البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة

 ( كتاب الاستلحاق )
من سماع ابن القاسم من مالك - رواية سحنون من كتاب قطع الشجر -
قال سحنون اخبرني ابن القاسم قال سئل مالك عن المولى يعتق أبوه في الزمان الأول ثم يهلك ولا يدع وارثا ًالا مولى وقرابة يلقاهم إلى اب جاهلي ، قال إن كان مجهولاً فلا يرثه قرابته وإن لم يكن مجهولاً وكان من أهل قرية افتتحت عنوة فسكنها أهل الإسلام وصارت دراهم ، فإن من اعتق من أولئك ويسلم من بقي من قرابتهم ، فأرى أن يتوارثوا بالنسب ولا يكون لمواليه من ميراثه شيء ، وذلك إنهم سكنوا مع قرابتهم بقريتهم ومكانهم وليسوا مثل

(14/227)


المحمولين الذين يؤتى بهم من بلد آخر فيتعارفون في دار الإسلام ، فيقولون ( نحن إخوة وقرابة ما كانت ) ، فإن أولئك لا يتوارثون ؛ وأما هؤلاء الذين ذكرت إنهم لم يخرجوا من مكانهم وسكن أهل الإسلام دورهم وصارت دارهم دار أهل الإسلام ، فإن هؤلاء يتوارثون بالقرابة ، وإن لم تثبت قرابتهم ، إلا إلى أب جاهلي ، فإن أولئك يتوارثون . قال ابن القاسم : وقال لي مالك لو أن أهل حصن اسلموا أو جماعة لهم عدد فتحملوا إلى بلد المسلمين ، رأيت أن يتوارثوا بأنسابهم ، وأما النفر اليسير مثل الثمانية والسبعة ، فلا أرى أن يتوارثوا ، قال ابن القاسم والعشرون عندي عدد يتوارثون ، قال سحنون لا أرى العشرين عدداً يتوارثون .
قال محمد بن رشد : اختلف قول مالك في ولادة الشرك هل يتوارث بها في الإسلام أم لا - على قولين ، أحدهما - وهو قوله الأول إنه لا يتوارث بها في الإسلام وإن ثبت النسب بعدول من المسلمين على ظاهر ما روي من أن عمر بن الخطاب أبى أن يورث أحداً من الأعاجم إلا أحداً ولد

(14/228)


في العرب ، وهو قول ابن الماجشون وأبيه عبد العزيز بن أبي سلمة ، والغيرة ، وابن دينار ، وربيعة ، وابن هرمز . والثاني الذي رجع إليه إنه لا يتوارث بها إلا أن يثبت النسب بالبينة العدلة ، مثل الاسارى من نالمسلمين يكونون عندهم ، أو الحربيين يأتون بأمان فيسلمون ، أو يسبون فيعتقون ويسلمون ، وقد روي ذلك عن عمر بن الخطاب ؛ ذكر ابن أبي شيبة عن الشعبي أن عمر بن الخطاب كتب إلى شريع الا يورث الحميل إلا ببينة ، وإلى هذا ذهب ابن القاسم ، ورواه عن مالك ؛ فقال إنما تفسير قول عملا يتوارث بولادة الأعاجم في الدعوى خاصة ؛ وأما إن ثبت ذلك بعدول من المسلمين كانوا عندهم كولادة المسلمين وهو الصحيح في النظر ، إذ لم ينص عمر فيما روي عنه إنهم لا يتوارثون بحال وإن ثبت النسب ببينة ؛ فتفسير قوله بقوله أولى من أن يحمل على الاختلاف ؛ وإن شهد على قياس هذا القول بعضهم لبعض وهم عدول ، جازت شهادتهم إلا أن يشهد المشهود لهم للشهود أيضاً ، فلا يجوز ذلك إلا على اختلاف ؛ وهذا الاختلاف - عندي - إنما هو في العدد اليسير يتحملون من بلاد الحرب إلى بلاد المسلمين ، فيثبت نسبهم بشهادة المسلمين ؛ وأما العدد الكثير يتحملون من أهل الحصن فيقرون إنهم قرابة ، فلا اختلاف إنهم يتوارثون بأنسابهم وإن لم يكونوا عدولاً ، لوقوع العلم باقرارهم من جهة الخبر لا من طريق الشهادة ، ولا حد في عددهم ؛ لأن المعني في ذلك إنما هو حصول العلم بخبرهم ، وذلك لا يكون إلا في العدد الذي لا يمكن أن يتواطؤوا على القول بذلك والأخبار به . فقول سحنون في أخذ هذه المسألة أصح من قول ابن القاسم .
وقوله في أول المسألة قال إن كان محمولاً فلا ترثه قرابته ، معناه على ما حكيناه من مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك ، معناه إذا لم يعرف إنهم قرابة إلا بدعواهم

(14/229)


وبشهادة بعضهم لبعض وأما لو عرف إنهم قرابة بشهادة شاهدين عدلين من سواهم ، لكان لهم الميراث ، وكانوا أحق به من مولاه ، فيحتمل أن يكون قوله هذا على القول بان الشهود إذا شهد بعضهم لبعض هؤلاء لهؤلاء ، وهؤلاء لهؤلاء ، لم تجز شهادتهم ، ويحتمل أن يكون إنما قال ذلك من أجل أن الميت قد ثبت ولاؤه لمولاه ؛ فيتحصل على هذا في اجازة شهادتهم إذا شهد بعضهم لبعض ؛ ثلاثة أقوال ، أحدها إنها تجوز .
والثاني إنها لا تجوز ، والثالث الفرق بين أن يكون الميت قد ثبت ولاؤه لمن أعتقه ، أو لمن يجب ذلك له بسبب العتق ، وبين أن يكون حراً لا ولاء لأحد عليه ؛ ويدل على هذا الفرق ما وقع في موطأ ابن وهب عن مالك أن المسبيين لا يتوارثون بشهادة بعضهم لبعض ، بخلاف المتحملين ، لأن الفرق بين المسبيين والمتحملين إنما هو أن المسبيين قد تقرر ولاؤهم لمن أعتقهم ، ووجب لهم ميراثهم بولاء ، فلا يبطل ذلك إلا بشهادة غيرهم ، لا بشهادة بعضهم لبعض ؛ والمتحملون لا ولاء لأحد عليهم ، وبهذا المعنى اعتل الشافعي في الفرق بين المسألتين ، وهو فرق ظاهر ، فقال إذا جاءوا مسلمين لا ولاء لأحد عليهم ، قبلنا دعواهم ؛ وإن كانوا قد أدركهم السبي والرق وثبت عليهم الولاء والملك ، لم تقبل دعواهم إلا ببينة ، وقد وقع في التفسير الثالث قال ابن القاسم لو أن أهل حصن من الحصون سبوا جميعاً بأسرهم ثم كانوا بموضع يتعارفون فيه ، وأسلموا عند من ملكهم ، لم يتوارثوا بتلك الأنساب ؛ ولو إنهم إذ غلبوا على بلدهم ، تركهم الإمام إذ اخذهم وضرب عليهم الجزية ، توارثوا بأنسابهم ؛ قال والأمور تفترق بلا حجة ولا قياس ، وعلينا في كل ما ثبت من ذلك من قول أهل العلم الاتباع ، وليس ذلك بصحيح ؛ لأن الفرق بين المسألتين هو ما ذكرته وحكيته عن الشافعي . وقوله في أهل القرية التي افتتحت عنوة فسكنها أهل الإسلام

(14/230)


معهم إنهم يتوارثون بأنسابهم ، بخلاف المحمولين الذين يؤتى بهم من بلد آخر فيتعارفوا في دار الإسلام ، أن أولائك لا يتوارثون بأنسابهم ؛ معناه إذا كان عدد أهل القرية كثيراً ، وعدد المحمولين يسيراً .
ولو كان هؤلاء يسيراً وهؤلاء يسيراً ، لما توارث هؤلاء ولا هؤلاء بإقرار بعضهم لبعض ، إلا أن يكونوا عدولاً ، على الاختلاف ( في إجازة ) شهادة الشهود إذا شهد هؤلاء لهؤلاء وهؤلاء لهؤلاء ، أو كان هؤلاء كثيرا ًلتوارث هؤلاء وهؤلاء بشهادة بعضهم لبعض ، وإن لم يكونوا عدولا ًن لوقوع العلم بقولهم من جهة الخبر ، على ما ذكرناه ، فهذا وجه القول في هذه المسألة ، وبالله التوفيق .
ومن كتاب أوله طلق ابن حبيب
قال وسئل مالك عن الحامل من غير زوج تلد في أرض الإسلام توأماً بأيهم يتوارثون ؟ قال أرى أن يتوارثا من قبل الأم ، قيل له فولد الملاعنة بأيهما يتوارثان ؟ قال بأصلهما ، فقيل له من قبل الأب ؟ قال نعم ، وقد كان عمر بن الخطاب يليط أولاد الجاهلية وهم زنى بآبائهم ، فقيل له فالتي تأتي حاملاً من أرض الشرك تسبى فتلد في الإسلام توأماً ؟ قال يتوارثان من قبل الأب وهذا بين ، وإنما مثل ذلك مثل ما لو جاء أهل قرية يريدون الإسلام - وامرأة حامل - فولدت في أرض الإسلام ، فهم يتوارثون من قبل أبيهم فقيل له إنه لا يدري الزوج أو غيره ؟ فقال هو من الزوج إذا كان في الشرك وقد ألاط عمر بن الخطاب ما كان في الشرك وهو زنى .

(14/231)


قال محمد بن رشد : قوله في هذه المسألة وقد كان عمر بن الخطاب يليط أولاد الجاهلية بن استلاطهم وهم زنى بآبائهم يريد بالقافة ، إنما يصح الاحتجاج به على التي تأتي حاملاً من أرض الشرك ، فتلد توأماً ، فكان صوابه أن يكون بإثرها لا بإثر مسألة الملاعنة ، وقد يحتمل أن يريد بوجه احتجاجه إنه ( إذا ) كان عمر يليط أولاد الزنى – في حال ما – بآبائهم فأحرى أن يتوارث أتوام الملاعنة من قبل الأب ، إذ ليس بزنى ، لشبهة الفراش . وقد اختلف في أتوام الملاعنة ولم يختلف في أتوام المسبية والمستأمنة أنهما يتوارثان من قبل الأب والأم ، وفي أتوام المغتصبة اختلاف ، وقد اختلف أيضاً في أتوام الزانية وقد مضى القول على ذلك ( كله ) مستوفى بالدلالة عليه في أول سماع ابن القاسم من كتاب اللعان ، فلا معنى لإعادته ههنا مرة أخرى ، وبالله التوفيق .
ومن كتاب أوله صلى نهاراً ثلاث ركعات
وسئل مالك عن جدة الأب – أم أب الأب – إذا لم يكن ثم غيرها من الجدات ولا أم ، أترث ؟ قال مالك لا ترث – وإن لم يكن ثم غيرها ، فإنها لا ترث .
قال محمد بن رشد : لم يختلف قول مالك وأصحابه في إنه لا يرث من الجدات إلا جدتان ، أم الأم - وإن علت ، وأم الأب - وإن علت على ما روي عن زيد بن ثابت . قال مالك ولم نعلم أحداً ورث غير جدتين منذ كان الإسلام إلى اليوم ، فإن اجتمعا فالسدس بينهما ، إلا أن تكون التي من قبل

(14/232)


الأم أقرب . ومن أهل العلم - من غير المذهب - من يقول أن السدس للأقرب منهما ، ولا يكون السدس بينهما إلا إذا استوتا في القرب ؛ وروي عن ابن أبي اويس إنه قال : سالت مالكاً عن الجدتين اللتين ترثان ، والثالثة التي تطرح وأمهاتها ؟ فقال اللتان ترثان : أم الأم وأم الأب وأمهاتهما - إذا لم تكونا . والثالثة التي تطرح : أم الجد أبي الأب وأمهاتهما ؛ قال ابن أبي اويس : وأما أم أبي الأم فلا ترث شيئا ؛ وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنه ورث ثلاثة جدات : اثنتين من قبل الأب ، وواحدة من قبل الأم ، وهو قول الأوزاعي - انهما ورثا الجدات الأربع : أم الأم ، وأم الأب ، وأمهاتهما ، وأم أبي الأب ، وأم أبي الأم ، وأمهاتهما ، وأن علون . وروي عن ابن عباس أيضاً قول ثان : أن الجدة كالأم إذا لم تكن أما ، فترث على هذا الثلث ، وهو خلاف الاجماع ؛ فيشبه أن يكون الذي روى ذلك عن ابن عباس ، قاسه على قوله في الجد لما جعله أبا ؟ ، إنه يجعل الجدة أما ، والله أعلم ، وبالله التوفيق .
ومن كتاب أوله باع غلاماً بعشرين ديناراً
وسئل مالك عن الرجل يقول لغلامه هذا ابني ، والغلام معروف إنه سندي والرجل فارسي هل يصير حراً ؟ قال مالك ما يدعي من ذلك مما يستيقن الناس إنه ليس بابنه ولا ولده ، فهو غير لاحق به .

(14/233)


قال محمد بن رشد : هذا كما قال ، وهو مما لا اختلاف فيه إنه إذا استلحق من لا يشبه أن يكون ابنه ، وتبين في استلحاقه إياه كذبه ، فلا يلحق به وإنما اختلف قول ابن القاسم إذا استلحق من يشبه أن يكون ابنه ولم يعلم ما يعي من ملكه لام المستلحق ، أو تزويجه إياها ، فإن عرف ملكه لها إن كانت امة ، أو تزويجه إياها إن كانت حرة وأتت به لما يشبه أن يكون منه ، ولم يحزه غيره بنسب ، لحق به باتفاق ؛ فوجه يلحق به باتفاق ، ووجه لا يلحق به باتفاق ، ووجه يختلف في الحاقه به ، وإذا لم يلحق به في الموضع الذي يتفق إنه لا يلحق فيه لتبين كذبه فلا يعتق عليه ، إن كان عبداً له ؛ قال سحنون ؛ وإذا لم يلحق به في الموضع الذي يختلف فيها إلحاقه به على القول بأنه لا يلحق به ، فإنه يعتق عليه إن كان عبداً له ، وبالله التوفيق .
مسألة
وقال ابن القاسم في الرجل يقر فيقول هذا أخي ولا يعرف للمقر نسباً أصلاً ، إنه إن مات ورثه .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال إنه يرثه بإقراره له إنه أخوه ، يريد إنه إذا كان قد قال إن هذا أخي شقيق أو لأب ، ولم يعرف له نسب أصلاً ، لأنه إذا عرف له نسب فقد تبين كذبه ، ومعنى ذلك إذا لم يكن له وارث معروف بنسب ولا ولاء على ما قاله في المدونة وغيرها ؛ وأما إن كان قال هذا أخي ولم يزد على ذلك ، ولا سئل عن بيان ما أراد حتى مات ، فلا يرث إلا السدس ، لاحتمال أن يريد إنه أخوه لامه ، فيكون بمنزلة إذا قال هذا أخي لامي ولا يثبت نسبه بإقراره له ، وإنما يرثه مراعاة لقول إله العراق في قولهم إن الرجل إذا لم يكن له وارثه ، فله أن يوصي بجميع ماله لمن أحب ، وليس ( له ) عند

(14/234)


مالك وجميع أصحابه أن يوصي بأكثر من الثلث ، وقد قيل إن الميراث لا يكون له إلا بعد يمينه أن ما أقر له به المتوفي حق ويقوم ذلك من كتاب الولاء والمواريث من المدونة ، والوجه في ذلك ، إنه انزل إقراره به كشهادة له بالنسب ، فوجب أن يحلف معه ويستحق الميراث ، كالذي يدعي ميراث رجل قد مات ولا وارث له ، فيأتي بشاهد يشهد له بنسبه ، فإنه يحلف مع شاهده فيأخذ المال ولا يستحق النسب ؛ وهذا مذهب ابن القاسم ، ويحلف على هذا المقر له مع إقراره المقر به - وأن لم يكن عدلاً مراعاة لقول أهل العراق الذي ذكرناه ، وسحنون يرى بيت المال كالنسب القائم ، فلا يوجب للمقر له ميراثاً بإقرار المقر وإن لم يكن له وارث معروف ؛ هذا هو المنصوص عن سحنون ، وله في نوازله من هذا الكتاب خلاف ذلك ، مثل قول الجماعة ؛ ولا يجوز إقراره له بأنه وارثه ويرثه به إذا كان له وارث معروف بنسب أو ولاء ، إلا في خمسة مواضع ، وهي : أن يقر بولد ، أو بولد ولد ، أو بأب أو بجد ، أو بزوجة - إذا كان معها ولد أقر به أيضاً واستلحقه ، غير أن وجوهها تفترق ؛ فأما إذ أقر بولد فيلحق به نسبه في الموضع الذي ذكرناه في المسألة التي قبل هذه إنه يلحق به فيه باتفاق أو على اختلاف أقر الولد ، أو أنكر ؛ فإن
شاء أخذ ميراثه ، وإن شاء تركه ؛ وأما إذا أقر بولد ولد فلا يلحق به إلا أن يقر به الولد ، فيكون هو مستلحقه ، أو يكون قد عرف إنه ولده فيكون إنما استلحق هو الولد ؛ وكذلك إذا أقر باب لا يلحق به ويرثه ، إلا إذا أقر به الولد فيكون هو مستلحقه ؛ وأما إذ أقر بجد فلا يلحق به ؛ إلا أن يقر الجد بأبيه ، ويقر أبوه به ، فيكون كل واحد منهما قد استلحق ابنه ؛ وأما إذا أقر بزوجة لها ولد أقر به فإقراره بالولد يرفع التهمة في الزوج فترثه وإن لم تثبت الزوجية ولا عرفت ، وبالله التوفيق .

