البيان
والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة (
كتاب الولاة
)
من سماع ابن القاسم من كتاب مرض وله أم ولد
وسئل مالك عن المولود يمكث يوماً وليلة وهو حي
فيما يرون يتنفس - وأكثر من ذلك - ولم يستهل
صارخاً ، وأن عطس ، وأن رضع ، وهلك وهلكت أمه
قبله ، فهل يرثها ؟ وإن لم يستهل أو لم يتحرك
، فهل يرث ؟ قال مالك لا يرث ولا يورث ، ولا
يصلي عليه ، حتى ستهل صارخاً ؛ قال سحنون
الرضاع يدل على حياة الصبي ، ولا يمكن أن يرضع
إلا بعد الاستهلال ؛ قلت فلو بال ؟ قال قد
يبول الميت يخرج منه ، وكذلك تحريكه لا يعد
حياة ؛ ألا ترى أن تحريكه في بطن أمه لا يعد
شيئاً .
قال محمد بن رشد : اتفق أهل العلم على أن
المولود لا يرث ولا يورث ولا يصلى عليه ، إلا
أن يولد حياً ، وعلامة حياته الاستهلال
بالصراخ ؛ بدليل الحديث : ما من مولود إلا طعن
الشيطان في خاصرته ، ألا تسمعون إلى
(14/299)
صراخه ، إلا
عيسى ابن مريم ، فإنه لما جاء طعن في الحجاب ،
أو كما قال - صلى الله عليه وسلم - : فإذا
استهل المولود صارخاً علمت حياته ، وإذا لم
يستهل صارخاً لم يعتبر بحركته ، لأن المقتول
من بني آدم يتحرك بعد القتل ، وقد كان يتحرك
في بطن أمه ، فلم يعتد بتلك الحركة ، وكذلك
بوله إن بال لا يعتد به ، ولا يعد ذلك حياة له
، لأن الميت قد يبول ، فليس بوله على عادة
الأحياء ، وإنما يخرج البول منه استرخاء
المواسك بالموت ، وأما إن رضع ( وعطس ) فقول
سحنون : أن الرضاع يدل على حياته ، ولا يمكن
أن يرضع إلا بعد أن يستهل صحيحه ، وعبد العزيز
بن أبي سلمة يقول ذلك في العطاس ، فقيل إن
سحنون فرق بين الرضاع والعطاس ، لاحتمال أن
يكون ما سمع من عطاسه ريح خرجت منه ؛ والصحيح
إلا فرق بينهما ، إذ لا يشبه العطاس خروج
الريح منه ، وكذلك التنفس أيضاً يدل على
الحياة ، ولا يمكن أن يكون إلا بعد الاستهلال
، بدليل الحديث الذي ذكرناه ، فوجب إلا يحمل
قول مالك في هذه الرواية على ظاهرة من أنه لا
يصلي عليه ولا يرث ولا يورث إذا كان لم يستهل
، وإن تنفس وعطس ورضع ، لأن نفسه وعطاسه
ورضاعه ( دون أن يستهل ) خرق للعادة التي
أجراها الله بما أخبر به النبي - صلى الله
عليه وسلم - من خرق هذه العادة في عيسى عليه
السلام ، وإنما المعنى في ذلك أنه لما سئل عن
المولود يولد فيمكث يوماً وليلة وأكثر من ذلك
يتنفس ويعطس ويرضع ولم يستهل ؛ رأى
(14/300)
ذلك من المحال
الممتنع فقال انكاراً على السائل ورداً لقوله
لا يرث ولا يورث ، ولا يصلى عليه حتى يستهل -
بمعنى أن ذلك لا يصح أن يكون إلا بعد
الاستهلال ، وقد قال بعض العلماء على طريق
الإنكار لهذا السؤال الذي
إنما يقصد به إلى تلبيس وإبطال الحديث ، لا
يصلى عليه ولا يرث ولا يورث حتى يستهل وأن طعن
بالرمح وضرب بالسيف وقاد الجيوش ، فإذا شهد من
تقبل شهادته بأن الولود أقام يوماً وليلة
وأكثر من ذلك يتنفس ويعطس ، ويرضع ، ولم يستهل
، أجزت شهادتهم وحمل أمرهم على إنهم لم يسمعوا
استهلاله بالصراخ الذي هو علامة حياته ، وجاءت
السنة بأنه لا يصلى عليه حتى يستهل صارخاً بعد
أن يولد ؛ فقد يكون خفيفاً لا يسمعه من لهى
واشتغل ، وقد قال عبد الوهاب في المعونة :
وعلامة الحياة هي الصياح أو ما يقوم مقامه من
طول المكث إذا طال به مدة يعلم أنه لو لم يكن
حياً لم يبق إليها ومعنى قوله أنه إذا شهد على
ذلك كان كالشهادة على استهلاله ، للعلم بأن
ذلك لا يكون منه إلا بعد أن يستهل ، قال ولا
يصلى عليه إلا أن يستهل صارخاً ، تحرك أو لم
يتحرك ، خلافاً لأبي حنيفة والشافعي ، لأن
الصلاة إنما هي على من عرفت حياته قبل موته ،
وبالله التوفيق .
ومن سماع أشهب من كتاب الأقضية
وسئل مالك عن رجل من أهل مصر يغيب إلى المدينة
فيموت
(14/301)
بها ، أترى أن
يقسم ورثته بمصر ماله إذا علموا بموته ، أم
يؤخروا ذلك حتى يعلموا أتزوج في غيبته أم لا ؟
فقال إن شك في أمره لم يقسم ورثته ميراثه حتى
يعلم ذلك ، وإن استوقن ولم يشك فيه ، قسم
ميراثه بين ورثته .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال إنه إن شك في
أمره بسبب أدخل عليهم الشك في ذلك ، لم يقسم
ميراثه حتى يبحث عن ذلك ، ويوقف على الحقيقة
فيه بالكتاب إلى ذلك البلد وهو محمول على أنه
لم يتزوج فيه حتى يعلم أنه قد تزوج فيه فيؤخر
قسم ميراثه حتى تحضر أو توكل ، أو يقسم لها
القاضي ويوقف لها حظها ، وقد مضت هذه المسألة
في سماع أشهب من كتاب العتق وتكررت ها هنا ،
وبالله التوفيق .
ومن نوازل سحنون
وسئل سحنون عن الذي يقول عند موته فلان مولاي
ولا يقول اعتقني ولا ولد له ، فهذا يكون له
الميراث ولا يكون له الولاء ، إلا أن يقول
اعتقني قيل لسحنون : فلو كان في الصحة فقال
فلان مولاي لم يزل بذلك مقراً حتى مات ولا
يذكر أنه أعتقه ؛ فقال إقراره في الصحة والمرض
سواء ، له الميراث ولا يكون له الولاء ؛ قيل
لحسنون فلو أن رجلاً كان مقراً في حياته أن
فلاناً مولاه ، فلما مرض قال فلان ابن عمي
لرجل آخر - ولا وارث له ، أو قال ابن عمي ولم
يقل
(14/302)
لاب وأم ، ثم
مات ؛ قال لا يكون له شيء ولا يرثه بالشك
والميراث للمولى ، لأنه قد انعقد له الولاء ؛
قيل له : فإن قال فلان مولاي في مرضه ثم قال
بعد ذلك فلان ابن عمي ولا وارث لي غيره - ثم
مات ؛ قال يؤخذ بإقراره الأول ولا يكون للذي
أقر به أنه ابن عمه شيء ؛ قيل فأقر بذلك في
صحته ولا يعرف ذلك إلا بقوله ، وهل يفترق إن
كان إقراره بالولاء قبل إقراره بالأخ ؟ قال
إذا لم يعلم ذلك إلا بقوله ، فالنسب أولى من
الولاء ؛ وإذا كانت البينة على الولاء وأقر
بالنسب ، كان الولاء أقرب من النسب .
قال محمد بن رشد : هذه مسائل ملتبسة غير بينة
المعاني ، فانا اذكر أصلها الذي تبني عليه
وترد بالتأويل إليه ، الأصل في ذلك عنده على
مذهبه ، أنه إذا اقر فقال فلان مولاي أعتقني ،
ثبت له بذلك الولاء ، وكان بمنزلة إذا قامت
عليه البينة ، يكون إقراره له بذلك أولى من
الإقرار بالنسب تقدم أو تأخر ، كان في الصحة
أو المرض ؛ وأن قال فلان مولاي ولم يقل اعتقني
، وجب له بذلك الميراث ، ولم يجب له به الولاء
؛ كان ذلك من إقراره أيضاً في الصحة أو في
المرض ؛ فإن اقر مع هذا بنسب لرجل آخر ، كان
النسب أولى من الولاء - تقدم أو تأخر ؛ كان في
الصحة أو في المرض . فقوله قيل لسحنون فلو أن
رجلاً كان مقراً في حياته أن فلاناً مولاه ،
معناه أنه كان مقراً في حياته أن فلاناً اعتقه
؛ فلذلك قال إنه أحق من الذي أقر له في مرضه ،
بأنه ابن عمه ؛ وأن الميراث له ؛ لأنه قد
انعقد له الولاء . وقوله بعد ذلك : فإن قال
فلان مولاي في مرضه ، ثم قال بعد ذلك فلان ابن
عمي لا وارث لي غيره ، ثم مات ؛ أنه يؤخذ
بإقراره الأول ، ولا يكون للذي أقر به أنه ابن
عمه شيء ، معناه أيضاً أنه قال في مرضه فلان
مولاي اعتقني . فقوله أنه
(14/303)
يؤخذ بإقراره
الأول إنما قاله من أجل أنه قد انعقد له
الولاء بقوله اعتقني ليس من أجل أنه اقر بذلك
أولاً . وقوله قيل له فاقر بذلك في صحته ولا
يعرف ذلك إلا بقوله لم يقع له جواب ، والجواب
في ذلك على ما أصلناه من مذهبه وبيناه ، أنه
إن كان لم يقل اعتقني ، فإقراره بالنسب أولى
على كل حال - وأن كان إقراره بالولاء متقدماً
في صحته ؛ وإن كان قال اعتقني ، فهو أولى من
إقراره بالنسب - تقدم أو تاخر . وقوله لما
سأله هل يفترق - إن كان إقراره بالولاء قبل
إقراره بالأخ ، أنه إذا لم يعلم ذلك إلا بقوله
، فالنسب أولى من الولاء ؛ معناه إذا لم يقل
اعتقني .
