البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة

 [: كتاب العتق الأول] [رجل قال لغلامه اشتر لنفسك جارية فلتطأها فما ولد لك منها فهو حر]
(كتاب العتق الأول) من سماع ابن القاسم من مالك من كتاب قطع الشجر قال: وسئل مالك: عن رجل قال لغلامه: اشتر لنفسك جارية فلتطأها، فما ولد لك منها فهو حر، فعمد الغلام فاشتراها من ماله سرا من سيده، فولد له منها، ثم علم السيد فأبى أن يعتق الولد وكره له أن يعمل ذلك سرا، قال: أرى ولده ذلك حرا- وإن كان اشتراها سرا، إلا أن يعلم أن السيد (إنما) أراد أن يستصلح عبده ولا يغيب عنها إلى الأرض النائية (التي) يكره السيد أن يتغرب إليها، يقول: إنما كان أعطاه هذا ليقيم عنده أو ما ولدت له عنده فهو حر، ولم يرد ما ولدت له في الأرض التي كرهت له أن يذهب إليها، ويغيب عني فيها، فهذا وجه هذا- عندي- والله أعلم.

(14/391)


قال محمد بن رشد: قوله: اشتر لنفسك جارية فلتطأها- يريد اشترها بمالك لنفسك؛ لأنه إذا اشتراها بماله بإذن سيده، جاز له أن يطأها، ولو كان مأذونا له في التجارة، لكان له أن يشتريها ويطأها، وإن لم يأذن له سيده في ذلك؛ لأن للعبد المأذون له أن يتسرى في ماله بغير إذن سيده على ما قاله في المدونة، وعلى ما جاء من أن عبيدا لعبد الله بن عمر كانوا يتسرون في أموالهم ولا يستأذنونه، وقد روى محمد بن يحيى السبائي عن مالك أن العبد لا يتسرى في ماله إلا بإذن سيده، ومعنى ذلك في غير المأذون له في التجارة حتى تتفق الروايات، وقد وقع في بعض الروايات اشتر لنفسك جارية بمالي أو بمالك، والرواية بإسقاط ذلك أصوب؛ لأنه لا يجوز له أن يطأها بمال السيد- وإن كان السيد قال له اشترها لنفسك بمالي تطؤها، إلا أن يكون وهبه الثمن على ما قاله في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم من كتاب النكاح، أو أسلفه إياه على ما قاله في رسم الطلاق من سماع أشهب منه؛ لأنه إذا قال له: اشترها من مالي لنفسك تطؤها، فلم يملكه رقبتها، وإنما أذن له في شرائها لنفسه ليطأها، وذلك تحليل منه له فرجها، وقول السيد فما ولد لك منها فهو حر، إيجاب أوجبه على نفسه يلزمه بظاهر قوله فعل ذلك في بلده بعلم سيده، أو في غير بلده سرا من سيده، فلا يصدق السيد إن فعل العبد ذلك سرا من سيده في غير بلده- في أنه لم يرد ذلك، إلا أن يعلم قصد السيد إلى استصلاح عبده بذلك لئلا يغيب (عنه) بأن يعلم أنه كان كثير المغيب عن مولاه، فاستماله بما وعده به من عتق ولده، لئلا يغيب عنه، فإذا غاب عنه وتسرى في بلد آخر وولد له فيه، لم يلزمه العتق، لمغيبه

(14/392)


عنه، ومخالفته ما جرى عليه بساط يمينه، وبالله التوفيق.

[مسألة: قال إن ولد لي ولد ذكر فرقيقي أحرار]
مسألة وسئل: عمن قال: إن ولد لي ولد ذكر، فرقيقي أحرار، وكانت امرأته حاملا فأراد أن بيعهم وهبتهم، قال: لا يبيع منهم شيئا وهم أحرار- إن ولدت ذكرا.
قال محمد بن رشد: هذا بيّن على ما قاله: إنه لا يبيع منهم شيئا- إن كانت امرأته يوم قال هذا (القول) حاملا؛ لأنه نذر عتقهم إن وضعت امرأته ذكرا، فوجب ألا يخرجهم عن ملكه حتى يعرف ما تضع، ولو لم تكن امرأته يوم قال هذا القول- حاملا، لتخرج جواز بيعهم على اختلاف قول مالك، وابن القاسم في الذي يقول: عبدي حر إن قدم فلان، فمالك لا يرى أن يبيعه، وابن القاسم لا يرى ببيعه بأسا، ولا فرق بين المسألتين؛ لأنه لا يدري متى يقدم فلان؟ وهل يقدم أو لا يقدم؟ وهل يولد له ذكر أو لا يولد له ذكر؟ ولا يقع شيء من ذلك باختياره، ولو قال: إن فعلت كذا أو فعل فلان كذا وكذا، فعبيدي أحرار، لم يمنع من بيع ولا وطء؛ لأنه على بر، وبالله التوفيق.

[مسألة: اشترى عبدا بثمن إلى أجل وجعله حرا]
مسألة
قال مالك: من اشترى عبدا بثمن إلى أجل وجعله حرا- إن لم يقضه إلى ذلك الأجل، لا يباع حتى يحل الأجل ويدفع إليه حقه،

(14/393)


فإن جاء الأجل وعليه دين محيط برقبة العبد لم يعتق، وكان البائع أحق به من غيره من الغرماء.
قال محمد بن رشد: قوله: إنه لا يباع حتى يحل الأجل، هو مثل ما في المدونة وغيرها في الحالف بعتق عبده ليفعلن فعلا إلى أجل، أنه لا يباع حتى يحل الأجل فيبر أو يحنث؛ لأنه مرتهن بيمينه في البيع، ولو كاتب أمة، كان له أن يطأها على أحد قولي مالك في المدونة، وقوله: إن الأجل إذا حل وعليه دين محيط برقبة العبد لم يعتق، وكان البائع أحق به من غيره من الغرماء، صحيح لا اختلاف فيه- إن كان الدين الذي عليه سوى ثمن العبد يحيط برقبة العبد؛ لأنه إذا وجب رد العتق بسبب الدين، كان البائع أحق به، وأما إذا لم يحط برقبة العبد، أو لم يكن عليه دين سوى ثمن العبد- والبائع هو الذي استحلفه، فقيل: إنه لا يرد عتقه في الثمن للبائع؛ لأنه لما استحلفه فقد رضي بعتقه فيتبعه بدينه ويعتق العبد كله- إن لم يكن عليه دين سوى ثمنه، وإن كان عليه دين سوى ثمنه، بيع منه بالدين وأعتق الباقي، وإن كان الدين الذي عليه سوى ثمن العبد يحيط برقبة العبد، كان البائع أحق به، وإن شاء أن يتركه ويحاص الغرماء بالثمن فيه، كان ذلك له، وهو قول ابن وهب، وقيل: إنه يرد عتقه في الثمن، وإن كان البائع هو الذي استحلفه، وهو قول ابن القاسم في رسم أوصى من سماع عيسى، ووجهه أن البائع يقول: رجوت أن يكون له وفاء إن حنث عند الأجل، ولو لم أطمع بذلك ما استحلفته، واختلف على هذا القول إن أراد البائع لما حل الأجل أن يؤخره بدينه، ويقر العبد بيده لعله يجد وفاء فيعتق، فقال ابن القاسم في المدونة: ذلك له؛ لأنه خير للعبد، وروى محمد بن يحيى السبائي عن

(14/394)


مالك فيها: أن ذلك ليس له؛ لأن العتق قد وجب بحلول الأجل، إلا أن يرده البائع بدينه، فإن أخره به، أعتق العبد، وليس له أن يؤخره بالثمن ويقر العبد بيده فيحرمه العتق، وهو القياس، وقول ابن القاسم استحسان، وبالله التوفيق.

[مسألة: فر عبده فقال اخرج إلي يا فلان وأنت حر]
مسألة وقال مالك فيمن فر عبده- يعني لحق بالعدو، فقال: اخرج إلي يا فلان- وأنت حر، ثم خرج، فقال: إنما أردت أن أستخرجك، فقال: إن كان أشهد أنه أراد أن يقول ذلك ليستنقذ عبده ويأخذه؟ فلا عتق عليه، وإن لم يشهد، فهو حر.
قال محمد بن رشد: هذا أصل مختلف فيه، قد قال مالك في رسم أخذ يشرب خمرا من كتاب المديان والتفليس في الذي يكون له على الرجل الحق فيجحده ويدعوه إلى الصلح، فيصالحه وشهوده غُيَّب ويشهد في السر أنه إنما يصالحه؛ لأنه جحده، فخاف أن يذهب حقه، وأنه على حقه إذا حضرته بينته، أن الصلح يلزمه ولا ينتفع بذلك، وقال أصبغ في نوازله من كتاب الدعوى والصلح: إنه ينتفع بالإشهاد في الغيبة البعيدة، والتحرز من هذا الاختلاف: يكتب في كتب الاصطلاحات: وأسقط عنه الاسترعاء (والاسترعاء) في الاسترعاء، ومن الكتاب من يزيد ما تكرر وتناهى ولا معنى له؛ لأن الاسترعاء هو أن يشهد قبل الصلح في السر أنه إنما يصالحه لوجه كذا، فهو غير ملتزم للصلح، والاسترعاء في الاسترعاء، هو أن يشهد أنه لا يلتزم الصلح، وأنه متى صالح وأشهد على نفسه في كتاب الصلح أنه أسقط عنه الاسترعاء في السر فإنه لا يلتزم ذلك، ولا يسقط عنه القيام به، فلا يتصور في ذلك منزلة ثالثة، وهذا الاسترعاء في السر، إنما ينفع عند من يراه

(14/395)


نافعا فيما خرج على غير عوض، وأما ما خرج على عوض من العقود كلها، فلا اختلاف في أن الاسترعاء فيها غير نافع، وبالله التوفيق.

[مسألة: قال الرجل لعبده اعمل لي كذا وكذا وأنت حر]
مسألة وقال مالك: إذا قال الرجل لعبده اعمل لي كذا وكذا- وأنت حر، فرد ذلك العبد، قال سحنون: يعني لم يقبل العبد فرده على سيده، ثم بدا له فقال: أنا أعمله، فقال: ليس ذلك له.
قال محمد بن رشد: في قوله فرد ذلك العبد، دليل بين على أن السيد لا يجبر عبده على الكتابة، وقد روي عنه أن له أن يكاتبه كرها، حكى ذلك عنه إسماعيل القاضي في كتاب الأحكام له، والاختلاف في ذلك أيضا من قول ابن القاسم قائم من المدونة - حسبما قد ذكرناه في هذا الكتاب، ووجه قول من قال: أن له أن يجبره على الكتابة، هو إنه إذا كان له أن يؤاجره السنة والسنتين، ويأخذ أجرته وهو باق على رقه، فيكاتبه مدة معلومة على مقدار ما يعلم إنه يطيق أداءه في تلك المدة من عمله، واكتسابه لأزم له، ليس له أن يمتنع منه؛ لأن ذلك يمضي به إلى الحرية من غير ضرر يلحقه فيه وقوله في الرواية: أنه إذا رد فليس له أن يرجع إلى القبول، بين صحيح على القول بأنه يجبره على الكتابة، وعلى القول بأنه لا يجبره عليها؛ لأنه على القول بأنه يجبره على الكتابة كالتمليك في الطلاق الذي للرجل أن يجبر زوجته عليه، فإذا ملكها واختارت زوجها، لم يكن لها أن ترجع إلى اختيار نفسها، وعلى القول بأنه لا يجبره على الكتابة كالمبايعة لو قال الرجل للرجل: إن شئت سلعتي هذه فهي لك بكذا وكذا، فرد ذلك، وقال: لا أشاؤها بذلك، لم يكن له أن يرجع إلى قبولها وأخذها بذلك الثمن، إلا أن يشاء البائع، ولو افترقا من المجلس قبل أن يرد ذلك العبد، أو يقبل في الذي قال له سيده كذا وكذا- وأنت حر، لم يكن له أن يقبل بعد انقضاء المجلس قولا واحدا على القول بأن الرجل ليس له أن يجبر عبده على الكتابة؛ لأن ذلك كالمبايعة لو قال الرجل

(14/396)


للرجل: لك سلعتي بكذا وكذا، فلم يقبل حتى انقضى المجلس، لم يكن له بعد المجلس قول، وأما على القول بأن الرجل يجبر عبده على الكتابة، فيكون له القبول بعد انقضاء المجلس على القول بأن للمملكة أن تقضي بعد انقضاء المجلس، ما لم توقف فترد، وقد قال ابن دحون: إن قول مالك في الرجل يوصي بتخير أمته فتختار الرد، أن لها أن ترجع إلى العتق- ما لم تبع، معارض لهذه المسألة، وليس ذلك بصحيح؛ لأن تخيير الرجل أمته بين العتق والبيع، بخلاف الوصية لها بذلك؛ لأن مواجهته إياها بالتخيير، يقتضي الجواب منها بالرد أو القبول، وليس كذلك الوصية لها بذلك؟ وقد مضى بيان هذا في سماع عيسى من كتاب الوصايا، وبالله التوفيق.

[مسألة: أعتق الرجل في مرضه ولم يجد إلا شاهدا واحدا على عتقه]
مسألة قال: إذا أعتق الرجل في مرضه ولم يجد إلا شاهدا واحدا على عتقه، فاليمين على الورثة ما علموا بعتق صاحبهم.
قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة، ظاهره أنه أوجب عليهم اليمين، ما علموا، وإن لم يحقق عليهم الدعوى بأنهم علموا، وذلك إذا كانوا ممن يظن منهم أنهم علموا على ما قال في كتاب العيوب والأقضية من المدونة، وقد قيل: إنه لا يمين عليهم إلا أن يدعي عليهم العلم، وهو الذي يأتي على ما في كتاب النكاح الثاني وكتاب بيع الغرر، والاختلاف

(14/397)


في هذا على اختلافهم في لحوق يمين التهمة؛ لأنها يمين تهمة، وقد وقع لأصبغ في رسم محض القضاء من سماعه أن اليمين لا تجب على الورثة للعبد، وإن حقق الدعوى عليهم في العلم، وكان له شاهد على الميت بالعتق- وهو بعيد، وأما إذا لم يكن له شاهد على الميت بالعتق، فلا يجب له على الورثة اليمين- وإن ادعى عليهم العلم، وحقق به الدعوى عليهم؛ لأن اليمين إذا لم تجب على السيد، فأحرى ألا تجب على الورثة، وبالله التوفيق.

[مسألة: العبد يعتق يريد في الوصية ثم يمرض العبد مرضا شديدا يخاف عليه]
مسألة قال ابن القاسم في العبد يعتق- يريد في الوصية ثم يمرض العبد مرضا شديدا يخاف عليه، أرى أن يعتق إذا اجتمع المال لا يؤخر لمرضه إذا اجتمع المال، ولا يعجل لمرض إن تأخر المال.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن المال إذا اجتمع، وجب أن تنفذ الوصية له بالعتق، ولا يؤخر ذلك رجاء أن يصح- مخافة أن يموت فتبطل الوصية، وإذا لم يجتمع المال، لم يصح أن يعتق مخافة أن يموت، ولعل المال يهلك ولا يجتمع، فيكون قد أعتق وهو لا يخرج من الثلث، ولا أن يعتق منه ما حمل الثلث ما اجتمع من المال فيبعض العتق؟ وإن دعا إلى ذلك العبد على مذهبه في المدونة خلاف قول أشهب، وبالله التوفيق.

[مسألة: قال لغلام لأبيه في حياة أبيه يوم أملكك فأنت حر]
مسألة وسئل مالك: عمن قال لغلام لأبيه في حياة أبيه: يوم أملكك فأنت حر، فهلك الأب وملكه، قال: أو كان قال ذلك له يوم قاله وهو سفيه، فلا أرى له عتقا، وإن كان يومئذ حليما، فأراه يعتق عليه.

(14/398)


قال محمد بن رشد: هذا هو المعلوم في المذهب المشهور من قول مالك وجميع أصحابه، أن من أعتق ما لم يملك بشرط ملكه إياه، أو طلق ما لم ينكح بشرط نكاحه إياها، أن ذلك لازم له إذا خص ولم يعم، والأصل في لزوم ذلك له، قول الله عز وجل: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ} [التوبة: 75] إلى قوله {وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [التوبة: 77] ومن أهل العلم من ألزمه ذلك خص (أو عم) وهو القياس، ومنهم من لم يلزمه ذلك- خص أو عم- تعلقا بظاهر قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا طلاق قبل نكاح، ولا عتق قبل ملك» وتفرقة مالك بين أن يخص أو يعم استحسان، فتفرقته في الرواية (بين أن يكون) يوم قاله سفيها أو حليما - صحيحة بينة؛ لأن السفيه لا يلزمه العتق لكونه محجورا عليه في ماله بقول الله عز وجل: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5] الآية وإنما موضوع الكلام هل هو محمول على الرشد في حياة أبيه حتى يعلم سفهه، أو على السفه حتى يعلم رشده، فالمشهور أنه محمول على السفه حتى يعلم رشده، وهو نص قول ابن القاسم في رواية يحيى عنه من كتاب الصدقات والهبات، وقيل: إنه بالبلوغ محمول على الرشد حتى يعلم سفهه على ظاهر قوله في كتاب النكاح الأول من المدونة إذا احتلم الغلام فله أن يذهب حيث شاء، وقد مضى الكلام على هذا في غير ما موضع من هذا الكتاب وغيره، وبالله التوفيق.

(14/399)


[: كان لزوجها امرأة أخرى فآثر الأخرى عليها في مبيت ليال]
ومن كتاب القبلة
وقال في امرأة كان لزوجها امرأة أخرى فآثر الأخرى عليها في مبيت ليال، فقالت: إن بت معك تحت سقف بيت حتى تبيت معي مثل ما بت عند الأخرى، فجاريتي حرة لوجه الله، قال مالك: يبيت معها في غير بيت في حجرة ويترك الأخرى حتى يفرغ من تلك الليالي.
قال أصبغ: أراها حانثة حيثما بات معها؛ لأنها إنما حلفت على الاجتناب والمنع حتى يفعل، ولا يبرها أن تبيت معه في الحجرة، ولو باتت معه في جوف الماء، لرأيتها حانثة، قال أصبغ: والذي يبرها- عندي- أن تبيت معه في الحجرة قدر الأيام التي كان عند صاحبتها ولا يمسها فيها، فإن مسها، حنثت، فإذا فرغ منها، بات معها في البيت، إلا أن تكون صمدت لنفسها صمدا المصاب في الحجرة، فلا تبر حتى يصيبها في الحجرة (في) تلك الليالي.
قال محمد بن رشد: قول مالك في هذه المسألة بين؛ لأن الذي يدل عليه بساطها الذي خرجت يمينها عليه، إنها لما آثر عليها الأخرى، أرادت أن تعاقبه على ذلك بأن لا تبيت معه تحت سقف حتى يوفيها عدد الأيام التي آثر عليها فيها الأخرى، فإذا بات معها في الحجرة عدد تلك الأيام، برت في يمينها- كما قال- أصابها فيها أو لم يصبها، إلا أن تكون نوت أن يصيبها

(14/400)


فيها أو لا يصيبها فيها، فتكون في ذلك على نيتها والنية (في ذلك) محتملة للوجهين، إذ قد يحتمل أن تكون أرادت معاقبته على ما فعل من الإيثار عليها، بأن لا تبيت معه تحت سقف بيت، مع أن يصل منه في تلك الليالي إلمام بها إلى ما عسى أن يكون ألم به من الأخرى، ويحتمل أيضا أن تكون أرادت معاقبته على ذلك بأن تحرمه في عدد تلك الليالي الميت معها تحت سقف البيت، والمصاب لها فيها، وعلى هذا حمل أصبغ يمينها فقال: إنها حانثة، حيثما بات معها ولو في جوف الماء- إن أصابها فيها، ورأى أن الذي يبرها أن تبيت معه في الحجرة عدد تلك الليالي ولا يصيبها فيها، فحمل يمينها على غير المصاب، إلا أن تكون نوت المصاب، ورأى مالك إذا لم يكن لها نية إنها تبر- أصابها أو لم يصبها، وبالله التوفيق.

[مسألة: المتوارثين إذا ماتا جميعا فلم يدر أيهما مات قبل صاحبه]
مسألة قال ابن القاسم: سمعت مالكا يقول: بلغني أنه قتل طلحة بن عبيد الله، وابنه محمد بن طلحة يوم الجمل، فاختصموا في ميراثه، فلم يورث أحد منهم من صاحبه، فأصلحت بينهم عائشة.
قال محمد بن رشد: هذا هو مذهب مالك وجميع أصحابه، والشافعي وأصحابه، وكافة أهل المدينة، وأكثر أهل العلم أن المتوارثين إذا ماتا جميعا بغرق، أو هدم، أو قتل، أو موت في بلدين، فلم يدر أيهما مات قبل صاحبه، إنه لا يورث أحد منهما من صاحبه، ويكون ميراث كل واحد منهما لورثته من الأحياء؛ لأن الميراث لا يكون بالشك، ومن أهل

(14/401)


العلم من ذهب إلى أنه يورث كل واحد منهما من صاحبه فيما كان له من مال، دون ما ورثه عنه، مثال ذلك أن يموت رجل وابنه ولكل واحد منهما ولد، ولا يدرى من مات منهما قبل صاحبه، ويترك كل واحد منهما ستين دينارا، فيورث الأب من ابنه سدس الستين التي ترك عشرة، ويورث الابن من أبيه نصف ما ترك إن لم يكن له إلا أخ واحد- ثلاثين، فيحصل لولد الابن ثمانون دينارا، ولولد الأب أربعون، إذ لا يجعل لواحد منها ميراث فيما ورثه عنه، وهذا هو أحد قولي أبي حنيفة، ومذهب سفيان الثوري، وجماعة سواهما، وفي ذلك بين الصحابة اختلاف أيضا، فلكلا القولين وجه، فوجه القول الأول هو ما تقدم من أنه لا يورث بالشك، ووجه القول الثاني أنه لا يقطع ميراث أحد بشك؛ لأن ميراث أحدهم واجب لصاحبه بلا شك، فلا يقطع ميراث واحد منهما بشك، وبالله التوفيق.