(14/235)


من سماع أشهب وابن نافع من مالك - رواية سحنون من كتاب الأقضية -
قال أشهب وابن نافع سألنا مالكاً أترى العمل على الحديث الذي جاء في القافة يؤخذ بقولهم اليوم ويصدقون ؟ قال أما فيما يحلق من الولد فنعم ، وأما بغايا الجاهلية فلا أرى أن يؤخذ بقولهم ويصدقوا ، ولا يكون ذلك إلا في ولادة الجاهلية ، ولا أرى أن يؤخذ بقول قائف واحد ، وارى أن يؤخذ بقول قائفين ، لا أرى أن يجزى في ذلك ، إلا اثنان ، لأن الناس قد دخلوا ، وفي رواية محمد بن خالد عن ابن القاسم أن الغائب الواحد يؤخذ بقوله إذا كان عدلا .
قال محمد بن رشد : وقع في هذه المسألة اختلاف في الرواية ونص الرواية الواحدة سألنا مالكاً أترى العمل على الحديث الذي جاء في القافة يؤخذ بقولهم اليوم ويصدقون نقال أما فيما يلحق من الولد فنعم ، وأما بغايا الجاهلية فلا أرى إني ؤخذ بقولهم ويصدقوا ، ولا يكون ذلك في ولادة الجاهلية . ونص الرواية الثانية سألنا مالكاً أترى العمل على الحديث الذي جاء في القافة يؤخذ بقولهم اليوم ويصدقون ؟ قال أما ما يلحق من المولد فنعم ، وأما بقايا الجاهلية فلا أرى أن يؤخذ بقولهم ويصدقوا ، ولا يكون ذلك في ولادة الجاهلية . وفي المسألة على كلا الروايتين أشكال يفتقر إلى تخريج وبيان ،

(14/236)


أما الرواية الأولى فقوله فيها أما فيما يلحق من الولد فنعم - يريد أما فيما يلحق ولد الأمة يطؤها البائع والمشتري أو الشركيان في طهر واحد فنعم . وقوله فيها وأما بغايا الجاهلية ، فلا أرى أن يؤخذ بقولهم ويصدقوا - يريد أن الرجلين إذا ادعيا ولد بغي من زنى كان في شركهما لا يثبت نسبه لواحد منهما بالقافة . وقوله فيها ولا يكون ذلك في ولادة الجاهلية - يريد أي لا يسامح ( لشيء ) في ذلك بسبب استحلالهم للزنى ؛ وهذه الرواية تخرج على مذهب ابن الماجشون في قوله إنه لا يتوارث في الإسلام بولادة الشرك وإن ثبت النسب باليبنة على ظاهر قول عمر - رضي الله عنه : لا يتوارث في الإسلام بولادة الجاهلية .
وأما الرواية الثانية فالوجه فيها أن السؤال إنما كان عن العمل على الحديث الذي جاء في القافة في الموضع الذي جاء فيه عن عمر - رضي الله عنه - وهو في المتداعيين ولد امرأة من زنى كان منهما في الشرك بها فقال أما فيما يلحق من الولد - يريد بأحد المتداعيين فيه من الزنى في الشرك فنعم ، وقوله فيها وأما بغايا الجاهلية ، فلا يريد مثل البغايا اللواتي كن ينصبن انفسهن في الجاهلية للزنى فيدخل عليهن العدد الكثير من الرجال وكان لهن رايات يعرفن بها ، فإذا استمر باحداهن حمل جمع لها كل من دخل عليها فألحقت القافة ابنها بمن رأت إنه له منهم - شاء أو أبى ، فلم ير القافة في مثل هذا . وقوله بعد ذلك فيها : وأرى أن يؤخذ بقولهم ويصدقوا ، ولا يكون ذلك إلا في ولادة الجاهلية - يعود على أول المسألة في المتداعيين ولد امرأة من زنى كان في الشرك ، لا عل مسألة البغايا التي

(14/237)


تليها ؛ فعلى هذا التأويل تستقيم هذه الرواية ، وإنما التسبت بما وقع فيها من التقديم والتاخير ؛ فلو قال فيها : إن فيما يلحق من الولد فنعم ، وارى أن يؤخذ بقولهم ويصدقوا ولا يكون ذلك إلا في ولادة الجاهلية : وأما البغايا فلا ، لارتفع الاشكال منها ، وكان معناها للذي حملناها عليه ، ووجهناها به ؛ ولا يحكم بقول القافة إلا في أولاد الإماء دون الحرائر ، لأنهم لو نفوا الولد عن أبويه في الحرة ، لزمهم الحد ، ولا يلزمهم ذلك في الإماء .
قاله ابن دحون ، وليس بتعليل صحيح ؛ لأن من زنا بأمة أن لم يجب عليه الحد ، يجب عليه الأدب ؛ وقد تكون الحرة قد ماتت وليس لها من يقوم بحدها فلا يلزم ( من ) قذفها شيء ، وإنما تدعى القافة لتلحق الولد بأحد السيدين ، لا تنفيه عنهما جميعاً ؛ وقد روي عن مالك أن القافة تكون في أولاد الحرائر ، لأنها إنما تدعي لتلحق الولد بأحد الزوجين لا لتنفيه عنهما جميعاً ، ولو نفته عنهما جميعاً بالشبه من غير تحقيق ، لما لزمها حد ، وإنما لم تكن القافة في أولاد الحرئار على المشهور في المذهب لحرمة النكاح وقوة الفراش به ، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : الولد للفراش وللعاهر الحجر . فوجب لهذا الحديث أن يلحق الولد بصاحب الفراش الصحيح دون الفاسد . وأما قوله في آخر المسألة ولا أرى أن يؤخذ بقول قائف واحد إلى آخر قوله ، فقد مضى الكلام عليه في نوازل سحنون من كتاب الشهادات فلا معنى لإعادته ، وبالله التوفيق .

(14/238)


من سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم من كتاب لم يدرك من صلاة الإمام إلا الجلوس
قال عيسى وقال ابن القاسم في القوام من أهل الحرب يسلمون جماعة ، فيستلحقون أولاداً من زنى . قال إذا كانوا أحراراً ولم يدعهم أحدهم لفراش فهم ولده ، ويلحق به الولد ؛ وقد الاط عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - من ولد في الجاهلية بمن ادعاهم في الإسلام ، إلا أن يدعيه معه سيد الأمة ، أو زوج الحرة ؛ لأنه قد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الولد للفراش وللعاهر الحجر . فإذا ادعاه معه سيد الأمة أو زوج الحرة ، فهو أحمق به . قلت والنصارى يسلمون فيدعون أولاداً من زنى كانوا في نصرانيتهم ، فقال يلاطون بهم ، لأنهم يستحلون في دينهم الزنى وغيره . قلت فإن استلحق رجل منه ولد امة مسلم أو نصراني فقال إذا ألحقه به ، فإن اعتق يوماً ما كان ولده وورثه .
قال محمد بن رشد : قوله في أول هذه المسألة إذا كانوا أحراراً ولم يدعهم أحد لفراشه فهم ولده ، يدل على إنهم إذا كانوا عبيداً فلا يلحقون

(14/239)


به ، وأن لم يدعهم أحد لفراش ، وقد وقع مثل هذا في كتاب أمهات الأولاد من المدونة ، وهو خلاف قوله في آخر المسألة إذا ألحقه به فإن عتق يوما ما كان ولده وورثه ، وهذا الذي قاله في آخر المسألة هو الصحيح ، إذ لا يمتنع أن يكون ابناً للمقر به المستلحق له ، وعبداً للذي هو بيده . وفي قوله إذا ألحقه به فإن عتق يوماً ما كان ولده وورثه ، تجاوز في اللفظ بتقديم وتأخير وقع في الكلام ، وحقيقته إلى ألحقه به ، ويكون ولده ؛ فإن عتق يوماً ما ورثه ، وبالله التوفيق .
ومن كتاب اسلم وله بنون صغار
وسألت ابن القاسم عن الرجل من المسلمين يدخل أرض الحرب فيقيم بها سنين ثم يخرج ومعه ذرية فيقول هؤلاء أولادي : هل يجوز إقراره ؟ أم هل يتوارثون بذلك ؟ قال نعم ، إقراره جائز وهم يتوارثون به .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال : إنهم يلحقون به ، لأن ما ادعاه يشبه لخروجهم بهم من دار الحرب ، وهو المشهور المعلوم من مذهب ابن القاسم في المدونة وغيرها ، ويأتي على ما حكاه ابن المواز عنه إنه لا يلحق به ، إلا أن يعلم إنه تزوج امة ، أو اشتراها ، وقد مضى القول على هذا محصلاً في سماع رسم باع غلاماً من سماع ابن القاسم ، وبالله التوفيق .

(14/240)


ومن كتاب شهد على شهادة ميت
وعن رجل توفي وترك عم أبيه وجد أبيه ، من أولى بالميراث وولاء مواليه ؟ قال ابن القاسم جد الأب أولى بالميراث وولاء الموالي من عم الأب ، لأني سالت مالكاً عن العم والجد من أولى بالميراث ، فقال الجد أولى .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال ، لأن العم ولد الجد ، وعم الأب ابن جد الجد ؛ وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : الولاء للكبر - يريد الأقرب فالأقرب ، واقرب الناس إلى الرجل بعد ولده ، أبوه ثم ولد الأب وهم الأخوة : الأقرب فالأقرب ، ثم جده ، ثم ولد جده ، وهم الأعمام : الأقرب فالأقرب أيضاً ؛ ثم ولد الجد ، ثم ولده - الأقرب فالأقرب أيضاً ؛ ثم جد الجد ، ثم ولده أيضاً - الأقرب فالأقرب ؛ هكذا أبداً إلى ما يمكن أن يدرك الأسفل الأعلى ، ويستوي في هذا الولاء والميراث ، لأن الميراث فيه إنما هو بالتعصيب ( ولا يرث بالتعصيب ) ، إلا الأقرب فالأقرب بمنزلة ميراث الولاء ، وبالله التوفيق .
مسألة
وعن رجل توفي وترك ابن أخيه وجد أبيه ، من أولى بميراثه ؟ قال ابن القاسم جد الأب أولى - وهو في مكان الجد - إذا لم يكن جد دنية ، وابن الأخ أولى من الجد بالولاء ، بخلاف المال .

(14/241)


قال محمد بن رشد : وهذا كما قال ، لأن جد الجد - وأن علا - فهو بمنزلة الجد إذا لم يكن دونه جد ، وقد قيل فيه إنه أب يحجب الأخوة كلهم في الميراث ، ومذهب مالك - رحمه الله - إنه يقاسم الأخوة أشقاء كانوا أو لأب ، ولا ينقصونه من الثلث شيئا - أن كان الأخوة أكثر من اثنين ، فإن اجتمع معه أخ شقيق وأخوة لأب عادة الأخ لا الشقيق بالأخوة للأب ، فردوه بهم إلى الثلث ، وكان للأخ الشقيق ما بقي ، لأنه أحق من الذين للأب ، فإن كان مكان الأخ الشقيق أخت شقيقة ، كان للاخوة للأب ما فضل بعد حظ الأخت الشقيقة ، والجد في الميراث يحجب بني الأخوة كلهم ؛ وأما في الولاء ، فهم أحق منه لأنهم بنو الأب ، وبنو الأب - وإن سلفوا - أقرب من الجد على ما ذكرناه في المسألة التي فوق هذه من ترتيب الأقرب فالأقرب من العصبة ؛ قال مالك ذلك كله على قياس ما ذكره في موطئه من أن معاوية ابن أبي سفيان كتب إلى زيد بن ثابت يسأله عن الجد ، فكتب إليه زيد بن ثابت انك كتبت الي تسألني عن الجد - والله أعلم - وذلك مما لم يقض فيه إلا الأمراء ، يعني الخلفاء ، وقد حضرت الخليفتين قبلك يعطيان النصف مع الأخ الواحد ، والثلث مع الاثنين ؛ فإن كثر الأخوة لم ينقصوه من الثلث - والله أعلم ، وبالله التوفيق .
ومن كتاب أوله يديره ماله فتحل زكاته
وسئل عن الذي يستلحق الولد ثم ينكره بعد استلحاقه إياه -

(14/242)


ويموت الولد عن مال ، فلا يأخذه المستلحق ؛ قال يوقف ذلك المال ، فإن مات هذا المستلحق ، صار المال لورثته وقضي به دينه ، وأن قام عليه غرماؤه ، وهو حي ، اخذوا ذلك المال في ديونهم .
قال محمد بن رشد : قوله في هذا المسألة يوقف ذلك المال إلى آخر قوله ، كلام فيه نظر ؛ لأن انكار الولد بعد استلحاقه إياه إنما لا يسقط نسبه منه إن مات قبله ، لأنه أن مات قبله اتهم في قطع نسبه فورثه الابن ؛ ثم أن مات الابن بعده ، كان ميراث الابن لعصبته من قبل أبيه المستلحق له ؛ ولو رجع في حياته إلى استلحقاه ، صح له رجوعه وورثه أن مات ؛ وأما إن مات الابن المستلحق قبله ، فالواجب أن يكون جميع ميراثه لجماعة المسلمين ، لأنه مقر أن هذا المال لهم ، لا حق له فيه معهم ، وهم لا يكذبونه ، فلا معنى لتوقيفه ؛ إذ لا يصح أن يقبل رجوعه فيه بعد موته برجوعه إلى استلحاق ابنه ، لأنه قد ثبت لجماعة المسلمين بثبوته على إنكاره إلى أن مات ، فليس له أن يرجع فيه ؛ بخلاف من أقر لرجل بمال فأنكره المقر له به ، لأن هذا يجب توقيفه ليأخذه من رجع منهما أولاً إلى تصديقه صاحبه كالرجل يقر للمرأة إنه قد دخل بها وهي تنكر ، وما أشبه ذلك على اختلاف في هذا الأصل ، فالذي يوجبه النظر في هذه المسألة الاحق في ميراث هذا الابن المستلحق إذا مات المستلحق قبل أبيه - لورثة أبيه المنكر له بعد استلحقاه ، ولا لأهل دينه ، ولا لغرمائه - أن قاموا عليه - وهو حي - إذا كان إنكاره الولد في حياته أو بعد وفاته ، إلا أن يكون إنكاره إياه بعد وفاته وهو مفلس ، إذ لا يجوز إقراره بعد التفليس بما في يديه إنه لغير غرمائه ، وهذا بين كله - والحمد لله ؛ ووجه

(14/243)


هذا القول على ما فيه من الاعتراض ، إنه لما رجع عن إقراره به في حياته ، إنهم على قطع نسبه الذي كان قد ثبت له بإقراره ، فأبطل رجوعه ولم يجعل له تأثير ؛ والقياس أن يلزم رجوعه عن إقراره به إذا مات قبله ، فيصير ميراث منه لبيت مال المسلمين ، ولا يكون لغرمائه فيه شيء ، وإنما يجب أن يوقف ميراثه منه كما قال ، فيكون لورثته - أن مات ، ويقضي به دينه ، ويأخذه غرماؤه أن قاموا ، وهو حي أن كان أنكره بعد استلحاقه
إياه – وله ولد ؛ لأنه إذا كان له ولد اتهم في قطع نسبه منه ، وأن مات ، وبالله التوفيق .
ومن كتاب الجواب
وسألته عن العبد يكون له ولدان حران ، وأبو العبد حر ، فيموت أحد الولدين ، أيكون الميراث كله للجد ؟ أو يكون بينه وبين الأخ الباقي ؟ وعن قول مالك في موطئه الجد يجر الميراث أي ميراثه هو ، وقال ابن القاسم الميراث بين الجد والأخ نصفين ، وهذا مما لم تختلف فيه الأمة ، وهو وارث معه والجد أخ مع الأخ ، وإنما تفسير قول مالك أن الجد يجر الميراث ، إنما ذلك إذا كان وحده ولم يكن معه وارث غيره جر الميراث كله ولم يمنعه من حياة الأب ؛ لأن الأب العبد لا يحجب ، لأنه بمنزلة الميت والكافر .
قال محمد بن رشد : قول ابن القاسم في هذه المسألة الميراث بين الأخ والجد بنصفين صحيح ، لا اختلاف فيه في المذهب على ما جاء عن

(14/244)


عمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، وزيد بن ثابت رضي الله عنهم . وقوله وهذا مما لم تختلف فيه الأمة يريد إنها لم تختلف في أن العبد لا يرث ما لم يعتق ، وأما ميراث الأخ أو الأخوة اشلاقاء أو الذين للأب مع الجد ، فالاختلاف بين الأمة فيه كثير ، لا يمكن أن يغيب علمه عن ابن القاسم ، فممن جاء عنه إنه انزل الجد مع الأخوة بمنزلة الأب ، وجعله أحق بجميع الميراث ، منهم : أبو بكر الصديق ، وابن عباس ، وجابر بن عبد الله ، وعائشة أم المؤمنين ، ومعاذ بن جبل ، وأبي بن كعب ، وأبو الدرداء ، وأبو هريرة ، وابن الزبير ، وأبو موسى الاشعري ، وهو مذهب أبي حنيفة ، والمزني من أصحاب الشافعي ؛ وقول جاء أهل العلم يتنزل الجد منزلة الأب في عدم الأم ، كما يتنزل ابن الابن بمنزلة الابن في عدم الابن ؛ وقوله في الرواية بعد ذلك وهو وارث معه - يريد في مذهب مالك الذي يأخذ به ، وتفسيره لما سال عنه مما ذكر إنه وقع في موطأ مالك من قوله الجد يجر الميراث أي ميراث هو صحيح لا أشكال فيه على ما حكاه من إنه وقع في موطئه ، ولم يقع في الموطأ على هذا النص ، وإنما وقع فيه على نص فيه أشكال واختلال ، ونص ذلك : قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا في ولد العبد من امرأة حرة وأبو العبد ؛ رن أن الجد أبا العبد يجر ولاء ولد ابنه الأحرار من امرأة حرة ، يرثهم ما دام أبوهم عبداً ، فإن عتق أبوهم رجع الولاء إلى مواليه ، وإن مات وهو عبد كان الميراث والولاء للجد ، وإن العبد كان له ابنان حران فمات أحدهما وأبوه عبد جد الجد أبو الأب الولاء

(14/245)


والميراث ، هذا نص قوله في الموطأ فمعنى قوله فيه أن الجد أبا الجد يجر ولاء ولد ابنه الأحرار من امرأة حرة يرثهم ، هو أن الجد كان معتقاً واعتق أحد ولد العبد الأحرار عبداً ، فتوفي - ولا مواريث له إلا
مولى الجد المعتق ، فإن الجد يجر ولاء مولى حفيده المتوفي إلى مولاه فيرثه مادا من ابنه عبداً ، فإن اعتق جر الولاء إلى مولاه وكان أحق به من مولى أبيه الجد ؛ ويحتمل أن يريد بقوله يجر ولاء ولد ابنه الأحرار أي يجر ميراث ولد ابنه الحرار إلى مولاه الذي اعتقه ، فيكون أحق به ما دام أبوهم عبداً ، فإن اعتق أبوهم رجع الولاء إلى الميراث إلى مواليه ، كما قال ، وكانوا أحق به من مولى الجد ؛ وإنما قلنا ذلك ، لأن ولد العبد من امرأة حرة أحرار من أصلهم ، لا ولاء لأحد عليهم ؛ وأما قوله وأن العبد كان له ابنان حران فمات أحدهما وأبوه عبد جر الجد أبو الأب الولاء والميراث ؛ فكلام مختلف وقع على غير تحصيل ، والله أعلم ، جد الأخ الولاء وكان الميراث بينهما ، وكذلك وقع في رواية مطرف ، وإنما قلنا إنه الصواب ، من أجل إنه لا اختلاف في المذهب في أن الجد في الميراث مع الأخ بمنزلة أخ يكون الميراث بينهما بنصفين ، ولا في أن موالي الأخ أحق من موالي الجد ، ويحتمل أن يكون وجه قوله على اختلافه إنه أن مات أحدهما ، وأبوه عبد جر الجد إلى نفسه نصف الميراث ، لأنه يكون بينه وبين الأخ ما دام الأب عبداً ، وانه أن مات لأحد الابنين مولى ولا وارث له إلا مولى الجد ، جر الجد ولاءه إلى مولاه ، فكان أحق به - ما دام ابنه عبداً لم يعتق ، فإن عتق جر الولاء إلى مولاه ، فكان أحق به من مولى الجد ، وبالله التوفيق .

(14/246)


ومن كتاب العتق
وسألت ابن القاسم عن رجل هلك وترك ابنته وعصبته ، فقالت الابنة هذا أخي ؛ قال ابن القاسم قال مالك تدفع إليه ثلث ما في يديها .
قال محمد بن رشد : قوله تدفع إليه ثلث ما في يديه ، وهو المعلوم من قول مالك المشهور من مذهبه أن الوارث إذا أقر بوارث لا يلزمه أن يدفع إليه إلا ما زاد نصيبه في الإنكار على الإقرار ؛ فإن نقص نصيبه في الإنكار ، أو لم يزد على نصيبه في الإقرار ، مثل أن تقر الزوجة باخ وما أشبه ذلك ، وفي ذلك في المذهب اختلاف ، قيل أن من حق المقر له أن يرجع على المقر بما يجب له على المقر به ، وبنصف ما يجب له على المنكر له ، فإن أقر المنكر يوماً ما ، رجع كل واحد منهما بما بقي عليه من حقه حتى يستووا جميعاً في الميراث ، فقال ذلك ، يترك الميت ابنين فيقر أحدهما باخ ، فإن المال يكون بين الابنين الثابتي النسب بنصفين ، ثم يرجع المقر له على المقر في النصف الذي له فيشاركه فيه بالسواء ، لأنه يقول له أنت مقر لي إني أخوك ، فادفع إلي نصف ما بيدك ، فإن أقر المنكر بعد ذلك دفع من النصف الذي بيده إلى كل واحد منهما سدسه ، فيكمل لكل واحد منهما بذلك ثلث المال ، ويبقى بيده هو ثلثه أيضاً فيستوون جميعاً في الميراث ؛ وكذلك على قياس هذا القول لو توفيت امرأة عن زوج وأخت ، فأقر الزوج باخ لرجع الأخ المقر به على الزوج الذي أقر به بثلث ما بيده ، فإن أقرت الأخت به يوما ما رجع الزوج عليها بما رجع به الأخ عليه المقر به ، ورجع الأخ المقر به عليهما ببقية حقه ، مثال ذلك أن تترك المتوفاة ستين ديناراً فيأخذ الزوج ثلاثين والأخت ثلاثين

(14/247)


ديناراً ثم يرجع الأخ المقر به على الزوج الذي أقر به ، فيقول له الثلاثون التي أخذت لا تجب لك إلا من ستين - وأنت قد اقررت إني اخو المتوفاة ، فوجب لي على قولك من الستين عشرون ، فلا يجب لك إلا نصف الباقي ( وذلك عشرون ) لأن الأخت قد جحدتني العشرين ، فصارت بجحودها مستهلكة لها ، فإن أقرت الأخت به يوماً ما أخذ منها العشرين الواجبة له ، فرد منها على الزوج العشرة التي قبضت منه ؛ وأقل ما تنقسم منه هذه الفريضة على ما
رتبه أهل الفرائض اثنا عشر ، وهذا مذهب ابن كنانة من أصحابنا ، لذلك قال على أصله هذا في مسألتنا أن الأخت تدفع إلى الأخ الذي أقرت به ثلثي ما بيدها ، لأنه يقول لها أنت مقرة إني أخوك فادفعي إلي ثلثي ما بيدك ، فإن أقر العصبة به على مذهبه ، أخذ منها الصنف فأكمل منه للأخت تمام الثلث ، وللأخ تمام الثلثين ، وهي تنقسم من ستة فيأخذ أولاً الأخ من النصف الذي صار للأخت اثنين ويبقى ( بيدها ) واحد ، فإذا أقر العصبة أخذت منهم الأخت واحداً والأخ اثنين ؛ ووجه هذا القول إن ما وجب للمقر به في حظ المنكر له في حكم المستهلك لإنكاره إياه ، وعلى قياس هذا الاختلاف يختلف في أحد الورثة يقر بدين على الميت ، فلا يلزمه على القول الأول من الدين الذي أقر به إلا ما ينوبه منه ؛ وعلى القول الثاني يأخذ المقر له بالدين جميع دينه من يد الذي أقر به كما إذا ثبت الدين ببينة وقد اقتسم الورثة تركة الميت وألفي في يدي أحدهم ما قبض ، وكان بقية الورثة قد قبضوا حقوقهم

(14/248)


واستهلكوها وهم عدماء ، لأنه يقول له إن أقر له بالدين : أنت مقر لي بالدين ، فلا يصح لك ميراث إلا بعد أداء الدين ، لقول الله عز وجل : ( من بعد وصية يوصي بها أو دين ) ، وهذا القول هو الذي اختاره ابن حبيب وقال أن أصحاب مالك كلهم ينكرون قول مالك ؛ إذ لا ميراث لأحد إلا بعد وفاء الدين ؛ وأنكر أبو عمر الاشبيلي ما حكاه ابن حبيب عن أصحاب مالك وقال إنه لا يعرف ذلك لأحد منهم ، فإن اقروا رجع المقر بالدين عليهم بما غرم منه زائداً على ما وجب عليه ، ويتخرج على هذا الاختلاف الذي وصفناه في أخت أقرت بابنة ثلاثة أقوال ، أحدها أن الابنة أحق بجميع حظ الأخت ، لأنها تقول لها أنا أحق منك على قولك بالنصف الذي بيدك لأني مبدأة عليك ، فحقك إنما هو الذي في يد العصبة . والثاني أن الأخت أحق بجميع ما بيدها ولا شيء للابنة المقر بها ، لأنها تقول لها إنما اقررت لك بالنصف الذي بيد العصبة .
والثالث أن للبنت نصف ما بيد الأخت ، لأن قسمتها مع العصبة لا تجوز عليها ، فقد أقرت لها بنصف جميع المال على الاشاعة ، فتأخذ نصف النصف الواجب للأخت ، ويكون للأخت النصف الثاني ، وللعصبة نصف المال كاملا ، وبالله التوفيق .
مسألة
قال وسألته عن رجل هلك وترك ثلاث بنات أو أربعاً فادعين أخا ، قال أن كن أربعاً أو أكثر لم يرددن شيئا ، وإن كن ثلاثا كان لهن ثلاثة أخماس المال كله ، ورددن ما فضل في أيديهن إلى الذي ادعين .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال ، وهو على قياس قوله في

(14/249)


المسألة التي قبلها ، وعلى المشهور في المذهب ، ووجه العمل في ذلك أن ينظر من حيث تقوم فريضتهم وتنقسم عليهم على الإقرار وعلى الإنكار ، فما ازداده المقرات في يحال الإنكار على الإقرار دفعنه إلى المقر به ، وهي تقوم وتنقسم على الإقرار والإنكار إذا ترك الميت ثلاث بنات وعصبة ، فأقر البنات باخ من خمسة عشر - ضرب فريضة الإنكار ثلاثة في فريضة الإقرار - خمسة فيصير للبنات في حال الإنكار الثلثان بعشرة ، وفي حال الإقرار ثلاثة الاخماس بتسعة ، فيأخذ المقر به ما بين التسعة والعشرة - وذلك واحد وهو ثلث الخمس ، ويبقى للعصبة الثلث وهو خمسة ، فإن اقروا بالأخ يوما ما دفعوا إليه الخمسة التي بأيديهم ، فاستوفى بذلك جميع حقه - وهو الخمسان وذلك ستة من خمسة عشر ، وهي تقوم وتنقسم على الإقرار والإنكار إذا ترك الميت أربع بنات وعصبة من ستة ، ويصير للبنات في حال الإقرار الثلثان أربعة مثل ما يصير لهن في حال الإنكار ، فلا يلزمهن للأخ الذي اقررن به شيء ، وكذلك لو ترك الميت خمس بنات وعصبة ، لما وجب للمقر به على البنات شيء ، لأنه يحصل لهن في حال الإقرار أكثر مما يحصل لهن في حال الإنكار ، فيتهمن في إقراره ، على العصبة ، وذلك أن الفريضة تقوم وتنقسم على الإقرار والإنكار من واحد وعشرين ضرب ثلاثة في سبعة ، فيصير للبنات في حال الإقرار خمسة عشر ، ويبقى للعصبة ستة ؛ وف حال الإنكار أربعة عشر ، ويبقى للعصبة سبعة ، ويدخل في هذه المسائل كلها الاختلاف الذي ذكرناه في المسألة التي قبلها ، فيجب على قول ابن كنانة من

(14/250)


أصحابنا ومن ذكرناه معه - إذا كان البنات ثلاثاً وعصبة فأقررنا باخ أن يكون للأخ مما بيد البنات ثلثه وذلك ستة من ثمانية عشر - وهي التسعان من سبعة وعشرين التي تنقسم الفريضة منها ، وذلك أن الأخ المقر به يقول لاخواته ؛ الثلث الذي اقررن به لي قد جحدته العصبة ، فصارت بجحودها
إياه مستهلكة له ، فلا يجب لكن الثلثان إلا من الباقي وذلك اثنا عشر وبأيديكن ثمانية عشر فادفعن إلي الستة الفاضلة بأيديكن فيأخذها منهن ، فإذا أقر العصبة ( به ) يوما ما أخذ الأخ منها ثلاثة والبنات ستة بقية التسعة ، فاستوفى بذلك البنات الثلثين ، والأخ الثلث ، ويأتي على قوله إذا كان البنات أربعاً وعصبة ، فأقر البنات باخ أن يكون للأخ مما بيد البنات ثلثه أيضاً - وذلك أربعة من اثني عشر - وهي التسعان من ثمانية عشر التي تنقسم الفريضة منها ، وذلك أن الأخ المقر به يقول لاخواته - الثلث الذي أقررتن به لي قد جحدتني إياه العصبة فاصرت بجحودها إياه مستهلكة له ، فلا يجب لكن الثلثان ، إلا من الباقي - وذلك ثمانية وبأيديكن اثنا عشر فادفعن إلي الأربعة الفاضلة بأيديكن ، فيأخذها منهن ، فإن أقرت العصبة به يوماً ما أخذ الأخ منها اثنين ، والبنات أربعة بقية الستة ، فاستوفى بذلك البنات الثلثين ، والأخ الثلث ، وكذلك على هذا القياس إذا كان البنات أكثر من أربع ، وبالله التوفيق .
ومن كتاب العرية
قال وسألت ابن القاسم عن الرجل يموت فيقسم ورثته ميراثه ،

(14/251)


ثم يأتي رجل فيقيم البينة إنه ولده ويثبت نسبه ، ويعدم بعض الورثة ؛ قال ينظر إلى ما صار بيد كل وارث من حقه أن لو كان أولاً معهم فيتبع المعدم بما صار عليه ، والمليء بما صار عليه ، ولا يأخذ من المليء عن المعدم ، بمنزلة ما لو هلك رجل وترك أمه وأخاه ، فأخذت الأم الثلث ، والأخ الثلثين ، ثم جاء رجل فاستحق إنه أخوه ، فأخذ من الأم السدس ، ومن الأخ الربع ، ويتبع الأم بالسدس - مليئة كانت أو معدمة ، والأخ بالربع مليئاَ كان أو معدما .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال ، وهو مما لا اختلاف فيه ، اعلمه ، وكذلك حكم الغريم يطرأ على الغرماء ، والموصى له على الموصي لهم ، فإن وجد بأيديهم ما قبضوا قائماً لم يفت ، أخذ من كل واحد منهم ما يجب له ، ولم تنقض القسمة إن كان ذلك مكيلاً أو موزوناً ، وإن كان حيوانا ًاو عروضاً ، انتقضت القسمة ، لما يدخل عليها من الضرر في تبعيض حقهم ، واختلف هل يضمن كل واحد منهما للطارئ ما ينوبه مما قبض إن قامت له بينة على تلفه من غير سببه أم لا على قولين ، أحدهما إنه ضامن لذلك . والثاني إنه لا ضمان عليه فيه ، فإذا قلنا إنه ضامن مع ( قيام ) البينة ، فتلزمه القيمة يوم القبض بالتفويض بالبيع والهبة والصدقة والعتق وما أشبه ذلك ، وإذا قلنا إنه لا ضمان عليه مع قيام البينة ، فلا يضمن بالتفويت بالبيع والعتق والهبة والصدقة ، ولا يلزمه في البيع إلا حظ الطارئ من الثمن الذي قبض إن جاز البيع واختار أخذ الثمن ، ويصدق في دعوى التلف - إن لم تكن له بينة فيما لا يغاب عليه دون ما يغاب عليه ، وقد قيل إنه

(14/252)


في العتق ضامن دون ما سواه - وإن قامت البينة على تلفه وهو مذهب أصبغ ، وظاهر رواية يحيى عن ابن القاسم ، وذلك كله بخلاف الغريم يطرأ على الورثة ، أو على الموصى لهم بالثلث وعلى الورثة ، وبخلاف طرو الموصى له بعدد على الورثة بعد القسمة ؛ والحكم في ذلك يتشعب ، وقد تكلمنا على ذلك في غير هذا الكتاب ، واختلف في طرو الموصى له بجزء على الورثة ، فقيل إنه بمنزلة طرو الوارث على الورثة - وقيل إنه بمنزلة طرو الغريم أو الموصى له بعدد على الورثة ، وبالله التوفيق .
من سماع يحيى بن يحيى من ابن القاسم من كتاب الكبش
قال يحيى وسألت ابن القاسم عن امرأة ادعت أن رجلاً قد هلك كان اباها وأتت بالبينة أن ذلك الرجل كان مقراً في صحته إنها ابنته ، ولا يعلم الشهود أن أمها كانت امرأة ذلك الرجل ولا امة له - وهم جيرانه ومعه في موضع واحد ، والرجل الذي كان مقراً بهذه الجارية إنها ابنته رجل حسن الحال ، غير متهم بالفسق ، وكيف أن كان من أهل التهم ؟ فقال لا ينظر في مثل هذا إلى حال الرجل المقر إذا كان يرى إنه إنما أقر بها من حلال ، فنسبها ثابت ، وميراثها منه واجب - وإن لم تعرف أمها في ملكه حرة ولا مملوكة ، إلا أن يقر بها على وجه يعرف الناس به كذبه بالأمر الذي لا شك فيه ، فلا

