البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة

 ( كتاب الخدمة )
من سماع ابن القاسم من كتاب
الرطب باليابس
أخبرنا العتبي قال أخبرنا سحنون ، قال ابن القاسم وسئل عن رجل جعل لرجل خدمة غلامه سنة ، فقبضه يستعمله ؛ ثم أراد أن يبيعه سنه قبل السنة ، أيصلح ذلك ؟ قال لا بأس به .
قال محمد بن رشد : إنما أجاز ذلك ، لأنه انزل أمره على أنه رد عليه الخدمة ، واشترى منه الرقبة ؛ ولو أنزل أمره على أنه إنما باعه منه بعد انقضاء السنة على أن يبقى على ما كان له من اختدامه - إلى انقضاء السنة - لما جاز ، فلا يبعد أن يحمل على لابيع ؛ على هذا فلا يجوز إذا وقع على غير بيان ، ولو نص على أنه إنما يبيعه منه على أن يقبضه بالبيع بعد انقضاء السنة التي أخدمه غياها ، لما جاز باتفاق ؛ ولو أخدمه إياه سنة وجعل الرقبة بعد السنة لرجل آخر ، لما جاز للذي أخدم غياه أن يشتري الرقبة من الذي وهبت له قبل انقضاء السنة ، إلا أن يكون لم يبق منها إلا ما يجوز لمن باع عبده أن يستثنيه من خدمته - وهو اليوم واليومان والثلاثة ن وبالله التوفيق .

(14/345)


مسألة
قال وقال مالك من قال لغلامه قد تصدقت عليك بخراجك ، ثم أنت من بعد موتي حر ، فهو بمنزلة أم الولد ؛ فإن قال قد تصدقت عليك بخراجك ، فإنه يستخدمه ولا يضربه ؛ قال ابن القاسم وإن قال قد تصدقت عليك بعملك ، كان حراً مكانه ؛ وسئل عنها سحنون فقال العمل والخراج والخدمة - عندي واحد ، فإذا قال الرجل لعبده قد تصدقت عليك بعملك ، أو بخراجك ، أو بخدمتك ؛ فإن كان أراد ما عاش العبد فهو حر الساعة ، وإن كان ما عاش السيد ، فليس له منه إلا حياة السيد فقط ولا يكون حراً .
قال محمد بن رشد : قوله في الذي قال لغلامه قد تصدقت عليك بخراجك ، ثم أنت من بعد موتي حر ؛ إنه بمنزلة أم الولد - يريد في أنه لا يستخدمه طول حياته إلا في القدر الذي تستخدم فيه أم الولد لا في العتق ؛ لأن أم الولد تعتق إذا مات سيدها ، من رأس ماله ، وهذا لا يعتق إلا من الثلث ، وكذلك في كتاب ابن المواز ، قال محمد : لأن هذا قد بين أنه لا يعتق إلا بعد موته ، وأما إذا قال قد تصدقت عليك بخراجك ، ولم يقل ثم أنت حر من بعد موتي ، فإنه يستخدمه كما يستخدم أم الولد حياته ، ولا عتق له من رأس المال ولا من الثلث ؛ بخلاف قوله قد تصدقت عليك بخدمتك أو بعملك ؛ سوى سحنون بين الخدمة والخراج والعمل ؛ وبمثله لابن القاسم في رسم المكاتب من سماع يحيى من كتاب الصدقات والهبات فقال إنه

(14/346)


إن قال قد تصدقت عليك بخدمتك أو بخراجك ؛ أو بعملك ما عشت ، فأنت حر ، وإن قال ما عشت أنا ، فليس له من خدمته إلا ما عاش السيد ولا يكون حراً ، وفي قول سحنون إنه إن كان أراد ما عاش العبد فهو حر الساعة ، وإن كان أراد ما عاش السيد ، فليس له منه إلا حياة السيد ؛ دليل على أنه يصدق فيما يذكر أنه نواه من ذلك دون يمين ؛ فإن قال لم يكن لي نية ، فالذي يوجبه النظر ، أن يحمل على حياة العبد ويكون حراً مكانه ، وبالله التوفيق .
مسألة
قال قال ابن القاسم وسمعت مالكاً قال من اعمر خادماً أو عبداً حياته ولا مال له ، ثم أفاد مالاً أو ولد له ولد ؛ قال مالك ما ولد للأمة ، أو كان للعبد من ولد من أمة يملكها ؛ فهو على مثابتها يخدمان المعمر حياته ، وما كان من مال فهو موقوف على أيدهما يأكلان منه ، ويكتسبان بالمعروف ، وليس للمعمر ولا للمعمر أن ينزعه منهما ، ما عاشا ، فإذا ماتا ورثهما سيدهما الذي يملك رقابهما ؛ وإن قتل العبد عمداً أو خطأ ، فإن قتله لسيده مثل الميراث ؛ قال ابن القاسم وإن قتله سيده خطأ فلا شيء عليه ؛ وإن قتله عمداً ، كان عقله عليه في السنين التي أعمر ؛ فإن فضل فضل ، كان له ؛ قال عيسى بن دينار تفسيره : أن يغرم سيده القاتل

(14/347)


القيمة فتوقف للمعمر ، فيستأجر له منها من يخدمه مكانه ؛ فإن مات قبل أن يستنفد القيمة ، رجع ما بقي من قيمته إلى سيده ؛ قال سحنون وقد كان عبد الرحمان يقول يشتري بتلك القيمة عبداً مكانه ، وكذلك لو أخدمه أو أعمره أمة ثم عدا عليها فأحبلها صاحب الرقبة ، أن عليه أن يشتري أخرى مكانها .
قال محمد بن رشد : قد تكررت هذه المسألة على نصها في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الحبس ، ومضى الكلام عليها هناك مستوفى ، فغنينا بذلك عن إعادته ههنا ، وبالله التوفيق .
ومن كتاب المحرم يتخذ الخرقة لفرجه
وسئل مالك عن رجل يخدم الرجل عبداً له سنة ثم هو حر ، فيريد العبد أن يشتري خدمته ممن أخدمه ، قال لا بأس بذلك .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال ، وهو مما لا إشكال فيه ، لأنها خدمة مؤقتة معلومة ، فله أن يبيعها ممن شاء ؛ فإن باعها من العبد كان حراً ، لأنه إذا ملك خدمته إلى الأجل الذي أعتق إليه بشراء أو هبة ، وجبت حريته ؛ ولو كانت الخدمة حياة المخدم ، لجاز للعبد أن يشتريها إذا كان مرجعه بعدها إلى الحرية ، لأنه يملك بذلك حريته ، ولم يجز لغيره أن يشتريها - لا السيد المخدم ولا سواه ؛ ولو كان المرجع بعد موت المخدم إلى السيد ، لجاز للسيد شراء الخدمة باتفاق . وللمخدم شراء الخدمة على اختلاف ،

(14/348)


وينزل ورثة كل واحد منهما منزلة موروثه فيما يجوز له من ذلك ؛ وقد مضى الكلام على هذه المسألة مستوفى في رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم من كتاب الحبس ، فلا معنى لإعادته هنا ، وبالله التوفيق .
ومن كتاب اغتسل على غير نية
قال ابن القاسم قال مالك من أخدم رجلاً خادماً سنين ثم هو حر ، ثم أراد بعد ذلك أن ينزع ماله فليس ذلك له ، قال عيسى قال لي ابن القاسم له أن ينتزع ماله إلا أن يتقارب ذلك أو يمرض ، وانكر سحنون رواية عيسى عن ابن القاسم وخط عليها .
قال محمد بن رشد : هذا الاختلاف جار على الاختلاف في النفقة على المخدم ، هل تكون على المخدم أو على المخدم ، وقد مضى بيان هذا في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الحبس ، فلا معنى لإعادته ، ومضى في رسم الاقضية من سماع يحيى من كتاب النكاح ، الكلام على حكم انتزاع مال العبد في جميع الأموال ، فلا معنى لإعادته .
ومن سماع أشهب وابن نافع من مالك
قال سحنون أخبرنا أشهب قال سئل مالك عن رجل أوصى لبعض من يرثه بخدمة غلام من غلمانه حتى يستغني عن ثم هو حر ، فلما هلك الموصي قال من يرثه إنه لا تجوز وصية لوارث ، فدخلوا

(14/349)


معه في الخدمة وتعاصوا فيها ؛ فقال الذي أوصى له بالخدمة ، فأنا اضع له ما كان لي وهو إليها محتاج لم يستغن ؛ وقال الورثة إنما تريد اضرارنا وأن تقطع عنا ما لنا معك من الخدمة وهو لم يستغن عنه بعد ؛ قال مالك إنما يوضع عنه بقدر الذي كان نصيب الموصى له الأول والاخرون الذين معه على حقوقهم ؛ وإنما مثل ذلك مثل رجل أوصى لوارث بمائة دينار على غريم فلما هلك الموصي ثبتت له الوصية ، فلما عرف أن الورثة يدخلون معه وضعها للغريم ، وابى الورثة الذين دخلوا معه ذلك ، فإنما يوضع عنه حقه ، ومن بقي من الورثة على حقوقهم .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة بينة لا إشكال فيها ، لأن الحرية إنما وجبت للعبد بعد حد استغناء الموصى له من الورثة بخدمته عن خدمته ، وكلهم اشراك في الخدمة ؛ إذ لا تجوز وصية لوارث ، إلا أن يجيزها الورثة ، فوجب ألا يعتق العبد قبل حد استغناء الموصى له من الورثة بخدمته عن خدمته إلا برضى جميع الورثة ، وللعبد حظ من ترك له منهم حظه من الخدمة ! أكان الموصى له أو غيره ، وكذلك الغريم إنما يكون له من الدين الذي عليه حظ من وضع له حظه منه كان الوصي له أو غيره ، وبالله التوفيق .
ومن سماع ابن دينار من ابن القاسم من كتاب نقدها نقدها
قال عيسى قال ابن القاسم في رجل أوصى في جارية له أن

(14/350)


تخدم ابنه حتى يبلغ النكاح ، ثم تخير فإن اختارت العتق فهي حرة ، وأوصى مع ذلك بوصايا - والثلث لا يحمل ذلك كله ؛ قال تخير الجارية الساعة ، فإن اختارات العتق وكان الثلث لا يسعها ، برئ برقبتها فيعتق منها ما حمل الثلث - الساعة ، وسقطت عنه الخدمة وجميع الوصايا ، وأن كان الثلث يسعها وفضلة ، إلا أن الثلث يضيق عن الوصايا ، فإن الوارث وأهل الوصايا يتحاصون في خدمة الجارية إلى الأجل ، وفيما فضل عن قيمتها من الثلث يتحاص أهل الوصايا في ذلك بوصاياهم ، ويحاص الابن بقيمة الخدمة إلى أن يبلغ النكاح ، فما فضل للاجنبيين أخذوه ، وما صار للوارث كان الورثة مخيرين إن شاءوا أمضوه ، وإن شاءوا دخلوا معه فيه فاقتسموه على فرائضهم ، فإذا بلغ الأجل ، فإن اختارت الجارية العتق اعتقت وسقطت الوصايا ، وأن اختارت أن تباع بيعت ، وأتم لأهل الوصايا وصاياهم .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة صحيحة على أصولهم ، فأنا ابين ما قد يشكل منها ، إذ لا اعتراض فيها ؛ لأن العتق مبدأ على جميع الوصايا والجارية مخيرة في العتق إلى أجل . فإذا اختارت العتق ولم يحملها الثلث ، وجب أن يعتق منها ما حمل الثلث معجلاً ، وسقط جميع الوصايا ! وإن حملها الثلث ، أو حملها وزيادة عليها ، كان الأمر فيها في المحاصة على ما قال ، فإن رجعت الجارية عند الأجل عن اختيار العتق وأحبت البيع ، بيعت وأتم لأهل الوصايا وصاياهم - كما قال - إن كان في ثمنها وفاد بما بقي من وصاياهم ؛ وأن لم يكن فيه وفاء بذلك تحاصوا فيه بما بقي من وصاياهم ، يضرب كل واحد منهم فيه بما بقي له من وصيته ، ويدخل الورثة ( فيه )

