم، فإن خرج السهم عليه أعتق إن حمله الثلث،
أو ما حمل الثلث منه؛ لأن هذا هو الذي كان يجب لهذا العبد لو ثبت ما أقر به
الوارث من أنه أوصى بعتق الثلاثة الأعبد جميعا.
وقد قال عيسى بن دينار من رأيه في رسم العتق من سماع عيسى، من كتاب العتق:
إنه يعتق عليه منه إذا ملكه ما كان يحمل الثلث منه مع الذي أعتق بالشهادة
أو تحاصا فيه. وقول ابن القاسم هو الصحيح، ولو كان هو الوارث وحده؛ لكان
هذا الحكم فيه يوم مات الميت؛ إذ لا يشركه فيه غيره، ولو كان الوارث مكذبا
لشهادة الشاهدين؛ لوجب أن يعتق عليه العبد كله إن حمله الثلث أو ما حمل منه
إن كان وحده، ولم يكن معه وارث غيره، أو إذا ملك جميعه إن لم يكن وحده،
وكان معه وارث غيره بعد أن يسهم بين العبدين، فيعتق منهما ما حمل الثلث
بالشهادة على ما في رسم من سماع عيسى، من كتاب العتق، وهو الصحيح في النظر،
خلاف ما يأتي بعد هذا في رسم العتق.
وقد قيل: إنه إذا أقر أحد الورثة بأن الميت أوصى بعتق عبد، يعتق عليه نصيبه
منه إن حمله الثلث، أو ما حمل منه. وهو قول عبد العزيز بن أبي سلمة في أول
سماع ابن القاسم، من كتاب الشهادات. وقيل أيضا: إنه يعتق عليه نصيبه منه،
ويقوم عليه أيضا أنصبا سائر الورثة.
وقد مضى ذكر هذا الاختلاف وتوجيه كل قول منه هناك، وبالله التوفيق.
[مسألة: يوصي بعتق عبده وبوصايا]
مسألة وسألت ابن القاسم عن الرجل يوصي بعتق عبده وبوصايا، فيوجد العبد
الثلث بعينه فيعتق، وتسقط الوصايا، ثم يستحق العبد، إما عبدا وإما حرا من
أصله، فيأخذ الورثة ثمنه من بائعه،
(13/178)
أو لا يأخذوا له ثمن، هل يرجع أهل الوصايا
بوصاياهم على الورثة؟ قال ابن القاسم: أرى أن يرجع أهل الوصايا بوصاياهم في
مال الميت، أخذ له ثمن ولم يؤخذ، وتكون وصاياهم في ثلث ما وصل إلى الورثة،
وفي ثلث ثمن العبد، قبض أو لم يقبض. وقد قال ابن القاسم: لا شيء لأهل
الوصايا في ثلث ثمن العبد، وهو كما طرأ لم يعلم به الميت.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة، والقول فيها أول رسم أسلم من هذا
السماع قبل هذا، فلا معنى لإعادته.
[: قال عند موته إن فلانا وكلني بهذه الدار
أحفظها وغلتها عليه]
ومن كتاب العتق
وسئل ابن القاسم عن رجل قال عند موته: إن فلانا وكلني بهذه الدار أحفظها
وغلتها عليه، وإني كنت جحدته ذلك، فأسلموا إليه داره وغلته من سنة كذا
وكذا. وأشهد على نفسه بهذا، ثم مات، أيكون ذلك من ثلثه؟ أم تسلم الدار ولم
يكن له غيرها؟ قال: أرى أن ينظر في ذلك، فإن كان له ولد أسلمت إليه الدار،
وإن كان لا ولد له، وإنما يورث كلالة، وكان الذي أقر له ممن يتهم عليه
بصداقة أو قرابة لا يرث بها، لم أر أن يقبل قوله، وإن كان ممن لا يتهم عليه
من الأباعد، رأيته أولى، وكان إقراره جائزا،
(13/179)
ويقبل قوله، كان عليه دين أو لم يكن، إذا
كان الإقرار يلحقه.
قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة، أن الدار التي أقر بها في مرضه
لفلان، لم يعرف أصل ملكها له، ولو كان أصلها معروفا له، لما جاز إقراره بها
لفلان في مرضه، وإن كان له ولد، على ما تقدم في آخر رسم الوصايا من سماع
أشهب، ومضى الكلام على توجيهه.