(14/253)


يقبل قوله ، أو يقر بها على سبب فسق ، فلا يثبت لها به نسب ، وسواء كان المقر صالحاً أو غير صالح ، الحكم فيهما سواء .
قال محمد بن رشد : هذه المسألة قد مضى من القول عليها ما فيه كفاية في رسم باع غلاماً من سماع ابن القاسم ، فلا معنى لإعادته ، ويأتي في نوازل أصبغ ما فيه زيادة على ذلك - أن شاء الله ، وبالله التوفيق .
ومن كتاب الصلاة
وقال ابن القاسم في الرجل يموت وله ولد معروف ثابت النسب ، ثم يدعي رجل إنه ابن الهالك ويأتي بشاهد ، إنه لا يحلف مع شاهده ولا يستحق شيئاً من الميراث ، إلا بشاهدي عدل يشهدان على إثبات نسبه إذا أنكره أخوه ؛ فإن أقر له ، أعطاه نصف الميراث ، ولمي ثبت له بإقرار الأخ نسب يوارثه به وهو لا غيره من قرابة الهالك ، قال وكذلك المرأة تدعي أن الميت زوجها ، أو يقوم معها من يدعي ميراث الميت ، فيأتي كل واحد منهم بشاهد ويريد أن يستحق ميراثه باليمين مع الشاهد ، إن ذلك لا يكون لواحد منهم إذا ادعوا ذلك وللميت وارث قد ثبت نسبه بالبينات ، وإنما يستحق الميراث باليمين مع الشاهد من جاء يطلبه وليس للميت وارث قد اثبت نسبه بالبينات ، فإن من جاء يزعم إنه ولد الميت ولم يأت إلا بشاهد واحد ولم يدع ميراثه أحد يحق نسبه بالبينة ، حلف مع شاهده

(14/254)


واخذ ميراثه ، لأنه إنما يستحق مالاً من الأموال ، ولا يثبت له بالذي استحق بيمنه مع شاهده - نسب يوارثه به أحد من قرابة الميت ولا يجر به ولا أحد من مواليه ، قلت له أرأيت إن حلف مع شاهده - وللميت بنت ثابتة النسب بالبينة ؟ قال يستحق ما بعد النصف الذي ترث الابنة وإن كانتا اثنتين ، فإنما له الثلث الباقي ، قيل له فإن جاءت المرأة تزعم إنها امرأته ، فجاءت بشاهد وليس له وارث ثابت النسب بالبينة ، قال تحلف مع شاهدها وتأخذ ميراثها ، ولا يثبت لها بذلك نكاح ولا لولدها ، إن كانت حاملاً - نسب ، قيل له فالرجل يدعي ميراث رجل يزعم إنه مولاه ، فيأتي على ذلك بشاهد أيحلف مع شاهده ويستحق ميراثه ؛ قال : نعم ، ولا يثبت له بذلك ولاء موالي ذلك المولى ، وإن مات أحد منهم فأراد أخذ ميراثه ، كان عليه أن يأتي أيضاً بشاهد فيحلف معه إنه مولاه ، ثم يستحق ميراثه ، ولا يجزئه الشاهد الأول الذي كان حلف مع شاهدته على الميراث الأول .
قال محمد بن رشد : قوله إنه لا يحلف على شاهده على استحقاق النكاح صحيح لا اختلاف فيه ، لأن اليمين مع الشاهد لا يكون عند مالك وأصحابه إلا في الأموال ، واختلفوا فيما جر إلى الأموال كالوكالة عليها وشبه ذلك ، وأما قوله إن الميراث يستحقه باليمين مع الشاهد من جاء يدعيه ولا وارث للميت معروف النسب ، فهو مثل قوله في المدونة - وزاد فيها بعد الاستيناء ، وقال أشهب لا يستحق الميراث باليمين مع الشاهد - وإن لم يكن للميت وارث معروف ، لأن الميراث لا يستحق إلا بعد ثبوت النسب ؛

(14/255)


وكذلك يختلف أيضاً إذا ادعت امرأة على رجل إنه تزوجها وطلقها قبل الدخول أو بعده ، واتت على ذلك بشاهد واحد ، فقيل إنها تحلف مع شاهدها وتستحق نصف الصداق - إن لم يدخل بها ، وجميعه إن دخل بها ، وقيل إنه ليس لها أن تحلف في المهر ، إذ لا يستحق إلا بعد ثبات النكاح ، وأما أن ادعت عليه إنه تزوجها وطلقها قبل البناء أو بعده ، ولا بينة لها ، ففي كتاب ابن سحنون إنه لا يمين عليه ، وهذا عندي على القول بأنها لا تحلف مع شاهدها ( وأما على القول بأنها تحلف مع شاهدها ) فيجب لها عليه اليمين إذ لم تأتي بشاهد - والله أعلم . ولو لم يترك الميت وارثاً فأتى رجل بشاهد إنه ابنه لا وارث له غيره ، واتت امرأة بشاهد إنها زوجته ولم يقر به الابن بها ، لوجب على مذهب ابن القاسم أن يحلف كل واحد منهما مع شاهده ويقسم المال بينهما على ثمانية أسهم ، للزوجة سهم ، وللابن سبعة أسهم لأن الزوجة قد سلمت للابن ثلاثة أرباع المال وتداعيا جميعاً في الربع ، فيقسم بينهما ، وعلى قول مالك يقسم بينهما على حساب عول الفرائض ، فيكون المال بينهما أخماساً ، للزوجة الخمس ، لأنها تدعي ربع المال ، وللابن أربعة أخماس ، لأنه يدعي أن له جميعه وذلك أربعة أمثال ما تدعي المرأة .
ولو أقرت بالابن وأنكرها الابن ، لوجب أن يكون لها على مذهب ابن القاسم نصف ثمن المال ، وللابن ما بقي ، لأنها مقرة له بسبعة أثمان المال ويتداعيان في الثمن فيقسم بينهما ، وأن يقسم بينهما على تسعة أسهم - على قول مالك ، وبالله التوفيق .

(14/256)


ومن كتاب المكاتب
وسئل ابن القاسم عن أهل العنوة أيتوارثون ؟ فقال نعم ، هم في مواريثهم وأهل الصلح سواء ؛ قال وسألت عن ذلك أشهب فقال مثل قوله ، ثم قال لو لم يعتبر ذلك إلا بأهل مصر ، وأهل الشام قد غلبوا عنوة في زمن عمر بن الخطاب ، فلم يزالوا يتوارثون من زمانه إلى اليوم ؛ وإنما حالهم حال الأحرار من أهل الذمة كالمصالحين ، غير إنهم حبسوا نظراً للعامة ولمن يجيئ من الذرية يقبض منهم جزاهم .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة قد مضى القول فيها مستوفى في سماع يحيى من كتاب التجارة إلى أرض الحرب ، وفي سماع عيسى من كتاب السلطان ، فلا معنى لإعادته .
ومن كتاب الأقضية
قال يحيى اخبرني ابن القاسم إنه سمع من يثق به يخبر أن مالكاً قال يتوارث أبناء المغتصبة التوأم من قبل الأب ، قلت لابن القاسم فمن أين يجب الميراث بينهما - ونسبهما غير ثابت .
قال محمد بن رشد : قد مضى طرف من التكلم على هذه المسألة ونظائرها في رسم طلق من سماع ابن القاسم من هذا الكتاب ، ومضى الكلام

(14/257)


على ذلك مستوفى في أول سماع ابن القاسم من كتاب اللعان ، فأغنى ذلك عن إعادته ، وبالله التوفيق .
من سماع سحنون بن سعيد وسؤاله ابن القاسم
قال سحنون قال ابن القاسم في المرأة تهلك عن زوجها وأمها - واختها فتدعي الأخت أخا ويصدقها الزوج وتنكر الأم ، إنها تقسم على الإقرار ثم الإنكار فينظر إلى ما ازدادته الأخت في الإنكار على الإقرار ، فيعزل ، ثم ينظر إلى ما انتقصه الزوج من نصيبه في الإقرار فيضرب به ويضرب الأخ المدعي ما كان يصيبه في الإقرار في أصل الفريضة فيضربان جميعاً فيما ازدادته الأخت على نصيبها في الإقرار .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة حسنة جيدة صحيحة في الاعتبار ، بينة في المعنى ، غير أن قوله فيها ينظر إلى ما انتقص الزوج من نصيبه في الإقرار ، وهم وكلام وقع على غير تحصيل ، وصوابه ينظر إلى ما انتقص الزوج من نصيبه في الإنكار ، لأن نصيبه إنما ينتقص في الإنكار من النصف إلى ثلاثة الاثمان ، من أجل العول الذي يدخل الفريضة ؛ لأنها تعول بثلثها إذا عدم منها الأخ ، فيرجع الزوج من النصف إلى الثلاثة الاثمان ، والأم من الثلث إلى الربع ، والأخت من النصف إلى ثلاثة الاثمان ، والأخ يسقط العول من الفريضة ، إذ لا فريضة معه للأخت ، وإنما لهما جميعا ما فضل بعد النصف الذي للزوج ، والسدس الذي للام - وهو الثلث للذكر مثل حظ الانثيين ، فيصير له ثلثا الثل ، وهو التسعان ، وإن شئت قلت الثمن وسبعة

(14/258)


اتساع ويصير ثلث الثلث وهو التسع ، وإن شئت قلت ثمانية اتساع الثمن ، فيفضل على الإقرار من نصيبها الذي وجب لها على الإنكار وهو ثلاثة الاثمان على ما ذكرناه ، ثمنان وتسع ثمن ؛ فالاخ يقول : لي من هذين الثمنين وتسع الثمن الذي برئت به أختي ، الثمن الواحد وسبعة اتساع الثمن ، ويقول الزوج بل لي أنا من ذلك الثمن الواحد ، لأنها باقرارها بك ، مقرة لي إني لم استوف حقي ، إذ لم اقبض نصف المال بسبب العول ، وإنما قبضت ثلاثة أثمانه فيبقى لي الثمن ، فوجب أن يقسم هذان الثمنان وتسع الثمن بينهما على قدر دعاويهما فيه ، يضرب الزوج فيه بالثمن ، والأخ بالثمن وسبعة اتساع الثمن ؛ فقول ابن القاسم في هذه المسألة خلاف مذهبه المعلوم في المال بين الرجلين يدعي أحدهما جميعه والآخر نصفه : أن لمدعي الكل منه ثلاثة أرباعه ، ولمدعي النصف ربعه ؛ لأن مدعي النصف قد سلم النصف لمدعي الكل .
ويتداعيان في النصف ، فيقسم بينهما ؛ مثل قول مالك إنه يقسم بينهما على حساب عول الفرائض ، لمدعي الكل ثلثاه ، ولمدعي النصف ثلثه ؛ لأن مدعي الكل يدعي مثلي ما يدعي مدعي النصف ، والفريضة تنقسم من اثنين وسبعين ، لأن وجه العمل فيها على ما رتبه أهل الفرائض أن تقام الفريضة على الإقرار وعلى الإنكار ، ثم تضرب احداهما في الأخرى ، أو فيما اتفق من أجزائهما ، فما اجتمع من ذلك ، قسم على فريضة الإنكار ، فما خرج من ذلك ضرب فيما بيد كل واحد منهم ، فيكون ذلك هو الواجب له في حال الإنكار ؛ وقسم أيضاً على فريضة الإقرار فما خرج في يذلك ، ضرب أيضاً فيما بيد كل واحد منهم من الفريضة الأولى ، فيكون

(14/259)


ذلك هو الواجب له في حال الإقرار ؛ والفريضة على الإنكار من ثمانية ، لأنها تعول بالثل من ستة إلى ثمانية ، للزوج ثلاثة ، وللام اثنان وللاخت ثلاثة ؛ وعلى الإقرار من ثمانية عشر ، لأنها لا تنقسم من أقل ، للزوج تسعة ، وللام ثلاثة ، وللاخت اثنان ، وللاخ أربعة ؛ وثمانية تتفق مع ثمانية عش رفي الانصاف فتضرب إحدى الفريضتين في نصف الأخرى فيكون جميع ذلك اثنين وسبعين .
وكما ذكرنا ، فيجب للزوج من ذلك في الإقرار النصف : ستة وثلاثون ، وفي الإنكار ثلاثة الاثمان : سبعة وعشرون ، فازداد في الإقرار الثمن - وهو تسعة ، ويجب للام من ذلك في الإقرار السدس اثنا عشر ، وفي الإنكار الربع - ثمانية عشر ؛ لأنها رجعت بالعول من الثلث إلى الربع ، ويجب للأخت من ذلك في الإنكار ثلاثة الاثمان من أجل العول - وذلك سبعة وعشرون ، وفي الإقرار ثلث ما بقي بعد حظ الزوج وحظ الأم - وهو التسع - وذلك ثمانية ، فتبرأ تبسعة عشر وذلك ما بين حظيها في الإقرار والإنكار ، فيقول الزوج لي من هذه التسعة عشر التي برئت بها الأخت تسعة ، لأنها إذا أقرت بالأخ فقد أقرت لي أنه بقي لي من حقي تسعة ، فأنا آخذها من تسعة عشر ، لأني مقر بالأخ كما أقرت به ؛ ويقول الأخ : لي من هذه التسعة عشر التي برئت بها الأخت ستة عشر الواجبة لي في الإقرار ، فأنا آخذها منها فوجب أن تقسم التسعة عشر بينهما على حساب عول الفرائض ؛ كما بين رجلين يدعي أحدهما منه تسعة أجزاءه من تسعة عشر ، والثاني ستة عشر جزءاً منه من تسعة عشرة ، فيضرب فيها الزوج بتسعة ، والأخ بستة عشر ، فيجب منها للزوج تسة وأربعة أخماس وخمس خمس ، وللأخ المقر به اثنا عشر وأربعة أخماس خمس ، هذا على قول ابن القاسم في هذه المسألة وهو المشهور من مذهب مالك ؛ ويجب من التسعة عشر للزوج على قياس القول

(14/260)


الثاني وهو المشهور من مذهب ابن القاسم ستة ، وللأخ ثلاثة عشر ؛ والوجه في ذلك ، أن الزوج يقول : لي من التسعة عشر تسعة ، فقد سلمت لك العشرة ، ويقول الأخ للزوج لي من التسعة عشر - ستة عشر ، فقد سلمت لك الثلاثة ، فيأخذ كل واحد منهما ما سلم له صاحبه منها ، للزوج ثلاثة ، وللأخ عشرة ، ويبقى من التسعة عشر ستة ، يتداعيان فيها فتقسم بينهما بنصفين ، فإن أقرت الأم يوماً ما بالأخ برئت إليه وإلى الزوج بما ازدادته في الإنكار على الإقرار ، وذلك ستة وهو نصف السدس ، فتقسم هذه الستة بينهما
على قدر ما بقي من حقوقهما في أن كل واحد من القولين ، فيستوفي كل واحد منهم بذلك جميع حقه الواجب له على الإقرار - الزوج ستة وثلاثون ، والأم اثنا عشر ، والأخت ثمانية ، والأخ ستة عشر ، وبالله التوفيق .
ومن نوازل سئل عنها سحنون
وسئل سحنون عن رجل يسافر بامرأته فينزل على الرجل في قريته ومعه أم ولد له حامل وامرأة ضيفة حامل ، فتضان في ليلة فيختلط الصبيان ، فلا يعرف كل واحد منهما ولده ، يدعي كل واحد منهما صبياً منهما بعينه ، لأنهما قد اختلطا ولا يعرفان ، هل تدعى لهما القافة ؟ فقال نعم تدعى لهما القافة .
قال محمد بن رشد : قوله في هذه المسألة فيدعي كل واحد منهما صبياً منهما يقول هذا ولدي ، ويقول الآخر هذا ولدي يريد الصبي الآخر ؛ مناقض لقوله في أول المسألة فلا يعرف كل واحد منهما ولده ، ولقوله في أخرها وكلاهما لا يدعي منهما صبياً بعينه ، لأنهما قد اختلطا ولا يعرفان ؛

(14/261)


ولا تخلو المسألة من ثلاثة أحوال ، أحدها أن يدعي كل واحد منهما صبياً منهما بعينه غير الذي ادعاه صاحبه . والثاني أن يدعيا جميعاً واحداً منهما بعينه ، وينكر كل واحد منهما الآخر وينفيه عن نفسه .
والثالث ألا يدعي واحد منهما أحدهما ، فيقول لا ادري أيهما ولدي ؟ فأما إذا ادعى كل واحد منهما واحداً منهما بعينه ونفي الآخر عن نفسه فالواجب أن يحلق بكل واحد منهما من ادعاه منهما ، فينبغي أن يحمل قوله في الرواية فيدعي كل واحد منهما صبياً منهما : يقول هذا ولدي ، ويقول الآخر هذا ولدي ؛ على أن معنى ذلك : يقول كل واحد منهما لصبي منهما بعينه أنا آخذ هذا الصبي فأتبناه ويكون ابني ، ولا أعلم إن كان ابني أم لا ؟ لأن إرادة كل واحد منهما تبني كل واحد منهما من غير أن يعرف إنه ابنه ودعاؤه إلى ذلك لا معنى له ؛ والوجه في ذلك أن تدعى له القافة كما لو لم يدع إلى ذلك ولا إرادة ؛ وأما إذا ادعيا جميعا واحدا منهما بعينه ، فقال هذا هو ابني ونفي الآخر عن نفسه ، فالواجب في ذلك عندي على أصولهم أن يدعى له القافة أيضاً ، إذ ليس لهما أن ينفيا الآخر جميعاً عن انفسهما وقد علم إنه ابن أحدهما ، والذي ادعياه جميعا ليس أحدهما أولى به من صاحبه ، كالامة بين الرجلين يطآنها جميعاً في طهر واحد ، فتأتي بولد فيدعيانه جميعاً ؛ وقد وقع لسحنون في أول نوازله من كتاب الشهادات مسألة من هذا النوع لم يقل فيها إنه تدعى له القافة ، كما قال في هذه ، فمن الشيوخ من كان يحمل ذلك على إنه