[مسألة: عقب الرجل إنما هو من يرجع نسبه إليه من ولده وولد ولده]
مسألة قال ابن القاسم: وسمعت مالكا يقول: العقب الولد الذكور والإناث من ولد الصلب، وولد ولدهم من الذكور والإناث من ولد الذكور.
قال محمد بن رشد: هذا ما لم يختلف فيه قول مالك، ولا قول أحد من أصحابه المتقدمين، كلهم يقول: إن عقب الرجل إنما هو من يرجع نسبه إليه من ولده وولد ولده- وإن سفلوا، فبنت الرجل من عقبه، وبنت ابنه وبنت ابن ابنه- وإن سفل؛ لأن كل واحدة منهن تنتسب إليه وترثه إذا لم يكن فوقها من يحجبها، وليس ولد بنت الرجل ذكرا كان أو أنثى من عقبه؛ لأنه لا ينتسب إليه ولا يرثه، وإنما هو من عقب بنته، فالأصل في هذا عند مالك

(14/402)


مراعاة النسب والميراث، فإذا أوصى الرجل لولد رجل، أو لعقبه، أو حبس على ولد رجل، أو على عقبه، لم يدخل في ذلك أولاد البنات عند مالك، واختلف الشيوخ بالتأويل على مذهبه في الذرية، فمنهم من قال: (إنه) لا فرق على مذهب مالك بين الولد والعقب والذرية والنسك؛ لأن ولد البنات لا يدخلون في ذلك، ومنهم من قال: إنهم يدخلون في الذرية والنسل على مذهبه، ولا يدخلون في الولد والعقب، وقد فرغنا من تفسير هذه المسألة في غير هذا الكتاب، وبالله التوفيق.

[: حلف بعتق رقيقه في شيء ألا يفعله فأراد فعل ذلك]
ومن كتاب حلف ألا يبيع رجلا (سلعة) سماها وسئل: عن رجل حلف بعتق رقيقه في شيء ألا يفعله، فأراد فعل ذلك، وأراد أن يتصدق برقيقه على ولده وأمه صدقة صحيحة ليس فيها دلسة، قال: لا، حتى يبيعهم في الأسواق، قال ابن القاسم: قيل لمالك: فإن الرجل الحالف قد فعل، قال: فما أراه يخرج من المأثم.
قال ابن القاسم: وأرى إن كانت صدقة صحيحة تحاز عنه، فأرجو أن يكون خفيفا، وإن كان شيئا يليه فأراه حانثا.
قال سحنون وعيسى: إن تصدق بها على ولده الكبار فلا حنث عليه، وإن كانوا صغارا، فإنه حانث- ولي هو حيازتها، أو جعل ذلك إلى غيره يحوزها لهم، فأراه حانثا.
قال محمد بن رشد: قوله: لا حتى يبيعهم في الأسواق، معناه أنه لا ينبغي له أن يفعل ذلك، وقول مالك: إن فعل، فما أراه يخرج من المأثم،

(14/403)


يدل على أنه لا يحنث عنده فيهم فيعتقون عليه، ومعناه إذا فعل ذلك الشيء - إذا حلف بعتق رقيقه إلا يفعله بعد أن حاز ولده وأمه عنه الرقيق بالصدقة، وأما لو فعل ذلك الشيء قبل أن يحاز عنه الرقيق بالصدقة، لوجب أن يعتقوا عليه على قياس قول ابن القاسم وروايته عن مالك في الذي يتصدق بالعبد ثم يعتقه، إن العتق أولى به من الصدقة، وقد مضى الكلام على ذلك في سماع محمد بن خالد من كتاب الصدقات والهبات، وهذا في الولد الكبير، وأما الولد الصغير فالحنث يلزمه فيهم، وإن حوزهم غيره على ما قاله سحنون وعيسى، يريدان إن كان لهما مال ويغرم لهما القيمة، فقولهما تفسير لقول ابن القاسم ففي الولد الكبير إن حاز لم يحنث فيهم، ولم يلزمه العتق، وإن لم يحز حنث فيهم ولزمه العتق، ولم يكن للولد شيء، وفي الولد الصغير إن كان له مال حنث فيهم ولزمه العتق، وكانت عليه القيمة، كما لو أعتقهم وولي هو حيازتهم، أو جعل ذلك إلى غيره، وإن لم يكن له مال لم يحنث فيهم، ولم يلزمه عتقهم، هذا تحصيل القول في هذه المسألة وقد كان بعض الناس يحمل الروايات على ظاهرها من الخلاف، فيقيم منها ثلاثة أقوال؛ أحدها: إن الحنث لا يقع عليه فيهم بعد الصدقة بهم- كان الولد صغيرا أو كبيرا، بدليل قوله أولا فما أراه يخرج من المأثم.
والثاني: الفرق بين أن يكون الولد صغيرا أو كبيرا- على ظاهر قول سحنون وعيسى.
والثالث: الفرق بين أن تحاز عنه الصدقة، أو يكون هو الذي يليها- كان الولد صغيرا أو كبيرا- على ظاهر قول ابن القاسم، وليس ذلك- عندي- بصحيح، وخشي عليه الإثم بالفرار من الحنث بالصدقة بهم على مثل أمه وولده الذي يعلم أنه لو أراد عتقهم بالحنث فيهم بعد أن تصدق بهم عليهم، لم ينازعوه في ذلك، وبالله التوفيق.

(14/404)


[: قال مماليكي أحرار ولا نية له]
ومن كتاب أوله شك في طوافه وسئل مالك: عمن قال: كل مملوكا لي ذكر حر، يريد بذلك الرجال، قال ذلك على ما أراد ولا يضره ما قال: كل مملوك لي حر- إذا قال رجل، أو أراد بذلك الرجال- ولم يرد بذلك النساء، قال سحنون: ولو قال: مماليكي أحرار ولا نية له، عتق ذكور رقيقه دون إناثهم، قيل له: ولو قال: رقيقي أحرار، فقال: هذا خلاف عندي، وأرى أن يعتق ذكور رقيقه وإناثهم، قيل له: فلو قال عبيدي أحرار وكل عبد لي حر، قال: ليس يعتق عليه في هذا إلا ذكور عبيده دون الإناث، وهو بمنزلة من حلف ألا يأكل عجوة، فأكل صيحانيا.
قال محمد بن رشد: كذا وقع في هذه المسألة في بعض الروايات كل مملوك له ذكر حر، وسقط من بعضها ذكر، وسقوطه هو الصواب؛ لأنه إذا قال ذكر لم يحتج أن ينوي ذلك، وقوله ذلك على ما أراد ولا يضره ما قال: كل مملوك لي حر- إذا قال رجل، أو أراد بذلك الرجال- ولم يرد به النساء، يدل على أنه يقبل منه نيته ويصدق فيها- وإن كانت على قوله بينة، وذلك خلاف ظاهر ما في المدونة من أنه قال: كل مملوك لي حر- وله مكاتبون، ومدبرون، وأمهات أولاد، أنهم يعتقون عليه كلهم، وأما قول سحنون فيمن قال: مماليكي أحرار أو كل مملوك لي حر، أو عبيدي أحرار، أو

(14/405)


كل عبد لي حر، أنه محمول على الذكران دون الإناث، فهو بعيد؛ لأنه لفظ يقع على الذكران والإناث، قال تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: 46] أراد الذكر والأنثى، وقد حكى عنه ابنه أنه رجع عن ذلك فقال: يعتق الذكور والإناث- ولو أتى مستفتيا على القول بأنه يقع على الذكر والأنثى، فقال: أردت الذكر والأنثى لنرى في ذلك قولا واحدا، وأما إذا قال: رقيقي أحرار، فلا اختلاف في وقوعه على الذكر والأنثى، ولا في أنه لا ينوى في ذلك- إن ادعى أنه أراد الذكران أو الإناث، إلا أن يأتي مستفتيا، وقوله في الرواية: إذا قال رجل وأراد بذلك الرجال، صوابه إذا قال رجل أو أراد بذلك الرجال، فالواو ههنا بمعنى أو؛ لأنه إذا قال رجل فلا يحتاج أن ينوى في ذلك، وبالله التوفيق.

[مسألة: يحلف في جارية له إن وطئها فرقيقه أحرار]
مسألة وسئل مالك: عن الرجل يحلف في جارية له إن وطئها فرقيقه أحرار، فأراد وطئها فوهب رقيقه لولده، ثم أتى الجارية فوطئها، قال: ما أحب له إلا أن يبيعهم في السوق، فأما أن يعطيهم ولده فلا، قيل له: فإنه فعل ووطئ، قال: ما أرى ذلك له مخرجا، فقيل له: أتراهم أحرارا فوقف وقال: ما أرى ذلك مخرجا له، قال سحنون مثله، قال عيسى: إن كانوا صغارا، يحنث، وإن كانوا كبارا، فلا حنث عليه، قال أصبغ وهو قول ابن القاسم، قيل لعيسى: سواء عندك إن حازها الأب على ولده الصغار فكانت على يديه، أو جعلها على يدي غيره يحوزها لهم، فهو حانث، قال: نعم، وقد ذكر ابن القاسم في كتاب حلف ألا يبيع سلعة سماها من قول مالك مثل هذا سواء، وزاد فيها ابن القاسم من عنده وقال: أرى إن كانت صدقة

(14/406)


صحيحة تحاز عنه، فأرجو أن يكون خفيفا، وإن كان شيئا يليه فأراه حانثا.
قال محمد بن رشد: قال مالك في هذه الرواية في الهبة مثل ما تقدم من قوله في رسم حلف في الصدقة، فدل ذلك على ألا فرق عنده بين الهبة والصدقة- وإن كانت الهبة تعتصر والصدقة لا تعتصر، ورأيت لابن دحون أنه قال: لا تجوز هبته للكبار؛ لأن له الاعتصار، إلا أن يقول لله أو للثواب، فيجوز ذلك، ومعنى قوله: أنه لا تجوز هبته للكبار، من أجل أن الصدقة تعتصر، كما لا تجوز الصدقة على الصغار، من أجل أن للأب أن يعتق عبد ابنه الصغير، وأن يوصي بعتقه وأن يحلف بعتقه- إذا كان له مال، وليس قوله: - عندي- بصحيح؛ لأن الهبة مال له موهوب له حتى تعتصر، فإذا خرج العبيد عن ملكه بالهبة، وجب ألا يحنث فيهم- وإن كان له أن يعتصرهم، إلا أن يكون وهبهم ونيته الاعتصار بعد أن يطأ جاريته، فلا يخرجه ذلك من يمينه، ويحنث فيهم وإن كان قد وهبهم، كما إذا تصدق بهم على وجه الدلسة ليسترجعهم بعد الحنث، فلا يبر بذلك، ويعتقون على معنى ما تقدم في رسم حلف، وما وقع في هذه الرواية من أن سحنون يقول مثل قول مالك، وأن ابن القاسم يقول مثل قول عيسى، يبين صحة ما ذهبا إليه من أن تفسير كلام بعضهم ببعض، ولا يحمل على ظاهره من الخلاف، وبالله التوفيق.

[مسألة: سأل رجلا أمرا يخبره فقال فاحلف أنك لا تخبره أحدا ولتكتمه]
مسألة وسئل مالك: عن رجل سأل رجلا أمرا يخبره، فقال: فاحلف أنك لا تخبره أحدا، ولتكتمه، قال كل مملوك لي حر- إن

(14/407)


أخبرت به أحدا، واستثنى في نفسه- إلا فلانا، أترى ذلك له ثنيا؟ قال: لا، ولا أرى الثنيا إلا ما حرك به لسانه، فأما استثناؤه في نفسه، فلا أرى ذلك له ثنيا، وسئل مالك: عن هذا، فقال: إن حرك به لسانه فله ثنياه، قيل لابن القاسم: فإن لم يعلم المحلوف له، قال: نعم وليس عليه أن يعلمه، سحنون لم يكن في كتابه وأنكره، ورأى أن ليس له ثنيا- وإن حرك به لسانه؛ لأن اليمين للذي استحلفه ولم يعجبه قول مالك فيها.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة بعينها متكررة في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب النذور، ومضى الكلام عليها هناك مستوفى، فاكتفينا بذلك عن إعادته مرة ثانية هنا، ومضت أيضا في رسم البز من سماع ابن القاسم من كتاب الأيمان بالطلاق، وفي غير ما موضع، وبالله التوفيق.

[مسألة: المرأة تعتق الرجل فيموت المعتق وثم ولدها وأخوها]
مسألة وسئل مالك: عن المرأة تعتق الرجل فيموت المعتق وثم ولدها وأخوها، من ترى أحق بالصلاة عليه؟ قال: ابنها، ما لأخيها وما له، ابنها أحق بميراثها والصلاة عليها، (ومن أعتقت كذلك) .
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن ابن المرأة أحق بها من أخيها في ميراثها والصلاة عليها، فهو أحق بالصلاة على مولاها، وإنما الاختلاف إن أراد الابن أن يقدم أجنبيا، أو من هو أبعد من الأخ، فقيل ذلك له لأنه حقه يجعله لمن شاء، وهو قول ابن الماجشون وأصبغ في الواضحة، ودليل ما في أخر أول رسم من سماع أشهب من كتاب الجنائز، وقيل: ليس

(14/408)


ذلك له، والأخ أولى من الأجنبي الذي قدمه الابن؛ لأن الابن إذا أبى أن يأخذ حقه، وجب لمن بعده، كالشفيع، إذ لو وجبت له الشفعة، إنما له أن يأخذ أو يترك، وليس له أن يعطي حقه لمن شاء، وهو قول ابن عبد الحكم، وبالله التوفيق.

[مسألة: ابتاع عبدا بثمن فكساه إزارا ثمنه ثمانية دراهم]
مسألة وسئل مالك: عن رجل ابتاع عبدا بثمن، فكساه إزارا ثمنه ثمانية دراهم، فكلمه رجل في أن يبيعه منه، فحلف بحريته إن باعه منه بربح خمسة دراهم حتى يزاد، وكانت نيته ما زاد من قليل أو كثير أن يقبله، فزاده درهما، أترى عليه شيئا لموضع الإزار الذي كساه- وقد بعته منه، وقلت له: نسأل عن يمينه، فإن لم يكن علي شيء فهو لك، وإن كان علي شيء، فإن شئت أن تأخذه على ذلك، وإن شئت أن تتركه، قال مالك: لا أرى أن تترك ثمن الإزار لموضع الحنث، ولم يقل له في الشرط شيئا، ثم قال له: فإني قد دفعته منذ ستة أيام إلى حجام يعلمه، وشارطته عليه يعلمه سنة بدينار، فقال: كم أقام عنده؟ قال: خمسة أيام، قال: أرض الحجام من عندك، فقال له: ما ترى علي حنثا؟ قال: لا، ولا أرى هذا من ناحية ما حلف، وهذه أيام يسيرة.
قال محمد بن رشد، هذه مسألة بينة كلها لا إشكال في أنه يحنث إن ترك ثمن الإزار؛ لأنه إذا اشتراه بلا إزار وباعه بالإزار، فقد وقع عليه بعض الثمن وصار قد باعه بأقل مما حلف عليه فحنث، ولا في أنه لا يحنث بما

(14/409)


أرضى به الحجام؛ لأن ذلك مما لم يقصده في يمينه، ولا وقع عليه حلفه، كما أنه لا يلزم أن يعد في ثمنه- ما أنفق عليه في طعامه؛ لأن ذلك مما لم يقصده، ولا وقعت عليه يمينه، إلا أن يكون لذلك عرف كالنخاسين الذين يشترون الدواب ويبيعونها مرابحة فيقولون: اشتريتها بكذا، وأنفقت عليها كذا، وأبيعكها بربح كذا، فلو حلف التاجر منهم في دابة قد اشتراها للتجارة ألا يبيعها إلا بربح كذا، يحنث إذا لم يعد نفقته، ولو حلف رجل في جارية عنده أو دابة لم يشترها لتجارة ألا يبيعها إلا بربح كذا، لم يحنث إن لم يعد نفقته، إلا أن يكون نوى في يمينه أن يعد نفقته في الثمن، فلا يبر إلا بذلك، وقال: إنه لم يقل في الشرط شيئا وهو شرط جائز لا يقدح في صحة البيع؛ لأنه أوجبه له على نفسه، فكذلك الثمن إن لم يدخل عليه فيه حنث فذلك جائز، كمن قال: أوجبت لك سلعتي بكذا وكذا- إن جاء اليوم فلان، وما أشبه هذا، وبالله التوفيق.

[مسألة: العبد يكون نصفه حرا ونصفه مملوكا]
مسألة وسئل: عن العبد يكون نصفه حرا، ونصفه مملوكا، يحتاج الذي له فيه الرق حاجة شديدة، أله أن يأخذ من مال عبده ما يأكل ويكتسي؟ قال: لا، الغني في هذا والفقير سواء بمنزلة واحدة، ليس لهم أن يأخذوا من ذلك شيئا.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن العبد إذا أعتق بعضه أقر ما له بيده للشرك الذي له في نفسه، فليس للذي له فيه الرق أن يأخذ من

(14/410)


ماله شيئا إلا برضاه غنيا كان أو فقيرا، إذ ليس الفقر بالذي يوجب له في ماله حقا لم يكن واجبا قبل، وبالله التوفيق.

[مسألة: العبد يكون نصفه حرا ونصفه مملوكا يمرض]
مسألة وسئل: عن العبد يكون نصفه حرا ونصفه مملوكا يمرض، أترى أن ينفق عليه الذي له فيه الرق؟ قال: لا أرى عليه إلا قدر نفقة نصيبه.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه كالعبد بين الشريكين، فلا يلزمه من نفقته إلا بقدر ما له منه- وإن مرض، وبالله التوفيق.

[: يشتري العبد رقبة ثم يبدو له أن يبدله بخير منه وأكثر ثمنا]
ومن كتاب أوله الشجرة تطعم بطنين في السنة وسئل: عن الذي يشتري العبد رقبة ثم يبدو له أن يبدله بخير منه وأكثر ثمنا، قال مالك: ما أرى بذلك بأسا، إلا أن يكون اشتراه بشرط، فإن لم يكن اشتراه بشرط وأراد أن يبدله بخير منه، فما أرى بأسا.
قال محمد بن رشد: يحتمل أن يكون معنى ما سأله عنه: من اشترى العبد رقبة أن يشتريه لعتقه في رقبة واجبة عليه، أو عمن أوصى بذلك إليه بأن يقول للبائع: بعني هذا العبد أعتقه في رقبة واجبة علي، أو في وصية فلان، ويحتمل أن يكون اشتراه ينوي ذلك فيه ولم يعلم بذلك البائع،

(14/411)


فأما إن كان اشتراه ينوي ذلك فيه دون أن يعلم بذلك البائع، فلا إشكال في أن له أن يبدله بخير منه، وأما إن كان أعلم بذلك البائع، فإعلامه بذلك عدة منه له بعتقه، وقد اختلف في ذلك، فقيل: إن العدة بخلاف الشرط، فلا يلزم المبتاع، ولا يكون للبائع في ذلك كلام، حكى ذلك ابن حبيب في الواضحة عن مالك نحو هذه المسألة، فعلى هذا القول يكون للمشتري أيضا أن يبدله بخير منه، وقيل: إن العدة في ذلك كالشرط ولا يلزم المبتاع العتق إلا أنه يكون البائع بالخيار بين أن يسترجع أو يدعه، وهو قول مالك في رسم القبلة من سماع ابن القاسم من كتاب جامع البيوع، فعلى هذا القول لا يكون للمشتري أن يبدله بخير منه إلا برضى البائع، وأما إذا اشتراه بشرط على أن يعتقه، فقيل: إن العتق يلزمه وهو قول أشهب، خلاف قول ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة والعتبية، فقوله في هذه الرواية: إلا أن يكون اشتراه بشرط العتق يأتي على قول أشهب: أن العتق يلزمه، والذي يأتي في ذلك على قول ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة، وسماع ابن القاسم من كتاب جامع البيوع من العتبية أن له أن يبدله بخير منه برضى البائع، وأما إن كان اشتراه على إيجاب العتق، فلا اختلاف في أن ليس له أن يبدله بخير منه؛ لأن العتق قد وجب له، فهذا تحصيل القول في هذه المسألة، وبالله التوفيق.

[مسألة: يجدون الرقبة الرخيصة بالثمن اليسير يعتقها أهلها على أن ولاءها للذين يبيعونها]
مسألة وقال مالك: استشارني هؤلاء الذين يقسمون الخمس، وذكروا أنهم يجدون الرقبة الرخيصة بالثمن اليسير يعتقها أهلها على أن ولاءها للذين يبيعونها، فقلت: لا، ولكن اشتروها- وإن أغليتم- على أن ولاءها للمسلمين.
قال محمد بن رشد: كذا وقع في هذه الرواية الذين يقسمون الخمس، وحكاها ابن المواز: الذين يقسمون الزكاة، والحكم في ذلك سواء؛ لأن ما يعتق من الخمس أو من الزكاة، فولاؤه للمسلمين واشتراط

(14/412)


البائعين لها، أن يكون الولاء لهم شرط باطل لا يحل ولا يجوز، ولا ينفذ إن وقع؛ لنهي رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنه وإبطاله له- بقوله في حديث بريرة: «ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله، من اشترط شرطا ليس في كتاب الله، فهو باطل- وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق» فقول مالك: لا، ولكن اشتروها وإن أغليتم على أن ولاءها للمسلمين، معناه: لا يشتروها على أن ولاءها للذين يبيعونها، فإن ذلك لا يجوز ولا يلزم، ولكن اشتروها بغير شرط، فيكون ولاؤها للمسلمين؛ لأنها اشتريت من مال المسلمين.
هذا معنى قوله: لأنه أمرهم أن يشتروها بشرط أن يكون ولاؤها للمسلمين؛ لأن الحكم يوجب ذلك وإن لم يشترطوه، ويحتمل أن يكون أراد بقوله على أن ولاءها للمسلمين أن يعلموهم أن اشتراط الولاء لا ينفعهم، وأن الولاء للمسلمين على كل حال، يشترون منهم على هذا، ولا يغرونهم بأن يشتروا منهم على أن الولاء لهم، وذلك لا يصح لهم، والله الموفق.

