البيان
والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة [: كتاب
الوصايا الخامس] [مريض أعتق ثلث عبده
ولا مال له غيره وباع من العبد ثلثي نفسه الباقيين]
من سماع أصبغ من ابن القاسم
من كتاب القضاء العاشر من البيوع قال أصبغ بن الفرج: وسألت ابن القاسم عن
مريض أعتق ثلث عبده، ولا مال له غيره، وباع من العبد ثلثي نفسه الباقيين
بيعا ليس فيه محاباة بما يسوى بثلثي قيمته أو أكثر قال: ذلك جائز: قلت قبض
الثمن قبل أن يموت أو لم يقبض، أو تأخر القبض حتى مات؟ قال: ذلك سواء قبض
أو لم يقبض إذا دفع العبد ذلك، قال أصبغ: وذلك إذا كان المال الذي يعطى
العبد الذي باعه به ليس من مال هو للعبد قبل أن يبيعه، فأما مال هو له
يومئذ يكون رقيقا معه، فليس ذلك ببيع ذلك حيف ومحاباة وعتق من الميت، وأخذ
الأكثر من ثلثه وما لا يجوز له.
قال محمد بن رشد: قول أصبغ صحيح مفسر لقول ابن القاسم، ولابن دحون في هذه
المسألة كلام صحيح، يفسر قول أصبغ. قال: إنما يشترى العبد بثلثي نفسه بعد
عتق السيد لثلثه، من ثلث ما في يديه، أو من مال وهب له، وإن اشترى ثلثي
نفسه بكل المال الذي في يديه فهي محاباة من الميت له؛ لأن المال الذي كان
في يديه إنما له منه ثلثه الذي أعتق منه سيده وباقيه للسيد، إلا أنه لا
يؤخذ من يديه وإن بيع بيع به كالشريكين في العبد. ولابن المواز في هذه
المسألة تفسير لا يتجه إلا على
(13/259)
بعد. قال: لأن ما صار له موقوفا بيده، يعتق
بعضه، وكأنه العبد في نفسه شفعة لحرمة العتق، فإن كان ثمن ثلثي العبد في
تركة السيد وافرا فيتم عتق ثلث العبد، وإن أنفق ثمن الثلثين أو لم يوجد رق
من الثلث الذي أعتق ثلثاه وعتق ثلثه. قال ابن أبي زيد: يريد: ويعتق ثلثاه
المبيع، فانظر في ذلك وتدبر، وبالله التوفيق.
[مسألة: قال عند موته إن أسلمت جاريتي فلانة
فهي حرة]
مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم وسئل عمن قال عند موته: إن أسلمت جاريتي
فلانة فهي حرة، فغفل عنها بعد موته، ولم يعرض عليها الإسلام حتى ولدت
أولادا بعد موته، ثم عرض عليها فأسلمت، قال: يعتق ولدها معها، إنما ذكر
بمنزلة ما لو قال: إن دفعت إليكم فلانة عشرة دنانير، فهي حرة، فغفل عنها
حتى ولدت أولادا ثم عرض عليها، فأدت العشرة، فهي حرة. وولدها. وقاله أصبغ.
وقال: المسألة أوضح من الحجة وأقوى، وكذلك كل موصى بعتقها فولدت بعد موت
سيدها قبل أن تقام في ثلثه أولادا فإنها تعتق في ثلثه وولدها؛ لأنه قد كان
انعقد لولدها ما عقد لها يوم وجب العتق فيها، وهو يوم مات السيد، وإن كان
ولدها ذلك كانت به حاملا يوم أوصى أو يوم مات، إذا كانت إنما وضعته بعد موت
السيد الموصي، فالذي تحمل به بعد الموت أحرى وأوكد، وقد قال لي ابن القاسم
هذا أيضا، وقال: فإن وضعته قبل موته، فلا يدخل معها في الوصية وهو رقيق؛
لأنه لو شاء أن يرد الوصية فيها ردها. قال أصبغ: لأنه قد زايلها قبل أن
ينعقد له عتق أو يجب، قال أصبغ: قال ابن القاسم: فإذا مات حين تثبت لها
الوصية، فما ولدت بعد ذلك دخل معها، كانت حاملا بعد ذلك أو لم تكن. ومثال
ذلك أن
(13/260)
يقول: جاريتي حرة إن رضي أبي في وصية أوصى
بها، فتلد الجارية أولادا وأبوه غائب وقد مات الموصي فيقدم الأب فيخير
ويرضى، فهي وولدها أحرار، فأراها في المسألة الأولى حرة، وولدها إذا شاءت
ذلك الأمر الذي عرض عليها أو شاء غيرها ممن يجعل ذلك إليه الميت وأرى ألا
يتعجل ببيعها إن أبت في أول ذلك الأمر الذي عرض عليها أو شاء غيرهما حتى
يرد عليها مرة بعد مرة، فإن أبت بيعت وإن قبلت ذلك بعد أن كرهت فذلك لها،
ولا يكون إباؤها أولا إذا قبلت ذلك يعد نقضا لما كان جعل لها ما لم يمض
فيها حكم ببيع بعد أن ردد عليها أو قسمة، فإذا ردد عليها فلم تقبل ورضيت
بالبيع فبيعت أو قسمت، ثم رجعت بعد ذلك، لم يكن ذلك لها؛ لأن الحكم قد مضى
فيها قال أصبغ: قال لي ابن القاسم: وكل شرط أو مشيئة كان في أمة جعل ذلك
لها بعد الموت فولدها بمنزلتها إذا ولدته بعد موت السيد.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إن الموصى لها بالعتق إن شاءت أو إن أسلمت
أو أرادت كذا وكذا، أو إن رضي فلان وما أشبه ذلك، يدخل ما ولدت بعد موت
الموصي فيما أوصى لها به؛ لأن ذلك قد وجب لها أو لمن جعل إليه الخيار في
عتقها بموت الموصي كما يجب للموصى لها للعتق بموت سيدها ويدخل ما ولدت بعد
موته فيما أوصى لها به كانت حاملا به يوم الوصية أو لم تكن، وإذا اختارت
التي خيرت بين البيع والعتق، فلها أن ترجع إلى العتق ما لم تُبَع، فإن بيعت
بعد أن اختارت البيع، لم يكن لها أن ترجع إلى العتق، وإن كان الأمر لم يردد
عليها على ظاهر ما تقدم في رسم القطعان من سماع عيسى، وفي سماع سحنون،
ودليل قوله في هذه الرواية: إن ذلك لها إن كان الأمر لم يردد عليها. وهذا
الدليل يرده ظاهر ما في رسم القطعان من سماع عيسى وفي أول سماع سحنون
فترديد
(13/261)
الأمر عليها في الرجوع إلى اختيار العتق،
إنما هو استحسان، ما لم يقع البيع هذا الذي يجب أن تحمل عليه الرواية والله
أعلم.
[مسألة: أوصى إلى وصي وأوصى لقوم بوصايا]
مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في رجل أوصى إلى وصي وأوصى لقوم
بوصايا، وأوصى بعتق غلام له، فلما مات الرجل، أنفذ الرجل الوصايا، ولم يكن
علم بالعتق، ثم أقام الغلام البينة على عتقه، قال: إن كان ذلك من الوصي بعد
تمكن واجتهاد واستثبات أمر، لم يعجل فيه، وأنظر بالأمر إن حدث، ثم أنفذ
ذلك، فلا شيء عليه. قال أصبغ: ودون هذا التأكيد أيضا لا شيء عليه فيما إذا
لم يعلم ولم يبادر ذلك خوفا منه مبادرة له، وليس عليه هذا التأكيد كله إنما
عليه بقدر الوصية في قلتها وكثرتها واجتماع المال، وتفرقته، واستبراء ذلك،
ثم ينفذ، ولا شيء عليه على نحو ذلك قال أصبغ: قال ابن القاسم: ويعتق العبد
إن حمله الثلث من جميع المال، ويتبع الورثة أهل الوصايا بما فضل من الثلث
دينا يتبعونهم به، إن لم يكن لهم شيء على كل إنسان، بقدر ما أوصى له به.
قال أصبغ: جعله كالدين الطارئ يأخذه صاحبه ممن وجده مليا من الورثة، ويتبع
الورثة بعضهم بعضا. وقال أصبغ: لا أراه كذلك، أراه كالوارث الطارئ إذا لم
يعلم به، إنما يأخذ من كل وارث وجد معه مالا بقدر ما يصيبه، ويتبع سائرهم
مما وقع عليهم، وكذلك هذا لا أرى أن يعتق منه إلا بقدر ما صار في يدي كل
وارث يجده مليا أو موصى له بالثلث من قيمته التي كان يعتق فيها ويرق ما بقي
حتى يجد الآخرين مَلِيّا، يعتق باقيه عليهم فيما أخذوا له من ذلك. قال:
وتفسير ذلك أن يوصى بعشرة بين رجلين، والعبد
(13/262)
قيمته عشرة، والورثة اثنان، والمال بالعبد
ستون فالثلث عشرون، فأخذ أهل الوصايا عشرة، والورثة خمسين، ولم يعلم بعتق
العبد، ثم علم، فله قبل أهل الوصايا سدس قيمته دينار وثلثا دينار؛ لأنهما
أخذا سدس المال، فله قبل كل واحد منها نصف ذلك، وهو دينار إلا سدس فمن وجد
منهما حاضرا أو مليا عتق عليه بقدر ذلك، واتبع الآخر بمثله يوما ما على
الورثة خمسة أسداس قيمته، وهو ثمانية وثلث، فمن وجد منهما مليا أو حاضرا
عتق عليه بقدر ما أخذ له من ذلك، وهو نصف ذلك، وهو أربعة دنانير وسدس،
واتبع الآخر بمثله يوما ما، وإنما الورثة هاهنا كالموصى لهم والموصى لهم
كالورثة وهم والعبد كالوارثين جميعا.
قال أصبغ: قال لنا ابن القاسم: وإن كان الوصي عجل، رأيته ضامنا وبِيعَ وهو
أهل الوصايا. قال أصبغ: وذلك إذا كانت عجلة مبادرة وأمر لا يشبه اجتماع
المال وتنفيذه، فيضمن وإن لم يعلم، ويكون كالخطأ والخطأ مضمون، فلو أن رجلا
أوصى بعتق رقبة، فاشترى الوصي نصرانية، ولا يعلم ولم يثبت كان كالخطأ منه
على نفسه، وكان ضامنا فكذلك هذا. قال ابن القاسم: إلا أن يكون قاض قضى به،
فلا أرى عليه شيئا؛ لأن غيره أنفذه وقاله أصبغ، وتنفيذ القاضي كتنفيذه بعد
الاستيناء وبلوغ الأمر أجله. وتنفيذه عند ذلك كقضاء قاض وتنفيذه، ومن الله
التوفيق.
قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في هذه الرواية في الوصي: إنه لا شيء عليه
إن كان ذلك منه بعد تمكن واجتهاد وتثبت من غير عجلة يدل أنه عنده محمول على
التفريط وترك التثبت حتى يعلم من فعله خلاف ذلك. وقول أصبغ: إنه لا شيء
عليه إذا لم يبادر؛ إذ ليس عليه هذا الاجتهاد كله، يدل على أنه محمول عنده
على غير التفريط حتى يعلم من فعله خلاف ذلك،
(13/263)
وقد اختلف قول ابن القاسم في ذلك على ما
يأتي لقرب آخر هذا الرسم. وأشهب يقول في هذا الأصل: إن الوصي ضامن؛ لأنها
جناية خطأ يضمن المال، ويضمن العتق إذا أعتق عن الميت، ثم طرأ دين سواء علم
به أو لم يعلم، يضمن ويكون الولاء للوصي إلا أن يكون العبد عبد الميت،
فهاهنا يرد العتق إذا طرأ دين. قال فضل: قول ابن القاسم أحسن. قلت: وقول
أشهب هو على غير ابن القاسم في الحج الثالث من المدونة وفي الوصايا منها،
ليس جهلهم بالذي يزيل عنهم الضمان.
وقد مضى تحصيل القول في هذا المعنى في رسم الأقضية من سماع أشهب فلا معنى
لإعادته. فإذا ضمن الوصي على القول بأنه يضمن بعتق العبد، ويضمن للورثة
قيمته، ويتبع بذلك الموصى لهم إن كانوا معينين، وإن لم يكونوا معينين،
وإنما كانت الوصية للمساكين، أو في السبيل، كانت المصيبة في ذلك من الموصي.
وعلى القول: إن الوصي لا ضمان عليه يعتق العبد، ويتبع الورثة الموصى لهم إن
كانوا معينين، وتكون المصيبة منهم إن كانت الوصية للمساكين، أو في السبيل،
ولا يصح في هذا اختلاف؛ لأن العبد قد استحق الحرية بما ثبت له، فلا بد من
تعجيل عتقه، وإنما الاختلاف هل يضمن الوصي قيمته للورثة أم لا؟ حسبما
بيناه. فقول أصبغ: إنه لا يعتق منه إلا بقدر ما يجب له على كل وارث أو موصى
له يجده مليا بذلك، بمنزلة الوارث يطرأ على الوارث غلط بين مثال ذلك: أن
يترك المتوفى عبدا قيمته عشرون وأربعون دينارا ويوصي بعشرة دنانير لرجل
بعينه، أو في المساكين، ويعتق العبد، فينفذ الوصي العشرة دنانير للموصى له
بها أو في المساكين، ولا يعلم بالعتق ويأخذ الورثة العبد والثلاثين دينارا،
ثم يعلم بعتق العبد، فعلى القول بأنه لا ضمان على الوصي بعتق العبد على
الورثة، ويتبعون الموصى له بالعشرة أو يكون مصيبتها منهم إن كانت فرقت على
المساكين؛ لأن العبد هو كفاف الثلث على ما نزلناه من أن قيمته عشرون، المال
سواه أربعون. وعلى القول بأن الوصي ضامن يعتق العبد أيضا؛ لأن
(13/264)
الثلث يحمله، ويضمن الوصي للورثة العشرة
التي نفذها للمساكين أو يتبع بها الموصى له إن كان معينا ولو كانت الوصية
بعشرة بين رجلين، والعبد قيمته عشرة، والورثة اثنان، والمال بالعبد استوفى
على ما نزله أصبغ في تفسيره لمذهبه، لم يكن على الوصي ضمان بحال؛ لأن الثلث
يحمل العتق والوصية، فيعتق العبد على الورثة، ولا يكون لهم رجوع على أحد.
وقول أصبغ: إن العبد يعتق سدسه على الموصى لهما إن كانا مليين، وإن لم
يكونا مليين اتبعهما بذلك، وعلى الورثة خمسة أسداس إن كانا مليين، وإن لم
يكونا مليين اتبعهما بذلك غلط ظاهر؛ لأن العبد قد استحق العتق بما شهد له
به، فلا بد من تعجيل عتق جميعه إذا كانت ثلث الموصي يحمله ولم يكن العبد
الموصى به بعينه، وإنما كان أوصى بعتق عبد بغير عينه مبدأ على سائر الوصايا
فلم يعلم الوصي بذلك حتى نفذ الوصايا، لما صح أيضا أن يكون كالوارث يطرأ
على الوارث؛ لأن الوصية مقدمة على الميراث كالدين سواء لقول الله عز وجل:
{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] . وتفسير
أصبغ أيضا لمذهبه خطأ إذا اعتبرته، وقد نبه على ذلك ابن دحون فقال: هذا
تفسير غير صحيح، كيف تقع هذه المحاصة وقد بقي من الثلث بيد الوارث ما يخرج
منه العبد حرا وذلك عشرة دنانير؟ والصواب، يريد على مذهبه، أن هذا العتق
الطارئ مع الوارث كوارث طرأ، يأخذ من كل واحد بقدر ما صار إليه من ثمنه،
ولا يأخذ منه نصيبه كله، ولا يأخذ أحدا عن أحد، هو مع الموصى لهم كدين طرأ،
يردون كلما أخذوا؛ إذ لا وصية لهم إلا بعد العتق، فاعتراضه عليه في تفسيره
لمذهبه الذي قد بينا أنه غلط صحيح. وبالله التوفيق.
[مسألة: يوصي بثلث ماله لقوم وله بير ماشية
فيريدون أخذ ثلث البير]
مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم وسئل عن الذي يوصي بثلث
(13/265)
ماله لقوم وله بير ماشية، فيريدون أخذ ثلث
البير مع ثلث المال، قال: لهم ثلث المال، ولا أرى لهم في البير شيئا لأنها
لا تباع ولا تورث، وإنما فيها الشرب لأصحابها ولمن وردها من الناس بعدهم.
قلت: أفلا يكون لهم ثلث الشرب مع الورثة، وأن يبدأوا به قبل الناس؟ قال:
لا. ليس لهم من الشرب قليل ولا كثير؛ لأنها لا تباع ولا تملك، فكذلك ليس له
أن يوصي به لأحد أرأيت لو أوصى بها كلها وصية مسماة أيجاز لملك له؟ وقاله
أصبغ وهو الحق. والميت كان فيه كغيره من ورثته، وليس يأخذونه ميراثا، إنما
يأخذونه بحقه كالحبس عليه وعلى ولده، وغير مال هو له مؤثل.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن بير الماشية التي تحتفر في البراري
والمهامة، محمولة عند مالك، على أنها إنما تحتفر للصدقة، فيكون حافرها أحق
بالتبدئة بالشرب، ويكون الفضل لجميع الناس، لا يمنعه من أحد، لقول النبي -
عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ» ولو أشهد
حافرها عند حفره إياها أنه إنما يحفرها لنفسه، لا للصدقة، لكان ذلك له،
وكان أحق بالفضل يورث عنه، وتجوز وصيته فيها، وإن ادعا ذلك بعد حفرها ولم
يشهد، لم يصدق عند مالك.
وقد مضى تحصيل القول في هذا في رسم الأقضية الأول، من سماع أشهب من كتاب
النداء والأنهار وبالله التوفيق.
[مسألة: قتل عمدا فأوصى بثلث ماله ثم قبل
أولياؤه الدية بعده]
مسألة قال: وسمعت ابن القاسم وسئل عمن قتل عمدا فأوصى بثلث ماله، ثم قبل
أولياؤه الدية بعده، وعفوا عن القتل، أتدخل وصيته
(13/266)
في ديته؟ قال: لا لأن ذلك ما لم يعلم به.
وقاله أصبغ: ولو أوصى بذلك فقال: إن قبل ولاتي ديتي، فهي وصيتي أو وصيتي
فيها أو ثلثها وصية أو صدقة لم أر أن يدخل فيها من وصاياه قليل ولا كثير،
ولا يدخل منها في ثلثه شيء لأن ذلك أيضا عنده يوم أوصى مال مجهول له، غير
عارف ولا عالم به. ولا يدر أيقبلون الدية أم لا؟ أو يتركون الدم أم لا؟ فهو
كشيء لم يعلم به، ولكن لو عفا عن الدم عفوا قبل موته عن الدية أو أوصى أن
يعفى عن قاتله على الدية باشتراط، فالوصية به كالفعل منه في مرضه، فأوصى
بها بوصايا أو بثلث ماله مبهما مع هذا رأينا أن يدخل فيه ويلحق به.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه أعلمه في المذهب إن
وصية المقتول عمدا لا تدخل في ديته إن قبلها ولاته؛ لأنه مال لم يعلم به،
وكذلك إن قال: إن قبل ولاتي ديتي، فوصيتي فيها؛ لأنه ليس على يقين من قبول
ولاته الدية، ولا وجبت له بعد. ولو أوصى المقتول فقال: يخرج ثلثي مما أعلمت
من مالي ومما لم أعلم لم تدخل في ذلك الدية التي أخذها الورثة لأنه مال لم
يكن له، وإنما قال: ما لم أعلم من مالي وديته لم تكن من ماله، لكن يؤدي
منها ديته ويرثها عنه ورثته على كتاب الله تعالي لأن السنة أحكمت ذلك في
الدية، وإن كانت ليست بمال المقتول الموروث قاله ابن دحون وهو صحيح. وأما
قوله في الرواية، ولكن لو عفا عن الدم عفوا قبل موته على الدية أو أوصى أن
يعفى عنه على الدية باشتراط، فالوصية به كالفعل عنه في مرضه، فأوصى فيها
بوصايا أو بثلث ماله مبهما مع هذا رأينا أن يدخل فيه ويلحق به، فهو بين على
القول بأن له أن يعفو على الدية وأن يوصي بذلك، فيلزم القاتل، وأما على
القول بأن ذلك لا يلزمه إلا برضاه فالذي يأتي على قياس قوله في أن الوصايا
لا تدخل في ديته إذا قال: إن قبل ولاتي ديتي فوصيتي فيها ألا يدخل فيها إذا
أوصى أن يعفي عنه على الدية إذ
(13/267)
ليس على يقين من أن القاتل يرضى بذلك، كما
أنه ليس على يقين من أن ولاته يقبلون الدية وبالله التوفيق.
[مسألة: أوصى لرجل بدنانير حاضرة بعينها أو عدد
مسمى بغير عينه]
مسألة قال أصبغ: من أوصى لرجل بدنانير حاضرة بعينها أو عدد مسمى بغير عينه
العمل فيه عند ابن القاسم ومالك وأصحابه كلهم واحد في مذهبهم. وأنا أرى ذلك
اتباعا لهم، وقياسا على قولهم، والاستحسان عندي في العلم على غير ذلك،
والله أعلم أرى إن كانت الوصية في الدنانير الحاضرة بعينها، مثل أن يقول:
أعطوه منها كذا وكذا أو يقول: هذه الدنانير بعينها لفلان، أو يخرجها لهم
بعينها ويدفعها إليهم فيكون لا يخرج في ثلثه فيوقف عنهم الثلث أو ما أشبه
ذلك من الشيء المعتمد من العين الذي ترك بعينه، فأنا أرى في هذا القول ما
قالوا أن يدفع إليهم بعينه، أو يقطع لهم بالثلث من كل شيء شركاء له، للعول
فيه، فهو حينئذ كالدار بعينها، أو الجارية والعبد والأرض والثوب، يوصي لما
به، فيجاوز الثلث فينفذوه بعينه، أو يخرجوا من الثلث فهذا كله هكذا لا شك
فيه فأما أن يوصي بدنانير مسماة، ليست بأعيانها ولا مضمونة من شيء واحد،
فلا أرى إلا وهي جارية في ذلك المال متى ما اجتمع المال، أو اجتمع منه عين
وكان قسمه أخذوا ثلث العين، وثلث ما ينض مما بيع وجمع وحضر والباقي لهم في
ثلث الغائب حتى يحضر، ولا يقطع لهم بالثلث، وهو أكثر منها حين لم يعجلوا
لهم ما ليس عليهم تعجيله من العين والوصية؛ لأنها قد صارت شركة تجري في كل
شيء كشركة الوارث، ولا يكون أحسن حالا من الوارث، والتوفيق بالله.
(13/268)
وهكذا، كان ينبغي أن يكون تفسير قول مالك
ومعناه الذي تكلم عليه، وأصحابه يحملونه على الكل بغير رواية.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في رسم المكاتب من
سماع يحيى فلا وجه لإعادته. وبالله التوفيق.
[مسألة: يشتري العبد في مرضه لم ينقذ ثمنه
فيعتقه ثم يموت]
مسألة وسمعت ابن القاسم يقول في الذي يشتري العبد في مرضه بنظرة أو غير
نظرة، إلا أنه لم ينقذ ثمنه فيعتقه ثم يموت، فيوجد الآمال له. قال: لا يجوز
عتقه إذا لم يكن له مال، طال زمان ذلك وهو مريض أو لم يطل، إلا أن يكون في
قيمته فضل فيباع بقدر ذلك ويعتق ما بقي، وقاله أصبغ إلا أن يكون قد أفاد
فيها بين ذلك مالا فذهب أو علم البائع فعلم وترك.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه إذا اشتراه فأعتقه ولم يؤد ثمنه حتى مات
ولم يوجد مال سواه إنه يباع منه بما عليه من الثمن لأنه محمول ومن يوم
اشتراه على الحالة التي وجد عليها بعد موته، من أنه لا يكن له مال سواه،
وإن طال زمن ذلك، إلا أن يعلم أنه قد أفاد في خلال ذلك مالا فذهب كما قال
أصبغ وأن البائع قد علم ذلك وأمضاه، إذ لا يجوز لمن عليه دين يغترق ماله
عتق إلا بإذن صاحب الدين. وأما قوله: إنه يعتق ما بقي منه بعدما بيع منه في
الثمن، فمعناه إن كان قد صح في مرضه ذلك ولم يمت منه. وأما إن مات من ذلك
المرض فلا يعتق منه إلا ثلث ما بقي بعد الدين إذ لا اختلاف في أن عتق
المريض في مرضه في ثلثه. وبالله التوفيق.