وقوله: فإن كان له ولد أسلمت الدار إليه، يريد: كان ممن يتهم عليه أو مما
لا يتهم؛ لأن الولد يرفع التهمة عنه في ذلك، وذلك إذا لم يكن عليه دين،
وأما إذا كان عليه دين يغترق ماله، فلا يجوز له الإقرار إذا كان قريبا أو
صديقا ملاطفا، وهو نص ما في كتاب الكفالة من المدونة، وقوله إذا ورث كلالة:
إنه إن كان الذي أقر له من يتهم عليه بصداقة أو قرابة لا يرث بها، لم أر أن
يقبل قوله، هو المشهور في المذهب.
وقد قيل: إن ذلك يكون في الثلث، وهو قول ابن القاسم في رسم باع شاة من سماع
عيسى، من كتاب العتق، ومثله في كتاب المكاتب من المدونة، وإن كان ممن لا
يتهم عليه من الأباعد، رأيته أولى، وكان إقراره جائزا، يريد: بالدار، وهو
صحيح بين إن لم يكن عليه دين، وأما إن كان عليه دين لا يفي به ما بقي من
ماله بعد الدار، فلا يصح إقراره بالدار على مذهب ابن القاسم، وروايته عن
مالك في المدونة في أن المريض لا يجوز له أن يقضي بعض غرمائه دون بعض،
فقوله: ويقبل قوله، كان عليه دين أو لم يكن، معناه: إن كان الدين الذي عليه
يفي به ما بقي من ماله بعد الدار، وأما إن كان لا يفي به ما بقي من ماله
بعد الدار. فإنما يصح أن ينفذ إقراره له بالدار، على قياس القول بأن للمريض
أن يقضي بعض غرمائه دون بعض في مرضه، وهو ظاهر قول ابن القاسم في المديان
من المدونة، وإن حمل قوله: ويقبل قوله كان عليه دين أو لم يكن، على أنه
إنما أراد أنه يقبل قوله فيما أقر له به من الغلة كان عليه دين أو لم يكن،
صح على ما فيه من بعد التأويل؛ إذ لا اختلاف في أن إقرار المريض بالدين لمن
لا يتهم عليه جائز، وإن كان عليه دين يحيط بماله، والله الموفق.
(13/180)
[مسألة: حضره
الموت وفي يده أرض فقال إن هذه الأرض لفلان]
مسألة وسئل عن الرجل حضره الموت، وفي يده منزل أو أرض أكثر فيها من الغراس
والبنيان، فقال عند موته: إن هذه الأرض والقرية لفلان، وإنما كانت في يدي
بخلافة منه، وأنكر ذلك عليه ولده، وقالوا: إنها لك، وليس لغيرك قال: أرى أن
يدفع القرية إلى من أقر له بها، ولا ينظر في ذلك إلى قول الولد، ولا يتهم
الرجل على ولده الأجنبي.
قال محمد بن رشد: قد أتى القول على هذه المسألة في المسألة التي قبلها، فلا
معنى لإعادته، وبالله التوفيق.
[مسألة: قال عند موته إني كنت قتلت فلانا عمدا
أو خطأ فأعطوا ورثته الدية]
مسألة وسئل عن رجل قال عند موته: إني كنت قتلت فلانا عمدا أو خطأ، فأعطوا
ورثته الدية، وأعتقوا عني رقبة، أيكون ذلك من الثلث أم من جميع المال؟ قال:
فأما العمد فإنما يكون فيه القصاص، والذي أمر به من المال في ذلك، أراد به
وجه الكفارة، فأرى أن ينفذ ذلك في ثلثه، قال: وأما الخطأ فإنما هو شيء أقر
به مما كانت تحمله عاقلته، فأراه في الثلث أيضا، وكذلك العتق إنما هو من
الثلث، ولو كانت عليه بينة تحق ذلك كان من الثلث أيضا، وهو قول مالك. قلت:
ولم لا تكون دية الخطأ على العاقلة؟ يقبل إقراره به أولا حيا، ولا يقبل عند
موته، قال: لأنه أوصى بها، فكأنه حملها على العاقلة.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله: لأنها وصية في العمد والخطأ، فتكون
في ثلثه، ولا تكون دية الخطأ على العاقلة، وإن كان هو
(13/181)
المقر بالقتل على القول بأن من أقر بقتل
خطأ، تكون الدية بإقراره على العاقلة؛ لأنه قد أوصى بها كما قال، ولو لم
يوص بها لم تكن على العاقلة عند من رآها عليها إلا بعد القسامة؛ لأنه جعل
قوله لوثا يستحق الورثة الدية به مع قسامتهم. وقد قيل: إن الدية تكون في
ماله قيل بقسامة، وقيل بغير قسامة، اختلف في ذلك قول مالك، وبالله التوفيق.