(14/351)


معهم ، فيضربون فيه بما انتقصوهم في المحاصة أولاً ؛ مثال ذلك أن يكون أوصى لرجل بعشرة ، ولرجل بعشرين ، ولابنه بخدمة الجارية حتى يبلغ النكاح - وقيمتها ثلاثون ، 0 وقيمة الخدمة ثلاثون ) وترك من المال تسعين ؛ فاختارت الجارية العتق ، فالثلث على هذا أربعون ، لأن الميت ترك تسعين - والجارية وقيمتها ثلاثون ، فتوقف الجارية من الثلث ثلاثين ، ويبقى منه بعدها عشرة ، فيتحاص في هذه العشرة وفي الخدمة التي قيمتها ثلاثون أهل الوصايا ، وللأبن الموصى له بالخدمة أو جميع الورثة إن لم يجيزوا له الوصية ، فيضرب فيها الورثة بثلاثين والموصى له بعشرين ، والموصى له بعشرة ، بعشرة ؛ فيحصل للورثة نصف جميع الخدمة ، ونصف العشرة ؛ ويحصل للموصى له بالعشرين ثلث الخدمة بعشرة ، وثلث العشرة ثلاثة وثلث ؛ وللموصى له بعشرة سدس الخدمة بخمسة وسدس العشرة بواحد وثلثين ؛ فيكون كل واحد منهم قد استوفى ثلثي ما أوصى له به ، وبقي له من وصيته الثلث ، وتعتق الجارية عند انقضاء الخدمة على ما اختارته ، فإن رجعت عما كانت اختارته من العتق واحبت البيع بيعت ، فإن بيعت بثلاثين أو بأكثر من ذلك أتم من العشرين منها - وصايا أهل الوصايا ، لأن الذي بقي
لكل واحد منهم من وصيته ثلثها ، ومبلغ الجميع عشرون ، فيأخذ الورثة عشرة ، لأنها ثلث وصيتهم الباقي لهم ، ويأخذ الموصى لهما - العشرة الباقية ؛ لأنها ثلث وصيتهما الباقي لهما ، فيقتسمانها بينهما أثلاثاً على قدر وصاياهما ، وترجع العشرة الباقية من ثمن الجارية ميراثاً بين جميع الورثة ، إذ قد استوفى جميع الموصى لهم وصاياهم ، وإن بيعت الجارية بأقل من عشرين ، تحاص الورثة والموصى لهما في ذلك بما بقي من وصاياهم وذلك ثلثها ، عشرة للورثة ،

(14/352)


وعشرة للموصى لهما : ثلاثة ، وثلث للواحد ، وستة وثلثان للأخر ، فإن كانت الجارية بيعت باثني عشر ، أخذ منها الورثة ستة ، فاقتسموها بينهم على الميراث إن لم يجيزوها للأبن ، وأخذ منها الموصى له بعشرين - أربعة ، والموصى له بعشرة - اثنين ، وبالله التوفيق .
ومن كتاب العرية
وسالت ابن القاسم عن رجل يقول لعبده أخدم فلاناً عشر سنين ، ثم فلاناً بعده عشرة أخرى ، ثم أنت حر ؛ فيجني على رجل في خدمة الأول ، فيقال للمخدم الأول أتفديه بجنايته ؟ فإن افتداه اختدمه بقية السنين ، ثم أخذه المخدم الآخر بلا غرم ، فاختدمه ايضاعشر سنين ؛ فإن أبى المخدم الأول أن يفتديه ، أسلمه إلى المجني عليه فاختدمه وقاصه بخدمته في دية جرحه ، فإن أدى دية جرحه قبل انقضاء العشر سنين ، رجع إلى المخدم الأول يخدمه بقية العشر سنين ، فإن انقضت العشر سنين قبل اني ستوفي دية جرحه ، قيل للمخدم الأخير : أتفديه ببقية دية الجرح ؟ فإن فداه ، أخذه فاختدمه ؛ وإن أبى ، اختدمه المجروح ؛ فإن أدى ما بقي عليه من دية الجرح قبل انقضاء العشر سنين ، رجع أيضاً إلى المخدم الآخر فاختدمه بقية العشر سنين ؛ فإن انقضت العشر سنين قبل اني ؤدي دية الجرح ، عتق وكان ما بقي من دية الجرح ديناً يتبع به ؛ قال وسبيله في هذا سبيل المدبر ، والمعتق إلى أجل - إذا جنى

(14/353)


أحدهما على رجل ، وفي رواية سحنون قال ابن القاسم ويقال للمخدم الأول أن قيمة هذه الجناية واختدم العبد سنينك ، فإن فعل ، اختدمه ؛ فإذا انقضت السنة ، قيل للمخدم الثاني ، أد إلى الأولى جميع ما أدى واختدمه سنتك ؛ فإن أبى الأول أن يفتيده ، قيل للثاني اد إلى المجروح عقل جرحه واختدمه سنتك فقط ، ثم يخرج حراً ؛ وليس له أن يقول اختدمه سنتي وسنة المخدم الأول ، فإن أبى ، اسلمه إلى المجروح يختدمه سنتين ، فإن كان فيها وفاء ، وإلا اتبع العبد مما بقى من جنايته ديناً في ذمته ، وعتق العبد بعد سنتين .
قال محمد بن رشد : الاختلاف في هذه المسألة جار على الاختلاف في مسألة العبد الموصى بخدمته لرجل ، وبرقبته لآخر ، يجني جناية ، الواقعة في كتاب جنايات العبيد من المدونة ، وقد اختلف فيها على ثلاثة أقوال ، أحدها أن الحق في الافتكاك لصاحب الخدمة ، من أجل أنه هو المقدم بها على صاحب الرقبة ، فهو المبدأ بالتخيير بين الافتكاك والإسلام . والثاني أن الحق في ذلك لصاحب الرقبة الذي المرجع إليه وهو المبدأ بالتخيير .
والثالث أن الحق في ذلك لصاحب الرقبة أيضاً الذي المرجع أيضاً إليه ، إلا أنه يبدأ صاحب الخدمة بالتخيير ، من أجل أنه هو المقدم بها على صاحب الرقبة ؛ فهذه الثلاثة الأقوال كلها تدخل في هذه المسألة ، لأن المخدم الأول في هذه المسألة مقدم على المخدم الثاني ، كما أن المخدم الأول في مسألة المدونة مقدم على صاحب الرقبة ؛ ورواية عيسى عن ابن القاسم هذه قول رابع في المسألة ، وهو على قياس القول بأن الحق في الافتكاك

(14/354)


لصاحب الخدمة ، وهو المبدأ بالتخيير بين الافتكاك والإسلام يدخل أيضاً في مسألة المدونة ؛ فيتحصل في كل واحدة من المسألتين أربعة أقوال أحد الأقوال في هذه المسألة رواية عيسى المذكورة أنه إن افتداه المخدم الأول اختدمه بقية السنين ، ثم أخذه المخدم الثاني بلا غرم فاختدمه أيضاً عشر سنين ، كما قال في مسألة المدونة على القول بأن المبدأ بالتخيير صاحب الخدمة أنه إن افتكه خدمه إلى الأجل ، ثم اسلمه إلى الذي بتل له ولم يكن عليه قليل ولا كثير ؛ وأما قوله في رواية عيسى هذه : فإن أبى المخدم أن يفتديه اأسلمه إلى المجني عليه ، فاختدمه وقاصه بخدمته في دية جرحة ، فإن أدى دية جرحة قبل انقضاء العشر سنين ، رجع إلى المخدم الأول يختدمه بقية العشر سنين إلى آخر قوله ؛ فهو خلاف لما في المدونة ، والذي يأتي في هذه المسألة على قياس قوله في المدونة إن أبى المخدم الأول أن يفتديه وأسلمه ، أن يسقط حقه ويكون المخدم الثاني بالخيار بين أن يفتكه أو يسلمه ؛ فإن أفتكه اختدمه سنة فقط ، وإن أسلمه اختدمه المجروح ؛ فإن استوفى منه دية جرحة قبل انقضاء ( العشرين عاماً ، عتق واتبعه بما بقي من جنايته - ديناً ثابتاً في ذمته ، وهذا هو القول الثاني في هذه المسألة ؛ ويأتي في مسألة المدونة على قياس قوله في هذه الرواية ، إن أبى المخدم أن يفتك وأن يختدمه المجني عليه ، وفاصه بخدمته في حياته ، فإن استوفاها قبل انقضاء ) أجل الخدمة ، كان
لصاحب الرقبة ؛ وإن انقضى أجل الخدمة قبل أن يستوفي دية جرحه ، كان صاحب الرقبة بالخيار بين أن يفتكه بما بقي من دية جرحه ، أو يسلمه إليه عبداً . والقول الثالث في هذه المسألة رواية سحنون عن ابن القاسم ، وهي تأتي على قياس القول الذي اختاره سحنون في المدونة وقال فيه إن أحسن قوله مما جمعه عليه غيره من كبار أصحاب مالك ، فإن الحق في الافتكاك للذي

(14/355)


إليه مرجع الرقبة ، إلا أن المبدأ بالتخيير صاحب الخدمة ، يدل على ذلك قوله في أول المسألة ، قال ابن القاسم ويقال للمخدم الأول اد قيمة هذه الجناية واختدم العبد سنتك ، لأن قوله ويقال بالواو ، دليل على أن قوله ويقال معطوف على كلام محذوف ، سكت عنه للعلم به وهو أن الحق في ذلك للمخدم الثاني ، من أجل أن المرجع إليه ويخير الأول ابتداء على ما قال من أجل أن العبد بيده ، وهو مقدم في الاختدام على ما قال إلى آخر قوله .
والقول الرابع في هذه المسألة ، يأتي على قياس القول بأن الحق في الافتكاك إلى صاحب المرجع - وهو المخدم الثاني ، أو صاحب الرقبة - وهو مبدأ بالتخيير ؛ فإن افتكه اختدمه الأول ، فإذا انقضت سنوه رجع إلى المخدم الثاني الذي فكه فيختدمه ؛ فإذا انقضت سنوه ، أعتق ؛ وإن أسلمه ، قبل للمخدم الأول إن أحببت أن تفتكه فافتكه ، فإن افتكه خدمه ، فإن انقضت سنوه لم يكن للمخدم الثاني إليه سبيل ، إلا أن يدفع إليه ما افتكه به ؛ فإن أبى من ذلك ، كان أحق به يختدمه سني المخدم الثاني ؛ ويأتي على قياس رواية عيسى أنه إن أبى المخدم الثاني أن يفتديه واسلمه ، اختدمه المجروح ويقاصه بخدمته في دية جرحه ؛ فإن استوفى دية جرحة قبل أن تنقضي سنو المخدم الأول ، اختدمه المخدم الأول بقية سنيه ، ثم استخدمه المخدم الثاني سنيه في عتق وإن لم يستوفي دية جرحه ، عتق واتبعه بما بقي من دية جرحه ديناً ثابتاً في ذمته ؛ وهذا هو القول الخامس ، وقوله إلى المجني عليه إذا أسلم إليه أنه يختدمه ويقاصه بخدمته في دية جرحه ؛ معناه أنه يؤاجر من غيره وتدفع إليه إجارته في دية جرحه ، وإن اختدمه هو ، فلا يدفع إليه على شرط المقاصة ؛ لأنه يدخله