[مسألة: قال أعتقوا أحد هذين العبدين وأحدهما
مدبر]
مسألة قال أصبغ: وسمعت ابن القاسم يقول في رجل حضرته الوفاة
(13/269)
فقال: أسهموا بين مدبري هذا وعبدي فلان،
فأيهما خرج سهمه فأعتقوه وله مال يحملهما الثلث جميعا إنه يسهم بينهما فإن
وقع السهم للمدبر عتق على كل حال، ولم يعتق من الآخر قليل ولا كثير؛ لأنه
قد خرج من الوصية لما أخطاه السهم، ولم يجعل له عتق إلا أن يخرج سهمه فإن
أخرج السهم له، عتق وعتق المدبر بالتدبير إذا كان الثلث يحملهما، وإن لم
يكن له مال يحمل غير أحدهما فخرج سهم المدبر في الاستهام عتق وحده، ولم
يعتق من الآخر شيء، وإن خرج السهم للآخر عتق المدبر أولا بالتدبير؛ لأنه
ليس له أن يدخل عليه ما ينقص تدبيره، وقد عقد له التدبير في الصحة، وهي
عتاقة عقدها ينظر إلى الثلث، فإن فضل منه شيء عن المدبر عتق من العبد الذي
لم يكن فيه تدبير الذي خرج سهمه على المدبر أولا ما فضل عن الثلث وإن لم
يفضل إلا دينار واحد. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن السهم إذا
خرج للمدبر خرج الآخر عن الوصية، وإن خرج الآخر بدئ المدبر عليه في الثلث
وأعتق هو إن حمله الثلث مع المدبر، وإن حمل بعضه عتق ما حمل الثلث منه،
فإذا لم يحمل الثلث المدبر وحده، فلا يحتاج إلى أن يضرب بالسهام بينهما، إذ
لا عتق للآخر مع المدبر بحال، إذا لم يكن في الثلث فضل عن المدبر. والمسألة
متكررة في سماع عبد الملك من كتاب العتق وفي رسم بيع ولا نقصان عليك من
سماع عيسى منه إذا قال: أعتقوا أحد هذين العبدين، وأحدهما مدبر، ولم يقل:
أسهموا بينهما إنه يسهم بينهما على نصف قيمتهما، فإن خرج سهم المدبر وهو
نصف قيمتهما فأقل خرج العبد الآخر من الوصية، وإن كان فيه فضل عن نصف
قيمتهما عتق من الآخر ذلك الفضل، وإن خرج سهم الآخر وهو نصف قيمتهما فأقل
عتقا جميعا إن حملهما الثلث، فإن لم يحملها الثلث، بدئ بالمدبر فيه، ثم
أعتق من الآخر بقية الثلث،
(13/270)
وإن كانت قيمته أكثر من نصف قيمتهما، لم
يعتق منه أكثر من نصف قيمتهما إن حمل ذلك الثلث مع المدبر، وإن لم يحمل ذلك
الثلث مع المدبر عتق منه ما حمل الثلث منه مع المدبر؛ لأن المدبر مبدأ عليه
على كل حال. هذا معنى قوله دون لفظه وبالله التوفيق.
[مسألة: توفيت ولها على زوجها خمسون دينارا
وتركت شيئا وأوصت بحجة]
مسألة قال: وسمعت ابن القاسم وسئل عن امرأة توفيت ولها على زوجها خمسون
دينارا وتركت شيئا وأوصت بحجة، ولم يعلم قولها ذلك أحد غير أبيها فأتى الأب
إلى الزوج فقال: إنها قد أوصت بحجة، وليس على ذلك بينة، والخمسون التي
عليك، لك منها خمسة عشرون، ولي خمسة وعشرون، فهل لك أن تأخذ مما تركته
الساعة، يعني من الوسط قبل أن يقسم شيئا من الأشياء ثلاثين دينارا لتعطى من
يحج عنها وأنا أترك لك الخمسة وعشرين التي لي مما عليك؟ فرضي بذلك الزوج.
قال ابن القاسم: لا خير فيه، ولا يحل، وأراه من وجه ضع وتعجل. يريد أن الأب
وضع وتعجل، وأن الزوج تعجل على أن وضع عنه. وقاله أصبغ، وذلك أن الخمسين
التي على الزوج مؤجلة لم تحل. قال ابن القاسم: ولو قال له: تخرج عشرة مما
تركت يتصدق بها على فلان على هذا الشرط لم يحل.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله إذا كان الدين على الزوج مؤجلا لم
يحل أجله على ما فسره أصبغ؛ لأن من حق الزوج أن يأخذ الخمسة عشر الواجبة له
من الثلاثين، ويكون عليه الخمسة وعشرون من الخمسين إلى أجلها، فقد أعطاها
معجلة على أن تسقط الخمسة وعشرون المؤجلة إذ لا فرق بين أن يأخذها الأب على
ذلك لنفسه، أو لينفذها في
(13/271)
الوصية التي لا يعلمها غيره، ألا ترى أنه
لو كان لرجل على رجل عشرون دينارا مؤجلة، فقال له: تصدق على المساكين، أو
على فلان بعشرة نقدا، وأنا أضع عنك العشرين التي لي عليك مؤجلة؟ لم يحل
ذلك؛ لأن ما اشترط لغيره بمنزلة ما أخذه لنفسه، وبالله التوفيق.
[مسألة: قال لفلان وفلان خمسمائة ثم قال ولفلان
مثله]
مسألة قال ابن القاسم أيضا: ولو قال: لفلان وفلان خمسمائة ثم قال: ولفلان
مثله، أعطي ثلث الخمسمائة، وإنما هو بمنزلة من قال: بين فلان وفلان وفلان
خمسمائة، ثم كلم في آخر فقال: له مثله، كان له ثلث خمسمائة من الثلث إن
حمله، أو يحاص على ما فسرت لك.
قال محمد بن رشد: قوله: كان له ثلث خمسمائة من الثلث إن حمله، يريد إن حمله
مع الخمسمائة وقوله: أو يحاص يريد إن لم يحمل ذلك الثلث، فيعطي مثل ثلث
الخمسمائة من ثلث الميت، ويأخذ الثلاثة الخمسمائة أيضا فإن كان الثلث أقل
من ستمائة وستة وستين وثلثين تحاصوا فيه، فكان بينهم أرباعا، وإن كان درهما
واحدا لأن وصاياهم كلهم مستوية، ولا اختلاف في هذه المسألة، وهي تبين ما
وقع في رسم بع ولا نقصان عليك من سماع عيسى من قول ابن القاسم الذي ذكره
فيه من رسم العشور، وبالله التوفيق.
[مسألة: يوصي للرجل بجارية له بعد موته هل
للموصي أن يطأها]
مسألة وسئل عن الرجل يوصي للرجل بجارية له بعد موته، هل للموصي أن يطأها؟
قال: نعم. ويوصي بعتقها فيطؤها، وذلك لأنه يرد ذلك إن شاء ويبيعها إن شاء،
ولكن ما تصدق أو أعتق بتلا في مرضه، فليس له أن يطأها وإن كان إنما يكونان
في الثلث،
(13/272)
ويخرجان من الثلث؛ لأنه إذا صح أنفذ عليه
من رأس المال، ولم يستطع تحويلها عن حالهما.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه والأصل في هذا أن
كلما يجوز له الرجوع فيه، فله وطؤه وكل ما لا يجوز له الرجوع فيه، فليس له
وطؤه إلا المدبرة فإن وطأها له جائز، وليس له أن يرجع فيها للسنة القائمة
فيها خاصة، وبالله التوفيق.
[مسألة: أوصى لأجنبي وأوصى لجميع من يرثه
بوصايا]
مسألة قال: وسمعت ابن القاسم يقول: إذا أوصى لأجنبي، وأوصى لجميع من يرثه
بوصايا سواهم فيها، وسهامهم في الفرض مختلفة مورث بعضهم أكثر من مورث بعض،
فأرى الورثة يحاصون الأجنبي بما فضل به بعضهم على بعض في قدر مواريثهم، ثم
إن شاؤوا أمضوا بعضهم لبعض، وإن شاؤوا ردوه، فكان بينهم على قدر فرائضهم،
ومن شاء منهم أمضى، ومن شاء رده. وقاله أصبغ وتفسيره أن يكون له ابنان
وابنتان فيعطي كل واحد منهم مائة مائة الذكر والأنثى جميعا في وصية أو في
مرض موت بتلا، ثم يموت، إنه يطرح حظوظ الذكور مائة مائة وحظوظ الإناث خمسين
خمسين؛ لأنه إنما أوصى لهم وأعطاهم الذي هو لهم، وتكون الوصايا والعطايا
للإناث دون الذكور بخمسين خمسين، تمام المائة التي زادهم على حظوظهم فيكون
موصى لهن بها فقط، فيكون ذلك وصية لوارث دون وارث، فإن أجاز ذلك الورثة لهن
وإلا بطل ذلك كله ورجع مالا وميراثا على الفرائض، فإن أجاز واحد من الابنين
للابنتين جاز لهما حصته من المائة التي جعلت له وصية لو قسمت على الفرائض
وهو ثلاثة وثلاثون وثلث، بينهما ويكون لهما منه مثلها
(13/273)
وأخذا بالميراث وأخذ الابن الذي لم يجز
لهما منها مثلها تمام المائة بالميراث وبالرد للإجازة وإن أجاز لإحداهما
دون الأخرى، فعلى حساب ذلك، وإن أجاز الآخر لبعض دون بعض فكذلك، وإن كانوا
معهما وصايا حوص لهما بالمائة مع الوصايا ثم صار بما أصابها بينهم البين
يعني على هذا التفسير على الإجازة وغير الإجازة. قال: وقال لي ابن القاسم:
ولو أوصى للأجنبي وأوصى لجميع ورثته بوصايا على قدر مواريثهم سواء لم
يحاصوا أهل الوصايا بوصاياهم في ثلث الميت وكان لأهل الوصايا دون الورثة إن
أحاطت وصاياهم بجميع الثلث، وكذلك لو لم يكن إلا وارث واحد، فأوصى بوصايا،
وأوصى لوارثه ذلك بوصية، لم يضر ذلك أهل الوصايا، ولم يحاصهم، وأسلم إليهم
الثلث كله حتى يستوعبوا وصاياهم، ولو كانوا وارثين أو أكثر وأوصى لواحد
منهم بشيء حاص الوارث الموصى له أهل الوصايا بذلك، ثم رجع ذلك إلى الورثة
إلا أن يجيزوه.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إن الرجل إذا أوصى لأجنبي ولجميع ورثته
بوصايا سواهم فيها، وسهامهم في الفرض مختلفة، فإن الورثة يحاصون الأجنبي
بما فضل به بعضهم على بعض، يريد إذا لم يحمل الثلث ما أوصى به للأجنبي
ولبعضهم، إذ لا فرق بين أن يوصي لأجنبي ولبعض الورثة، وبين أن يوصي لأجنبي
ولجميع الورثة بوصايا متفقة، وسهامهم في الفرض مختلفة؛ لأنه إذا فعل ذلك،
فقد فضل في الوصية من قل حظه في الميراث على من كثر حظه فيه. والتفضيل له
عليه وصية له دونه. وتفسير أصبغ لمذهب ابن القاسم بقوله: إن ذلك مثل أن
يكون له ابنان وابنتان فيوصي لكل واحد منهم بمائة مائة، فيكون قد فضل
البنتين في الوصية بخمسين خمسين، فإن كان أوصى لأجنبي معها بوصية، ولا يحمل
ذلك
(13/274)
ثلثه، تحاصا فيه في الثلث الابنتان بمائة
والأجنبي بمبلغ وصيته فما صار من الثلث للابنتين في المحاصة، كان سائر
الورثة بالخيار، بين أن يجيزوا ذلك لهما ويمضوه، وبين أن يردوه ميراثا بين
جميعهم تفسير صحيح. وقد قيل: إنهما يحاصان الأجنبي بما زاد ما أوصى به لهما
على ما يجب لهما بالميراث من جميع الوصية لهما ولأخويهما وذلك ستة وستون
وثلثان؛ لأن مبلغ الوصية لهما ولأخويهما أربعمائة، يجب لهما منها بالميراث
مائة وثلاثة وثلاثون وثلث، وقد أوصى لهما ولأخويهما بمائتين فتبقى الوصية
لهما ستة وستون وثلثان، فهي التي يحاصان بها الأجنبي وهذا القول أظهر ويجب
على قياسه إذا أوصى الرجل لأجنبي، ولبعض الورثة، فلم يحمل ذلك ثلثه، ألا
يحاص الورثة الأجنبي إلا بما يبقى من وصية الوارث بعدما يجب له منها
بالميراث مثال ذلك: أن يترك المتوفى أربع بنين ويوصي لأحدهم بمائة دينار،
ولأجنبي بمائة دينار، وثلثه مائة دينار، فيحاص الأجنبي بخمسة وسبعين؛ لأن
المائة التي أوصى له بها، يجب له منها بالميراث خمسة وعشرون، خلاف مذهب ابن
القاسم والمشهور في المذهب أنه يحاص بجميع المائة، ومذهب ابن القاسم على ما
فسره أصبغ أنهما يحاصان الأجنبي بجميع المائة التي أوصى بها لهما، ولا ينظر
إلى ما يجب لهما منهما بالميراث، هو القياس على أصله، في أن الورثة يحاصون
الأجنبي بجميع وصية الوارث وإنما يحاص الورثة الأجنبي بوصية الوارث إذا لم
يحمل الثلث وصاياهما جميعا وأما إذا حملها الثلث فيأخذ الأجنبي وصيته كاملة
وترجع وصية الوارث ميراثا بين جميع الورثة إلا أن يجيزوها له، وأما إذا لم
يكن له إلا وارث واحد فأوصى له ولأجنبي فليس له أن يحاص بوصيته الأجنبي إذا
لم يوص له إلا بما هو واجب له بالميراث، ولا حجة له على الأجنبي في الثلث
فما دونه، وكذلك أيضا إذا أوصى لجميع ورثته بوصايا على قدر مواريثهم، فليس
لهم أن يحاصوا الأجنبي بوصاياهم، إذا لم يوص لكل واحد منهم إلا بما يجب له
بالميراث، ولا حجة لهم على الأجنبي في الثلث فما دونه، وبالله التوفيق.
(13/275)
[مسألة: عبد
بين أختين فحضرت إحداهما الوفاة فأوصت بنصيبها في العبد]
مسألة وسئل ابن القاسم عن عبد كان بين أختين، فحضرت إحداهما الوفاة فأوصت
فقالت: لفلانة أختي لأبي من مالي في العبد الذي بينها وبين أختها الأخرى
لأمها وأبيها عشرة دنانير، وبقيته صدقة عليه، تعني العبد والأخت التي أوصت
لها بالعشرة، ليست ترثها. قال ابن القاسم: إن لم يزد على هذا رأيت أن يباع
منه، يعني من نصيبها قدر لعشرة، فتدفع إلى الأخت ثم يعتق ما بقي من حصتهما
إن حمله الثلث، وقاله أصبغ ولا تحسب العشرة في العبد فيكون للأخت ما تبلغ
منه، ولكن يترك حتى يباع بقدرها ثم حينئذ يعتق ما بقي، إلا أن ترضى الموصى
لها بالتمسك بقدر ذلك من العبد لا يباع، ولا تبالي بالانكسار لثمنه في
العشرة يوما فيعطى بقدرها على القيمة منه يومئذ، ولا يعطى بقدر الذي كان
يباع بالعشرة من أجزاء العبد إن كان أكثر من جزء العشرة بالقيمة وإلا بيع
لها بها ما بلغت فأعطيت وعتق ما بقي لأنها سمت لها عشرة دنانير من ثمن عبد
لها، والبيع أحيا وأوقر، وأنتم للوصية، فذلك لها فإنما جعلت كله ما يبقى
بعد العشرة التي تباع منه بها إن بيع أو لم يبع فمبلغها منه، فإنما ذلك على
القيمة والعدل، لا أكثر، أن مخارج الوصايا في الشيء على الأقل حتى يعرف
الأكثر والبقية عتيق. قال ابن القاسم: إلا أن يوصي فيقول: بيعوا نصيبي،
فأعطوا فلانا عشرة، وما بقي فهو للعبد، فإنه يباع نصيبها كله، فتعطى فلانة
العشرة، وما بقي دفع إلى العبد، قال أصبغ: ولا عتق فيه حينئذ لأنه إنما
أوصت له هاهنا بمال وسواء قالت: بيعوا نصيبي كله فأعطوه أو بيعوا نصيبي ولم
تقل كله، فهو سواء يباع كله ويعطى ولا عتق عليه فيه.
(13/276)
قال محمد بن رشد: قوله في التي أوصت لأختها
بعشرة دنانير في نصيبها من العبد الذي بينها وبين أختها وبقية نصيبها منه
له: إن يباع لها من نصيبها من العبد بعشرة، ويعتق ما بقي من حظها منه صحيح
بين لا إشكال فيه. وصفة البيع في ذلك أن يباع على التنقيص فيقال في النداء
عليه: كم تأخذون من هذا العبد بعشرة على أن باقي نصفه عتيق؟ فيقول رجل: أنا
آخذ ثلثه بعشرة، ويقول الآخر: أنا آخذ ربعه بعشرة، ويقول الآخر: أنا آخذ
خمسة بعشرة، فإذا وقف على شيء بيع منه ذلك القدر بعشرة، وكذلك قال سحنون:
إنه يباع على التنفيض وقول أصبغ: إن العشرة لا تحسب في العبد، فيكون لها
منه بقدرها صحيح بين؛ لأن العشرة لا تحسب في العبد، فيكون لها منه بقدرها
صحيح بين؛ لأن ذلك لا يجب عليها إلا أن تشاء إذ لم يوص لها بجزء منه، وإنما
أوصى لها بدنانير. وأما قوله: إلا أن ترضى الموصى لها بالتمسك بقدر ذلك من
العبد فيعطى بقدرها على القيمة منه يومئذ يريد: بأن يقوم العبد فيكون لها
منه ما تقع العشرة من القيمة التي قوم بها، ولا يعطى من أجزائه بقدر ما كان
يباع منه بالعشرة، ففيه نظر؛ لأن ذلك يقتضي أنه ليس لها أن تأخذ من العبد
إلا ما تقع العشرة من قيمته، والذي أراه في هذا على أصلهم أنه إذا وقفت
العشرة على جزء ما منه فلها أن تأخذ بالعشرة منه أقل من ذلك الجزء، وليس
لها أن تأخذ منه ذلك الجزء بعشرة، إذ لا شك لها فيه، فيكون كالعبد بين
الشريكين يبيع أحدهما نصيبه، فيكون للآخر أن يأخذه بما يعطي به، دون زيادة،
مثال ذلك أن يقف على أن يباع منه خمسة بعشرة، فيقول هو: أنا آخذ سدسه
بعشرة؛ لأنه يبعد في النظر أن يقال له: إما أن تأخذ عشرة بالعشرة لأن قيمته
مائة، وإما أن تتركه فيباع لك منه خمسة بالعشرة؛ لأن أخذه سدسه بالعشرة
أولى من أن يباع منه بها الخمس. وهذا بين والحمد لله وبه التوفيق.
(13/277)
[مسألة: قال في
مرضه بيعوا رأسا من رقيقي فاقضوا به ديني]
مسألة قال: وسألت ابن القاسم عمن قال في مرضه: بيعوا رأسا من رقيقي، فاقضوا
به ديني، وبقيتهم أحرار وليس له مال غيرهم إنه يسهم عليهم، أيهم يباع في
الدين، فمن خرج عليه السهم للدين، بيع في دينه وأسهم بعده في بقيتهم للعتق،
فيعتق من خرج له السهم للعتق إن كان ذلك ثلث الميت، فإن فضل شيء من ثلثه،
أسهم بين من بقي فمن خرج له السهم عتق منه بقدر ذلك الفضل. وقاله أصبغ
وتفسيره أن يكون الدين ثلاثين، وجميع قيمة العبد خمسين ومائة، فيخرج السهم
على عبد باسمه من عددهم على القيمة مثل أن يكونوا خمسة فبخمس القيم فإن كان
العبد بثلاثين كان للدين وكان الأمر مستوفى وكان باقي المال عشرين ومائة
فيسهم بين من بقي فمن خرج له السهم فله فيه قيمة أربعين فيعتق مبلغها منه
وهو الثلث فإن كان كفافا فذلك وإن بقي من الأربعين بعد قيمته وعتقه شيء
أسهم بين من بقي أيضا فمن له السهم أعتق منه تمام الأربعين، وهو تمام
الثلث، يبلغ ذلك ما بلغ نصفه أو ثلثه أو أقل أو أكثر، ويرق ما بقي منه مع
سائر الأعبد الذين لم يصبهم سهم البيع، ولا سهم العتق، قاله ابن القاسم وإن
قصر الرأس الذي خرج السهم عليه للبيع عن دينه، كان ما بقي من الدين في جملة
ما له سوى الرقيق، قال أصبغ: إن كان له مال سواهم، يتم به دينه أتم، ثم
يعتق العبيد في ثلث ما بقي أو ما حمل الثلث منهم بالسهم. قال أصبغ: وتفسير
هذا أن يكون الرقيق ثلثه، وله مال سواهم من عين أو عرص أو عقار أو غير ذلك،
فرأس منها بالسهم للدين ليس بمبلغ الدين ولكن يبلغ ثلث القيم، وهو رأس من
عددهم لوصيته، يباع
(13/278)
رأس منها للدين، يبلغ ذلك من الدين ما بلغ
ويرجع باقي الدين في سائر المال سوى العبيد، لتخلص الحرية فيمن بقي في
جميعهم، كما أوصى بمبلغ الثلث؛ لأنه خصهم بالحرية دون الدين، وخص الدين
بالرأس الأول دون الحرية، فيكون ذلك للدين خالصا والآخرين للحرية خالصا،
وباقي الدين في سائرهم، ليعرف الثلث لهم من الباقي كله بعد الدين، فيعتق
منهم مبلغه على سنته بالسهم، ويرق ما بقي مما لا يسعه الثلث بعد السهم له
والمعرفة. قال ابن القاسم: لو لم يقل بيعوا رأسا من رقيقي لديني وأعتقهم
جملة في وصيته وعليه دين، ولم يترك مالا غيرهم، أسهم بينهم فيمن يباع في
دينه كله، حتى يباع قدر الدين كله، بيع فيه رأس أو رأسان أو أقل أو أكثر،
ثم عتق ثلث ما بقي بالسهم، ورق الثلثان للورثة، إذا لم يكن له مال غيرهم،
فإن كان له مال غيرهم، قضى منه دينه، ثم عتق العبيد جميعا في ثلث ما بقى
بعد الدين أو ما حمل الثلث منهم بالسهم، وقاله أصبغ أيضا. وهذه السنة
والعمل في هذا الآخر قال أصبغ: وإن قصر المال سوى العبيد عن الدين أسهم
بينهم فيمن يرق لتمام الدين إن أحاط به كله، وإن أحاط ببعض رجع البعض الآخر
إلى بقية العبيد فدخل معهم في عتق الوصية بالسهم عليه وعليهم.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة صحيحة حسنة مستوعبة قد فسر منها أصبغ ما
أجمله فيها ابن القاسم والذي يحتاج إلى الوقوف عليه منها إن الرجل إذا أوصى
بعتق عبيده في مرضه وعليه دين إنه إن لم يكن له مال سواهم، فسواء قال:
بيعوا رأسا من رقيقي في ديني أو سكت عن ذلك، لا بد أن يقرع بينهم فيمن يباع
منهم في الدين خرج منهم فيه ما خرج، ثم يقرع فيمن بقي منهم، فيعتق ثلثهم
بالقرعة. وأما إن كان له مال سواهم، فإن كان
(13/279)
قال: بيعوا رأسا من رقيقي في ديني فكما
قال، وإن كان لم يقل ذلك كان الدين فيما سوى العبيد، ثم يعتق من العبيد
بالقرعة ثلث جميع مال الميت بعد الدين وبالله التوفيق.
[مسألة: يقول في وصيته في مرضه أعتقوا خيار
رقيقي]
مسألة وسألت ابن القاسم عن الرجل يقول في وصيته في مرضه: أعتقوا خيار
رقيقي، ولم يسم أحدا منهم، قال: يعتق أعلاهم ثمنا حتى يستوعب فيهم الثلث
فإن شاء الله. واحتج بحديث النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: سئل أي الرقاب
أفضل؟ قال: " أعلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها ". وقال أبو زيد بن أبي الغمر
عن ابن القاسم مثله. وقاله أصبغ إلا أن يرى في مذهب الوصية أنه أراد الخيار
في الدين والصلاح، لسبب يدل أو بساط، أو أمر، وذكر جرى له، فأوصى عليه،
فيحصل على ذلك، وإلا فالأفضل ثمنا إن شاء الله. قال محمد بن رشد: قوله: إنه
يعتق أعلاهم حتى يستوعب الثلث فيهم، أي في المرتفعين أثمانهم منهم، فإن كان
الثلث يحمل جميعهم، فقد قال ابن القاسم في كتاب ابن المواز وابن عبدوس: إنه
يعتق فيه منهم المرتفعون، ولا يعتق الوخش، مثل ثمن خمسة عشر. قال: وهذا إن
كانوا متباينين في الثمن جدا فيعرف بذلك أنه أراد المرتفعين منهم، وأما إن
كانوا متقاربين في الأثمان، فليبدأ أهل الصلاح منهم، يريد حتى يستوعب الثلث
فيهم أيضا، وإن حمل الثلث جميعهم، لم يعتق فيه إلا أهل الصلاح منهم على
قياس ما قاله في المرتفعين مع الوخش، وإنما ينبغي أن يحمل قوله: أعتقوا
خيار رقيقي على أنه أراد المرتفعين أثمانهم دون الخيار في
(13/280)
الدين، إن كان ممن قرأ العلم، وسمع
الأحاديث ورأيت لابن زرب أنه قال: فإن كانوا معتدلين كلهم في القيمة عتق
جميعهم إن حملهم الثلث، والذي في كتاب ابن المواز لابن القاسم أنه إن كانت
قيمتهم متقاربة حملت وصيته على أنه أراد بها الخيار في الدين هو الصواب
والله أعلم.
[مسألة: لا يلحق الأيتام دين بحال]
مسألة قال: وسمعت ابن القاسم يقول فيمن ترك ولدا وترك لهم مالا فأنفق عليهم
ذلك المال، ولهم مال سواه ورثوه من أمهم، ثم طرأ دين على الميت هل يؤخذ من
مالهم شيء مكان ما أنفق عليهم من مال الميت؟ قال: لا يؤخذ منهم شيء قال
أصبغ: أرى أن تفض النفقة على المالين، وعلى قدر المال الذي ورثوه، والمال
الذي لهم حتى كأنه مال واحد، فما أصاب المال الذي ورثوه، فأنفق عليهم هدر
لأن السنة أن ينفق عليهم من جميع أموالهم، فهي وإن وقعت على مال المواريث
فليس له خاصة هي منه على الجميع، فأرى أن يقسم كما فسرت لك، فما أصابها من
النفقة سقطت عنه، وما بقي فكأنه متروك ترك للدين.