[: كانت تبيت مع عمها في سطح وبينهما ستر فنزل عنها عمها]
ومن كتاب أوله حلف بطلاق امرأته وسئل مالك: عن امرأة كانت تبيت مع عمها في سطح- وبينهما ستر، فنزل عنها عمها، فقالت: لم نزلت عني؟ فقال: أكره أن أضيق عليك، فقالت: ما تضيق علي، فأبى، فقالت: كل مملوك لي حر إن لم تبت معي في السطح، فمرض عمها فأنزل من السطح إلى الكن، قال مالك: تنزل فتبيت معه حتى تسأل وتثبت، كأنه لم يره عليها بالواجب، قال ابن القاسم: ليس عليها شيء، وإنما أرادت

(14/413)


وجه الضيق لنزوله عنها، ولم ترد ناحية المرض.
قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة، أنها حلفت أن يبيت معها في السطح مدة، ما وقتتها وسمتها، أو أرادتها ونوتها، كانقضاء المصيف ونحوه مما جرت العادة فيه بالمبيت في السطوح، فحمل ابن القاسم يمينها على البساط الذي خرجت عليه يمينها، من أنها إنما كرهت أن يترك المبيت معها في السطح، من أجل التضييق عليها، فلم ير عليها حنثا، إذ لم يترك المبيت معها من أجل التضييق عليها، وإنما تركه من أجل المرض، وهو المشهور في المذهب أن يمين الحالف إذا لم تكن له نية تحمل على بساط، ولا تحمل على مقتضى اللفظ إلا عند عدم البساط- على ما قاله مالك في رسم الطلاق الثاني من سماع أشهب من كتاب الأيمان بالطلاق في (مسألة المغيب، وقيل: إن يمين الحالف إذا لم تكن له نية، يحمل على ما يقتضيه اللفظ، ولا يراعى البساط، وهو قول مالك في رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم من كتاب التخيير والتمليك، وقاله في سماع سحنون في كتاب الأيمان بالطلاق في) مسألة البالوعة، ولهذا الاختلاف توقف مالك في هذه المسألة، فقال: تنزل وتبيت معه حتى تسأل وتثبت، وقوله: كأنه لم يره عليها بالواجب، يريد نزولها ومبيتها معه في غير السطح، وكذلك هو غير ظاهر؛ لأنها إنما حلفت أن يبيت معها في السطح، فإما أن يحمل يمينها على البساط، فلا يكون عليها شيء كما قال ابن القاسم، وإما أن يحمل على اللفظ، فتكون قد حنثت إذا لم يبت معها في السطح؛ لأنها عمت ولم تستثن مرضا ولا غيره، ووجه قوله: تنزل فتبيت (معه) لاحتمال في أن تكون إنما كرهت مفارقته لها في المبيت، فإذا لم

(14/414)


تفارقه فيه، لم يكن عليها حنث، وليس ذلك ببين، وبالله التوفيق.

[مسألة: نذرت إن تسرر عليها زوجها فكل مملوك لها حر لوجه الله]
مسألة وسئل مالك: عن امرأة نذرت إن تسرر عليها زوجها، فكل مملوك لها حر لوجه الله، أو تزوج عليها إن أتيت مني ما يأتي الرجل من امرأته، فتسرر، فقالت: لا يحنثني في يميني وأنا راضية بأن لا تأتيني، فرضي بذلك الزوج ورضيت به، قال: لا أرى عليها في يمينها شيئا، وأرى ذلك صوابا.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال إن ذلك جائز إذا رضيا به جميعا؛ لأن الوطء حق لكل واحد منهما على صاحبه، فلو لم يرض الزوج بذلك، لكان له تحنيثها بالوطء، ولو رضيت هي بالحنث ورجعت عما كانت رضيت به من أن تبقى معه على غير جماع، لكان ذلك لها على ما قال، في المدونة في التي قالت لزوجها أن يتزوج عليها ويجعل أيامها لصاحبتها ثم شحت بعد ذلك، أن لها الرجوع في حقها من القسم، وكذلك لو رجع هو وأراد وطئها بعد أن كان رضي بالمقام معها على غير وطء، كان ذلك له، وبالله التوفيق.

[مسألة: يشتري العبد رقبة ثم يريد أن يبدله بخير منه]
مسألة قال: وسئل مالك عن الرجل يشتري العبد رقبة، أيستقيل منه؟ قال: نعم، إلا أن يكون اشتراه على أنه حرفي العتق، فلا يستقيل منه.
قال محمد بن رشد: القول في هذه المسألة على قياس ما مضى

(14/415)


بيانه في الرسم الذي قبل هذا في الذي يشتري العبد رقبة ثم يريد أن يبدله بخير منه، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

[مسألة: أعتق الرجل عبده عند موته ولم يكن له في المنظرة ارتفاع قيمة]
مسألة قال مالك: ينبغي للورثة إذا أعتق الرجل عبده عند موته ولم يكن له في المنظرة ارتفاع قيمة، وكانت له مخبرة ترتفع بها قيمته، أن يبينوا ذلك عندما يقوم.
قال محمد بن رشد: بيان ما ترتفع به قيمة العبد الموصى بعتقه عند التقويم للورثة لا عليهم، فلو قال: لهم أن يبينوا ذلك وليس عليهم أن يكتموه، لكان أبين، إذ هو الذي أراد، وكذلك قال في سماع موسى بن معاوية من كتاب الوصايا: أنه يقوم على خيره وبصره وأمانته، ولا يحل لأهله كتمان ذلك منه، ومثله أيضا بمعناه في رسم الوصايا من سماع أشهب من كتاب الوصايا، وذكره أيضا في الرسم الذي بعد هذا من هذا الكتاب، وبالله التوفيق.

[مسألة: نعت في كل شهر مرة أيعتق في الكفارات]
مسألة وسئل: عن الذي نعت في كل شهر مرة، أيعتق في الكفارات؟ قال: لا، هذا مصاب.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه من العيوب المفسدة الفادحة، فلا تجوز في الرقاب الواجبة، وبالله التوفيق.

(14/416)


[مسألة: حلف بعتق جارية له إن لم يبعها]
مسألة وسئل: عن رجل حلف بعتق جارية له- إن لم يبعها، قال: لا يطؤها ولا يتصدق بها ولا يهبها حتى يبيعها.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه فيها على حنث، فلا يجوز له وطؤها؛ لأنه لا يبر إلا ببيعها، وإن تصدق بها أو وهبها، ردت الصدقة والهبة وأقرت في يده، فإن لم يبعها حتى مات، عتقت في ثلثه على ما في المدونة وغيرها، من ذلك ما وقع في رسم بع، ورسم باع شاة من سماع عيسى، وفي غيره من المواضع، وبالله التوفيق.

[: حلف بعتق ما يملك في مال له أراد بيعه ألا ينقصه من مائتي دينار]
ومن كتاب طلق بن حبيب وسئل مالك: عن رجل حلف بعتق ما يملك في مال له أراد بيعه ألا ينقصه من مائتي دينار، فباعه بمائتي دينار، ثم إنه وضع له بعد ذلك، فأرسل إلى مالك فيه الأمير، فقال: إن وضع له في مجلسه، فأرى أن قد وقع عليه الحنث، وإن وضع له بعد يومين أو ثلاثة، فأحلفه بالله الذي لا إله إلا هو ما أراد إلا عقد البيع، وما هذا الذي أردت بألا أضع، فإن حلف لم أر عليه شيئا.
قال محمد بن رشد: أوجب عليه مالك الحنث إذا وضع له من الثمن في مجالسه، إما لأنه لم يصدقه في أنه إنما وضع عنه بنية حادثة له بعد أن باع بما-حلف عليه؛ لأن العتق مما يحكم عليه فيه، وإما؛ لأنه حنثه بالمعنى؛ لأن الحالف ألا يبيع سلعته إلا بكذا، إنما مقصده الانتفاع بالثمن بعد تقرره له عليه، فإذا رده إليه في المجلس أو وضعه عنه؟ فكأنه لم يبع

(14/417)


به، إذ لم يتقرر له عليه، ولا قبضه ولا انتفع به، وهذا هو الأظهر من مراده، بدليل ما يأتي له في رسم صلى نهارا بعد هذا من هذا الكتاب، وبدليل ما في رسم الجنائز من سماع أشهب من كتاب النذور؛ لأنه اتقى عليه الحنث في ذلك، ويمينه بما لا يحكم عليه فيه، وصدقه مع يمينه بعد البيع باليومين والثلاثة أنه إنما أراد ألا يضع عنه في عقد البيع، ولم يرد ألا يضع عنه بعد ذلك شيئا، ولو كانت يمينه مما لا يحكم عليه بها، لصدق دون يمين، وبالله التوفيق.

[مسألة: العبد يعتق والعبد زراع وهو بموضعه أرفع في القيمة]
مسألة وسئل مالك: عن العبد يعتق والعبد زراع، وهو بموضعه أرفع في القيمة، وإن جلب إلى الفسطاط وذكر منه عمله، لم يكن له من القيمة كقدره في موضعه، أين ترى أن يقوم؟ قال: أرى أن يقوم في موضعه الذي كان فيه.
قال محمد بن رشد: هذا يبين قوله في الرسم الذي قبل هذا ويكشف عن معناه- حسبما بيناه، وبالله التوفيق.

[: قال لصاحبه كل مملوك لي حر إن لم أطل هجرانك]
ومن كتاب سن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسئل: عن رجل قال لصاحبه: كل مملوك لي حر- إن لم أطل هجرانك، فأقام أياما ثم أراد أن يكلمه، قال مالك: لا أرى أن يكلمه سنة.
قال محمد بن رشد: في المبسوطة لمالك أنه لم يسم شيئا، إلا أنه

(14/418)


حلف ليهجرنه، فإنه يهجره شهرا، وهو على قياس قوله في هذه: أنه يهجره سنة- إذا حلف أن يطيل هجرانه- وهو قول ابن كنانة، وابن الماجشون يقول: إنه إن حلف ليهجرنه (أنه) يبر بثلاثة أيام، وإن حلف ليطيلن هجرانه يبر بالشهر ونحوه، واختلف في ذلك قول ابن القاسم فله في كتاب الرهون من سماع عيسى من كتاب الأيمان بالطلاق، مثل قول ابن الماجشون؛ لأنه قال فيه: إنه يبر بثلاثة أيام إذا حلف على الهجران- ولم يعم شيئا، فعلى قياس قوله إذا حلف ليطيلنه، أنه يهجره شهرا ونحوه، وحكى عنه ابن حبيب أنه لا يبر إذا حلف ليهجرنه إلا بشهر ونحوه، فعلى قياس ما حكى عنه إذا حلف ليطيلنه لا يبر إلا بالعام ونحوه، مثل قول مالك، وقول ابن الماجشون، وما في العتبية لابن القاسم أظهر؛ لأنه إذا لم يسم شيئا، كان الوجه في ذلك أن يبر بأكثر ما يجوز الهجر إليه- وهو الثلاثة الأيام- على ما جاء في الحديث من أنه لا يحل للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام.
وإذا حلف ليطيلنه بر بالحد الذي اعتزل فيه رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أزواجه إذ هجرهن وهو المشهور، ومن قال: إنه لا يبر إذا لم يسم شيئا إلا بالشهر اعتبارا باعتزال النبي عليه السلام أزواجه شهرا لم يبر إذا حلف ليطيلنه إلا بالعام؛ لأنه حد في أشياء كثيرة من الأحكام، وروى يحيى عن ابن القاسم أنه إن أطال هجرانه- ولم يتم السنة فلا حنث عليه، (قال) : وليس الشهر والشهران والثلاثة والخمسة والستة بطول، وكأنه رأى ذلك في الثمانية، وبالله التوفيق.

(14/419)


[مسألة: استأذن سيده في عتق عبد له فأذن له بعتقه]
مسألة قال ابن القاسم: كل عبد استأذن سيده في عتق عبد له فأذن له بعتقه من مكاتب، أو أم ولد، أو مدبر، أو عبد- لا تدبير فيه، أو معتق إلى أجل، فما كان من ذلك ما لو شاء السيد أن يأخذ ماله أخذه، فذلك إذا استأذن سيده في عتق عبد فأذن له، فأعتق ثم أعتق بعد ذلك، لم يرجع إلى العبد المعتق من ولائه شيء، وكل ما كان من ذلك ما لو شاء سيده أن يأخذ ماله لم يأخذه، فذلك إذا استأذن سيده في عتق عبد له فأعتقه ثم أعتق العبد بعد ذلك، فذلك يرجع إليه ولاء ما أعتق ومن ذلك المكاتب لا يأخذ ماله، والمعتق إلى أجل إذا قرب عتقه، لم يكن لسيده أن يأخذ ماله، والمدبر وأم الولد إذا مرض سيدهما، فهذا الذي إذا أذن لهم سيدهم في عتق، رجع إليهم الولاء إذا أعتقوا، وأما إذا كان إذنه ذلك في مدبره وأم ولده- وهو صحيح، والمعتق إلى أجل في طول الزمان الذي يأخذ فيه مال المعتق، فإنما أذنه ههنا لنفسه لا لأم الولد، ولا للمدبر، ولا لمعتق إلى سنين من ولايتهم شيء؛ لأنه كان ينتزع أموالهم ولا يمنع منها، وإنما أذنه لنفسه، وإن أعتق مدبر عبدا له في صحته من سيده، أو أم ولد، أو معتق إلى أجل، أو عبد ليس فيه تدبير ولا عتق بغير علم السيد، فلم يعلم السيد بذلك حتى عتق العبد، أو أم الولد، أو المدبر، أو المعتق إلى سنين، فولاء ما أعتقوا لهم، وعتقهم جائز، ولا يردون ذلك إذا كان سيدهم لم

(14/420)


يعلم بذلك ولم يرده، وإن علم فرده ثم عتقوا بعد ذلك، لم يلزمهم عتق ما أعتقوا، وكانوا رقيقا لهم.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة حسنة صحيحة بينة على معنى ما في المدونة وغيرها، لا اختلاف أحفظه- في شيء من الوجوه المذكورة فيها؛ لأن إذن السيد لعبده الذي له أن ينتزع ماله في أن يعتق عبده، وإجازته لعتقه إذا أعتقه من غير أن يستأذنه، كما لو أعتقه هو؛ لأن عتقه إياه انتزاع منه له، فوجب أن يكون الولاء له، ولا يرجع إلى العبد، إن عتق- ولو لم يعلم السيد بعتقه، أو علم فلم يقض برد ولا إجازة حتى عتق، لنفذ عليه العتق، ولا أعرف في هذا النص خلافا، وقد يدخل فيه الخلاف بالمعنى، إذ قد قيل في فعل المرأة فيما زاد على الثلث، أنه على الرد حتى يجاز، (وهو في هذا) أحرى أن يكون على الرد حتى يجاز؛ لأن تحجير السيد على عبده، أقوى من تحجير الزوج على امرأته، وهذا إذا بقي العبد بيده حتى يعتق، وأما إن فوته من يده قبل أن يعتق ببيع أو هبة، فلا يرد- قاله في الاعتكاف من المدونة في الصدقة، والعتق مثله، إلا أن يفرق بينهما بحرمة العتق، وهو يعيد، وأما إن رد السيد عتقه ثم أعتق هو، فلا يعتق عليه وإن كان بيده قولا واحدا لا يدخل فيه الاختلاف الذي في الزوجة تعتق عبدها- وهو أكثر من الثلث، فيرده الزوج ثم يموت عنها أو يطلقها- وهو في يدها، وأما إذا أذن لعبده أن يعتق عبده في حال ليس له فيها أن ينتزع ماله من مكاتب، أو معتق إلى أجل قد قرب أجل عتقه، أو مدبر، أو أم ولد مرض سيدهما، أو أجاز عتقه في تلك الحال، فولاؤه له ما لم يعتق، فإن عتق أدى إلى كتابته إن كان مكاتبا، أو بانقضاء الأجل إن كان معتقا إلى أجل أو

(14/421)


بموت السيد إن كانت له أم ولد أو مدبرة فحملها الثلث، رجع الولاء له، وكذلك إذا علم بعتقه، فلم يقض برد ولا إجازة، واختلف فيما أعتق المدبر في مرض السيد بإذنه إذا صح من مرضه ثم مات، فيعتق في ثلثه؟ فقيل: يرجع إليه الولاء، وقيل: لا يرجع إليه؛ لأن السيد لما صح كان للسيد انتزاع ماله، فصار كالعبد بإذن سيده (ولم يختلفوا في المكاتب يعتق بإذن سيده) ثم يعجز فيعتقه سيده، أن الولاء لا يرجع إلى المكاتب، ولا فرق بين المسألتين في المعنى، وأما إن رد السيد عتقه ثم ثبتت حريته بعد بأداء الكتابة إن كان مكاتبا أو انقضاء الأجل إن كان معتقا إلى أجل أو موت السيد إن كانت أم ولد أو مدبرة فحملها الثلث- والعبد بيده لم يفوته قبل، فيتخرج ذلك على الاختلاف في الزوجة تعتق عبدها- وهو أكثر من الثلث فيرد الزوج عتقها ثم يموت عنها، أو يطلقها وهو في يدها لم تفوته؛ لأن تحجير السيد على هؤلاء أضعف من تحجيره على عبده الذي ليس فيه عقد عتق، فهو يشبه تحجير الزوج على امرأته، وبالله التوفيق.

[مسألة: اختلف هو وامرأته فحلف بعتق جاريته إن لم يتزوج عليها]
مسألة وسئل: عن رجل كانت بينه وبين امرأته منازعة في جارية له، فحلف بعتق جاريته إن لم يتزوج عليها إلى سنة، فمكثت المرأة عنده تسعة أشهر، ثم إنها ماتت ولم يتزوج، أترى عليه في الجارية حنثا؟ قال: لا حنث عليه وهو على بر، إنما هو بمنزلة رجل حلف بعتق رقيقه ليقضين فلانا حقه إلى أجل سماه، فمات الرجل قبل

(14/422)


الأجل، فهو (على بر) ولا حنث عليه فيهم.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن الحالف بعتق عبده ليفعلن فعلا إلى أجل، هو على بر إلى ذلك الأجل- إن مات هو أو مات العبد قبل الأجل، لم يكن عليه شيء باتفاق، وكذلك يبر باتفاق إن ماتت الزوجة التي حلف ليتزوجن عليها قبل الأجل، كمن حلف بعتق عبده ليضربن فلانا إلى أجل فمات فلان قبل الأجل، لا حنث عليه باتفاق، إذ لا يمكن أن يتزوج عليها بعد موتها، ولا أن يضرب الرجل بعد موته، فالمسألة أبين من الحجة؛ لأن الذي يحلف ليقضين فلانا حقه إلى أجل، يمكنه قضاء الورثة، فإن كان قصد بيمينه إبراء ذمته من الدين، فلا يبر إلا بقضاء الورثة قبل الأجل، وإن كان إنما أراد عين المحلوف عليه ليقضينه إلى الأجل، فلا حنث عليه إذا مات قبل الأجل، كالزوجة التي حلف ليتزوجن عليها إلى أجل، فماتت قبل الأجل، فحمل يمينه على ظاهر اللفظ من أنه أراد عين المحلوف عليه.
والأظهر أن يحمل إذا لم تكن له بينة على أنه إنما أراد إبراء ذمته من الدين، فلا يبر إلا بقضاء الورثة قبل الأجل- حسبما ذكرناه في هذا الرسم من سماع ابن القاسم من كتاب النذور، ولا اختلاف في أن الجارية التي حلف بحريتها إن لم يتزوج على امرأته إلى ستة- مرتهنة بيمينه، ليس له أن يبيعها حتى يبر بالتزويج عليها قبل الأجل أو بموتها، واختلف هل له أن يطأ الجارية أم لا؟ على قولين في المدونة وغيرها، وبالله التوفيق.

[مسألة: عبد كان بين اثنين فقال أحدهما للغلام قد وهبت لك نصيبي منك]
مسألة
وسئل: عن عبد كان بين اثنين، فقال أحدهما للغلام: قد وهبت لك نصيبي منك، قال: أرأيت لو كان لأحدهما؟ فقال: قد وهبتك

(14/423)


لنفسك، فكأنه يقول: هو عتق، فكان شأنه عنده شأن ما يعمل به في العتق، قال ابن القاسم: وذلك رأيي، ووجهه ما سمعنا من قول مالك: إذا وهب له شقصا منه، عتق وقوم عليه ما بقي (لأن ولاءه له قال: وهو رأي سحنون. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة من أن الرجل إذا قال لعبده: قد وهبت لك نفسك إنه حر- قبل العبد أو لم يقبل، وأنه إذا وهبه نصفه أعتق عليه كله، وكذلك إذا وهبه نصيبه منه، عتق وقوم ما بقي عليه، وفي قوله) : لأن ولاءه له، دليل على أنه إنما أعتق على العبد لا عليه- وهو مذهبه؛ لأنه يقول للذي يوصي لعبده بجزء منه: أنه يعتق على نفسه في ماله إن كان (له) فكان القياس على هذا أن يقوم على نفسه في مال إن كان له لا على سيده، ووجه قوله: إنه يقوم على سيده، هو أن السيد يتهم أنه أراد بما فعل من هبة حظه منه له أن يعتق حظه ولا يقوم عليه حظ شريكه، ومذهب ابن وهب أن الجزء الموهوب له منه يعتق على سيده لا عليه، فلا إشكال على مذهبه في وجوب تقويمه عليه، وقد مضى بيان هذا المعنى في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم من كتاب الوصايا، وبالله التوفيق.