(14/356)


فسخ الدين في الدين ، ولكنه يؤاجر منه ؛ فإذا اجتمع قبله من إجارته شيء ، قضى به في ماله من دية جرحه ؛ وقد مضى في سماع أصبغ من كتاب الحبس نظير هذه المسألة والكلام عليها ، وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل عن رجل يخدم عبده الرجل عشر سنين ثم هو حر ، هل للعبد أن يعتق عبده بغير إذن سيده ؟ أو على للسيد أن يأذن له في ذلك بغير إذن المخدم ؟ قال لا يجوز للعبد عتق إلا برضى سيده ورضى المخدم ، فإن أذنا جميعاً فأعتق ، كان ولاؤه لسيده ، ولم يرجع ولاء ذلك العبد إلى العبد المعتق إلى الأجل - وإن أعتق ؛ لأنه لو رضي المخدم أن يأخذ السيد ماله ، جاز له ولم يكن للعبد فيه حجة ، إلا أن يتقارب أجل عتقه .
قال محمد بن رشد : هذا على القول بأنه ليس لسيد العبد المخدم أن ينتزل ماله إلا برضى المخدم ، وقد مضى الاختلاف في ذلكن والقول فيه في رسم اغتسل من سماع ابن القاسم ، وبالله التوفيق .
ومن كتاب استأذن سيده
وسألته عن رجل أوصى بخدمة عبدين له لرجلين إلى أجل ، ثم هما حران ، لكل رجل عبد وهما أجنبيان وأجنبي ووارث ، فلم يحملهما الثلث ؛ قال تسقط الخدمة عنهما ويعتقان بالسهم .

(14/357)


قال محمد بن رشد : قوله يعتقان بالسهم ، يريد يعتق ما حمل الثلث منهما بالسهم خرج فيه بعض أحدهما أو أحدهما وبعض الآخر ، لأن وجه العلم في ذلك ، أن يقوم كل واحد منهما ثم يسهم بينهما ، فإن كان قيمة أحدهما ثلاثين ، والثاني ستين ، والثالث أربعين ؛ فإن خرج السهم على الذي قيمته ستون ، عتق منه ثلثاه ورق الآخر ، وأن خرج على الذي قيمته ثلاثون عتق ، وعتق من الآخر سدسه بقيمة الثلث ؛ وهذا هو المعلوم من مذهب ابن القاسم في المدونة وغيرها - أن القرعة تكون في الموصى بعتقهم ، وفي المبتلين في المرض ؛ وقد وقع في رسم الوصايا من سماع اصبغ بعد هذا في الموصى بعتقهم إلى أجل إنهم يتحاصون إذا بعدت الآجال ، وإن كان بعضها أبعد من بعض ، فيحتمل أن يكون ذلك اختلافاً ، قوله ، ويحتمل أن يتأول ذلك على أنه إنما أراد الابتداء بمن قرب أجل عتقه على من بعد إذا كانا بعيدين جميعاً ؛ فعبر على الاستهام بالمحاصات ، لأنه إذا أسهم بينهما فلم يبدأ أحدهما على صاحبه ، وقوله أن الخدمة تسقط إذا لم يحملها الثلث ، صحيح لا اختلاف فيه ؛ لأن العتق يبدأ عند ضيق الثلث على ما سواه من الوصايا ، وبالله التوفيق .
ومن كتاب يوصي لمكاتبه
وسألت ابن القاسم عن العبد يكون بين الرجلين فيخدم أحدهما نصيبه رجلاً سنة ، ثم يعتق نصيبه ذلك المخدم ، أيقوم عليه نصيب صاحبه ؟ قال لا عتق له فيه حتى تتم السنة ، وحدوده وشهادته شهادة عبد ؛ فإذا انقضت السنة ، عتق عليه نصيبه ، وقوم

(14/358)


نصيب صاحبه عليه ؛ قلت ولا يؤخذ منه نصيب صاحبه فيوقف إلى السنة خوفاً أن تأتي السنة وهو معدم ، قال إن كان يخاف على ماله توى قبل السنة أخذت منه قيمة نصيب صاحبه ووقفت ، وإن كانت له أموال مأمونة من دور وأرضين ، أو كان ملياً لم يؤخذ منه شيء حتى تأتي السنة ؛ قلت : أرأيت لو أنه اخدم نصيبه سنة فلم يحدث فيه عتقاً ، فأعتق صاحبه الذي لم يخدم نصيبه ؛ أيقوم عليه نصيب هذا المخدم الساعة ؟ قال : لا يقوم عليه نصيب صاحبه المخدم حتى تأتي السنة ، ولكن إن كان يخاف عليه عدم ، أو ذهاب ما في يديه ، أخرجت القيمة من يديه ووقفت إلى الأجل ، فإذا حل الأجل ، قومت عليه .
قال محمد بن رشد : قوله في الذي أخدم نصيبه من العبد رجلاً سنة ثم أعتقه ، أنه لا عتق له فيه حتى تتم سنة - صحيح ، مثل ما في المدونة وغيرها ، ولا اختلاف فيه إذ ليس له أن يبطل ما وجب للمخدم فيه بعتقه إياه ، ومعنى ذلك - عندي - إذا كان المخدم قد قبضه ، وأما إذا كان لم يقبضه حتى اعتقه ، فيعجل العتق والتقويم ويبطل الاخدام على المشهور في المذهب المنصوص عليه في المدونة وغيرها من أن الرجل إذا تصدق على رجل بعبد ثم اعتقه قبل أن يقبضه المتصدق عليه ، إن العتق ينفذ ، والصدقة تبطل ؛ وقد مضى الكلام على هذا مستوفى في سماع محمد بن خالد من كتاب الصدقات . وأما قوله فإذا انقضت السنة قوم عليه ، ففيه اختلاف : قيل إنه يعجل عليه تقويمه ويكون كله حراً إلى ذلك الأجل إلا أن يشاء أن يعتق نصيبه

(14/359)


منه إلى ذلك الأجل - وهو مذهبه في المدونة ، وقيل إن الشريك مخير بين أن يقومه عليه الآن ، وبين أن يتماسك بحظه حتى يحل الأجل فيقومه عليه عند حلوله ؛ وقد مضى هذا مع زيادة بيان فيه في رس أوصى من سماع عيسى من كتاب العتق ، وأما إذا اعتق الشريك الذي لم يخدم نصيبه منه ، فقوله أنه لا يقوم عليه نصيب صاحبه المخدم حتى تأتي السنة صحيح لا اختلاف فيه ، لأن في تعجيل تقويمه عليه ابطالا لخدمة المخدم فيه فليست كمسألة رسم سلف من سماع عيسى من كتاب الحبس ، فلا يدخلها من الاختلاف شيء مما دخل فيه ، وبالله التوفيق .
ومن كتاب جاع فباع امرأته
وسألته عن الذي أوصى بثلث ماله لرجل ، ولآخر بخدمة عبده ، ما عاش ثم هو حر ، وكان العبد هو الثلث ، أو أن الثلث أكثر من العبد ؛ قال : إذا كان العبد هو الثلث بعينه ، قلنا : كم ثمن العبد حين خرج من الثلث ، قيل مائة دينار ، قلنا فهذا ثلثه ، قلنا بكم ثمن خدمة هذا العبد ما عاش هذا الموصى له بالخدمة ؟ قيل خمسون ، قلنا فهذه مائة وخمسون ، فيكون لصاحب المائة ثلثا لاخدمة ، ويكون لصاحب الخمسين ثلثها إلى الأجل ، ثم يعتق ، وإن كان الثلث أكثر من ثمن العبد بخمسين ديناراً ، والمسالة كما هي ، فالوصية مائتا دينار بقيمة العقد ، فللذي أوصى له بالثلث أن يحاص بخمسين ومائة دينار ، وصاحب الخدمة بخمسين ، لأن قيمة الخدمة خمسون ، فقد صار الآن الذي يتحاص فيه هؤلاء مائة

(14/360)


ينار ، الخمسون الناض ، والخمسون قيمة الخدمة ، فللذي أوصى له بالثل ثلاثة أرباع هذه المائة ، وللذي أوصى له بالخدمة ربعها ، فيعطي كل رجل وصيته في الذي أوصى له فيه ، فيعطي الخمسين الناضة الذي أوصى له بالثلث خالصاً ، ويرجع إلى الخدمة فيكون له نصفها ، وللموصى له بالخدمة نصفها ؛ وكذلك أيضاً لو أوصى لرجل بمائة دينار ، ولآخر بخدمة عبده - ما عاش ثم هو حر ؛ كان العمل فيها على ما فسرت لك ، قطع لكل إنسان وصيته في الشيء الذي أوصى له به ؛ وقد اختلف قول مالك فيها : فمرة كان يقول إذا كانت الوصية أكثر من الثلث وضعت وصيته في جميع مال الميت ، ومرة كان يقول يقطع لصاحبها مبلغ الثلث في ذلك الشيء بعينه ، وهو قول ابن كنانة .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة بينة المعنى لا أشكال فيها ولا اختلاف ، إلا في قوله إنه يقطع للذي أوصى له بخدمة العبد إذا لم يحملها الثلث بما حمل منها في الخدمة ، وأن قول مالك اختلف في ذلك ؛ فإنه خلاف لما يأتي في سماع موسى ، ولما في المدونة ، أيضاً ؛ لأنه إنما ذكر فيها اختلاف مالك إذا أوصي له بشيء بعينه فلم يحمل ذلك الثلث ، وأما إذا أوصى له بخدمة أو بسكنى ، فقال إنه لا يقطع له في ذلك وتكون وصية شائعة في ثلث جميع مال الميت ، وإنه قول مالك والرواة كلهم لا اختلاف بينهم فيه ؛ وقد بأن بهذه الرواية اختلاف في ذلك ، ويتفضل فيه ثلاثة أقوال ، أحدها أنه يقطع له في الشيء الذي أوصى له به - كان خدمة أو رقبة . والثاني أنه لا يقطع له بما حمل الثلث في ذلك ، وتكون له وصية شائعة في جميع الثلث كانت وصية بخدمة أو برقية . والثالث الفرق في ذلك بين أن يوصي

(14/361)


له بالخدمة أو بالرقبة ؛ ولو كان الثلث أقل من قيمة العبد ، لكان الورثة بالخيار بين أن يجيزوا الوصية ، وبين أن يعتقوا من العبد ما حمل الثلث منه بتلا ، وتبطل الوصية بالخدمة والمال ؛ لأن العتق مبدأ على الوصايا ، هذا قوله في المدونة وزاد فيها وهذا عليه أكثر الروايات ، وفي هذه الزيادة دليل على أن في ذلك اختلافاً ، والخلاف فيه محتمل ، لأن الذي يوجبه القياس والنظر ، أن يعتق منه ما حمل الثلث بعد موت الذي أوصى له بخدمته ما عاش ، ويتحاص فيما قابل ما يعتق من الخدمة الموصى له بالخدمة والموصى له بالثلث ، لأن الموصي قد بدأ الخدمة على العتق ، فوجب أن يبدأ في البعض الذي حمل منه الثلث ، كما يبدأ في الجميع إذا حمله الثلث ، وبالله التوفيق .
ومن كتاب سلف ديناراً في ثوب إلى أجل
وقال في رجل اخدم رجلاً نصف عبد لله حياته ، ثم عتق النصف الباقي ، قال يقوم عليه ويخرج العبد حراً ، ويؤخذ من السيد نصف القيمة ، فيستأجر للمخدم منها من يخدمه ، فإن هلك العبد وقد بقي من المال شيء ، رجع ما بقي إلى السيد الذي أعتق عليه ، وإن هلك المخدم وقد بقي من المال شيء رجع أيضاً إلى السيد الذي اعتق عليه ، وذلك إذا كانت الخدمة إلى حياة المخدم ، وإن استنفد المخدم نصف القيمة قبل أن يموت ، فلا حق على السيد الذي أعتق .