وقوله إنه إذا كانت البينة على الولاء وأقر
بالنسب ، كان الولاء أقرب من النسب - صحيح ؛
وكذلك على ما اصلناه وبيناه من مذهبه ؛ لو لم
يكن على الولاء بينة ، وقال في إقراره به
اعتقني ، لكان الولاء أولى من النسب المقر به
، فهذا بيان مذهب سحنون في هذه المسألة ، وابن
الماجشون يرى الإقرار بالولاء أولى من الإقرار
بالنسب ، من أجل أن الولاء يثبت بالإقرار ،
كما يثبت به نسب الولد المستلحق ؛ ولم يشترط
ابن الماجشون أن يقول في إقراره به اعتقني ،
فظاهر قوله أن الولاء يثبت بالإقرار - وأن لم
يقل اعتقني ؛ وظاهر قول اصبغ في نوازله من
كتاب الاستلحاق ، أن الولاء لا يثبت بالإقرار
وأن قال اعتقني ، فرددناه هناك بالتاويل إلى
مذهب سحنون ههنا ؛ وأن حملناه على ظاهره تحصل
فيمن اقر بولاء لرجل وبنسب لآخر - ثلاثة أقوال
، أحدها : إن النسب أولى من الولاء تقدم
الإقرار به أو تأخر ، كان في الصحة أو في
المرض . والثاني : أن الإقرار بالولد أولى من
النسب - تقدم الإقرار به أو تأخر ، كان في
الصحة أو في المرض . والثاني : أن الإقرار
بالولد أولى من النسب - تقديم الإقرار به أو
تأخر ، كان في الصحة أو
(14/304)
في المرض .
والثالث : أنه إن قال اعتقني ، كان أولى من
النسب ؛ وإن لم يقل اعتقني ، كان النسب أولى
منه - تقدم أو تأخر أيضاً ، وبالله التوفيق .
مسألة
قيل لسحنون أرأيت العبد يكون بين الرجلين
فيعتق أحدهما نصيبه 0 من العبد 9 بإذن شريكه -
والشريك لا مال له ، أو له مال ؛ فقال أما من
له المال ، فإن العبد يعتق جميعه عليه ، وأن
لم يكن له مال ، اعتق عليه نصيبه من العبد ،
ولم يعتق نصيب صاحبه ؛ قلت فإن مات العبد وترك
مالاً ؟ قال يرثه المتماسك بالرق دون صاحبه ،
فإن اعتق هذا العبد عبداً آخر بإذن هذا
المتمسك بالرق ، فمات هذا المعتق وترك مالاً ،
قال يرثه الرجلان جميعاً الذي تمسك بالرق ،
ومولى العبد المعتق ولا مال له .
قال محمد بن رشد : قوله إن ميراث ما اعتقه هذا
العبد المعتق نصفه بإذن المتمسك بالرق 0 بين
الذي تمسك إلى لرق وبين مولى العبد المعتق )
لنصفه ولا ماله ، هو قول ابن القاسم في سماع
عيسى عنه ، خلاف قوله في رواية يحيى عنه -
حسبما وقع من الروايتين جميعاً في رسم الصلاة
من سماع يحيى من كتاب العتق ، وقد مضى القول
على ذلك ( هنالك ) فلا معنى لإعادته ، وبالله
التوفيق .
(14/305)
مسألة
وسئل عمن توفي وترك ابناً خنثى ، وابن ابن
خنثى أيضاً ، قال فللأول ثلاثة أرباع المال ،
أصلها من أربعة وعشرين ، فيقال لابن الابن أن
كنت ذكراً كان لك الربع الباقي كله ، فخذ نصفه
- وهو ثلاثة أسهم ، ثم يقال له لو كنت أنثى
كان لك السدس فخذ نصفه وهو سهمان فيصير له
خمسة ويفضل سهم من أربعة وعشرين للعصبة .
قال محمد بن رشد : بني سحنون جوابه هذا على
مذهب ابن القاسم في التداعي فأخطأ في بنائه
عليه ، وتفسير ما ذهب إليه : أن الابن يدعي
جميع المال ، لأنه يقول بأنه ذكر ، وأن ابن
الابن أنثى ، وابن ابن الابن يدعي نصف المال !
لأنه يقول بأنه ذكر - وأن الابن أنثى ؛ فيقال
لابن الابن قد اقررت للابن بالنصف ، فادفعه
إليه ، والنصف الثاني يقسم بينكما بنصفين
لتداعيكما فيه ؛ فيحصل للابن ثلاثة أرباع
المال ، ولابن الابن الربع ؛ ثم يقول العصبة
لابن الابن إنما لك من هذا الربع السدس ،
لانكما جميعاً انثيان فيقول بل هو لي كله ،
لأني ذكر فيحصل التداعي بينها في نصف السدس
فيقسم بينهما فيحصل للعصبة ربع السدس ، وهو
سهم من أربعة وعشرين كما قال ؛ وموضع الخطأ في
هذا البناء تقديره فيه : إن العصبة
(14/306)
تقول لابن
الابن إنما لك من هذه الربع السدس ، لأنها لم
تقر لابن الابن بالسدس من الربع الباقي بيده ،
وإنما أقرت له بالسدس من النصف تكملة الثلثين
، على إنهما جميعاً أنثيان ، والسدس الذي أقرت
له به قد أخذ منه الابن نصفه بدعواه أنه ذكر ،
وهذا بين ؛ والصحيح في بناء المسألة على مذهب
ابن القاسم في التداعي انالابن يقول لابن
الابن وللعصبة انتما مقران لي بالنصف غير
منازعين لي فيه ، لأني إن كنت أنثى فلي النصف
، كنت أنت ذكراً على ما اتدعي أو أنثى على ما
تدعيه العصبة نف أسلماه الي ، فيأخذ النصف ستة
من اثني عشر ، ثم يقول ابن الابن للعصبة أنتم
مقرون لي من هذا النصف بالسدس تكملة الثلثين
لأنكم تدعون اني أنثى فأسلموه لي ، فيأخذ منه
السدس سهمين ، ويبقى بأيدي العصبة الثلث أربعة
أسهم ، ثم يرجع الابن فيقول لابن الابن هذا
السدس الذي بيدك هو لي لأني ذكر ، فيقول له بل
هو لي ، لأنك أنثى فيقسم بينهما ، فيأخذ منه
سهماً ويبقى بيده سهم ، ثم يرجع إلى العصبة
فيقول لهم هذا الثلث الي بأيديكم هو لي لأني
ذكر ، فيقول له العصبة بل هو لنا ، لأنكما
جميعاً
انثيان ، فيقسم بينهما فأيخذ منهم سهمين من
الأربعة الأسهم فيكمل له ثلاثة أرباع المال ،
لأنه كان بيده النصف ستة أسهم ، وأخذ من ابن
الابن سهماً واحدا ًن ومن العصبة سهمين فذلك
تسعة أسهم من اثني عشر سهماً ، ثم يرجع ابن
الابن على العصبة فيقول لهم هذان السهمان
اللذان بايديكما هما لي لأني ذكر ، فتقول له
العصبة بل هما لنا لأنكما جميعاً انثيان فيقسم
بينه وبينهم بنصفين ، فيأخذ منهم ابن الابن
سهماً واحداً ، فيصير بيده سهمان وهو السدس ،
ويبقى بيد العصبة سهم واحد وهو نصف السدس ،
وكذلك يجب لهم نصف السدس والسدس لابن الابن ،
والثلاثة الأرباع للابن
(14/307)
على ما رتبه
أهل الفرائض في عمل الفريضة من إقامة أربع
فرائض ، فريضة على أنهما ذكران ، وفريضة على
أنهما انثيان ، وفريضة على أن الابن ذكر -
وابن الابن أنثى ، وفريضة على أن الابن أنثى
وابن الابن ذكر ، وضرب الفرائض بعضها في بعض
إلا أن تتداخل وأضعافها أربع مرات ، وقسمتها
على الفرائض وأعطي كل واحد منهم ربع ما اجتمع
له ، لأن عملهم في مسائل الخنثى كلها إنما
يخرج على مذهب ابن القاسم في التداعي ؛ ويأتي
في هذه على مذهب مالك في التداعي الذي يرى
القسمة فيه على حساب عول الفرائض ، أن يقسم
المال بينهم أجزاء من أحد عشر ، لأن الابن
يدعي الكل ، وابن الابن يدعي النصف ، والعصبة
تدعي الثلث ؛ وعلى هذا القول قال ابن حبيب في
ابن ذكر وابن خنثى أن المال يقسم بينهما
اسباعاً ، فلا يصح في المسألة إلا هذان
القولان ، أحدهما على مذهب مالك . والثاني على
مذهب ابن القاسم وما سواهما خطأ ، وبالله
التوفيق .
مسألة
وقال في رجل حلف بحرية كل جارية يشتريها إلا
وطئها ، فاشترى جارية من ذوات المحارم ، وهو
عالم أنها تحرم عليه أو جاهل ، هل تعتق عليه
في الأمرين جميعاً ؟ قال أصبغ لا أرى عليه
شيئاً ، ولا أرى مخرج يمينه في مثل هذا إلا
فيمن يجوز له الوطء ؛ فأما من لا يجوز وليس
هذا الذي أراد ، إلا أن يكون أغلب على نفسه
بكل معنى ، سحنون يقول إذا اشترى أما وابنتها
صفقة واحدة - وقد حلف بهذه اليمين ، فإنه إذا
وطء واحدة أعتقت الأخرى .
(14/308)
قال محمد بن
رشد : قول اصبغ في هذه المسألة صحيح على القول
بمراعاة المقصد المظنون في الإيمان وحملها
عليه ، لا على ما تقتضيه الألفاظ وهو المشهور
في المذهب ، إلا أنه أصل مختلف فيه - أعني في
المذهب ؛ واختلف فيه قول ابن القاسم في
المدونة من ذلك أنه قال فيمن حلف ألا يدخل على
فلان بيتاً فدخل عليه المسد ، أنه لا حنث عليه
والمسجد بيت من البيوتن لأن الله عز وجل قد
سمى المساجد بيوتاً ، فقال " في بيوت إذن الله
أن ترفع " وقال فيمن حلف ألا يأكل لحماً .
فأكل لحم الحوت ، أو ألا يأكل بيضاً فأكل بيض
السمك ، أنه حانث ، إلا أن تكون له نية - وإن
كان لحم الحوت وبيض السمك ليس بلحم ولا بيض
عند الناس في عرف كلامهم ؛ واختلف في ذلك
أيضاً قول أصبغ ، لأن قوله في هذه المسألة
خلاف ما حكى عنه ابن حبيب من أنه من حلف أن
يطأ امرأته الليلة فألفاها حائضاً ، ولم يعلم
حين حلف أنها حائض ؛ أنه حانث ، ولا يبرأ إن
وطئها ، لأنه وطء فاسد ؛ وهذا الاختلاف داخل
في مسألة سحنون ، فتفرقته بين المسألتين قول
ثالث في المسألة ؛ ووجهه أنه قد كان له أن يطأ
التي لم يطأ منهما لو شاء ، فصار قد قصد إلى
ترك وطئها بوطء الأخرى ، فهي استحسان ، خارجة
عن القياس على كل واحد من الأصلين ، وبالله
التوفيق .
مسألة
وسئل سحنون عن رجل قال لغلامه أن جئتني بدينار
كل شهر ، فأنت حر ، قال ما أعرفه ، وما هذا
بشيء وهو عبد .