[مسألة: أن بلالا قال لأبي بكر لما ولي ائذن لي أن أخرج إلى الشام]
مسألة قال: وقال مالك: بلغني أن بلالا قال لأبي بكر لما ولي: ائذن لي أن أخرج إلى الشام في الجهاد، فقال له أبو بكر: لا، فقال له بلال: إن كنت أعتقتني لنفسك فاحبسني، وإن كنت أعتقتني لله فخل سبيلي؟ فقال له أبو بكر: قد خليتك.

(14/424)


قال محمد بن رشد: أراد أبو بكر - والله أعلم- أن يحبسه للأذان كما كان عليه في حياة النبي- عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فلا ينتقل عن مرتبته في ذلك، فإنما أراد بحبسه النظر له في ذلك وللمسلمين لا لنفسه، فلما اختار الجهاد وألح عليه فيه، أذن له في الخروج، وبالله التوفيق.

[مسألة: أعتقت المرأة ثلث خادم لها وهي ذات زوج]
مسألة قال مالك: إذا أعتقت المرأة ثلث خادم لها- وهي ذات زوج- وليس لها مال غيرها، جاز ذلك عليها، وإن كره زوجها؟ قال ابن القاسم: ولا يعتق عليها إلا الثلث إذا كره زوجها، ولو أعتقتها كلها وليس لها مال غيرها ولم يجز ذلك الزوج، لم يجز منها ثلث ولا غيره، قال مالك: وذلك من الأضرار.
قال محمد بن رشد: قوله: جاز ذلك عليها وإن كره زوجها، معناه أن الثلث الذي أعتقه يجوز عتقه، أجازه الزوج أو لم يجزه، فإن أجازه عتق عليها جميع الخادم، وإن لم يجزه، لم يعتق منها إلا الثلث- كما قال ابن القاسم، فهو مفسر لقول مالك هذا في روايته عنه، وقال أشهب وابن الماجشون إن لم يجزه ورده، لم يعتق منها شيء- كما إذا أعتقت جميعها، وروياه عن مالك، فقولهما وروايتهما على قياس القول في أن من أعتق بعض عبده يجب عليه عتق جميعه بالسراية، وقول ابن القاسم وروايته عن مالك في هذه الرواية، على قياس القول بأنه لا يعتق باقيه حتى يعتق عليه، فإن أجاز فعلها عتق عليها باقيه، وإن لم يجز فعلها، لم يعتق فيها إلا الثلث الذي أعتقت، وفي ذلك من قوله نظر؛ لأن عتق الثلث يعيب الثلثين، فإذا أنفذ لها عتق الثلث، فقد جاز قضاؤها في أكثر من ثلث مالها، ولا اختلاف فيما قاله ابن القاسم إنها إذا أعتقت جميعها فلم يجزه لم يعتق منها شيء، من أجل

(14/425)


تبعيض العتق، وإنما اختلف إذا قضت بأكثر من الثلث فيما عدا العتق، فابن القاسم يقول: إن للزوج أن يرد الجميع، وغيره يرى أنه إنما يرد ما زاد على الثلث، وقد اختلف في المرأة ذات الزوج تدبر جاريتها ولا مال لها سواها، فروى ابن القاسم عن مالك في سماعه من كتاب المدبر أن ذلك لها، وقاله ابن القاسم ومطرف، وأباه ابن الماجشون وسحنون، وأحكام قضاء المرأة في مالها دون إذن زوجها، وقعت مفترقة في غير ما موضع من هذا الكتاب ومن غيره من الكتب، وقد مضى تحصيل القول في ذلك في رسم الكبش من سماع يحيى من كتاب الصدقات والهبات، فغنينا بذكره هناك عن إعادته هنا، وبالله التوفيق.

[مسألة: حلفت على ابنتها إن صاحبتها في سفر فكل مملوك لها حر لوجه الله]
مسألة وسئل مالك: عن امرأة حلفت على ابنتها إن صاحبتها في سفر: فكل مملوك لها حر لوجه الله، فتكارت هذه من جمال، وهذه من جمال، فكانتا تلتقيان في سفرهما، وكانتا تسيران وتتحدثان وتنزلان، ولكنهما مع جمالين مفترقين، قال مالك: لا أراها إلا وقد حنثت، قال ابن القاسم وذلك رأيي.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنهما إذا كانتا تسيران معا وتتحدثان وتنزلان جميعا في منزل واحد، فقد اصطحبتا وإن كانتا مع جمالين، ولو تكاريا من جمال واحد، فركبت كل واحدة منهما جملها ولم تسر مع صاحبتها- مصاحبة لها، ولا نزلت معها في موضع واحد لما حنثت، وإنما ينظر إلى ما جرت يمينها، فإن كان ذلك من أجل كونهما مع جمال واحد، فإذا انتقلت إلى جمال أخر فلا تحنث، وإن كان ذلك من أجل

(14/426)


اجتماعهما على نفقة واحدة وطعام واحد، فإذا انتقلت عن ذلك إلى أن تكون منفردة عنها في طعامها لم تحنث، وإذا لم يكن ليمينها بساط تحمل عليه ولا كانت لها نية، حنثت بكل ما يقع عليه اصطحاب، هذا الذي يأتي على أصولهم في هذه المسألة، وقد رأيت لابن دحون إنه قال في هذه المسألة: لو كانت يمينها في سفر ففارقتها وأكرت من جمال أخر، لم تحنث- وإن كانتا في رفقة واحدة، وإنما حنثها في هذه؛ لأنها حلفت وهي في الحضر ثم خرجت معها في رفقة واحدة، والرفقة كلهم أصحاب، والذي قلته وأصلته في المسألة هو أوضح، وبالله التوفيق.

[: باع غلاما له ممن يعتقه واشترط في ذلك على الغلام بأنه لا يفارقه حتى يموت]
ومن كتاب أوله سلف في المتاع والحيوان وسئل: عن رجل باع غلاما له ممن يعتقه واشترط في ذلك على الغلام بأنه لا يفارقه حتى يموت، قال: هذا لا ينفعه، وهذا شرط باطل، فإن عتق، ذهب حيث شاء.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال، إذ لا يجوز للرجل أن يعتق عبده ويشترط عليه خدمة وعملا بعد العتق، وإنما اختلف إذا اشترط عليه مالا يؤديه إليه بعد العتق، مثل أن يقول له: أنت حر بتلا وعليك كذا وكذا، فألزمه مالك المال قبل أو لم يقبل، واختلف في ذلك قول ابن القاسم، فإذا وقع البيع على هذا من الشرط كان البائع بالخيار بين أن يسقط الشرط أو يسترد البيع، فإن فات البيع بالعتق، سقط الشرط على ما قاله، وبالله التوفيق.

(14/427)


[: استدفع امرأة قرطا فصرته في خرقة]
ومن كتاب أوله تأخير صلاة العشاء في الحرس وسئل مالك: عن رجل استدفع امرأة قرطا فصرته في خرقة، ثم إن زوجها أصابه رمد فعالج دواء لعينه، فسألها خرقة ليجعل فيها ذلك الدواء، وناولته الخرقة ونسيت موضع القرط، فرمى بها وأقامت في التراب يومين، ثم إنه وجدها بعد ذلك فصر فيها دواء، ثم جعله في الزنفلجة وهو لا يعلم أن القرط فيها، ثم سألها عن القرط وطلبت القرط من غدوة إلى ضحوة، فغضب الرجل فقال: كل مملوك حر- إن لم يكن قد ضاع منك أو سرق، فقال: لا أرى عليه حنثا.
قيل له: أرأيت يا أبا عبد الله لو كانت الخرقة لم تكن ملقاة في التراب إلا على وجه التناول ووضعها في الزنفلجة قال: أرجو ألا يكون عليه شيء- إن شاء الله.
قال محمد بن رشد: الزنفلجة عند العرب: مخلاة الراعي، وقول مالك في هذه المسألة: إنه لا حنث عليه بين؛ لأنه حلف لقد ضاع القرط منها أو تلف، وهو قد ضاع منها لما صرته في الخرقة ثم نسيته ودفعت إليه الخرقة وهي لا تظن أنه فيها فرمى بها في التراب، ثم أخذها وهو لا يعلم أن القرط فيها، فظن أنه قد تلف، فحلف لقد ضاع منها أو سرق، فلما حلف لقد ضاع منها وهو قد ضاع منها وجب ألا يحنث، وإن كانت الخرقة لم تكن ملقاة في التراب إلا على وجه التناول، فهو أيضا غير حانث؛ لأن الضياع من المرأة في القرط حاصل، وقد قيل: إن قول مالك في هذه المسألة معارض لقوله في مسألة السوط من سماع ابن القاسم من كتاب الأيمان

(14/428)


بالطلاق في رسم طلق بن حبيب؛ لقوله فيها: أنه حانث إلا أن تكون له نية حسبما ذكرناه هناك من تأويل قوله، والصواب الفرق بين المسألتين حسبما ذكرناه، وبالله التوفيق.

[: سألت زوجها أن يخبرها بكلام فأبى فقالت كل مملوك لي حر إن لم تخبرني]
ومن كتاب كتب عليه ذكر حق وقال مالك في امرأة سألت زوجها أن يخبرها بكلام فأبى، فقالت: كل مملوك لي حر- إن لم تخبرني إن كلمتك شهرا، وذهب ثم يؤامر نفسه، ثم أخبرها بعد ذلك بيوم، فقال: أرى أن تكلمه؛ لأنها كانت على البر، فإذا أخبرها- وإن افترقا من ذلك المجلس، ثم كلمته بعدما يخبرها بيوم، وإنما كان يستأمر فيه، فلا أرى عليها حنثا.
قال محمد بن رشد: حمل مالك في هذه المسألة يمين المرأة على زوجها أن يخبرها بالكلام على التأخير حتى تكون لها نية في التعجيل، ولذلك قال: أرى أن تكلمه؛ لأنها كانت على بر، وذلك خلاف قول ابن القاسم في سماع أبي زيد في الذي يحلف بحرية جاريته على أخيه أن يصنع له، فصنع له بعد أن مطله أشهرا، أنه حانث؛ لأنه حمل يمينه على التعجيل حتى يريد به التأخير، والقولان في المبسوطة لمالك، قال: وسئل مالك: عن رجل حلف لرجل بطلاق امرأته البتة إن لم تعطني ثوبك هذا، فقال: إن أعطاه إياه قبل أن يفترقا، فقد خرج من يمينه، وإن افترقا ولم يعطه إياه، فقد حنث، قال ابن

(14/429)


نافع لا حنث عليه إلا أن يكون أراد في مقامك هذا، وهو قول مالك، وكذلك اختلف أيضا إذا حلف الرجل أن يفعل شيئا، هل هو محمول على التعجيل حتى يريد التأخير، أو على التأخير، حتى يريد التعجيل والقولان بينان في رسم المكاتب من سماع يحيى من كتاب النذور حسبما بيناه هناك، والقولان جاريان على الاختلاف في الأمر هل يقتضي الغور أم لا؟ والمشهور في الحالف على نفسه أن يفعل فعلا أنه محمول على التأخير حتى يريد التعجيل، وفي الحالف على غير مواجهة أن يفعل فعلا، محمول على التعجيل حتى يريد التأخير، من ذلك قولهم فيمن حلف بطلاق امرأته ليفعلن فعلا إنه لا يطأ امرأته حتى يفعل، ويضرب له أجل الايلاء إن طلبت امرأته الوطء، فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنه محمول على التأخير في المسألتين حتى يريد التعجيل.
والثاني: أنه محمول فيهما على التعجيل حتى يريد التأخير.
والثالث: الفرق بين المسألتين، وبالله التوفيق.

[مسألة: اشترى غلاما ليعتقه فقال سيد الغلام لا أبيعه إلا بستين]
مسألة وقال مالك في رجل اشترى غلاما ليعتقه، فقال سيد الغلام: لا أبيعه إلا بستين، وقال المشتري: لا آخذه إلا بخمسين، فلما رأى ذلك العبد، قال لسيده: بعني بخمسين دينارا واكتب علي العشرة ادفع إليك في كل شهر دينارا، فكتب عليه العشرة بعلم من المشتري فاشتراه بخمسين وأعتقه على هذا الشرط، أيكون للذي أعتق العبد على هذا الشرط الولاء كله، ويعجل للذي باعه سدس الولاء، قال: الولاء للذي اشتراه فأعتقه، وليس للذي باعه واشترط عليه أن يعطيه عشرة دنانير من ولائه قليل ولا كثير، وولاؤه للذي ابتاعه فأعتقه.

(14/430)


قال محمد بن رشد: قوله: ليس للبائع من ولاية قليل ولا كثير بين؛ لأن المشتري بالخمسين هو الذي أعتقه، فلا حق للبائع في ولائه بالعشرة التي اشترط أن يأخذها من العبد بعد عتقه، وإنما هو كمن أعتق عبده على أن يؤدي بعد العتق عشرة دنانير لرجل أخر، فليس للذي يأخذ العشرة دنانير منه مدخل في ولائه بوجه من الوجوه، وظاهر هذه الرواية أن العشرة تجب للبائع على العبد إذا كتبها عليه بعلم المشتري، وهو نص ما في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم من كتاب جامع البيوع، وفي العشرة ليحيى عن ابن القاسم أن العشرة تسقط عن الغلام علم المشتري ولم يعلم، قال: وإن كان باع بغير العتق، سقط عنه الغرم وفسخ البيع، إلا أن يفوت فيرد إلى القيمة، فأما سقوطها عنه إذا لم يعلم، فهو بين، إذ ليس له أن يعيب العبد الذي باعه بما كتب عليه من الدين، ومثله في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم من كتاب جامع البيوع، وأما سقوطها عنه إذا علم، فالاختلاف في ذلك- عندي- جار على الاختلاف في الرجل يقول لعبده: أنت حر بتلا وعليك كذا وكذا، فقول مالك في المدونة: إن المال يلزمه، وعليه يأتي قوله في هذه المسألة، وقول ابن القاسم فيها: إن المال يسقط عنه، وعليه يأتي ماله في العشرة في هذه المسألة، وقد اختلف في ذلك قول ابن القاسم في المدونة، وأما قوله في العشرة: إن البيع يفسخ إن كان باع بغير العتق إلا أن يفوت فيرد إلى القيمة، وتسقط العشرة، فمعناه إن علم المشتري واشترى على هذا؛ لأن الفساد فيه بين؛ لأنه باع عبده بستين دينارا، يتبع منها ذمة العبد بعشرة دنانير، وذلك غرر بين، وأما إن لم يعلم المشتري بذلك، فلا وجه لفساد البيع، وفي سقوط العشرة عنه إذا لم يعلم المشتري بها، واشتراه على غير العتق باختلاف، قيل: إنها لا تسقط عنه ويكون المشتري بالخيار بين أن يمسك أو يرد كعيب اطلع عليه أو هو الذي يأتي على ما في كتاب الكفالة من المدونة، وقد

(14/431)


مضى بيان هذا في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم من كتاب جامع البيوع، وبالله التوفيق.

[: أعتقت بغير إذن زوجها جارية لها فرد زوجها عتقها]
ومن كتاب اغتسل على غير نية وقال مالك في امرأة أعتقت بغير إذن زوجها- جارية لها فرد زوجها عتقها، قال مالك: إن كانت الجارية تكون ثلث مالها- ولها مال تكون الجارية ثلث المال أو أقل من الثلث فإن عتقها جائز، وأما إن كانت الجارية أكثر مالها أو جله، فإن ذلك لا يجوز منها شيء إلا أن يجيز زوجها، سحنون والعتق جائز حتى يرده الزوج، ولكنه موقوف لا تجوز شهادته.
قال محمد بن رشد: في الواضحة لمالك من رواية ابن القاسم عنه مثل قول سحنون: إنه جائز حتى يرده الزوج، وقال مطرف وابن الماجشون ذلك مردود حتى يجيزه الزوج، وأنكرا رواية ابن القاسم عن مالك، وقالا ذلك بخلاف ذي الدين يعتق وعليه دين، فعتقه محمول على الجواز حتى يرده الغرماء، فلا يجوز للغرماء الرد إلا من بعد بينات وإثبات، وأما الزوج فلا يكلف إثبات ما يجب له به الرد؛ لأن فعلها على غير الجواز؛ لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يجوز لامرأة قضاء في ذي بال من المال إلا بإذن زوجها» والأظهر أن فعلها محمول على الجواز حتى يرده الزوج؛ لأن الزوج إذا لم يعلم أو علم فلم يقض برد ولا إجازة حتى مات عنها أو طلقها، يلزمها ما فعلت من العتق وغيره، وينفذ عليها، هذا هو المشهور في

(14/432)


المذهب، وقد ذكر ابن المواز عن بعض أصحاب مالك: أن العصمة إذا زالت والعبد في يدها تسترقه، وهو على قياس القول بأن فعلها على الرد حتى يجيزه الزوج، وقد مضى في رسم الكبش من سماع يحيى من كتاب الصدقات القول في أحكام قضاء المرأة في مالها دون إذن زوجها- مستوفى، فاكتفينا بذلك عن إعادته هنا، وبالله التوفيق.

[مسألة: حر كانت تحته امرأة ثلثها حر]
مسألة وسئل: عن حر كانت تحته امرأة ثلثها حر، وثلثاه رقيق، وله منها ولد ثلثه حر وثلثاه رقيق، فأراد الذين لهم فيه الرق أن يبيعوا ما لهم من الرق، فأعطوا ثمنا وأرادوا البيع من رجل، فطلب زوج الجارية أبو الغلام أن يأخذه بالذي أعطوه، قال: أرى ذلك له؛ لأنه لا يدخل على الذين باعوه مضرة؛ ولأن ذلك منفعة للذين يبتاعون الجارية وابنها؛ لأن ابنها يعتق حين يشتريه أبوه، فهو منفعة لهم، ولا أراه يدخل على الأخير ضرر، فلا أرى إلا ذلك.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن الزوج إذا أراد أن يأخذهم بالثمن الذي أعطوا بهم، فبيعهم من غيرهم بذلك الثمن إضرار بالولد في غير منفعة تصير إليهم، فلا يمكنون من ذلك، إذ لا مضرة عليهم في بيعهم من الزوج، ولا منفعة لهم في بيعهم من سواه، ولو باعوها وحدها دون ولدها، لم يكن أحق بها بما يعطي فيها، إلا أن تكون حاملا، إذ لا تكون له أم ولد إذا اشتراها، وإن كانت قد ولدت منه قبل الشراء، إلا أن يشتريها وهي حامل منه، وفي ذلك اختلاف، قد روى عن مالك: أنها لا تكون له أم ولد حتى يكون أصل الحمل بعد الشراء، وقد مضى هذا في أول رسم من سماع عيسى من كتاب النكاح، وكذا يجب في كل شيء مشترك لا شفعة فيه

(14/433)


إذا باع بعض الأشراك أنصباءهم، أن يكون لمن بقي منهم أن يأخذ ذلك بالثمن الذي يعطي فيه، ما لم ينفذ العتق، وبالله التوفيق.

[: العبد المعتق نصفه فيما بينه وبين سيده]
ومن كتاب البز وسئل مالك: عن العبد يكون نصفه رقيقا، ونصفه حرا، كيف يعملان في خدمته؟ قال: يصطلحان على الأيام، قيل له: أفيواجره شهرا ويعمل العبد شهرا لنفسه؟ قال: لا بأس بذلك.
قال محمد بن رشد: حكم العبد المعتق نصفه فيما بينه وبين سيده، حكم العبد بين الشريكين، جائز أن يختدمه هذا شهرا، وهذا شهرا- عندما لك، روى ذلك عنه ابن القاسم في المجموعة، ومثله يأتي في رسم العتق من سماع أشهب وقال ابن المواز: لا يجوز ذلك إلا في مثل الخمسة الأيام ونحوها، وبالله التوفيق.

[مسألة: ضرب عبدا له بالسوط لأمر عتب عليه فيه]
مسألة وسئل مالك: عن رجل ضرب عبدا له بالسوط لأمر عتب عليه فيه، فأصاب عينه ففقأها، أترى أن يعتق عليه؟ قال: لا أرى ذلك.
قال ابن القاسم: وإنما يعتق في ذلك ما كان على وجه العمد، ولا يعتق في الخطأ.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه لا يعتق العبد في المثلة، إلا أن تكون على وجه العمل الذي يكون فيه القصاص بين

(14/434)


الأحرار، واختلف إن فقأ عينه، فقال السيد: أخطأت وكنت أؤدبه، وقال العبد: بل تعمد ذلك، فقيل: القول قول العبد؛ لأن العداء قد ظهر فلا يصدق السيد، وقيل: القول قول السيد؛ لأن له أن يؤدب عبده، فهو محمول على ذلك حتى يثبت القصد إلى المثلة واختلف في ذلك قول سحنون، ولو قصد إلى الضرب عمدا في غير أدب، فأصاب عينه ففقأها- ولم يرد ذلك، لجرى ذلك على الاختلاف في شبه العمد، هل فيه قصاص، وبالله التوفيق.

[مسألة: عبد نصفه حر ونصفه رقيق عتب عليه سيده في شيء صنعه]
مسألة وسئل: عن عبد نصفه حر، ونصفه رقيق- عتب عليه سيده في شيء صنعه، أترى أن يضربه ويؤدبه؟ قال: ليس له أن يؤدبه إلا بالسلطان.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن الحرية شائعة في جميعه وإن كانت الحرية تبعا للرق في جريان أحكام الرق عليه في الميراث، والشهادة، والإمامة، وسقوط الزكاة في ماله، وإن كان يملك ملكا تاما ليس لسيده انتزاعه منه، واختلف في زكاة الفطر عنه، فقيل: إنها على سيده؛ لأنه يرثه إن مات، وهو قول مالك في رواية مطرف، وابن الماجشون، وقولهما، وقول المغيرة وغيره من مشايخ المدينة، واختيار ابن حبيب، وقيل: إنها عليه وعلى سيده، وهو قول أشهب، وقيل: إن على السيد من زكاة الفطر بقدر ماله، وليس عليه هو شيء وهو قول ابن القاسم وابن وهب وروايتهما عن مالك، وقول ابن عبد الحكم وأصبغ، وبالله التوفيق.