(14/362)


قال محمد بن رشد : هذه مسألة بينة صحيحة على قياس قوله في أمهات الأولاد من المدونة في الذي يخدم جاريته رجلاً ثم يطؤها فيولدها ، واختلاف في تلك ، هل تؤخذ منه امة تخدم مكانها ، أو يستاجر له من القيمة من يخدم مكانها - داخل في هذه ، فقد قال إنه يؤخذ منه القيمة فيشتري بها نصف بعد يكون مكان المعتق ، ولكن الاستئجار بالقيمة أولى واصوب ؛ لأن العبد إذا اشترى خشي عليه الهلاك ، فإن لم يكن له مال يقوم عليه فيه ، بقي على حاله يخدم الرجل إلى وقت الخدمة ، ثم يعتق بقيته كله إن بلغ الأجل وسيده حي ، وإن مات السيد قبل بلوغ الأجل ، كان النصف الذي كان أعتقه عتيقاً ، والنصف الباقي رقيقاً ، إلا أن يكون قد رفع ذلك إلى السلطان في حياة السيد ، فحكم بانفاذ العتق إلى انقضاء وقت الخدمة ، فينفذ ذلك من حكمه ويكون عتيقاً كله من رأس المال ، وقد ذهب بعض أهل النظر إلى أن هذه المسألة يعارضها ما تقدم في رسم يوصي ، وما في المدونة وغيرها من أن من اخدم جاريته رجلاً ثم أعتقها ، أنها لا تعتق عليه بعد انقضاء الخدمة ، وليس ذلك بصحيح ، والفرق بين المسألتين بين وهو أنه أعتق في هذه المسألة نصف عبده الذي لا إخدام فيه ، ففعل من ذلك ما يجوز له ، والمسالة التي عارضها بها فعل سيد العبد فيها ما لا يجوز له من عتق ما قد أخدمه ، وبالله التوفيق .
ومن كتاب العشور
وقال في عبد بين اثنين اخدم أحدهما مصابته رجلاً ، ثم أراد الآخر البيع قال يبيع نصيبه وحده إن شاء ، ولا يبيع الآخر معه ،

(14/363)


وكذا إن آجره ، قلت وله أن يؤاجر نصيبه بغير إذن صاحبه ؟ قال نعم ، وكذلك الدار .
قال محمد بن رشد : قوله يبيع نصيبه إن شاء وحده ولا يبيع معه الآخر ، معناه ولا يلزمه أن يبيع معه ، إذ ليس ذلك له ، للحق الذي للمخدم في اختدامه ، وكذلك إذا آجر نصيبه من العبد ، أو كانت داراً فأسكن نصيبه منها رجلاً ، أو إكراه منه ؛ وفي أول سماع اصبغ عن أشهب خلاف هذا أن من حق شريكه إذا دعاه إلى البيع معه أن يبيع معه ، وتنفسخ الإجارة ، ويبطل الاخدام ، وكذلك الدار على مذهبه إذا كانت لا تنقسم وقاله اصبغ أو لم يعجبه اشتراط النقد ؛ ولكلا القولين وجه ، فوجه قول ابن القاسم في هذه الرواية ، أنه لما فعل في نصيبه ما يجوز له من إخدامه أو اجارته ، لم يكن لشريكه أن يبطل ذلك عليه ، وهو لم يتعد فيما فعل ؛ ووجه قول أشهب أنه لما كان الحكم بين الشريكين فيما لا ينقسم إذا دعا أحدهما إلى الانفصال من صاحبه فيه لينفرد بحظه منه أن يباع ، فيقتسما الثمن بينهما ، إذ قد لا يجد من يشتري حصته منه على الإشاعة بحال ، أو لا يجد من يشتريها منه إلا بأقل من نصف قيمتها كلها لضرر الشركة ولم يكن لشريكه أن يبطل عليه هذا الحكم الواجب له بما يعقده في نصيبه من الإجارة ، أو يفعله من الاخدام ، وهذا القول اظهر ، وإياه اختار اصبغ ، ولم يعجبه إلى شتراط النقد في الإجارة ، لما للشريك ولاحق في فسخها أو فسخ ما بقي منه أن دعيا إلى البيع ، ولم ير أشهب في النقد في ذلك بأساً .
وقوله في ذلك اظهر من قول اصبغ ، لأن الخيار الذي للشريك في فسخ الإجارة ، أمر يوجبه الحكم له أن دعا إلى ذلك ، فوجب إلا يكون له تأثير في المبيع من النقد إذ قد سلم العقد من أن

(14/364)


ينعقد على خيار ، كما أن الخيار الذي للسيد في فسخ نكاح عبده إذا تزوج بغير أمره ، أو للوصي في فسخ نكاح يتيمه إذا تزوج بغير أمره ، لا تأثير له في فساد النكاح ، إذ لم ينعقد بين المنتاكحين على خيار ، وبالله التوفيق .
مسألة
وقال في عبد بين رجلين أعتق أحدهما مصابته إلى سنة ، وأعتق الآخر بتلاً ، أن بعض أهل العلم يقول تقوم خدمته سنة فتؤخذ من الذي أعتق بتلاً ، فتدفع إلى المخدم ويخرج العبد حراً كله الساعة ، لأن الخدمة رق ؛ قيل له لا يكون على حاله يعتق منه هذا النصف البتل ، ويكون الآخر عتيقاً بعد سنة ؛ فقال قد كنا نقول هذا القول ثم استحسنا هذا الآخر ، ثم رجع ابن القاسم عن هذا فقال أحسن ما فيه أن يكون على حاله ؛ لأنه ظلم أن يؤخذ منه قيمة خدمة السنة ويكون ولاؤه لغيره .
قال محمد بن رشد : القول الذي كان يقوله أولاً ثم رجع إليه آخراً ، هو المشهور في المذهب المنصوص عليه في المدونة وفي غيرها موضع من كتب العتق من العتبية ، من ذلك ذلك ما وقع في رسم أوصى من سماع عيسى منه ، وهو الاظهر ، لأن الأول هو الذي ابتدأ الفساد ، فلا يقوم على الثاني وقد بين في الرواية وجه القول الذي كان استحسنه ابن القاسم ، والحجة له في رجوعه عنه إلى القول الأول المشهور في المذهب بما لا يزيد عليه ، وبالله التوفيق .

(14/365)


مسألة
قال ابن القاسم وأن بتل أحدهما مصابته ، فقال الآخر أنا أعتق إلى سنة ؛ قيل له إما إن تعتق الساعة ، وإما اعتقناه . يريد قومنا على هذا المعتق وأعتقناه .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال ، وهو مما لا اختلاف فيه ، أنه إذا أعتق أحدهما مصابته منه بتلاً ، فليس لشريكه أن يعتق مصابته منه إلى أجل ؛ ويقال له إما أن تعتق حظك منه بتلاً ، وإما أن يقوم على الذي أعتق حظه منه بتلاً - فيكون كله حراً ، وإنما يختلف إذا بادر فأعتق حصته منه إلى أجل ، فقيل إنه يخير أيضاً بين أن يعجل عتقه الساعة ، أو يقوم على الأول ؛ وهو قول ابن القاسم في رسم أوصى من سماع عيسى من كتاب العتق ، وفي المدونة وروايته عن مالك ، ورواية أشهب عنه أيضاً ؛ والوجه في ذلك أن يقوم العبد بين الشريكين على الي أعتق نصيبه منه ، حق للشريك في إفساد حظه منه عليه ، وحق للعبد في تبتيل عتق جميعه ، فإذا ترك الشريك حقه في التقويم وأعتق حظه منه إلى أجل ، كان من حق العبد أن يقوم على الأول فيبتل عتقه ، إلا أن يبتل الثاني عتق نصيبه ، فلا يكون للعبد حجة ، ولبعض الرواة في المدونة - وهو المخزومي - أنه يعجل العتق على الذي أعتقه إلى أجل ، ولا يقوم على الأول ، وهو اختيار سحنون ، ووجه قوله إنه لما أعتق نصيبه إلى أجل ، فقد أفاته بالعتق ، ووجب له ولاؤه ؛ فلم يجب أن يقوم على الأول لوجهين ، أحدهما أنه قد ترك حقه في التقويم عليه والثاني أنه قد فوت نصيبه بالعتق ووجب له ولاؤه ، فلا يصح أن يفسخ ذلك ، وإذا لم يصح

(14/366)


فسخه ، وجب أن يعجل عتقه لحق العبد في تعجيل عتقه ، وهذا القول اظهر - والله أعلم ، وقد مضى هذا كله في رسم أوصى من سماع عيسى من كتاب العتق ، وبالله التوفيق .
ومن كتاب البراءة
وسئل عن رجل تصدق على ابن له بخدمة جارية له حياته ، فإذا مات ، فهي لابن له آخر مبتولة ، ثم إن الأول وطئها فحملت ؛ قال يدرأ عنه الحد للشبهة ، لأني سالت مالك عن الرجل يخدم جارية له حياته ، أو إلى أجل من الاجال ، ثم هوي بها فأراد أن يتزوجها ، قال مالك لا أرى أن يتزوجها ؛ قال ابن القاسم وقد بلغني عن مالك أنه رآه بمنزلة الذي يتزوج امة له فيها شرط فمسألتك مثلها ، أرى أن يدرأ عنه الحد ، ويقوم عليه بخدمة حياة هذا الواطئ على قدر الرجاء فيها والخوف ، فيعطي المبتولة له قيمتها يوم ترجع على قدر ذلك ، وتكون أم ولد للواطئ ؛ قلت فلو كان المبتولة له هذا الواطئ ؟ قال يخرج الواطئ قيمتها ، فيخارج للمخدم منها من يخدمه ما عاش ، فإن نجزت القيمة قبل موته ، فلا شيء على الواطئ ( وإن مات المخدم وبقي من المال بقية ، رد على الواطئ ) ما بقي من القيمة .