قال محمد بن رشد: اختار ابن المواز قول ابن القاسم، فقال: لا يلحق الأيتام
دين بحال، إلا لمن أنفق عليهم سلفا، ولهم مال يرجع فيه. وقال في قول أصبغ:
إنه حسن المسألة فيها أربعة أقوال: أحدها إنه ليس للغرماء الطارئين أن
يرجعوا على بني الميت بما أنفق الوصي من التركة عليهم إن كان لهم يوم أنفق
التركة عليهم مال ورثوه من أمهم أو من وجه من الوجوه، وهو قول ابن القاسم
في هذه الرواية، وظاهر روايته عن مالك في النكاح الثاني من المدونة والثاني
إن لهم أن يرجعوا عليهم فيما أنفق الوصي عليهم من التركة، ويتبعونهم دينا
في ذمتهم إن لم يكن لهم مال، وهو قول
(13/281)
المخزومي في المدونة؛ لأنه إذا رأى ذلك
دينا عليهم إن لم يكن عليهم مال فأحرى أن يؤخذ ذلك من مالهم إن كان لهم
مال. والثالث إنه إن كان لهم مال رجعوا فيه بما أنفق الوصي من التركة عليهم
وإن لم يكن لهم مال لم يتبعوا بذلك دينا في ذمتهم. والرابع قول أصبغ: إن
النفقة مفضوضة على المالين، ولو اختلط المالان، فأنفق عليهم منه بعد
اختلاطه، كانت النفقة مفضوضة على المالين. قاله ابن القاسم في المجموعة ولا
اختلاف في هذا ولو أنفق عليها من غير التركة لكانت التركة للغرماء، ولا
اختلاف في هذا أيضا. فقول ابن القاسم على قياس القول بأن الدين لا يتعين في
التركة، وإنما يجب في الذمة وقول المخزومي على قياس القول بأنه يتعين في
التركة. وأما القولان الآخران فهما استحسان وبالله التوفيق.
[مسألة: يوصي فيقول ثلث مالي للأقرب فالأقرب]
مسألة قال أصبغ: قال ابن القاسم في رجل يوصي فيقول: ثلث مالي للأقرب
فالأقرب، ويترك بعده أباه وجده، وأخاه وعمه، قال: يقسم ذلك عليهم قال: قدر
حاجتهم وجدتهم، ويفضل الأقرب فالأقرب، فأرى الأخ أقرب، ثم الجد بعد، وإن
كانوا إخوة ثلاثة مفترقين، فالأخ للأب والأم أقرب، ثم الأخ للأب.
قلت: فإن كان الأخ الأقرب موسرا، والأبعد محتاجا. قال: ما أرى إلا أن يفضل
بشيء، وإن كان غنيا على وجه ما أوصى به، ولا يكثر له. قال: وإن كان الذي
أوصى به على هذه الوصية إنما هو حبس فالأخ أولى وحده ولا يدخل معه غيره.
قال محمد بن رشد: قوله: يقسم ذلك عليهم على قدر حاجتهم، معناه: إن لم
يكونوا ورثة، فالأب لا شيء له في هذه الوصية بحال؛ لأنه وارث على كل حال،
وكذلك في كتاب ابن المواز في هذه المسألة إنه يقسم
(13/282)
عليهم بقدر حاجتهم، ويفضل الأقرب فالأقرب.
قال محمد: قال مالك: ما لم يكونوا ورثة فإنا نرى أنه لم يرد بوصيته ورثته.
وقوله: إن الأخ أقرب من الجد صحيح، أنه يجتمع مع الموصي في أبيه فهو أقرب
إليه من جده، وكذلك ولد الأخ، وولد ولد الأخ وإن سفلوا هم أقرب من الجد
وهذا على ترتيب القرب في ميراث الولد، فالأخ أولى، ثم بنوه وإن سفلوا، ثم
الجد، ثم بنوه وهم الأعمام، وإن سفلوا ثم أب الجد، ثم بنوه، هكذا وإن كان
الإخوة أو بنو الإخوة أو الأعمام أو بنوهم في درجة، فالشقيق أحق من الذي
للأب ولما سأله عن الثلاثة الإخوة المفترقين، قال: إن الأخ الشقيق أقرب، ثم
الأخ للأب وسكت عن الأخ للأم، إذ لا شيء له على مذهبه في أن من أوصى
لقرابته، لا يدخل في ذلك قرابته من قبل الأم، إلا أن يكون له قرابة من قبل
الأب وقد مضى الكلام على هذا في رسم أسلم من سماع عيسى، وقال: إنه يفضل
الأقرب وإن كان موسرا على الأبعد، وإن كان محتاجا، وإن كان الأقرب محتاجا
والأبعد موسرا فضل عليه من جهتين، وإن استووا في القرب وهم جماعة قسم ذلك
بينهم بالاجتهاد في قدر الحاجة ولا يحرم الأغنياء. وقد قيل: إنه يساوي
بينهم في ذلك. وذلك على اختلاف قول ابن القاسم في المدونة في الذي يوصي
لأخواله وأولادهم. وقوله: وإن كان الذي أوصى به على هذه الوصية إنما هو
حبس، فالأخ أولى وحده، ولا يدخل معه غيره، فمعناه: إذا كانت وصية بسكنى
للأقرب فالأقرب وأما إن كانت وصية بحبس له غلة لتقسم الغلة على الأقرب.
فالأقرب كل عام، فيدخل الأبعد مع الأقرب بالاجتهاد كما إذا أوصى بوصية مال
للأقرب وبالله التوفيق.
[مسألة: يوصي فيقول لفلان مائة ولا يسمي شيئا]
مسألة قال: وسألت ابن القاسم فيما أعلم عن الرجل يوصي فيقول:
(13/283)
لفلان مائة، ولا يسمي شيئا ولا يدري ما
أراد، قال: إن كان البلد إنما المال فيه الدنانير، والغالب عليها، فله
الدنانير، وإن كانت بلد دراهم، والغالب عليها الدراهم فالدراهم، وإن كان
بلد دنانير ودراهم جميعا فليس له إلا دراهم، ويعطى الأقل، حتى يستيقن غير
ذلك إلا أن يكون لوصيته وجه، يستدل به أنه إنما أراد الدنانير أو الدراهم،
فيعطى منها مثل أن يوصي فيقول: لفلان مائة دينار، ولفلان عشرة دنانير،
ولفلان مائة، ولا يسمى هاهنا شيئا، فهذا ليس له إلا الدنانير، أو يوصي
فيقول: لفلان مائة دينار ولفلان عشرة دنانير أو مائة درهم، ولفلان مائة ولا
يسمي شيئا فهذا ليس له إلا الدراهم، وإن كان البلد بلاد دنانير، إذا كان
هذا بساط الكلام، حتى يستدل به على ما أراد من وجه ذلك وبساطه، فيعمل فيه
على ذلك. وقاله أصبغ. وهذا وجه ما سمعت منه وتفسيره.
قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في هذه الرواية تفسير مجمل قوله في أول
رسم الصلاة من سماع يحيى حسبما ذكرناه هناك. وبالله التوفيق.
[مسألة: تصدق بصدقة وأمر أن يتصدق بها بدرهمين
كل شهر]
مسألة قال: وسمعت ابن القاسم يقول في رجل تصدق بصدقة، وأمر أن يتصدق بها
بدرهمين كل شهر على صرف اثني عشر بدينار، ثم صار الصرف عشرين بدينار، إن
عليه سدس دينار كل شهر، بالغا ما بلغ، وكذلك أوصى صاحبها قال أصبغ: يعني إن
في وصيته بدرهمين من صرف اثني عشر بدينار شرط. وقاله أصبغ وإن نقصت الدراهم
عن اثني عشر لم يكن عليه إلا سدس، وإن لم يكن ذلك بشرط في الوصية ولا بيان،
فالدرهمان راتبان كل شهر زاد الصرف أو نقص.
(13/284)
قال محمد بن رشد: هذا كما قال وهو مما لا
اختلاف فيه؛ لأن ذلك على قياس البيوع، لو باع رجل من رجل سلعة إلى أجل
بدرهمين من صرف اثني عشر درهما بدينار لم يجب له الدرهمان إذ لم يسمها إلا
ليبين بها الجزء الذي باع به من الدينار، فلا يكون له إذا حل الأجل إلا سدس
دينار، زاد الصرف أو نقص. ولو باع منه سلعة إلى أجل بسدس دينار من سوم اثني
عشر بدينار لم يجب له عليه إذا حل الأجل إلا درهمان، زاد الصرف أو نقص
أيضا؛ لأنه لم يسم الجزء إلا ليبين به عدد الدراهم التي باع بها، وإذا باع
بدرهمين أو بسدس دينار، ولم يقل من صرف كذا وكذا، فله ما سمى من جزء
الدينار أو من عدد الدراهم. ومثل هذا في المدونة وفي سماع أشهب وسماع يحيى
من كتاب الصرف. وبالله التوفيق.
[مسألة: يوصي عند موته يقول هذه الدار لابني
فلان]
مسألة قال: وسألت ابن القاسم عن الرجل يوصي عند موته يقول: هذا المتاع، أو
هذه الدار لابني فلان، كل ذلك من ميراث من أمه، وليس أحد يعلم ما يقول، ولا
يشهد على ما سمى قال: لا يقبل قوله، إلا أن يعلم أنه قد كان لها مال أو عرض
فإن علم ذلك، وأتى بأمر غير مستنكر، رأيت أن يقبل ذلك منه.
قال محمد بن رشد: إقرار الرجل في مرضه بما في يديه من الدور والمتاع الذي
لا يعرف ملكه لها، إنها لابنه من ميراثه في أمة، كإقراره في مرضه بالدين من
ذلك، لا يجوز إلا أن يشبه قوله، ويعرف وجه إقراره بأن يعلم أنه كان لأمه من
المال نحو ما أقر له به وكذلك في كتاب ابن المواز: إن إقرار الرجل في مرضه
بالدين لابنه لا يقبل منه إلا أن يكون لذلك وجه أو سبب يدل وإن لم يكن
قاطعا وإن كانت الدور التي أقر أنها لابنه من ميراثه في أمه يعرف ملكه لها
لم يجز إقراره لابنه بها في مرضه على حال، ولو أقر له بها في
(13/285)
صحته، لكان إقراره له بها كالهبة تصح له إن
حازها له بما يجوز به الآباء، لمن يلون أمرهم من الأبناء، على ما في رسم
الشجرة من سماع ابن القاسم من كتاب الصدقات والهبات، وفي غيره من المواضع،
خلاف قول أصبغ في سماعه من الكتاب المذكور حسبما بيناه. وبالله التوفيق.
[مسألة: أوصى أن فلانا خليفة على رقيق ولده]
مسألة وسئل عن رجل أوصى أن فلانا خليفة على رقيق ولده، وأولئك الرقيق الذين
يقومون بأمر ولده، أيكون بها خليفة للولد؟ قال: لا، إلا بما يقوم به العبيد
لولده، ولا يكون بيده في ذلك بضع نكاح في ذكر ولا أنثى، ولا أمر مما يجوز
للوصي.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن الوصي كالوكيل، فإذا خص بشيء دون شيء لم
يكن له أن يتعدى ما خص به. وبالله التوفيق.
[مسألة: ميت مات فوجد في وصيته أن عبدي فلانا
لفلان]
مسألة قال: وسمعت أشهب وسئل عن ميت مات، فوجد في وصيته أن عبدي فلانا
لفلان، ووجد في وصية له أخرى أن يباع من فلان، ولا مال له غيره، قال: يكون
ثلث العبد بينهما أرباعا. للموصى له به ثلاثة أرباعه وللموصى له بالبيع منه
ربعه.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن من حق الذي أوصى له أن يباع منه أن يحط
عنه من ثمنه ثلثه، فكان كأنه قد أوصى له بثلث رقبته فوجب أن يشتركا في ثلثه
على قدر ما أوصى به لكل واحد منهما، وبالله التوفيق.
[مسألة: أوصى فقال أعطوا فلانا عشرة وفلانا
السدس أي السدس يعطي]
مسألة وسئل عن رجل أوصى فقال: أعطوا فلانا عشرة، وفلانا
(13/286)
عشرين، وفلانا السدس، أي السدس يعطي؟ أسدس
الثلث؟ أم سدس المال؟ قال: بل سدس المال، أرأيت العشرة والعشرين، من أين
أوصى بها؟ قيل: من المال قال: فكذلك السدس إنما هو من المال.
قال محمد بن رشد: قد قيل: إن له سدس الثلث إذا كان قوله بعد وصية، وإنما
يكون له سدس المال، إذا كان قوله بعد إقرار بدين، وهو قول مالك في رواية
ابن وهب عنه. حكى ذلك عنه محمد بن المواز وقال: هو من رأيه مثل رواية أصبغ
هذه عن ابن القاسم، إن له سدس المال في المسألتين جميعا؛ لأنه إذا رأى له
سدس المال، إن كان قوله بعد وصية، فأحرى أن يرى ذلك له إذا كان قوله بعد
وصية ولكلا القولين وجه، فوجه قول ابن القاسم ما ذكره في الرواية، ووجه
القول الآخر أنه لما احتمل أن يريد الموصى سدس المال وسدس الثلث لأنه الذي
يتيقن به وما زاد عليه مشكوك فيه، ولا تكون الوصايا بالشك. وبالله التوفيق.
[مسألة: أوصى أن تشتري له رقبة تعتق عنه فاشترى
الوصي مدبرا فأعتقه]
مسألة وسئل عمن أوصى أن تشتري له رقبة تعتق عنه، فاشترى الوصي مدبرا وهو لا
يعلم فأعتقه، قال: لا يجوز عتقه، ولا يجزئ.
قال محمد بن رشد: قوله: لا يجوز ولا يجزئ معناه لا يجوز عتقه، ويرد إلى
سيده على تدبيره، ولا يجزئ إن فات رده إلى سيده بموت
(13/287)
أو عيب، وكذلك لو اشتراه وهو يعلم أنه
مدبر، فأعتقه عن الميت، يرد على هذا القول، ولا يجزئ عن الميت إن فات رده
بموت أو عيب، ويضمن الوصي على قول أشهب، وأحد قولي ابن القاسم. وأما على
القول بأن من اشترى مدبرا فأعتقه، لا يرد عتقه، وهو أحد قولي مالك إن
اشتراه فأعتقه يجزئ عن الميت، إذ لا يرد عتقه، وهو قول ابن القاسم في رسم
المدبر والعتق من سماع أصبغ من كتاب العتق، وسواء دلس له بذلك البائع أو
اشتراه، وهو يعلم أنه مدبر، إن كانت الرقبة تطوعا، وأما إن كانت واجبة، فلا
يجزئ عن الميت إن اشتراه وهو يعلم أنه مدبر وإن لم يرد العتق، ويضمن الوصي؛
لأن الرقبة الواجبة لا تشترى بشرط العتق، وإذا اشتراه وهو يعلم أنه مدبر
فقد اشتراه بشرط العتق إذ لا يجوز أن يباع المدبر على غير العتق، فإن بيع
على العتق مضى العتق ولم يرد على هذا القول، ولا يجوز عند مالك أن يباع
المدبر ممن يعتقه، وإنما يجوز عنده أن يعطي سيده مالا على أن يعتقه، ويكون
الولاء له.
وقد وقع في رسم صلى نهارا ثلاث ركعات من كتاب الصدقات والهبات، ما ظاهره
جواز ذلك، إلا أن يتأول على خلاف ظاهره. وبالله التوفيق.
[مسألة: أوصى بشراء رقبة فتعتق عنه فاشتراها
الوصي فأعتقها ثم استحقت]
مسألة وسئل عن رجل أوصى أن يشترى له رقبة بثلاثين دينارا فتعتق عنه
فاشتراها الوصي فأعتقها، ثم استحق رجل نصفها، قال: فالمستحق بالخيار، إن
شاء أجاز البيع وأخذ نصف الثمن، وإن شاء أخذ نصفها وقوم على الوصي ذلك
النصف الذي استحقه المستحق، يقوم على الوصي في ماله، لا على الورثة. قال
أصبغ: وقد كان قال لي قبل ذلك في ذلك المجلس: إنه إنما يقوم
(13/288)
على الورثة، يعني في مال الميت. قال أصبغ:
والورثة أعدل أن يقوم عليهم في ثلث الميت.
قال محمد بن رشد: وإذا قوم على الوصي ذلك النصف اتبع هو البائع بنصف الثمن،
فإن كان فيه فضل عما قوم به عليه، رد الفضل على الورثة، وإن كان فيه نقصان
كان عليه، كما أنه لم يجد البائع، كانت المصيبة منه، وإذا قوم على الورثة
في مال الميت على أحد قولي ابن القاسم، واختيار أصبغ فلا شيء على الوصي،
وهم يتبعون البائع بنصف الثمن، ولا اختلاف في وجوب تقويمه على الوصي جار
على ما تقدم من الاختلاف في وجوب تضمينه ما أخطأ فيه. وقد مضى القول على
ذلك في أول السماع، وفي رسم الأقضية من سماع أشهب، وذكر ابن المواز قول ابن
القاسم في إيجاب تقويم النصف على الوصي واستحسان قول أصبغ أن يقوم على
الورثة قال: ولا يعجبني القولان، ولكن إن كانت الثلاثون بعينها، فلا يعتق
إلا نصفه حتى يؤخذ من البائع بقيمة ثمنه فيتم به عتقه، وإن تكن بعينها،
فليتم عتق ما بقي منه من ثلث ما بقي، بعد أن يسقط منه نصف الثلاثين التي
تلفت عند البائع، وبالله التوفيق.
[مسألة: أوصى لقوم بوصايا ولرجل آخر أن ينفق
عليه ما عاش]
مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم قال في رجل أوصى لقوم بوصايا، ولرجل آخر
أن ينفق عليه ما عاش، فمات الموصى له بالنفقة إنه يحاص ورثة الموصى له
بالنفقة أهل الوصايا في جميع الثلث، بقدر ما عاش صاحبهم بعد موت الموصي
بنفقة مثله فيه. قال: ويحاص من يوم مات الموصي ليس من يوم يجمع المال أيضا
لأن صاحبهم لو كان حيا كان يعمر على ذلك، ويحاص بما يصيبه، فيدفع إليه، أو
وقف له. فإن مات قبل أن يستنفده رجع
(13/289)
أهل الوصايا في ذلك الفضل، حتى يستوعبوا
وصاياهم كاملة، وتكون الفضلة فيه بعد لورثة الموصي فإن بلغ ما عمر واستنفذ
لم يرجع على أهل الوصايا في شيء ولم يعمر أيضا ثانية يوم يرجع؛ لأنه قد
اجتهد له، واجتهد فيه، وتطاول، فكأنه حكم حكم به، ووقع ومضى. وهذا أحب إلي
من الرجوع. والقياس في الرجوع في التعمير ثانية، ومن وراء ذلك، فإنما يعمر
يوم يرجع ثانية، فيرجع على أهل الوصايا بما يصيبه في ذلك على كل واحد منهم،
بقدر ما صار له في نصيبه من ذلك، مليا كان أو معدما، ولا يرجع على الملي
بأكثر من الذي يصيبه في ذلك، وإنما يتبع المعدم بمنزلة وصية طرأت بعد
اقتسام أهل الوصايا الثلث، وشهد على وصية الميت بها، ولم يكن علم بها،
وإنما يرجع صاحبها على أهل الوصايا على كل واحد منهم بما كان يصيبه في
المحاصة أن لو حاص بها معهم يومئذ في الأول ثم يوقف لذلك المعمر ما أخذ من
ذلك، ويصنع فيه كما فسرت لك أولا لمن يرى الرجوع ثانية، ولست أراه. وقالها
أصبغ كلها إلا قوله في نفقة المعمر: إنها توقف إن مات قبل أن يستنفذوه رجع
إلى أهل الوصايا، وإن استنفذه لم يرجع فهذا محال، ولا يجتمعان من رأى أن لا
يرجع إذا استنفذ مضى له ما أخذ في التعمير والمحاصة بتلا مالا من ماله،
يصنع به ما شاء، وهذا رأيي، ولا أعلم ابن القاسم إلا رجع إليه وقاله، لا شك
فيه إن شاء الله. ومن رأى أنه يرجع على أهل الوصايا، رده في المحاصة، ويعمر
ما بقي، ورجع على أهل الوصايا إذا استنفذه والقياس الذي عليه أهل الكلام
وصحة ذلك أن يوقف، ويكون لأهل الوصايا إن لم يستنفذه، ويرجع عليهم إن
استنفذه، ولا يبتل له عند المحاصة، فتحال وصية الميت عما أوصى به. وهذا رأي
أشهب،
(13/290)
وأنا أقول بقول ابن القاسم، في إبتال ذلك
له حكما عند إحالة الوصايا استحسانا، كالخدمة يوصي بها لرجل أو السكنى
فتحول الوصايا فيضرب له بقيمتها أو يعطى ذلك بتلا يصنع به ما شاء، ولا يجعل
في سكنى ولا خدمة ولا يوقف عنه، ولو كانت داره لأوقفته ولو أوقفه لذلك عنه
لجعلت له الرجوع، ولا أوقفه وأبتله له يصنع به ما شاء مالا من مله، ويسقط
عنه ما سوى ذلك استنفذه أو لم يستنفذه. وتفريق ابن القاسم بين ذلك محال.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها في رسم الأقضية الثاني من
سماع أشهب، وفي رسم العربية من سماع عيسى فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق.
[: أوصى فقال ثلثي لولد عبد الله بن وهب]
ومن كتاب الوصايا والأقضية قال سحنون: وسئل عن رجل أوصى، فقال: ثلثي لولد
عبد الله بن وهب: أيدخل ذكور ولد عبد الله بن وهب في ذلك؟ فقال: نعم قيل
له: فبنات عبد الله الإناث، أيدخلون في ذلك؟ قال: لا إنما أراد بذلك الذكور
فقط، إلا أن يقول: ثلثي لبني عبد الله فيدخل الذكور والإناث من ولد عبد
الله، قيل له: فإن قال لبني عبد الله فتوفي واحد، وولد اثنان والموصي حي،
ثم مات، قال: يدخلان إنما هو على من أدركه القسم. قال أصبغ: بني عبد الله،
يجمع الذكر والأنثى وولده يجمع الولد وولد الولد الذكور.
قال محمد بن رشد: إنما سأله هل يدخل ذكور ولد عبد الله بن وهب في وصية
الرجل لولد عبد الله بن وهب؟ من أجل أنهم جماعة، والموصي إنما
(13/291)
أوصى بلفظ الواحد، فقوله: إنهم يدخلون كلهم
صحيح لا إشكال فيه؛ لأن الولد يقع على الواحد وعلى الجميع، وعلى الذكر
والأنثى أيضا وقوعا واحدا؛ لأنه اسم للجنس قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أنا سيد ولد آدم ولا فخر» . ولم يقل: أنا سيد أولاد
آدم. وإنما قال في هذه الرواية: إنه لا يدخل في وصيته لولد عبد الله بناته،
وإن كان الولد يقع على الواحد وعلى الجميع، وعلى الذكر والأنثى وقوعا واحدا
في اللسان العربي من أجل أن الولد قد يعرف عند عامة الناس بالولد الذكر،
دون الأنثى فإذا سألت منهم من له بنات، هل له ولد؟ يقول: لا ولد لي، وإنما
لي بنات، فلما كان لا يعرف أن الولد يقع على الذكر والأنثى إلا الخاص من
الناس، حمل قول الموصي على ما يعرف من مقصد عامتهم، فهذا وجه هذه الرواية.
والمشهور في المذهب أن يحمل قول الموصي على ما يقتضيه اللسان العربي، وهو
نص ما في المدونة. قال فيها فيمن أوصى لولد فلان: إنه يدخل في ذلك ذكور
ولده وإناثهم ونحوه في الموطأ وفي الحبس من العتبية في غير ما موضع من سماع
ابن القاسم وسماع عيسى. وقد قال ابن لبابة في هذه الرواية: إنها خلاف
القرآن قال الله عز وجل: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء:
11] فالناس مجمعون على أنه إذا أراد الذكران والإناث. وقال أيضا:
{وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ}
[النساء: 12] قيل له: فلو نزل هذا ما كنت تقول قال: أعوذ بالله من مخالفة
القرآن، وهو تحامل منه في القول، إذ ليست الرواية بمخالفة للقرآن كما قال؛
لأن القرآن نزل بلسان عربي مبين، كما قال عز وجل فوجب أن تحمل ألفاظه على
ما يقتضيه في اللسان العربي. وأما الموصي
(13/292)
فإنما تحمل ألفاظه المحتملة على ما يغلب
على الظن أنه أراده بها، فمرة غلب على ظنه أنه أراد بالولد ما يقتضيه
اللسان، ومرة غلب على ظنه أنه أراد به ما يعرفه عامة الناس، وعلى هذه
الرواية لا شيء في الوصية لولد ذكور عبد الله، وأما إذا قال: ثلثي لبني عبد
الله، فلا اختلاف في أنه يدخل في ذلك الذكور والإناث من ولد عبد الله ويدخل
فيه من ولد قبل موت الموصي إلا أن يسميهم بأسمائهم. ويختلف فيمن ولد بعد
موت الموصي وفي من مات بعد موته. فعلى قوله في هذه الرواية: إن ذلك على من
أدركه القسم يسقط حق من مات، ويدخل من ولد. وقد قيل: إنه لا يسقط حق من
مات، ولا يدخل من ولد. وهذا على اختلاف قول ابن القاسم في المدونة في الذي
يوصي لأخواله وأولادهم مرة حملهم على المعينين، فقال: إن المال يقسم بينهم
بالسواء، فعلى هذا لا يسقط حق من مات، ولا يدخل من ولد. ومرة قال: يقسم
بينهم بالاجتهاد، فعلى هذا يسقط حق من مات، ويدخل من ولد، ويقسم على من
أدرك القسم، وهو قوله في هذه الرواية، ومثله في رسم نذر سنة من سماع ابن
القاسم، في الذي يوصي لقوله أو لبني عمه. وانظر مسألة رسم الوصايا من سماع
أشهب، ولا يدخل في ذلك على هذه الرواية أحد من ولد الولد، فقول أصبغ: إن
بني عبد الله يجمع الذكر والأنثى، يريد من بنيه دنية ولا يدخل في ذلك أحد
من ولد ولده، وقوله: وولد بجمع الولد وولد الولد الذكور، يريد أنه يجمع
الولد ذكورهم وإناثهم وولد الولد الذكور منهم، ذكورهم وإناثهم وبالله
التوفيق.