(14/309)
قال محمد بن
رشد : لما عم الشهور بقوله كل شهر ، احتمل أن
يريد حياة السيد ، فيكون قوله وصية له بالعتق
على هذا الشرط ، وأن يريد حياة العبد ؛ فلا
يصح بذلك عتق ، لأنه إنما اعتقه بعد موته ؛
وعلى هذا حمل سحنون قوله ، ولذلك قال إنه عبد
؛ والذي يأتي على أصولهم في هذه المسألة أن
يسال السيد ما أراد بذلك فيوقف عند قوله فيه ،
فإن لم يسئل حتى مات ، لم يكن له وصية بعتق ،
لأن الوصايا لا تكون بالشك ، وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل عن رجل قال لجارية له إن ولدت غلاماً
فأنت حرة ، وإن ولدت جارية فأختك حرة ، فولدت
غلاماً وجارية ، قال إن كان ولد الغلام أولاً
، فالأم حرة ، وابنتها ؛ وإن كانت الجارية
اولاً ، فالأخت حرة ، وإن لم يعلم أيهما ولد
قبل ، فالأم والأخت حرة ، لانا قد علمنا أن
العتق قد وقع على واحد منهما ، واعتقنا الابنة
أيضاً بالشك .
قال محمد بن رشد : قوله إن كان ولد الغلام قبل
فالأم حرة وبنتها صحيح ، لأنها عتقت بولادتها
الغلام وهي حامل بالابنة ، فوجب لها العتق
بعتق امها ، إذ لا تلد حرة مملوكة ، لقول
النبي - صلى الله عليه وسلم - كل ذات رحم ،
فولدها بمنزلتها . فلا يخرج من رحم الحرة إلا
حر ، وقد يخرج من رحم الأمة حر - يريد وتعتق
الاخت أيضاً بولادتها الابنة بعد الابن ، بعد
الابن ، وقوله وإن كانت الجارية أولاً فالأخت
حرة - يريد وهي أيضاً حرة بولادتها الابن
(14/310)
بعد الابنة
وقوله وإن لم يعلم أيهما ولد قبل ، فالأم
والأخت حرة ، لانا قد علمنا أن العتق وقع على
كل واحدة منهما يبين ما قلناه ، وقد وقع في
بعض الكتب : لانا قد علمنا أن العتق وقع على
واحد منهما بإسقاط كل ، وهو خطأ في النقل
والله أعلم ، إذ لا يصح إلا يكون لوضعها
الثاني منها حكم ، إلا لو قال أول ولد تلدينه
، فإن كان ذكراً فأنت حرة ، وإن كان أنثى
فأختك حرة ؛ وفي كتاب ابن حبيب وما حكاه الفضل
بيان ما تأولنا عليه قول سحنون هذاز وقوله
واعتقنا الابنة أيضاً بالشك ، وهو على القول
بالعتق في الشك ، والاختلاف في ذلك في المدونة
، وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل سحنون عن المكاتب يمرض وله ولد معه في
الكتابة ، فيعتقه سيده لئلا يرث أباه ، قال
عتقه إياه جائز ، قيل له فإن مات أبوه من مرضه
؟ قال لا يرث .
قال محمد بن رشد : ظاهر قول سحنون هذا خلاف
مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة
في أن المكاتبين كتابة واحدة لا يجوز للسيد
عتق أحدهما إلا برضى أصحابه الذين معه في
الكتابة ، لأن كل واحد منهم حميل بما على
أصحابه ، وكذلك من دخل على المكاتب في كتابته
من ولده ، ويحتمل أن يتأول قوله على ما في
المدونة ، فيقال معناه إذا رضي بذلك الأب ،
فيجوز كما قال ويخرج عن الكتابة ، فلا يرث
أباه أن مات من مرضه ، لخروجه عن كتابته ،
ويوضع عنه ما نابه منها ، وهذا أولى من حمل
قوله على ظاهره من الخلاف ، وبالله التوفيق .
(14/311)
مسألة
وسئل عن مكاتبة ولدت من زنى ووطئها سيدها
فأحبلها ، قال لا يكون لها الخيار في أن تكون
أم ولد ، لأنها حينئذ تعتق على رق ولدهان
وولدها لما ولدوا في الكتابة ، صاروا مثلها .
قال محمد بن رشد : هذا صحيح بين مثل ما في
المدونة أن ذلك ليس لها إذا كان غيرها معها في
كتابتها إلا برضاهم ، قال سحنون فيها ويكون
معها ممن يجوز رضاه وولدها الذي ولدته من زنى
في هذه المسألة ممن لا يجوز رضاه - لصغره
فقوله هذا مثل قوله في المدونة ولو كان وطؤه
اياها وإحباله لها بعد أن كبر ولدها من الزنى
، لكان ذلك لها برضاه ، وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل عن الرجل يقول لأمته كل ولد تلدينه فهو
حر ، هل يتسلط عليها البيع ؟ فقال أما من قال
في الرجل يقول لغلامه أنت حر إذا قدم فلان ،
أنه يبيعه إذا شاء ؛ فإنه يقول في مسألتك أنه
يبيعها إذا شاء وأما من قال في الغلام يكون
موقوفاً ، فإنه يقول في هذه إنه لا يبيعها حتى
تيئس من الولد ، ولا يحمل مثلها ، وقد اختلف
فيه .
قال محمد بن رشد : تنظيره للمسألة التي سئل
عنها بالمسالة التي نظرها بها صحيح ، لأن
فلاناً قد يقدم وقد لا يقدم ، فليس بأجل آت
على كل حال ، فتلزم فيه الحرية باتفاق ؛ وكذلك
الجارية التي اعتق ما يكون لها من
(14/312)
ولد قد يكون
لها ولد وقد لا يكون ، ولو سمى أجلاً فقال لها
ما ولدت من كذا وكذا فهو حر ، لما كان له أن
يبيعها حتى يحل الأجل - كالمعتق إلى أجل ؛
وأما إذا لم يضرب أجلاً فلكلا القولين وجه من
النظر ، فوجه القول بأنه ليس له أن يبيع الأمة
ولا العبد إتباع ظاهر اللفظ ، ووجه القول بأن
له أن يبيع كل واحد منهما الاعتبار بالمعنى
وإلا يحجر على أحد بيع عبده ولا أمته إلا
بيقين ، وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل عن غلام لرجل دخل في غلمان لرجل ، فأعتق
صاحب الغلام غلامه ، أو كان قد أعتقه قبل اني
دخل بينهم فيقال لصاحب الثلاثة أن كنت تعلم
غلمانك فأخرجهم ، وإلا عتقوا كلهم ، وليس له
أن يقول لصاحبه أدخلت علي ضرراً .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال ، لأن صاحب
العبد لم يتعد فيما صنع من عتق عبده ، لأنه
تمحى منه بعتقه لما اختلط بعبد غيره ، ووجب
على صاحب العبد الثلاثة عتقهم ، إذا لا يدري
من هو الحر منهم ، ولو مات واحد منهم ، أو
اعتقه ، لما اعتق عليه الباقي منهم إلا على
الاختلاف في العتق بالشك ، وقد مضى هذا المعنى
في رسم باع شاة من سماع عيسى من كتاب العتق ،
وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل عن رجل قال لغلامه أنت حر إن لم أعتقك ،
قال يوقف عليه حتى يموت ، فيعتق من ثلثه إن لم
يعتقه حتى مات .
(14/313)
قال محمد بن
رشد : هذا كما قال ، وهو على المشهور في
المذهب من أن الحالف ليفعلن فعلاً ولا يضرب له
أجلاً ، لا يحنث إلا بالموت ، أو بفوات الفعل
الذي حلف ليفعلنه بعد أن مضت من المدة ما كان
يمكنه فيه فعله فلم يفعله ، وقد مضى بيان هذا
وذكر الاختلاف فيه في سماع أبي زيد من كتاب
العتق ، وفي غيره من المواضع ، وبالله التوفيق
.
مسألة
وسئل سحنون عن رجل قال لأربع جوار له كلما
وطئت منكن واحدة ، فواحدة حرة ؛ فوطئ واحدة ،
قال يختار من الثلاثة واحدة للعتق ، فإن لم
يختر حتى وطئ أخرى ، أعتق الباقيتين ولم يكن
له خيار .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال ، أن له أن
يختار واحدة من الثلاث البواقي إذا وطئ واحدة
، ولا اختلاف في ذلك ؛ وإنما يختلف إذا لم
يختر شيئاً حتى مات حسبما مضى من الاختلاف في
ذلك ، والكلام عليه في رسم باع شاة من سماع
عيسى من كتاب العتق ؛ وأما قوله إنه إذا لم
يختر حتى وطىء أخرى ، فإنه يعتق الباقيتين ولا
يكون له خيار ، ففيه نظر ؛ والصواب أن يختار
أيضاً اثنتين من الثلاث ، لأن التي وطئ أولاً
باقية لم تعتق ؛ فإن لم يختر ايضاً حتى وطئ
أخرى ، ففهنا يعتق الثلاث كلهن ، لأنه قد وجب
عليه عتق ثلاث ولم يبق له سوى التي وطئ آخراً
غير الثلاث ؛ ووجه ما ذهب إليه ، أنه لم ير
لمن وطئ منهم حقاً في العتق ، فقال إنه إذا
وطئ واحدة ، ثم وطئ أخرى ، لم يبق ممن له حق
في العتق إلا اثنان ؛ فوجب أن
(14/314)
يعتقا جميعاً ،
لأن عليه عتق واحدة منهما بوطء الأولى ، وعتق
الأخرى بوطء الثانية ، وهو بعيد والله أعلم .
مسألة
وسئل عن رجل قال لسيد أبيه اعتقه وأنا أخدمك
ما عشت ، فأعتقه على ذلك فخدمه الابن ثم عثر
على مكروه ذلك ؛ قال سحنون العتق ماض والخدمة
ساقطة ، وليس عليه من قيمة أبيه شيء ، وقال
أبو زيد واصبغ يضمن الابن قيمة أبيه ويقاصه
بما خدم في القيمة .
قال محمد بن رشد : قول أبي زيد واصبغ هو
الصواب ، لأنه شراء فاسد ، كما لو اشتراه منه
بخدمته إياه حياته ، فأعتق عليه ثم عثر على
مكروه ذلك بعد أن خدمه الابن ، لكان الحكم في
ذلك ما قالاه من وجوب قيمة أبيه عليه إذ قد
فات بالعتق ، ويقاص في ذلك بما خدم ، ولا وجه
لقول سحنون - عندي ، ولو كان العتق ماضياً كما
قال والخدمة ساقطة ، لوجب أن يرجع عليه بقيمة
ما خدمه ، فيذهب حق السيد في عتق عبده - وهو
لم يعتقه - إلا على عوض ، وبالله التوفيق .
مسألة
قال سحنون من اعتق امة واشترط عليها رضاع صبي
كانت حرة وسقط الشرط ، لأنه لا يجوز أن يعتق
عبداً ويشترط خدمته ، ولكن يعتقها ويشترط
عليها دنانير ، ثم يستأجرها ليس بها ، فإذا
انقضت إجارتها قاصها .