[مسألة: هلك وترك عبدين فأدعى كلا منهما عتقه]
مسألة
قال: وسألت ابن القاسم عن رجل هلك وترك عبدين وابنين، وقيمة أحدهما ألف
درهم، وقيمة الآخر ألفا درهم، فأتى الذي قيمته ألفان بشاهدين يشهدان له
بالعتق، وأتى الآخر بابني سيده، يشهدان له أنه هو المعتق دون صاحبه، قال:
أرى أن يبدأ الذي شهد له الأجنبيان، فيعتق في الثلث، ثم يرجع على الابنين،
فيعتق عليهما الذي شهدا له بما حمل الثلث منهما جميعا إذا كان قولهما
تكذيبا منهما للشاهدين اللذين شهدا على عتق الآخر قال: ولو إن الشاهدين
شهدا على الميت أنه أعتق هذا في مجلس، وبتل عتقه حين أوصى، وشهد الابنان
أنه أعتق هذا في مجلس آخر، وقال: لا علم لنا بما أشهدهما، إلا أنه أشهدنا
على هذا، رأيت أن تثبت الشهادتان جميعا، وأن يسهم بينهما إذا كان للعبد
الذي يشهد الابنان له لا يتهمان في جر ولائه لرداءته، فأيهما خرج سهمه عتق
منه ما حمل الثلث، ورق ما بقي؛ لأنهما لم يرفعا شهادة الشهدين بأمر كذباهما
فيه. قال: وإن اتهما في جر ولاء لم تجر شهادتهما، وذلك إذا شهدا أنه أعتق
بعد الموت، وإن كان أعتق أحدهما بتلا، والآخر بعد الموت،
(13/182)
كان المبتل مبدأ قبل صاحبه كان أو بعده،
فإذا كانا جميعا مبتلين بدئ بالأول فالأول.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال: من أنه يبدأ الذي شهد له الأجنبيان، فيعتق
في الثلث؛ لأنه إذا شهد الشاهدان للذي قيمته ألفان بالوصية، وشهد ابنا
الميت لآخر أنه هو الذي أوصى الميت بعتقه، وجب أن تكون شهادة الشاهدين أعمل
من شهادة الابنين؛ لأنهما يتهمان على رد الوصية للعبد الذي قيمته أقل،
وكذلك لو شهدا للذي قيمته أكثر أنه هو الذي أوصى أبوهما بعتقه، إن كان عبد
يرغب في ولائه، فإذا بطلت شهادتهما بأخذ هذين الوجهين، وجب أن يعتق العبد
الذي شهد له الأجنبيان بشهادتهما إن حمله الثلث، أو ما حمل منه، ثم يرجع
بعد ذلك إلى الابنين، فيعتق عليهما من العبد الذي قال: إنه هو الموصي بعتقه
ما حمل الثلث منه بإقرارهما له بالوصية لا بالشهادة.
وقال هاهنا في الرواية: إنه يعتق عليهما الذي شهدا له بما حمل الثلث منهما
جميعا، وذلك بعيد؛ لأنهما مقران أن هذا العبد وحده هو الذي أوصى أبوهما
بعتقه، فوجب أن يعتق كله عليهما إن حمله وحده الثلث، أو ما حمل الثلث منه،
وكذلك قال في رسم العتق، من سماع عيسى، من كتاب العتق، في نظير هذه
المسألة، ولو كانت قيمة العبدين سواء، أو قال الابنان في الذي قيمته أكثر
منهما: إن هذا هو الذي أوصى أبونا بعتقه، وكان لا يرغب في ولائه؛ لكان
الحكم في ذلك على مذهب ابن القاسم، أن ينظر إلى أعدل البيِّنتين، فإن كان
الابنان أعدل من الشاهدين الآخرين، ثبتت الوصية للذي شهدوا له، ولم يجب
للآخر شيء.