[مسألة: أوصى فقال ثلث مالي لإخوتي وله ستة
إخوة]
مسألة قال أصبغ: سمعت ابن وهب وسئل عن رجل أوصى فقال: ثلث مالي لإخوتي وله
ستة إخوة مفترقين: إخوان لأم وأب وإخوان لأم، وإخوان لأب وليس له وارث
غيرهم، فقال: هو ميراث، لا يجوز وصية لوارث.
(13/293)
قلت له: إن الأخوين للأب، لا يرثان هاهنا
شيئا، إنما يرث الإخوان للأب والأم، والإخوان للأم الثلث، قال: يعزل هذا
الثلث، ويكون ثلث الثلثين الباقيين للأخوين للأم، وثلثا الثلثين للأخوين
للأب والأم، وينظر إلى هذا الثلث، فما كان يصير للأخوين للأب والأم،
والأخوين للأم منه فهو ميراث قال أصبغ: وتفسير قوله هذا: أن يقسم الثلث على
الستة الإخوة بالسواء، فما أصاب الأخوين للأب من ذلك وهو ثلثه، فهو لهما،
ومما صار للأخوين للأب والأم والأخوين للأم، فهو ميراث على كتاب الله مع
ثلثي المال؛ لأنه لا تجوز وصية لوارث. قال أصبغ: فقيل له: فإن كان له ابن
هو وارثه، وله هؤلاء الإخوة، فقال: ثلثي لإخوتي فتوفي ابنه، ثم توفي هو بعد
ذلك، وصاروا هم أوراثه، فقال: هي مثل هذه الأولى سواء قال أصبغ: هو كما قال
في استواء المسألتين هما مستويتان، والجواب فيهما على غير ما قال في
التحاص.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة صحيحة لا إشكال فيها.
وقول أصبغ والجواب فيهما على غير ما قال في التحاص خطأ وقع في الرواية من
الناسخ، فتداولها النقل على ذلك الظن، للظن أن لذلك وجها، ولا وجه لها.
وصوابها والجواب فيها على ما قال في التحاص، إذ لا فرق بين أن يوصي الرجل
لوارثه، وبين أن يوصي له وهو غير وارث، ثم يصير وارثا بموت من كان يحجبه عن
الميراث وبالله التوفيق.
[مسألة: أوصى لقوم بوصايا ولرجل آخر أن ينفق
عليه ما عاش]
مسألة وقال في رجل أوصى لقوم بوصايا، ولرجل آخر أن ينفق عليه ما عاش مما
بقي من ثلثه، فلم ينفذ ذلك الوصي حتى مات الموصي
(13/294)
له بالنفقة حياته. قال: يعطي أهل الوصايا
وصاياهم، فإن فضل عن الثلث شيء أعطى ورثة الموصى له بالنفقة قدر ما عاش
صاحبهم بعد موت الموصي، يعطي من يوم مات الموصي ليس من يوم يجمع المال، فما
فضل رجع إلى ورثة الموصي، وقاله أصبغ، ولو لم يمت وبقي حتى يجمع المال، جمع
له ما كان يصيبه من النفقة من يوم مات الميت، وأعطيه، ولم يطرح عنه ما بين
الموت إلى جمع المال، وتنفيذ الوصية، فكذلك يكون له بعد موته، والوصية في
مثل هذا فيما يرى من يوم مات الموصي.
قال محمد بن رشد: هذا مثل ما تقدم في الرسم الذي قبل هذا لأن النفقة واجبة
له من يوم مات الموصي، فإن كان حيا حسبت له نفقته من يوم مات الموصي في
بقية الثلث، وإن كان قد مات كان ذلك لورثته ميراثا عنه وبالله التوفيق.
[مسألة: أوصى فقال ثلثي لفلان ولفلان عشرة
دنانير]
مسألة قال أصبغ: سألت ابن وهب عن رجل أوصى فقال: ثلثي لفلان، ولفلان عشرة
دنانير، ولا ينقصوا صاحب الثلث شيئا. قال: فالثلث كله له، وليس لهؤلاء شيء،
من أين يأخذون وصاياهم إذا قال: لا تنقصوا صاحب الثلث شيئا؟
قلت: وكذلك لو أوصى فقال: لفلان ثلث مالي ولفلان عشرة دنانير، ولا تنقصوه
من العشرة شيئا، والثلث عشرة. قال لي: نعم أراها تشبه الأولى. والله أعلم.
قلت: تكون العشرة له كلها ويسقط الذي أوصى له بالثلث، فقال: هكذا قال، لا
تنقصوه من العشرة شيئا، قيل له: سواء
(13/295)
كانت العشرة مقدمة في اللفظ قبل الثلث أو
مؤخرة، فقال: ثلثي لفلان ولفلان عشرة، ولا تنقصوه شيئا أو قال: لفلان عشرة،
ولا تنقصوه شيئا، وثلث مالي لفلان، قال: نعم، سواء كانت مقدمة أو مؤخرة إلا
أن يتبين له أنه فسخ. وقاله أصبغ كله.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة صحيحة لا وجه للقول فيها وبالله التوفيق،
لا إله إلا هو.
[مسألة: يوصي لقرابته بمال كيف يقسم]
مسألة قال: وسمعته يقول في الرجل يوصي لقرابته بمال، إنما يقسم ذلك على
الأقرب فالأقرب من نحو أبيه، ويبدأ بالفقراء منهم حتى يغنوا من تلك الوصية،
فإن فضل عنهم شيء عطف به على من بقي من أقاربه من الأغنياء. قال: وقد رأيت
مالك بن أنس يرى أن أهل الرجل عصبة، يعني إذا أوصى بمال أن يقسم في أهله.
قال ابن وهب: وما أوصى به على مساكينه، فإن مساكينه من يرجع إليه نسبه
ومواليه الذين هم موالي عتاقة قال ابن القاسم: ونحن نرى إذا كان المال
واسعا أن يؤثر بذلك القرابة، الأقرب إليه فالأقرب، ويعطي مواليه من ذلك،
ولا يحرموا إذا كانوا مساكين، فالوصي ينظر على قدر الاجتهاد، ولا يخيب
هؤلاء ولا هؤلاء لأنه إنما قال على مساكينه، ولم يقل على أقاربه. قال أصبغ:
أرى ذلك حسنا على ما اشترط في الفتيا.
قال محمد بن رشد: قد مضى الكلام على هذه المسألة في أول رسم من سماع ابن
القاسم، وفي رسم أسلم من سماع عيسى فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق.
(13/296)
[مسألة: مات
الموصى إليه وأوصى إلى رجل آخر بوصيته]
مسألة قال أصبغ: سمعت ابن وهب وسئل عن رجل أوصى ثم مات الموصى إليه، وأوصى
إلى رجل آخر بوصيته ووصية الرجل الأول، فقال الموصى إليه الثاني: أما
وصيته، فأنا أقبلها، وأما وصية الأول فلا أقبل؛ لأن فيها ديونا وتخليطا
أترى ذلك له؟ قال: نعم، ويرفع ذلك إلى القاضي حتى يستحلف على ذلك، قال
أصبغ: لا أرى ذلك؛ لأن وصية الأول من وصية الثاني، فليقبل على وجهها أو
ليدع، فإن قبل بعضها فأراه قبولا للجميع وتلزمه كله.
قال محمد بن رشد: قول ابن وهب أظهر من قول أصبغ أن يلزمه ما التزم، ويقدم
القاضي على وصية الرجل الذي لم يلتزم، ووجه قول أصبغ أن الموصي إنما أوصى
إليه بالجميع، فإما قبل الجميع، وإما رد الجميع، ورأى أنه إذا قبل البعض
فقد لزمه بالقبول له النظر فيه، والنظر فيه وحده، ليس له إذا لم يجعل إليه
النظر، إلا في الجميع، فألزمه الجميع، إذ ليس له أن تبعض عليه وصيته.
وبالله التوفيق.
[مسألة: ترك ثلاثة من الدور وأوصى لرجل بخمسة
دنانير]
مسألة وسئل عن رجل توفي وترك ثلاثة من الدور، قيمة كل دار مائة دينار،
وأوصى لرجل بخمسة دنانير، فقال الورثة: ليس عندنا شيء نعطيه، ولن نعطيه
شيئا قال: يخير الورثة، إما أن يعطوه ما أوصى له به، وإما أن يقطعوا له
بثلث ما ترك الميت، قيل له: أو لا يبيع له السلطان من تلك الدور بقدر
الخمسة، ويترك ما بقي للورثة؟ قال: لا ولكن يخيرون، وذكره عن مالك بن أنس
فقال له أصبغ: قد روى ابن القاسم مثله عن مالك في المال الغائب والمفترق.
(13/297)
قال محمد بن رشد: هذا صحيح على معنى ما في
المدونة، وعلى ما تقدم في رسم المكاتب من سماع يحيى وعلى ما حكى أصبغ في
الرسم الذي قبل هذا عن مالك وجميع أصحابه، فعلى الورثة على مذهبهم أن
يعجلوا للموصي له الخمسة الدنانير التي أوصى له بها، بأن يبيعوا فيها معجلا
ما شاء ومما ترك الميت من دار أو غير ذلك مما يمكن بيعه، وليس لهم أن
يؤجلوا في ذلك ليشدوه لبيع طلب الزيادة فيه إن كان أصلا ولا ليبيعوه على
الطالب أو ينتظروا به الأسواق إن كان عرضا، ويقال لهم: إما أن تعجلوا له
الخمسة، وإما أن تقطعوا له بثلث الميت في كل شيء، وكذلك لو كان جميع مال
الميت دينا مؤجلا، لقدرتهم على بيعه بما تباع به الديون، وأما لو كان مال
الميت مالا يجوز بيعه، كالزرع الذي لم يحل بيعه، أو الثمرة التي لم يبد
صلاحها لوجب على الموصى له بالنقد الانتظار حتى يحل بيع مال الميت، إذ ليس
على الورثة أن يعجلوا ذلك من أموالهم، وأصبغ يخالف في هذا كله على ما تقدم
من قوله في الرسم الذي قبل هذا وروى ابن أبي جعفر عن ابن القاسم نحو قول
أصبغ. وقد تقدم ذكر ذلك في رسم المكاتب من سماع يحيى وقوله: إن الإمام لا
يبيع له من الدور بخمسة صحيح، إذ ليس ذلك بواجب على الورثة، فيحكم به
عليهم، كما أن الإمام لا يبيع على الرجل ماله في النفقة على زوجته، وإنما
يقول له: أنفق أو طلق، فكذلك هذا. وأهل العراق يقولون: إذا لم تحمل وصيته
ثلث ما حضر من ماله، وله مال غائب، أعطي من وصيته قدر ما حمل منها ثلث
المال الحاضر، وتكون بقيتهما في المال الغائب، قالوا: ولا يقطع له لغيبة
بعض المال بأكثر مما أوصى له به وبالله التوفيق.
[مسألة: أوصى فقال لموالي كذا وكذا لشيء سماه
لكل واحد منهم]
مسألة قال أصبغ: قال لي ابن وهب في رجل أوصى فقال: لموالي كذا وكذا لشيء
سماه لكل واحد منهم، وله موالي أعتقهم، وله
(13/298)
أنصاف مماليك، كانوا بينه وبين آخر، فأعتق
نصيبه، فقال: أرى أن يعطى أولئك الأنصاف، يعطى كل واحد منهم نصف ما يعطى
المولى التام، إن كان جعل لكل عشرة عشرة، فلهؤلاء خمسة خمسة، وإن كان جعل
لهم أربعة أربعة، فلهؤلاء ديناران ديناران لأن هؤلاء الأنصاف ليس ينتسبون
إليه وحده.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في رسم سلف من سماع
عيسى فلا وجه لإعادته.
[مسألة: أوصى فقال أعطوا فلانا ثلث مالي وخيروه]
مسألة وسئل عن رجل أوصى فقال: أعطوا فلانا ثلث مالي وخيروه أتراها وصية؟
قال: نعم.
قال محمد بن رشد: كما قال: إنها وصية، إلا أنها وصية جعل إليه فيها الخيار،
فلا تجب له حتى يختار، ويقبل باتفاق وأما إذا أوصى له ولم يخيروه، فقيل
أيضا: إنها لا تجب له حتى يقبل بعد موت الموصي، وهو المشهور، وقيل: إنها
تجب له بموت الموصي قبل القبول فعلى هذا إن مات الموصى له بعد موت الموصي
قبل أن يقبل أو يرد يجب لورثته، ولا يكون لهم أن يردوها لورثة الموصي إلا
على سبيل الهبة إن قبولها، وعلى القول الأول ينزل ورثة الموصى له منزلته في
القبول إن مات قبل أن يقبل، وقد قيل: إنها تبطل إن ما قبل أن يقبل حكى ذلك
عبد الوهاب عن أبي بكر الأبهري، وبالله التوفيق.
[مسألة: أوصى لرجل بمزود جديدة ثم لتها بسمن
وعسل ومات]
مسألة وسمعت ابن وهب قال: وسئل عن رجل أوصى لرجل بمزود جديدة ثم لتها بسمن
وعسل ومات، أتراه رجوعا في الوصية؟
(13/299)
قال: لا قيل له: إن الطعام لا بد لهم منه،
قال: لهم طعام، وطعام قد صنعه، واحتج أيضا فقال: وكذلك لو أوصى له بعبد ثم
علمه الكتابة بعشرة دنانير، إن هذا ليس برجوع أيضا. قال أصبغ: ليس هذا
برجوع ولا تكون له بلتاتها، ولكن يكون شريكا فيها بقدرها من قدر اللتات
بمنزلة الثوب يوصي له به أبيض، ثم يصبغه، والبقعة تراحا ثم يبنيها.
قال محمد بن رشد: تنظير أصبغ، مسألة الذي يوصي بالجديدة، ثم يلقنها بمسألة
الذي يوصي بالثوب ثم يصبغه، صحيح، يدخلها من الاختلاف ما دخلها. قيل: إنه
يكون للموصى له مصبوغا، فعلى هذا تكون الجديدة له ملتتة، وهو مذهب ابن وهب،
بدليل تنظيره لذلك بالذي يوصي بالعبد لرجل، ثم يعلمه الكتابة، إذ لا يكون
الورثة شركاء فيه بقيمة الكتابة، إذ ليست بعين قائمة.
وقد مضى تحصيل هذه المسألة في نوازل سحنون فلا وجه لإعادته.
وبالله التوفيق.
[مسألة: أوصت ودعت شهودا أن ما بقي من الثلث
لليتامى والمساكين والأرامل]
مسألة قال أصبغ: سمعت ابن وهب وسئل عن امرأة أوصت ودعت شهودا فقالت: هذه
وصيتي مطبوعة اشهدوا على ما فيها لي، وعلي وقد أسندتها إلى عمتي، وما بقي
من ثلثي فلعمتي، فماتت، ففتح الكتاب، فإذا فيه ما بقي من ثلثي فلليتامى
والمساكين والأرامل. قال: أرى أن يقسم بقية الثلث بينهما يريد بين العمة
وبين الصنوف الآخرين بنصفين بالسواء، بمنزلة أن لو كانا رجلين وسألت عنها
ابن القاسم فقال: لي مثله.
قال محمد بن رشد: هذا صحيح على القول بإجازة الشهادة على
(13/300)
الوصية المطبوعة. وقد مضى في رسم الأقضية
من سماع أشهب ما يجوز من ذلك مما لا يجوز، وما اختلف في إجازته منه، فلا
معنى لإعادته. وعلى مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة وغيرها، في
أن من أوصى لرجل بشيء ثم أوصى به لغيره، يقتسمانه بينهما ولا تكون وصيته
الآخرة ناسخة للأولى خلاف قول أشهب في سماع زونان وقد مضى الكلام على ذلك
هنالك. وبالله التوفيق.
[مسألة: قال أوصيت لأبي محمد بما ولدت جاريتي
هذه أبدا]
مسألة قال أصبغ: سمعت ابن وهب وسئل عمن قال: قد أوصيت لأبي محمد بما ولدت
جاريتي هذه أبدا. قال: إن كانت يوم أوصى حاملا فهو له، قيل له: فإن لم تكن
حاملا يوم أوصى قال: فلا شيء له.
قلت: فإن حدث بها حمل بعد، قال: فلا شيء له لأنها صارت، أو قال: تصير لقوم
آخرين، قلت: أفيبيع الجارية سيدها؟ قال: نعم يبيعها إن شاء.
قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أنه أوصى له بما ولدت جاريته ثم
مات، ولذلك قال: إن كانت حاملا يوم أوصى له فهو له، وإن حدث بها حمل بعد
فلا شيء له، وأما إن لم يمت حتى ولدت أولادا فله كل ما ولدت في حياته، كانت
حاملا يوم أوصى، أو لم تكن إلا أن يبيعهم أو يرجع عن وصيته فيهم؛ لأنه إذا
جاز للرجل أن يهب للرجل ما تلد جاريته حياتها. جاز أن يوصي بذلك، فيكون
للموصي له ما ولدت في حياة الموصي، فإن مات وهي حامل فحملها الثلث، وقفت
حتى تضع فيأخذ الموصى له بالجنيين الجنين، ثم يتقاومون الأم والجنين ولا
يفرق بينهما، ولم يجز للورثة أن يعطوا الموصى له شيئا على أن يترك وصيته في
الجنيين، قال
(13/301)
ذلك في المدونة وغيرها، وإن لم يحملها
الثلث، فأحب الورثة أن يوقفوها له حتى تضع، فذلك لهم، وإن كرهوا لم يكن ذلك
عليهم، وسقطت الوصية لأنها وصية فيها ضعف قال ذلك ابن حبيب في الواضحة
واختلف إن أعتق الورثة الأمة والثلث يحملها، فقيل: يعتقها في بطنها بعتقها،
وتبطل الوصية به، وهو الذي في المدونة وقيل: إنه لا عتق لهم فيها حتى تضع،
وهو قول أصبغ في الواضحة وأما إن كان الثلث لا يحملها، فعتقهم فيها جائز.
وبالله التوفيق.
[: اليتيم إذا أنس منه الرشد أتدفع إليه وصية
ماله بغير إذن الإمام]
ومن كتاب الكراء والأقضية قال أصبغ: وسمعته يقول في اليتيم إذا أنس منه
الرشد أتدفع إليه وصية ماله بغير إذن الإمام؟ قال: إذا كان أمر قد تبين
للناس فنعم، ولا ضمان عليه، وإلا فلا إلا بأمر الإمام. فإن تعدى ذلك فهو
ضامن إذا كان يشك في أمره.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في رسم سلعة من
سماع ابن القاسم فلا وجه لإعادته وبالله التوفيق.
[: قال ثلثي لفلان وفلان ثم قال بعد ذلك ولفلان
مائة]
ومن كتاب الوصايا للصغير
مسألة قال أصبغ: قال ابن القاسم: من قال: ثلثي لفلان وفلان ثم قال بعد ذلك:
ولفلان مائة، أو أعطوا فلانا مائة لأحد الثلاثة، ضرب له بالأكثر المائة
التي كانت التي سمى أو مبلغ ثلث الثلث يحاص بأكثرهما فقط؛ لأنهما وصيتان أي
بمال، قال أصبغ: فيها شيء، ولها تفسير.
(13/302)
قال محمد بن رشد: قوله: إنه يحاص الذي أوصى
له بالمائة بالأكثر منها أو من ثلث الثلث، صحيح على المشهور في المذهب، من
أن من أوصى له بوصيتين من جنس واحد، يكون له الأكثر من الوصيتين، والتفسير
الذي لها عند أصبغ، هو ما روي عنه من أنه إذا أوصى له بمائة دينار، ثم أوصى
له بثلثه في وصية أخرى، فإن كان ماله كله عينا ضرب بأكثر الوصيتين، وإن كان
عينا وعرضا ضرب له بثلث العروض، ونظر إلى ثلث العين، فإن كان أقل من مائة
أو أكثر، ضرب له بالأكثر، وإن كان ماله عرضا كله، ضرب بالثلث وبالمائة، وإن
لم يكن معه أهل الوصايا، فإنما له الثلث، إلا أن يجيز له الورثة الوصيتين
جميعا والظاهر من مذهب ابن القاسم أن له الأكثر من الوصيتين، وأنه يحاص
بذلك إن كان معه أهل الوصايا سواء كان ماله عينا أو عرضا أو عينا وعرضا.
وقد حمل سحنون قول أصبغ على التفسير لقول ابن القاسم، فقال: معناه: إذا كان
مال الميت كله عينا، واختلف في ذلك قول أشهب، فقال مرة مثل قول أصبغ
وسحنون، وقال مرة: إذا أوصى له بالثلث وبمائة أو عبد ضرب بالوصيتين جميعا
فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال: أحدها: إنه يحاص الأكثر من الوصيتين، كان
ماله عينا أو عرضا وكانت الوصية له بعين أو عرض، وهو ظاهر قول ابن القاسم.
والثاني: إنه يحاص بالأكثر من الوصيتين جميعا من غير تفصيل، وهو أحد قول
أشهب. والثالث: التفصيل الذي لأصبغ وسحنون، وبالله التوفيق.
[مسألة: يوصي لرجل بربطة ثم يقطعها قبل أن يموت
قميصا]
مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم وسئل عن الذي يوصي لرجل بربطة ثم يقطعها
قبل أن يموت قميصا قال: لا أرى له شيئا. وسئل عن الذي يوصي لرجل بجارية
فيطؤها، فقال: إن الوصية له ثابتة إذا أقرها وليس الجارية، ووطؤها من هذا.
وأخبرت عن ابن القاسم في السفينة يوصي بها لرجل فينقضها كلها لا
(13/303)
شيء له؛ لأنها قد حالت. وفي الذي يوصي لرجل
ببقعة فيبنيها، إنهم شركاء على قيمة العرصة والبنيان، سمعتها منه. قال
أصبغ: وهذا كله رأيي وقولي وإنما نقض السفينة بمنزلة تقطيع الربطة فهو
رجوع، وإنما وطء الجارية بمنزلة لباس الثوب وبمنزلة خدمتها، فليس ذلك رجوعا
في الوصية، وكذلك سكنى الدار وإنما الرجوع بالبيع والإحداث وشبهه.
قال محمد بن رشد: لا اختلاف في أن الوصية بالجارية لا تبطل بوطئها ولا
باستخدامها، ولا في أن الوصية بالدار لا تبطل بسكناها. وأما الذي يوصي
بالربطة ثم يقطعها قميصا، فقيل: إن الوصية تبطل بذلك، وقيل: إنها لا تبطل،
وقيل: إنها تبطل إن سماها ربطة ولا تبطل إن سماها حين أوصى بها ثوبا
وشبهها، كما قال في السفينة يوصي بها ثم ينقضها فتبطل الوصية بذلك فيها،
على قياس قوله في الربطة يوصي بها ثم يقطعها قميصا. وقد مضى تحصيل الاختلاف
في الذي يوصي بالبقعة لرجل ثم يبنيها أو بالدار ثم يهدمها في نوازل سحنون،
فلا وجه لإعادته وبالله التوفيق.
[مسألة: أوصى لرجل بألف درهم على مكاتبه]
مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في رجل أوصى لرجل بألف درهم على
مكاتبه فقال الورثة للموصى له: نحن نعطيك الألف، وتكون جميع الكتابة والعبد
لنا فأبى ذلك وقال: يكون لي في العبد والكتابة لعله يعجز، قال: ليس ذلك له،
وذلك للورثة إذا دفعوا إليه الألف؛ لأنه يأخذ ما سمى له الألف درهم فليس له
غير ذلك.
(13/304)
قال محمد بن رشد: لم يفرق في هذه الرواية
بين أن تكون الألف قد حلت على المكاتب أو لم تحل عليه، بل الظاهر منها أنها
لم تحل عليه فهي إذا حلت أحرى أن لا يكون للموصى له في ذلك قول ولا حجة،
فذلك خلاف ما في رسم الوصايا من سماع أصبغ من كتاب المكاتب في الذي يوصي
بنجم من نجوم مكاتبه، فيقول الورثة: نحن ندفع إليك النجم، ويقول الموصى له:
لا أرضى بذلك لعله أن يعجز فيكون لي فيه حق، فقال: إن كان النجم لم يحل
فذلك له، وإن كان قد حل، فذلك لهم، وهو أظهر من قوله في هذه الرواية؛ لأن
الموصى له ينزل بالوصية فيها على المكاتب بمنزلة المشتري، ولا اختلاف في أن
المشتري لجزء من كتابة المكاتب، أو لنجم غير معين من نجومه، على القول
بجواز ذلك، لا يكون للشريك أن يدفع للمشتري ماله على المكاتب، ويتبع بذلك
المكاتب، فيكون أحق برقبته إن عجز. والوجه في هذه الرواية أن الموصي إنما
قصد إلى الوصية بالألف بالرقبة إن عجز، فإذا أعطى الورثة الموصى له ماله
على المكاتب، وعجلوا ذلك له لم تكن له حجة، فعلى هذه الرواية لو لم يعجل
الورثة له بالألف فعجز لم يكن للموصى له بها حق في رقبة المكاتب. وهذا على
القول بأن لموهوب كتابة المكاتب لا تكون رقبته إن عجز، وهو أحد قولي ابن
القاسم في روايتي أبي زيد عنه في كتاب المكاتب، إذ لا فرق بين الوصية
والهبة في هذا. وقد قيل: إن معنى هذه الرواية أن الألف كانت حالة على
المكاتب، فليست بخلاف لما في سماع أصبغ من كتاب المكاتب، ولو دفع إليه
الورثة الألف قبل أن يعجز على القول بأن رقبته كانت تكون له لو عجز، فعجز
المكاتب فيها قبل أن يدفعها إليهم أو فيها بقي من الكتابة بعد أن دفع الألف
إليهم، كانت رقبته لهم ولم يكن للموصى له أن يرد الألف إليهم ويشاركهم في
الرقبة كما يكون للموصى لهم بالكتابة إذا قبض بعضهم ما أوصى له به منها إن
عجز في حظ الباقيين منهم؛ لأن الموصى لهم إذا انفردوا بالكتابة في ذلك
بمنزلة الورثة قيل: إنهم بمنزلتهم إذا قبض أحدهم حقه بشيء يبدأ صاحبه في
(13/305)
أنه ليس له الدخول معه في الرقبة إذا عجز
في نصيبه، إلا أن يرد ما قبض وقيل: إنهم بمنزلتهم إذا قبض أحدهم حقه دون أن
يبديه صاحبه به، في أن له الدخول معه في الرقبة إذا عجز في نصيبه من غير أن
يبديه ما قبض وسيأتي الكلام على هذا إن شاء الله في رسم الوصايا من سماع
أصبغ من كتاب المكاتب وبالله التوفيق.