(14/315)
قال محمد بن
رشد : هذا كما قال أنه لا يجوز للرجل أن يعتق
عبده ويشترط عليه خدمة بعد العتق - قاله في
المدونة وغيرها ، ويجوز أن يعتقه على أن يشترط
عليه دنانير بعد العتق ؛ واختلف هل هل أن يلزم
ذلك العبد وإن كره ، فقال مالك ذلك له - وهو
قوله في المدونة في الذي يقول - لعبده أنت حر
بتلا وعليك كذا وكذا ، أن ذلك يلزمه ؛ واختلف
في ذلك قول ابن القاسم في المدونة ، فإذا اعتق
أمته واشترط عليها دنانير برضاها ، أو ألزمها
إياها على القول بأن ذلك له ؛ جاز ما قال
سحنون من أن يستأجرها على الرضاع باجارة ثابتة
في ذمته ، فإذا وجبت لها الأجرة بانقضاء أمد
الرضاع ، قاصها بذلك فيما له عليها من
الدنانير التي اشترطها عليها ، وبالله التوفيق
.
مسألة
قال ومن قال لغلامه إن تركت شرب الخمر فأنت حر
، فقال له بعد أيام قد تركت شرب الخمر ، أن
ذلك ليس له حتى تعرف للعبد توبة عن شرب الخمر
وحال حسنة .
قال محمد بن رشد : هذا بين على ما قاله ، لأن
العبد مدع لما يوجب الحرية له ، فلا يصدق في
ذلك حتى يعرف صدقه ، بظهور صلاح حاله ، وبالله
التوفيق .
مسألة
وعمن قال في وصيته لغلامين له : أطولكما عمراً
فهو حر ، قال يحبس خراج أكثر الغلامين خراجاً
ويتقاضى الورثة خراج الآخر حتى يموت أحدهما
فيكون للباقي في خراجه من مقر الخراج الموقف ،
وإذا لم يحملهما الثلث عتق من كل واحد منهما
ما يحمل الثلث ، وما بقي يصير رقيقاً للورثة .
(14/316)
قال محمد بن
رشد : هذا كما قال من أنه إذا حمل الثلث
العبدين جميعاً ، وجب أن تنفذ وصية الميت في
أن تنفذ الحرية لأطولهما عمراً بأن يوقفا
جميعاً على الورثة ، ويباح لهم أخذ خراج
أقلهما خراجاً ، ويوقف خراج أكبرهما حتى يعلم
موت أحدهما ، أن الحرية تجب للأخر منهما ؛
وأما إن لم يحملهما الثلث ، فتحول الوصية
ويرجع إلى أن يعتق من كل واحد منهما بقدر ما
يحمل الثلث على ما قال ؛ مثل أن يكون الثلث
عشرين ، وقيمة أحدهما عشرة ، والثاني عشرون ؛
فيعتق من كل واحد منهما ثلثاه ، إلا أن يجيز
الورثة الوصية ، فيصنع في ذلك ما قاله إذا
حملهما الثلث ، وبالله التوفيق .
مسألة
وقال فيمن قال في مرضه غلامي حر - فلم يزد على
هذا فهو وصية ، إلا أن يقول بتل ، وكذلك ما
وهب في مرضه إذا رجع فيه بعد أن صح ، إلا أن
يبتله .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال ، لأن المرض
حال الوصية ، فوجب أن يحمل قوله على أنه وصية
، ويصدق إن صح وأراد الرجوع فيها ، إلا أن ينص
على التبتيل ؛ وإنما يختلف إذا قال في صحته
عبدي حر بعد موتي ، ولم يكن ذلك منه عند سفر ،
ولا على وجه يظهر منه قصده إلى الوصية ؛ هل
يصدق أنه أراد به الوصية فيكون له أن يبيعه ،
أو لا يصدق في ذلك ويحمل على التدبير ،
والقولان في المدبر من المدونة ، ولا يدخل هذا
الاختلاف في مسألتنا هذه ، لما ذكرناه من أن
المرض حال الوصية ، وبالله التوفيق .
(14/317)
مسألة
وفي رجل قال لرجل ضربت غلامي ، فقال إن كنت
ضربته فغلامي حر ، فلم يكن ضربه إلا أنه خنقه
، قال هو حانث .
قال محمد بن رشد : قوله إن حانث يريد فيما
يحكم به عليه ، ولا يصدق إن ادعى أنه نوى ذلك
، ولو أتى مستفتياً غير مطلوب باليمين وادعى
هذه النية ، لصدق فيها .
مسألة
ومن واجر عبده ثم أعتقه ، فإن الكراء للعبد
يرجع على السيد فيأخذه منه إذا عتق .
قال محمد بن رشد : قول سحنون هذا خلاف ظاهر ما
في كتاب العتق الثاني من الدونة وغيره - إن
العتق إنما يقع بعد انقضاء أمد الإجارة ،
كالمعتق إلى أجل ، والإجارة للسيد ؛ وقال أشهب
يحلف بالله ما أراد عتقه إلا بعد انقضاء امد
الإجارة ؛ فإن نكل عن اليمين ، كانت الإجارة
للعبد ؛ وعلى هذا يختلف فيمن اكرى داره للعام
، ثم باعها قبل تمام العام ؛ فقيل إن البيع
ينعقد فيها من يوم عقده ، ويجب للمشتري من
حينئذ ، ويأخذ كراء بقية العام وقيل أن (
البيع فاسداً ، إلا كون يستثني البائع بقية
المدة - وهذا إذا علم المبتاع بالكراء ؛ وأما
إذا لم يعلم ، فالكراء له ، وهو عيب - إن شاء
أخذ الدار على ذلك ، وإن شاء ردها . وقيل إن
الدار لا تجب له ولا بعد انقضاء أمد الكراء
ولا شيء له في الكراء ، إلا أن يشترطه فيجوز
في قول ، ويكون البيع فاسداً ) وأما إن لم
يعلم المبتاع بالكراء على هذا القول ، فهو عيب
إن
(14/318)
شاء أن يلتزم
الدار على أنه لا شيء له في الكراء ، وإن شاء
ردها ، وبالله التوفيق .
مسألة
وعن الرجل يقول اعتقوا كل عبد لي قديم ، فإنه
يعتق من عبيده كل عبد تقادم مكثه عنده على ما
يرى ، ولا ينظر في هذا إلى سنة .
قال محمد بن رشد : ظاهر قوله ولا ينظر في هذا
إلى سنة خلاف ما في سماع أبي زيد من كتاب
الوصايا أنه إن كان من عبيده من له عنده سنة
وأكثر من سنة ، ومن له عنده أقل من سنة ، فلا
عتق لمن كان له عنده منهم أقل من سنة ، وإن لم
يكن منهم من له عنده سنة فأكثر ، فيعتق من له
منهم عنده الستة أشهر ، والخمسة ، والأربعة ،
واقل ، وأكثر ، ويحتمل أن يكون سحنون إنما
تكلم على هذا الوجه ، فلا يكون قوله مخالفاً
لقول ابن القاسم في سماع أبي زيد ، وبالله
التوفيق .
مسألة
قال اصبغ عن ابن وهب عمن قال في وصيته أقدم
رقيقي عندي أحرار ، وعنده رقيق ولدوا عنده
صغار ، وقد اشترى بعد ذلك رقيقاً ؛ فقال أقدم
رقيقه عنده في المملكة يعتقون ، لأنه لم يقل
أكبر .
(14/319)
قال محمد بن
رشد : هذا بين على ما قاله لا إشكال فيه ،
وبالله التوفيق .
مسألة
وقال سحنون في رجل سافر بعبد لامرأته ، فباعه
في سفره ثم رجع فوجد امرأته قد ماتت وأوصت
بعتق ذلك الغلام - والثلث يحمله ، ولا يعلم
موضع الغلام ولا حي هو أو ميت ، فإن المال
يكون موقوفاً أبداً إلى يوم الحساب ، لأنه لا
يدري لمن يكون حين لم يدر هل أدركه العتق أم
قد كان مات قبل موتها ؟ وكذلك لو استفوى أنه
ادركه العتق قبل موتها ، لوقف المال أبداً ؛
وللسلطان أن يجتهد في ذلك رأيه ، فإن رأى أن
يضمن الزوج قيمته على أقرب عهدهم بالغلام وما
كانت قيمته يومؤذ ، فعلى أن رآه أفضل ؛ وكذلك
قال أصحابنا في الذي يوصي بعتق غلام فلا يعلم
موضع الغلام ، أنه يقوم الغلام قيمة أقرب
عهدهم به ، فيحسب في ثلث مال الميت .
قال محمد بن رشد : قوله إن المال يكون موقوفاً
أبداً ، يريد الثمن الذي باعه به الزوج ، لأنه
هو الذي يجب صرفه على المشتري أن وجد العبد
فأعتق . وقوله إلى يوم الحساب - يريد أن يؤيس
من وجود العبد قبل ذلك ، فإذا ايس من وجوده ،
فلا معنى لتوقيفه ؛ فإن علم أنه مات قبلها ،
كان الثمن للورثة ، وإن علم إنها ماتت قبله ،
جعل الثمن في عتق ؛ وكذلك إن جهل ذلك ، لأنه
محمول على الحياة حتى يعلم موته ، أو يمضي له
من السنين ما لا يحيى إلى مثلها . وقوله إن
للسلطان أن يضمن الزوج قيمته على أقرب عهدهم
بالغلام ، وما كانت قيمته يومئذ ، معناه أن
رأى أن يضمن الزوج قيمته يوم باعه علىما عرف
من صفته في أقرب عهدهم به ، لأنه محمول على
تلك الصفة التي عرف عليها حتى يعلم تغيره عنها
؛ ومعنى ذلك إن كانت قيمته
(14/320)
على هذه الصفة
أكثر ، الثمن الذي باعه به ، فتكون الزيادة
على الثمن الذي باعه به ميراثاً للورثة؛ وأما
الثمن الذي باعه به ، فقد مضى ما يكون الحكم
فيه من توقيفه ، وهذا إذا لم يجعل الزوج
كالوكيل لها ، وحمل بيعه إياه على العداء منه
عليها ، وفي ذلك اختلاف ؛ قال مالك في رسم حلف
من سماع ابن القاسم من كتاب البضائع والولاكات
: هو سفيرها ، فدل ذلك من قوله على أنه يحكم
له بحكم الوكيل فيما باع لامرأته واشترى لها ،
ومثله من الدليل في رسم البز من سماع ابن
القاسم من كتاب المديان والتفليس ، ووقع في
سماع زونان من كتاب الدعوى والصلح ما يدل على
أنه محمول في ذلك على غير الوكالة ( حتى تعلم
الوكالة ) وصرف سحنون الأمر في القضاء بهذا
إلى اجتهاد السلطان ، يدل على أن مذهبه القول
بتصويب المجتهدين وهو الصواب ، وفي ذلك اختلاف
معلوم ، وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل عن رجل قال في صحته لغلامين له نصفكما حر
، أنه يعتق من شاء منهما ، ولو قال أنصافكما
حر عتقاً جميعاً .