(14/262)


اختلاف من قوله ، ومنهم من كان يقول هذه تفسير لتلك ؛ ويجب على مذهبه أن تدعى له القافة في المسالتين جميعاً ؛ ومنهم من كان يفرق بين المسالتين بما ذكرته هناك - وهو أولى الأقوال عندي ، فلا اختلاف على المذهب في وجوب الحكم بالقافة في هذه المسألة ، ولا يقام منها الحكم بالقافة في أولاد الحرائر - وإن كان قد اختلف في ذلك ، لا ما اعتل به في التفرقة بينهما - وهو قوة فراش أحد الزوجين ما ذكرناه في سماع أشهب ، معدوم في هذه المسألة ، إذ لا مزية لأحد الفراشين على الآخر لصمتهما جميعاً ، وبالله التوفيق .
مسألة
قيل له أرأيت لو أن صبيا ادعاه مسلم ونصراني ، فقال المسلم هو عبدي ، وقال النصراني بل هو ولدي ؛ قال يقوم على النصراني النصف الذي يدعيه المسلم ويكون عتيقاً على النصراني ، لأنه حين أقر إنه ابنه ، فقد أقر إنه حر ، وصارت الخصومة بين مسلم ونصراني ، قومناه على النصراني واعتقناه عليه .
قال محمد بن رشد : قوله إنه يقوم على النصراني النصف الذي يدعيه المسلم يريد بعد أيمانهما ، لأن معنى المسألة ، انهما تداعيا فيه وهو بأيديهما جميعاً وليس بيد واحد منهما ، فإن حلفا جميعا ، أو نكلا جميعاً ، كان الحكم فيه عندي ما ذكر ؛ وإن نكل النصراني وحلف المسلم ، كان عبداً له وبطل دعوى النصراني فيه ؛ وأن نكل المسلم وحلف النصراني ، كان ابناً له على ما ادعاه وحلف عليه ؛ ولو كان العبد بيد أحدهما ، لكان القول قوله مع يمينه فيما يدعيه من إنه عبده أو ابنه ؛ وليس قوله إذا حكم بالعبد بينهما على ما يدعيانه بان نصف النصراني منه يكون حراً ، بمعارض للمسألة التي بعدها في قوله فيها : ولا يدخل عليه من عتقهم ما فيه مضرة على أخيه ؛

(14/263)


والفرق بين المسألتين : أن هذه لم يتقدم إقراره بالملك فيها لشريكه قبل إقراره بما يوجب عليه العتق في نصيبه ، ولا علم ذلك ببينة ، وتلك تقدم إقراره فيها بالملك لأخيه ، ولذلك لم يجز أن يعتق عليه حظه بإقراره إنه ابنه - والله أعلم .
وأما قوله إنه يقوم على النصراني النصف الذي يدعيه المسلم ، فهي مثل قول أصبغ في نوازله من كتاب الشهادات في الرجلين يشتريان العبد ثم يشهد أحدهما على البائع إنه أعتقه ، إنه يعتق عليه حظه ويقوم عليه حظ شريكه ؛ خلاف قول سحنون في المسألة التي بعد هذا ، فأراد أن يخرج هذا حراً عن غيره ، فلا يكون عليه ضمان ، لأن ذلك بين أن الضمان لا يكون إلا على من اعتق عن نفسه ؛ وقول سحنون فيها ولا يدخل عليه من عتقهم ما فيه مضرة على أخيه ، خلاف قول عبد العزيز بن أبي سلمة في أول سماع ابن القاسم من كتاب الشهادات ، وقول المغيرة في نوازل سحنون منه في أحد الورثة يشهد على الموروث إنه اعتق عبده ، إنه يعتق عليه حظه منه ، ولا يقوم عليه حظ إشراكه ، وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل سحنون عن رجل يهلك ويترك ولدا واحدا ، فيقول الولد لثلاثة من ولد خدم أبيه : هذا أخي ، لا بل هذا أخي ، لا بل هذا ؛ وكان كل واحد منهما لام ليس له منهم أخ شقيق ؛ قال الأول حر وقد أقر له بنصف الباقيين ونصف المال ، فلا أرى إقراره في هذين الباقيين بالذي يبطل حق المقر له الأول ، ولا يدخل عليه من عتقهم ما فيه مضرة على أخيه ؛ لأنه ليس بمعتق فيضمن ، وإنما

(14/264)


اغترى إبطال سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيمن اعتق شركاً له في مملوك ، فأراد أن يخرج هذا حراً عن غيره ، فلا يكون عليه ضمان ، وليس من سنة المسلمين أن تجوز شهادة واحد في عتق ولا يلحق بذلك نسب المقر له الأول .
قال محمد بن رشد : قوله في هذه المسألة إن الأول حر وقد أقر له بنصف الباقيين ( وبنصف المال ) صحيح لا إشكال فيه ولا اختلاف ، وكذلك قوله بعد ذلك فلا أرى إقراره في هذين الباقيين بالذي يبطل حق المقر له الأول . وأما قوله ولا يدخل عليه من عتقهم ما فيه مضرة على أخيه لأنه ليس بمعتق فيضمن ، وإنما اغترى إبطال سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم – فيمن اعتق شركاً له في مملوك ، فأراد أن يخرج هذا حراء عن غيره ، فلا يكون عليه ضمان ، ففي ذلك ثلاثة أقوال ، أحدها هذا إنه لا يعتق عليه حظه ولا يقوم عليه حظ أخيه للعلة التي ذكرها ، وهو قول مالك في المدونة وغيرها في أحد الورثة يقر لعبد أن الذي ورثوه عنه أعتقه ، إذ لا فرق بينهما في المعنى ؛ إلا إنه يستحب له أن يبيع نصيبه منه فيجعله في عتق ، فإن اشتراه بعد ذلك ( أو ملكه ) بوجه من الوجوه ، اعتق عليه ، لإقراره إنه حر .
والثاني إنه يعتق عليه حظه ولا يقوم عليه حظ أخيه وهو قول عبد العزيز بن أبي سلمة في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الشهادات ، وقول المغيرة في نوازل سحنون منه والثلث إنه يعتق عليه نصيبه ويقوم عليه نصيب أخيه ، وهو قول أصبغ في

(14/265)


نوازله منه أيضاً قاله في الرجلين يتشريان العبد ثم يشهد أحدهما على البائع إنه اعتقه ، إذ لا فرق بين هذه المسائل كلها في المعنى ، ولكل قول منها وجه قد مضى بياه في آخر أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الشهدات ؛ ورأيت لابن دحون إنه قال ( في هذه المسألة ) مذهب عبد العزيز بن أبي سلمة فيها أن المقر به الثاني يعتق على المقر ويدفع إلى الذي أقر به أولاً نصف قيمته ، وكذلك المقر به أخراً ؛ ثم يلزم المقر أن يدفع إلى الثاني نصف ما في يديه ، ثم يدفع إلى الثالث نصف ما بقي في يديه أيضاً ؛ وذلك عندي كله غير صحيح ، لأن قول عبد العزيز بن أبي سلمة إنما هو أن يعتق عليه حظه منه ، ولا يقوم عليه حظ أخيه ؛ وأما قوله وكذلك المقر به أخراً ، يريد أن المقر به أخراً على مذهب عبد العزيز بن أبي سلمة يعتق عليه أيضاً ويضمن نصف قيمته إلى كل واحد من الأول والثاني ، لأن كل واحد منهما يقول لها : قد أقررت لي إنني أخوك ، وأن هذا العبد الذي أقررت به الآن ، وجب أن يعتق عليك ، هو بيني وبينك ، وأم اقوله ثم يدفع إلى الثاني نصف ما في يديه - يريد مما ورثه سوى العبد ، فهو قول سحنون بعد هذا فيما يشبه هذه المسألة ؛ والصحيح أن يدفع إليه النصف الثاني مثلما دفع إلى الأول ، لأنه يقول هل قد أقررت لي أني أنا أخوك الأول ، فادفع إلي نصف المال ، وقد حكاه سحنون عن بعض أصحابه ؛ وكذلك قول ابن دحون ثم يدفع إلى الثالث نصف ما بقي في يديه ، الصحيح فيه أن يدفع إليه أيضاً نصف المال ، مثل ما دفع إلى الأول وإلى الثاني ؛ لأنه يقول له قد أقررت لي إني أنا أخوك دون الأول ودون الثاني ، وبالله التوفيق .

(14/266)


مسألة
قيل له فإن كانوا كلهم لام واحدة واقر لاكبرهم ، قال فإن الأول المقر له حر ، وأمه وأ×واه الباقيان أحرار وما بقي من المال فللمقر له الأول نصفه ، لأنه لما أقر بالولد ، فكأنما أقر بامه إنها أم ولد لأبيه ولأخويه انهما حران ، وليس للأخوين من الميراث شيء ، ولا يلحق واحد منهم بالنسب ؛ قيل له فلو أقر لاصغر ولدها ، فقال إذا يكون حراً وتكون أمه حرة ، وكان له نصف الباقيين وعتق عليه مصابته منهما ، وارى أن يعتق على المقر المستلحق لأخيه نصف الباقيين ، لأن النصف الأول إنما عتق بسببه وإقراره ، فلذلك اعتقت عليه ما صار له منهما ، كالرجل يعتق نصف عبده فيعتق عليه ما بقي منه .
قال محمد بن رشد : هذا كله كما قال ، وإنما قال ؛ إذا أقر لأصغر ولده يعتق ، وكان له نصف الباقيين إنه يعتق عليه مصابته منهما من أجل أنهما أخوته لامه ، فلا يصح له ملكهما ، وقد بين وجه الذي رأى به أن يعتق على المقر حظه منهما بما لا مزيد عليه ؛ ولو كان له فيهما شريك غيره ، مثل أن يكونا اخوين فأقر أحدهما لأصغر أولاد امة أبيه إنه أخوه ، فيعتق على المقر له حظه منهما ، وهو الثلث منهما ؛ لعتق عليه أيضاً هو حظه منهما ، إذ لا ضرر على أخيه في ذلك إذ قد دخله العتق ؛ بخلاف إذا لم يدخله عتق ، لا يعتق على

(14/267)


المقر حظه منه بإقراره له بما سبب عتقه ، كما لا يعتق عليه حظه منه بإقراره أن غيره اعتقه - على ما مضى فروق هذا من قوله ، خلاف ما ذكرناه من مذهب عبد العزيز بن أبي سلمة واصبغ ، وبالله التوفيق .
مسألة
قيل له فلو إنه أقر لثلاثة أجنبيين ليسوا أولاد خدم أبيه ، فقال هذا أخي ، لا بل هذا أخي ، لا بل هذا أخي ؛ فقال يكون للأول المقر له نصف ما ورث عن أبيه ، ويكون للثاني نصف النصف الذي بقي في يديه ، فيصير له منه الربع ، ويكون للثالث نصف الربع الذي بقي في يديه ، قال سحنون وقد قال فيها بعض أصحابنا إنه يغرم للثاني مثل ما صار للأول ، ويغرم للثالث مثل ما صار للأول ؛ لأن كل واحد منهما يقول أنت - أتلفت علي مورثي .
قال محمد بن رشد : القول الذي حكاه سحنون عن بعض أصحابه ، أصح في النظر من قوله ، للعلة التي ذكرها من إنه قد اتلف على كل واحد منهما حقه بإقراره به لغيره ؛ وعلى هذا يأتي قول ابن القاسم في رسم يوصي لمكاتبه من سماع عيسى من كتاب الدعوى والصلح في الذي يقر بالعبد لرجلين ، فيدعيه كل واحد منهما لنفسه خالصاً ، أن المقر يحلف إنه ما يعرفه لأحدهما - خالصاً ؛ فإن نكل عن اليمين ، حلف المقر لهما وأغرماه قيمة العبد ؛ وعلى قول سحنون في هذه المسألة لا يمين على المقر بالعبد لرجلين ؛ ووجه قول سحنون إنه إنما أقر له بما في يديه وبما في يدي

(14/268)


الذي أقر له قبله ، فاشبه ذلك الوارث يقر بوارث ، فلا يلزمه أن يدفع إليه إلا ما يجب له مما بيده ، لأنه إنما أقر له بما في يديه وفي يديه غيره من الورثة ، وليس هو مثله ، إذ لم يتلف هو ما صار بيد غيره من الورثة ، وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل سحنون عن رجل له ثلاثة اعبد إخوة للام أو مفترقين ، فقال السيد في مرضه : أحد هؤلاء ابني ، فغفل عن ذلك حتى مات السيد الذي أقر بالابن ، فقال إن كانوا لام ، فالولد الأخير حر ، والي يليه يعتق منه ثلثاه ، والذي يليه يعتق منه ثلثه ؛ ولا يثبت له نسب واحد من الولد ولا يرثه ؛ وأن كانوا مفترقين ، فإن القول بيد الرسول ، وأكثر الرواة أن محمل هذا عندهم ، كرجل قال أحد عبيده حر ، وقال المخزومي يعتب من كل واحد ثلثه ، ويرق ثلثاه ؛ وقال آخرون يعتق واحد من الثلاث بالقرعة ، لأنه لما كان مجهولاً يعتق بحكم الوصية فقط ، وقد قيل إنه يقرع بينهم وأن كانوا الأم .
(
قال محمد بن رشد ) : إنما قال إذا كانوا لام إنه يعتق الأصغر ، ومن الأوسط ثلثاه ، ومن الأكبر ثلثه ؛ لأن الصغير حر على كل حال ، والأوسط يجب له العتق في حالين ، والرق في حال ، والكبير يجب له الرق في حالين ، والعتق في حال . وقوله وقد قيل إنه يقرع بينهم وأن كانوا لام ، إنما معناه إنه يقرع بين الأكبر والاوسط ، لأن كل واحد منهما يحتمل أن يكون أصابه العتق ، وأن يكون لم يصبه ؛ وأما الأصغر فهو حر على كل حال ، لا يصح أن يختلف فيه ؛ وأن كان ظاهر الرواية خلاف ذلك ،

(14/269)


فتأول على هذا وهو تأويل سائغ ، لأن الابنين جماعة ، فيحتمل أن يصرف ضمير الجمع في قوله بينهم - إليهما دون الثالث ، وياتي على ما قال بعد هذا في الذي قال عنده موته : إن فلانة جاريته ولدت منه ، أن الأكبر والاوسط يعتقان جميعاً أيضاً من ناحية الشك ، إذ لا يصح للورثة تملك واحد منهما وهو لا يعلم أن كان عبداً أو حراً ، وهو اظهر - والله أعلم - من أن يقرع بينهما ، لأن القرعة لا ترفع الشك ، وهي في القياس غرر ، فلا ينبغي أن تستعمل إلا حيث وردت في السنة ؛ ومن أن يعتق من الأكبر ثلثه ، ومن الأوسط ثلثاه ؛ لانا نحيط علماً أن الميت لم يرد ذلك ، إذ لا يحتمله لفظه ، فهذا القول اضعف الأقوال ، ويتخرج في المسألة قول رابع وهو أن يكونا جميعا عبدين ، لاحتمال أن يكون الميت لم يرد واحداً منهما وإنما أراد الاصغر ، فلا يعتق واحد منهما إلا بيقين على القول بان الشك لا يؤثر في اليقين .
وقوله أنه لا يثبت نسبه صحيح لا اختلاف فيه ، إذ لا يصح أن يحكم بثبوته لواحد منهم بشك وأما قوله إنه لا يرثه واحد منهم ، ففيه نظر ؛ والذي يوجبه النظر في ذلك عندي أن يكون حظهم من الميراث بينهم على القول بانهم يعتقون جميعاً على ما قاله بعد هذا في المسألة التي ذكرناها وهو الصحيح ، إذ قد صح الميراث لأحدهما ولا يدري لمن هو منهم ؛ فإن تداعوا فيه فادعاه كل واحد منهم ، قسم بينهم بعد إيمانهم ، أن حلفوا جميعاً ، وكذلك إن نكلوا جميعا ، وأن حلف بعضهم ونكل بعضهم عن اليمين ، كان الميراث للحالف منهم دون الناكل ؛ وكذلك أن لو قالوا لا علم لنا ، كان الميراث بينهم

(14/270)