[مسألة: باع أهبا بثمن ثم انتقلها إلى منزله]
مسألة وسئل مالك: عن رجل باع أهبا بثمن، ثم انتقلها إلى منزله

(14/435)


فأقامت عنده خمسة أيام، ثم جاءه يتقاضاه ثمنها فمطله، فقال: أتحب أن أقيلك منها؟ قال: نعم، قال: فارددها من حيث أخذتها، فردها، ثم حلف البائع أن عليه عتق رقبة إن كان لي عليك أن أحلف عند منبر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأستحلفنك أنك ما خلطتها بشيء، قال ذلك له إن يبعه- أن يحلفه.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله إن له أن يحلفه إن ادعى عليه أنه خلطها، وحقق الدعوى عليه في ذلك باتفاق، وإن لم يحققها عليه فعلى اختلاف، وبالله التوفيق.

[مسألة: استباعه عبد له فحلف بحريته ألا يبيعه]
مسألة وسئل: عن رجل استباعه عبد له فحلف بحريته ألا يبيعه، فوهبه لبعض ذوي قرابة، أترى عليه في يمينه شيئا؟ قال: إن كان أراد ألا يفارقه فقد فارقه، فكأنه رأى إن أراد ذلك فقد حنث.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله من أنه كان إن أراد ألا يفارقه فقد فارقه، وفي قوله فكأنه رأى إن أراد ذلك فقد حنث- نظر؛ لأنه يتهم في إبطال الهبة بما يدعي من النية، والذي يوجبه النظر أن يصدق في ذلك إن كان لم يدفع العبد إلى الموهوب له، كمن وهب عبدا ثم أعتقه قبل أن يقبضه الموهوب له (وأما إن كان دفع العبد إلى الموهوب) ثم ادعى بعد ذلك أنه أراد إلا يفارقه، فلا يصدق في ذلك، إلا أن يصدقه الموهوب له، فإن صدقه، أعتق، وإن لم تكن له نية، حملت يمينه على، ما لفظ به من

(14/436)


البيع، ولم يلزمه في هبته شيء لقرابته ولا لغير قرابته، إلا أن يكون وهبه للثواب فعتق عليه، ويرد الثواب؛ لأن الهبة للثواب بيع من البيوع، وذلك على مذهب مالك فيمن قال: إن بعت عبدي فهو حر، فباعه، أنه يعتق على البائع، وأجاز في رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب بعد هذا أن يهبه لمن لا يريد منه ثوابا، وكره أن يهبه لبعض أهله مخافة أن ينجر إليه منه على ذلك ثواب، وقال ابن نافع: أكره الهبة؛ لأني أخاف الدلسة في ذلك، وبالله التوفيق.

[مسألة: يعتق العبد، ويعتق أباه رجل أخر]
مسألة وسئل مالك: عن الرجل يعتق العبد، ويعتق أباه رجل أخر، فيكتب فلان بن فلان أو فلان مولى فلان، فقال: بل أرى أن يكتب فلان بن فلان ولا أرى أن يدع ذلك، فقيل له: فإن قال المولى: فإني أخاف أن يقطع ولائي، قال: فيكتب فلان بن فلان ويجعل فيه نفسه مولى فلان فيجمعهما جميعا، فقيل له: فالرجل المعتق الذي لا يعرف أبوه يكتب ذلك فلان بن فلان، فقال: إنهم ليفعلون ذلك، فقيل له: إن مولاه يريد ألا يدعه، وذلك إنه يقول: أني أخاف أن يقدم هذا حتى ينقطع علم أني مولاه، ويثبت له هذا النسب الذي لا يعرف، قال: إن علم ذلك منع، وإن هذه أمور إنما تكتب حين ينزل- يريد الموت.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله من أن الاختيار في معتق الرجل يعتق أباه رجل أخر، أن يكتب فلان مولى فلان- يجمع النسب والولاء

(14/437)


لكل واحد منهما، وأن المعتق الذي لا يعرف أبوه يكتب فلان مولى فلان ولا يكتب فلان بن فلان منتسبا بذلك إلى من لا يعرف أنه أبوه، لئلا ينقطع علم ولائه ويثبت له هذا النسب الذي لا يعرف، وذلك ما لا يحل له؟ وأما إن كتب فلان بن فلان ملغزا بذلك غير منتسب إلى أحد، فذلك مكروه له- حسبما يأتي في رسم نذر، وبالله التوفيق.

[: عبد كان بين رجلين فأعتق أحدهما نصيبه]
ومن كتاب أوله باع غلاما بعشرين دينارا وسئل مالك: عن عبد كان بين رجلين فأعتق أحدهما نصيبه، فلما بلغ الآخر أعتق نصيبه، قال مالك: العتق جائز والولاء بينهما، قال: ولو أنه إذ بلغ عتق صاحبه قال: لا أعتق، ولكني أطلب حقي فيه وكان صاحبه موسرا، ثم بدا له أن يعتق، لم أر ذلك له، قال مالك: إذا رد ذلك حين بلغه وقال: لا أعتق، ولكن أطلب حقي فيه، فليس له بعد ذلك أن يرجع إلى العتق، ورأى أن يعتق على الأول.
قال محمد بن رشد: تقويم العبد على الموسر المعتق لحظه منه، يجتمع فيه ثلاثة حقوق: حق لله عز وجل، وحق للعبد، وحق للشريك الذي لم يعتق، (فحق الله تعالى، وحق العبد في إكمال العتق له، فليس للعبد

(14/438)


أن يرضى بترك تقويمه- يعني أن يبقى بعضه رقيقا من أجل حق الله تعالى في إكمال حريته وحق الشريك الذي لم يعتق) في التقويم على المعتق من أجل أنه قد أعاب عليه حظه بعتقه لحظه؛ لأن ذلك ينقص من قيمته له إن تركه إن شاء- بشرط أن يعتق حظه منه من أجل حق الله عز وجل في إكمال حريته، فإذا رضي بترك حقه في التقويم وأعتق حظه، جاز ذلك وكان الولاء بينهما كما قال، ولا اختلاف في ذلك، والواجب أن يخير في ذلك ابتداء، وكذلك حكى ابن حبيب عن مالك أنه لا يقوم على الأول حتى يعرض على شريكه أن يعتق، فإن أعتق فذلك له وإن أبى قوم على الأول، واختلف إن أبى أن يعتق- واختار التقويم، ثم بدا له أن يرجع إلى العتق، فقال في هذه الرواية ومثله في المدونة: ليس ذلك له، والوجه في ذلك أنه لما ترك حقه في العتق وجب التقويم على الأول وصار حقا له لا يخرج عن يده إلا برضاه، وحكى ابن حبيب في الواضحة عن ابن الماجشون، وعن مالك من رواية ابن وهب، وعن ابن القاسم من رواية ابن عبد الحكم وأصبغ، أن له أن يرجع إلى العتق ما لم يقوم، ووجه هذا القول إنه رأى قوله أنا أقوم، عدة منه بذلك لم يجب بعد، فله أن يرجع عنها، وكذلك لو قال: أنا أعتق حظي ولا أقوم، ثم أراد أن يرجع إلى التقويم لم يكن ذلك له على القول الأول، وكان له على القول الثاني، إذ لا فرق ويلزم الرجوع عن التقويم إلى العتق، وعن العتق إلى التقويم، وبالله التوفيق.

[مسألة: كانت له جارية فحلف بعتقها إن كلم رجلا من الناس]
مسألة وسئل: عن رجل كانت له جارية فحلف بعتقها إن كلم رجلا من الناس، ثم إن تلك الجارية ولدت أولادا فكلمه بعدما ولدت، قال

(14/439)


إني لأستحب لولدها أن يدخلوا معها في العتق- وما هو بالبين؟ وأما الذي يحضرني الآن في رأيي فإني أرى أن يدخل ولدها معها في عتقها.
قال محمد بن رشد: القياس ألا يدخل معها ولدها في العتق؛ لأنه فيها على بر، وله أن يطأ ويبيع، إلا أن قول مالك قد اختلف في ذلك، مرة كان يقول يعتق ولدها، ومرة كان يقول تعتق بغير ولدها، ولكن الذي ثبت عليه من ذلك واستحسنه على كره- أن تعتق هي وولدها على ما قاله في هذه الرواية، وفي رسم بع ولا نقصان عليك من سماع عيسى، وفي رسم المدبر والعتق من سماع أصبغ، ورسم العرية من سماع عيسى من كتاب الوصايا، وأما اليمين التي تكون فيها على حنث، مثل أن يحلف بعتقها ليفعلن فعلا- ولا يضرب لذلك أجلا، فالقياس أن يعتق ولدها بعتقها وهو المشهور من قول مالك، وقد روي عن مالك أن ولدها لا يدخل في اليمين- وهو قول المغيرة المخزومي، وإن ضرب أجلا ليمينه بعتقها ليفعلن فعلا فهو أخف، وفي دخول ولدها في اليمين اختلاف؛ لأن مالكا إذا رأى في أحد قوليه أن الولد يدخل في اليمين التي يكون فيه على بر، وله أن يطأ ويبيع، فأحرى أن يرى ذلك في هذه اليمين التي يمنع فيها من البيع، ويختلف في جواز الوطء له، وبالله التوفيق.

(14/440)


[: حلف إلا يقاطع مكاتبه على مائة دينار فحلف بحريته]
ومن كتاب صلى نهارا وسئل: عن رجل حلف إلا يقاطع مكاتبه على مائة دينار فحلف بحريته، فإن فعل فهو حر، فقاطعه بأكثر من مائة، ثم أراد أن يقطع عنه، قال مالك: ما أحب ذلك له بحدثان ذلك ولكن لو أقام أياما، لم أر بذلك بأسا، وأكره ذلك بحدثانه.
قال محمد بن رشد: قد مضى في رسم طلق بن حبيب القول في بيان معنى هذه المسألة، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

[مسألة: قاطع مكاتبا بينه وبين امرأته ثم إنه دعاه بعد القطاعة فقال له لم ترض امرأتي]
مسألة وسئل: عن رجل قاطع مكاتبا بينه وبين امرأته ثم إنه دعاه بعد القطاعة، فقال له: لم ترض امرأتي، فقال رجل: كان معهما جالسا- وهو يلعب- أنا أشهد أن امرأته قد أجازت، فقال: كل مملوك لي حر لوجه الله، لئن شهدت على ذلك إن لم أكسه ثوبين يعني مكاتبه، فقال: ما كنت إلا ألعب ما أشهد، قال مالك: ما أرى عليه شيئا من الثوبين ولكن يتورع ويدفعهما إن كان أمرهما يسيرا.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله من أنه لا شيء عليه؛ لأنه لم يشهد بما قاله ولا حققه، بل أقر على نفسه أنه ما اعتقده، وإنما قاله هازلا، فلم يلزمه حنث.

(14/441)


[: عبد نصفه حر ونصفه مملوكا أيعتق الذي له فيه الرق نصفه]
ومن كتاب نذر سنة يصومها وسئل مالك: عن عبد نصفه حر ونصفه مملوكا أيعتق الذي له فيه الرق نصفه، ويشترط نصف ماله،، قال: ليس ذلك له، وأرى أن يعتق ويقر المال بيد العبد البائع، قال ابن القاسم: وذلك أن المال للعبد المعتق كله.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن العبد إذا أعتق بعضه ملك ماله، ولم يكن للذي بقي له فيه الرق انتزاعه ولا أخذ شيء منه، فإذا لم يكن له انتزاعه لم يجز له في المعتق استثناؤه؛ لأنه إنما له أن يستثني في العتق ما له أن ينتزع قبل العتق، وما يكون أحق به في البيع، وإن لم يستثنه، قال ابن المواز: قال: فلو كان بمعنى الكتابة جاز ذلك له، وقوله صحيح، وذلك مثل أن يقول له: أعتقك على أن يكون لي نصف مالك فيرضى بذلك، وأما إذا أعتقه واستثنى ماله دون رضاه، فلا يجوز ذلك له، وبالله التوفيق.

[مسألة: حلف بعتق غلام له إن لم يقض رجلا ماله]
مسألة وسئل مالك: عن رجل حلف بعتق غلام له إن لم يقض رجلا ماله، أفله أن يبيعه إذا لم يكن عنده شيء يقضيه؛ لأنه يقول: أبيع وأقضي، قال: لا أرى أن يبيعه حتى يقضيه.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنها يمين هو فيها على حنث، فليس له أن يبيعه على ما في المدونة وغيرها، فإن باعه رد البيع

(14/442)


ووقف، فإن بر بالقضاء فلا شيء عليه، وإن لم يقضه حتى مات، عتق في ثلثه على معنى ما في المدونة وغيرها، وهو نص ما في رسم باع شاة من سماع عيسى بعد هذا، ومثله حكى ابن المواز عن مالك، وزاد أنه إن قضاه قبل أن يرد البيع فلا يرد، ومثل هذا في رسم المدبر والعتق من سماع أصبغ بعد هذا، أنه لا حنث عليه إن أوفاه حقه ويجوز البيع، وبالله التوفيق.

[مسألة: حلفت في أمر لتفعلنه ودعت شركاءها إلى أن تقاسمهم]
مسألة وسئل مالك: عن امرأة لها شرك في عشرة رؤوس، وحلفت في أمر لتفعلنه ودعت شركاءها إلى أن تقاسمهم حتى تأخذ من ذلك حصتها، فقاسمتهم فصار لها رأس، أترى اليمين ترجع عليها في ذلك الرأس الذي صار لها منهم، قال: نعم أرى أن ترجع عليها اليمين فيه.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن حقها من العبيد الذين حلفت بحريتهم قد تميز بالقسمة فيما صار لها منهم، فوجب أن ترجع اليمين عليها فيهم، ولا تجوز لها القسمة فيهم إلا بالقرعة؛ لأنها هي التي قيل فيها: إنها تمييز حق، وأما القسمة على التراضي فلا تجوز فيهم؛ لأنها بيع من البيوع باتفاق، والبيع فيهم لا يجوز باتفاق؛ لأنها يمين هي فيها على حنث لو لم تبر حتى ماتت، لعتق حظها منهم في ثلثها، ولو كانت يمينها إلى أجل فحنثت بمضي الأجل في حياتها وصحتها قبل القسمة، لعتق عليها

(14/443)


حظها منهم وحظ شركائها بالقسمة على الحكم فيمن أعتق شركا له في عبد، إذ لا فرق بين أن يبتدئ عتقهم، أو يحنث بالعتق فيهم، وقد قيل: إنها تقاسم أشراكها فيهم بعد الحنث، ولا يعتق عليها منهم، إلا ما صار لها نصيبها- قاله محمد بن المواز، فقيل: إنه خلاف لما في المدونة من أنه من حنث بعتق رقيقه وله أشقاص من عبيد، أنهم يعتقون عليه، ويقوم عليه بقية العبيد الذين لهم فيهم الشقوص، وقيل: إنه فرق بين أن يكون له شريك واحد في جميعهم، أو شريك في كل رأس، وبالله التوفيق.

[مسألة: النصراني يسلم على يدي رجل فيريد أن يكتب فلان بن فلان]
مسألة وسئل مالك: عن النصراني يسلم على يدي رجل فيريد أن يكتب فلان بن فلان، فقال: إني لأكره ذلك، وقوم يعتقون عبيدا لهم فيكتبون كذلك فيكذبون في قولهم، قال: وما يعجبني أن يفعل ذلك، قيل له: فإن النصراني يكون اسمه جريجا أو يحيى فيسمى باسم أهل الإسلام، قال: لا بأس به.
قال محمد بن رشد: الذي كره مالك للذي يسلم على يدي الرجل فيكون ولاؤه لجميع المسلمين، أو للذي يعتقه الرجل فيكون ولاؤه له، أن يكتب فلان بن فلان، هو أن يلغز بذلك فيكتب فلان بن عبد الله أو ابن عبد الرحمن، فيظن من سمعه أن أباه رجل من المسلمين، فكره ذلك من أجل أنه ينحو إلى الكذب فيما يظنه السامعون- وإن كان لم يكذب هو فيما قاله: من أن أباه هو عبد الله أو عبد الرحمن، وأما أن ينتسب إلى غير أبيه من أهل الكفر، أو أهل الإسلام، فهذا ما لا يحل ولا يجوز، فقد جاء الحديث

(14/444)


بالنهي عن ذلك، وإن فاعله ملعون، وأما أن يبدل الرجل اسمه باسم يختاره إذا أسلم من أسماء الإصلاح، فهذا جائز؛ لأنه لا بأس به كما قال في الرواية، وبالله التوفيق.

[: أوصى في جوار له أن يحبسن سبعين سنة ثم هن أحرار]
ومن كتاب أوله المحرم يتخذ خرقة لفرجه وسئل مالك: عن محمد بن سليمان، وكان أوصى في جوار له أن يحبسن سبعين سنة، ثم هن أحرار، قال مالك: هو غير جائز، وأرى أن ينظر السلطان فيه، فإن رأى أن يبعن بعن، وإن رأى أن يعتقن أعتقن (وعجل عتقهن) ولا يتركن هكذا، قال ابن القاسم وهو رأيي، وسئل عنها ابن الماجشون فقال: ينظر إلى ما سمي من الأجل، فإن كان أجلا لا يبلغه أعمارهن بعد، وكان ذلك بمنزلة من أعتق عبدا بعد موته، وإن كان أجلا يبلغه أعمارهن وقفن إلى الأجل، وخرجن أحرارا إن حملهن الثلث- ثلث الميت.
قال محمد بن رشد: وجه النظر الذي صرفه مالك إلى الإمام في هؤلاء الجواري اللائي أوصى سيدهن أن يعتقن بعد سبعين سنة، هو أن ينظر فمن كان لها من السن ما يعلم حقيقة أنها لا تعيش سبعين سنة، مثل أن تكون بنت أربعين أو خمسين أو ستين، فإنها تباع؛ لأنها تعلم أن العتق لا يدركها، فهي كمن أوصى لها بالعتق بعد موتها، ومن كان لها منهن من

(14/445)


السنين ما يمكن أن تعيش سبعين سنة مثل أن تكون بنت عشر سنين، أو بنت عشرين، فإنه يعجل عتقها، إذ لا يجوز أن تباع- ولعل العتق سيدركها، ولا أن تحبس سبعين سنة، لما في ذلك من الضرر عليها بقصد السيد إلى ذلك في ظاهر أمره، فهذا معنى ما ذهب إليه مالك - والله أعلم؛ لأنه صرف الأمر في ذلك إلى السلطان ليعمل فيه بهواه من غير نظر، وأما ابن الماجشون فرأى الحد في ذلك ما يعمر إليه المفقود على الاختلاف في ذلك من ثمانين إلى مائة في المشهور في المذهب، فمن كان سنها منهن ينتهي إلى حد التعمير وقفت، ومن كان سنها منهن لا ينتهي إلى حد التعمير ويقصر عنه بيعت، وهو القياس، إلا أنه إغراق، فالعدول عنه إلى ما قاله مالك على سبيل الاستحسان أحسن، وقد بينا وجهه، وبالله التوفيق.

[مسألة: المملوك إذا عمي]
مسألة وسئل مالك: عن المملوك إذا عمي أترى أن يعتق؟ قال: وكان الذي سأله سمع في ذلك شيئا، فأنكر ذلك وقال: ما علمت أنه يعتق.
قال محمد بن رشد: السؤال عن هذا مثل ما في كتاب الزكاة الثاني من المدونة من السؤال على أهل البلاء من العبيد، هل يعتقون على ساداتهم لما أصابهم من البلاء نحو الجذام والعمى؟ فقال: إنهم لا يعتقون، والذي ذهب إليه من رأى أنهم يعتقون على ساداتهم، هو ذهاب الانتفاع بهم لما حل بهم من هذه البلايا شبيها بما قيل فيمن وطئ أمة له من ذوات محارمه اللائي لا يعتقن عليه فحملت منه، أنها تعتق عليه من أجل أنه لا منفعة فيها، إذ ليس له أن يستخدمها ولا يطأها- وهي لا تشبهها، وبالله التوفيق.

(14/446)


[: حلف لرجل له عليه حق بالعتق والطلاق ليقضينه حقه أو ليرضينه منه لأجل كذا]
من سماع أشهب وابن نافع من مالك
رواية سحنون من كتاب الأقضية قال سحنون: أخبرني أشهب وابن نافع قالا: سئل مالك: عمن حلف لرجل له عليه حق بالعتق والطلاق ليقضينه حقه أو ليرضينه منه لأجل كذا وكذا، فأرضاه ببعض حقه لذلك الأجل، وأخره (بما بقي منه) إلى أجل أخر ولم يشترط عليه حين أكلأه إلى الأجل الآخر شيئا- طلاقا ولا غيره، أفترى عليه اليمين كما هي؟ فقال: إني أخاف ذلك وما هو بالبين، فقيل له: فإن الأجل لم يأت، أفترى أن يكلىء صاحبه؟ قال: نعم، قيل له: أترجو أن يكون ذلك مخرجا؟ قال: نعم، إني لأرجو ذلك وما هو بالبين، قال ابن نافع: لا يلزمه اليمين في التأخير الثاني إلا أن يشترط ذلك المحلوف إليه.
قال محمد بن رشد: الخوف على الحالف في بقاء اليمين عليه في الأجل الثاني في هذه المسألة ضعيف؛ لأنه قد بر بإرضائه إياه قبل الأجل، فلا تبقى عليه اليمين في الأجل الثاني إلا بشرط- كما قال ابن نافع، وقد قال ابن دحون: إن قول مالك أبين من قول ابن نافع؛ لأن الحالف حلف أن يرضي غريمه وقد أرضاه بما دفع إليه عند الأجل، وبالوقت الذي جعلاه للباقي، فالرضي متعلق بسببين: بأجل الباقي، وبما دفع، فاليمين باقية عليه حتى يفي له بالباقي إلى الأجل الذي اتفقا عليه، هذا نصر قول ابن دحون - وليس ببين لما ذكرناه من أن الحالف قد بر في الأجل الأول، فلا تبقى اليمين

(14/447)


عليه في الأجل الآخر إلا بشرط، وقد قيل في الذي يحلف لأقضين فلانا حقه إلى أجل- إلا أن يشاء أن يؤخره فأخره، أن اليمين لا تبقى عليه في الأجل الثاني- حسبما ذكرناه في رسم حلف من سماع ابن القاسم من كتاب الأيمان بالطلاق، فكيف بهذه المسألة التي قد بر فيها قبل، الأجل، وقد مضى في رسم سلف دينارا من سماع عيسى من كتاب النذور، القول فيما يبر به من حلف ليرضين فلانا من حقه- مستوفى، فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق.