(14/367)


قال محمد بن رشد : يتحصل فيمن وطئ الجارية التي أخدمها حياته ، ثم جعل مرجعها لغيره فحملت منه – أربعة أقوال ، أحدها أنه بمنزلة من وطئ امة له فيها شرك فحملت منه ، يدرأ عنه الحد ، وإن كان عالماً بأن وطأه إياها لا يحل له ، وتقوم عليه يوم وطئها على الرجاء فيها الخوف عليها ؛ يقال كم كانت تساوي على أن تكون للمشتري بعد موت المخدم لو كان يحل بيعها على ذلك ، فيغرم ذلك للذي إليه مرجع الرقبة ، وتكون له أم ولد ، ولا يكون عليه من قيمة الولد شيء – إن كان له مال ، فإن لم يكن له مال ، جرى ذلك على الاختلاف في الأمة تكون بين الشريكين يطؤها أحدهما ، فتحمل ولا مال له ؛ وهذا هو قول ابن القاسم في هذه الرواية ، وفي سماع محمد بن خالد بعد هذا – قياساً على ما سمعه من مالك في أنه لا يجوز له أن يتزوجها ، والثاني أنه يحد إلا أن يعذر بالجهالة فلا يحد ، وتقوم عليه بعد العقوبة ؛ وهو قول ابن وهب ، واختيار أصبغ . والقول الثالث أنه يحد ولا يعذر في ذلك بالجهالة ، كالمرتهن والمستعير ، ولا يلحق به الولد ؛ وهو قول أشهب وابن الماجشون ، ومطرف ومحمد بن سلمة المخزومي ، وأبي المصعب الزهري ، قال ابن الماجشون في المبسوطة ولم أقل أنا هذا ، بل القرآن قاله ، فسل القرآن عنه يخبرك بتعديه وجنايته ؛ قال جل ثناؤه 0 والذين هم لفروجهم حافظون ) إلى قوله ( أو ما ملكت أيمانهم ) – إلى قوله ( هم العادون ) ، أفليس من كان عادياً ، حقيقاً بالحد ؟ قال محمد بن مسلمة ؛ ولقد أنزله من اسقط عنه الحد وقوم عليه الجارية – أحسن حالاً ممن وطئ زوجته ، أو ما ملكت يمينه ؛ لأنه ملكه بفجوره ، ما لا ملك له فيه بأن باعه على مالكه كرهاً .
والقول الرابع أن الحد يدرأ عنه بالشبهة ، ويلحق به

(14/368)


الولد ، ويقوم عليه فيغرم قيمته للذي بتلت له ، ويقر الجارية على خدمتها ، إلا أن يخاف عليه أن يطأها أيضاً فإن خيف ذلك ولم يؤمن خورجت عليه ، فأعطى خراجها حتى يموت ، ثم تصير إلى الذي بتلت له ؛ وكذلك الخدمة المؤقتة إلى المدة الطويلة التي تتجاوز عمر المخدم ، ولو كانت الخدمة إنما هي الأيام اليسيرة التي لا تشبه الرق ولا الملك ، لم يعذر بالجهالة وحده ولم يحلقه الولد قولاً واحداً ، واختلف التأويل في الخدمة إلى السنين الكثيرة التي لا تتجاوز عمر المخدم ، هل يدخل فيها الاختلاف الذي في الخدمة إلى موت المخدم أم لا ؟ فقيل إنه يدخل في ذلك ، وقيل إنه لا يدخل فيه ويحد قولاً واحدا والأظهر أنه يدخل في ذلك ؛ وأما إن وطئها الذي إليه مرجع الرقبة - وهي في اختدام المخدم - قبل أن ترجع إليه ، فقال في الرواية أن الوطئ يخرج قيمتها فيخارج للمخدم منها من يخدمه ما عاش ، فإن نجزت القيمة قبل موته ، فلا شيء على الواطئ ؛ وإن مات المخدم وبقي من المال بقية ، رد على الواطئ ، وهو مثل أحد القولين في المدونة - إذا اخدم الرجل جاريته رجلاً عشر سنين ثم وطئها فحملت .
والقول الثاني أنه يؤخذ من الواطئ في مكانها امة تخدمه في مثل خدمتها ، فإن ماتت هذه الأمة والأولى حية والمخدم حي ، فلا شيء على الواطئ وإن مات المخدم قبلها ، رجعت الىالواطئ وقد قيل إنه يؤخذ منه قيمة الأمة المخدمة التي أولدها فيشتري منها امة تخدم مكانها ، فإذا مات المخدم صارت إلى الذي أخرج قيمتها ، وهو قول المخزومي ، وإن لم يكن له مال ، كانت له أم ولد ، وبقيت على خدمتها - قاله ابن القاسم في سماع محمد بن خالد بعد هذا في بعض الروايات ، وهو صحيح على قياس قوله ؛ وهذا كله على القول بأن من

(14/369)


أخدم عبده رجلاً حياته ، أو سنين مسماة - ومرجعه بعد الخدمة إلى غيره - أن الذي جعل له مرجع الرقبة يستحقها من الآن ، فيرثه إن مات ، ويأخذ قيمته إن قتل ، لأن الأول قد تبرأ منه واسلمه ، فإنما يختدمه للمخدم على ملك الذي له مرجع الرقبة ، وهو قول ابن القاسم في رسم يشتري الدور والمزارع من سماع يحيى بعد هذا ؛ وأما على القول بأن من أخدم عبده رجلاً سنين مسماة أو حياة المخدم ، ورجع مرجع رقبته بعد الخدمة إلى غيره لا يستحقه الذي إليه مرجع الرقبة إلا بعد انقضاء الاخدام ، وانه تكون قيمته إن قتل ، وميراثه إن مات - لسيده الذي أخدمه ، وهو قول ابن القاسم في رسم القضاء العاشر من سماع اصبغ واختيار اصبغ فيه ، والقولان لمالك في رسم العتق من سماع عيسى من كتاب الجنايات فيحد إن كانت أمة فوطئها الذي أليه مرجع الرقبة ، ولا يلحق به ولدها ، إذ لم يجب له على هذا القول بعد ، وإنما يستخدمها الذي أخدم إياها 0 على ملك الذي أخدمه إياها وبالله التوفيق ) .
ومن كتاب العتق
قال وسألته عمن قال لغلامه أخدم فلاناً عشر سنين - وأنت حر ، وإن ابيت فلا عتق لك ولا شرط ، أو قالما أبقت أو غبت فعليك قضاؤه ، فأبق . قال ابن القاسم أرى الشرط عليه ثابتاً - إن ابق ، وإن لم يشترط ثم أبق ، لم أر عليه قضاء ما أبق وهو حر .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال إن لسيده شرطه الذي اشترطه ، إذ ليس فيه غرر ، ولا فساد ، ولا غبطال واجب ، ولا إيجاب باطل ، ولا تحليل حرام ولا تحريم حلال ؛ وما كان سبيل هذا من الشروط ، فهو الذي

(14/370)


قال فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " المسلمون على شروطهم " . وعنى أنه في القرآن ، فأجازه قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث بريرة : " ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله ، من اشترط شرطاً ليس في كتاب الله فهو باطل - وإن كان مائة شرط ، لأن العبد لم يكن له على سيده حق في العتق إلى العشرة الأعوام ، ابق فيها أو لم يابق ، فيكون بما اشترط عليه من أنه لا حرية له إن ابق في العشرة الأعوام ، قد ابطل حقاً واجباً له عليه في ذلك ، وما شرطه أن عليه قضاء ما ابق ، فإن كان أراد أن يقضيه بعد حريته ، فلا يلزم الشرط بذلك ، إذ لا تتم حرية عبد وعليه خدمة . وإن كان أراد أنه لا يعتق إن أبق حتى يخدم الأيام التي ابق فيها زائداً على العشرة الأعوام ، فالشرط بذلك جائز عامل ، والسيد مصدق فيما يذكره من ذلك ، ولا قضاء عليه فيما ابق إذا لم يشترط ذلك ، لأن الحرية تجب له بانقضاء العشرة الأعوام ل خدمها أو لم يخدمها - لمرض ، أو تفرق أو إباق ، وبالله التوفيق .
مسألة
قال وسألته عن رجل أعطى عبداً يختدمه حياته ، فأعطاه هو بعض أقاربه يخدمه على مثل هذا ؛ قال لا بأس بذلك ، وكذلك السكنى في الدور وغير ذلك .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال ، وهو مما لا أشكال فيه ؛ لأنه

(14/371)


حقه ، فجاز أن يعطيه لمن شاء عطية ، لأن هبة المجهول جائزة ، وإنما الذي لا يجوز له أن يواجره حياته ؛ ويجوز أن يواجره المدة القريبة ، السنة والسنتين ، والأمر المأمون بالنقد وغير النقد على ظاهر ما قاله في المدونة ؛ وأما الأجل البعيد فلا يجوز بالنقد ؛ واختلف فيه إذا لم ينقد ؛ فلم يجزه في المدونة ، وأجازه في رسم الاقضية الرابع من سماع أشهب من كتاب الصدقات والهبات ؛ فإن وقع الكراء في السنين الكثيرة على القول بأن ذلك لا يجوز فعثر على ذلك ، وقد مضى بعضها ، فإن كان الذي بقي يسيراً لم يفسخ ، وإن كان كثيراً فسخ قاله في كتاب محمد ، وهو بين في المعنى ، وبالله التوفيق .
مسألة
قال وسألته عن رجل قال غلامي يخدم فلاناً سنة ثم هو له وعليه دين هل يكف عنه غرماؤه إلى أمد هذه الخدمة ؟ قال أرى إلا يعدى عليه غرماؤه ببيعه حتى يقضي السنة ، ويجب له بتلا ؛ لأن للغرماء إجازته إن أحبوا .
قال محمد بن رشد : : قوله إنه لا يعدى عليه غرماؤه ببيعه حتى تنقضي السنة ، ويجب له بتلا ؛ يدل على أنه لو مات ، لكان ميراثه لسيده الذي أخدمه إياه ؛ ولو قتل ، لكان له قيمته ؛ وذلك خلاف قوله في أول سماع يحيى بعد هذا ، مثل قوله في رسم القضاء العاشر من سماع اصبغ من هذا الكتاب ، ومثل قوله أيضاً في رسم عتق من سماع عيسى من كتاب الجنايات ؛

(14/372)


وهو أصل قد اختلف فيه قول مالك أيضاً - على ما حكاه في سماع اصبغ من هذا الكتاب ، وفي رسم العتق من سماع عيسى من كتاب الجنايات ، والذي يأتي في هذه المسألة على قياس رواية يحيى بعد هذا ، وأحد قولي مالك ، أن يباع للغرماء ، ولا ينظر انقضاء أمد الخدمة ، وهو قول مطرف ؛ حكى ابن حبيب عنه أنه يباع ويتسلط الدين عليه ، وإن كان في مدة الخدمة ، لأنه صيرها ملكاً له ؛ قال وهذا ما لا شك فيه ولا اختلاف عندنا ، وقد مضى هذا المعنى أيضاً في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الحبس في الذي يحبس الحبس على الرجل فيقول هو لك حياتي ، ثم هو في سبيل الله أو صدقة ؛ لأن الاختلاف في ذلك هل يكون بعد موته في السبيل من ثلثه ، أو من رأس ماله ، على هذا الأصل ، وبالله التوفيق .
من سماع يحيى من ابن القاسم من كتاب يشتري الدور
قال يحيى وسألت ابن القاسم عن الرجل يخدم الرجل العبد إلى أجل ، ويبتله بعد الأجل صدقة على رجل ، ثم يقتل العبد ، أو يموت ؛ قال يرث ما ملك عنه العبد ، ويأخذ عقله إن قتل الذي تصدق به عليه بعد الخدمة ؛ وذلك أن السيد قد كان تبرأ من جميع العبد ومنافعه ، إذ جعل الخدمة إلى أجل لرجل والرقبة بعد الخدمة لآخر ؛ فمن كان إليه مرجع العبد بعد أن أجل الخدمة ، فهو