[مسألة: إقرار الرجل لوارثه في الصحة بدين]
مسألة وسمعته وسئل عن الرجل يموت فيترك عمه ولا وارث له غيره وغير أمه،
فيطالب العم مورثه، فتقوم الأم بدين كان أقر لها به في الصحة، فقال: لا
كلام للعم. قلت: أرأيت إن طلب منها اليمين، إن ذلك كان توليجا؟ قال أصبغ:
أما في الحكم فلا يلزمها.
قال محمد بن رشد: هذا هو المشهور في المذهب، أن إقرار الرجل لوارثه في
الصحة بدين جائز وإن لم يقم به إلا بعد موته. وقال ابن كنانة: يجوز إقراره
له في حياته، ولا يجوز بعد وفاته، إلا أن يعرف لذلك سبب، مثل أن يكون باع
له رأسا وأخذ له من موروث شيئا. وقال بمثل قوله المخزومي وابن أبي حازم،
ومحمد بن سلمة الفدكي، وقول أصبغ في اليمين: إنه لا يلزمها في الحكم، يريد
من أجل أنها يمين تهمة. فقوله على القول بسقوط يمين التهمة، على قياس
المشهور في المذهب من أن الإقرار عامل جائز نافذ، وإن لم يقم به إلا بعد
الموت والأظهر في هذه المسألة لحوق اليمين، مراعاة لقول من لم يعمل الإقرار
بعد الموت. وبالله التوفيق.
(13/306)
[: يوصي فيقول
غلامي مرزوق لمحمد ولسعيد مثله]
مسائل نوازل سئل عنها أصبغ بن الفرج وسئل أصبغ عن الرجل يوصي فيقول: غلامي
مرزوق لمحمد، ولسعيد مثله. قال: يعطي مرزوقا محمدا ويشتري لسعيد مثله في
قيمته ونحوه فيعطاه. قلت: له فلو قال: عبدي مرزوق لمحمد، ولسعيد مثله. قال:
هذا خلاف الأول وأراه بينهما بنصفين؛ لأنه حين قال في مسألتك الأولى:
ولسعيد مثله، فقد أخرج سعيدا من العبد، وجعل له مثله آخر وأما قوله: عبدي
مرزوق لمحمد ولسعيد مثله، فكأنه قال: وسعيد مثله، يعني مثل محمد في الوصية،
فكأن العبد بينهما.
قلت: وكذلك لو قال: هذه المائة دينار لمحمد ولسعيد مثله، فكأنه قال وسعيد
مثله، قال: هي بينهما نصفين إذا كانت المائة بعينها قلت: فإن قال: هذه
المائة لمحمد، ولسعيد مثله جعلت له مائة أخرى فيعطى كل واحد منهما مائة،
قال: نعم على قياس ثمن العبد.
قال محمد بن رشد: تفرقته بين أن يقول: وسعيد مثله، أو ولسعيد مثله في الذي
أوصى بعبده أو بمائة لمحمد، إذا كانت المائة بعينها يريد أنها إذا لم تكن
بعينها فسواء قال: وسعيد مثله، أو قال: ولسعيد مثله، يعطى كل واحد منهما
مائة مائة، تفرقة صحيحة بينة؛ لأنه إذا قال: وسعيد مثله، فقد أنزله
بمنزلتهم في أن أوصى له بالذي أوصى له به فوجب أن يشتركا فيه إذا كان شيئا
بعينه، وأن يكون له مثله إذا لم يكن شيئا بعينه، وإذا قال: ولسعيد مثله،
فقد أوصى له بمثل الذي أوصى له به فوجب أن يكون له مثل ما أوصى له به، كان
الذي أوصى له شيئا بعينه أو لم يكن. وبالله التوفيق.
(13/307)
[مسألة: قال في
وصيته لمحمد مرزوق أو ميمون]
مسألة قلت: فلو قال: لمحمد مرزوق أو ميمون قال: أرى الورثة مخيرين في دفع
أيهم أحبوا. قلت: فإن اختاروا حبسا رفعهما ثمنا ودفعوا إليه أدناهما جاز
ذلك لهم، قال: نعم، كما لو قال: لفلان مائة دينار أو بيت كذا وكذا أو دابة
كذا وكذا، كان الورثة بالخيار في دفع ما شاء وأمنهما.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال وفي اللسان مواضع منها الشك والإبهام
والتخيير والجمع، بمعنى الواو، فإذا لم يصح أن يحمل في هذا الموضع على الشك
ولا على الإبهام، كما لا يصح حملها فيه على سائر مواضعها سوى التخيير
والجمع، فلم يصح أن تحمل على الجمع دون التخيير لوجهين: أحدهما: أن التخيير
فيها أظهر، فلا يصح أن تحمل على الجمع، إلا في موضع لا يصح فيه التخيير.
والثاني أن الوصايا لا تكون بالشك، فهي محمولة على الأقل حتى يعرف الأكثر.
ولما لم يصح أيضا لهذا المعنى أن يحمل على تخيير الموصى له، وجب أن يحمل
على تخيير الورثة كما قال. وكذلك لو أوصى أن يعتق عنه فلان وفلان، لكان
الورثة مخيرين في عتق من شاءوا منهما بخلاف قوله: أحد عبدي هذين حر، وبالله
التوفيق.
[مسألة: قال الموصي لفلان مائة ولفلان مثله]
مسألة قلت: فإن قال الموصي: لفلان مائة ولفلان مثله. قال: أرى لكل واحد
منهما مائة.
(13/308)
قال محمد بن رشد: قد تقدم القول على هذه
المسألة في أول النوازل، فلا معنى لإعادته. وبالله التوفيق.
[مسألة: أوصى فقال ثوب من ثيابي لفلان وصية ثم
مات]
مسألة وسئل عن رجل أوصى فقال: ثوب من ثيابي لفلان وصية، ثم مات قال: يحسب
عدد ما ترك من الثياب، فإن كان ترك عشرة، قومت كلها، فأعطى الموصى له عشر
قيمة الثياب بالسهم، فإن صار له ثوب فيه بعشر القيمة فذلك له، وإن صار له
ثوب تكون قيمته أكثر من عشر القيمة، لم يكن له، وصار له فيه مبلغ عشر قيمة
جميع الثياب، وإن كان الذي صار له لا يبلغ قيمة العشرة، أخذه وضرب له أيضا
فيما بقي حتى يستوفي عشر قيمة الثياب، فربما صار له ثوب واحد، وربما صار له
ثوب ونصف وأقل، وربما ثوبان فأكثر، وربما صار له أقل من ثوب، وإنما لك
بمنزلة من قال: رأس من رقيقي حر وله عشرة، العمل فيها واحد. قلت: وهل يدخل
في عدد الثياب السراويلات والعمائم، ونحو ذلك؟ قال: لا يدخل في عددها إلا
الثياب الكبار: الأردية والأقمصة والسيجان، والأكسية، وكل ثوب كبير.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة، وتنظيره فيها للثياب بالعبيد في وجه
العمل فيها بالقرعة صحيح، لا اختلاف فيه ولا إشكال، وإنما قال: إنه لا يحسب
فيها إلا الثياب الكبار؛ لأن ذلك معلوم من وجه ما أوصى به، إذ قد علم أنه
لم يرد الميزر ولا السراويلات، ولا الفضلات من الثياب التي لا خطر لها ولا
بال لقيمتها. وبالله التوفيق.
(13/309)
[مسألة: قال في
وصيته عبدي يزيد لفلان وله يزيدان فمات ولم يبين]
مسألة قلت: فلو قال في وصيته: عبدي يزيد لفلان، وله يزيدان، فمات ولم يبين
قال: يقومان، ثم يكون له فيهما نصف قيمتهما يسهم بينهما فيعطى نصف قيمتهما،
فربما صار له أحدهما وبعض الآخر، وربما صار له أحدهما يكمل له، وربما صار
له أقل من واحد، وكذلك لو قال: عبدي لفلان وله عبدان لا يملك غيرهما. قال:
نعم، العمل فيهما واحد.
قال محمد بن رشد: هذه والمسألة التي قبلها سواء، فلا إشكال فيها ولا وجه
للقول فيها. وبالله التوفيق.
[مسألة: أوصى لمكاتب ابنه بوصية]
مسألة وسئل عمن أوصى لمكاتب ابنه بوصية لها بال، فقال: أرى الوصية له
جائزة، وذلك أنه يصير إلى سيده، ولعله أن يعجز فيرق، فيكون قد رجع إليه
العبد، وقد أخذ ما أوصى له به، فصارت وصيته لوارث، قال: إلا أن يكون لمكاتب
له أموال مأمونة، لا يشك فيه أنه يقوى على أداء الكتابة، فيجوز ذلك، ولا
يكون عليه تهمة.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه وإن لم يكن له أن ينتزع مال مكاتبه في
الحال، إذ قد أحرز ماله بالكتابة، فقد يعجز فيكون له انتزاعه. فإذا كان ممن
يؤمن عليه العجز جازت له الوصية ومثله لأشهب في المجموعة ولو أوصى لعبد
وارثه بالشيء الكثير، وعلى العبد دين يستغرقه، أو يبقى منه ما لا يتهم فيه،
فذلك جائز. قال أشهب: وإن أوصى لعبد وارثه الذي لا يرثه غيره فذلك جائز، قل
أو كثر، فإن أوصى مع ذلك لأجنبي،
(13/310)
تحاص مع العبد في الثلث إن ضاق بما وقع
للعبد كان له، وأما إن كان معه ورثة، فينظر ما صار للعبد بحصاصه، فإن كان
تافها فهو له، وإن كثر عاد ميراثا إن لم يجزه الورثة، وليس وصيته لعبد وارث
لا يرثه غيره كوصية لسيده؛ لأن ذلك للعبد حتى ينتزع منه، فلذلك يحاص به،
فأما إذا كثر صار وصية لوارث، وأما وصيته لرجل لمن يملك من عبد أو مدبر أو
مكاتب أو أم ولد، أو من يملك بعضه، أو لمعتقه إلى أجل فذلك جائز، ويحاص به
الأجنبي، وليس للورثة أن ينتزعوه منه عند ابن القاسم، ويبيعوه به إن باعوه.
وقال أشهب: يقر بيده حتى ينتفع ويستمتع ويطول زمان ذلك، ولا ينتزعوه إن
باعوه أيضا قبل طول الزمان. وقول أشهب استحسان؛ لأن القياس إما أن ينتزعوه
مكانهم؛ لأنه مال لعبدهم، قد وجب له بالوصية أو لا يكون لهم انتزاعه أبدا؛
لأن الميت نزعه منهم. وبالله التوفيق.
[مسألة: أوصى لمدبر ابنه أو لأم ولده أو معتقه
إلى أجل]
مسألة قال أصبغ: ولو أوصى لمدبر ابنه أو لأم ولده أو معتقه إلى أجل، قال:
لا تجوز الوصية لواحد من هؤلاء؛ لأن لسيدهم نزع أموالهم. قيل: فإن كانت هذه
الوصية في حال قد امتنعت أموالهم من ساداتهم، مثل أن يكون سيدهم مريضا أو
يكون العتق إلى أجل قد تقارب أجل عتقه. قال: أما للمدبر وأم الولد فلا تجوز
الوصية لهما، وإن كان سيدهما مريضا؛ لأنه قد يصح فينتزع أموالهما، فهذه
تهمة تسقط بها الوصية، فإذا سقطت بالتهمة لم ترجع. قلت: أفلا يوقفها؟ فإن
مات السيد نفذت، وإن صح ردت. قال: لا، قد أخبرتك أن الوصايا لا توقف، وإنما
تمضي أو ترد إذا أبهمت، إلا أن يكون سيد المدبر وأم الولد في السياق والحال
الميئوس منه فيها التي لا يرجى له فيها حياة، فإن الوصية
(13/311)
لهما إذا كانت هذه الحال هكذا. وأما المعتق
إلى أجل فلا تجوز له الوصية أيضا، وإن كان أجل عتقه قد تقارب، إلا أن يكون
لم يبق من أجله الذي يعتق إليه إلا بقدر الثلاثة الأيام والخمسة، ونحوها
مما يقل جدا فأرى الوصية جائزة.
قلت: أرأيت إن افتقر سيد أم الولد والمدبر، والمعتق إلى أجل قرب الأجل أو
في مرض السيد الذي يمتنع منه فيه أخذ مال المدبر وأم الولد، فاحتاج سيدهم
في هذا الحين، ولا مال له غيرهم، ولهم أموال، أترى أن ينفق عليهم من
أموالهم؟ أو لا ترى أن يؤخذ لهم من أموالهم نفقة، ويكونون من فقراء
المسلمين؟ فقال: بل أرى لهم في أموالهم نفقة حتى يموت أو يعتق المعتق إلى
أجل، إذا لم يكن له مال ينفق منه على نفسه، ولا يترك بموت، وللعبد أموال
ومتاع، ومنع سيدهم أخذ أموالهم في هذه الحال ليس بالقوي، ولم يأت فيه أثر
ولا سنة وإنما ذلك استحسان من أهل العلم، فإذا بلغ منه الحاجة، ولم يكن له
مال ينفق منه رأيت أن ينفق عليهم من أموالهم حتى يموت أو ينقضي أجل المعتق،
فهو أيضا مما يوهن مسألتك في الوصية ويضعفها، وتنزل به التهمة.
قال محمد بن رشد: أما وصيته لعبد ابنه أو لأم ولده في مرض الابن، فقوله: إن
الوصية له في هذه الحال لا تجوز بين، إذ قد يصح من مرضه، فيكون له انتزاع
ذلك، وأما قوله في أن وصيته لعبد ابنه المعتق إلى أجل لا تجوز إلا أن يقرب
الأجل جدا مثل الثلاثة الأيام والخمسة ونحوها فهو استحسان، والقياس على
المذهب أنه إذا لم يبق من الأجل إلا ما لا يجوز فيه انتزاع ماله أن تجوز
الوصية له، وإذا لم يبق من الأجل إلا نحو الشهر فليس له أن ينتزع ماله.
قاله في كتاب ابن المواز ومثله في مختصر ابن عبد الحكم
(13/312)
وهو يحمل على التفسير لما في المدونة لأنه
قال فيها: إن السنة ليست بقليل، وله أن ينتزع ماله، وإن لم يبق من أجله إلا
السنة، فإن جعل العلة في ذلك أنه قد يحتاج فينفق عليه من ماله في هذا الحد،
وإن كان لا يجوز له فيه انتزاع ماله، ومراعاة لقول من يقول: إن مال العبد
لسيده، وإن العبد لا يملك، فيجب أن تجوز الوصية له إذا كان الابن وافر
الحال، كثير المال، لا يخشى عليه العدم في هذه الحال؛ لأن التهمة في ذلك
تكون مرتفعة على ما قاله فوق هذا في الذي يوصي المكاتب ابنه إن الوصية له
جائزة إذا كانت له أموال مأمونة، يؤمن عليه العجز معها وبالله التوفيق.
[مسألة: أوصى أن يعطى فلان مولاي أو فلان وفلان
مولاي خمسة دنانير]
مسألة وسئل أصبغ عن رجل أوصى، وفيما أوصى أن يعطى فلان مولاي أو فلان وفلان
مولاي خمسة دنانير، أو خمسة لكل واحد وله عبيد هؤلاء الذين سمى منهم، أو
ليس له غيرهم، أيكونون بشهادة الوصية أحرارا ويجريهم مجرى الأحرار؟ أم هم
رقيق؟ قال: أرى إن أشكل أمرهم إذا كان الأمر فيهم مشكلا لا يدري أهم يوم
أوصى عبيد؟ أم أعتقهم قبل ذلك؟ وأشكل منهم تقادم ذلك وطوله، لا يدرى العلة
قد كان قبل ذلك زمان، فبقي العبيد عنده على حالهم في خدمته وفي يديه، فأرى
إذا كانوا بهذه الصفة والمنزلة، وكان مع ذلك سماع فاش قد تقادم وعتق يرى
كان منه إليهم، أو يمين بعتقهم، لا يدري أبر فيهم أو حنث؟ فأراهم موالي، إذ
هو كان أعلم حين سماهم موالي، وأوصى لهم كما يوصى للموالي المعروفة
بولايتهم، فأراهم أحرارا، لا غرض فيهم لأحد برق ولا إبطال، فقد يعتق الرجل
عبده في موطن من مواطن البر، ولا يشهد له، ويكون معه كما كان، لا يرى ولا
يخاف غير ذلك، ويكون معه زمانا
(13/313)
على ذلك، لا يرى أنه يدفع فيه بشيء ولا
يدافع، ويكون مكثه في يديه مكث النفقة عليه. وهذا من عتق النساء الضعفاء عن
الوثائق لمن أعتقن والأمر عنده كثير، فإن لهذه الوصية على هذه الصفة
والأسباب حرمة والإقرار بأنه لا شيء له فيهم إلا الولاء وأراه تحايدا عما
ليس له ولا يشبه عندي الذي يقول: قد كنت أعتقه؛ لأن التهمة له في هذا بأنه
أراد إخراجه من رأس المال واضحة واقعة قوية، والتهمة بذلك في الأول خارجة
منه ضعيفة والله أعلم. فأراهم موالي وأراهم أحرارا، لا رق فيهم يوم الوصية،
وأرى هذا لهم هكذا أبدا حتى يقوم بينة قاطعة بأنهم يوم أوصى، لا شبهة في
ملكهم ولا رقهم ممن يعرف دخلة الرجل الميت وأمره، أو يكون كان ملكه لهم
قريبا جدا من وصية ملكه مشهور، معروف، باشتراء أو هبة أو صدقة أو ميراث
قريب، لا يمكن فيه الشبهة، وإن لم يدخله مع الشهادة أنه يملكهم يوم الوصية
عبيد فهذا الذي يكون عليهم فيه إقامة البينة بالحرية، لا على الورثة وفي
الأمر الأول البينة على الورثة لا عليهم. قال أصبغ: فإن أقر العبيد الذين
أوصى أن لموالي فلان وفلان كذا وكذا بأنهم عبيد له، لا حرية فيهما إلى يوم
أوصى. قال: أرى إن كانوا فصحا طلوقا عارفين بالأمور، لا يسقط عن مثلهم
الحج، ولا أمور سيدهم في حياته، ولا القيام عليه لو حيوا فيه ومنه وعليه،
ولا كشفهم والأخوف منهم من تجبره وسلطانه إن كان ذا سلطان وسطوته بعد
إنكاره، فأقروا بالعبودية خالصة لا يدعون شيئا متقادما ولا غيره، ولا يدعون
إلا ما يرون إن هذه الوصية عتقا
(13/314)
مستأنفا منه في وصيته لهم فقط، فإقرارهم
لازم لهم، ولا حرية عليهم على خال في ثلث ولا غيره، وأرى لهم الوصية بالمال
ثابتة على كل حال، كما يوصي الرجل لعبيده. وقد يقول الرجل لعبيده: هؤلاء
موالي على لفظ الجهالة والخطأ، فإذا صدقوا ذلك وحققوه بإقرارهم بالعبودية،
رأيته لهم لازما، وكانوا عبيدا. قال أصبغ: وإن كان العبيد على غير ذلك من
الاستحقاق والمعرفة التي وصفتها كلها، فلا أرى إقرارهم بالعبودية ضارا لهم
ولا مقبولا منهم وأراهم أحرارا إذا كانت حالاتهم الحال التي لو لم يقروا
لجعلوا أحرارا أو موالي على التفسير الذي فسرنا إن شاء الله.
قال محمد بن رشد: قد بين أصبغ ما ذهب إليه في هذه المسألة، وطول القول فيه،
حرصا على التناهي في البيان وذلك يرجع إلى أنه إن كان طال مكثهم في يديه
حتى أشبه من أجل ذلك أن يكون قد كان أعتقهم، فبقوا عنده في نفقته وخدمته
على ما كانوا عليه قبل عتقه إياهم، وعلمت وصيته لهم على أنهم مواليه،
فكانوا بذلك أحرارا، وإن كانوا مقربين له بالعبودية، إذا احتمل أن يكونوا
أقروا بذلك على جهل أو خوف إلا أن يثبت الورثة أنهم عبيد، وإن لم يطل مكثهم
في يديه حتى لم تدخل عليهم الشبهة في عتقهم قبل هذه الوصية، فهم عبيد، إلا
أن يثبتوا حريتهم قبلها وهم في حال الجهل بأمرهم على ما أوصى لهم به من
أنهم مواليه. فهذا بيان قوله وتلخيصه وبالله التوفيق.
[: ادعى في البيع ما يجوز وادعى صاحبه ما لا
يجوز]
نوازل عيسى بن دينار وسئل عيسى عن رجل قال عند موته: إني قومت جارية ابنتي
فلانة على فلان بألف درهم، وجعلت فضلها بينهما، وقد بعث
(13/315)
إلي بالألف من العدوة، قلت هذا وقدم الرجل،
فقال: إنما باعنيها بيع بت، وقد بعثت إليه بالثمن، قال: القول قول الميت،
وعلى هذا نصف الفضل. قلت له: لم قال: لأن الميت يقول: إنما بعته نصفها،
وأبضعت معه النصف فنصف الفضل في هذا القول له، فقيل له: لو قال هذا كان
القول قوله، ولكنه إنما قال: قومتها عليه كلها وجعلت فضلها بينهما، وهذا لا
يجوز، فمن ادعى في البيع ما يجوز، وادعى صاحبه ما لا يجوز، فالقول قول مدعي
الحلال منهما. قال عيسى: إنما معناه عندي كما قلت أولا: إنه باع النصف،
وأبضع النصف فالقول قوله على ذلك.
قال محمد بن رشد: قوله: قومتها عليه معناه أشركته فيها، بأن بعت منه نصفها
بألف ليبيعها هو بألف، فيكون له نصف الفضل إن باعها بربح كما قال لا كما
قال السائل: من أن الميت ادعى حراما، فالاختلاف بينهما إنما هو فيما اشترى
بالألف فهو يقول: اشتريت بها جميع الجارية، والميت يقول: إنما بعت منه
بالألف التي قبضت نصف الجارية، ولا اختلاف في المتمون إذا قبض الثلث،
كالاختلاف في الثمن إذا قبض المتمون، فقوله: إن القول قول الميت يأتي على
القول بأن النقد المقبوض فوت يوجب أن يكون القول قول البائع في أنه لم يبع
منه بالألف التي قبض إلا نصف الجارية على قياس رواية ابن وهب عن مالك، في
أن قبض السلعة فوت إذا اختلف في ثمنها، وإنما ينبغي أن يكون القول قوله إذا
أشبه أن يباع نصف الجارية بألف، وهذا هو معنى ما تكلم عليه، إذ لا اختلاف
في أن المتداعين، لا يكون القول قول المدعى عليه منهما إلا إذا أتى بما
يشبه. وقوله: القول قول الميت، معناه: أنه لا يصدق المشتري فيما ادعاه من
أنه اشترى بالألف التي دفع جميع الجارية؛ لأن اليمين إنما كانت للميت إذا
كان يشبه قوله على ما ذكرناه فقد سقطت عنه بموته، ولو لم يشبه قوله وأشبه
قول
(13/316)
المشتري لوجب أن يكون القول قوله مع يمينه
أنه اشترى بالألف جميع الجارية ويجب في هذه المسألة على قياس القول بأن
النقد المقبوض لا يكون فوتا أن يحلف المشتري ويفسخ البيع؛ لأن الميت قد
سقطت عنه اليمين بموته، وبالله التوفيق.
[مسألة: الوصي يشتري لليتامى منزلا بأموالهم ثم
يموت]
مسألة وسئل عن الوصي يشتري لليتامى منزلا بأموالهم، ثم يموت، فيقول ذكور
اليتامى: نقسم المنزل، للذكر مثل حظ الأنثيين، وكذلك اشترى لنا ويقول
الإناث: بل للذكر مثل حظ الأنثى ولا يدري كم اشترى لهم؟ قال: إن كان اشترى
لهم من عرض أموالهم، فذلك بينهم، للذكر مثل حظ الأنثى، وإن كان اشترى لهم
من جميع المال، فذلك بينهم، لذكر مثل حظ الأنثيين كما كانت أموالهم قبله
فإن كان الوصي حيا وقد اشترى لهم من عرض أموالهم وليس بجميعها فقبل الأيتام
ثم اختلفوا أيقبل قول الوصي بينهم؟ قال: نعم.
قال محمد بن رشد: أما إذا اشترى المنزل لهم بجميع المال، فلا إشكال ولا
احتمال، في أنه يكون بينهم، للذكر مثل حظ الأنثيين، وأما إذا اشتراه لهم من
جملة المال لا بجميعه، ففي قوله: إنه يكون بينهم للذكر مثل حظ الأنثى نظر؛
لأن المال الذي اشتراه به ليس للإناث منه إلا ثلثه، فالظاهر أن لا يكون
للإناث منه إلا الثلث. ولا يحمل على الوصي أنه تسلف للإناث من حظوظ الذكور،
ألا ترى إن كان جميع المال ستمائة، فاشترى المنزل بثلاثمائة؟ يرجع الذكور
في الثلاثمائة الباقية بالخمسين التي زادها من حظوظهم للإناث في المنزل،
فيكون لهم منها مائتان وخمسون. وقد ذكر ابن زرب أن في المسألة خمسة أقوال
على قياس ما قاله محمد بن حارث من
(13/317)
الاختلاف فيمن أوصى بمال لحمل، فولدت
المرأة توأمين: ذكرا وأنثى أحدها إن المنزل يقسم بينهما إن كانا ابنا وابنة
بنصفين. والثاني إنه يكون بينهما بحسب الميراث على الثلث والثلثين. والثالث
إنه يقسم بينهما على سبعة أسهم، للأنثى ثلاثة، وللذكر أربعة وذلك أن أقصى
ما يمكن أن يكون للذكر الثلثان، وأقصى ما يمكن أن يكون للأنثى النصف.