بعد أن يحلف كل واحد منهم أنه لم يعلم من أراد الميت منهم على الاختلاف في لحوق يمين التهمة ، لأنها يمين التهمة في هذا الموضع ؛ وأن اعتق بعضهم ، كان لمن اعتق حظه من الميراث ، ويوقف حظ من لم يعتق ؛ فإن عتق أخذه ، وأن مات قبل أن يعتق رد على الورثة ؛ وأما إذا كانوا مفترقين ، فهو بمنزلة إذا قال أحد عبيدي حر ، ثم مات قبل أن يسئل ايهم أراد ، لأن معنى قوله في الرواية فغفل عن ذلك حتى مات ، أي غفل أن يسئل ايهم أراد أنه ابنه حتى مات ، وفي ذلك ستة أقوال ، أحدها أنه يقرع بينهم فما خرج السهم عليه منهم عتق . والثاني أن العتق يجري فيهم فيعتق ثلث كل واحد منهم إن كانوا ثلاثة ، وربعه أن كانوا أربعة ، أو كانوا أكثر من ذلك على هذا القياس . والثالث أن الورثة ينزلون فيهم بمنزلة الميت يعتقون منهم ايهم شاءوا . والرابع إنهم يعتق ثلثهم بالسهم أن كانوا ثلاثة ، وربعهم بالسهم أن كانوا أربعة ، وكذلك أن كانوا أقل أو أكثر . والخامس أن الورثة يخيرون إن اتفقوا ، فإن اختلفوا اقرع بينهم .
والسادس أن الورثة يخيرون ، فإن اختلفوا جرى العتق في عددهم ، والثلاثة الأقوال الأول لابن القاسم ، والرابع لمالك ، والخامس والسادس لسحنون ، وكلها في كتاب العتق من العتبية ، وفي المسألة قول سابع إنهم يعتقون كلهم من أجل الشك ، إذ لا يسوغ للورثة تملك واحد منهم ، لاحتمال أن يكون هو الذي عنى الميت على ما ذكرناه ، ويؤيد هذا القول ما روي أن عبد الله بن عمر قال يفرق بالشك ، ولا يجمع بالشك ؛ ويتخرج في المسألة قول ثامن وهو أن يوقف الورثة عن جميعهم إلا أن يموت واحد منهم أو يعتقوه ، فلا

(14/271)


يحكم عليهم في الباقين بعتق ، وإنما يؤمرون به ولا يجبرون عليه ؛ وهذا على قياس القول بان الشك لا يؤثر في اليقينن ولا يثبت نسب واحد منهم ، ويكون الحكم في الميراث على قياس ما تقدم ، وبالله التوفيق .
( مسألة )
وسئل سحنون عن رجل مات وترك أمه وأخاه ، فقالت الأم لرجل هذا اخو ولدي الميت ، وأنكر الأخ الوارث أن يكون أخاه ، قال ترجع الأم إلى السدس ويكون للاخ الثلثان ، ويصير للمستلحق السدس الذي أقرت به المرأة - تمام الثلث ؛ ويقال للأخ أتقر بما ( أقرت به ) المرأة أم الميت ؟ فإن اقر به ، كان له نصف ما في يدي المستلحق ، ويدخل معه المستلحق فيأخذ نصف ما في يديه ، وإن أنكر وقال ليس أخي ، كان نصف السدس موقوفاً ، لا يأخذه أبداً إلا أن يقر أنه أخوه ؛ لأنه منكر وهو يدفع نصف السدس عن نفسه ، يقول ليس لي فيه حق ، فكيف ادفع إليه شيئا هومقر أنه ليس له فيه حق ؛ وكذلك الرجل يدخل على المرأة ويرخي عليها الستر فيطلقها الزوج ويقول قد وطئتها ، وتقول المرأة ما وطئني ، أنه يقال للمرأة قد اقر لك بجميع الصداق ، فإن اقررت بالوطء فخذين وإلا لم يكن لها إلا نصف الصداق ، لأنها تدفعه عن نفسها وتقول ليس لي إلا نصف الصداق - إذا لم تقر بالوطء ، وقد أخطأ من قال إن للمستلحق نصف السدس ، والنصف للأخ الثابت ، وإن

(14/272)


أنكر أن المستلحق ليس أخاه .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة فيها ثلاثة أقوال ، أحدها أن السدس الذي برئت به الأم لاقرارها بالاخ يكون له ، روي هذا القول عن مالك وعليه الجماعة من أصحابه ، وهو قول جميع الفراض ، واظهر الأقوال ، لأن المقر به يقول قد جحدني الأخ الثلث ، فكيف يوقف لي شيء من السدس الذي برئت به الأم ، وهو اختيار ابن المواز . والقول الثاني أن السدس الذي برئت به الأم يكون بين المستلحق والأخ الثابت النسب ، قال أصبغ لأنه يقول ما برئت به الأم فانا أحق به ، إذ لا وارث معي ؛ ويقول المستلحق بل هو لي فيقسم بينهما ، ووجه ثان أن الأم لم تحجب عن الثلث إلى السدس إلا لهما جميعاً ، فوجب أن يكون بينهما . والقول الثالث قول سحنون هذا أن السدس الذي برئت به الأم يكون نصفه للأخ المستلحق ، والنصف الآخر موقوفاً لا يأخذه الأخ ، إلا أن يقر بما أقرت به الأم ، فيأخذه ويرفع نصف ما بيده – وهو اضعف الأقوال ؛ لأنه إذا كان لا يأخذ نصف السدس إلا أن يعطي أكثر منه ، فلا معنى لتوقيفه ، ولا يشبه مسألة الصداق التي نظرها بها ، لأن المرأة انكرت ما اقر لها به الزوج ، فوجب أن يكون لمن رجع منهما – أولاً إلى تصديق صاحبه – على قول سحنون في هذه المسألة – أنه يقال للمرأة قد اقر لك بجميع الصداق ، فإن أقرت بالوطء فخذيه ، وإلا لم يكن لك إلا نصف الصداق .
وقوله هذا يبين ما لابن القاسم في ( كتاب ) إرخاء الستور من المدونة ، ( لأن له في كتاب الرهون ) مثله ، وهو قول أشهب ( في كتاب إرضاء الستور ) من المدونة ! ولسحنون بعد هذا في هذه النوازل ، خلاف قوله هذا إن لها أن تأخذ

(14/273)


ما أقر لها به - وإن كانت مقيمة على الإنكار ، وقيل إنه لا يحكم لها بأخذ ما أقر لها به - وإن رجعت إلى قوله وصدقته ، إلا أن يشاء أن يدفع ذلك إليها - قاله ابن القاسم في سماع عيسى من كتاب النكاح ومن كتاب الدعوى والصلح ، ولا يدخل شيء من هذا في مسألتنا ، لأن الأخ لم ينكر إقرار الأم به ، ولو أنكر ذلك ، لكان الحكم فيه كالحكم في مسألة الصداق وما يشبههما من المسائل لكون السدس الذي برئت به الأم موقوفاً يأخذه من رجع منهما - أولاً إلى تصديق صاحبه ، ويدخل في ذلك الاختلاف الذي ذكرناه ، وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل سحنون عن رجل قال مات أخي ( فلان ) وترك ألف دينار - وهو اخوك أيضاً . قال الألف بينهما بنصفين .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال ، وهو مما لا اختلاف فيه في المذهب إذ لا وارث ( له ) غير الذي أقر به ، والمخالف في ذلك الشافعي يقول لا يلزمه أن يعطيه شيئا بحكم ، إذ لم يثبت النسب بقوله - وهو بعيد ، وبالله التوفيق .
مسألة
قيل له : فلو أن رجلاً مات وترك ولدين فأقر أحدهما بأخ وأنكر الآخر ، فقال يكون للمقر له في سهم المقر ما كان يصير له في سهمه ، قيل له : فإن مات المقر له ، فقال يرثانه جميعاً : المقر به

(14/274)


والمنكر له وهو بمنزلة رجل قال أخي مات ( وترك ألف دينار ) . وهو أخوك أيضاً أن الألف دينار بينهما ؛ قيل له فإن مات المقر ، فهل يرثانه جميعاً المقر له والمنكر ( له ) فقال لا يرثه المقر له ، وإنما يرثه أخوه ومن كان من نسبه ، وهو بمنزلة رجل كان لرجل عليه بينة أنه اعتقه - واقر لرجل أنه أخوه ، فإن إن مات ورثه مولاه الذي عليه بينة ، ولا يرثه الذي أقر وإن مات ولا نسب له ورثه المقر له .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة تشتمل على أربع مسائل ، وقوله في أول مسألة منها يكون للمقر له في سهم المقر ما كان يصير له في سهمه ، هوالمشهور في المذهب المعلوم من قول مالك وأصحابه وقد مضى في رسم العتق من سماع عيسى ما في ذلك من الاختلاف ، وتحصيل القول فيه ، فلا معنى لإعادته . وقوله في المسألة الثانية قيل فإن مات المقر له قال : يرثانه جميعا المقر به والمنكر له ، يرد قوله في المسألة التي قبل هذا في الصداق أن المرأة لا تأخذ جميعه إلا أن تقر بما أقر به الزوج من الوطء ، وقد مضى ذكر الاختلاف في ذلك ، فلا معنى لإعادته . وقوله وهو بمنزلة رجل قال مات أخي وترك ألف دينار وهو أخوك أيضاً أن الألف بينهما ، تنظير غير صحيح ، لأن الألف لا تكون بينهما إلا أن يقر بأنه أخوه ؛ وأما إن أنكر فهي مسألتنا بعينها ، فلا وجه للاحتجاج بها عليها . وقوله في المسألة الثالثة : قيل له فإن

(14/275)


مات المقر ، فهل يرثانه جميعاً المقر له والمنكر له ، قال لا يرثه المقر له وإنما يرثه أخوه ومن كان من نسبه ، صحيح لا اختلاف فيه ، لأن نسب المقر به لا يثبت بإقرار المقر به ، إلا أن يكون الذي أقر به رجلين عدلين ، فلا يرث المقر به إقراره به بإجماع ، وقوله وهو بمنزلة رجل كان لرجل عليه بينة أنه اعتقه واقر لرجل أنه أخوه وانه إن مات ورثه مولاه الذي عليه البينة ، ولا يرثه الذي أقر ، تنظير غير صحيح ، لأنها هي المسألة بعينها ، فلا معنى للاحتجاج بها عليها . وقوله في المسألة الرابعة وإن مات ولا نسب له ورثه المقر له ، خلاف المشهور من مذهبه في أن بيت المال مثل النسب القائم ، فلا يرث المقر به المقر وإن لم يكن له وارث معروف النسب ، مثل قول الجماعة أن المقر به يرث المقر إذا لم يكن له وارث معروف بنسب ولا ولاء ، وبالله التوفيق .
مسألة
وقال سحنون في ابن الملاعة يهلك ويترك ابنة وعصبة ، ثم يستلحق الأب ابنة الميت ، قال تلحق الابنة بجدها ويرجع الجد على العصبة بالنصف الذي اخذوا من ميراث ولده .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال ، لأن استلحاقه لابنة الميت الذي لاعن به استلحاق منه لابنته ، فهي تلحق بجدها ، وهو مثل ما في المدونة من أن الملاعن له أن يستلحق ولده الذي لاعن به بعد أن مات ، ولا يتهم على أنه إنما استلحقه ليرثه إذا كان له ولد ، فكما لا يتهم مع الولد وإن كان يرث معه السدس ، فكذلك لا يتهم مع الابنة وإن كان يرث معها

(14/276)


النصف ؛ إذ قد يكون مال الذي ترك الولد الذكر كثيراً ، فيكون السدس منه أكثر من نصف مال الذي ترك الابنة ، وكذلك لو ترك الولد الذي لاعن به أو الابنة التي لاعن بها ولد ولد وإن سفل فاستلحقه ، بان يقول والد هذا ولدي وأنا جده ، أو استلحق ولده الذي لاعن به ، أو ابنته التي لاعن بها ، لأن استلحاقه لولده استلحاق لولد ولده ، واستلحاقه لولد ولده على الوجه التي ذكرت لك استلحاق لولده ، وليس له إني لحق بولده ولداً ولداً هو له منكر ؛ وإذا استلحق واحداً منهما ، حد على كل حال ، وقيل إنما يحد إذا كان لعانه على نفي الحمل ، وأما إذا كان لعانه على الرؤية أو على نفي الولد أو على نفي الولد مع الرؤية فلا حد عليه ، لأن لعان الرؤية باق وإن استلحق الولد ، وبالله التوفيق .
مسألة
قيل أرأيت رجلاً أقر عند موته أن فلانة جاريته ولدت منه ، وأن ابنتها فلانة ابنتي وللأمة ابنتان سوى التي أقر بها ، فمات ونسيبت البينة اسمها - ( ولم يجحد الورثة ذلك ، فقال : إذا أقرت الورثة بذلك - ولم ينكروه ، فهن كلهن أحرار ولهن الميراث - ميراث واحدة من البنات ، يقسم بينهن - ولا يلحق به نسب واحدة منهن ، قيل له : فإن لم يقر بذلك الورثة ولا نسيت البينة اسمها ) قال فلا عتق لواحدة منهن حين لم تعلم البينة أيتهن هي .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال ، لأنه إذا أقر لورثته بما شهدت به البينة ، كان ذلك بمنزلة إذا شهدت البينة أنه قال إحدى هؤلاء الثلاث ابنتي

(14/277)


- ولم يسمها لهم ، فالشهادة جائزة باتفاق . وقوله في هذه المسألة إنهن يعتقن كلهن ، خلاف قوله قبل هذا في هذه النوازل في الذي قال في مرضه في عبيد له ثلاثة : أحد هؤلاء ابني ولمي سال أيهم أراد حتى مات ؛ وقد مضى القول على ذلك مستوفى ، فلا معنى لإعادته ، وأما إذا جحدوا ، فقوله أنه لا عتق لواحدة منهن حين تعلم البينة أيتهن هي ، هو المشهور في المذهب : أن الشهادة باطلة إذا كان الميت قد سماها لهم ، أو عينها فنسي الشهود اسمها ، أو لم يثبتوا عينها ، وشكوا في ذلك ، وقد قيل إن الشهادة جائزة ، ويكون الحكم في ذلك بمنزلة إذا لم يسمها لهم ولا عينها ، وهو قوله في أصل الاسدية في مسألة كتاب الإيمان بالطلاق ، لأنه وقع فيها فشك الشهود ولم يعلموا أيتهن المطلقة التي قد دخل بها ، أو التي لم يدخل بها ، وقد فرق في ذلك بين أن تكون الشهادة في الصحة أو في المرض ؛ فيتحصل في ذلك ثلاثة أقوال ، أحدها أنا لشهادة جائزة في الصحة والمرض ، والثاني انهالا تجوز في الصحة ولا في المرض . والثالث إنها تجوز في المرض ولا تجوز في الصحة ، وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل سحنون عن الرجل تكون له المرأة ويكون له ولد ، فتزعم المرأة أن الغلام ولدها من زوج غيره ، ويزعم هو أن الغلام ابنه من امرأة غيرها ! فقال أرى - والله أعلم - أن يلحق الغلام بالزوج ، ويكون القول قوله ، ولا يقبل قول المرأة .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال ، وهو مما لا اختلاف فيه

(14/278)


- اعلمه - أن المرأة لا يجوز لها استلحاق ولدها ، بخلاف الأب ، لأن الولد إنما ينتسب إلى أبيه لا إلى أمه ، والأصل في ذلك قول الله عز وجل ( ادعوهم لآبائهم ) إلى قوله ( ومواليكم ) ، ولولا ما احكم الشرع من هذا ، لكان نسبة الرجل إلى أمه أولى من نسبته إلى أبيه ، لأنها اخص به من أبيه ، لأنهما اشتراكا بالماء ، واختصت هي بالحمل والوضع دونه ، وهذا أصل في أن الزرع في المزارعة الفاسدة لصاحب البذر ، لا لصاحب الأرض ، وبالله التوفيق .
مسألة
وقال سحنون في الرجل ينتفي من ولده بلعان أمه ، فيولد لولده ذلك ولد ، ثم يولد لولد الولد ابنة ، ثم يستلحقها الجد ؛ أن استلحاقه جائز ، وذلك إذا كان قد عرف نسب من استلحق ، لأن استلحاقه لولد ولده ، استلحاق لابنه ، ويرث بذلك ولاء الموالي .
قال محمد بن رشد : قد تقدم القول قبل هذا على هذه المسألة مستوفى ، فلا معنى لإعادته ، وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل سحنون عن مجوسي تزوج ابنته فولد له منها ولدان ، فأسلمت الأم والولدان ، ثم مات أحد الولدين ، فإن للام السدس ، وذلك لأن الميت ترك أمه - وهي أخته وأخاه ، فأعطيت الأم السدس ، لأنها تعد مكان أخت ، فهي تقاص نفسها بنفسها ، ثمن ثم أعطيت السدس .