(14/373)


أحق بميراثه وعقله . قلت فإن لم يتصدق به بعد الخدمة على أحد فقتله السيد ، قال إن قتله خطأ فلا شيء عليه ، وإن قتله عمداً غرم قيمته فاستؤجر بها للمخدم مثله إلى انقضاء أجل المخدمة ؛ فإن بقي بعد انقضاء أجل الخدمة من قيمته شيء ، رجع إلى سيده القاتل ، وإن فنيت القيمة في إجارة من استؤجر للخدمة قبل انقضاء الأجل ، فلا غرم على سيد العبد بعد إخراج جميع قيمة العبد المقتول . قلت وكذلك لو قتله السيد وقد كان بتله لرجل صدقة عليه بعد أجل الخدمة ، أكنت تستأجر من قيمته التي يغرم للسيد - أجيراً للمخدم ، فإن بقي من تلك القيمة شيء بعد انقضاء أجل الخدمة ، كان للذي تصدق عليه برقبته ، وإن لم يبق شيء فلا شيء له ، ويكون المخدم أحق بالتبدئة في استئجار أجير - بقية العبد المقتول من الذي تصدق عليه بالرقبة ؛ فقال لا يكون هذا الذي وصفت لك إلا في أن يقتله السيد عمداً ، ومرجعه إليه بعد الخدمة ؛ فأما إذا بتله لرجل بعد الخدمة ثم قتله عمداً ، فهو بمنزلة أجنبي قتله ، لأن مرجعه إلى غيره ، فهو يغرم قيمته ، ويكون الذي بتلت له الرقبة أحق به .
قال محمد بن رشد : قوله في الذي يخدم الرجل العبد وبتله بعد الأجل صدقة على غيره ، أنه إن مات العبد أو قتل ، يأخذ إن مات ماله أو قيمته إن قتل الذي تصدق به عليه بعد الخدمة ؛ خلاف نص قوله

(14/374)


في رسم القضاء العاشر من سماع أصبغ بعد هذا ، وخلاف لأصله في مسألة رسم العتق من سماع عيسى قبل هذا - حسبما بيناه ؛ وهو أصل قد اختلف فيه قول مالك أيضاً حسبما قاله في سماع اصبغ من هذا الكتاب ، وفي رسم العتق من سماع عيسى من كتاب الجنايات ؛ فسواء على قوله في هذه الرواية قتل العبد في خدمة السيد الذي أخدمه أو أجنبي من الناس عمداً أو خطأ ، تبطل الخدمة وتكون القيمة للذي جعل له المرجع بعد الخدمة ؛ وأما إن لم يتصدق به سيده بعد الخدمة على أحد ههنا إن قتله سيده خطأ ، فلا شيء عليه كما قال ، لأنه اخطأ على نفسه بالقتل ، فبطلت الخدمة ؛ وإن قتله عمداً ، لزمته قيمته كما قال ، ويستأجر منها للمخدم من يخدمه مكان العبد الذي قتله ، لأنه قصد إلى إتلاف الخدمة عليه ؛ فإن فنيت القيمة قبل أجل الخدمة ، لم يلزمه أكثر من ذلك ؛ وإن انقضى الأجل قبل تمام القيمة ، رجع ما بقي منها إلى السيد ؛ وقد قيل إنه يأتي بعبد يخدم المخدم مكان العبد الذي قتل ، فإذا انقضى أجل الخدمة ، رجع إليه عبده ؛ وإن مات قبل الأجل ، لم يكن عليه في بقية الأجل شيء ، والقولان في المدونة ؛ وقد قيل إنه يشتري بالقيمة عبد يخدم المخدم مكانه ، وهو قول المخزومي ؛ وأما إن قتله أجنبي ، فتلزمه قيمته لسيده ، وتبطل الخدمة - قتله عمداً أو خطأ ، وبالله التوفيق .
ومن كتاب الأقضية
قال وأخبرني ابن القاسم أنه سمع مالكاً يقول في الرجل يقول : يخدم فلان غلامي فلاناً وفلاناً ما عاشا - ثم هو حر ، فيموت أحد الرجلين ، إن الخدمة كلها للباقي ، ولا عتاقة للعبد

(14/375)


حتى يموت الباقي ؛ قال : قال مالك فإن قال يخدم فلاناً يوماً ، وفلاناً يوماً ، ثم هو حر بعد موتهما فمات أحدهما ؛ رجع نصيبه من الخدمة إلى السيد ، أو إلى ورثته إن مات . قلت لابن القاسم فإن قال أحدهما للعبد حظي من خدمتك عليك صدقة ، قال لا يعتق منه بذلك شيئ ، ولكن يكون رقه موقوفاً ، ويخدم نفسه النصف ، والمخدم الباقي النصف ؛ قيل له فإن ترك له الباقي نصيبه من الخدمة ، قال يعتق كله ؛ قلت فإن مات أحدهما فرجع نصيبه من الخدمة إلى السيد ، ثم ترك الشريك نصيبه من الخدمة للعبد ؛ قال لا يعتق حتى يموت المخدم الذي ترك نصيبه ، قلت لم وقد مات أحدهما وترك الآخر نصيبه من الخدمة للعبد ؟ قال لأن السيد قد ورث خدمة الميت منهما وثبت ذلك له ، فترك الباقي حظه من الخدمة لا يضر السيد ، كما لم يضر أحدهما حين ترك شريكه الخدمة - وهما باقيان ، ولكن يخدم نفسه النصف ، ويخدم السيد النصف حتى يموت المخدم الثاني ؛ قال وقال مالك لا يجوز لواحد منهما أن ينزع مال العبد المخدم إذا جعل حراً إلى أجل .
قال محمد بن رشد : قد قيل إن نصيب من مات منهما من الخدمة يرجع إلى السيد وإن لم تقسم الخدمة بينهما بأن يقول لهذا يوم ، ولهذا يوم ؛ وقيل أيضاً إن نصيب من مات منهما يرجع على صاحبه ، وإن كان قد قسم الخدمة بينهما ؛ وتفرقته ههنا بين أن يقسم الخدمة بينهما أو لا يقسمها ، قول ثالث في المسألة ؛ والثلاثة الأقوال كلها لملاك ، وقد مضى بيان ذلك في أول سماع ابن القاسم من كتاب الحبس ، وقوله إنه إذا تصدق أحدهما على

(14/376)


العبد بحظه من خدمته ، أنه لا يعتق بذلك منه شيء - يريد حتى يموت المخدم الثاني ، فإذا مات المخدم الثاني ، عتق جميعه ، ويخدم ما دام المخدم الثاني حياً - نفسه يوماً ، والمخدم الثاني يوماً ، ويسقط على مذهب حق السيد في رجوع حظه من خدمة العبد إليه إن مات قبل المخدم الثاني بالهبة ؛ لأنه حكم لما يرجع إلى السيد من الخدمة بحكم الميراث الذي يسقط حتى الوارث فيه بهبة الموروث إياه قبل وفاته ؛ فرأى أن الخدمة إذا وهبها المخدم للعبد في حياته ، استوجبه العبد ولم يكن للسيد فيها حق ، فإذا وهب المخدم الثاني حظه من الخدمة أيضاً ، عتق كله كما قال - على أصله في أن حق السيد فيما يرجع إليه من خدمة العبد بموت أحدهما قبل صاحبه ، يبطل بالهبة ؛ وفي ذلك من قول ابن القاسم نظر ، إذ ليس يرجع إلى السيد خدمة حظ من مات منهما قبل صاحبه على سبيل الميراث ، وإنما يرجع إليه ، لأنه ابقاه لنفسه على ما وجبه الحكم إذا قسم الخدمة بينهما فكان القياس إلا يبطل حقه في رجوع خدمة حظ من مات منهما قبل صاحبه إليه بهبته إياه ، وهب كل واحد منهما حظه من ذلك ، أو وهب ذلك أحدهما ؛ إلا ترى لو قال رجل يخدم عبدي فلاناً سنة ، ثم فلاناً سنة ، ثم فلاناً سنة ، ثم حر ؛ ؛ فوهب المخدم الأول - خدمته للعبد ، لم يسقط بذلك حق المخدم الثاني في خدمة السنة الثانية ، إذ ليست ترجع إليه بميراث عن المخدم الأول ، لوجب أن تكون للعبد خدمته السنة التي وهب إياها ،
وللمخدم الثاني خدمة السنة الثانية ، ثم يعتق العبد ؛ فكان القياس على هذا في مسألتنا ، اذاتصدق أحدهما على العبد بحظه من خدمته ، أن يخدم نفسه يوماً ، والمخدم الثاني يوماً - حتى يموت أحدهما ؛ فإذا مات المخدم الواهب لخدمته أولاً ، رجع حظه من خدمته للسيد ، وخدم يوماً للسيد أو لورثته إن كان قد مات ، ويوماً للمخدم الثاني حتى يموت فيعتق جميعه ؛ وإن مات المخدم الذي لم

(14/377)


يهب خدمته أولاً ، رجع أيضاً حظه من الخدمة إلى السيد فخدم نفسه يوماً ، والسيد وورثته إن كان قد مات يوماً حتى يموت المخدم الأول الذي وهب حظه من الخدمة ، فيعتق جميعه ؛ وكذلك أيضاً كان القياس على هذا إذا تركا جميعاً الخدمة للعبد إلا يبطل بذلك حق السيد فيما يجب له من الحق في رجوع خدمة من مات منهما قبل صاحبه إليه ، وأن يكون الحكم في ذلك أن يكون رق العبد موقوفاً ، فتكون خدمته لنفسه خاصة - خالصاً - ما داما حيين حتى يموت أحدهما ؛ فإذا مات أحدهما ، رجع حظه من خدمة العبد إلى السيد ، فخدم نفسه يوماً ، والسيد يوماً ، حتى يموت الثاني فيعتق جميعه ؛ وأما إذا ما مات أحدهما قبل أن يهب حظه من خدمة العبد للعبد ، فاستحق ذلك السيد ، فلا أشكال فيما قاله في الرواية أن من حق السيد في اختدام حظه منه إلى أن يموت المخدم الثاني ، لا يسقط بهبة المخدم الثاني لحظه من خدمة العبد ويكون السيد على حقه في خدمة نصفه ، فيخدم له يوماً ، ولنفسه يوماً ، حتى يموت المخدم الثاني فيعتق جميعه ؛ ولابن لبابة في المنتخب في هذه المسألة كلام مختل فاسد ، قول ابن القاسم فيها ما لم يقله ، وتأول عليه فيها ما لم يرده ؛ وألزمه الاضطراب على ما قوله إياه ، وتأوله عليه ؛ ومعنى ما ذهب ابن لبابة في المسألة إليه - أن ابن القاسم لم يعجل عتق نصف العبد بشك إذا وهب أحدهما خدمة حظه ، من أجل أن اليقين حاصل في رق النصف الآخر ، وعجل عتقه بشك إذا وهبا جميعاً خدمته من أجل أن اليقين حاصل في
النصف الآخر ، وطول الكلام في ذلك بتخليط لا يصح ، إن لا يمكن تعجيل عتق بعض العبد بهبة أحدهما لحظة من الخدمة ، لأن ما بقي فيه شعبة من الرق ، فأحكامه أحكام عبد ، ولا يصح لأحدهما فيه عتق ، إذ لا يملك واحد منهما من رقبته شيئاً وإنما يعتق بعتق السيد إياه على