والرابع أنه يقسم بينهما على خمسة أسهم، للذكر ثلاثة وللأنثى اثنان، وهو
أقل ما يمكن أن يكون لكل واحد منهما والخامس أن يكون للذكر ثلاثة من ستة،
وللأنثى اثنان من ستة، ويقتسمان الجزء السادس بنصفين على سبيل التداعي إن
ادعيا العلم أو ظن أن أحدهما يعلم، واستحسن هذا القول وهذا الاختلاف إنما
يصح إذا جهل كيف كان الشراء ولم يتداعيا في ذلك على التحقيق؟ وأما إن قال
الذكر: الثلثان لي، والثلث لك، وعلى ذلك وقع الشراء بإفصاح وبيان. وقالت
الأنثى: النصف لي والنصف لك، وعلى ذلك وقع ذلك الشراء بإفصاح وبيان، فلا
يصح في ذلك إلا قولان: أحدهما إنه يقسم بينهما على حساب عول عدل الفرائض
أسباعا بعد إيمانهما لمدعي الثلثين أربعة أسهم، ولمدعي النصف ثلاثة أسهم،
وهو المشهور من قول مالك، والثاني إنه يكون للذكر ثلاثة من ستة، إذ لا
تنازعه الابنة في النصف، وللأنثى اثنان من ستة، إذ لا ينازعها الابن في أن
لها الثلث، ويقتسمان الجزء السادس بينهما بنصفين لتداعيهما فيه، بعد
أيمانهما أيضا، وهو المشهور من مذهب ابن القاسم. وبالله التوفيق.
[مسألة: أوصى بثلث ماله في سبيل الله إلا
العراص]
من سماع أبي زيد بن أبي الغمر من ابن القاسم
مسألة قال أبو زيد بن أبي الغمر: أخبرنا ابن القاسم قال: سئل مالك
(13/318)
عن رجل أوصى بثلث ماله في سبيل الله إلا
العراص، وفي العراص خشب وطوب ملقى كان أراد أن يبني تلك العراص بها، أترى
أن يباع الطوب والخشب والقصب، فتعجل في السبيل؟ أم تراها مع العراص؟ قال:
إن كان ذلك النقض شيئا نقضه من العراص فلا يباع منه شيء، وإن كان إنما جاء
به ليبني بها، فهي تباع، ويخرج ثلثها.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال إنه كان نقض ذلك من العراص، فلا يدخل في
الوصية لأنها من العراص التي استثنى يوم أوصى، وإن كان لم ينقضها منها فهي
داخلة في الوصية، إذ ليست مما استثنى. وبالله التوفيق.
[مسألة: أوصى بعتق عبده وما بقي من ثلثه فلفلان]
مسألة وعن رجل أوصى بعتق عبده، وما بقي من ثلثه فلفلان، فمات، فقامت بينة
إن العبد كان حرا أعتقه سيده هذا في صحة منه، أو استحقه رجل، قال ابن
القاسم: أرى أنه ليس له إلا ما بقي بعد قيمته، إنما هو رجل أوصى بأنه غلام
له، أو نسي عتقه، فأوصى على وجه الملكية أو يكون تعمد ذلك، فلم يكن يريد
بعطيته إلا ما بقي بعد القيمة من ثلثه فليس له إلا ما بقي من ثلثه بعد
القيمة.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها في رسم نفذها من سماع
عيسى، ومضت أيضا في رسم باع شاة منه. فلا وجه لإعادة القول فيها.
(13/319)
[مسألة: أوصى
الرجل إلى أيتام المعافر وأراملهم مائة دينار]
مسألة وقال: إذا أوصى الرجل إلى أيتام المعافر وأراملهم مائة دينار، قال:
إن كان الموصي من المعافر، وكان ساكنا بالريف، إلا أنه إذا قدم الفسطاط نزل
بالمعافر، فأرى المائة للأيتام والأرامل، الذين من المعافر، ومن كان من
الأيتام والأرامل، من سكان المعافر إلا أنهم ليسوا من المعافر، فلا شيء
لهم، ويؤثر الأحوج فالأحوج، وإن كان الموصي ليس من أهل المعافر، كان بها
مسكنه أو لم يكن، غير أنه ليس بمعافري فكل من سكن المعافر من أيتامهم
وأراملهم كانوا معافرين، أو من قبائل غير المعافرين، فيعطون ويؤثر الأحوج
فالأحوج.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن الموصي إن كان معافريا علم أنه
إنما أراد بوصيته أيتام قبيلته، وأراملهم، فتكون لهم الوصية، كانوا من سكان
المعافر، أو لم يكونوا من سكانها، وإن لم يكن معافريا علم أنه إنما أراد
بوصيته أيتام سكان المعافر وأراملهم كانوا معافرين، أو لم يكونوا معافرين
وبالله التوفيق.
[مسألة: يقول عند الموت إن عبدي هذا لم يكن إلا
حرا وما اشتريته قط]
مسألة وقال في الرجل يقول عند الموت: إن عبدي هذا لم يكن إلا حرا وما
اشتريته قط، وإنما كان أجيرا عندي قال: إن ورث كلالة لم يقبل قوله، وإن كان
ورثه ابنه جاز قوله.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والكلام عليها في رسم العرية من سماع
عيسى، فلا معنى لإعادته.
(13/320)
وسيأتي آخر هذا السماع في مسألة من هذا
المعنى نتكلم عليها في موضعها إن شاء الله.
[مسألة: أوصى وقال ميمون ومرزوق وجابر عبيدي
لمحمد وجابر لعبد الرحمن]
مسألة وقال في رجل أوصى وقال: ميمون ومرزوق وجابر عبيدي لمحمد، وجابر لعبد
الرحمن. قال: فميمون ومرزوق لمحمد، وجابر بين عبد الرحمن ومحمد وذلك إذا
حمله كلهم الثلث، فإن كان لم يترك غيرهم، كان ثلث مرزوق وميمون لمحمد وكان
ثلث جابر بين عبد الرحمن ومحمد.
قال محمد بن رشد: هذا صحيح على المشهور في المذهب المنصوص عليه في المدونة
وغيرها من أن الرجل إذا أوصى لرجل بشيء بعينيه، ثم أوصى به لغيره، ولا تكون
وصيته الآخرة ناسخة للأولى ويقتسمان جميعا ذلك الشيء بينهما.
وقد مضى في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم مسألة حملها بعض الناس على
أنها مخالفة لهذا الأصل، وليس ذلك بصحيح؛ لأنها محتملة للتأويل، حسبما
ذكرناه فيها؛ لأن الخلاف في ذلك معلوم من قول مالك وغيره من أصحابه، وقد
مضى ذكر ذلك في سماع عبد الملك بن الحسن فلا معنى لإعادته.
[مسألة: قال في وصيته المائة التي عندي لفلان
على حالها]
مسألة وقال في رجل قال في وصيته: المائة التي عندي لفلان على حالها، فوجد
في كتب الميت براءة بخمسين دينارا دفعها إلى غريمه ذلك قال: إن كان يعرف
أصل الحق أنه مائة، فالبراءة تنفع لعل الرجل نسي وإن لم يكن يعرف أصل الحق،
ثبتت له المائة.
(13/321)
قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه إذا لم
يعرف أصل الحق لم تنتفع الورثة بالبراءة، لاحتمال أن يكون ما زاد على
المائة التي أقر بها باقية عليه، وأما إذا عرف وجه الحق، فوجه قوله: إن
البراءة تنفعه، هو ما ذكره من احتمال أن يكون نسي أنه قضاه الخمسين، ولذلك
أقر له بجميع المائة، إذ لو صح من مرضه، فجاء بالبراءة وادعى أنه نسي ما
قضاه، لوجب أن يصدق في ذلك مع يمينه، قياسا على ما قاله. في الذي يصالح
الرجل على بعض حقه، ثم يجد بينة، لم يعلم بها، أو ذكر حق قد كان كتبه عليه.
وقد مضى تحصيل القول في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم، من كتاب
المديان والتفليس، فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق.
[مسألة: وصى عند موته أن يعتق نصف مكاتبه]
مسألة وعن رجل أوصى عند موته أن يعتق نصف مكاتبه، ويؤخر عنه النصف في ثلاث
نجوم، نجم في كل سنة، فقال رجل من الورثة: أنا أضمن لكم هذه الثلاثة نجوم،
نجم في كل سنة، وأعتقوا النصف الباقي، قال: لا خير في هذا. قيل له: فإن
فعلوا ذلك. قال: فالعتق جائز إذا أعتقوا قيل له: أرأيت إن حلت السنة فلم
يجدوا عند الذي ضمن لهم شيئا أترى أن يرجعوا على العبد بشيء؟ قال: لا. قد
ثبتت الحرية، ولكن يكون على الذي ضمن دينا يتبع به، ولا يرجع على العبد
بشيء، قال: فلمن ولاؤه؟ قال: للذي أعتق أولا.
قال محمد بن رشد: إنما قال: إن ذلك لا خير فيه؛ لأنه ضمان بثمن ضمن لهم
الأنجم التي لهم على المكاتب، على أن عجلوا له العتق واحتالوا عليه أيضا
بما كان لهم على المكاتب، إذا برأوا المكاتب مما كان لهم عليه وأعتقوه، ولا
تجوز الحوالة بما لم يحل من الديون، فالمكروه في
(13/322)
ذلك بين، إلا أنه لا يمكن رده، إذ قد فات
الأمر فيه بالعتق، فلزمه الضمان الذي ضمن، ولا يكون لهم على العبد رجوع إن
أعدم الضامن عند الأجل، ويتبعوه مما التزم لهم من الضمان في ذمته، ويرجع هو
بذلك عليه وبالله التوفيق.
[مسألة: لا تجوز وصية لوارث]
مسألة وسئل عن امرأة أوصت في مرضها...... فجعلته في خلخال، فإن مت فكفنوني
بثمن الخلخالين، ولها أولاد، ثم إن الذين أوصت إليهم كفنوها بغير ثمن
الخلخالين، فماذا ترى في الخلخالين؟ قال: أرى أن يقتسما على فرائض الله،
ولو قالت: ادفعوه إلى ابني الذي وجده، لم يكن ذلك له؛ لأنها تتهم، وأنه لا
تجوز وصية لوارث إلا أن يعلم هدف قولها ببينة، فيكون الخلخالان للذي وجده.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأنها إذا أوصت أن تكفن بثمن
الخلخالين، فلم يؤثر بذلك أحد بنيها على بعض وأرادت أن يكون ما بعد
الخلخالين من مالها ميراثا بين جميع ورثتها، فوجب إذا لم ينفذ ورثتها
وصيتها في الخلخالين، أن يكونا ميراثا بين جميعهم، كما لو لم توص بشيء ولو
أوصت لابنها بالدينار لما جازت وصيتها له به إلا أن يعلم صدق قولها كما
قال، وقد تقدم مثل ذلك قرب آخر الرسم الأول من سماع أصبغ وفي غير ما موضع
إلا أن تصح من مرضها، فيلزمها الإقرار له. وبالله التوفيق.
[مسألة: أوصى لرجلين أن يزوجا ابنته فزوجاها
وأنكرت الجارية علمها بذلك]
مسألة وقال في رجل أوصى لرجلين أن يزوجا ابنته من رجل سماه
(13/323)
لهما فزوجاها جميعا بعد موت الأب، ثم أنكرت
الجارية أن تكون علمت أن أباها أوصى بذلك إليها أترى أن تقبل شهادتها؟
فقال: لا، ولكن لو شهدا عند القاضي قبل أن يزوجاها لجازت شهادتهما، وإن
رضيت ما صنعا ولم تنكر ذلك عليهما رأيت النكاح جائزا.
قال محمد بن رشد: قوله: إن شهادتهما لا تجوز إذا زوجاها فلم ترض بين لا
إشكال فيه ولا اختلاف؛ لأنهما أشهد أن يجيزا فعلهما وأما قوله: إنهما لو
شهدا بذلك عند القاضي قبل أن يزوجاها لجازت شهادتهما، فهو خلاف نص ما في
المدونة من أنه لا تجوز شهادة الموصى إليه، وإن كان طالب الحق غيره، ومن
أنه لا تجوز شهادة الرجل بأن الميت أوصى إلى أبيه، وإذا لم تجز شهادته أنه
أوصى إلى أبيه، فأحرى أن لا تجوز شهادته إذا أوصى إليه. فقوله في هذه
الرواية، مثل ما يدل عليه قوله في المدونة الذي يشهد أن الميت أوصى لقوم
بوصايا، وأوصى للشاهد. قال ابن القاسم: فسمعت مالكا يقول: إن كان الذي شهد
به لنفسه يسيرا تافها لا يتهم عليه، فشهادته جائزة.
فأجاز شهادته إن كان الذي أوصي له به يسيرا مع أنه أوصى إليه في تنفيذ جميع
وصاياه، وأما قوله: وإن رضيت ما صنعا ولم ينكر ذلك عليها رأيت النكاح جائزا
فهو الذي يدل عليه قوله في أول المسألة ثم أنكرت الجارية؛ لأن فيه دليلا
على جوازه لو لم تنكر، ومعنى ذلك عندي: إذا كان الرجلان اللذان زوجاها
وادعيا التقديم على ذلك من الأب، وليس من أوليائها وأما إن كان أجنبيين فلا
يجوز النكاح، وإن أجازته؛ لأنه عقده غير ولي. وبالله التوفيق.
[مسألة: أوصى في مرضه فقال عبدي فلان يخدم
فلانا الأجنبي سنة ثم هو حر]
مسألة وسئل عن رجل أوصى في مرضه فقال: عبدي فلان يخدم فلانا الأجنبي سنة،
ثم هو حر، وعبدي فلان الآخر حر بعد سنة،
(13/324)
ولم يحملها الثلث، فمن يبدأ منهما. قال:
يتحاصان جميعا. يريد العبدين.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن الخدمة تسقط إذا لم تحمل ثلث
العبدين، ولا أجاز ذلك الورثة وقطعوا لهما بالثلث، لوجوب تبدية العتق عند
ضيق الثلث عن الوصايا بالمال والخدمة، وإذا وجبت المحاصة في الثلث، لم يبد
أحدهما فيه على صاحبه، إذ لا مزية له عليه، من أجل أن كل واحد منهما إنما
أوصى له بالعتق بعد سنة وبالله التوفيق.
[مسألة: قال في مرضه دبروا عبدي فلانا وأعتقوا
عني رقبة وجبت على من ظهار]
مسألة وسئل عن رجل قال في مرضه: دبروا عبدي فلانا وأعتقوا عني رقبة وجبت
على من ظهار، قال: يبدأ بعتق الظهار إذا لم يحمل الثلث غيره.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله، إذ لم يختلف قول ابن القاسم في أن
كفارة الظهار تبدأ على المدبر في العرض، فكيف على الوصية بالعتق؟ لأن قوله
دبروا عبدي فلانا وصية له بالعتق من الثلث على حكم التدبير في المرض في ذلك
إن صح من مرضه كان له أن يرجع فيه؛ لأنه لم يدبره، وإنما أوصى أن يفعل ذلك
بعد موته، فله حكم الوصية لا حكم التدبير وبالله التوفيق.
[مسألة: أوصى فقال لفلان ما بقي من ثلثي]
مسألة وسئل عن رجل أوصى فقال: لفلان ما بقي من ثلثي، ولم يوص بشيء غيره.
قال: لا شيء له، وكذلك قال لي مالك وهو من مسائل السر.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة متكررة من قول مالك
(13/325)
في مواضع من سماع عيسى ومضى الكلام عليها
في رسم أوصى منه فلا وجه لإعادته، ولا لقوله. وهي من مسائل السر. وبالله
التوفيق.
[مسألة: وصى أن يدفع ثلث ماله إلى أقاربه]
مسألة وسئل عن رجل هلك وترك أباه وعمه وجده وأخاه، وأوصى أن يدفع ثلث ماله
إلى أقاربه، الأقرب فالأقرب. قال: أرى أن يبدأ بأخيه أولا يعطى أكثر من
الجد، وإن كان الأخ أيسر من الجد، ثم يعطى الجد أكثر من العم، وإن كان أيسر
منه، ثم يعطى العم، قيل: ولا ترى أن يدفع إلى أخيه كلمة؟ قال: لا، إلا أن
يكون ترك دارا أو حائطا فيحبسها على أقاربه، الأقرب فالأقرب، فإنه يدفع إلى
أخيه، فإذا هلك دفعت إلى جده ثم يدفع بعد موت الجد إلى العم.
محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى مثلها في الرسم الأول من سماع أصبغ، بزيادات
على هذه. فتكلم عليه بما يغني عن الكلام في هذه، وبالله التوفيق.
[مسألة: أوصى وقال مائة دينار لبني يزيد]
مسألة وقال في رجل أوصى وقال: مائة دينار لبني يزيد، فإنها تدفع كلها إلى
كل من كان من بني يزيد.
قال محمد بن رشد: قد مضى في رسم الوصايا والأقضية من سماع أصبغ القول
مستوفى فيمن أوصى لولد فلان أو لبنيه فلا وجه لإعادته وبالله التوفيق.
[مسألة: نصراني هلك وأوصى بجميع ماله في
الكنيسة]
مسألة وسئل عن نصراني هلك، وأوصى بجميع ماله في الكنيسة ولا وارث له قال:
يدفع إلى أسقفهم ثلث ماله، يجعله حيث
(13/326)
أوصى، ويكون ثلثاه للمسلمين.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال، إن النصراني إذا لم يكن له وارث من أهل
دينه، فليس له أن يوصي بأكثر من ثلثه؛ لأن ورثته المسلمون وقوله: إنه يدفع
ثلث ماله إلى أسقفهم، يجعله حيث أوصى معناه: إن شاء، فإنما يدفع إليه ثلث
ماله، ليفعل فيه ما شاء على حكم دينه. وقوله: ويكون ثلثاه للمسلمين، معناه:
يصرفه الولي في وجوه منافعهم على حكم الفيء حكى ابن المواز عن ابن القاسم
من رواية أبي زيد عنه قال في الذي يموت ولا وارث له، قال: يتصدق بما ترك،
إلا أن يكون الوالي يخرجه في وجهه، مثل عمر بن عبد العزيز فليدفع إليه،
وإنما يكون ميراث من مات من أهل الذمة، ولا وارث له من أهل دينه للمسلمين،
ولا يجاز له من وصيته أكثر من الثلث إذا كان من أهل العنوة أو من أهل الصلح
والجزية على جماجمهم، وأما إن كان من أهل الصلح، والجزية مجملة عليهم لا
ينقصون منها لموت من مات، ولا لعدم من عدم، فيجوز له أن يوصي بجميع ماله
لمن شاء؛ لأن ميراثه لأهل مودة، على مذهب ابن القاسم، وهو قول سحنون خلاف
ما ذهب إليه ابن حبيب من أن ميراثه للمسلمين، إذا لم يكن له وارث من أهل
دينه على كل حال. وقد قيل في أهل العنوه: إن مالهم للمسلمين فلا يرثهم
ورثتهم، ولا يجوز لهم وصية بثلث ولا غيره، وهو الذي يأتي على قياس ما في
سماع سحنون، من كتاب التجارة إلى أرض الحرب، من أنهم في حكم العبيد المأذون
لهم في التجارة. وبالله التوفيق.
[مسألة: أوصى فقال لفلان وفلان وفلان ثلثي
ولفلان مالي]
مسألة وسئل عن رجل أوصى فقال: لفلان وفلان وفلان ثلثي، ولفلان مالي. قال:
يقسم ثلث ماله على اثنا عشر
(13/327)
جزءا، فيعطى من أوصى له بماله تسعة أجزاء،
ولكل واحد من الثلاثة سهم سهم.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن الواجب أن يتحاصوا في الثلث على قدر
وصاياهم، فيضرب فيه للموصى له بجميع المال، بثلاثة أمثال ما يضرب به للموصى
لهم بالثلث، فيصير لهم ثلاثة أرباع الثلث، وهو ثلاثة من ربعه وللموصى له
بالثلث ربعه، وهو واحد من أربعة، لا ينقسم عليهم، إلا بأن يضاعف إلى ثلاثة،
بأن يضرب فيه ثلاثة، ويأخذ كل واحد منهم سهما من الثلاثة، ويضرب ثلاثة فيما
بيد الموصى له بجميع المال، فيضرب له تسعة أسهم من اثني عشر كما قال.
وبالله التوفيق.
[مسألة: أوصى أن عليه دينا لفلان لرجل لا يعرف]
مسألة وقال في رجل أوصى أن عليه دينا لفلان، لرجل لا يعرف قال: إن كان له
ولد فأرى الدين يخرج من رأس المال، ويستأنسا به، فإن لم يأت له طالب تصدق
به، وإن لم يكن له ولد وكان الدين الذي أوصى به شيئا تافها، أخرج وأوقف،
واستوفي به، فإن لم يأت له طالب تصدق به، وإن كان الدين الذي أوصى به كثيرا
يكون نصف ماله أو أكثر، لم يخرجونه قليل ولا كثير.
قال محمد بن رشد: هذا أحسن الأقوال في هذه المسألة وقد مضى تحصيل الاختلاف
فيها في رسم اغتسل من سماع ابن القاسم وقال ابن القاسم في رسم نفذها من
سماع عيسى: إن التافه اليسير في نحو هذا: الخمسة والعشرة ونحوها. وبالله
التوفيق.
[مسألة: أوصى وقال إن رقيقي أحرار فأعتقوا ثم
طرأ على الميت دين]
مسألة وقال في رجل أوصى وقال: إن رقيقي أحرار، فوجد الرقيق
(13/328)
الثلث، فأعتقوا ثم طرأ على الميت دين، وقد
اقتسم المال، قال: يكون ثلث الدين على العبيد الذين أعتقوا يسهم بينهم حتى
يباع منهم ثلث الدين الطارئ، ويكون ثلث الدين على الورثة معدمين كانوا أو
أمليا.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة صحيحة، وهي تدل على صحة ما اعترضت به قول
ابن القاسم، في سماع موسى. وبالله التوفيق.
[مسألة: أوصى فقال عبدي فلان يدفع إلى فلان
عشرة دنانير ثم هو حر]
مسألة وقال في رجل أوصى فقال: عبدي فلان يدفع إلى فلان عشرة دنانير، ثم هو
حر، وأوصى بوصايا فإذا العبد الثلث قال: يؤمر العبد أن يدفع إلى فلان عشرة،
ثم هو حر، ويتحاص في العشرة أهل الوصايا، فإن كان لا يخرج من الثلث خير
الورثة بين أن يجيزوا ما أوصى صاحبهم به يدفع العشرة ويكون حرا ويتحاص فيها
أهل الوصايا أو يعتق ما حمل الثلث منه الساعة، ولا شيء له عليه.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة صحيحة على أصولهم في أن العتق بعينه مبدأ
على الوصايا وفي أن من أوصى بعتق عبد إلى أجل، أو على مال يؤديه، فلم يحمله
الثلث، إن الورثة مخيرون بين أن يجيزوا الوصية، وبين أن يعتقوا منه ما حمل
الثلث منه بتلا وبالله التوفيق.
[مسألة: شهدا على رجل أنه أوصى فقال إن مت من
مرضي فغلامي ميمون حر]
مسألة وقال ابن القاسم في رجلين شهدا على رجل أنه أوصى، فقال: إن مت من
مرضي فغلامي ميمون حر، وشهد رجلان آخران أنه قال في مرضه: إن صحت من مرضي
هذا فمرزوق حر، فشهد الشاهدان اللذان شهدا لمرزوق أنه صح من مرضه ذلك،
(13/329)
والشاهدان اللذان شهدا لميمون وشهدا أنه
مات من مرضه ذلك، ولم يصح منه، وهم كلهم عدول، قال: يعتق نصف ميمون، ونصف
مرزوق، وكذلك لو أن رجلا هلك وترك ولدا مسلما وولدا نصرانيا، فشهد رجلان
أنه مات على الإسلام، وشهد رجلان آخران أنه مات على النصرانية، وهم كلهم
عدول. قال: إن كان بعضهم أعدل من بعض قضي بشهادة العدول، وإن كانوا كلهم
عدولا وكانوا في العدالة سواء أعطي المسلم نصف مال الميت، وأعطي النصراني
نصف المال الباقي.
قال محمد بن رشد: قوله في المسألة الأولى: إنه يعتق نصف ميمون ونصف مرزوق،
معناه: إذا تكافأت البينتان في العدالة؛ لأنه إذا تكافئا سقطا جميعا، ويعلم
أن العتق قد وجب لأحدهما يقينا فأعتق من كل واحد منهما نصفه، إذ لا يعلم من
هو المعتق منهما، ولو كانت البينة الواحدة أعدل من الأخرى لقضي على مذهبه
بالتي هي أعدل، وهو نص قوله في سماع أصبغ من كتاب العتق. وقال أصبغ فيه: إن
شهادة الصحة أعمل وهو في هذه المسألة أظهر لأنها علمت من صحته ما جهلته
الأخرى، ومثل قول أصبغ لابن القاسم في سماع أبي زيد عنه من كتاب الشهادات
في التي أوصت في مرضها فشهد شهود أنها كانت صحيحة العقل، وشهد آخرون أنها
كانت موسوسة؛ لأنه إذا قال في تلك: إن شهادة الصحة أعمل فأحرى أن يقول ذلك
في هذه، وإذا قال في هذه: إنه ينظر إلى أعدل البينتين، فأحرى أن يقول ذلك
في تلك وقد ساوى أصبغ في سماعه من كتاب العتق بين المسألتين فيتحصل في
مجموع المسألة ثلاثة أقوال: أحدها: إنه ينظر فيهما جميعا إلى أعدل
البينتين. والثاني: إن شهادة الصحة أعمل فيهما جميعا. والثالث: إن شهادة
الصحة أعمل في هذه وينظر إلى أعدل البينتين في مسألة سماع أبي زيد من كتاب
الشهادات، ويتخرج في مسألة سماع أبي زيد قول ثالث: إن
(13/330)
شهادة المرض أعمل، ولا يقال ذلك في
مسألتنا، إذ لا يصح فيها سوى القولين المذكورين. فهذا تحصيل القول في هذه
المسألة. وأما قوله في الذي هلك وترك ولدا مسلما وولدا نصرانيا فشهد رجلان
أنه مات على الإسلام، ورجلان أنه مات على النصرانية، إنه ينظر إلى أعدل
البينتين، فإن استويا في العدالة كان المال بينهما بنصفين، فهو مثل قوله في
المدونة خلاف قول غيره فيها: إن شهادة الإسلام أعمل، ومعنى ذلك إذا قال
الشاهدان: عرفنا أنه على الإسلام، ولم نعرف أنه تنصر فشهادتنا أنه مات على
الإسلام بغالب ظننا. وقال الآخران: عرفناه نصرانيا على دين النصرانية، ولم
نعرف أنه أسلم، فشهادتنا أنه مات على النصرانية بغالب ظننا، وكذلك لو حصروا
جميعا موته، فقال الاثنان منهم: تكلم عند الموت بكلمة الإسلام، ومات عليها،
وقال الآخران: بل إنما تكلم بكلمة الكفر ومات عليها ولم يعرف في الأصل على
كفر ولا على إسلام ينظر إلى أعدل البينتين أيضا فإن استويا في العدالة
سقطتا، وقسم المال بينهما بنصفين بعد أيمانهما. وأما لو علم في الأصل كافرا
فقالت إحدى البينتين: إنه أسلم ومات على الإسلام، وقالت الأخرى: ما أسلم،
بل مات على الكفر لكانت البينة التي شهدت بإسلامه أعمل من الأخرى، وإن كانت
أقل عدالة منها. فهذا تحصيل القول في هذه المسألة. وبالله التوفيق.