قال محمد بن رشد : قوله في الذي يقول في صحته
لغلامين له نصفكما حر ، أنه يعتق من شاء منهما
؛ بعيد في النظر ، وشذوذ في القول ؛ أنه إنما
يكون له أن يعتق من شاء منهما إذا قال لهما
أحدكما حر ، وأما إذا قال نصفكما حر ، فالواجب
في ذلك على أصلهم ، أن يعتق نصفهما بالسهم ،
كان ذلك في الصحة أو في المرض ، أو في الوصية
بعد الموت ، غير أن ذلك إن كان في الصحة فخرجت
إلى لقرعة على عبد قيمته أكثر من نصف قيمتهما
، عتق عليه جميعه ؛ إذ لا يصح التبعيض في عتق
الصحيح إن خرجت القرعة على عبد قيمته أقل من
نصف قيمتهما ، عتقا جميعاً . وقد قيل إن قوله
(14/321)
نصفكما حر
بمنزلة قوله أنصافكما حر يعتقان جميعاً ، حكى
ذلك ابن حبيب عن أصبغ ؛ وأما إذا قال أنصافكما
حر في صحته ، فلا اختلاف في أنهما يعتقان عليه
جميعاً ؛ وقد مضى هذا في رسم باع شاة من سماع
عيسى من كتاب العتق ، وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل سحنون عن امرأة قالت إن فعلت كذا وكذا
فغلامي الذي لي على زوجي حر ، فحنث ؛ قال يعتق
عليها إذا قبضته إن كان يحمله ثلث مالها . قال
اصبغ في رجل حنث بعتق رقيقه وله رقيق قد اسلم
فيها مضمونه ، أو كانت امرأة لها على زوجها
رقيق مضمونة ، لا حنث عليها فيها ؛ لأنها ليست
( لها ) بملك بعد ولاء له ، ولم يقع حنثه على
شيء بعينه ، والضامن لها يأتي من حيث شاء ،
ولا أرى لها في الحرية نصيباً .
قال محمد بن رشد : في المدنية لابن القاسم من
رواية عيسى عنه مثل قول سحنون ، وزاد أنه
للحالف يبيعه ، ولا يهبه ولا يصالح عنه ؛ فإذا
قبضه ، اعتق عليه ؛ وقال ابن كنانة إن قبضه
أعتق عليه ، وإن باعه ولم يقبضه سقط عنه الحنث
فيه ؛ ونص ما في المدونة : قال عثمان بن كنانة
في امرأة تزوجت رجلاً بنقد مسمى انتقدته ،
وبرأس موصوف - كالئاً عليه ، ثم حلف بالحرية ؛
قال إن قبضت ذلك الرأس من زوجها وقع الحنث
عليها فيه ، وعتق ساعة تأخذه ، لأن ذلك قد كان
وجب لها يوم حلفت ؛ قال وإن صالحت زوجها على
عرض أو عين تأخذه منه في ذلك الرأس ، لم يقع
عليها فيه حنث ، ولم تجبر على اخذ الرأس ؛ قال
عيسى بن دينار ، قال ابن القاسم أرى أن
(14/322)
تجبر على أخذه
ويعتق عليها ؛ ولو كان لا يكون عليها عتق 0
إذا لم تأخذه ما كان عليها عتق ) إذا أخذته ،
لأنه قد اكن لها عليه ملك يجب عليها اليمين
فيه - وإن كان مضموناً ، فقد جرى فيه العتق
وليس لها أن تبيعه ، وكذلك الذي يسلف في عبد
فيحلف بالحرية ، ثم يحنث ، أنه ليس أن يبيع
ويجبر على أخذه ويعتق عليه ؛ وقول اصبغ هو
الذي يوجبه القياس والنظر ، لأن العبد المسلم
فيه ليس المسلم فيه مالكاً له حتى يقبضه ، ولو
حلف قبل أن يقبضه أنه ما يملك عبداً ، لما كان
عليه حنث ؛ فوجب إلا يحنث فيه إذا حلف بالحرية
؛ وتفرقة ابن كنانة استحسان ، وقول ابن القاسم
إغراق فيه ، وبالله التوفيق .
مسألة
وقال سحنون في رجل قال لغلامه اذهب بهذا
الكتاب فاجعله في يد فلام - وأنت حر ، فذهب
فألفاه قد مات ، فوضعه في يده وهو ميت ، قال
هو حر .
قال محمد بن رشد : إنما وجبت له الحرية بوصوله
بالكتاب إليه دون توان ولا تفريط لا يجعله في
يده ، إذ ليس الغرض جعله في يده ، إذ لو وجده
حياً فوصل الكتاب إليه - ولم يجعله في يديه ،
لوجبت له الحرية ؛ وكذلك إذا وجده قد مات ،
الحرية له واجبة - وإن وجده قد دفن فلم يجعله
في يده ، إذ لا معنى لجعله في يده وهو ميت ،
إلا أن يكون قد فرط في الوصول حتى مات - ولو
لم يفرط لأدركه حياً ، فلا تجب له الحرية إن
قال الحالف إنما أردت توصيل الكتاب إليه بعينه
لغرض لي في ذلك ، ولو كان غرضه في الكتاب يتم
له بتوصيله إلى ورثته ، لوجبت له الحرية ،
وبالله التوفيق .
(14/323)
من نوازل أصبغ
سئل اصبغ عمن نذر عتق رقبة لله ، فأراد أن
يعتق عبداً له في نذره ، فقال له إذا سافرت لي
سفرتين إلى موضع كذا ، فأنت حر عن نذري ، أو
إذا اخدمتني سنة فأنت حر عن نذري الذي جعلت
لله علي ؛ قال لا أراها مجزية ، واراها ناقصة
؛ قال ولو كان قال له أنت حر إلى يومين أو
ثلاثة عن نذري ، وما يشبهه مما ليس فيه كبير
خدمة ولا مؤنة ، رايتها مجزية ، لأن هذا
كالبتل ، وقال اصبغ أرى الشهر كثيراً في العتق
إلى أجل - يريد سيده انتزاع ماله إذا تدانا
حلول عتقه بالشهر ينتزعه إن شاء ، وذلك أن
الشهر في هذا ليس بمشرف على العتق ، والشهر
يكون حدا من الحدود ، فضلا في أنواع العلم ؛
من ذلك الذي يحلف لينقلن ، فينتقل فؤمر إلا
يرجع حتى يقيم شهراً ، ومن ذلك الزكاة لا تقدم
قبل الحول بشهر ، فكذلك هذا - عندي - له
الانتزاع في الشهر ، وأراه كثيراً ؛ وقد يجرح
في مثل هذا فيكون جرحه للسيد ولا يكون له ،
ويكون ذلك أمراً بيناً لا ريبة فيه من ظلم من
قضاء ، ولو تقارب عتقه اليوم واليومين بجرح لا
يشكل على أحد أن يكون جرحه له ، ويقضى له به ؛
لأنه قد أوفى واشرف على العتق كشروف المدبر
بمرض سيده المرض المقرب للموت ، فاستدل بهذا
وأشباهه ، والأول غير مشكوك ، والورثة مقام
السيد لما يكون له وعليه .
(14/324)
قال محمد بن
رشد : هذا كله بين على ما قاله ؛ لأنه إذا
أعتقه بعد أن يسافر له سفرتين ، أو بعد أن
يخدمه سنة ، فهو عتق مؤجل ؛ لا يجزئه عما نذر
من العتق البتل ؛ وأما إذا اعتقه إلى أيام
يسيرة ، أو ما أشبه ذلك من السفر إلى الموضع
القريب ، فهو يجزئه كما قال ، لأنه في معنى
البتل ؛ إذ لا كبير مؤنة على العبد في ذلك ،
ورأى الشهر في ذلك كثيراً على قيام ما ذكره من
انتزاع مال العبد المعتق إلى أجل من تقديم
الزكاة قبل حلول حولها ، وما أشبه ذلك من
الأشياء التي ذكرها ؛ وفي ذلك اختلاف ، ففي
كتاب ابن المواز أن الشهر قليل إذا توافى حلول
أجل عتق المعتق إلى أجل بالشهر ونحوه ، فليس
له أن ينتزع ماله مثله في كتاب ابن عبد الحكم
؛ وفي جواز تقديم الزكاة قبل حلول حولها
اختلاف كثير ، قيل إنها لا تجزئ قبل الحول
كالصلاة ، وقيل إنها لا تجزئ إلا قبل الحول
باليوم واليومين ، وقيل بالعشرة الأيام ونحوها
؛ وهو قول ابن حبيب في الواضحة ، وقيل بالشهر
، وهو قول ابن القاسم في سماع عيسى عنه من
كتاب الزكاة ، وقيل الشهر والشهران ، وهو قول
مالك في رواية زياد عنه ، وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل عن مريض دخل عليه غلامان له ، فقال لهما
: أحدكما حر ، فخرجا ثم دخل أيضاً أحدهما مع
غلام له آخر ، فقال لهما : أحدكما حر ، فمات
الرجل ؛ قال اصبغ : الورثة بمثابته كما يكون
له في حياته إن كان قوله هذا ( في حياته )
يوقعوا بين الأولين العتق على من شاءوا ، فإن
أوقعوه على الذي لم يدخل ثانية ، جمع الآخر مع
الذي دخل ثانية فأوقعوا العتق على من شاءوا
منهما أيضاً ورق الآخر ؛ وإن أوقعوا في أول
على الداخل ثانية ، بطل عتق الذي
(14/325)
كان معه أولاً
، وعتق الذي كان معه آخراً ، لأن التوقيع دار
إليه وحده .