(14/378)


الشرط الذي شرطه ، فلم يضطرب ، فلم يضطرب ابن القاسم في قوله - كما زعم ابن لبابة ، بل جرى فيه على أصل واحد - غير صحيح - حسبما بيناه وقررناه ؛ وأما على القول بأن حظ من مات منهما يرجع إلى صاحبه ، وأن قسم الخدمة بينهما ، فإن ترك أحدهما للعبد حظه من خدمته خدم نفسه يوماً ، وصاحبه يوماً - حتى يموت فيعتق ؛ وإن ترك كل واحد منهما له حظه من خدمته ، عجلت حريته ، ولا أشكال في هذا ؛ وقد مضى في رسم اغتسل من سماع ابن القاسم من هذا الكتاب ، وفي أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الحبس - الكلام على ما قاله مالك في آخر المسألة من أنه لا يجوز لواحد منهما أن ينتزع مال العبد المخدم إذا جعل حراً إلى أجل ، فلا معنى لإعادته ، وبالله التوفيق .
من سماع سحنون
قال سحنون في رجل أخدم عبداً له رجلاً فقبضه المخدم فخدمه أياماً ، ثم إن السيد أعتقه ؛ قال عتقه جائز ويرجع المخدم على السيد بقيمة ما بقي له من الخدمة .
قال محمد بن رشد : قول سحنون هذا خلاف ما تقدم لابن القاسم في رسم يوصي لمكاتبه من سماع عيسى ، وخلاف قوله في المدونة وغيرها من أنه لا عتق له فيه حتى تنقضي الخدمة ، أو الإجارة - إن كان في الإجارة ، وإنما يقول ابن القاسم إنه يكون عليه قيمة الخدمة إذا قتل العبد ، أو كانت امة فأولدها ، على ما مضى القول فيه في أول رسم من سماع يحيى من هذا الكتاب ، وبالله التوفيق .

(14/379)


من سماع محمد بن خالد وسؤاله ابن القاسم
قال وسألته عن المخدم يطأ الجارية التي اختدم فاعتذر فيها بالجهالة ، أيدر عنه الحد ؟ فقال نعم ولو تعمد ذلك بمعرفة . قال ابن القاسم ولا يجوز للمخدم أن يتزوجها ؛ قال مالك لأنه فيها بمنزلة الشريكين في الجارية . قلت فإن وطئها المخدم فأحبلها ، قال تكون أم ولد ويغرم قيمتها ، فيستأجر منها للمخدم . قلت فإن لم يكن له مال ، قال يأخذ ولده ويخدم الجارية إلى الأجل .
قال محمد بن رشد : قد مضت هذه المسألة والقول فيها مستوفى في رسم البراءة من سماع عيسى ، فلا وجه لإعادته ، وبالله التوفيق .
من سماع اصبغ من أشهب من كتاب البيوع والعيوب
قال اصبغ سمعت أشهب وسئل عن العبد بين الرجلين يخدم أحدهما حصته رجلاً ، قال ذلك جائز ، فإن قام صاحبه بالبيع ، باع معه ؛ فإذا باع انفسخت الخدمة وسقطت ؛ قيل له فإن علم صاحبه بإخدامه فأجاز ، ثم أراد القيام بالبيع بعد ذلك ؟ قال ذلك له ، قال اصبغ ثم العمل في ذلك والأمر على القول الأول ، قال اصبغ قيل لاشهب إن كان إنما رهن أحدهما حصته ، قال فالرهن جائز ؛ فإن

(14/380)


قام صاحبه بالبيع بيع ، فإذا بيع ، فإن كان الحق دنانير عجلت للمرتهن ، وإن كان عن رضى ، وقف الثمن حتى الأجل ؛ قيل له فإن واجر أحدهما حصته ؟ قال فالإجارة أيضاً جائزة ، فإن قام صاحبه بالبيع ، فذلك له ؛ فإذا بيع انفسخت الإجارة ؛ قال اصبغ إنما البيع هاهنا كالقتل ، لو قتل بطلت الخدمة ، وكان العقل للمخدم فكذلك الثمن ؛ قال اصبغ قلت لاشهب فينتقد فيه الأجرة إذا أجر حصته ؟ قال لا بأس ؛ قال اصبغ لا يعبجني الاشتراط ، وارى فيه مقاررة ، وكالبيع والسلف ؛ لأن البيع ينقض الإجارة ولا يدري متى يقوم بالبيع ، ويباع إذا كان القيام به لغيره .
قال محمد بن رشد : قد مضى لابن القاسم في رسم العشور من سماع عيسى خلاف قول أشهب وأصبغ في هذا السماع في الإجارة والخدمة ، ومضى الكلام على ذلك هنالك ، فلا معنى لإعادته ، وأما قوله في - الرهن إذا قام الشريك ببيعه بيع - وكان الحق دنانير ، أن الثمن يعجل ؛ معناه إلا أن يأتي الراهن برهن مثله ، وقد قيل إنه لا يعجل ويوضع على يدي عدل ، وهو الذي في المدونة في الرهن يبيعه الراهن بإذن المرتهن ، وهو أيضاً قول مالك في رسم الاقضية الثانية من سماع أشهب من كتاب الرهون ، وقد مضى الكلام على ذلك هنالك ، فلا معنى لإعادته ، وبالله التوفيق .
ومن كتاب القضاء العاشر
وسئل عن رجل أخدم رجلاً ( سنة ) عبداً ثم هو لآخر

(14/381)


بتلا ، فمات العبد قبل السنة وترك مالاً ، قال هو لسيده - يعني المخدم ؛ قال اصبغ وذلك أنه مات قبل أن يجب لفلان ولا يجب له إلا ببلوغ الوقت الذي جعله له عنده - فلم يبلغه ، وهو شبيه بالحرية ؛ ولو جعله حراً بعد خدمة أحد فمات عن مال قبل ذلك ، كان السيد أولى به ، أو جرح - وقد اختلف قول مالك في البتل بعد الخدمة ، وهذا أحب إلينا إن شاء الله .
قال محمد بن رشد : هذه المسألة قد مضى القول عليها في الرسم الأول من سماع يحيى ، فلا معنى لإعادته ، وبالله التوفيق .
ومن كتاب الوصايا
وسمعت ابن القاسم يقول إذا أوصى الرجل بخدمة عبده لرجل ما عاش ، وأوصى لقوم بوصايا - ولا مال له غيره ، فأمضى الورثة ما أوصى به صاحبهم من الخدمة فبيع ثلث العبد وعمر المخدم ، وقومت خدمة العبد على قدر غررها ، فحاص صاحبها أصحاب الثلث في ثمن ثلث رقبة العبد ، فأخذها لنفسه وصنع بما شاء ؛ واختدم أيضاً ثلثي العبد حتى يموت ، فإذا مات رجع الثلثان إلى الورثة ( قاله اصبغ ) .
(
قال محمد بن رشد : نقل أبو إسحاق التونسي هذه المسألة من كتاب ابن المواز بلفظ أبين من هذا فقال يباع ، ثلث العبد فيتحاص في ثمن ثلث رقبة العبد مع أصحاب الوصايا والمخدم بقيمة خدمته على غررها ، فما

(14/382)


صار له من ذلك أخذه بتلاً ، ثم يختدم مع ذلك أيضاً ثلثي العبد حتى يموت ، فإذا مات رجع الثلثان إلى الورثة ) قال أبو إسحاق وفي هذا إلى نظر . لأنه جعله يأخذ ما وقع له في المحاصة ، ثم يأخذ ثلثي الخدمة وهو قد ضرب بها ، فإنما ينبغي أن يدفع إلى الورثة ثلثي ما وقع له في المحاصة ، لأنه عوض عن ثلثي الخدمة التي أسلموها له ؛ وأما ثلث ما وقع في الحصاص فيأخذه ، إذ لا يقرر الورثة إذا بيع ثلث العبد - أن يمضوا له خدمة ذلك ، الجزء الذي يقع له في الحصاص فأخذ ثمنه عوضاً منه ، وكلام أبي إسحاق صحيح ( بين ) ، وبالله التوفيق .
مسألة
وسمعت ابن القاسم يقول إذا أوصى رجل فقال عبدي يخدم فلاناً عشر سنين ثم هو حر ، فلم يحمله الثلث ، عتق منه ما حمل الثلث ، وسقطت الخدمة والوصية ؛ وإن أوصى فقال عبدي يخدم فلاناً شهراً ثم هو حر ، وفلان يخدم سنة ثم هو حر ، بدئ بصاحب الشهر إذا كان الشيء القريب من الأمر - هكذا ، ولو أوصى فقال فلانا يخدم سنة ثم هو حر ، وفلاناً سنتين ثم هو حر ، وفلاناً يخدم عشر سنين - ثم هو حر ، وفلاناً عشرين سنة ثم هو حر ؛ رأيت في ذلك كله أن يتحاصوا - وقاله أصبغ - إذا طالت الخدمة ؛ فإن افترقا في الوقت فهو حصاص - وإن تباعد ما

(14/383)


بينهما ؛ وإذا قلت الخدمتان ، بدئ بالأول فالأول -وإن افترقا ما بينهما .
قال محمد بن رشد : أما إذا رضي بخدمة عبده عشر سنين ثم هو حر ، فلم يحمله الثلث ، فلا اختلاف في أنه يعتق منه ما حمل الثلث وتسقط الوصية بالخدمة وغير الخدمة إن أوصى بوصايا مع الخدمة والعتقح لأن العتق بعينه يبدأ على ما سواه من الوصايا ، وقد قال عبد الوهاب في المعونة ( إنه ) يبدأ على الزكاة - وهو بعيد في القياس ؛ ووجهه إتباع ظاهر الحديث المروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر أن تبدأ العتاقة على الوصايا فعم ولم يخص ، وقد مضى في رسم اسلم من سماع عيسى من كتاب المدبر جملة من ترتيب الوصايا في التبدئة ، فلا معنى لإعادته ؛ وقال في هذه الرواية ( إنه ) يبدأ المعتق على شهر ، على المعتق إلى سنة ، وإنه لا يبدأ المعتق إلى سنة على المعتق إلى سنتين ( ولا المعتق إلى عشر سنين على المعتق إلى عشرين سنة ؛ ولم ينص هل يبدأ المعتق إلى سنة على المعتق إلى عشر سنين ؛ والذي أقول به أنه يبدأ عليه على ظاهر هذه الرواية ، ولا ينبغي أن يختلف في هذا ، وإنما الاختلاف هل يبدأ المعتق إلى سنة على المعتق إلى سنتين ) . والثلاث ونحو ذلك أم لا ؛ ولا اختلاف في أنه لا يبدأ المعتق ( إلى العشر سنين على المعتق ) إلى عشرين سنة ! قال في

(14/384)