[: الموسر يكون له أب مملوك أيشتري عليه فيعتق]
ومن كتاب الأقضية الثاني وسئل: عن الموسر يكون له أب مملوك أيشتري عليه فيعتق؟ قال: لا.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه لا يحكم عليه بذلك، إذ ليس هو واجب عليه وجوب الفرائض التي تتعين في المال كالزكاة، ولكنه من الحقوق الواجبة له عليه بحق إحسانه إليه، روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «لن يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه» أي فيعتقه بشرائه إياه، لا أنه يكون مملوكا له حتى يستأنف له العتق، وبالله التوفيق.

[مسألة: حلف لغريم بعتق جاريته إن لم يقضه لأجل سماه]
مسألة وسئل: عمن حلف لغريم بعتق جاريته إن لم يقضه لأجل سماه فلما كان اليوم الذي ينقضي فيه الأجل باعه بتلك الدنانير جاريته، قال: لا أرى ذلك يخرجه من يمينه؛ لأن عليه العهدة حتى

(14/448)


تحيض، قيل له: أرأيت إن أحاله على رجل؟ أيجزئه ذلك من يمينه؟ قال: لا.
قال محمد بن رشد: قوله: لأن عليه العهدة حتى تحيض، معناه: لأن الضمان منه حتى تحيض، وهذا إذا كانت رقيقة يواضع مثلها، أو كانت قد وطئها سيدها؟ وأما إن كانت من الوخش لم يطأها سيدها، فيبر بدفعها إليه في الدين قبل حلول الأجل ولو لم يبر، إذ لا عهدة فيها على ما مضى في نوازل سحنون من كتاب العيوب؛ لأنه بيع يقتضي المناجزة خوف الدين بالدين، ولا اختلاف فيمن حلف على القضاء أن لا يبر بالإحالة، وإنما يبر بالإحالة من حلف ليرضين رجلا من حقه على الشرطين اللذين ذكرناهما في رسم سلف دينارا من سماع عيسى من كتاب النذور، وبالله التوفيق.

[مسألة: حلفت بحرية جارية لها إن باعتها]
مسألة وسئل: عن امرأة حلفت بحرية جارية لها إن باعتها، قالت: هي حرة إن بعتها عشر سنين، ثم ندمت فأرادت بيعها، فهل لها في ذلك مخرج؟ فقال: لا، إلا أن تعتقها، أو تهبها لمن لا تريد منه ثوابا، وأما أن تهبها لبعض أهلها، فإني أكره ذلك، قال ابن نافع: أكره الهبة؛ لأني أخاف الدلسة في ذلك.
قال محمد بن رشد: كره مالك أن تهبها لبعض أهلها مخافة أن ينجز إليها من قبله على ذلك ثوابا، والهبة للثواب بيع من البيوع، وأبقى ذلك ابن نافع في الهبة لأجنبي، فكرهها بكل حال، ولو تصدقت بها لم يكن للكراهية في ذلك وجه، وهذا إذا لم تكن أرادت بيمينها ألا تفارقها، ولا كان ثم بساط يدل على ذلك، ولو حلفت بحريتها إن لم تبعها إلى عشر سنين، لم يكن لها

(14/449)


أن تهبها على حال، ولا أن تتصدق بها؛ لأن الحالف بعتق عبيده أن يفعل كذا وكذا إلى أجل كذا وكذا، ليس له أن يبيعهم؛ لأنهم مرتهنون باليمين- قاله في المدونة وغيرها، وقد رأيت لابن دحون على هذه المسألة كلاما مختلا غير صحيح، فلم أر لذكره وجها، وبالله التوفيق.

[مسألة: حلف لرجل في ذكر حق له عليه بحرية جارية له إن لم يقضه إلى أجل سماه]
مسألة وسئل مالك عمن حلف لرجل في ذكر حق له عليه بحرية جارية له إن لم يقضه إلى أجل سماه، إلا أن تدخل عليه عرجة في بيع جاريته التي حلف بها، فيؤخر سبعة أيام، فباعها عند الأجل فطلب منه الاستبراء، فقال له مالك: أهذه العرجة التي أردت؟ قال: نعم هذه هي التي أردت إلا أن يدخل علي في بيعها دخل، قال مالك: يحلف بالله الذي لا إله إلا هو، ولا أرى عليه شيئا.
قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أنه لما حلف بحرية جاريته أن يقضيه حقه إلى الأجل، إلا أن تدخل عليه عرجة في بيعها، دل ذلك على أنه إنما أراد أن يقضيه حقه من ثمنها، فلما باعها وطلب منه المشتري الاستبراء، أي المواضعة، كان المعنى في ذلك، أنه أبى أن يدفع إليه الثمن حتى تخرج من المواضعة على ما يوجبه الحكم، فأشبه أن يكون هذا هو الذي خشي الحالف، ولذلك استثنى في يمينه بما استثنى، فلذلك رأى مالك أن يصدق في ذلك مع يمينه، وقد قال غيره: إنما أجيز له هذا إذا باعها لوقت يمكن فيه استبراؤها قبل أن ينقضي الأجل فيطول ذلك بها، فهذا الذي تقبل منه نيته، فأما إن تركها إلى أخر الوقت فلم يدخل عليه دخل هو أدخله على نفسه، ولم يتكلم مالك في الرواية على هذين الوجهين، وإنما تكلم على أنه باعها عند الأجل، ولم يكن بين يمينه وبين بيعه إلا أيام

(14/450)


يسيرة لا يستبرأ في مثلها السبعة الأيام ونحوها- على ما ذكره، وقد مضى توجيه قوله في إيجاب اليمين عليه فيما ادعاه من نيته، وأما إذا باعها لوقت يمكن فيه استبراؤها فيطول ذلك بها، فتقبل منه نيته دون يمين، وإذا حلف وبينه وبين الأجل من المدة ما يستبرأ فيه فترك بيعها- إلى أخر الوقت فطلب منه الاستبراء، فلا يصدق أنه أراد ذلك؛ لأنه أمر أدخله على نفسه، فوجه يصدق فيه مع يمينه، ووجه يصدق فيه دون يمين، ووجه لا يصدق فيه، فهذا تحصيل القول في هذه المسألة، وبالله التوفيق.

[: امرأة وقع لها على جاريتها شيء فقالت كل مملوك لي حر إن عفوت عنك]
ومن كتاب العتق وسئل مالك: عن امرأة وقع لها على جاريتها شيء، فقالت: كل مملوك لي حر- إن عفوت عنك، إلا أن يعفو عنك السلطان، فأرادت بيع رقيقها وتعفو عنه، ولا تبلغ به السلطان، فقال: ليس لها أن تبيع رقيقها في هذا الموضع، إنما حلفت لتبلغن به السلطان فلا أرى بيع رقيقها في هذا الموضع، قال أشهب: وإنما فرق بين الذي يقول كل مملوك لي حر إن ضربتك، وبين الذي يقول: إن عفوت عنك؛ لأن الذي يقول: إن ضربتك فهو على البر- أبدا حتى يضربه؛ لأنه تارك للضرب، فهذا يجوز له بيع رقيقه، وأن الذي يقول: إن عفوت عنك هو على الحنث أبدا حتى يأخذ الغير؛ لأنه تارك لأخذ الغير بأخذه، وذلك أن الذي يقول: إن عفوت عنك هو إن لم أضربك.
قال محمد بن رشد: حمل مالك وأشهب في هذه الرواية يمين

(14/451)


الحالف على المعنى الذي ظهر من قصدها، لا على لفظها؛ لأنها أرادت بقولها: إن عفوت عنك إن لم أرفع أمرك إلى السلطان فيأخذ لي بحقي منك على ما ظهر من قصدها، وهذا يتخرج على قولين؛ لأن المعنى الذي صرف يمينها إليه مظنون ليس بمعلوم- حسبما بيناه في رسم جاع من سماع عيسى من كتاب النذور، ففرق بين يمينها ألا تعفو عنه، ويمينها ألا تضربه، بأن جعل يمينها على ألا تعفو عنه على الحنث؛ لأن المعنى فيه عنده لتضربنه، ومن حلف بعتق عبده ليفعلن فعلا لا يجوز له أن يبيعه حتى يفعل ذلك الفعل، فإن مات قبل أن يفعل عتق في ثلثه، بخلاف من حلف ألا يفعل فعلا، هذا يجوز له أن يبيعه؛ لأنه على بر، فإن باعه لم يكن عليه شيء، فإن اشتراه بعد ذلك، رجعت عليه اليمين؛ لأنه يتهم أنه باع على أن يشتريه منه بشرط لتنحل عنه اليمين، فقد قيل: إنه إذا اشتراه من غير الذي باعه منه، لم ترجع عليه اليمين، وقيل: إنه إذا بيع عليه في الدين، أو اشتراه ممن بيع عليه في الدين، أن اليمين لا ترجع عليه، وهو قول أشهب، ومذهب ابن القاسم أن اليمين ترجع عليه إلا أن يعود (إليه) بميراث؛ لأن التهمة في الميراث مرتفعة على كل حال، وقول أشهب حتى يأخذ الغير، معناه حتى يأخذ جزاء الجناية عليه؛ لأن الغير القود، قال ذلك ابن لبابة، واستدل على ذلك بقول الشاعر:
هلا سكتم فتخفي بعض سوءتكم ... إذ لا يغير في قتلاكم غير
وقال الكسائي: الغير الدية، وجمعه أغيار. وقال أبو عمرو:

(14/452)


الغير جمع الدية وواحده غيرة، وقال أبو عبيد: إنما سميت الدية غيرا؛ لأن القتل وجب فغير بأخذ الدية، وبالله التوفيق.

[: يحلف بالعتق في غلام له ألا يحله من الحديد]
ومن كتاب الأقضية الثالث وقال مالك: ما تقولون في رجل يحلف بالعتق في غلام له ألا يحله من الحديد، ولا يدخل المدينة سنة محددة ونحاه عن المدينة حتى مات على ذلك ولم تمض السنة، فأراد الورثة أن يحلوه من الحديد ويدخلوه المدينة قبل أن تتم السنة، فقال له ابن كنانة: أما هو فقد مات على البر (ولم يحلف ليجرده سنة- عاش أو مات فقد مات على البر) وصار لغيره، فليس عليهم أن يعفوا عن هذا العبد حتى تمضي السنة، فلا يباع، فيقضي دين الميت إن كان عليه دين، أو يقسم على أهل الميراث من ورثته؛ لأنه مات على البر، قال مالك: إنما يخاف على الورثة أن يكونوا في ذلك بمنزلة الميت، أرأيت إن قال: هو حر إن لم أضربه فمات قبل أن يضربه، فقال له ابن كنانة: إن هذا ليس مثله، هذا قد مات حانثا إذ مات قبل أن يضربه، ولو أراد الورثة أن يضربوه بعد الموت، لم يخرجه ذلك عن الحنث، فكما كانوا لا يقدرون على إخراجه في هذا من الحنث؛ لأنه مات على الحنث، فكذلك لا يقدرون على إحناثه بعد موته في هذا الآخر؛ لأنه مات على البر، قال مالك:

(14/453)


أرأيت لو أنه حين مات أمر بضربه؟ فقال (له ابن كنانة: هذا له شيء، أخر فقيل له: لعلك قد قلت فيهما شيئا؟ قال: لا بعد، قال أشهب:) القول قول ابن كنانة في الوجهين جميعا.
قال محمد بن رشد: لا إشكال في أن الذي حلف ألا يحل غلامه من الحديد ولا يدخله المدينة سنة، لا حنث عليه إذا مات قبل السنة؛ لأنه مات على البر، إذ لا يحنث إلا بحله من الحديد قبل السنة، ولا شيء على الورثة في حله من الحديد قبل تمام السنة على ما قاله ابن كنانة، ولم يعترض مالك عليه فيما اعترض عليه به وهو يعتقد خلاف قوله، وإنما أراد بذلك اختبار معرفته، والوقوف على صحة نظره، والله أعلم، وليس في قول ابن كنانة ولم يحلف ليجرده سنة- عاش أو مات، دليل على أنه لو حلف على ذلك لحل الورثة محله، لحنثوا ولزمهم عتقه إن حلوه قبل السنة، إذ لم يرد ذلك، وإنما أراد أنه لو حلف على ذلك، لكانت وصيته له بالعتق على شرط أن يحلوه من الحديد قبل تمام السنة، فإن حلوه منه قبل تمام السنة، خرج حرا من ثلث مال الميت، وهو الذي نحا إليه مالك بقوله: أرأيت لو أنه حين مات أمر بضربه؟ فقال له ابن كنانة: هذا له شأن أخر يريد أنه إن أوصى بذلك، كانت وصية للعبد بالعتق إن حلوه من الحديد قبل تمام السنة، فهذا معنى ما ذهب إليه مالك وابن كنانة، ووجه قولهما فيها، وبالله التوفيق.

[مسألة: يغيب إلى المدينة فيموت بها أيقسم ورثته بمصر ماله إذ علموا موته]
مسألة وسئل: عن الرجل من أهل مصر يغيب إلى المدينة فيموت بها، أيقسم ورثته بمصر ماله إذ علموا موته، أم يؤخرون ذلك حتى يعلموا أتزوج في غيبته أم لا قال: إن شك في أمره لم يقتسم

(14/454)


ورثته ميراثهم حتى يعلموا ذلك، وإن استوقن ولم يشك فيه، قسم ماله بين ورثته.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله: أنه إن شك في أمره لم يقتسم ميراثه حتى يبحث عن حقيقة ذلك، ويرتفع الشك فيه، وإن لم يشك فيه، قسم ميراثه، فهو محمول على أنه لم يتزوج في غيبته حتى يعلم أنه قد تزوج فيها، فيؤخر قسم الميراث حتى تحضر أو توكل أو يقسم لها القاضي ويوقف لها حظها، أو يشك في ذلك، فيؤخر القسمة حتى يبحث عن الحقيقة في ذلك، وبالله التوفيق.

[: وقف على سبيل فحلف بعتق ما يملك إن شرب منه]
ومن الأقضية قال: وسئل عن رجل وقف على سبيل فحلف بعتق ما يملك إن شرب منه (قطرة فأراد أن ينصرف، فدفعه إنسان فيه، فشك أن يكون قد دخل بطنه منه شيء) ، فقال: هو أعلم أدخل بطنه أم لا؟ قال محمد بن رشد: قوله: هو أعلم إن كان دخل حلقه أم لا، يدل على أنه حانث إن هو علم أنه دخل حلقه- وإن كان لم يشرب إلا مكرها بغير اختياره، فهذه الرواية مخالفة للمعلوم في المذهب المنصوص عليه فيه من أن من حلف ألا يفعل فعلا فأكره على فعله لا يحنث، إذ لا فرق إذا حلف ألا يشرب من السبيل بين أن يكره على الشرب منه بالضرب أو التهديد أو يصب

(14/455)


الماء في حلقه، أو يلقى في النهر فيمضي من الماء إلى جوفه، فعلى هذه الرواية لا ينتفع الحالف على ترك الفعل بالإكراه على الفعل إلا أن ينوي ذلك، كالحالف على الفعل يكره على الترك ويحال بينه وبينة، فمن قولهم: أنه لا ينتفع بذلك إلا أن ينوي، إلا أن أمنع أو أغلب، وقد مضى في رسم العرية من سماع عيسى من كتاب الأيمان بالطلاق- وجه الفرق عندهم بين الوجهين، والقياس ألا فرق بين الإكراه على الفعل والترك، فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنه لا ينتفع الحالف بالإكراه على الفعل إذا حلف على ألا يفعل، ولا على الترك إذا حلف أن يفعل، إلا أن ينوي ذلك بقلبه، أو يقوله بلفظه، وهو قوله في هذه الرواية، والقول الثاني وهو المشهور المعلوم في المذهب: أنه ينتفع بالإكراه على الفعل وإن لم تكن له نية، ولا ينتفع بالإكراه على الترك إلا أن تكون له نية، وقد مضى الفرق بينهما في رسم العرية من سماع عيسى من كتاب الأيمان بالطلاق، وفي غير ما موضع منه، والقول الثالث: أنه ينتفع بالإكراه في الوجهين جميعا وإن لم تكن له نية وهو القياس، إذ لا فرق فيه بين الإكراه على الفعل وعلى الترك، وبالله التوفيق.

[مسألة: جاء إلى امرأته بجاريتها يشفع لها فلما رأتها معه قالت أنت حرة]
مسألة وسئل: عن رجل جاء إلى امرأته بجاريتها يشفع لها، فلما رأتها معه، قالت: أنت حرة إن نفعك ممشاه، ولأجلدنك مائة، فجلدتها مائة، فولى الرجل مغضبا فقال: هي حرة من مالي إن دخلت عليك شهرا (فقالت المرأة: هي حرة إن كلمتك شهرا ثم شهرا، ثم ندمت فأرادت أن تهبها له هبة لا ترجع فيها ولا تعود إليها، قال: لا والله ما أرى ذلك، هي إنما تهبها له تفر من يمينها، فلا أرى ذلك، ثم أتى من الغد فقيل له: إن امرأة حلفت بحرية جاريتها- أما كلمت

(14/456)


ابنها شهرا) ثم ندمت، ألها مخرج تهب الجارية لابنها وتكلمه فقال: لا، ما أرى ذلك، ولكن شهر قريب، وأرى أن ينتقل عنها وتكف عن كلامه هذا الشهر، ولا تدخل فيما لا ينبغي لها ولا يصلح.
قال محمد بن رشد: إنما لم ير مالك للتي حلفت بحرية جاريتها ألا تكلم زوجها شهرا- أن تهب له الجارية وتكلمه، ولا للتي حلفت بحرية جاريتها ألا تكلم ابنها شهرا أن تهب له الجارية وتكلمه مخافة الدلسة في ذلك، بأن ترد الجارية إليها بعد انقضاء الشهر، ولو صحت الهبة في ذلك، لم تحنث بتكليمه بعد ذلك، كما لو باعتها من غيره، أو وهبتها لسواه ثم كلمته، لم يكن عليه شيء؛ لأنها يمين هي فيها على بر، فلا تمنع من بيعها ولا من هبتها باتفاق، وقد مضى ذلك في رسم العتق، وقد رأيت لابن دحون في هذه المسألة كلاما لا يصح، فلم أر لذكره وجها، وبالله التوفيق.

[مسألة: يموت زوجها وهي حامل ألها أن تتعجل ثمنها]
مسألة وسئل مالك: عن امرأة يموت زوجها- وهي حامل، ألها أن تتعجل ثمنها؟ قال: لا، حتى تضع حملها.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه لا يعجل الثمن، وإن كان هو الواجب لها- وإن انفش الحمل، قال مالك في المبسوطة: فإن جهلوا ذلك فأعطوها ميراثها تم تلف المال بعد ذلك أو هلك، أو نقص، لم أر أن يرجعوا عليها بشيء مما أعطوها، قال ابن القاسم - مفسرا- لقول مالك: أما من قاسمها فلا يرجع عليها بشيء، وأما الحمل فإنه يرجع على من كان من الورثة

(14/457)


مليئا فيقاسمهم ما في أيديهم ويتبع هو وهم- المعدمين؛ لأنهم فعلوا ما لا يجوز لهم، بخلاف الوارث يطرأ على الورثة بعد أن اقتسموا؛ لأنهم فعلوا ما يجوز لهم، ولو أعطاها الورثة والناظر للحمل ثمنها، أو صالحوها عليه، لجاز ذلك ولم يكن للورثة ولا للحمل رجوع عليها بما تلف من المال أو هلك أو نقص، وقد مضى بيان هذا في رسم مرض وله أم ولد من سماع ابن القاسم من كتاب الدعوى والصلح، وبالله التوفيق.

[: عتق شركا له في عبد فلما أريد أن يقوم عليه قال إنه سارق آبق]
ومن كتاب العتق قال: وسمعته يسأل عمن عتق شركا له في عبد، فلما أريد أن يقوم عليه، قال: إنه سارق آبق- وشريكي يعلم ذلك، فاستحلفوه، قال: ليس ذلك على شريكه، ولكن يسأل شريكه عما ذكر، فإن أقر له بذلك فذلك، وإن أنكر، لم يكن عليه يمين، ويقوم على المعتق صحيحا سليما.
قال محمد بن رشد: مثل هذا حكى ابن حبيب عن ابن القاسم من رواية أصبغ عنه أنه يقوم سليما لا عيب فيه ولا يحلف بدعواه، إلا أن يقيم شاهدا، قال أصبغ: ثم رجع فقال: بل يحلف وبه آخذ، قال القاضي: ولا وجه لإسقاط اليمين عنه إذا حقق عليه الدعوى، إلا أنه لم يجعل شركتهما في العبد خلطة- وعليه اليمين، وقال محمد بن عبد الحكم: عليه اليمين وأي خلطة أبين من هذا؟ وأما إذا لم يحقق عليه الدعوى، فينبغي أن يختلف في إيجاب اليمين عليه على الاختلاف في لحوق يمين التهمة، وإن أقام شاهدا واحدا حلف مع شاهده، وكذلك قال أشهب: إنه إن أقام شاهدا واحدا حلف

(14/458)


معه، وإن نكل حلف، وقول أشهب هو الصواب، وستأتي المسألة متكررة في أول سماع أبي زيد بعد هذا، وبالله التوفيق.