وإن كان الشاهدان الآخران أعدل من الابنين، ثبتت الوصية للعبد الذي شهدا
له، ورجع العبد الآخر على الابنين، فأعتق عليهما منه ما حمل الثلث
بإقرارهما له بالوصية لا بالشهادة، ولو تكافيا جميعا في العدالة لسقطا،
ورجع على الابنين العبد الذي شهدا له بالوصية، فأعتق عليهما ما حمل الثلث
بإقرارهما له بالوصية بالشهادة، ومعنى ذلك، إذا
(13/183)
لم يكن للميت وارث غيرهما، ولو كان له وارث
غيرهما لم يعتق عليه منه بإقرارهما ما حمل الثلث على مذهب ابن القاسم،
وروايته عن مالك من أجل الضرر الداخل في ذلك على سائر الورثة، إلا أن
يملكاه أو يملكه أحدهما بعد ذلك، فحينئذ يعتق على من ملكه منهما ما حمل
الثلث من نصيبه، ولو كانت الشهادتان في مجلسين، لثبتا جميعا، وأسهم بينهما
كما قال، إذا كان العبد الذي شهد له الابنان، لا يتهمان في جر ولائه
لرداته، فأيهما خرج سهمه عتق منه ما حمل الثلث. ورق ما بقي وإن اتهما في جر
ولائه، لم تجز شهادتهما، وكان الحكم في ذلك على ما تقدم في أول المسألة.
وقوله في آخر المسألة: وذلك إذا شهدا أنه أعتق بعد الموت يبين أنه إنما
تكلم في المسألة على أن الشهادة إنما هي بالوصية، فقوله: وبتل عتقه حين
أوصى معناه بتل الوصية بالعتق.
وقوله: وشهد الابنان أنه أعتق هذا في مجلس آخر، معناه شهدا أنه أوصى بالعتق
في مجلس آخر، وقوله: إنه إن كان أعتق أحدهما بتلا، والآخر بعد الموت، كان
المبتل مبدأ به، اختلاف قد مضى تحصيله في رسم طلق ابن حبيب، من سماع ابن
القاسم.
وأما قوله: وإن كانا جميعا بتلين، بدئ بالأول فالأول، فلا أعرف فيه نص
خلاف، إلا أن الخلاف يدخل فيه بالمعنى، فيتحاصان على القول بأن له أن يرجع
عما بتله في مرضه إن مات منه على ما وقع فيه رسم أخذ يشرب خمرا، من سماع
ابن القاسم، من كتاب الحبس، وبالله التوفيق.
[مسألة: قال عند موته قد كنت أعتقت رقيقي إن لم
أتصدق بمائة دينار]
مسألة وسألت ابن القاسم عن رجل قال عند موته: قد كنت أعتقت رقيقي إن لم
أتصدق بمائة دينار، وإني قد فعلت والحمد لله، ويميني في كتاب من كتبي،
فأخرجوا ذلك الكتاب، ثم هلك، فوجد الكتاب بيمينه، وليس فيه ذكر إنفاذ
الصدقة، وقال الرقيق: لم يرد
(13/184)
شيئا، قال: القول في ذلك قوله، وليس يشهد
في مثل هذا أحد.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال، كأنه لم يقر على نفسه بشيء يلزمه فيه شيء،
لارتباط أول الكلام بآخره، وبالله التوفيق.
[مسألة: قال لورثته عند موته قد كنت حلفت بعتق
رقيقي إن لم أعط فلانا مائة دينار]
مسألة وسألته عن رجل قال لورثته عند موته: قد كنت حلفت بعتق رقيقي إن لم
أعط فلانا مائة دينار، فادفعوها إليه من ثلثي، فإن نقص الثلث خفت الحنث،
فقال الورثة: نحن نتم ذلك من ميراثنا منك، وقال الرقيق: قد حنث. قال: لا
أرى عليه حنثا، وهي مثل التي قبلها.