هذه الرواية ويتحاصون في الثلث ، والمعلوم من مذهب ابن القاسم أنه يعتق ما حمل الثلث منهما بالسهم ؛ فهو الذي نص عليه في رسم استأذن من سماع عيسى ؛ ويحتمل أن يفسر بذلك ما في هذه الرواية ، ولا تحمل على ظاهرها من الخلاف المعلوم من مذهبه ، وبالله التوفيق .
ومن كتاب الوصايا الصغير
قال اصبغ سمعت ابن القاسم يقول في رجل أخدم عبده رجلاً ، عبداً له إلى أجل ، ثم حضرت المخدم الوفاة ، فأوصى بثلث ماله لرجل ، وبذلك العبد المخدم لرجل آخر ؛ قال يضرب للموصى له بالعبد ، بقيمة العبد في الرجوع يوم يرجع على ما يساوي يومئذ مع صاحب الثلث ، فما أصابه في ذلك الثلث فله ، وتدخل وصيته في جميع الثلث إذا حالت ، وقطع له بالثلث ؛ قال اصبغ وتفسير ذلك أن يكون مبلغ الثلث إذا أضيفت قيمة العبد بعد انقضاء الخدمة إلى التركة ( ستين ديناراً ) وقيمة العبد على رجوعه من ذلك عشرين ديناراً ؛ فالثلث بينهم أرباعاً ، لصاحب الثلث ثلاثة ، ولهذا واحد ؛ فإذا رجع العبد بعد انقضاء الخدمة ، اقتسما ثلثه على قدر ذلك أيضاً ، لأن ثلثه باقي الثلث ، وثلثاه للورثة .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة بينة صحيحة المعنى ، على ما فسرها به اصبغ ، ومعنى ذلك إذا لم يجز الورثة الوصية ، وقطعوا الموصى لهم بالثلث ؛ وأما إذا أجازوا الوصية ، فلا محاصة في ذلك ، إلا أنه يختلف : هل يلزمهم أن يبدأوا بالعبد على مرجوعه للموصى له به ، وبثلث جميع المال

(14/385)


مع العبد إلى الموصى له بالثلث ؛ أو لا يلزمهم أكثر من أن يبدأوا إلى الموصى له بالثلث - ثلث المال سوى العبد ، وبالعبد إلى الموصى له بالعبد على مرجوعه ؛ فيكون ثلثه للموصى له به ، والثلث بينهما ؛ والاول هو قول سحنون وأشهب ، وهو الذي يأتي على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة ، وعلى رواية علي بن زياد عنه فيها أيضاً ، والثاني هو قول ابن القاسم ( في رسم ) يشتري الدور والمزارع من سماع يحيى من كتاب الوصايا ، ولم يختلف إذا أوصى لرجل بثلث ماله ، ولآخر بمائة دينار ، فأجاز الورثة ذلك في أن عليهم أن يدفعوا الثلث كاملاً للموصى له بالثلث ، والمائة كاملة للموصى ( له ) بها ، لا يدخل عليه الموصى له بالثلث في شيء منها ؛ وما اتفقوا عليه ، يقضي على ما اختلفوا فيه ؛ وقد مضى هذا المعنى بزيادة بيان فيه في الرسم المذكور من سماع يحيى من كتاب الوصايا ، وبالله التوفيق .
ومن سماع موسى بن معاوية من ابن القاسم
قال موسى بن معاوية قال ابن القاسم في رجل أوصى لرجل بوصايا ، ولرجل بخدمة عبد ما عاش ، فلم يحمل ذلك الثلث ، ووقع فيها العول ؛ قال يعمر المخدم ثم ينظر إلى قيمة تلك الخدمة على الرجاء والخوف فيها ، أيتم ذلك أو لا يتم - لو كانت تواجر لغررها ، فيحاص بها أهل الوصايا فيما قطع لهم من العبد وجميع

(14/386)


ثلث المال ، فيكون لكل واحد منهم الذي أوصى له به في حصته من الثلث ؛ قال ابن القاسم ولو أخدمه عشر سنين ثم هو حر ، بدئ بالعبد ؛ لأنها عتاقة ، ثم يقوم ؛ فإن كان العبد ثلث المال ، قومت تلك العشر سنين بحالها على الرجاء فيها والخوف لها ؛ يقال من يستأجرها هذا ( العبد ) عشر سنين على أنه إن بقي فله خدمته ، وإن مات لم يرجع بشيء ؛ فعلى هذا تكون قيمة الخدمة ، ثم يتحاصون في الخدمة مع أهل الوصايا بقدر وصاياهم ، وصاحب الخدمة بقيمة الخدمة في خدمة العبد تلك السنين ؛ فإن بلغ ، عتق ، وإن مات قبل ذلك ، سقطت وصاياهم ؛ قال ابن القاسم ولو فضل عن قيمة العبد فضلة من الثلث ، تحاصوا الخدمة وفيما فضل من الثلث حتى تكون للذي أوصى لهم بالتسمية مما فضل من الثلث والخدمة بقدر ما أوصى لهم ، ويكون للذي أوصى لهم بالخدمة من الخدمة ومما فضل من الثلث بقدر الذي يصيبه من قيمة الخدمة ، يتعاولون جميعاً في الخدمة ، وفيما بقي من الثلث على ما فسرت لك ؛ قال ابن القاسم ولو كان العبد أكثر من ثلث الميت خير الورثة في أن يمضوا عتق العبد إلى الأجل ، فإن فعلوا تحاصوا جميعاً في الخدمة ، وإن أبرأ ، عتق منه ما حمل الثلث بتلاً ، وسقطت الوصايا والخدمة .
قال محمد بن رشد : قوله في الذي أوصى لرجل بوصايا ، ولرجل بخدمة عبد له ما عاش ، فلم يحمل ذلك الثلث ، ووقع فيها العول ؛ أن المخدم يعمر ثم ينظر إلى قيمة الخدمة على الرجاء والخوف ، فيحاص بها أهل الوصايا فيما قطع لهم من العبد وجميع ثلث المال ، بين صحيح على

(14/387)


أصولهم ؛ والوجه في ذلك أن يعمر الموصى له بخدمة العبد ما عاش ، فإن عمر ثمانين سنة - وسنه أربعون ، قيل كم قيمة خدمة هذا العبد عشرين سنة على أنه إن مات العبد قبل تمام العشرين سنة ، لم يكن للمستأجر شيء ، فإن قيل عشرة دنانير - وقيمة العبد عشرون ، وقد ترك المتوفى أربعين دينار سوى العبد ، واوصى لرجلين بعشرة ، عشرة ؛ فالثلث على هذا عشرون ، والوصايا ثلاثون عشرة ، عشرة - لكل واحد من الرجلين ، وعشرة للموصى له بخدمة العبد ؛ فيكون جميع الثلث بينهم أثلاثاً : ثلث للعبد ، وثلث الأربعين على هذه الرواية في أن الموصى له بخدمة العبد ، يكون حظه في المحاصة شائعاً في جميع الثلث ، وعلى القول بأنه يقطع له فيما أوصى له به ؛ وهو قول ابن القاسم الذي تقدم في رسم جاع من سماع عيسى ، وأحد قولي مالك يكون له ثلث العبد ، ويكون للرجلين الموصى لهما بعشرة ، عشرة - ثلث الأربعين بينهما بنصفين : ستة وثلثان لكل واحد منهما ؛ واختلف إن عاش أكثر مما عمر - والعبد حي لم يمت ، هل يعمر ثانية ويرجع على الموصى لهما أم لا ؟ وكذلك اختلف أيضاً إن مات قبل الأجل الذي عمر إليه ، أو مات العبد قبل ذلك ؛ هل يرجع الموصى لهما عليه فيما فضل عنده أم لا ؟ فقيل إنه يرجع عليهما ويرجعان عليه ، وقيل إنه لا يرجع عليهما ولا يرجعان عليه ، وقيل إنهما يرجعان عليه ولا يرجع عليهما ؛ وقد مضى تحصيل الاختلاف في هذا في رسم الاقضية الثاني من سماع أشهب من كتاب الوصايا ، وفي رسم العتق من سماع عيسى منه وفي آخر رسم الوصايا الأول من سماع اصبغ منه ، ولا اختلاف في أن لكل واحد منهما الرجوع على صاحبه - إن حمل الثلث
الوصية ، أو أن لم يحملها فأجازها الورثة ، وأما إذا أوصى

(14/388)


بخدمة عبده لرجل عشر سنين ، وأوصى بوصايا ثم هو حر ؛ فإن لم يحمله الثلث ، عتق منه ما حمل الثلث ، وسقطت الوصايا بالخدمة وغير الخدمة ، لأن العتق مبدأ على ما سواه من الوصايا ، ولا اختلاف في هذا ؛ وكذلك لا اختلاف إذا حمله الثلث - ولم يكن فيه فضل عنه في أن الموصى له بالخدمة يتحاص مع أصحاب الوصايا في الخدمة ، ويعتق بعد انقضائها ؛ واختلف إذا اكن في الثلث فضل عن العبد ، فقيل إنه يتحاص مع أصحاب الوصايا في الخدمة ، ويعتق بعد انقضائها واختلف إذا كان في الثلث فضل عن العبد ؛ فقيل أنه يتحاص مع أصحاب الوصايا في الخدمة ويعتق بعد انقضائها إذا كان في الثلث فضل عن العبد ، فقيل إنه يتحاص مع أصحاب الوصايا ( في الخدمة ) وفيها فضل عنها ، وهو قوله في هذه الرواية ، وقيل أنه يقطع له في خدمة العبد بما نابه في المحاصات وهو قول ابن القاسم في رسم جاع من سماع عيسى ، وقد تقدم القول هناك على ذلك ، وأنه يتحصل فيه ثلاثة أقوال ، وبالله التوفيق .
مسألة
قال ابن القاسم في رجل أوصى بخدمة جارية له أن تخدم ابنه ما عاش ، فإذا مات تكاتب بعشرين ديناراً ؛ قال ابن القاسم أن وسعها الثلث وقفت لخدمة الابن إن أجاز ذلك الورثة ، وإن أبوا ، اقتسموا خدمتها على فرائض الله ، ما عاش الموصى له ،

(14/389)


ومن مات من الورثة فورثته على حقه من الخدمة ، حتى يموت الموصى له بالخدمة ؛ فإذا مات كوتبت بعشرين ديناراً ، فإن أدت ، عتقت وتكون كتابتها بين من ورث الميت على فرائض الله ؛ وأن عجزت رقت وكانت رقيقاً بين من ورث الميت على فرائض الله ؛ قال اصبغ ، ويكون ولاؤها إن أدت وعتقت للميت الموصي بكتابتها ، وعصبته الذين يرثون الولاء من الرجال ؛ قال ابن القاسم وإن لم يحملها الثلث ، خير الورثة بين أن ينفذوا ما قال ، فتكون موقوفة على الابن في خدمته إلى الأجل ، ويقتسمون الخدمة إن لم يجيزوا له ذلك ، ويكاتبوها بعد ذلك ؛ وبين أن يعتقوا منها ما حمل الثلث بتلاً ، ويسقط عنها الخدمة حتى تتم الوصية ؛ وبين أن يعجلوا لها الكتابة بما قال صاحبهم ؛ قال ابن القاسم وأن أبى واحد منهم ، كانوا بمنزلتهم إذا أبوا جميعاً ؛ وأن أبى واحد منهم الكتابة أو الخدمة الموصى له بالخدمة أو غيره ، اعتقوا منها ما حمل الثلث .
قال محمد بن رشد : قد مضت هذه المسألة متكررة في رسم الوصايا من سماع اصبغ من كتاب المكاتب ، وسقط منها هناك قول ابن القاسم في آخرها : وأن أبى واحد منهم إلى آخر المسألة ؛ وبه تتم المسألة وتصح ، لأنه تفسير ما تقدم من قوله ، ومن قول اصبغ في سماعه من كتاب المكاتب حسبما ذكرناه هناك ، وبالله التوفيق .
تم كتاب الخدمة بحمد لله وحسن عونه ، والصلاة الكاملة على سيدنا ومولانا محمد وعلى إله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً

(14/390)