قال محمد بن رشد : سأله عن الذي يقول ذلك وهو
مريض ثم يموت فلم يجب عليه ، وأجاب على من قال
ذلك في حياته - أي في صحته - ثم مات على القول
بأن الورثة يتنزلون منزلته في الاختيار إذا
قال في صحته عبد من عبيدي حر ، وقد اختلف في
ذلك على أربعة أقوال حسبما بيناه في رسم باع
شاة من سماع عيسى من كتاب العتق ؛ والذي يأتي
في هذه المسألة على قياس القول بأن العتق يجري
فيهم بالحصص : أن يعتق من كل واحد من الثلاثة
إلا عبد نصفه ، والذي يأتي فيهما على قياس
القول بأن يعتق ثلثهم بالقرعة إن كانوا ثلاثة
، أو ربعهم ، كانوا أربعة ؛ أو نصفهما إن كانا
اثنين ، أن يعرف قيمة كل واحد منهم ، فإن كان
في التمثيل قيمة الذي دخل أولاً مع الذي تكرر
دخوله عشرة ، وقيمة الذي دخل معه عشرون ،
وقيمة الثالث الذي دخل آخراً مع الذي كان دخل
مع الأول ثلاثون ، أسهم بين اللذين دخلا أولاً
، وقيمة أحدهما عشرة ، والثاني عشرون ، على ما
نزلناه ؛ فإن خرج السهم منهما على الذي قيمته
عشرون ، اعتق منه ثلاثة ارباعه بخمسة عشر ،
لأنها هي نصف قيمتهما ، وإن خرج السهم منهما
على الذي قيمته عشرة ، عتق كله ، وعتق من
الآخر ربعه بخمسة تتمة نصف قيمتهما التي هي
خمسة عشر ، ثم يرجع إلى الذي دخل آخراً وقيمته
ثلاثون مع الذي كان دخل مع الأول وقيمته عشرون
، فيسهم بينهما أيضاً ، فإن خرج السهم على
الذي قيمته عشرون ، وهو الذي دخل ثانية ، عتق
باقيه ، وعتق من الآخر سدسه - بخمسة تمام نصف
قيمتهما ؛ وإن خرج السهم على الذي دخل آخراً -
وقيمته ثلاثون ، عتق منه خمسة أسداسه بخمسة
وعشرين التي هي نصف
(14/326)
قيمتهما ؛
والذي يأتي فيها على قياس القول بأنه يعتق
واحد منهم بالقرعة - قل عددهم أو كثر ، أن
يقرع بين الأولين ، فيعتق من خرج السهم عليه
منهما ثم يقرع على الذي دخل ثانية مع الذي دخل
معه آخراً ، فإن خرجت القرعة على الثالث الذي
لم يقرع عليه بعد ، اعتق ، وإن خرجت على الآخر
الذي قد
أقرع عليه ، أعتق إن كانت القرعة لم تخرج عليه
أولاً ، وبقي الثالث وحده رقيقاً ؛ وإن كانت
القرعة قد كانت خرجت عليه أولاً فأعتق ، لم
يعتق سواه ؛ لأن القرعة خرجت عليه في المرتين
جميعاً ؛ وهذا هو الحكم في الذي قال ذلك - وهو
مريض ثم مات وملم يجب عليه ، لأن القرعة هو
وجه الحكم في هذا في المرض والوصية بعد الموت
، وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل عمن قال لغلامه إن جرحت فلاناً فأنت حر
فيجرحه ، فقام المجروح يطلبه بجرحه ؛ قال يخير
سيده ، فإن فداه بدية الجرح ، وغلا بيع فأخذ
عقل جرحه ؛ فإن كان فيه فضل عن جرحه ، عتق ثم
رجع ؛ فقال الأرش على السيد والعبد حر ؛ لأنه
كان أمره بذلك على أن يحمل عنه الارش .
قال محمد بن رشد : قوله فإن فداه بدية الجرح
وإلا بيع ، معناه فإن فداه بدية الجرح أعتق ،
وإلا بيع إلى آخر قوله ، والقول الذي رجع إليه
من أن الارش على السيد - والعبد حر مكانه ، هو
الاظهر أنه لا يباع منه بقدر الجرح إلا أن لا
يكون للسيد مال ، وبالله التوفيق .
(14/327)
مسألة
وقال اصبغ الحجة في المعتقة إلى أجل لا توطأ ؛
لأن سيدها لا يقدر على أن يحدث فيها ما ينقص
عتقها قبل الأجل ، وكذلك الكتابة ، وليس كذلك
المدبرة ؛ لأنه يدخل على المدبرة من الدين ما
ينقض عتقها بعد موته ؛ وأما أم الولد فإنه
يعتقها وطؤه إياها وماؤها فيها ، فذلك لا يزول
عنه إلا بموته .
قال محمد بن رشد : هذه تفاريق بينة بين هذه
الوجوه لا إشكال فيها ، وبالله التوفيق .
مسألة
وفيمن قيل له اعرض علينا جاريتك ، فقال يا
فلان ادع فلانة هي حرة ، فلم تخرج وقال إنما
أردت إن جاءت ؛ قال هو حانث ولا يقبل قوله إذا
كانت عليه بينة .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة بينة ، قوله إنه
لا يقبل قوله صحيح إذا كانت عليه بينة ،
وبالله التوفيق .
مسألة
وعن رجل له عبدان ، فقال أحدكما حر ولا خيار
لي فيكما ، على هذا أعتق أحدكما ؛ قال اصبغ
هما حران جميعاً ، وارى قوله لا خيار لي فيهما
قطعاً للعبودية ، إلا أن تكون له نية تخرج إلى
وجه .
(14/328)
قال محمد بن
رشد : قوله إلا أن تكون له نية تخرج إلى وجه ،
مثل أن يقول له إنما أردت اني لا اختار وإنما
اعتق من خرج السهم عليه منكما ، إلى مثل أن
يقول إنما لا اختار أحدكما وإنما أعتق نصف كل
واحد منكما ؛ وادعاؤه الوجه الأول أظهر ، وهو
مصدق فيما يدعيه من ذلك ، وبالله التوفيق .
مسألة
وقال اصبغ في الرجل يأذن لامرأته أن تحلف
بحرية رقيقها في أمر - وحريتها أكثر من الثلث
فتحلف ، ثم يريد أن يرد عليها ؛ قال اصبغ ذلك
له ، وكذلك لو أن امرأة خطبها خاطب ، فحلفت
بعتق رقيقها ألا تتزوجه فعلم ذلكن ثم أجابته
وتزوجها على علم ، كان له الرد أيضاً إذا جاوز
ذلك ما يجوز لها ، وليس تقدمه عليها بعد علمه
حجة عليه ، وكذلك يقول أهل العلم .
قال محمد بن رشد : أما إذا إذن لها زوجها
بالحلف ، فإنما قال أن له أن يرد عليها إذا
حنث ، لأن من حجته أن يقول إنما أذنت لها أن
تحلف لتبر في يمينها ولا تحنث ، ولو علمت إنها
تحنث ، لما أذنت لها أن تحلف ؛ وأما التي حلفت
بعتق رقيقها إلا تتزوج رجلاً ثم تزوجته ، فهي
مسألة قد مضت في رسم اسلم من سماع عيسى ،
والكلام عليها مستوفى ، فلا معنى لإعادته
وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل اصبغ عن الرجل يبيع أم ولده على أن
يعتقها المشتري عتقاً يبتدئه بعد الاشتراء ،
فاشتراها وأعتقها ، ثم علم السلطان بذلك ؛ قال
يمضي عتق المشتري فيها ، ويكون ولاؤها لسيدها
الذي باعها ؛ ولا أرى أن يرجع عليه المشتري من
الثمن بشيء ، ولو
(14/329)
باعها منه
بيعاً لم يشترط عليه فيها عتقاً ، فأعتقها
المشتري من قبل نفسه ، فإن السلطان يردها إلى
سيدها أم ولد ، وينفسخ عتق المشتري ويرجع
بالثمن .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال ، لأنه إذا
اشتراها منه على أن يعتقها فليس بشراء ، وإنما
أعطاه ما اعطاه على عتقها بمنزلة ما لو قال له
خذ مني كذا وكذا وأعتق أم ولدك ؛ وأما إذا
اشتراها منه بغير شرط العتق فأعتقها ، فهو
شراء فاسد يجب فسخه وردها أم ولد إلى سيدها –
وإن كان المشتري قد أعتقها ، إذ لا يصح له
فيما عتق ، لوجوب حريتها بولادتها من سيدها
الذي باعها ، وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل عن رجل قتل وليه عمدا ً- وهو وارثه –
وللمقتول موال ، فقال لا أرى أن يرث ولاءهم ،
لأنه في الولاء والميراث متهم بتهمة واحدة ،
وولاؤهم لأقعد الناس فيه بعده ، لأن الولاء
ليس بنسب فلا يزول .
قال محمد بن رشد : لا أذكر لأحد من أصحاب مالك
نص خلاف في هذا ، وفيه - عندي - نظر ؛ لأنه
إنما يحص على قياس القول بأن الولاء يورث على
المعتق ، كما يورث عنه ماله ؛ فيكون أحق
بميراث مواليه - إذا ماتوا ، من ورث عنه ماله
على ما قضى به ابن الزبير في أبي عمرو ذكوان
مولى عائشة ، لأنه جعله لطلحة بن عبد الله بن
عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ، ورآه أحق به
من القاسم بن محمد ابن أبي بكر الصديق ، من
أجل أن أباه عبد الله ورث عائشة دون القاسم ،
لأن أباه عبد الرحمن كان أخا عائشة لأبيها
وأمها ، وكان والد القاسم : محمد أخاها لأبيها
دون أمها ؛ والذي يأتي في هذه المسألة على
قياس ما عليه الجمهور وجماعة الفقهاء الأمصار
، أن
(14/330)
الولاء لا يورث
عن المعتق وأن أحق الناس بميراث مولاه ، أقرب
الناس به يوم مات المولى ، لا من ورث مولاه
الذي أعتقه ، أن يكون ميراث مولى المقتول
عمداً للقاتل إن كان أقرب الناس إلى المقتول
يوم مات المولى ، إن كان بعد موت لا يمكن أن
يحيى إليها المقتول لو لم يقتل ، لأن إن مات
في يده كان يمكن أن يحيى إليها المقتول ، اتهم
القاتل في أنه إنما قتله ليرث ماله ، وليرث
مولاه إن مات ؛ وإذا مات بعد مدة لا يمكن أن
يحيى إليها المقتول لو لم يقتل ، ارتفعت عنها
التهمة في ذلك ، فكان له ميراثه ؛ لأنه إنما
منع ميراث المقتول من أجل أنه اتهم على أنه
إنما قتله ليرثه ، فكذلك المولى يحرم ميراث في
الموضع الذي يتهم فيه على أنه إنما قتل مولاه
ليرثه ، ولا يحرم إياه في الموضوع الذي تنتفي
عنه التهمة في ذلك ، وبالله التوفيق .
مسألة
وقال في النصراني مات وترك امرأته حاملاً وترك
أولاداً مسلمين وعصبة نصارى فولدت المرأة
جارية فأقرها إخوتها على الإسلام وسموها باسم
الإسلام ، وأسلمت الأم أيضاً ثم مات المولودة
؛ فقال يرثها إخوتها وأمها ؛ وتدفن في مقابر
المسلمين ، ولا يرثها عصبة أبيها النصراني ؛
وهذا بين ، إلا ترى أن الرجل يشتري الصغيرة من
السبي فيسلمها ويسميها باسم الإسلام ، ويجريها
على ذلك وهي صغيرة ، فتكون مسلمة ويعمل فيها
ما يعمل في المسلمة ؛ وهذا قول مالك وغيره من
أهل العلم فاعرفه .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال إنها إذا ولدت
بعد موت أبيها النصراني وأقرها إخوتها على
الإسلام ، وسموها باسم الإسلام ، وأسلمت الأم
أيضاً ؛ أنه يحكم لها بحكم الإسلام في جميع
الأحوال من الموارثة ، والصلاة
(14/331)
عليها ، والدفن
في مقابر المسلمين ، وسائر ما يلزم في شريعة ؛
بدليل قول النبي - صلى الله عليه وسلم - كل
مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو
ينصرانه - الحديث يدل مجمله على عمومه ، على
أنه إذا لم يكن له أبوان يهودانه أو ينصرانه ،
فهو على ما ولد عليه من فطرة الإسلام ؛ وفي
تأويل الحديث اختلاف كثير ، وقد اختلف في
الصغير من السبي فقيل إنه يحكم له بحكم
الإسلام بملك سيده إياه ، وقيل إنه لا يحكم له
به حتى ينويه سيده ، وقيل إنه لا يحكم له به
حتى يرتفع عن حداثة الملك شيئاً ، ويزييه بزي
الإسلام ، ويشرعه شرائعه ، وهو قول ابن حبيب
في الواضحة ، والذي ذهب إليه في هذه الرواية ؛
وقد قيل إنه لا يحكم له بحكم الإسلام حتى يجيب
إليه بعد أن يعقل ، وقيل حتى يجيب إليه بعد أن
يبلغ ؛ وقيل في هذا كله سواء سبي مع أبويه أو
دونهما ، وقيل إنما هذا إذا سبى دون أبويه ،
وأما إذا سبي معهما أو مع أحدهما ، فله حكم من
سبي معه منهما ؛ وقيل إنما يراعى في ذلك الأب
، ولا يلتفت فيه إلى الأم - ما لم تفرق
الأملاك بينهما ؛ وقيل إن له حكمهما أو حكم
أحدهما - وإن فرقت الأملاك بينهما ، فاستدلاله
في الرواية بمسألة الصغيرة من السبي على
المسألة التي سأله عنها مع ما فيها من
الاختلاف الذي قد ذكرته ، إنما وجهه أنه إذا
كان قد قيل في المسبية أنه يحكم لها بحكم
الإسلام بتسمية سيدها إياها باسم الإسلام
وإجرائها على ذلك ، وهي قد ولدت في بيت الكفر
على دين الكفر ، ثم سبيت مع أبويها ، فأحرى أن
يقال ذلك في التي ولدت في بلد الإسلام بعد أن
(14/332)
مات أبوها ثم
إلى سلمت امها ، فأقرها إخوتها على الإسلام
وسموها باسمه ، فلا يدخل فيها الخلاف الذي في
المسبية ، وبالله التوفيق .