قال محمد بن رشد: قوله: وهي مثل الذي قبلها، ير يد أنها مثلها في أنه لا
حنث عليه فيها؛ لأنها مثلها في المعنى الذي به، يسقط الحنث عنه فيها تلك
سقط الحنث عنه فيها بتصديقه أنه قد بر؛ إذ لم تعلم يمينه إلا من قبله، وهذه
سقط الحنث عنه فيها؛ لأن الثلث له حيا وميتا، وكذلك ما زاد الثلث، أذن له
بذلك الورثة في حياته، فوجب أن يبدأ بالوصية في ذلك؛ لأن الموصى كالوكيل له
على الدفع، ومن حلف ليعطين رجلا مالا، أو ليقضينه حقه إلى أجل، فوكل رجلا
على ذلك، يبر بفعل الوكيل إذا أعطاه أو قضاه قبل الأجل، وهو قول ابن القاسم
في رسم أسلم، من سماع يحيى، من كتاب الأيمان بالطلاق، ولا خلاف في ذلك،
وبالله التوفيق.
[مسألة: قال عند موته إني قد كنت حلفت بعتق]
مسألة قلت له: فرجل قال عند موته: إني قد كنت حلفت بعتق
(13/185)
رقيقي إن لم أعط فلانا مائة دينار، وعليه
بذلك بينة، فما رأيكم وأنا اليوم لا دينار عندي ولا درهم؟ قال الورثة: نحن
نضمن له ذلك في أموالنا، ولا تدخل علينا حنثا، فبعث إلى الرجل الذي حلف له،
فكتب له على نفسه ذكر حق بالمائة ثم هلك الرجل، وقال العبيد: قد حنث،
وعتقنا. قال: إن كانت المائة الدينار هبة، وترك مالا يحمل ثلثه المائة،
رأيت ذلك مخرجا له؛ لأن الثلث له حيا وميتا، وإن كانت المائة دينا فقضاه في
مرضه، فقد بر، قضاه من ماله أو من مال غيره، وإن ضمن له ذلك أحد، وارث أو
غيره، فهو حانث، ومن ذلك، لو أن رجلا حلف بعتق رقيقه ليقضين فلانا حقه إلى
أجل، ثم أحاله بما كان حلف له عليه، فإن مضى الأجل قبل أن يدفع إليه الذي
أحيل عليه، فهو حانث.
قال محمد بن رشد: في قوله في هذه الرواية: إن كانت المائة الدينار هبة،
وترك مالا يحمل ثلثه المائة، رأيت ذلك مخرجا له، دليل بين ظاهر على أنه لا
يكون له في قول الورثة: نحن نضمن له ذلك في أموالنا مخرج إن لم تخرج المائة
من الثلث، وذلك صحيح؛ إذ لا يبر الميت فيما حلف ليعطينه من ماله إذ لم يعطه
في حياته، إلا أن يوصي أن يعطي بعد وفاته، ويحمل ذلك ثلثه، فإن لم يحمل ذلك
ثلثه لم يبر، إلا أن يجيز له الورثة الوصية بذلك في حياته على ما قاله في
المسألة التي قبل هذه إذا قال الورثة: نحن نتم ذلك من ميراثنا منك، وأما
إذا قالوا: نحن نضمن له دلك في أموالنا، فلا يبر بذلك، كما لا يبر إذا
أخرجوها من الثلث أن يوصي بذلك، وفي قوله: وأنا اليوم لا دينار عندي ولا
درهم، دليل على أن له مالا سوى العبيد، ولا ناض له، وذلك سواء كان له مال
سواهم أو لم يكن؛ لأن الاعتبار في ذلك، إنما هو هل تخرج المائة من ثلثه أو
لا تخرج؟ فإن خرجت من ثلثه وأوصى بإخراجها بر بذلك، وإن لم يكن له مال سوى
العبيد، وإن لم
(13/186)
يوص بإخراجها حنث، وإن كان له مال سوى
العبيد، يخرج منه، وان لم يخرج من ثلثه، فلا يبر بالوصية بإخراجها، إلا أن
يجيز ذلك الورثة في حياته كما تقدم. وقوله: وإن كانت المائة دينا فقضاه في
مرضه إلى آخر قوله صحيح، واحتجاجه على ذلك بالحوالة بين؛ لأن الحنث يدخل
بأقل الوجوه، والبر لا يكون إلا بإخراجها كلها، فإذا حلف ألا يقضيه يحنث
بالحوالة، وإذا حلف ليقينه، لا يبرأ بالحوالة.