(14/279)


قال محمد بن رشد : قوله وأسلمت الأم والولد ، ثم مات أحد الولدين - يريد ولم يسلم الأب ، أو بعد أن مات ، لأنه لو مات أحد الولدين ، والأب حي قد اسلم - لكان الميراث له ، لأن الأب يحجب الأخوة كلهم ؛ ولو مات الأب وقد اسلم ، لكان الميراث بين ابنيه وابنته أمهما - أخماساً ؛ وقد اختلف إذا مات أحد الولدين والأب على مجوسيته ، أو بعد أن مات ؛ فقال سحنون هذه الرواية للام السدس ، لأنها أم وأخت ؛ فكان الميت قد ترك أما أختاً وأخاً ، فرأي لها السدس لأنها حجبت نفسها عن الثلث إلى السدس ، وأهل الفرائض يعطون في هذه الفريضة للام الثلث - وهو اظهر ، لأنها إنما ورثت على إنها أم ، ولم تورث على إنها أخت وأم ، فالغي كونهما أختاً مع كونها أما ، ويلزم سحنون على قياس قوله إذا لم يلغ كونها أختاً مع كونها أما ، حجبها نفسها عن الثلث إلى السدس - أن يورثها على إنها أخت ، وعلى إنها أم ، فيعطيها السدس من أجل إنها أم ، ويعطيها الثلث مع الأخ من أجل إنها أخت - وهذا مما لم يقولوه أنها تورث من وجهين ، وإنما الذي قالوه إنها تورث بالأقوى سبباً ، وإن كان حظها به أقل على ما قاله سحنون في هذه المسألة ؛ وأما على ما قاله أهل الفرائض فيها فيستوي حظها على إنها أم ، وعلى إنها أخت ؛ لأن للام مع الأخ الواحد الثلث ، وللأخت معه الثلث أيضاً ؛ ولو كان المجوسي لما تزوج ابنته ولد له منها ابن ، ثم مات الإبن بعد الأب ، أو قبل أن يسلم - فترك أمه وهي أخته أيضاً ، لورثت الثلث على إنها أم ، ولم تورث النصف على إنها أخت - وإن كان حظها على إنها أخت أكثر ، لأنه إنما يراعى قوة سببها لا كثرة حظها ، والأم أقوى سببا من الأخت ؛ لأنها ترث مع الأب والابن ، ولا ترث الأخت مع واحد منهما شيئا ، وبالله التوفيق .

(14/280)


مسألة
وسئل سحنون عمن باع أمة وابنا لها قد كانت ولدته عنده فأقام في يدي المشتري ، ثم ادعى البائع أنه ابنه ؛ قال إن كان حين ولد عنده لم يكن له نسب معروف ، فإن القول قوله ، وينفسخ البيع بينهما ، ويلحق به النسب ، وتكون به أم ولد ؛ قلت أرأيت أن أقام في يديه حتى ولد له في يد المشتري ، ثم جني عليه جناية خطأ فمات ، فادعاه البائع ؛ قال فالقول قوله إذا كان له ولد ، لأنه يلحق به النسب ، ولا يتهم أن يكون إنما رجا أن يجر المال إلى نفسه ؛ إلا ترى لو أن رجلا لاعن امرأته ولها ولد ، ثم ولد لذلك الولد ولد ، ثم جني على ابن الملاعنة ، فادعى أنه ابنه ؛ أنه يلحق به النسب ، ويثبت له الميراث ، ولا يتهم أن يكون إنما أراد أن يجر إلى نفسه الميراث ، وإنما يتهم إن لم يكن له ولد ، لأنه إذا لم يكن له ولد ، فإنما أراد أن يجر الميراث إلى نفسه .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال أنه لا يتهم في استلحاق الولد إذا كان له ولد وأن كان قد جني عليه جناية ( فمات منها ) يجب له باستلحاقه حظه من ديته ، إن كان ابنه حراً ، أو جميع الدية إن كان عبداً ، لأن استلحاقه حظه من ديته ، إن كان ابنه حرا ، أو جميع الدية إن كان عبداً ، لأن استلحاقه لولده بعد موته ، استلحاق لولد ولده ، واستلحاق النسب يرفع التهمة في الميراث على ما قاله في استلحاق الولد الذي لاعن به بعد أن جني عليه جناية مات منها ، لأن استلحاق ولد الولد يرفع التهمة عنه في ميراث ولده إن كان له مال ، وفي ديته إن كان قتل خطأ أو عمدا على القول بأنه مخير في العمد

(14/281)


بين أن يقتل أو يأخذ الدية ؛ وقد مضى قبل هذا في هذه النوازل في استلحاق الملاعن ولده بعد موته ما فيه بيان هذه المسألة ؛ وأما إذا استلحق الولد الي باع مع أمه وقد كان ولد عنده ولم يكن له نسب وهو حي ، فلا اختلف في أنه يلحق به ، ويفسخ البيع فيه ؛ ويرد إليه ولداً وأمه أم ولد - وإن كان الولد قد اعتق وينتقض العتق ، وقيل إنه لا ينتقض ، إلا أن يتهم في الجارية . بميل إليها ، أو زيادة في حالها ، أو يكون معدماً ؛ فيمضي بما ينوبها من الثمن ، ويرد الإبن بما ينوبه منه ، ويتبع به دينار في ذمته إن لم يكن له مال ؛ وقيل إنها ترد مع ابنها وأن اتهم فيها ، إلا أن يكون معدماً ؛ وقيل إنها ترد مع ابنها ، وإن كان معدماً ، ويتبع بالثمن ديناً في ذمته ، إلا أن يتهم فيها وكذلك إن باعها وهي حامل فولدت عند المشتري إلى ما يلحق في مثله الأنساب ، ولم يطأ المشتري ولا زوج ؛ وإذا رد الولد دون الأم لاتهامه فيه ، أو لعدمه على الاختلاف الذي ذكرناه في ذلك ، فيكون على البائع في الولد قيمته يوم يرد إليه ، وقد مضى القول على هذا مستوى في سماع يحيى من كتاب الاستبراء ، وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل سحنون عن رجل قال في ثلاثة أولاد من أمته : أحدهما ولدي قال الصغير منهم حر على كل حال ، لأنه إن كان المستلحق الكبير ، فالأوسط والصغير حران ، بحرية أمهم وإن كان الأوسط ، فالصغير حر أيضاً ؛ وإن كان الصغير ، فالكبير والأوسط عبدان ؛ فالصغير حر على كل حال ، وإنما الشك في الكبير والأوسط ولهما تفسير .
قال محمد بن رشد : قد تقدمت هذه المسألة والقول عليها

(14/282)


مستوفى ، فلا معنى لإعادته هنا مرة أخرى ، وبالله التوفيق .
ومن كتاب المدنيين
وسئل ابن القاسم عن أربع بنات استلحقت احداهن اخاً ، أو استلحقت أخا وأختاً ؛ قال أن استلحقت أخا لم يكن عليها غرم ، لأنه لو ثبت نسبه ، كان حقه فيما صار في يد العصبة ؛ ولو استلحقت أخا وأختاً نظر إلى أصل الفريضة لو كان الأخ معهم فاكمل لها ، ثم نظر إلى ما فضل في يديها فرددته ، فكان بين الأخ والأخت على فرائض الله ؛ لأن الأخ لو كان لا يدخل مع الأخت ، ثم كانت هي وارثة وحدها فكان لها النصف فأقرت باخ وأخت ؛ لا ينبغي أن يكون فضل ما تفضله أن لو ثبت نسبها للأخت دون الأخ حتى يستتم الثلثان ، فليس هو كذلك ؛ ولكن الإقرار بينهما جميعا يقتسمونه على فرائض الله ؛ واصل هذا أن ينظر ما لوث بت نسبه ببينة فكأن يكون بين جميع من ثبت له البينة على فرائض الله ، وكذلك كل من أقر لهم في فضل ما في يديه يرجع عليهم على فرائض الله ، وكل من أقر بشيء يكون ما أقر له ليس في يديه فضل أن لو ثبت نسبة فلا ينقص من حقه شيء ، ويكون حقه فيما ورث العصبة من ذلك ؛ هذا ما سمعت ، وهو مما لا اختلاف فيه ؛ وقال ابن كنانة ذلك للاخت دون الأخ ، لأن

(14/283)


حق الأخ فيما بين العصبة لم يصر إليها منه شيء ؛ قال ولو إنها إذا استلحقته كان معها قبل ذلك أخ قد كان ورث معها ، ثم استلحقت هذا بعد ؛ فإنه إذا يأخذ مما بيدها قدر ما ينوبه ، لأن له في يديها حقاً قل ذلك أو كثر ، من أجل الأخ الذي معها قبل ذلك .
قال محمد بن رشد : قوله في الأربع بنات إذا استلحقت احداهن أخا لم يكن عليها غرم ، لأنه لو ثبت نسبه كان حقه فيما صار في يدي العصبة هو المشهور في المذهب ، وقد مضى في رسم العتق من سماع عيسى ذكر الاختلاف في ذلك ، ووجه القول فيه ؛ فقوله في آخر المسألة في هذا : هذا ما سمعت ، وهو مما لا اختلاف فيه ، ليس بصحيح ، لما قد ذكرناه من الاختلاف في ذلك ؛ وأما قوله ولو استلحقت أخا وأختاً نظر إلى أصل الفريضة لو كان الأخ معهم - يريد لو كان الأخ والأخت معهم ، لأنها إنما أقرت بهما جميعا ، فما فضل في يديهما مما يجب لها على الإنكار لهما على ما يجب لها على الإقرار بهما ، كان بينهما للذكر مثل حظ الانثيين ؛ هذا قول ابن القاسم - وهو الصحيح في النظر ، بدليل ما احتج به في الرواية ؛ وظاهر قول ابن كنانة أن الفضل الذي يراه ابن القاسم بين الأخ والأخت ، هو الذي يراه هو للأخت دون الأخ ، وذلك مما لا يصح أن يحمل على ظاهره ، وإنما معناه أن ما فضل بيدها على الإنكار لهما جميعا على ما يجب لها على الإقرار بها وحدها يكون لها ؛ فمحصول قوله أن إقراره الواحدة من البنات الأربع بأخ وأخت ، كإقرارها بأخت لا أكثر سواء ؛ والذي في الواضحة أيضاً في هذا

(14/284)


مشكل ، وهذا بيانه ، إذ لا يصح في النظر خلافه ؛ وقول ابن كنانة هذا خلاف ما حكيناه عنه في رسم العتق من سماع عيسى من أن المقر به من الورثة برجع على من أقر به منهم أو على من أنكره ، على التفسير الذي ذكرناه هنالك ، فلا معنى لإعادته ، وبالله التوفيق .
من سماع محمد بن خالد من ابن القاسم
قال وسألت ابن القاسم عن المرأة تقر بعد وفاة زوجها ، إنها قد كانت احلت جارية لها لزوجها ، وأن ولدها هذا منه ، هل تعتق هي وولدها عليها ؟ فقال ابن القاسم نعم ولا تقوم عليه في ماله ، ويمنعها الولد من الربع ، لأنها استلحقته .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة صحيحة ، ورأيت لابن دحون أنه قال فيها والجارية لها مملوكة ، لأنها لما أقرت إنها إباحتها لزوجها فهو زنى يدرأ فيه الحد بهذه الشهبة ؛ ولو كان معها شاهدان بإقرار الزوج على ذلك ، لأخذت قيمتها من ماله ، وعتقت عن الميت ، لأنها أم ولده ؛ فإذا لم يكن إلا دعوى الزوجة ، فالجارية باقية على ملكها ، والابن حر ، ( بإقرارها ) إنها إباحتها لزوجها وتدفع ما أقرت له به وهو الثمن وليس ذلك عندي بصحيح ، بل قول ابن القاسم إنها تعتق هي وولدها عليها هو الصحيح ، ولا تقوم عليه في ماله ، إذ لا يعرف ذلك إلا من قولها ، فهي مدعية في القيمة ، لإقرارها أن الواجب أن تعتق عليه ، ويؤخذ منه لها القيمة ، وبالله التوفيق .

(14/285)


مسألة
قال وسألت ابن القاسم عن الأخوين يقران بأخ أنه أخوهما ولهما إخوة ، قال يثبت نسبه بشهادتهما .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال أن النسب يثبت بإقرارهما جميعا إذا كانا عدلين ، لأن النسب يثبت بشهادة شاهدين و شهادتهما جائزة ، إذ لا تهمة عليهما فيها ، وبالله التوفيق .
مسألة
وسألت ابن القاسم عن المولى عليه يستحلق أخا ايلزمه في ماله ما يلزمه غيره ؟ قال : لا .
قال محمد بن رشد : قوله ( أن ) المولى عليه إذا استلحق أخا لا يلزمه في ماله ما يلزم غيره ، ظاهره مثل المشهور من قول مالك أن المولى عليه لا تجوز أفعاله وإن كان حسن النظر ، إذا أطلق القول ولم يقيد ذلك بشرط أن يكون سيء النظر ، خلاف المشهور من قوله أن أفعاله جائزة إذا كان حسن النظر لنفسه - وإن كان مولى عليه ، وبالله التوفيق .
من مسائل نوازل سئل عنها أصبغ
قيل لاصبغ الرجل يقر للرجل أنه أخوه أو ابن عمه - وهو صحيح ( أو مريض ) وكيف لو أقر به أو استلحقه عند الموت ؟ فقال فلان وارثي ، أو فلان أخي ، أو فلان ابن عمي أو لا وارث لي

(14/286)


إلا فلان ؛ فقال إذا أقر الرجل بأحد هؤلاء الذين ذكرت في صحة أو مرض ، فإن كان له وارث يعرف من قرابته أو مواليه ، فلا يجوز إقراره ، ولا استلحاقه واحدا من هؤلاء من قريب ولا بعيد إلا الولد - ولد الصلب بخاصة ، فإن الرجل يستلحق في حياته وعند موته ولداً إذا زعم أنه ولد صلبه دنية ، ولا يتهم فيه - كان له ولد من صلبه غير الذي استلحق ، أو أخوه ، أو عصبة ، أو موالي ، فاستلحاقه جائز إذا زعم أنه ولد لصلبه ، قوله فيه مقبول ، وهو فيه مصدق ؛ وأما إذا كان له أخ وابن عم أو موالي أو عصبة معروفة ثابتة ، فاقر لرجل من الناس أنه أخوه ، أو ( أنه ) ابن عمه ، أو أنه ابن أخيه ، أو أنه وارثه ، أو أنه مولاه ؛ فاقراره باطل لا يجوز ، ولا يثبت له نسب ، والعصابة المعروفة من القرابة والموالي المعروفين ، أولى بالميراث من هذا المستلحق ، لا يحجب ولا يرث شيئا إذا كان ثم وارث معروف ؛ وليس بقوله أن هذا وارثه أو أخوه ، يحب أهل الميراث المعروفين عن حقهم ؛ لأن الأخ لا يستلحق ، ولا يستلحق إلا الولد دنية للصلب ؛ قال وهذا إذا كان له وارث ثم معروف ، فأما لو أن رجلا لا وارث له يعرف من قريب ، أو مولى نعمة ، فاقر بأخ أو ابن عم أو مولى أو أقر لرجل أنه وارثه ، أن إقراره جائز ، والمقر له له الميراث إذا أحاط به ، كان إقراره في صحة أو مرض ، لأنه لا يتهم ههنا أن ينزع الميراث من وارث معروف إلى هذا المقر

(14/287)


له الذي لا يعرف إلا بقوله ، فالميراث للمقر له المستلحق حتى يأتي وارث معروف النسب أو الولاء ، مثل ما لو أن رجلا لا وارث له يعلم ، فحضرته الوفاة فقال فلان أخي ، أو فلان وارثي ، أو ابن عمي ، أو مولاي اعتقني أو اعتق أبي ، كان ميراثه للمقر له ، إلا أن يأتي وارث يعرف ، أو
مولى ، فيكون أولى بالميراث من هذا المقر له ، وهذا المقر له أيضاً إذا لم يكن له وارث يعرف ، ليس يعطى المال على أن نسبه ثابت بإقرار الميت في صحة أو مرض ، نسبه ( غير ) ثابت على كل حال ، كان ثم وارث غيره أو لم يكن ، وإنما يعطي المال إذا لم يكن ثم وارث معروف بان الميت أقر بأنه أولى الناس بماله ، فبهذا يعطاه ، وليس بان نسبه ثابت باستلحاقه إياه ؛ قلت فإن أقر بهذا الرجل أنه وارثه – وله ورثة معروفون ، ولم يمت المقر حتى مات أوراثه المعروفون الذين كانوا يدفعون المقر له ، أيجعل المال لهذا المقر له ؟ قال نعم ، لأنه ليس له وارث معروف يدفعه ، فكأنه إنما أقر له الساعة ولا وارث له .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة صحيحة بينة على معنى ما في المدونة ، وما تقدم في رسم باع غلاماً من السماع ابن القاسم من هذا الكتاب ، وقد مضى من الكلام عليه - ما فيه بيان لهذه المسألة ؛ ورأيت لبعض أهل النظر أنه قال مساواة أصبغ في هذه الرواية بين أن يقول فلان وارثي ، أو فلان أخي ، أو فلان ابن عمي ، خلاف قول ابن القاسم في المدونة ، إذ لم يجز

(14/288)