[مسألة: العبد بين الرجلين فيعتق أحدهما حصته منه فلا يقوم عليه حتى يموت]
مسألة وسألته: عن العبد بين الرجلين فيعتق أحدهما حصته منه فلا يقوم عليه حتى يموت، أيقوم عليه في ماله بعد موته؟ فقال: إن كان موته بحداثة العتق لم يطل ذلك ولم يؤخر حتى طال ذلك، رأيت أن يقوم عليه كله في ماله فيعتق عليه كله من رأس ماله لا يكون في الثلث يعتق عليه إذا كان ذلك من موته بحداثة عتقه، لم يطل ذلك ويؤخر.
قال محمد بن رشد: مثل هذا حكى ابن المواز في كتابه عن مالك من رواية أشهب عنه، وهو خلاف معتق بعض عبده ذلك لا تتم باقيه- وإن مات بحدثانه، وهذا حق قد ثبت عليه لشريك ولم يفرط، قال: فإن طال ذلك لم يقوم قي الثلث ولا في رأس مال، وروى مطرف عن مالك في الواضحة مثل رواية أشهب، وشبيهها بالمتمتع بالعمرة إلى الحج يموت ولم يهد، فإن لم يفرط أهدي عليه من رأس المال، قاله ابن الماجشون، وابن عبد الحكم، وأصبغ، وتحصيل هذه المسألة أن تقول فيها: اختلف في الرجل يعتق شقصا من عبده، أو من عبد بينه وبين شريكه في صحته، ثم مرض قبل أن يعتق عليه بقية عبده، أو قبل أن يقوم عليه حظ شريكه، فعثر على ذلك في مرضه- على ثلاثة أقوال؛ أحدها: قول ابن القاسم

(14/459)


في المدونة أنه يعتق عليه بقية عبده ويقوم عليه حظ شريكه في الثلث، قيل: بعد الموت لا في المرض، وقيل: بل يحكم بالتقويم في المرض ولا يقوم حتى يموت، فإن مات أعتق في ثلثه ما بقي من نصيبه، أو ما حمل الثلث منه، وقوم فيه حظ شريكه، أو ما حمل من الثلث منه أيضا، وهو قول أصبغ، والنظر يوجب ألا يعجل تقويم نصيب الشريك في المرض إلا برضاه، إذ لا يدري هل يخرج من الثلث أم لا؟ فمن حجته ألا يقوم نصيبه إلا إلى عتق متيقن، وقيل: إنه يقوم في المرض ولا ينفذ عتقه حتى يموت، فان مات جعلت تلك القيمة في ثلثه، فإن لم يحملها الثلث، نفذ من ذلك ما حمل الثلث، وما لم يحمل الثلث، بقي رقيقا للورثة، أو الشريك الذي لم يعتق، والثاني: قول بعض الرواة في المدونة أنه لا يعتق عليه في الثلث بقية عبده، ولا يقوم عليه حظ شريكه على ما ذكرناه من الاختلاف في تعجيل التقويم أو تأخيره، ولا يعتق عليه فيه بقية عبده، واتفقوا فيما علمت أنه إن لم يعثر على ذلك حتى مات، أنه لا يعتق عليه بعد الموت بقية نصيبه، ولا يقوم عليه حظ شريكه، لا من رأس المال ولا من الثلث فيه حظ شريكه.
والثالث: قول ابن الماجشون في الواضحة إنه يقوم عليه في الثلث- وهو ظاهر ما في المدونة.
والثاني: أنه يقوم عليه بعد الموت حظ شريكه إن كان موته بحدثان عتق نصيبه، وهذا إذا طال ذلك، واختلف- إذا لم يطل- على ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنه لا يعتق عليه أيضا بعد الموت بقية نصيبه ولا يقوم عليه حظ شريكه لا من رأس المال ولا من الثلث؛ لأن ذلك حق قد وجب لشريكه ولا يعتق عليه بقية نصيبه إن كان العبد كله له، وهو قول مالك في رواية أشهب عنه في العتبية، ورواية مطرف، وابن الماجشون عنه في الواضحة.
والثالث: أنه يعتق عليه بعد الموت بقية نصيبه، ويقوم عليه نصيب شريكه إن غامصه الموت، وأما التفليس فلا

(14/460)


خلاف في أنه يسقط التقويم والتتميم، وأما إن أعتق الرجل شقصا من عبده، أومن عبد بينه وبين شريكه في المرض، فلا خلاف بينهم في أن ذلك كله يكون من الثلث ما أعتق منه، وما بقي إن مات من ذلك المرض ولم يصح منه، واختلف في تعجيل التقويم في المرض على قولين؛ أحدهما: أنه لا يعجل التقويم ولا ينظر في ذلك إلا بعد الموت- وهو المنصوص في المدونة.
والثاني: أنه يعجل التقويم في المرض وهو قول قائم من المدونة، وإذا عجل التقويم فيه على هذا القول لم ينفذ العتق حتى يصح أو يموت، فإن صح نفذ ذلك كله من رأس المال، وإن مات جعلت تلك القيمة في الثلث، فنفذ ذلك كله من رأس المال، وإن مات جعلت تلك القيمة في الثلث، فنفذ فيه ما حمل منها وكان الباقي رقيقا للورثة وللشريك وسواه، كان له مال، أو لم يكن، وقد قيل: إن هذا إنما يكون إذا لم يكن له مال مأمون، وأما إن كان له مال مأمون فيعتق عليه في المرض جميعه- إن كان له، ويقوم عليه فيه حظ شريكه- إن كان له فيه شريك، وهو أحد قولي مالك في المدونة، وذهب ابن الماجشون إلى أنه إذا عتق شقصا له من عبد في مرضه، لم يقوم عليه حظ شريكه في المرض، ولا بعد الموت- إن مات من مرضه ذلك ولم يصح، بخلاف إذا كان العبد كله له فأعتق بعضه في مرضه، وبالله التوفيق.

[مسألة: توفي وأوصى في عبد بينه وبين أخر أن مصابتي منه حر]
مسألة قال: وسمعته سأل عمن توفي وأوصى في عبد بينه وبين أخر: أن مصابتي منه حر، وأن يعتق عليه مصابة شريكه، فأبى ذلك شريكه، أترى أن تقوم عليه حصة شريكه، أو يعتق نصيبه وحده؟ فقال: نعم يعتق عليه كله بالقيمة.

(14/461)


قال محمد بن رشد: قد قيل: إنه لا ينفذ وصيته بعتق مصابة شريكه، ولا يقوم عليه إلا برضاه، روي عن سحنون أنه قال: رأيت فيه رواية لابن وهب عن مالك وهي هل أن شريكه إن أبى لا يستتم نصيب شريكه ويعتق نصيبه وحده؟ قال أبو إسحاق التونسي: والأشبه ما روى ابن وهب، ولا أدري من أين أنكرها سحنون - وهو كما قال أبو إسحاق؛ لأن القياس كان إذا أوصى بعتق حظه من العبد أن يقوم عليه بقيته في ثلثه، وإن لم يوص بذلك كما يقوم عليه حظ شريكه في ثلث إذا أعتق نصيبه منه في مرضه، فيتحصل في ذلك ثلاثة أقوال؛ أحدها: أن يقوم عليه في ثلث نصيب شريكه وإن لم يوص بذلك، وهو القياس على قول مالك في الذي يعتق حظه من العبد أن يقوم عليه بقيته في مرضه.
والثاني: أنه لا يقوم عليه، وإن أوصى بذلك، إلا أن يشاء الشريك وهو قول مالك في رواية ابن وهب عنه، وهذان القولان جاريان على قياس.
والثالث: أنه لا يقوم عليه إلا أن يوصي بذلك وهو قول مالك في هذه الرواية استحسانا، وبالله التوفيق.

[مسألة: جارية بين رجلين أعتق أحدهما مصابته منها فلم يقوم عليه حتى ولدت أولادا]
مسألة قال: وسمعته يسأل عن جارية بين رجلين أعتق أحدهما مصابته منها فلم يقوم عليه حتى ولدت أولادا، أتقوم عليه هي وولدها؟ قال: نعم يقومون عليه جميعا، ويعتقون عليه هم وأمهم- إن كان له مال، ورواها ابن القاسم عن مالك في كتاب طلق بن حبيب.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن ولدها بمنزلتها فكما يعتق عليه مصابته من ولدها، فكذلك يقوم عليه مصابة شريكه من ولدها، كما يقوم عليه مصابته منها، وبالله التوفيق.

(14/462)


[مسألة: جارية بين أيتام يليهم رجل وبين أمهم لهم ثلاثة أرباعها ولأمهم ربعها]
مسألة قال: وسمعته يسأل عن جارية بين أيتام يليهم رجل وبين أمهم لهم، ثلاثة أرباعها ولأمهم ربعها، فولدت الجارية غلاما فأرسلت الأم إلى والي الأيتام: إني أريد عتق هذا الصبي، فبادر إليه ولي الأيتام فأعتقه، فلما علمت بذلك أمهم خافت أن يقوم عليه مصابتها فعهدت إلى ربعها فأعتقته وقيمته يوم أعتقته سبعة دنانير، ثم قيمة اليوم مائة دينار، فهل ترى لوليها عتق غلامنا وبأي قيمة يقوم عليه إن جاز عتقه، وأرأيت إن لم يجز عتقه أيخاف أن يقوم على أمنا كله؟ فقال: إن رد عتقه قوم على أمكم كله ولكن لم يرد عتقه، وقد أعتق وهو يغرم قيمته، فقيل له: أفرأيت إن رد أيقوم عليها كله؟ فقال: نعم إن رد عتقه قوم عليها كله ولكن لم يرد عتقه وقد أعتق هو.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة صحيحة على أصولهم؛ لأن من أعتق عبد من إلى نظره جاز عتقه له- إن كان له قال: ولزمته قيمته، فلما أعتق الغلام الذي بين أيتامه وبين أمهم، وجب أن يعتق عليه حظ أيتامه منه بقيمته يوم أعتقه، وأن يقوم عليه حظ أمهم منه، فمنع من ذلك عتقها هي له، فلو لم تعتق هي حظها، لعتق على ولي الأيتام بقيمته يوم يقوم عليه، ولو لم يكن لولي الأيتام مال لما جاز عتقه لحظ أيتامه من العبد، ولوجب أن يرد ويقوم على الأم التي أعتقت حصتها منه بقيته يوم يقوم عليه وقد ذكر ابن المواز هذه المسألة من رواية أشهب عن مالك بمعنى ما قلناه،

(14/463)


فقال: وإن أعتق ولي الأيتام عبدا- لأمهم ربعه، وباقيه لهم، جاز عتقه وغرم القيمة (لها) ولهم، قال محمد: إن كانت قيمته يوم العتق عشرة، وقيمته يوم قيام الأم مائة، أدى قيمة حصة الأيتام على عشرة وأدى للأم على حساب مائة يوم قيامها، وذكر ابن المواز أن أشهب روى عن مالك: أن عتق الأم مملوك ابنهما جائز إذا كان لها مال، قال محمد: وكانت وصية، وبالله التوفيق.

[مسألة: أوصى فقال ثلث غلامي هذا حر]
مسألة قال: وسمعته يسأل عمن أوصى فقال: ثلث غلامي هذا حر، فقال: لا يعتق منه إلا ثلثه، وثلثاه رقيق، فقيل له: لا يعتق كله؟ فقال: لا فقيل: أفرأيت لو قال- وهو صحيح-: ثلثك حر، قال مالك: يعتق عليه كله، ليس عتقه ثلثه في وصيته بمنزلة عتقه ثلثه في الصحة.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة لا أعرف فيها نص خلاف، ويدخل فيها الاختلاف بالمعنى، إذ قد قيل فيمن أعتق شقصا من عبد له: أنه يعتق عليه جميعه بالسراية، فيجب على قياس هذا القول- إذا أوصى بعتق ثلث عبده- أن يعتق جميعه إذا حمله الثلث، أو ما حمل منه، وبالله التوفيق.

[مسألة: جارية خاصمت في عتق ثلثها فخاصمت في ذلك ومرضت شهرين]
مسألة قال: وسمعته يسأل عن جارية خاصمت في عتق ثلثها فخاصمت في ذلك ومرضت شهرين، فثبت ذلك لها، فأرادوا أن يتركوا لها من كل يوم ثلثه، فقال: أما من كل يوم ثلثه فلا، ولكن

(14/464)


ينبغي أن يتركوا لها من كل شهر عشرة أيام، ومن كل ثلاثة أشهر شهرا، فقيل له: أترى عليها خدمة ما مرضت أو خاصمت؟ قال: لا.
قال محمد بن رشد: قد مضى في رسم البز من سماع ابن القاسم نحو هذا في مقدار ما يقتسمون عليه الخدمة، وإنما قال: إنهم ليس لهم أن يتركوا لها من كل يوم ثلثه؛ لأن ذلك من التضييق عليها، ولو دعت هي إلى أن يكون لها من كل يوم ثلثه، لم يكن ذلك لها؛ لأن ذلك من التضييق عليهم أيضا، ولو دعت هي أو هم إلى أن يكون لها من كل ثلاثة أيام يوم، وأراد الآخر منهم أكثر من ذلك، لكان القول قول من أراد منهم أن يكون لها يوم من ثلاثة أيام، فقوله في الرواية: إنهم يتركون لها من كل شهر عشرة أيام، أو من كل ثلاثة أشهر شهرا، معناه إذا اتفقا على ذلك، وأما إذا اختلفا فيه، فالقول قول من أراد منهم أن يكون لها عشرة أيام من كل شهر، فالقول أبدا قول من دعا منهم إلى الأقل، وأن يكون لها شهر من كل ثلاثة أشهر- نهاية ما يجوز، وإن اتفقا على عدد الأيام واختلفا في التبدئة، أسهم بينهم في ذلك.
وقوله: إنه لا شيء عليها لهم فيما مرضت أو خاصمت فيه صحيح؛ لأن المرض مصيبة دخلت عليهما جميعا بقدر حقوقهما، فلا شيء لواحد منهما على صاحبه، والخصام أمر ألجأهما إليه، إذ لو شاءوا لأقروا لها بحقها، فلا شيء لهم عليها (في ذلك) وبالله التوفيق.

[مسألة: العبد الحر بعضه أينتزع منه ماله]
مسألة قال: وسمعته يسأل عن العبد الحر بعضه، أينتزع منه ماله؟ فقال: لا ينتزع ماله من يده، ويمنع من أن يعتق أو يتصدق أو

(14/465)


يسرف، ويأكل ويكتسي بالمعروف، فإذا مات ورثه الذي له فيه الرق.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه شريك في نفسه فليس للذي فيه الرق أن يأخذ من ماله شيئا إلا بإذنه، ولا هو أن يتلف شيئا من ماله إلا بإذنه.

[مسألة: المعتق نصفه أله أن يتجر في أيامه التي له]
مسألة وسمعته: يسأل عن المعتق نصفه أله أن يتجر في أيامه التي له؟ قال: نعم ويطحن ويحمل على رأسه ويعمل ما شاء، فقيل: يتجر ببعض ماله الموقوف بيده التجارة المأمونة، فقال: لا بأس بذلك.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه في حكم المأذون له في التجارة، إذ ليس للذي له فيه الرق أن يحجر عليه في ذلك، وبالله التوفيق.

[مسألة: عبد بين رجلين أعتق أحدهما مصابته منه واستثنى ماله]
مسألة قال: وسألته عن عبد بين رجلين أعتق أحدهما مصابته منه واستثنى ماله، فقال لي: لا أعرف في عتق العبد بين الشريكين استثناء ماله، إنما يجوز ذلك في الرجل الواحد يملك العبد كله فيعتقه ويستثني ماله، فأما إذا كان بين شريكين فأعتق أحدهما مصابته منه واستثنى ماله، فإني لا أرى ذلك له، وأرى أن يقوم عليه بماله.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن استثناء ماله انتزاع له، وهو لا يجوز له أن ينتزع شيئا من ماله من أجل شركته له في نفسه، وبالله التوفيق.

(14/466)


[مسألة: الروم ينزلون بعض أرض الإسلام ثم يخصي بعضهم بعد نزولهم العبد من عبيدهم]
مسألة وسمعته يسأل: عن الروم ينزلون بعض أرض الإسلام ثم يخصي بعضهم بعد نزولهم العبد من عبيدهم، أترى أن يعتق على خاصيه؟ فقال: لم يعتق إنما ينزلون على أنهم آمنون، لا والله ما أرى أن يعتق عليهم، أرى أنهم كأنهم خصوه في بلادهم.
قال محمد بن رشد: هذا صحيح على قياس قول ابن القاسم في سماع سحنون من كتاب الجهاد، ومن كتاب التجارة إلى أرض الحرب في أن المستأمنين في بلاد المسلمين من الحربيين لا ينتزع منهم أسرى المسلمين، ولا عبيدهم المسلمون، ولا يباع عليهم من أسلم من رقيقهم، ويرجعون بذلك كله إن شاءوا خلاف ما ذهب إليه ابن حبيب، وحكى أنه إجماع من مالك وأصحابه، إلا ابن القاسم من أنه بياع عليهم من أسلم من رقيقهم، ويؤخذ منهم من كان عندهم من أسرى المسلمين بقيمتهم، ولا يكون ذلك من الختر بعهودهم، فيأتي ذلك على قياس ما ذهب إليه ابن حبيب في هذا إنهم يعتقون عليهم إذا خصوهم، كما يعتق على المعاهد عبده إذا خصاه- على مذهب من يرى ذلك من أصحاب مالك، وهو قول أشهب في رسم يشتري الدور والمزارع من سماع يحيى بعد هذا، خلاف قول ابن القاسم فيه؛ لأنه حكم لهم فيمن أسلم من رقيقهم بحكم المعاهدين، فكذلك هذا، والله أعلم.

(14/467)


[مسألة: عتق السفيه إذا لم يكن عليه ولاية من أب ولا سلطان]
مسألة قال: وسمعته يسأل على السفيه الذي لا يولى عليه، أيجوز عتقه؟ قال: نعم- لعمري إنه يجوز عتقه إذا كان يلي ماله.
قال محمد بن رشد: أجاز في هذه الرواية عتق السفيه إذا لم يكن عليه ولاية من أب ولا سلطان، وكذلك سائر أفعاله- وإن كان متصل السفه من حين بلوغه معلنا به، هذا ظاهر هذه الرواية، وهو المشهور من قول مالك، وقد روى ابن وهب عنه أن أفعاله لا تجوز، وإن لم يتصل سفهه من حين بلوغه ولا كان معلنا به، هذا ظاهر روايته عنه، وقعت هذه الرواية عنه في المبسوط، وفي كتاب ابن المواز، وفي النكاح من الواضحة - وهو المشهور من مذهب ابن القاسم، وفي المسألة قول ثالث وهو الفرق بين أن يكون معلنا بالسفه من حين البلوغ، أو غير معلن به- وهو قول أصبغ، وقول رابع- وهو الفرق بين أن يتصل سفهه من حين بلوغه أو لا يتصل، فإن اتصل سفهه لم تجز أفعاله، وإن سفه بعد أن أنس منه الرشد جازت أفعاله، وهو قول مطرف وابن الماجشون، وأما المولى عليه، فأفعاله غير جائزة وإن علم رشده، هذا هو المشهور من مذهب مالك، وقد روي عنه أن أفعاله جائزة إذا علم رشده وهو الذي يأتي على رواية ابن وهب عن مالك، وعلى ما في أول رسم من سماع أشهب من كتاب الشهادات في إجازة شهادته، مثل المشهور من قول ابن القاسم، فالمشهور عن مالك الاعتبار بالولاية دون الحال، والمشهور عن ابن القاسم الاعتبار بالحال دون الولاية، وقد روي عن مالك مثل المشهور عن ابن القاسم، وهو ما ذكرناه عنه من رواية ابن وهب، ومن رواية أشهب، وعن ابن القاسم مثل المشهور عن مالك، روى ذلك زونان عنه، وبالله التوفيق.

(14/468)


[مسألة: عتاقة الصغير]
مسألة قال: وسمعته يقول: لا تجوز عتاقة الصغير ولا طلاقه، وإن كان كبيرا مولى عليه، جاز طلاقه- ولم يجز عتقه.
قال محمد بن رشد: أما الصغير فلا اختلاف في أنه لا يجوز طلاقه ولا عتقه، ولا شيء من أفعاله، وأما المولى عليه فقد مضى تحصيل الاختلاف في جواز أفعاله إذا كان معلوما بالرشد، ولا اختلاف في أنه محمول على السفه حتى يعلم رشده، فإذا علم رشد كان في ذلك الاختلاف الذي ذكرناه كما لا اختلاف في الذي لا ولاية عليه من أب ولا سلطان أنه محمول على الرشد على يعلم سفهه، فإذا علم سفهه كان في ذلك الاختلاف الذي ذكرناه في المسألة التي قبل هذه، وبالله التوفيق.