وقد مضى هذا في رسم حمل صبيا، ورسم بع من سماع عيسى، من كتاب الأيمان
بالطلاق، وبالله التوفيق.
[مسألة: قال عبدي فلان حر وما بقي من ثلثي
فلفلان فأبق العبد]
مسألة وسألته عن رجل قال: عبدي فلان حر، وما بقي من ثلثي فلفلان، فأبق
العبد، قال: يقوم، فإن كان هو الثلث، فلا شيء للموصى له ببقية الثلث، وإن
كان الثلث أكثر من قيمته، أعطى ما فضل عن قيمته.
قال محمد بن رشد: رأيت لابن دحون في هذه المسألة أنه قال فيها: هذه مسألة
تحتاج إلى نظر: هل يقوم للعبد على إباقه ويعتق؟ أو يدخل في المال فيؤخذ
ثلثه؟ أو تحال الوصية إذا قوم، ولعل العبد ميت، ومثل هذا يحتاج إلى نظر
وشرح.
والذي يوجبه النظر في هذه المسألة عندي أن يقوم العبد يوم ينظر فيه على
الصفة التي أبق فيها بعيب إباقه، وتنفذ له الحرية، فإن بقي من الثلث شيء،
كان للموصى له ببقية الثلث، وإن لم يفضل من الثلث شيء عن قيمته، لم يكن
للموصى له ببقية الثلث شيء، وإن انكشف أنه كان ميتا يوم قوم، وأنفذ له
العتق، لم يكن للموصى له ببقية
(13/187)
الثلث في ذلك حجة؛ إذ لم يوص له إلا بما
بعد قيمته، نفذت له الحرية أو لم تنفذ، وإنما كانت تكون له في ذلك حجة، لو
أوصى له بمال، فلم يحمل الثلث العبد والوصية بالمال، مثل أن يكون ترك الميت
مائتي دينار، وأوصى بعتق عبد قيمته مائة دينار، وأوصى لرجل بمائة دينار،
فأبق العبد، وقيمته مائة دينار، فإن الواجب في هذا أن يوقف للموصى له ثلث
ما بقي بعد العبد، فإن انكشف أنه كان حيا يوم أعتق رد ما وقف إلى الورثة؛
لأن العتق قد نفذ فيه، وقيمته الثلث، فسقطت الوصية بالمال، لتبدئه العتق
عليه، وإن انكشف أنه كان ميتا يوم أعتق بطل العتق فيه، وكان ما وقف للموصى
له، وبالله التوفيق.
[مسألة: أوصى أن يخدم فلانا عبده عشر سنين ثم
هو حر]
مسألة قال: وسألته عن رجل أوصى أن يخدم فلانا عبده عشر سنين، ثم هو حر،
وأوصى بوصايا عتق وغير ذلك، متى يقوم المخدم أيوم أوصى له، أم يوم مات
سيده؟ أم قيمته بعد عشر سنين؟ قال: قال مالك: تكون قيمة الذي أعتق بعد خدمة
عشر سنين يوم تنفذ الوصايا، وينظر فيها، فإن كان في الوصايا عتق رقيق له
بدئوا عليه، فإن فضل، يخرج المخدم فيها، ووصايا من أوصى له، أنفذت، وإن قصر
الثلث عن المخدم، خير الورثة بين أن ينفذوا ما أوصى به من عتق المخدم إلى
أجله، وإنفاذ الوصايا، وإن أبوا عتق من المخدم ما حمل الثلث بتلا، وسقطت
الوصايا من الخدمة فيه، وعجل له العتق ساعتئذ، ولا يؤخر، وإن كان المخدم
بعد من بتل له العتق، هو كفاف الثلث، أخرج وتحاص أهل الوصايا والمخدم في
خدمته، على ما فسرت لك في المسألة الأولى.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة صحيحة على الأصول؛ لأن القيمة في الوصايا
إنما تكون يوم النظر في تنفيذها، لا اختلاف في ذلك أيضا،
(13/188)
إلا أن يكون الأجل قريبا كالشهر ونحوه،
فقيل: إنه يبدأ عليه، وقيل: إنهما يتحاصان، فإن حمل ما بقي من الثلث بعد
عتق الرقيق العبد المخدم خاصة، أو العبد المخدم وبعض الوصايا تحاص الموصى
له بالخدمة مع أهل الوصايا في الخدمة خاصة، أو في الخدمة وما حمل بقية
الثلث من الوصايا، وإن لم يحمل بقية الثلث بعد عتق الرقيق العبد الموصى
بخدمته؛ خير الورثة كما قال بين أن ينفذوا جميع الوصايا، وبين أن يعتقوا ما
حمل الثلث من العبد المخدم بتلا، وتسقط الوصايا، وبالله التوفيق.