شهادة الشهود للرجل أن فلانا مولاه دون تفسير حتى يقولوا مولاه اعتقه ؛ وليس مذهب ابن القاسم أن شهادتهم لا تجوز بحال حتى يقولوا اعتقه ، وإنما معناه إنها لا تجوز إلى سئلوا فابوا أن يفسروا ؛ فالواجب عنده أن يسئلوا عن تفسير ما به شهدوا ، فإن فات ولم يسالوا حتى فات سؤالهم ، جازت الشهادة ، بدليل قوله واقر الميت أن هذا مولاه ، أو شهدا على شهادة أحد أن هذا مولاه ؛ وأما أن يقولا هو مولاه ولا يشهدان على عتقه ، ولا على إقراره ، ولا على شهادة أحد ، فلا أرى ذلك شيئا ؛ وهو قول أشهب أنه إن لم يقدر على كشفهم حتى ماتوا جازت الشهادة ، وقضى بها في المال وغيره ، وسحنون لا يجوز الإقرار بحال ، لأن بيت المال عنده كالنسب القائم .
والذي أقول به في هذه المسألة على مذهب ابن القاسم إذا قال فلان وارثي فلم يفسر شيئا حتى مات ، أن يكون له جميع الميراث ، لأن الظاهر من قوله فلان وارثي ، أنه المحيط بميراثه ؛ وهذا فيمن يظن به أنه لا يخفى عليه من يرثه ممن لا يرثه ؛ وأما الجاهل الذي لا يعلم من يرثه ممن لا يرثه ، فلا يرثه بقوله فلان وارثي حتى يقول هو ابن عمي أو ابن ابن عمي ، أو ابن عم عمي ، أو ابن ابن عم عمي ، أو مولاي اعتقني ، أو اعتق أبي ، أو اعتق من اعتقني ، أو ( من ) اعتق أبي ، أو ولد من اعتقني ، أو ( من ) اعتق أبي ، أو من اعتق من اعتقني ، وما أشبه ذلك ؛ وكذلك إذا قال فلان أخي قاصداً بذلك إلى الأشهاد بالميراث ، مثل أن يقول أشهدكم أن هذا أخي يرثني ، إن مت ، ومثل أن يقال له هل لك وارث فيقول نعم هذا أخي ، وما أشبه ذلك ، وأما إن قال على غير سبب : هذا أخي ، أو فلان أخي - ولم يزد على ذلك ، فلا يرث من ماله إلا السدس ، لاحتمال أن يكون أخاه لامه ، ولو لم يقل هذا أخي ، ولا فلان أخي ؛ وإنما سمعوه يقول يا أخي يا أخي ، لم يجب له بذلك

(14/289)


ميراث ؛ لأن الرجل قد يقول أخي ، أخي - للرجل الذي لا قرابة بينه وبينه - يقر به بذلك إلا أن تطول المدة السنين بان يدعو كل واحد منهما ( صاحبه ) باسم الأخوة أو العمومة ، فيكون ذلك حيازة للنسب ، ويتوارثان بذلك ، ويشبه - على قول سحنون الذي تقدم له في نوازله - إلا يكون له الميراث بقوله فلان أخي ، أو فلان وارثي - حتى يفسر ، إذ قد قال - وهو المشهور من مذهبه - أنه لا ميراث له وإن فسر ، لأن بيت المال كالنسب القائم ، وبالله التوفيق .
مسألة
قلت فإن استلحق ولد ولد فقال هذا ابن ابني - وابنه ميت ، هل يلحق به إذا كان له وارث معروف ، كما يلحق به ابنه لصلبه ؛ قال محمد بن رشد : لا ، ولد الولد في هذا بمنزلة الأخ ، والصعبة ، والمولى ، لا يجوز له استلحاقه إذا كان له وارث معروف ، مثل ما أخبرتك في الأخ وغيره ، وذلك أن ابنه الذي زعم أن هذا ولده لو كان حياً فأنكر أن يكون ابنه ، لم يكن للجد أن يستلحقه ، ولا يلحق بولده ولداً هو له منكر ، ولا يلحق بالجد إلا أن يقر به الأب ؛ فلهذا لم يكن للجد أن يستلحق ابن ابنه ، كما يستلحق ابنه بصلبه .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال أنه لا يجوز للرجل إني لحق بولده ولداً هو له منكر ، وقد قيل إن الجد إذا استلحق ولد ولده لحق به ، لأنه مقر بنسب بنوة لحقت به ، حكى ذلك أبو إسحاق التونسي في كتابه ، وليس

(14/290)


ذلك بصحيح إلا على الوجه الذي نذكره ، وذلك أن استلحاق الجد على وجهين ، فإن قال هذا ابن ولدي ، أو ولد ابني ، لمي صدق ؛ وإن قال أبو هذا ابني ، أو والد هذا ابني صدق ؛ والأصل في هذا أن الرجل إنما يصدق في إلحاق ولد فراشه ، لا في إلحاق ولد فراش غيره ؛ وهذا ما لا ينبغي أن يختلف فيه ، وقد مضى في نوازل سحنون ما فيه بيان هذا ، وبالله التوفيق .
مسألة
قلت له فإن كان له ورثة موالي ، أو غير ذلك من الأوراث ، فقال لرجل من الناس : هذا أخي - وهو صحيح أو مريض ؛ هل يثبت نسبه ؟ قال نعم إذا كان الذي زعم أنه أبوه - مقراً له بذلك ، فإن نسبه ثابت منه ، وذلك أن الأب هو الذي استلحقه - وهو مقر له بأنه ابنه .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال من أنه لا يثبت نسبه إلا بإقرار الأب له بذلك وهو مما لا اختلاف فيه ، إذ لا يجوز للرجل أن يلحق بغيره ولداً هو له منكر باتفاق ، وقد مضى بيان ذلك في المسألة التي قبلها ، وبالله التوفيق .
ومن نوازل أصبغ
قيل لاصبغ رجل هلك وترك ابنة وأختاً وادعت الابنة أنه هلك مسلماً وهي مسلمة ، وادعت الأخت أنه هلك نصرانياً - والأخت نصرانية ، ولا يعرف في أصل على كفر ؛ فقال أصبغ أن هاتين كلتاهما إنما تدعيان النصف ، ولان الأخت لا ترث إلا النصف ،

(14/291)


والنصف الآخر على أي ذلك كان للميت ، فهو لغيرهما ؛ فهما يدعيان في النصف فأراه بينهما بعد أن يتحالفا ، ويكون النصف الآخر لجميع المسلمين .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال إن كانت الأخت لا تدعي إلا النصف ، وأما إن ادعت الكل - وقالت من ديننا أن ترث الأخت الجميع وصدقها في ذلك أهل دينها من الأساقفة ، فيكون ذلك حكم المال يدعي أحد الرجلين أو المرأتين نصفه ، والثاني جميعه ، فيكون لمدعي النصف الربع ، ولمدعي الكل الثلاثة الأربع - على المشهور من مذهب ابن القاسم ، ولمدعي النصف الثلث ، ولمدعي الكل الثلثان - على المشهور من مذهب مالك ، إذ قد روي عن كل واحد منها مثل قول الآخر ، وبالله التوفيق .
مسألة
قلت فلو هلك وترك ابنا وابنة ، فادعي الولد أنه هلك مسلماً ، وادعت البنت أنه هلك نصرانياً ، فقال يكون لابنه الربع لأنها تدعي النصف وقد أسلمت النصف الآخر ولم تدع فيه ، ويكون للابن ثلاثة أرباع ، لأنه يدعي المال كله .
قال محمد بن رشد : قوله في هذه المسألة على قياس قوله في المسألة التي قبلها من أن الابنة تدعي نصف المال وعلى المشهور من مذهب ابن القاسم ؛ وعلى المشهور من مذهب مالك ، يكون المال بينهما أثلاثاً ، للابن الثلثان ، وللابنة الثلث ، وذلك بعد ايمانهما جميعاً في هذه المسألة ، وفي التي قبلها ؛ فإن حلف أحدهما ونكل الآخر ، كان للحالف منهما ما ادعاه ، فإن نكلا جميعاً ، كان ذلك كحلفهما جميعاً ؛ ولو ادعت الابنة الكل على ما ذكرناه في المسألة التي قبلها ، لكان المال بينهما بشطرين بعد ايمانهما قولاً واحداً ، وبالله التوفيق .

(14/292)


مسألة
قلت فلو هلك وترك ولدين قد بلغا وابناً صغيراً ، فقال أحدهما هلك أبونا مسلما ، وقال الآخر نصرانيا ؛ فقال أصبغ كلاهما مقر للصغير بالنصف ، فالنصف له كاملاً ويجيز على الإسلام ، ولهما جميعاً النصف ، قال سحنون فإن مات الصبي قبل البلوغ ، حلفا جميعاً واقتسما ميراثه ؛ وإن مات أحدهما قبل بلوغ الصبي ، فإن كان للميت ورثة معروفون ، كانوا أحق بميراثه ، وإن لم يكن له ورثة أخرى ، فإذا كبر الصبي يوماً ما فادعاه كان له .
قال محمد بن رشد : قول سحنون فإن مات الصبي قبل البلوغ حلفا جميعاً واقتسما ميراثه ، مفسر لقول أصبغ في أن ميراث الصبي إذا مات قبل البلوغ ، يقتسم أخواه المسلم والنصراني ميراثه بينهما بنصفين ، ولا اختلاف بينهما في هذا ؛ لأن كل واحد منهما يدعي أنه على دينه ، فهو أولى بميراثه ، ومخالف له في وجهين ، أحدهما ما يكون له معهما من ميراث أبيهم ، والثاني هل يجبر على الإسلام بعد بلوغه ، أو يكون له انيختار أي دين شاء ، فلسحنون في كتاب ابنه انهما يحلفان جميعاً ، ويوقف للصغير ثلث ما بيد كل واحد منهما حتى يكبر فيدعي مثل دعوى أحدهما ، فيأخذ ما وقف له من سهمه ، وهو ثلثه ، يريد ويأخذ مما بيده تمام نصفه ، لاستوائهما جميعاً في الدعوى بعد يمينه ، ويرد إلى الآخر ما وقف له من سهمه ؛ فإن ادعى إذا كبر أن أباه كان على دين ثالث ، أخذ ما وقف له من نصيب كل واحد منهما بعد يمينه أيضاً ، ووجه هذا القول ، أنه لما كان الصغير

(14/293)


لا يعرب عن نفسه ، وقفنا له ثلث المال ، لاحتمال أن يدعي جميعه بدين ثالث يدعي أنه كان عليه أبوه ، ولأخويه الكبيرين ثلثان ، ثلث لكل واحد منهما لتساويهما في الدعوى ، ثم يقول كل واحد منهما لصاحبه تخل لنا عن ثلثك ، إذ لا حق لك في الميراث إذ مات أبونا على خلاف دينك ، وليس أحدهما بالسعد من صاحبه في هذه الدعوىن فيبقى ثلث كل واحد منهما بيده ؛ وقد بين أصبغ وجه قوله في الرواية بما لا مزيد عليه ، فإن مات الصغير قبل البلوغ ، حلفا جميعاً واقتسما الثلث بينهما بنصفين على ما قاله سحنون في الرواية ، إذ لا يختلفان في هذا ؛ وقول سحنون في الرواية إذا مات أحد الكبيرين ، أنه إن كان له ورثة كانوا أحق بميراثه ، وإن لم يكن له ورثة ، وقف ميراثه إلى أن يكبر ؛ فإن ادعاه ، كان له ؛ ليريد أنه إن اختار دين الميت منهما ، كان له ميراثه الذي وقف له - استحسان على غير حقيقة القياس ، وكان القياس أن يوقف له قدر حظه من الميراث إذا
كان له ورثة ، كما يوقف له جميعه إذا لم يكن له ورثة ؛ والذي يأتي في هذا على مذهب أصبغ الذي يرى أن يجبر على الإسلام ، ألا يوقف له الميراث ؛ ويتخرج الحكم له به على قولين ، أحدهما : أنه يحكم له بحكم الإسلام من أجل أنه يجبر عليه ، ولا يترك على النصرانية ، فيرث المسلم ولا يرث النصراني ، والثاني : أنه لا يحكم له بحكم الإسلام حتى يبلغ ويجيب إليه ، أو يجبر عليه ، فلا يرث واحد منهما ؛ إذ لا يدري هل هو مسلم أو نصراني من أجل أنه تبع لأبيه في الدين ، ولا يعرف دين أبيه ، وبالله التوفيق .
مسألة
قيل لاصبغ رجل توفي وترك اخوين ، وترك امرأته حبلى ، فولدت غلاماً ؛ فقال أحد الأخوين ولدته ميتاً ولم يستهل ؛ وقال الآخر بل ولدته حيا وقد استهل صارخاً ، وقالت المرأة ولدته حيا واستهل ؛ فقال ابدأ بالإقرار فاعطهم عليه على أنه استهل ، فللمرأة

(14/294)


إذا استهل ثمن الميراث وهو ثلاثة من أربعة وعشرين ، ويبقى من المال أحد وعشرون قيراطاً لابنها ، فلها من ميراث ابنها ثلثه ، وهو سبعة من أحد وعشرين ، فصار لها عشرة ، ويبقى من المال أربعة عشر بين الأخوة لكل واحد منهما سبعة ، سبعة ، وعلى الإنكار ، لها ربع ميراث زوجها إذا خرج الصبي ميتياً ، وهو ستة من أربعة وعشرين ، ويبقى من المال ثمانية عشر بين الأخوين ، لكل واحد منهما تسعة ، تسعة ، على الإنكار ؛ فقد أخذ الأخ الذي أنكر سبعة في الإقرار ، ويبقى له سهمان يرجع لهما على المرأة ، فيصير له تسعة ، ويبقى للمرأة ثمانية ؛ لأنه مرة يصير لها ربع الميراث - وهو ستة من أربعة وعشرين ، ومرة يصير لها ثمن من أربعة وعشرين ، وهو ثلثه ، وثلث أحد وعشرين ، وهو سبعة وذلك عشرة ، فلها نصف ما بين هذا وهذا ؛ فصار لها ثمانية ، وللأخ الذي أقر سبعة ، فاستقامت على أربعة وعشرين .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال ، لأن الزوجة التي ادعت أن ابنها استهل تقول لي ميراثي في زوجي الثمن ثلاثة أسهم من أربعة وعشرين ، وميراثي في ابني الذي استهل وهو ثلث ما بقي بعد ثمني وذلك سبعة أسهم ، فجميع مالي عشرة أسهم ، وليس لواحد منكما إلا ميراثه في ابن أخيه وهو ولدي الذي استهل- وذلك سبعة أسهم ، سبعة أيهم - لكل واحد منكما ؛ فيقول المنكر منهما لاستهلال الولد بل ليس لك إلا الربع وهو ستة أسهم من أربعة وعشرين لي نصف الباقي -

(14/295)


وهو تسعة أسهم ، فيأخذ المنكر لاستهلال الإبن من الأخوين تسعة أسهم ، ويقال للمقر منهما باستهلال ( الإبن ) ليس لك إلا سبعة أسهم ميراثك في الإبن ، فادفع السهمين إلى الزوجة إلى الستة الأسهم التي لها في ميراث زوجها ، إذا لمي ستهل الولد يكون بيدها ثمانية أسهم ؛ ولو أقر الأخ الآخر لدفع إليها أيضاً سهمين ، فاستوفت بهما جميع حقها الواجب لها على استهلال الولد - وذلك عشرة أسهم ؛ واقل ما تنقسم منه هذه الفريضة أربعة وعشرون كما ذكر ، لأنه يحتاج فيها إلى إقامة ثلاث فرائض فريضة على إنكار الاستهلال من أربعة ، من أجل أن للزوجة الربع - إذا لم يستهل الولد ، وفريضة على الإقرار بالاستهلال من ثمانية من أجل أن للزوجة الثمن- إذا استهل المولود ، وفريضة ميراث الولد من ثلاثة ، من أجل أن للام الثلث ، فيستغنى عن الأربعة بالثمانية ، ويضرب ثلاثة في ثمانية يكون أربعة وعشرين ، منقسمة على ما ذكرناه ، وبالله التوفيق .
مسألة
قيل لاصبغ ما تقول في الرجل يقر في صحته بأخ ( ثم يقر ) بعد زمان بولاء لرجل ثم يموت ؛ وكيف أن كان أقر بالولاء قبل إقراره بالاخ ، وكيف إن كان أقر بالاخ أولاً ثم ثبت الولاء بعد ذلك ببينة ؛ قال أرى النسب أولى على كل حال ، كان هو الأول أو الثاني .
قال محمد بن رشد : قوله أرى النسب أولى على كل حال ، لا يعود

(14/296)


على قوله في السؤال : وكيف إن أقر بالأخ أولاً ثم ثبت الولاء بعد ذلك ببينة ؟ إذ لا اختلاف في أنه لا يجوز الإقرار بوارث إلا إذا لم يكن للميت وارث معروف بنسب وولاء ، وإنما يعود على الإقرار بالولاء وبالنسب ، فرأي النسب أولى على كل حال ، تقدم أو تأخر ، ومعنى ذلك عندي إذا قال فلان مولاي ولم يقل اعتقني ، لأنه إذا قال اعتقني ثبت له بذلك الولاء والميراث ، فوجب أن يكون أولى من الإقرار بالنسب ؛ وإذا لم يقل اعتقني ، فلا يكون له بقراره بأنه مولاه إلا الميراث - قاله سحنون ؛ فهاهنا يصح أن يكون الإقرار بالنسب أولى من الإقرار بالولاء تقدم أو تأخر ؛ وكذلك على قياس هذا لو قال فلان ابن عمي ، وفلان أخي ؛ لوجب أن يكون الأخ أولى بالميراث تقدم أو تأخر ، لأن الإقرار بهذا وهو بمنزلة إقامة البينة على هذا وهذا ؛ وقرر ابن الماجشون الإقرار بالولاء أولى من الإقرار بالنسب ، من أجل أن الولاء ثبت بالإقرار ، كما يثبت به نسب الولد الملحق ، ولم يشترط ابن الماجشون أن يقول في إقراره به ، اعتقني ، فظاهر قوله أن الولاء يثبت بالإقرار - قال اعتقني أو لم يقل ، وسنزيد هذه المسألة بياناً في نوازل سحنون من كتاب الولاء إذا وصلنا إليها إن شاء الله ، وبه التوفيق .
تم كتاب الاستلحاق بحمد الله وحسن عونه ، والصلاة الكاملة على سيدنا مولانا محمد وعلى إله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .

(14/297)