مسألة
وفي رجل مات وترك امرأته حاملاً فولدت توأماً
، فشهدت امرأتان أن أحدهما استهل فلم تعرفاه ؛
قال اصبغ إن كان غلامين فله الميراث ، لأن
ميراثهما واحد ، وإن كان جاريتين فكذلك ، وإن
كان غلاماً وجارية ، فهذا موضع شك ، وأخاف ألا
يكون لهما شيء ؛ ولو كان له امرأتان فولدتا
فشهدت امرأتان أن أحدهما استهل ولا يعرفانه ،
فلا ميراث لواحد منهما ، لأنه قد اختلف
الأمهات والمواريث ، وليس يورث أحد بالشك .
قال محمد بن رشد : أما إذا كانا غلامين أو
جاريتين ، فكما قال لا أشكال فيه ؛ وأما إذا
كان غلاماً وجارية ، فقوله أخاف إلا يكون لهما
شيء ، ليس بصحيح ؛ والواجب أن يجعل له ميراث
أنثى الذي هو أدنى المرتبتين كما قال ابن
القاسم في رسم أوصى من سماع ( عيسى ) من كتاب
الشهادات إذا كان واحداً فشهد على استهلاله
ولم يدر أن كان ذكراً أو أنثى ؛ وأما إذا كانت
امرأتان فبين أنه لا ميراث لواحد منهما ، إذ
لا يدري من هي أم المستهل منهما التي يستحق
ميراثه ، وبالله التوفيق .
(14/333)
ومن كتاب
المدنيين
قالت وسألت ابن القاسم عن رجل اخبر بنفاس أمته
، واخبر أنه غلام ، فقال هو حر عن أبيه ، فإذا
هي جارية ؛ هل يجوز عتقها ؟ فقال لا يلزمه
عتقها إلا أن يكون أراد ما وضعت حر فإن لم يرد
ذلك ، وإنما أراد أن يعتقه لأنه غلام ، فلا
يلزمه عتقها ، ورواه أبو زيد .
قال محمد بن رشد : هذا بين على ما قاله ، وهو
مصدق فيما يذكره من أنه إنما أراد أن يعتقه ،
لأنه غلام دون يمين تلزمه في ذلك ، لأن نيته
مطابقة لما لفظ به ؛ وقد قال ابن أبي حازم في
المدنية والمبسوطة إنه يعتق ، لأنه إنما أراد
عتق ما وضعت وهو بعيد ، وبالله التوفيق .
ومن سماع محمد بن خالد
قال محمد بن خالد سألت ابن القاسم عن المكاتب
يبيعه سيده فيعتقه الذي ابتاعه ، قالا لا يرد
عتقه ويمضي ذلك ؛ وقال ابن نافع يرد عتقه إذا
باعه من قبل أن يعجز ويرجع رقياً ، ويرد إلى
صاحبه على كتابته حتى يعجز أو يؤدي .
قال محمد بن رشد : هذا الاختلاف في المدونة ،
وفيها قول ثالث لأشهب وسحنون - وهو الفرق بين
أن يعلم المكاتب بالبيع أو لا يعلم ، لأنه إذا
رضي بالبيع فقد رضي بتعجيز نفسه ؛ وهذا الذي
تقتضيه الروايات بحملها على ظاهرها ، والأولى
أن تحمل على ما سنذكره في سماع عيسى من كتاب
المكاتب - إن شاء الله ، وبالله التوفيق .
(14/334)
مسألة
وقال ابن القاسم في المدبر يباع فيموت عند
المبتاع ، أن الموت فوت ، ويرجع على البائع
بما بين قيمته مدبراً وقيمته غير مدبر . وقال
ابن نافع إذا فات عند المبتاع بموت أو عتق ،
لم يرجع على البائع لشيء ، قال محمد بن خالد
وقول ابن نافع عندنا اقيس وأحب إلينا - والله
أعلم بالصواب .
قال محمد بن رشد : قول ابن القاسم في هذه
الرواية في المدبر يباع فيموت عند المبتاع أنه
يرجع على البائع بما بين قيمته مدبراً وقيمته
غير مدبر ، معناه من الثمن الذي باعه به على
حكم من اشترى عبداً فاطلع على عيب به بعد أن
مات عنده ، وهذا إذا كان البائع دلس له به -
ولم يعلمه أنه مدبر ، ولو اشتراه منه وهو يعلم
بتدبيره فمات عنده ، لم يكن له عليه رجوع ؛
وقول ابن القاسم هذا يحمل على التفسير لمذهبه
في المدونة ، لأنه على أصله فيها إذ قال أنه
إذا حدث عند المبتاع له عيب يرده ، وما نقص
العيب عنده على حكم البيع المردود بالعيب ،
وإنما لم ير في المدونة للمشتري رجوعاً على
البائع بقية عيب التدبير إذا مات عنده ، فقال
أن المصيبة فيه من المشتري ، ويحبس البائع من
الثمن قدر قيمته لو كان يحل بيعه على رجاء
العتق له وخوف الرق عليه ، ويجعل الباقي في
عتق ؛ لأنه إنما تكلم على أنه علم بالتدبير -
والله أعلم ؛ فإذا علم بالتدبير ، لم يكن له
رجوع على البائع بعيب التدبير ، ولزم البائع
أن يجعل ما زاد الثمن الذي اخذ فيه على قيمته
على الرجاء والخوف في المدبر ، وإذا لم يعلم
المبتاع بالتدبير رجع على البائع بقيمة عيب
التدبير على ما قاله في هذه الرواية - ولم يكن
على البائع
(14/335)
فيما بقي عنده
من الثمن شيء ؛ وقول ابن نافع الذي اختاره
محمد بن خالد أنه لا رجوع له على البائع إذا
فات عنده بموت أو عيب ، وجهه أنه إذا فات عنده
بموت في حياة السيد البائع له ، فقد تبين
بطلان التدبير ، وإن ما كتبه من تدبيره إياه
لم يضره وأن عتق فقد صح البيع ، إذ لا يصح نقض
البيع بعد أن اعتق ، إذ قد قيل أنه يجوز بيعه
إياه على أن يعتق ؛ فعلى قوله لا يجب على
البائع أن يتمحى في شيء من الثمن إذا فات عند
المبتاع بموت أو عتق ، وهو قول ابن القاسم من
رواية عيسى عنه في المدنية ، وستأتي هذه
المسألة في سماع اصبغ من كتاب المدبر ،
فنزيدها فيه بياناً - إن شاء الله ،
وبالله التوفيق .
من سماع أبي زيد
وقال في رجل قال لعبدين له إن جئتما بمائتي
دينار فأنتما حران أن رضيتما ، فقال أحدهما لا
أرضى ، وقال الآخر أنا ادفع المائتين ؛ قال
يكونان حرين وأن كره أحدهما ، ويتبع من أدى
الذي لم يرض أن يكون ( حراً ) .
قال محمد بن رشد : هذا مثل ما في المدونة في
الذي يكاتب عبده على نفسه وعلى عبد للسيد غائب
، أن الكتابة تلزم الغائب . وإن أباها ولم يرض
بها ، وهو على القول بأن للسيد أن يجبر عبده
على الكتابة ، إذ لا ضرر في ذلك عليه ، وهو
أصل قد اختلف فيه قول مالك وابن القاسم ،
وبالله التوفيق .
(14/336)
مسألة
قال ابن القاسم إذا قال في عبد بينه وبين رجل
نصيبي منك حر إلى اخرنا موتاً أنا أو شريكي ،
وقال شريكه أيضاً هو حر ، إلى موت الآخر منا ،
فمن مات أولاً فنصيبه من العبد حر من الثلث ،
وخدم نصف ورثته إلى موت شريكه ، وإن قالا هو
حر إلى موتنا ؛ فمن مات أولاً فنصيبه من العبد
حر من الثلث ، ونصيب الباقي حر من رأس المال .
قال محمد بن رشد : أما قوله فمن مات أولاً أن
نصيبه من العبد يكون حراً من الثلث ، ويخدم
ثلثه إلى موت شريكه . وقوله وإن قالا هو حر
إلى موتنا - يريد وكذلك إن قالا هو حر إلى
موتنا ، إذ لا فرق بين اللفظين في المعنى .
وأما قوله ونصيب الباقي من رأس المال ، فهو
غلط ؛ لأن الحكم فيه أن يكون من الثلث ، لأنه
إنما يعتق بعد موته ، هذا ما لا إشكال فيه ،
وإنما يكون حظ الآخر موتاً منهما من رأس المال
، إذا قال كل واحد منهما نصيبي حر إلى موت
الأول منا ، فهذا هو الذي سبق إليه فأجاب عليه
، وبالله التوفيق .
مسألة
وإن دبره إلى آخرهما موتاً موتاً ، فمن مات
أولاً كان نصيبه حراً من الثلث يخدم ، حصة
ورثة الميت - إلى موت الآخر ؛ فإذا مات الآخر
كان حظه أيضاً حرا من الثلث .
قال محمد بن رشد : هذا بين على ما قاله ،
وكذلك العتق أيضاً
(14/337)
يكون حظ كل
واحد منهما من الثلث على ما بيناه في المسألة
التي فوقها ، وبالله التوفيق .
مسألة
وقال في امرأة قالت في جاريتها إن ولدت غلاماً
فأنت حرة شكراً لله ، فولدت غلاماً ميتاً ،
قال تعتق .
قال محمد بن رشد : قد تقدمت هذه المسألة
والكلام عليها في سماع أبي زيد من كتاب العتق
قبل هذا ، فلا معنى لإعادته ، وبالله التوفيق
.