[مسألة: أوصي بمائة دينار ينفق منها عليه كل
سنة منها كذا وكذا وعليه دين]
مسألة قال محمد بن رشد: قال وسألته عن رجل أوصي بمائة دينار ينفق منها عليه
كل سنة منها كذا وكذا وعليه دين، فقال أهل الدين: عمره لنا، ثم أعطنا
الفضل، فإن عمره لا يستتم المائة، قال ابن القاسم: ليس ذلك لأهل الدين؛ لأن
ما فضل بعد موته، يرجع إلى ورثة الموصي إن لم يستكملها في حياته. قال:
وكذلك قال مالك: إن فضلتها ترجع إلى ورثة الموصي.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إن ذلك لا يجب للغرماء؛ لأنه إن عمر قد
ينقضي الأجل الذي عمر إليه وهو حي، فيكون من حقه أن ينفق عليه بما أوصى له
به حتى يموت، فإن قضيت للغرماء بالفضل، كنت قد قضيت لهم بما هو أحق به
منهم؛ إذ لا حق لهم فيما أوصى له به أن ينفق عليه، ولأن ما فضل بعد موته
يرجع إلى ورثة الموصي كما قال، فلا حق للغرماء في ذلك في حال. وقد قال
إسحاق: إن ذلك لا يرجع إلى ورثة الموصي إلا بتفسير، والذي ذهب إليه والله
أعلم أنه إنما يرجع إلى ورثة الموصي ما فضل بعد موته إذا كان الثلث قد حمل
الوصية بالعدد الذي سمى له
(13/189)
في النفقة عليه، أو لم يحملها، فأجاز ذلك
الورثة، وأما إن لم يحملها الثلث، فقطعوا له بالثلث، فلا يرجع شيء من ذلك
للورثة، ويصير له بتلا، يورث عنه ما فضل منه على ما مضى قبل هذا في رسم
العرية، ولو أراد الغرماء هاهنا أن يعمر لهم فيأخذوا الفضل لم يكن ذلك لهم
عندي لما ذكرته من أنه قد يعيش أكثر مما عمر إليه، فيكون من حقه أن ينفق
عليه من ذلك المال حتى يموت، ولو أراد الغرماء في هذه المسألة أن يأخذوا ما
فضل عن نفقته في كل سنة مما سمى أن ينفق عليه فيما كان ذلك لهم على ما قاله
في المسألة التي بعدها، وبالله التوفيق.
[مسألة: أوصى له بنفقة دينار كل شهر]
مسألة قال: وسألته عن رجل أوصى له بنفقة دينار كل شهر، فأجرى عليه ذلك
عليه، وعليه دين، فقال أهل الدين: أعطنا فضل الدينار، فإن فيه فضلا عنه.
قال: أرى ذلك لهم؛ لأن ما فضل عن نفقته مال له، ولا يرجع إلى ورثة الذي
أوصى به.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال بين يبين، ما لم يتكلم عليه في المسألة
قبلها، والله الموفق.
[مسألة: أوصي له بمائة دينار سلفا]
مسألة قال: وسألته عن رجل أوصي له بمائة دينار سلفا، ثم مرجعها إلى فلان،
فوسع الثلث المائة، أو ضاق عنها. قال: إن حمل الثلث المائة التي أوصى بها
للرجل، دفعت إليه إلى الأجل الذي أوصى بها له، ثم هي رد على فلان الموصى له
بها سلفا، ضامن لما نقص من المائة، وإن لم يسعها الثلث نظر إلى ما حمل
الثلث منها، فدفع إليه، وكالت على حالها في يديه إلى الأجل الذي جعل فيها،
تم ترجع إلى من بتلت له.