[مسألة: مريض باع عبدا بمائة دينار وقيمته ثلاث
مائة دينارثم مات ولا مال له غيره]
مسألة وقال في رجل مريض باع عبدا بمائة دينار وقيمته ثلاث مائة دينار، ثم
مات ولا مال له غيره، قال: يكون للمشتري ثلثا العبد، ثلث يكون له بالوصية،
وثلث بالمائة التي دفع في ثمنه.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة يتحصل فيها ثلاثة أقوال: أحدها قول ابن القاسم
في هذه الرواية: إن الورثة يخيرون ابتداء بين أن يجيزوا البيع وبين أن
يمضوا للمشتري من العبد ثلثه بالوصية وثلثه بالمائة التي دفع. وهذا
(13/331)
إذا كانت قسمته على حالها، والمائة باقية
فهذا معنى قوله فيها. والقول الثاني إنه يمضي منه للمشتري بالثمن، قدر ما
لا محاباة فيه، ثم يخير الورثة في المحاباة، فإن شاؤوا أجازوها وأمضوها
وإلا قطعوا له بثلث الثلث. وهو ثلث العبد، إذ لا مال له غيره. وهذا قول
عيسى بن دينار وهو قريب من القول الأول، إذ لا فرق بينها وبينه إلا في تخير
الورثة هل يكون ابتداء أو بعد أن يمضي منه لنشتري بالثمن قدر ما لا محاباة
فيه؟ وتأول ذلك إلى اختلاف في المعنى. والقول الثالث: إن الورثة يخيرون
ابتداء بين أن يجيزوا البيع وبين أن يردوه ويعطوا المشتري مائته التي كان
دفع ويقطعوا له بثلث الميت في العبد المبيع وهو ثلثه، إذ لا مال له سواه.
وهو قول ابن القاسم في سماع سحنون من كتاب الشفعة، ورواية أصبغ عن ابن
القاسم عن مالك في الواضحة ولا يكون على هذا القول للورثة أن يلزموا
المشتري أن يأخذ من العبد بالمائة التي دفع ما يجب لها منه بغير رضاه، ولا
له أن يلزمهم ذلك بغير رضاهم، خلاف ظاهر هذه الرواية، وليس للمشتري على
ظاهر هذه الرواية أن يزيد ما حاباه به الميت زائدا على الثلث، ويستخلص
البيع، خلاف قول ابن القاسم في سماع سحنون ويحتمل عندي ألا يحمل شيء من هذه
الرواية في هذه المسألة على ظاهره مما يوجب الاختلاف. وتفسير بعضها ببعض
فلا يكون في المسألة خلاف، وترجع الروايات كلها إلى شيء واحد، فنقول على
هذا: إن الحكم في المسألة أن يخير المشتري ابتداء، فإن أراد أن يزيد
المحاباة ويستخلص البيع كان ذلك له، على ما في سماع سحنون من كتاب الشفعة،
وإن أبى من ذلك واتفقوا جميعا على أدت يمضوا للمشتري من العبد بالثمن قدر
ما لا محاباة فيه، ثم يكون الورثة بعد ذلك في المحاباة بالخيار بين أن
يجيزوها أو يقطعوا له بثلث الميت، وهو ثلث العبد، إذ لا مال له غيره فعلوا
ذلك على قول عيسى بن دينار، وإن لم يتفقوا على ذلك خير الورثة ابتداء بين
أن يجيزوا الشراء على ما وقع عليه من المحاباة وبين أن يردوا إليه ماله،
ويقطعوا له ثلث مال الميت، وهو ثلث
(13/332)
العبد، إذ لا مال له غيره، على ما في سماع
سحنون من كتاب الشفعة، وعلى ما حكى ابن حبيب عن مالك من رواية أصبغ عن ابن
القاسم عنه إلا أن يريد المشتري أن يكون له من العبد بقدر المائة، ويرضى
بذلك الورثة، فيكون له حينئذ ثلثا العبد، ثلث بالمائة التي دفع، وثلث
بالوصية، إذ لم يجيزوا له الشراء، وقطعوا له بثلث العبد، إذ هو ثلث مال
الميت، وهو أحسن ما يقال في هذه المسألة لأن حمل الروايات على الاتفاق أولى
من حملها على الاختلاف. وبالله التوفيق.
[مسألة: أوصى فقال لفلان علي دنانير]
مسألة وقال في رجل أوصى فقال: لفلان علي دنانير فقال: يعطى ثلاثة دنانير؛
لأن الدنانير لا تكون أقل من ثلاثة.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن الثلاثة يقين، وما زاد عليها
شك، ولا تكون الوصايا بالشك، كما لا يكون الميراث به. وبالله التوفيق.
[مسألة: قالت ثلث مالي لأبي ثم قالت ثلث مالي
لأخي]
مسألة وعن امرأة قالت: ثلث مالي لأبي، ثم قالت: ثلث مالي لأخي وهي صحيحة.
قال: يأخذ الأب ثلث مالها وليس عليها غيره، ولا يكون لأختها شيء؟ أرأيت لو
قال الرجل: دابتي لفلان، ثم قال: دابتي لفلان صدقة؟ إن الأول أولى بها.
قال محمد بن رشد: قوله: ثلث مالي لأبي معناه: هبة له أو صدقة عليه، والهبة
والصدقة في الصحة لازمة ولذلك لم ير لأخيها شيء؛ لأنها إنما تصدقت عليه بما
قد وجب لأبيها بالقول المتقدم؛ لأنه حمل الثلث محمل الشيء المعين، يعطيه
لرجل ثم يعطيه بعد لغيره. والأظهر أن يكون لأخيها ثلث الثلثين الباقيين من
مالها.
(13/333)
ووجه قوله: إنه صدقها في أنها لم تعط
لأخيها إلا ذلك الثلث بعينه التي كانت أعطته لأبيها وبالله التوفيق.
[مسألة: أوصت بثلث مالها لأمها وأوصت أن لأختها
عليها عشرين دينارا]
مسألة وعن امرأة مسلمة هلكت وتركت أما لها نصرانية، وأختا لها مسلمة، وأخا
مسلما، وأوصت بثلث مالها لأمها، وأوصت أن لأختها عليها عشرين دينارا ولم
تترك إلا عشرين دينارا. قال: ليس لأمها شيء والعشرون الدين بين الأخ والأخت
للذكر مثل حظ الأنثيين إلا أن يكون فيما تركت فضل عن العشرين، فتعطى أمها
ثلث ما فضل بعد العشرين.
قال الإمام القاضي: هذا بين على ما قاله؛ لأن وصيتها لا تدخل فيما أقرت به
لأختها وإن كانت الوصية لها بذلك غير جائزة وإنما يكون فيما سوى ذلك من
مالها وهو معنى ما في المدونة وغيرها وبالله التوفيق.
[مسألة: أوصى لبنت ابنه من ثلث ماله بمثل نصيب
أحد بناته]
مسألة قال: وسئل عن رجل هلك وترك بنات وغيرهن، وأوصى لبنت ابنه من ثلث ماله
بمثل نصيب أحد بناته قال: يعزل الثلث، ثم يقسم الثلثان على فرائض الله،
فتنظر ما صار لأحد بناته، فيعطى بنت الابنة مثله من الثلث، فإن فضل شيء عن
أهل الثلث قسم على أهل الفرائض كلهم، وتجعل بنت الابن مع البنات، كأنها
منهن مثل ما لو كانت بنت ممن يرث الميت.
قال الإمام القاضي: الظاهر من قول ابن القاسم من هذه المسألة أنه راعى قول
الموصي من ثلث ماله وأعمله، وجعله دليلا على أنه إنما أراد أن يعطي الموصى
لها من ثلث ماله، مثل نصيب أحد بناته من ثلثي ماله، ليكون
(13/334)
لها بالوصية مثل ما لأحد بناته بالميراث،
فلا يكون لها بذلك أكثر من حظها الواجب لها بالميراث، فلذلك قال: إنه يعزل
الثلث ثم يقسم الثلثان على فرائض الله، فيعطي الموصى لها من الثلث، مثل ما
صار لأحد بناته من الثلثين ثم إن فضل بعد الوصايا من الثلث فضل كانت فيه مع
البنات كأنها منهن، ولو أوصى لها بمثل نصيب أحد بناته، ولم يقل من ثلث
ماله، لقال: إنها تعطى مثل نصيب أحد بناته من جميع ماله ابتداء ثم يقسم
الباقي على الفرائض على ما قال في المدونة وغيرها، فالذي يوصي لرجل بمثل
نصيب أحد بنيه، وله ثلاثة بنين، إنه يكون للموصى له الثلث، ثم يقسم الثلثان
على البنين ثلاثة فيصح للموصى له أكثر مما صار لكل واحد منهم. ومن الناس من
ذهب إلى أن قول ابن القاسم في هذه الرواية خلاف لما في المدونة وأنه لا فرق
بين أن يقول الموصي: ثلث مالي، أو يسكت عن ذلك؛ لأنه قد علم أن الوصايا لا
تكون إلا من ثلث المال، فإذا قال: أعطوا فلانا مثل نصيب أحد ولدي فإنما
معناه: أعطوه من ثلث مالي، مثل نصيب أحد ولدي والاحتمال أن يريد مثل نصيب
أحد ولده من جميع ماله، فيكون له أكثر مما يصير لكل واحد منهم بالميراث،
واحتمل أن يريد مثل نصيب أحد ولده مما بقي بعد الوصية، فيكون له مثل ما
يصير لكل واحد منهم بالميراث، مثل قول ابن القاسم في هذه الرواية كما لو
قال: هو من عدد ولدي، فإنما محمله في المدونة على الوجه الأول، وحمله في
هذه الرواية على الوجه الثاني. والأظهر أن قول ابن القاسم لم يختلف في ذلك،
وإنما فرق بين أن يقول من ثلثي، أو يسكت عن ذلك. وبالله التوفيق.
[مسألة: قال عبدي ميمون يخدم فلانا سنتين ثم هو
حر]
مسألة وسئل عن رجل قال: عبدي ميمون، يخدم فلانا سنتين، ثم هو حر، ثم قال:
ميمون أيضا يخدم فلانا سنة قال ابن القاسم: يتحاصان في خدمة سنتين، فيكون
للذي أوصى له بخدمة سنة
(13/335)
خدمة ثلثي سنة، وللذي أوصي له بخدمة سنتين،
خدمة سنة وثلث قيل له: أرأيت إن قال: ميمون غلامي يخدم فلانا سنة ثم هو حر
وقال أيضا: ميمون ذلك الغلام بعينه، يخدم فلانا سنتين؟ قال: يتحاصان في
خدمة سنة، ثم هو حر، للذي أوصى له بخدمة سنتين ثلث سنة وللذي أوصى له بخدمة
سنة خدمته ثلث سنة.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن العبد إذا حمله الثلث فقد وجب
له العتق، بعد خدمة السنة أو السنتين، والخدمة وصية بمال، يجب التحاص فيها
إذا ضاقت الوصايا بالخدمة عنها، ولو لم يحمل الثلث العبد، يخير الورثة بين
أن يجيزوا الوصية، فيكون الحكم فيها على ما تقدم، وبين أن يعتقوا منه ما
حمل الثلث بعد الخدمة، فيتحاص الموصى لهما بالخدمة في خدمة ما حمل الثلث
منه؛ لأن الموصي قد يرى الخدمة على العتق. وهذا كله على معنى ما في المدونة
وغيرها وبالله التوفيق.
[مسألة: الثلث مائة فأوصى فقال لفلان وفلان
وفلان ثلث مالي]
مسألة وسئل عن رجل أوصى، فقال: لفلان وفلان وفلان ثلث مالي، لفلان عشرة،
ولفلان عشرون، ولفلان ثلاثون. أولئك المسمين أولا بأعيانهم. قال: فوجد
الثلث مائة على من يرد الفضل؟ قال: على من أوصى لهم بالثلث على عدد
الدنانير.
قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في هذه الرواية تفسير روايته عن مالك
الواقعة في رسم سلعة سماها من سماعه على الصحيح من التأويل فيها حسبما مضى
بيانه هناك. وبالله التوفيق.
[مسألة: أوصى بعبد له لرجل ثم مات فإذا العبد
نصف ماله]
مسألة وسئل عن رجل أوصى بعبد له لرجل، ثم مات، فإذا العبد
(13/336)
نصف ماله، وقال الذي أوصي له بالعبد
للورثة: إما أن يسلموا إلي العبد وإما أن يقطعوا لي بالثلث من كل شيء، قال:
ذلك إلى الورثة، قيل: فإن قال الورثة: لا نسلم إليك العبد، ونحن نقطع لك
بثلث كل ما ترك الميت، فمات العبد قبل أن يقضي للذي أوصي له بشيء، قال: فلا
شيء له، إلا أن يكون حكم له بقضاء أن يقطع له ثلث ما ترك الميت، فأما إذا
لم يكن يقضي فيه إلا بقول كذا ثم مات العبد فلا شيء له.
قال محمد بن رشد: قوله: إلا أن يكون حكم له بقضاء أن يقطع له ثلث ما ترك
الميت يريد: أو بلفظ بات مثل أن يقول: قد قطعنا له بالثلث. وأما إن قالوا:
نحن نقطع ثم مات العبد فلا شيء وقال سحنون في نوازله التي تقدمت: إنه إذا
قيل للورثة تخيروا فأبوا، فقيل لهم: أقطعوا فقالوا: نعم: إن ذلك قطع له
بالثلث، يكون له ثلث ما بقي بعد العبد إن مات العبد على القول بأنه يقطع له
الثلث في جميع مال الميت، ولا يكون له في العبد وهو خلاف ظاهر هذه الرواية
عن ابن القاسم، والاختلاف في قولهم نعم، بعد أن قيل لهم: اخلعوا بلفظ
الأمر، على قياس اختلاف قول مالك في أول رسم من سماع أشهب، من كتاب جامع
البيوع في الذي يكون له العبدان فيسام بهما، فيقول الرجل: هذا العبد
بأربعين إلى سنة، وهذا العبد بأربعين إلى سنة وهذا العبد الآخر بخمسين إلى
سنة خذ أيهما شئت، حسبما مضى بيانه هناك، وبالله التوفيق.
[مسألة: أوصى له بوصيتين إحداهما أكثر من
الأخرى]
مسألة وسئل عن رجل أوصى قال: لفلان علي مائتي دينار، وأوصى في تلك الوصية
بعينها: إن لفلان ذلك الرجل بعينه علي مائة دينار، قال: يعطى ثلاثمائة، كان
ذلك في وصية واحدة، أو في وصيتين
(13/337)
مختلفتين، قيل له: أرأيت لو قال: لفلان علي
مائة دينار ثم أوصى له أيضا بمائة دينار، يتصدق بها عليه؟ قال: يعطي
مائتين، كان ذلك في وصية واحدة أو وصيتين. قال: إلا أن يكون أوصى لرجل في
مرضه بمائة دينار، وأوصى له أيضا في وصية أخرى بمائتي دينار، فإنه يعطي
الأكثر منهما، كان ذلك في الوصية الأولى أو في الآخرة.
قال محمد بن رشد: قوله: إنه إذا أوصى له بوصيتين إحداهما أكثر من الأخرى:
إنه يكون له الأكثر منهما كانت الأولى أو الآخرة، هو مثل ما تقدم من قوله
في رسم الصلاة من سماع يحيى مثل قوله في المدونة وغيرها، لم يختلف في ذلك
قوله، وكذلك إذا كان الوصيتان مستويتين، يكون له الواحدة منهما. وقد مضى
هناك توجيه قوله. وذكر ما في ذلك من الاختلاف، فلا وجه لإعادته.
وأما إذا أوصى له بدين بعد دين، أو بوصية ودين، فلا اختلاف أحفظه في أنهما
يكونان له جميعا والله الموفق.
[مسألة: قال في وصيته بيعوا جاريتي ممن يرفق
بها]
مسألة قال ابن كنانة وابن القاسم في رجل قال في وصيته: بيعوا جاريتي ممن
يرفق بها، قالا: تباع ممن يرى أنه يرفق بها من غير شرط ولا شيء، قيل له:
فإن أبى أن يشتريها حتى يوضع له من ثمنها قال: أرى أن لا يوضع عنه شيء لأن
الناس سواه كثير، فيختار لها رجل صالح، قال: ولو كان قال بيعها ممن أحبت
إذا لوضع عنه ما بينه وبين ثلث قيمتها.
قال محمد بن رشد: قوله في الذي أوصى أن تباع جاريته ممن يرفق بها، إنه لا
يوضع عن المشتري الذي يظن أنه يرفق بها شيء من ثمنها صحيح، لا اختلاف فيه
أحفظه. وأما الذي أوصى أن تباع جاريته ممن
(13/338)
أحبت، فلا اختلاف أحفظه في أنه يوضع عن
الذي أحبت رجل صالح، قال: ولو كان قال: بيعوها ممن أحبت إذا لوضع عنه ما
بينه وبين ثلث قيمتها. قوله: في الذي أوصى أن تباع جاريته أن تباع منه إذا
أبى أن يشتريها إلا بوضيعة ثلث ثمنها وإنما الاختلاف هل هي وصية لها أو
للمشتري فيما يتعلق بذلك من الأحكام؟ حسبما مضى القول فيه رسم الوصايا من
سماع أشهب والله الموفق.
[مسألة: الجارية يوصى فيها أن تباع ممن يعتقها
فتختار البيع]
مسألة وقال في الجارية يوصى فيها أن تباع ممن يعتقها، فتختار البيع قال: إن
كانت رائعة كان ذلك لها أن يحسبها الورثة مملوكة، أو يبيعوها بغير شرط، وإن
كانت دنية، فليس ذلك لها، وأثمان الستين ليست برائعة، قيل له: فاليوم على
رخص الرقيق قال: نعم. واليوم ليس هي برائعة يريد في هذا.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول عليها في رسم حلف ليرفعن أمرا
إلى السلطان، فلا وجه لإعادته.
[مسألة: أوصى بوصيتين في مرض واحد]
مسألة وقال في الذي أوصى بوصيتين في مرض واحد، أوصى في إحداهما لرجل بعشرة
دنانير وعبد وأوصى له في الأخرى بخمسة دنانير وبردون، قال: يعطى العشرة
والغلام والبردون، إن وسع ذلك الثلث، فإن لم يسع حاص بذلك، وإن لم يكن معه
وصايا أخذ ما حمل الثلث، إلا أن يجيزوا وصاياه، وذلك أن مالكا قال: إذا
أوصى له بوصيتين في وصية واحدة مختلفة من الدنانير، كان له الأكثر من
العدة، كانت الأولى أو الآخرة، وسواء عندي كان مع
(13/339)
العين وصية غيرها، أو لم تكن، يعطى الأكثر
مما أوصى له من العين، وأما غيره فإنه يأخذ ما في كل وصية إذا كان مختلفا
على ما ذكرت، ولو أوصى له في واحدة بعبدين، والأخرى بعبد، كان محمله عندي
محمل الدنانير، ولم يعطه إلا عبدين، الأكثر من الوصيتين، إلا أن يسمى
العبيد بأعيانهم مختلفين فيكون له جميعا. محمد بن رشد: هذا مثل ما تقدم قبل
هذا في هذا السماع ومثل ما في المدونة وغيرها.
وقد مضى في رسم الصلاة من سماع يحيى توجيه قول ابن القاسم، وذكر الاختلاف
في ذلك وبالله التوفيق.
[مسألة: وصي اشترى رقبة فأعتقها فإذا هي
نصرانية]
مسألة وقال في رجل وصي اشترى رقبة فأعتقها، فإذا هي نصرانية، قال: إن كانت
من ظهار أو قتل خطأ أو شيء واجب، فأرى أن يضمن؛ لأنه فرط حين لم يسأل
ويستحسن.
قال محمد بن رشد: قد تقدم القول في تضمين الوصي فيما أخطأ فيه في أول سماع
أصبغ، وقرب آخر الرسم منه، وفي رسم الأقضية من سماع أشهب فلا وجه لإعادته،
وبالله التوفيق.
[مسألة: قال أعتقوا عني رقبة فأعتقوها ولم يسم
من أي شيء]
مسألة قلت: فإن قال: أعتقوا عني رقبة فأعتقوها ولم يسم من أي شيء، أهي على
الواجب حتى يعلم غير ذلك؟ قال: لا بل على غير الواجب حتى يعلم الواجب.
(13/340)
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن الأصل
براءة الذمة، فلا يثبت فيها شيء إلا بيقين. وبالله التوفيق.
[مسألة: أوصى فقال مائة دينار لبني عمي فلان
على فقرائهم فوجدوا كلهم أغنياء]
مسألة وقال في رجل أوصى فقال: مائة دينار لبني عمي فلان: على فقرائهم،
فوجدوا كلهم أغنياء، قال: يوقف عليهم، فإن افتقر منهم أحد دفع إليه، قيل
له: فإن لم يفتقر منهم أحد. قال: يرجع ميراثا إلى ورثة الذي أوصى بها.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة. وقوله فإن لم يفتقر أحد معناه: حتى
مات وبالله التوفيق.
[مسألة: قال أعتقوا عبيدي القدماء وله عبيد منذ
عشر سنين]
مسألة وقال في رجل قال: أعتقوا عبيدي القدماء، وله عبيد منذ عشر سنين،
وعبيد منذ خمس سنين، ومنذ ثلاثة سنين وسنة، قال: إن حملهم الثلث، عتقوا
كلهم، وإن كان له عبيد منذ أقل من سنة، فليسوا بقدماء. قيل له: فإن لم يكن
له عبيد قبل السنة، وإنما هم بعد السنة منذ خمس وأربع وأكثر وأقل ولم
يحملهم الثلث، كيف يصنع فيهم؟ قال: يتحاصون كلهم، فيعتق منهم ما حمل الثلث.
قال محمد بن رشد: إنما قال فيمن قال: أعتقوا عبيدي القدماء، إنهم يعتقون
كلهم إن حملهم الثلث، إذا كان أحدثهم ملكا له عنده سنة فأكثر؛ لأنه رأى
السنة حدا للقدم، وهو قول ربيعة، واستدل على ذلك بقول الله عز وجل: {حَتَّى
عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [يس: 39] وهي سنة تامة. وله في
(13/341)
كتاب ابن المواز والمجموعة: إنه إن قال:
أعتقوا قدماء رقيقي، عتق الأول فالأول، حتى ينفذ الثلث، وإن وسعهم الثلث
كلهم، نظر إلى الذي يظن أنه أراد في قدم الكسب وحدوثه، فليبدأ القدماء، ولا
شيء للمحدثين، وإن اشتراهم جملة واحدة عتق ثلثهم. وقوله: فالسهم، يريد: إن
لم يكن له مال غيرهم، وأما إن كان له مال غيرهم، فإنما يعتق بالسهم ما حمل
الثلث منهم. وقوله: قدماء رقيقي على قياس ما تقدم من قوله في أول رسم من
سماع أصبغ. وفي كتاب ابن المواز في الذي يقول: في خيار رقيقي ففرق بين أن
يقول: عبيدي القدماء أو قدماء عبيدي لافتراق اللفظين في المعنى وبالله
التوفيق.
[مسألة: أوصى فقال ثلث مالي لعبدي وثلث مالي
لفلان أجنبي]
مسألة وقال في رجل أوصى، فقال: ثلث مالي لعبدي وثلث مالي لفلان أجنبي، قال:
يكون الثلث بين الأجنبي وبين عبده، فما صار للعبد عتق منه بقدر نصف الثلث.
قال محمد بن رشد قوله: إنه يعتق من العبد بقدر نصف الثلث الذي صار له، صحيح
على مذهبه وروايته عن مالك في المدونة وغيرها؛ لأنه قد ملك من رقبته نصف
ثلثها، فوجب أن يعتق عليه ما ملك من رقبته وبقيته فيما صار له من الثلث إن
حمل ذلك بقيته، وإن لم يحمل ذلك بقيته وله مال سواه عتق عليه ما بقي منه في
ذلك، بمنزلة العبدين الشريكين، يعتق أحدهما حظه فيقوم عليه حظ شريكه.
مثال ذلك أن يكون قيمة العبد ثلاثين، ويترك الميت سواه ستين، فيكون ثلث
الميت، وهو ثلاثون بينهما للعبد خمسة عشر، يجعل له في رقبته، فيعتق منه
نصفها، ويكون للموصى معه خمسة وللورثة بقية العبد، وخمسة وأربعون، وإن كان
للعبد مال من غير الوصية، قوم فيه بقيته على
(13/342)
الورثة، فيدفع إليهم من ماله خمسة عشر،
قيمة نصفه، وأعتق جميعه.