مسألة
وقال في رجل استعار من رجل عبداً في يوم لا
يعمل فيه العبد لسيده شيئاً ، فقال هو اليوم
حر ، يريد أن هذا اليوم لا يعمل لي فيه شيئاً
، إنه يحلف ما أراد عتقاً ولا يعتق عليه .
قال محمد بن رشد : قوله أنه يحلف ما أراد
عتقاً ولا يعتق عليه ، هو على القول بلحوق
يمين التهمة ، إذ لا يصح أن يحقق عليه الدعوى
في أنه أراد بذلك العتق ، لأن نيته لا سبيل
إلى معرفتها إلا من قبله ، وهي نية تدل على
صدقه فيها - تخصيصه الحرية بذلك اليوم الذي لا
يعمل له فيه شيئاً ، وبالله التوفيق .
مسألة
قال ولو أن عبداً شئتم رجلاً فإستعدى عليه
سيده ، فقال هو حر مثلك ، قال اراه حراً قد
أعتقه .
(14/338)
قال محمد بن
رشد : هذا كما قال ، لأن ظاهر قوله الحرية
نولا يصدق أنه لم يرد بذلك الحرية - إن ادعى
ذلك ، إذ ليس له سبب يدل على تصديقه كالمسألة
التي قبلها ، وبالله التوفيق .
مسألة
قال لو أن رجلاً ادعى قبل رجل عبداً فوجده قد
أعتقه ، فقال له أعتقت عبدي ، قال قد والله
فعلت ولم تكن بينة إلا بإقراره ، عتق العبد
وغرم القيمة .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال ، لأن العتق
يلزمه بعتقه إياه قبل أن يقربه المدعي ،
وتلزمه القيمة المدعي بإقراره له به ولو قامت
للمدعي بينة على أنه له ، لبطل العتق فيه ،
وبالله التوفيق .
مسألة
وقال في رجل هلك وترك ثلاثة أعبد ، فشهد وارث
أن أباه اعتق أحد الثلاثة الاعبد ، فصار له
عبد في الميراث ؛ قال أرى أن يسهم بينهم ، فإن
وقع عليه السهم عتق ، وإن لم يقع عليه السهم ،
( عتق منه ثلثه ) .
قال محمد بن رشد : معنى هذه المسألة أنه شهد
أن أباه قال في مرضه : أحد هؤلاء الأعبد
الثلاثة حر ، وكذلك لو شهد أنه قال ذلك في
صحته على القول بأنه إن لم يختر حتى مات ، عتق
واحد منهم بالقرعة ؛
(14/339)
ويأتي على
القول بأن العتق بجري فيهم - أن يعتق عليه
ثلثه ؛ وعلى القول بأن الورثة ينزلون منزلته
في الاختيار ، لا يعتق على الشاهد هذا العبد
الذي صار إليه من الأعبد الثلاثة بالميراث ،
إلا أن يختاره للعتق ؛ ولا اختلاف في المسألة
أن كان قال ذلك في مرضه ، للاتفاق على أن
الحكم في ذلك أن يعتق واحد منهم بالسهم ؛ ولو
اشهد أنه اعتق واحداً منهم بعينه في صحته ، أو
في مرضه ، والثلث يحمله نولا يدري من هو منهم
؛ لعتق عليه العبد الذي صار إليه منهم
بالميراث ، على القول بوجوب الحكم بالعتق في
الشك ، وقد مضى هذا في غير ما موضع ،
والاختلاف في ذلك منصوص عليه في المدونة ،
وبالله التوفيق .
مسألة
قيل له : أرأيت لو أن رجلاً أعتق وعليه دين
للناس ، فقال الغرماء نحن نمضي عتقك ونطلبك ،
إن رزقك الله يوماً ما من الدهر ؛ قال عتقه
جائز : قيل له فإن سيد العبد يقول : لا أحب أن
يكون علي دين فردوه ، قال لا يقبل قوله ، لأنه
لو نظر في هذا ( أول مرة لم يعتق ، أفلا نظر
في هذا ) قبل أن يعتق .
قال محمد بن رشد : هذا بين على ما قاله لا
أشكال فيه ولا اختلاف ، لأن الحق في رد العتق
إنما هو للغرماء ، وأما هو فقد رضي إذا أعتقه
- أن تكون ديون الغرماء باقية في ذمته ،
وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل سحنون عن رجل كان عليه لرجلين دين ، فذكر
حق
(14/340)
واحد ، أو من
حقوق مختلفة - والدين خمسون ديناراً ، وللغريم
عبد قيمته خمسون ديناراً ولا مال له غيره ،
فاعتقه الغريم ، فأجاز أحد الرجلين ، وأبى
الآخر أن يجيز العتق قال يعتق نصف العبد ويباع
نصفه للذي لم يجز ، ويكون دين الذي أجاز العتق
في ذمة الغريم - كما كان إذا أفاد مالاً أخذه
منه .
قال محمد بن رشد : هذا بين على ما قاله لا
أشكال فيه ولا كلام ، إذ لا يلزم من لم يجز
إجازة من أجازوا إن أدى ذلك إلى تبعيض العتق ،
وبالله التوفيق .
مسألة
قال أبو زيد : وسالت ابن وهب عن رجل قال غلامي
حر إن لم أبعه ، ثم قال بعد ذلك هو حر إن بعته
؛ قال : لا شيء عليه حتى يموت السيد فيعتق في
ثلثه .
قال محمد بن رشد : هذا بين على ما قاله ، لأن
اليمين الأولى هو فيها على حنث يقدر على البر
فيه طول حياته ، فإذا لم يفعل حتى مات ، علم
أنه إنما أراد أن يعتقد بعد موته ، فيعتق في
ثلثه ، واليمين الثانية هو فيها على بر فلا
تأثير لها في حكم اليمين الأولى ؛ فإن باعه
عتق عليه باليمين الثانية ، ورد الثمن إلى
المبتاع على المشهور المعلوم في المذهب ؛ وإن
لم يبعه حتى مات ، عتق عليه من ثلثه باليمين
الأولى ، وهو على المشهور في المذهب من أن من
حلف أن يفعل فعلاً ، تحمل يمينه على التأخير
حتى يريد التعجيل ، وقد قيل إن يمينه تحمل على
التعجيل حتى يريد التأخير - حسبما مضى القول
فيه في سماع أبي زيد من كتاب العتق ، وفي غير
ما موضع ؛ فعلى هذا القول يعجل عليه العتق باع
أو لم يبع ؛ لأنه إن لم يبع ، عتق عليه
باليمين الأولى ، وإن باع ، عتق عليه باليمين
الثانية ، وهذا كله بين والحمد لله .
(14/341)
مسألة
وسألت أشهب عن الرجل يقول لأمته - وهي حامل
بين حملها - إذا وضعت فأنت حرة ، ثم يموت
السيد قبل أن تضع ؛ قال : إذا لم تضع حتى مات
فلا عتق لها .
قال محمد بن رشد : قول أشهب هذا على أصله فيمن
أعتق أو طلق إلى أجل قد لا يأتي وإن كان
الأغلب منه أن يأتي ، أنه بمنزلة من أعتق أو
طلق إلى أجل قد يأتي وقد لا يأتي ، وإن كان
الأغلب منه أنه لا يأتي ، أو استوى الوجهان في
ذلك لا يطلق عليه حتى يأتي الأجل ، ولا يعتق
عليه حتى يأتي الأجل أيضاً : فإن أتى الأجل
وهو صحيح ، كان حراً من رأس المال ؛ وإن أتى
الأجل وهو مريض ، كان حراً من الثلث ؛ وإن لم
يأت الأجل إلا بعد موته ، لم يكن له عتق ، وقد
روى مثله ابن وهب عن مالك ، خلاف قول ابن
القاسم وروايته عن مالك والمشهور في المذهب من
أن حكم الأجل الذي الأغلب منه أن ما يأتي حكم
الأجل الذي يعلم منه أنه يأتي ، يعجل الطلاق
فيه ، كما يعجل على من طلق إلى أجل معلوم ،
ويكون من أعتق إليه وهو صحيح ، كمن اعتق إلى
أجل معلوم ، يكون العبد حراً إلى ذلك الأجل من
رأس المال ، سواء جاء الأجل والسيد صحيح أو
مريض ، أو بعد أن مات ، وبالله التوفيق .
مسألة
قال ابن القاسم لا ينقل الولاء من قبل الأب
أبداً ؛ إنما ينتقل من قبل الأخ .
قال محمد بن رشد : هذا الكلام مشكل ، ومعناه -
والله أعلم - أن الولاء إذا وجب للأب لا ينتقل
عنه إلى غيره ما دام حياً ، والأخ للأب قد
(14/342)
يجب له الولاء
فينتقل عنه وهو حي إلى أخ يولد لأبيه من أم
أخيه الذي كان ورث الولاء عنه ، لأن الشقيق
أولى بالولاء من الأخ للأب ، لأن الولاء لا
يورث عن الأب ويورث عن الأخ ، لأنه يورث عن كل
واحد منهما ، هذا ما لا اختلاف فيه والحمد لله
.
مسألة
وسئل ابن كنانة عمن يعتق على الرجل إذا ملكه
من ذوي الأرحام ، فقال الولدان والأجداد
والجدات الأربع ومن فوقهن من الأجداد ، والولد
وولد الولد ، وبنو البنات .
قال محمد بن رشد : سكت عن الأخوة ، فظاهر قوله
إنهم لا يعتقون على من ملكهم وهو مذهب الشافعي
، خلاف المعلوم من مذهب مالك وأصحابه ؛ وقد
مضى في رسم العتق من سماع أشهب من كتاب العتق
، تحصيل القول في هذه المسألة ، وبالله
التوفيق .
مسألة
وسئل ابن كنانة عن نصراني أعتقه مسلم ، لمن
ميراثه ؟ فقال يرفع إلى بيت المال ، إلا أن
يكون له ذو رحم نصراني من عتاقه المسلمين
فيرثه ، فإن لم يكونوا من عتاقه المسلمين ، لم
يكن لهم ميراث وكان ميراثه لجميع المسلمين .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة قد مضى تحصيل
القول فيها في آخر رسم العتق من سماع أشهب من
كتاب العتق ، فلا معنى لا عادته ، وبالله
التوفيق .
(14/343)
مسألة
قيل لأصبغ أرأيت أهل الملل من أهل الكفر ، هل
يتوارثون بالنسب ، مثل أن يهلك اليهودي وله
ابن نصراني ، أو ما أشبه هذا من اختلاف أهل
الأديان ؛ قال كان ابن القاسم يقول يتوارث أهل
الملل ، ثم رجع فقال لا يتوارثون ، وقوله
الأول أحب إلينا .
قال محمد بن رشد : قوله الأول الذي اختار اصبغ
هو الاظهر - إن تركوا على ما يدعونه من دينهم
الذي عهدوا أن يقروا عليه ، وبالله التوفيق .
تم كتاب الولاء والحمد لله ، وصلى الله على
سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
أثيراً .
(14/344)
|