(13/190)
قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا
اختلاف فيه؛ لأنه لو أوصى في الدنانير أن تحبس عليه مدة ما من الزمان أو
حياته؛ لكانت سلفا، ولكان لها ضامنا، وإن لم ينص على الضمان، ولا قال: إنها
سلف على ما في كتاب العارية من المدونة.
وقد مضى الكلام على هذا مجردا في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب
الحبس، فكيف إذا نص على أنه إنما أوصى له بالسلف، وبالله التوفيق.
[مسألة: قال في مرضه إن مت من مرضي هذا فغلامي
مدبر]
مسألة وسئل عمن قال في مرضه: إن مت من مرضي هذا فغلامي مدبر، فقال: إن مات
منه فهي وصية، وليس تدبيرا، وإن عاش فهي أيضا وصية يصنع فيها ما شاء، إلا
أن يكون أراد تدبيرا.
قال محمد بن رشد: أما إذا صح من مرضه، فلا إشكال ولا اختلاف في أنها وصية،
له الرجوع عنها، وتنفذ إن لم يرجع عنها، وقد كان كتب بذلك كتابا وضعه عند
غيره، أو أقره عند نفسه، على أحد قولي مالك إذا أقره عند نفسه، وأما إن لم
يكن كتب بذلك كتابا، فلا ينفذ حسبما مضى تحصيله في أول رسم من سماع ابن
القاسم، وأما إذا مات من ذلك المرض، فقال في هذه الرواية: إنها وصية، وليست
تدبيرا، يريد أن لها حكم الوصية في جواز الرجوع له عنها في مرضه ذلك، فلا
ينفذ إن مات منه، وفي أنه لا يبدأ على ما أوصى بعتقه من عبيده سواه، ولابن
القاسم في كتاب ابن المواز ليس له الرجوع عن ذلك، وقد ثبت له التدبير، يريد
أنه ليس له الرجوع عن ذلك، ويبدأ إن مات منه على ما أوصى به، ويعتق من
عبيده، وبالله التوفيق.
[مسألة: قال في مرضه قد كنت حلفت بعتق رقيقي إن
لم أتصدق له بمائة دينار]
مسألة وسألت ابن القاسم عن رجل قال في مرضه: قد كنت حلفت
(13/191)
بعتق رقيقي إن لم أتصدق له بمائة دينار،
فأخرجوها من ثلثي، فقال الرقيق: قد حنث حين مات. وقال الورثة: ثلثه بعد
موته، بمنزلة ماله في حياته. قال: إن حمل الثلث المائة رأيته قد بر؛ لأن
حاله في ثلثه ميتا، كحاله في ماله حيا، وليس هو بمنزلة من قال: قد كنت حنثت
في صحتي؛ لأن المقر بالحنث في الصحة إنما أراد أن يكون ذلك من رأس المال،
وأن هذا إنما أقر بيمينه في المرض، فكأنه إنما أراد أن يجعلهم في الثلث،
فهو حانث إلا أن يسع الثلث المائة.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة، والتكلم عليها في هذا الرسم بعينه،
فلا معنى لإعادته، وأما الذي يقر في مرضه بالحنث في صحته، فقد مضى الكلام
عليه في رسم أمهات الأولاد وغيره، وبالله التوفيق.
[: يتصدق في مرضه بثلث دار له وفي الدار طوب
وخشب]
ومن كتاب الثمرة وسألته عن الرجل يتصدق في مرضه بثلث دار له، وفي الدار طوب
وخشب، أراد أن يبني به، فقال المتصدق عليه: لي ثلث الطوب والخشب، وأبى
الوارث أن يكون ذلك له، قال: ليس له في الطوب والخشب شيء.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن الصدقة في هذا كالبيع، فلا يدخل في
الصدقة إلا ما يدخل في البيع.
وقد مضت هذه المسألة متكررة في الرسم من هذا السماع، من كتاب الصدقات
والهبات، ومضى عليها هناك، وبالله التوفيق لا شريك له.
تم الثالث من الوصايا بحمد الله، وصلى الله على سيدنا محمد وسلم.
(13/192)
|