وقد مضى في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم ما في هذا من الاختلاف.
وبالله التوفيق.
[مسألة: أوصى إن باع ورثته بعده الدار فثلثها
للمساكين]
مسألة وسئل عن رجل أوصى عند موته، ولم يترك إلا دارا وأوصى إن باع ورثته
بعده الدار فثلثها للمساكين، ومن باع منهم نصيبه فثلث ما يصير له للمساكين،
قال: هو على ما أوصى. قيل له: فإن الدار قوم سفليها بمائة دينار، وقوم
علوها بمائة وأربعين، فأراد النساء أن يأخذن العلو، ولهن عشر قراريط من
الدار، فقال النسوة: نحن نرد على الورثة أربعين دينارا أو يكون العلو لنا.
قال ابن القاسم: لا نرى أن يترادا بالدنانير، ولكن يقسم للنساء بحقهن، ولو
ربع بيت أو أقل أو أكثر، ولا يترادان بشيء من الدنانير. قيل: فإن القاضي قد
قضى بارتداد النساء على الرجال، أتراه؟ ولا يكون على الرجال في أربعين التي
أخذوها بشيء؛ لأنه ليس ببيع، فإن النساء أردن بيع ما كان لهن في الدار.
قال: يكون عليهن أن يتصدقن بثلث ما كان لهن مما ورثن فقط، ولا يكون عليهن
في العشرين شيء يخرجن العشرين. قال: لا ثم يتصدقن بما بقي، فإن باع الرجال
الذي لهم، أخرجوا لهم ثلث ما باعوا به، وثلث العشرين التي أخذوها.
قلت: أرأيت إن احتاج النساء إلى بيع فبعن تلك العشرين التي رددنها على
الرجال قط، أثرى عليهن فيها شيئا أو على الرجال حين باع النساء؟ قال: لا
ليس على أحد منهم شيء.
(13/343)
قال محمد بن رشد: كان القياس في هذه
المسألة على ما يقتضيه ظاهر لفظ الموصي، فحمله على عمومه، إذ قال: ومن باع
منهم نصيبه بثلث ما يصير له للمساكين أو لم يفرق بين أن يبع نصيبه من
أجنبي، أو من بعض الورثة، فيوجب على الرجال الصدقة بثلث الأربعين التي
قبضوها من النساء؛ لأنهم قد باعوا بها من النساء بعض حظهم الواجب لهم
بالميراث من الدار، إلا أنه رأى أن الموصي إنما أراد ألا يخرج الدار عنهم،
ولا يبيعوها ولا شيئا منها من غيرهم. فرأى وجه ما أوصى به، أنهم إن باعوا
الدار كان عليهم أن يتصدقوا بثلث الثمن، وإن باع أحد منهم حظه الواجب له
بالميراث في الدار من أجنبي كان عليه أن يتصدق بثلث ثمن ذلك، وعلى هذا أتى
جوابه في المسألة فقال: إنه لا شيء على الرجال في الأربعين التي أخذوها من
النساء في الزيادة على حظهن من العلو، وقوله: أفترى رد النساء على الرجال
بيعا؟ معناه: أتراه بيعا يجب به على الرجال الصدقة بثلث الأربعين، قال: لا
فإن باع النساء العلو من أجنبي بعد أن استخلصوه بأربعين التي زادها، كان
على الرجال في الأربعين التي أخذوها من النساء في الزيادة عليهن، أن يتصدقن
بثلث ما كان لهن بالميراث في الدار، ولم يجب عليهن شيء فيما ناب من الثمن،
ما يجب منه لما صار إليهن من قبل الرجال بالأربعين التي زادها. فهذا معنى
قوله: ولا يجب عليهن في العشرين شيء، وكان حقه أن يقول: ولا يجب في
الأربعين شيء أي فيما يجب من الثمن، لما صار إليهن من قبل الرجال
بالأربعين؛ لأنه لم ينزل المسألة إلا على أنهن رددن أربعين لا على أنه رددن
عشرين. وقوله: يخرجن العشرين ثم يتصدقن، بما بقي، لفظ خرج على التجاوز،
ومعناه: يخرجن ما يجب من الثمن لما اشتروه من الرجال بالعشرين، إن كن
رددنهم عشرين ثم يتصدقن بثلث ما بقي، لا بما بقي. وكذلك قوله: إن باع
الرجال الذي لهم أخرجوا ثلث ما باعوا به، وثلث العشرين التي أخذوها. معناه:
إن كانوا أخذوا من النساء في خروجهن العلو عشرين، كما ذكر في أول المسألة،
وهو صحيح؛ لأن النساء لما بعن
(13/344)
جميع حظهن من الدار، ثم باع الرجال جميع
حظهم منها وجبت الصدقة بجميع الثمن. وقد تصدق النساء بثلث ثمن ما ورثته،
فوجب على الرجال أن يتصدقوا بثلث جميع ما ورثوه أيضا، ما باعوه من الأجنبي،
وما كانوا باعوه من النساء؛ لأن الذي باعوه من النساء قد خرج عن أيديهم
بالبيع، ولو باع النساء ما وجب لهن بالميراث ... لأنفسهم ما وجب لهم لما
أخذنه من الرجال بالأربعين، ثم باع الرجال الذي لهم لم يجب عليهم أن
يتصدقوا بثلث الأربعين؛ لأن الذي باعوا من الدار باق بأيدي النساء. فمتى ما
باعوه وجب على الرجال الصدقة بثلث الأربعين. وقوله: إنه احتاج النسوة إلى
بيع، فبعن ملك العشرين التي رددنها على الرجال، أي ما يجب لهن من الدار،
فلا شيء عليهن في ثمن ذلك صحيح؛ لأن ما ورثنه من الدار لم يبعنه، فلا شيء
عليهن في ثمن ما بقي مما اشترينه من الرجال. وأما قوله: إنه لا يجب على
الرجال في ذلك شيء حين باعه النساء ففيه نظر، وكان الأظهر أن يجب عليهم إذا
باع النساء ذلك، الصدقة بثلث الأربعين التي قبضوها من النساء في ذلك، أو في
ثلث العشرين، إن كانوا إنما قبضوا منهن عشرين ووجه ما ذهب إليه أنه لما كان
قد بقي بين يدي النساء من الدار قدر ما باعوه منهن أو أكثر لم يجب عليهم في
الأربعين أو العشرين شيء؛ لأن الذي باعوه بها لم يخرج على الورثة وفيه نظر،
وكان القياس أن يكون ذلك مقبوضا؛ لأن ما بعنه مشاعا فينظر ما يقع ما بعنه
من الدار، مما ورثنه واشترينه من الرجال مجموعا، وهو السبعان على ما نزل
عليه المسألة، فيكون على الرجال أن يتصدقوا بثلث سبع الأربعين أو العشرين
التي قبضوها من النساء وبالله التوفيق.
[مسألة: أوصى فقال ثلث مالي لابن عبدي ولعبده
ابن حر]
مسألة وعن رجل أوصى عند موته، فقال: ثلث مالي لابن عبدي
(13/345)
ولعبده ابن حر، قال: إن كان ابن عبده كبيرا
فقبل تلك الوصية، عتق عليه أبوه، وإن لم يقبلها عتق عليه ثلثه يريد أباه،
وإن كان صغيرا أعتق عليه ثلثه فقط، وإن كان الثلث أكثر من رقبة أبيه أعطيه
الابن.
قال محمد بن رشد: قوله: إنه إن قبل الوصية عتق عليه أبوه صحيح على ما في
المدونة وغيرها، لا اختلاف في ذلك؛ لأنه لما أوصى له بثلث ماله، والعبد من
ماله، فقد أوصى له بثلث العبد، وبثلث ما بقي من ماله، فإن قبل عتق عليه
باقيه في بقية الثلث الذي أوصى له به. وفيما سوى ذلك من ماله. وأما قوله:
إذا لم يقبل إنه يعتق ثلثه ففي ذلك اختلاف، قيل: إنه إذا لم يقبل سقطت
الوصية، وهو الذي يأتي على قول مالك في رواية علي بن زياد عنه في المدونة.
وقيل: إنه يعتق عليه ثلثه، ويكون الولاء له. وهو قول ابن القاسم في المدونة
وقيل: إنه يعتق، ويكون الولاء للموصي، وهو قوله في سماع سحنون في رسم
القطعان، من سماع عيسى من كتاب العتق.
وقد مضى توجيه هذا الاختلاف في سماع سحنون المذكور في رسم المكاتب، من سماع
يحيى من كتاب الصدقات والهبات. وقوله: إن كان الثلث أكثر من رقبة ابنه
أعطيه الابن، معناه: في الكبير إذا قبل، وأما الصغير إذا أعتق عليه ثلث
أبيه فيعطى ثلث سائر مال الموصي وبالله التوفيق.
[مسألة: أوصى الرجل عند موته فقال حاسبوا ابني
بما أنفقت عليه]
مسألة قال ابن القاسم: قال مالك: إذا أوصى الرجل عند موته فقال: حاسبوا
ابني بما أنفقت عليه. قال: إن كان مال ابنه عينا لم يجز قوله؛ لأنه لو أراد
أن يحاسبه بما أنفق عليه أخذه قبل موته، وإن كان ماله إنما هو عرض حوسب به.
(13/346)
قال محمد بن رشد: كان من أدركنا من الشيوخ
يحملون هذه الرواية على الخلاف لما في أول سماع ابن القاسم من كتاب طلاق
السنة؛ لأنه قال في هذه الرواية: إنه لا يحاسب إذا كان المال عينا، وإن
أوصى الأب أن يحاسب. وقال في تلك: إنه يحاسب إذا لم يقبل ذلك عند موته، فدل
ذلك على أنه لو أوصى أن يحاسب لحوسب. والذي أقول به: إن ذلك ليس باختلاف من
القول، والفرق بين المسألتين أنه لم يكتب عليه النفقة في هذه الرواية،
ولذلك قال: إنه لا يحاسب وإن أوصى أن يحاسب. وكتبها عليه في ذلك، ولذلك
قال: إنه يحاسب إن أوصى بذلك.
وقد مضى هناك القول على هذه المسألة بتفريع وجوهها مستوفى فأغنى ذلك عن
إعادته.
[مسألة: أقر بدين لمن يتهم عليه وأوصى بزكاة]
مسألة وقال في رجل أقر بدين لمن يتهم عليه، وأوصى بزكاة؟ قال: يبدأ بالدين
من رأس المال، ثم تكون الزكاة من ثلثي ما بقي. قال الإمام القاضي: هذا بين
صحيح على ما في المدونة وغيرها؛ لأنه لما أقر بالدين، فقد أراد أن تكون
الزكاة التي أوصى بها في ثلث ما بقي من ماله (بعدما) أقر به من الدين، وإن
رد بعد موته للتهمة؛ لأنه لم يعمل هو على أن يرد وبالله التوفيق.
[مسألة: أوصى فقال ثلثي لأهلي]
مسألة وقال في رجل أوصى فقال: ثلثي لأهلي، قال: لا تدخل الخالة ولا الخال.
قال: وأرى العمة تدخل مع العصبة؛ لأنها لو كانت رجلا ورث. قيل له: ولو لم
يكن بقي من أهله إلا الخال والخالة، لم تر لهما شيئا قال: نعم. إذا إنما
يكون للعصبة دونهما.
(13/347)
قال محمد بن رشد: قد مضى الكلام على هذه
المسألة في رسم أسلم من سماع عيسى وبالله التوفيق.
[مسألة: يقض المريض بعض غرمائه دون بعض]
مسألة وقال: لا يقض المريض بعض غرمائه دون بعض؛ لأنه في حالة يحجب فيها عن
ماله، بمنزلة المفلس سواء.
قال محمد بن رشد: يريد: المريض الذي يحجب فيه عن القضاء في ماله، وكذلك روى
أصبغ عنه. وقوله بمنزلة المفلس سواء، يريد: أنه لا يجوز قضاؤه فيه عنده،
كما لا يجوز في المفلس لا أن له حكم المفلس إذ لا اختلاف في أن إقراره
بالدين لمن يتهم عليه جائز في المرض ما لم يفلس، والرهن بمنزلة القضاء لا
يجوز عنده، وأجاز ذلك غيره في المدونة رهنه وقضاؤه كما يجوز بيعه وشراؤه
وإقراره بالدين لمن لا يتهم عليه والفرق عند ابن القاسم بين القضاء والرهن،
وبين الإقرار أنه في الإقرار، لم يحاب بعض الغرماء على بعض، وفي القضاء
والرهن قد حابا بالذي قضاه أو رهنه على غيره، فإقرار المديان بالدين لمن لا
يتهم عليه، يجوز في الصحة والمرض عند جميعهم، وقضاؤه ورهنه بعض غرمائه دون
بعض لا يجوز عند مالك وابن القاسم في المرض. واختلف قولهما في ذلك في
الصحة، وكذلك إقراره لمن يتهم عليه في الصحة، اختلف قولهما في ذلك، ولا
اختلاف في أن ذلك لا يجوز في المرض.
فهذا تحصيل القول في هذه المسألة، وبالله التوفيق..
[مسألة: يقول في مرضه عبدي لعبد الرحمن ثم يقول
بعد ذلك عبدي لعبد الله]
مسألة وعن الرجل يقول في مرضه: عبدي لعبد الرحمن، ثم يقول بعد ذلك: عبدي
لعبد الله بتلا قال: لا أرى لعبد الرحمن وصية إلا أن يقول: عبدي لعبد الله
بتلا بعد موتي، فإذا قال هذا تحاصا في
(13/348)
العبد: عبد الله وعبد الرحمن جميعا.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه إذا بتله لعبد الله، فقد نقض وصيته فيه
لعبد الرحمن؛ لأن الهبة رجوع في الوصية. وأما إذا ابتله له بعد الموت فهي
وصية له أيضا، يشتركان فيها. قال: وهو مثل ما تقدم له قبل هذا في هذا
السماع وغيره ومثل ما في المدونة وغيرها.
وقد مضى في رسم الصلاة من سماع يحيى توجيه قول ابن القاسم في هذا وذكر
الاختلاف فيه. وبالله التوفيق.
[مسألة: قال عرصتي لعبد الرحمن في مرضه ثم
بناها في مرضه]
مسألة قلت: فإن قال: عرصتي لعبد الرحمن في مرضه، ثم بناها في مرضه، أترى
ذلك انتزاعا؟ قال: لا ولكنه يحاص بقيمة العرصة مع أهل الميراث، ويضرب أهل
الميراث بقيمة البناء. وسئل عنها سحنون: فقال: أرى هذا نقضا لوصيته؛ لأنه
قد أحال العرصة عند حالها فقد نقض وصيته.
قيل له: فلو أوصى لرجل بداره في مرضه، ثم هدمها هل ترى ذلك نقضا لوصيته؟
قال: الذي أقول أنا به: فأرى له قاعة الدار؛ لأن القاعة لم تزل على حالها،
وأما غير البنيان وإزالته عن حاله فقد نقض وصيته في البنيان.
قلت له: فإن قال: ثوبي لعبد الرحمن، ثم قطعه قميصا فلبسه في مرضه قال: هو
لعبد الرحمن، وليس بتقطيعه إياه، ولا لبسه انتزاعا. قال: وإن قال: شقتي
لعبد الرحمن، ثم قطعها قميصا في مرضه وسراويلات رأيت ذلك انتزاعا لأنه إذا
أوصى ثم حوله عن اسمه حتى يسمي اسما آخر رأيت ذلك انتزاعا؛ لأنه إذا قال:
شقتي ثم قطعها قميصا فقد صار اسمها خرقة ولأنه إذا قال:
(13/349)
ثوبي في هذا ثم قطعه قميصا، فاسمه ثوب
أيضا، وليس تقطيعه إياه بالذي يحوله عن أن يكون اسمه ثوب.
قلت له: فإن أوصى بثوب، ثم صبغه صبغا يزيد في ثمنه، كيف يكون الثوب؟ قال:
يضرب بقيمته أبيض، ولا شيء له في الصبغ.
قال محمد بن رشد: قد مضى بعض هذه المسألة والقول عليها في رسم الوصايا
والأقضية، ورسم الوصايا الصغير، من سماع أصبغ. ومضى تحصيل القول فيها
مستوفى في نوازل سحنون فلا وجه لإعادته. وبالله التوفيق.
[مسألة: أوصي له بجارية بعد موته ثم وطئها]
مسألة وقال في رجل أوصي له بجارية بعد موته، ثم وطئها أترى ذلك انتزاعا؟
قال: لا. قيل له: فإنها وقفت حين مات خوفا من أن تكون حاملا فحمل عليها رجل
فقتلها لمن تكون جنايتها؟ قال: ليستردها الذي مات لأنه يخاف أن يكون بها
حمل، ولا يكون للموصى له من جنايتها شيء. قيل له: أرأيت لو لم يطأها حتى
مات ... بجميع ما له فمات الذي أوصى له بها أيضا. قال: يكون ورثته يقومون
مقامه.
قال محمد بن رشد: قوله: يخاف أن يكون بها حمل، يدل على أنه إنما جعل
الجناية عليها لسيدها الموصي بها، مخافة أن تكون حاملا منه، ولو تيقنت
براءتها من الحمل لكانت الجناية عليها للموصى له بها. وهو معنى ما في كتاب
الوصايا الثاني من المدونة فحملها ابن القاسم على الحمل حتى
(13/350)
يعلم براءتها منه على أصله في غير ما
مسألة. من ذلك قوله في سماعه من كتاب الاستحقاق في الذي يستحق أمة له عند
رجل اشتراها ويقيم عليها البينة، فتموت بعد ذلك: إن مصيبتها منه، ويرجع
المبتاع بالثمن على البائع، إلا أن يكون قد وطئها فتكون المصيبة منه، من
أجل ... فيها، ويرجع المستحق على البائع بالأكثر من القيمة أو الثمن إن كان
عاصيا. وقد قيل: إنها محمولة على السلامة من الحمل حتى يعلم أنها حملت،
فعلى هذا تكون الجناية عليها للموصى له بها وإن كان الموصي قد وطئها، إلا
أن يعلم أنها كانت حاملا منه. وهو مذهب مالك في رواية أشهب عنه في الذي
يشتري الأمة فيطؤها، ثم يظهر على عيب فيها، فيردها إلى البائع، فتموت قبل
أن تحيض إن ضمانها من البائع المردود عليه بالعيب، إلا أن يعلم أنها كانت
حاملا، فتلزم المشتري، ويرد عليه ما نقص العيب من ثمنها. وبالله التوفيق.
[مسألة: قال لفلان عشرة دنانير ولفلان عشرون
دينارا ولفلان ثلاثون دينارا]
مسألة وعن رجل قال: لفلان عشرة دنانير، ولفلان عشرون دينارا، ولفلان ثلاثون
دينارا ثم قال في مرضه ذلك: ولفلان ولفلان ولفلان الذي أوصى لهم بعدد تلك
الدنانير، لهم ثلث مالي ثم هلك، قال: يعطى الذي سمي له عشرة عشرته، والذي
سمي له عشرين عشرينه، والذي سمى له ثلاثين ثلاينه، ثم ينظر إلى ما فضل بعد
ذلك من الثلث، فيكون بينهما بالسوية، وقال مرة: تكون على الحصص.
قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في هذه المسألة على خلاف أصله فيمن أوصى
لرجل بوصيتين، إنه يكون له الأكثر منهما، كانت الأولى أو
(13/351)
الآخرة، وقياس قول مطرف في أن من أوصى لرجل
بوصيتين: إنه يكونان له جميعا إن كانتا متساويتين، أو كانت الثانية أقل؛
لأنه يحمل عليه عنده أنه استقل ما أوصى له به في الأول، فزاده ما في
الثانية، وكذلك حمل ابن القاسم على الموصي في هذه المسألة أنه استقل ما
أوصى به لكل واحد منهم من التسمية التي أوصى له بها، فزادهم بقية الثلث
بقوله: لهم ثلث مالي، فمرة قال: إن ذلك يكون بينهم على السوية إذا لم يقل
فيها: إنها تكون بينهم على قدر ما أوصى لهم به، ومرة قال: إنما يكون بينهم
على قدر ما أوصى لهم به أولا؛ لأنه لما فضل بعضهم على بعض فيما أوصى لهم به
أولا، ثم زادهم زيادة حكم للزيادة بحكم المزيد عليه من التفضيل. والقولان
محتملان، وهو أظهر. والله أعلم.
والذي يأتي في هذه المسألة على أصل ابن القاسم في الذي يوصى له بوصيتين، أن
له الأكثر منهما. أن يقتسموا جميع الثلث بينهم على أكثر ما أوصى به لكل
واحد منهم من التسمية التي سماها له، أو ثلث الثلث. وإن كان في المال عروض
جرى الحكم في ذلك على الاختلاف الذي قد ذكرناه في رسم الوصايا الصغير، من
سماع أصبغ، وبالله التوفيق.
[مسألة: أوصى في مرضه فقال ثوبي هذا بيعوه
وتصدقوا بثمنه فإنه ليس لي]
مسألة وسئل عن الذي أوصى في مرضه، فقال: ثوبي هذا بيعوه وتصدقوا بثمنه،
فإنه ليس لي، وثوبي هذا الآخر بيعوه وتصدقوا بثمنه فإنه ليس لي، وإنما
اغتصبته، ونحو هذا، ولفلان علي مائة دينار، ولفلان أيضا مائة لقوم سماهم
معروفين، ولفلان علي خمسون دينارا وهم يسكنون في بلد كذا وكذا لقوم لا
يعرفون، ولو طلبوهم لأعجزوهم.
قال ابن القاسم: إن لم يكن على ما ذكر بينة إلا إقراره، فإنه يبدأ بالثياب
التي أوصى بها أن تباع، ويتصدق بثمنها تباع،
(13/352)
ويتصدق بثمنها بها، ثم يتحاص أصحاب الدين
الذين يعرفون، والذي لا يعرفون، وإن قامت البينة على ما ذكر، فإنه يحاص في
الثياب وفي الدين الذي ذكر لقوم يعرفون، ولقوم لا يعرفون جميعا.
قال محمد بن رشد: قوله: إن لم يكن على ما ذكر بينة معناه: إن لم يكن ما ذكر
من الديون التي أقر بها بينة؛ لأنه إذا لم يكن لهم بينة على ديونهم، لم يكن
لهم حجة فيما أقر به من الثياب، أنه لا شيء له فيها، إذ لو شاء لم يقر لهم
بشيء، كما أقر لابنه بمائة دينار، ولرجل أجنبي بمائة، فليبدأ بالثياب التي
أوصى أن تباع ويتصدق بثمنها، وتكون الديون التي أقر بها للذين يعرفون،
والذين لا يعرفون فيما بقي من ماله بعدها، فيتحاصون في ذلك، فما ناب الذين
يعرفون أخذوه، وما ناب الذي لا يعرفون وقف لهم، فإن لم يأت له طالب تصدق
به، وهذا إذا كان له ولد، على قياس ما مضى من قوله في هذا السماع، وفي غيره
من المواضع، وأما إن لم يكن له ولد فالذين يعرفون أحق بما بقي بعد ثمن
الثياب التي أوصى أن تباع، ويتصدق بثمنها؛ لأن إقراره لمن لا يعرف لا يجوز
إذا كان يورث كلالة، وإن فضل من المال فضل بعد دين الذين يعرفون وقف الدين
على الذين لا يعرفون إن كان يسيرا، وإن كان للورثة إن كان كثيرا على قياس
ما مضى في صدر هذا السماع وفي غيره أيضا.
وقوله: فإن قامت البينة على ما ذكر، معناه: فإن قامت البينة على الديون
التي أقر بها يحاص في ثمن الثياب بالديون التي ذكر لقوم يعرفون ولقوم لا
يعرفون، ذلك بين على ما قاله؛ لأنه إذا كانت لأرباب الديون بينة على ديونهم
لم يصدق فيما أقر به من أن الثياب لا شيء له فيها، وبطلت وصيته بالتصدق
بها.
وقوله: يحاص في الثياب وفي الديون الذي ذكرها خطأ في الرواية، وصوابه فإنه
يحاص في الثياب بالدين الذي ذكر لقوم يعرفون، ولقوم لا يعرفون. وبالله
التوفيق.
(13/353)
[مسألة: أوصى
فقال ثلثي لعبد الله ومحمد وأحمد]
مسألة وقال في رجل أوصى فقال: ثلثي لعبد الله ومحمد وأحمد، لمحمد عشرة،
ولأحمد عشرين. وسكت عن عبد الله، فلم يسم له تسمية أكثر من الوصية الأولى.
قال: ينظر إلى عدة الثلث كم هو فيضرب عبد الله بثلث الثلث، وأحمد ومحمد،
وأحمد لعبد الله عشرة، ولمحمد عشرين، ولأحمد ثلاثين، ضرب عبد الله بعشرة
أجزاء، ومحمد بعشرين، وأحمد بثلاثين، كان لعبد الله سدس الثلث، ولمحمد ثلث
الثلث، ولأحمد نصف الثلث. وإنما ثلث الثلث إن سكت عن التسمية بمنزلة
التسمية سواء يضرب معهم بعدة ثلث الثلث.
قلت: قصر الثلث أو زاد، فعلى هذا يكون في جميع هذه الوجوه، قال: نعم. قيل
له: فإن قال: ثلثي لعبد الله ولمحمد وأحمد لعبد الله عشرة ولأحمد عشرة،
ولمحمد عشرة. قال: هذا بينهم أثلاثا كما هو، وليس في ذلك تفضيل، إنما هو
إذا فضل بعضهم على بعض في التسمية.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأنه قد بين كيف يكون الثلث بينهم
بقوله: لمحمد عشرة، ولأحمد عشرين، وسكوته عن عبد الله؛ لأنه لما سكت عنه
بقي على ما يجب له بقوله: ثلثي لفلان وفلان وفلان وهو ثلث الثلث. فبذلك
يحاص الموصى لهما بالتسمية. وهذه المسألة تبين المسألة التي مضت في رسم
سلعة سماها من سماع ابن القاسم حسبما ذكرناه.
تم جميع كتاب الوصايا والحمد لله.
(13/354)
|