[مسألة: المعتق وهو مولى عليه ثم يلي نفسه]
مسألة قال: وسمعته يسأل عن المعتق وهو مولى عليه ثم يلي نفسه، أترى عليه عتقا؟ قال: لا، إلا أن يتمخى من ذلك، قيل له: أفترى أن يفعل؟ قال: أما الصغير الذي أعتق في حال صغره فلا، وأما الكبير فعسى، وروى محمد بن خالد عن ابن القاسم أنه لا يلزمه العتق، وإن بلغ حال الرضى.
قال محمد بن رشد: أما الصغير فبين أنه ليس عليه إذا بلغ وملك أمر نفسه- أن يتمخى مما أعتق في صغره؛ لأنه لم يكن مكلفا ولا مخاطبا بأحكام الشريعة، ولا ممن توجه إليه قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «رفع القلم عن ثلاث» - فذكر فيهم

(14/469)


الصبي حتى يحتلم، فوجب ألا يلزمه التمخي مما عقده على نفسه من عتقه لعبده (وإنما اختلف) ، إذا حلف بعتق عبده- وهو صغير، فحنث وهو كبير مالك لأمر نفسه، وحكم النصراني في هذا حكم الصغير، وأما الكبير الذي لحقته الولاية لسفهه، فوجب تمخيه مما أعتقه وهو مولى عليه، هو أنه أعرف بنفسه إن كان في الحين الذي أعتق فيه عبده من السفهاء الذين أمر الله ألا يمكنوا من أموالهم، ولا تجوز فيها أفعالهم؛ لقول الله عز وجل: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5] ، فيكون الحكم عليهم بالولاية صحيحا في الباطن، كما هو في الظاهر، فلا يلزمهم العتق، وإن كان على خلاف تلك الحال فيلزمه العتق؛ لأن الحكم الظاهر لا يحل الأمر في الباطن كما هو عليه، وهذا عندي- إذا لم يعلم الولي بعتقه حتى رشد، والعبد في يده، أو علم فأجاز عتقه، إذ ليس له أن يجيزه على ما يأتي في رسم الرهون من سماع عيسى، وأما إذا رده فهو مردود لا يلزمه التمخي منه إذا رشد، ولا يدخل في هذا الاختلاف الذي في المرأة ذات الزوج تعتق عبدها وهو أكثر من ثلث مالها فيرده الزوج ثم يموت عنها أو يطلقها، وهو في يدها؛ لأن التحجير على السفيه (في ماله) أقوى من تحجير الزوج على امرأته فيما زاد على ثلث مالها، واختلف في الصغير يحلف بعتق عبده، وهو صغير ويحنث وهو كبير، وفي المولى عليه يحلف وهو مولى عليه ثم يحنث بعد رشده، وفي العبد يحلف- وهو عبد ثم يحنث وهو حرث، فقيل: إن العتق يجب عليهم كلهم، وهو قول ابن كنانة؛ لأنه قال ذلك في الصغير فهو فيمن سواه ممن ذكرناه معه أحرى، والوجه في ذلك أنه جعل فعله لمن حلف عليه بعتق عبده

(14/470)


ألا يفعله رضى منه بعتقه، وقيل: إنه لا يجب العتق على واحد منهم؛ لأن الإيمان يوم تقع، - وهو قول ابن القاسم في سماع محمد بن خالد، واختلف قول مالك في السفيه يحنث بعد رشده في عتق عبده، فله في رسم يوصي من سماع عيسى أنه لا يعتق عليه، وروى أشهب عنه أنه يعتق عليه، والعبد أشد من السفيه على ما قاله في سماع محمد بن خالد، فيتحصل في جملة المسألة أربعة أقوال؛ أحدها: أن العتق يلزمه فيهم كلهم.
والثاني: أنه لا يجب على واحد منهم.
والثالث: أنه لا يجب إلا على العبد؛ لأنه أشدهم على ما قاله في سماع محمد بن خالد.
والرابع: أنه يجب على العبد وعلى السفيه- إذا رشد، ولا يجب على الصبي، وبالله التوفيق.

[مسألة: عتق المولى عليه المحتلم الذي لا يتهم بسفه]
مسألة قال: وسمعته يسأل عن عتق المولى عليه المحتلم الذي لا يتهم بسفه وهو في ذلك مولى عليه، أيجوز عتقه؟ قال: لا، فقيل له: ماذا؟ قال: لا يجوز عتقه.
قال محمد بن رشد: هذا هو المشهور من قول مالك، وقد مضى تحصيل الاختلاف في ذلك فيما تقدم قبل هذا في هذا الرسم، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

[مسألة: أعتق السفيه المولى عليه أم ولده]
مسألة (قال أشهب:) قلت: لمالك إذا أعتق السفيه المولى عليه أم ولده، جاز عليه عتقها واتبعها مالها؟ قال: نعم يجوز عليه عتقها ويتبعها مالها، وإنما ذلك- عندي- بمنزلة السفيه المولى عليه

(14/471)


يتزوج المرأة بالمال العظيم، ثم يطلقها فيجوز طلاقه عليهما ويكون لها كل ما أمهرها، فكذلك هو إذا أعتق أم ولده- ولها مال ولم يستثنه، عتقت عليه واتبعها مالها.
قال محمد بن رشد: قيل: إن عتق السفيه لأم ولده لا يجوز، بخلاف طلاقه- وهو قول المغيرة، وابن نافع - في كتاب ابن سحنون، خلاف المعلوم من قول مالك وأصحابه في أن عتقه إياها جائز، إذ ليس له فيها إلا الاستمتاع كالزوجة، واختلف هل يتبعها مالها إذا جاز عتقها على ثلاثة أقوال؛ أحدها: قوله في هذه الرواية: أنه يتبعها، إذا لم يستثنه- وإن كان كثيرا.
والثاني: قوله في رسم يشتري الدور من سماع يحيى أنها لا يتبعها مالها- وإن لم يستثنه- قليلا كان أو كثيرا، وقد قيل: إنه يتبعها إن كان يسيرا، ولا يتبعها إن كان كثيرا- وإن لم يستثنه، وهو أظهر الأقوال وأولاها بالصواب- مراعاة لقول من يرى أن العبد لا يملك، وهو قول أكثر أهل العلم، وفي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من باع عبدا وله مال فماله للبائع، إلا أن يشترطه المبتاع» - تعلق للطائفتين، وبالله التوفيق.

[مسألة: قال إن كلمت فلانا إلا وأنا ناس فغلامي حر]
مسألة قال: وسمعته يسأل عمن قال: إن كلمت فلانا- إلا وأنا ناس- فغلامي حر، فلقيه فكلمه ثم زعم، أنه كلمه ناسيا، فقال ذلك إليه إذا اشترط.
قال محمد بن رشد: هذا بين أنه لا يصدق في أنه إنما كلمه

(14/472)


ناسيا، إذ لا يعرف ذلك إلا من قبله، ولو لم يستثن في يمينه إلا وأنا ناس فادعى أنه نوى ذلك بقلبه وعقد عليه يمينه، أو استثناه بلفظ وحرك به لسانه، لم يصدق في ذلك مع قيام البينة عليه ومن أهل العلم- خارج المذهب- من يرى أنه لا يحنث بالنسيان- وإن لم ينو ذلك ولا استثناه؛ لأنه مغلوب بالنسيان، فهو كالمكره، وبدليل قول النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «تجاوز الله لأمتي (عن) الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» وبالله التوفيق.

[مسألة: حلف في أم ولد له بعتق ما يملك إن أخدمها]
مسألة قال: وسئل عن رجل حلف في أم ولد له بعتق ما يملك إن أخدمها، ولا اشترى لها خادما، فقال: إن أعطاها دنانير فاشترت بها لنفسها، لم أر عليه حنثا، قيل له: إنهم يقولون لا يجوز لها أن تشتري إلا بإذنه، فإذا اشترت بغير إذنه فأقر ذلك لها، فقد أخدمها واشترى لها، فقال: لا، وذلك لها تشتري.
قال محمد بن رشد: حمل يمينه في هذه المسألة على اللفظ ولم يراع المعنى، وذلك خلاف قوله في المدونة في الذي يحلف ألا يكسو امرأته فأعطاها دراهم فاشترت بها ثوبا- أنه حانث، وهو خلاف المشهور في المذهب من أن يمين الحالف إذا لم تكن له نية، تحمل على المعني، وما يدل عليه البساط، ومثل ما في رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم من كتاب التخيير والتمليك، ومثل ما في سماع سحنون من كتاب الأيمان بالطلاق في مسألة البالوعة، والذي يأتي في هذه المسألة على ما في المدونة

(14/473)


أنه حانث ولا ينوي إذا ادعى أنه إنما أراد ألا يخدمها خادما وألا يشتريها هو لها، وبالله التوفيق.

[مسألة: حلف بعتق ما يملك في أرض له إن أكراها فلانا العام]
مسألة وسئل: عمن حلف بعتق ما يملك في أرض له إن أكراها فلانا العام، فوجد وكيلا له قد أكراها ذلك الرجل، فأبى أن يمضي ذلك، فهل له من يمينه مخرج إن أكراها أخا له؟ فقال: أما- والله- رجل يريد أن يدخله فيها، فلا أرى ذلك يخرجه من يمينه، أو يتكاراها أخوه- وهو شريك له في المال، ولكن لو خاصموه حتى يقضى عليه.
قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أن الحالف لما وجد وكيله قد أكرى الأرض من المحلوف عليه قبل يمينه، خشي إن سلمها له أن يطالب باليمين فلا، يجد من يشهد له على كراء الوكيل إياها منه- قبل يمينه فيعتق عليه عبيده، فأبى أن يمضيها له مخافة ذلك، وسأله هل له مخرج في أن تصير الأرض إلى المحلوف عليه بالكراء، ولا يحنث بأن يكريها من أخيه أو من شريكه، فلم ير له مخرجا في أن يكريها ممن يظن به أنه يريد أن يدخله فيها، وأرى له مخرجا في تصييرها إليه بأن يخاصمه فيما يدعي من كراء وكيله إياها منه قبل يمينه حتى يقضي عليه فيسلم من الحنث، وإن لم يقض عليه إلا بإقراره له بما ادعاه عليه من أن وكيله أكراه إياها قبل يمينه، إذ لا اختلاف في أنه لا حنث عليه- إذا حلف- وهو لا يعلم كراء وكيله

(14/474)


إياها على معنى ما يأتي في رسم سلف من سماع عيسى بعد هذا من هذا الكتاب، وفي رسم العرية من سماع عيسى من كتاب النذور، ولو حلف ألا يكريها منه وهو عالم بكراء وكيله إياها منه، لكان بمنزلة الذي يحلف ألا يبيع السلعة بعد أن باعها، وقد مضى الكلام على ذلك مستوفى في سماع سحنون، ونوازل أصبغ من كتاب الأيمان بالطلاق، فأغنى ذلك عن إعادته، وبالله التوفيق.

[مسألة: باع رجلا بيعا فسأله أن يضع عنه فحلف بالعتق ألا يفعل فيقضيه حقه كله]
مسألة وسئل: عمن باع رجلا بيعا، فسأله أن يضع عنه، فحلف بالعتق ألا يفعل فيقضيه حقه كله، فإذا قبضه قال له: إن رأيت أن تهب لي شيئا فافعل، أيجوز له أن يهب له؟ قال: لا.
قال محمد بن رشد: هذا مثل ما تقدم من قوله في رسم طلق ابن حبيب من سماع ابن القاسم، وقد مضى الكلام على ذلك هنالك، فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق.

[مسألة: يحلف بعتق جاريته ليضربنها]
مسألة وسئل: عن الذي يحلف بعتق جاريته ليضربنها، أترى أن يضربها في قدميها ويوجعها؟ قال: لا أرى ذلك يخرجه من يمينه، يقول الله تعالى: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] ، وقال تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] ، يذهب هذا يضربها في قدميها، ما أرى ذلك له.

(14/475)


قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إنه لا يبر إلا بالمعنى الذي قصد إليه (وهذا لم يقصد إليه) إذ لم تجر العادة أن يضرب الرجل عبده ولا أمته في قدميه، وإنما ذلك من فعل المؤدبين لصبيانهم، فلو حلف المؤدب على ضرب صبي، لم يضربه في قدميه، ولو حلف الرجل ألا يضرب أمته فضربها في قدميها لحنث بذلك؛ لأن الحنث يدخل بأقل الوجوه، والبر لا يكون إلا بأكمل الوجوه.

[مسألة: يحلف بعتق جاريته ليضربنها]
مسألة قيل له: أرأيت الذي يحلف بعتق جاريته ليضربنها، فقال: إن كان حلف ليضربنها ضربا لا ينبغي له، فأرى أن يمنع من ضربها وتعتق عليه.
قال محمد بن رشد: مثل هذا في المدونة وغيرها أنه إن حلف على ما يجوز له من الضرب، لم يحل بينه وبين ضربه، وإن حلف على ما لا يجوز له منه، لم يمكن من ضربه وأعتق عليه، وقال في المدونة في الذي يحلف ليجلدن غلامه مائة سوط: أن العبد يوقف ولا يبيعه حتى ينظر أيجلده أم لا؟ ومعناه إذا كان ذلك لجرم اجترمه يستوجب به مثل ذلك الأدب، وما يحلف عليه الرجل من ضرب عبده أو أمته بحريته، ينقسم على ثلاثة أقسام: يسير كالعشرة الأسواط ونحوها، وكثير كالثلاثمائة ونحوها (وما هو أكثر منها) وما بين ذلك، فأما اليسير مثل العشرة الأسواط ونحوها، فإنه يمكن من ذلك ويصدق في أنه قد أذنب ما يستوجب به ذلك من الأدب، وقد

(14/476)


قال ابن أبي زيد: إنه يمكن من ذلك ولا يعتق عليه- وإن كان لغير ذنب أحدثه وهو بعيد، وأما الكثير كالثلاثمائة ونحوها، وما هو أكثر منها، فإنه لا يمكن من ذلك ويعتق عليه، وأما ما بين ذلك ففيه اجتهاد الإمام، والذي أراه فيه أنه إن حلف بحريته على مثل الثلاثين سوطا أو نحوها، يمكن من البر ولم يعتق عليه إذا زعم أن ذلك لذنب استوجبه، فإن كان من أهل الخير والدين، صدق في ذلك دون يمين، وإن كان مجهول الحال، صدق في ذلك مع يمينه، ومنع من بيعه حتى يبر بضربه، فإن لم يضربه حتى مات عتق في ثلثه، وإن كان مسخوطا غير مؤتمن، كلف إقامة البينة على ذلك، ولم يمكن من ضربه وأوجر عليه حتى يموت فأعتق في ثلثه، فإن حلف على مثل المائة سوط ونحوها، فإن كان من أهل الخير والدين والفضل المستبين، صدق في الجرم الذي زعم أنه استوجب به ذلك مع يمينه، وإن لم يكن على هذه الصفة، كلف إقامة البينة على ذلك، فإن عجز عن ذلك، لم يمكن من ضربه، وأوجر عليه حتى يموت فيعتق في ثلثه، وبالله التوفيق.

[مسألة: قال جاريتي حرة إن دخلت الدار إلى شهر]
مسألة وسمعته: يسأل فقيل له: إني أعطيت لجارية امرأتي مالا عظيما، فلما خشيت أن أبيعها قالت: هي حرة إن بعتها عشر سنين، وقد فسدت عليها الجارية فساد سوء وخبثت، فهل ترى في ذلك مخرجا؟ فقال: لا إلا أن تعتقها أو تهبها لمن لا تريد منه ثوابا، فقيل له بعد ذلك: إنما حلفت بحرية جاريتها إن باعتها عشر سنين ثم ندمت، فأرادت بيعها، فلزوجها أن يرد هذه اليمين عليها إذا لم يكن لها مال غيرها؟ فقال: لا والله.

(14/477)


قال محمد بن رشد: قد مضى الكلام على قوله إلا أن تعتقها أو تهبها لمن لا تريد منه ثوابا في رسم البز من سماع ابن القاسم، ورسم الأقضية الثاني من سماع أشهب، ورأيت لابن دحون في هذه المسألة كلاما غير صحيح، قال: جواز هبتها الجارية إنما يجوز على قول ابن القاسم، فأما على قياس مذهب مالك فلا يجوز، وإن كانت على بر في يمينها، فاليمين إلى أجل، ومذهب مالك أن من قال: جاريتي حرة إن دخلت الدار إلى شهر، أنه لا يبيع ولا يهب؛ لأنها معلقة بيمين إلى أجل، فهو حق للمملوكة، تقول: لا أباع ولا أوهب، لعل الحالفة تحنث في الأجل، وابن القاسم يرى أن بيعها وهبتها جائزة، كما لو كانت اليمين إلى غير أجل، وقوله: غلط بين لا اختلاف بينهم في أن الحالف بحرية عبده ألا يفعل فعلا هو على بر، وله أن يبيع- سمى أجلا أو لم يسمه، وإن الحالف بحريته ليفعلن فعلا هو على حنث وليس له أن يبيع- سمى أجلا أو لم يسم، وإنما يفترق الأجل من غير الأجل في الوطء إن كانت أمة، فليس له أن يطأ إن كانت اليمين إلى غير أجل، وله أن يطأ إن كانت إلى أجل على اختلاف في ذلك من قول مالك في المدونة، ومن قول ابن القاسم أيضا، فقوله ومذهب مالك أن من قال جاريتي حرة- إن دخلت الدار إلى شهر، أنه لا يبيع ولا يهب؛ لأنها معلقة بيمين إلى أجل- خطأ، وإنما قال ذلك مالك فيمن قال جاريتي حرة إن لم أدخل الدار- إلى شهر، وهذا بين، وليس أحد بمعصوم من الغلط وأما قوله في التي حلفت بحرية جاريتها إن باعتها عشر سنين، أنه ليس لزوجها أن يرد هذه اليمين، فمعناه ليس له أن يرد اليمين قبل حنثها، فأما إذا حنثت فيها بالبيع، فله أن يرد العتق كله، إذ لا مال لها غيرها، وتعود رقيقا ولا ترجع اليمين عليها لأنها قد حنثت، ورد الزوج العتق فهو ملك جديد قاله ابن دحون وهو

(14/478)


صحيح، وكذلك لو حلف بحريتها إن لم تبعها عشر سنين، ليس له أن يرد يمينها إلا أن تحنث، وكذلك لو حلفت بحريتها ألا تبيعها أبدا، ليس له أن يرد يمينها إلا أن تحنث، وأما لو حلفت أن تبيعها، فقالت: هي حرة إن لم أبعها فليس له أن يرد يمينها في حال؛ لأنها لا تحنث- إن حنثت- إلا بعد الموت، فتعتق في ثلثها، وبالله التوفيق.

[مسألة: ذات زوج قالت كل مملوك لي حر إن خرجت من هذا المنزل]
مسألة قال: وسمعته يسأل عن ذات زوج قالت: كل مملوك لي حر- إن خرجت من هذا المنزل، وقال زوجها: كل مملوك لي حر- إن لم تخرجي ورقيقها نصف مالها، قال: تبيع رقيقها في السوق ولا ترجع إليهم، ولا تبيعهم من أهلها.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن له أن يخرجها ويحنثها إذ من حقه أن يسكن بها حيث شاء، فإذا أخرجها بعد أن باعت رقيقها لم يلزمها شيء، فإن اشترتهم قبل أن يخرجها، رجعت عليها اليمين، وكذلك إن وهبوا لها إلا أن يرجعوا إليها بميراث- على ما قاله في المدونة وغيرها وإن رجعوا إليها بشراء أو هبة بعد أن أخرجها لم يلزمها فيهم شيء، إلا أن تكون باعتهم على أن يردوا عليها بعد أن يخرجها فرارا من اليمين فيعتقون عليها، ولخوف الدلسة في ذلك بهذا، فقال: إنما تبيعهم في السوق ولا تبيعهم من أهلها، وبالله التوفيق.

[مسألة: عليه رقبة واجبة أيجزئ عنه أن يبتاع بعض أقاربه يعتقه]
مسألة قال: وسألته عمن عليه رقبة واجبة، أيجزئ عنه أن يبتاع بعض أقاربه يعتقه مكان رقبة عليه؟ فقال لي: ما كان من أقاربه يعتق

(14/479)


عليه إذا ملكه فلا يجزئ عنه؛ لأنه لا يقدر على ملكه، فكيف يجزئ عنه؟ لا يجزئ عنه إلا، من يجوز له أن يملكه ملكا تاما، وهذا لا يقدر أن يملكه حتى يعتق عليه، فمن كان يعتق عليه من أقاربه إذا ملكه، فلا يجزئ عنه في الرقاب الواجبة، وتقول: إن الذي يعتق عليه من أقاربه فلا يجوز له ملكه- الولد والوالد والأخ والأخوات والجد والجدات من قبل الأم والأب، وولد البنات، وولد البنين، ومن كان من أقاربه- إذا ملكه لم يعتق عليه، وجاز له ملكه إياه، فلا بأس أن يشتريه فيعتقه برقبة عليه واجبة، وذلك يجزئ عنه إذا ملكه لم يعتق عليه، مثل عمه وعمته وابن عمه وخاله وما أشبههم، فإنه إذا ملكهم لم يعتقوا عليه، فعتقهم يجزئ عنه في الرقاب الواجبة.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة لا اختلاف فيها في المذهب، إلا ما يروى عن ابن وهب من أنه قال: يعتق على الرجل ذوو رحمه - وهم السبعة الذين ذكرهم الله عز وجل في كتابه وهو شذوذ في المذهب، فمذهب مالك الذي عليه جماعة أصحابه- حاشا ابن وهب - أن الذين يعتقون على الرجل إذا ملكهم بلفظ وحيزهم ذوو المحارم من الآباء وإن علوا، والأبناء وإن سفلوا، والأخوة والأخوات ما كانوا، فيدخل في هذا أولاد البنات والأجداد من قبل الأم، والجدات الأربع، ويجمع هذا أنه يعتق على الرجل كل من له عليه ولادة ومن أهل العلم من ذهب إلى أنه يعتق على

(14/480)


الرجل ذوو رحمه المحرم كلهم- على ما روي عن النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - من رواية ابن عمر أنه قال: «من ملك ذا رحم محرم عتق عليه» وروي ذلك عن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود، ولا مخالف لهما من الصحابة؟ وهو مذهب أبي حنيفة والثوري وأكثر أهل العراق، ومذهب الليث بن سعد، وأبي سلمة بن عبد الرحمن وابن وهب - من أصحاب مالك على ما ذكرناه، وذهب الشافعي إلى أنه لا يعتق على الرجل إلا الأب وإن علا، والابن وإن سفل- وهو ظاهر قول ابن كنانة في سماع أبي زيد من كتاب الولاء، وبالله التوفيق.

[مسألة: الخصي أيجوز في الرقاب الواجبة]
مسألة قال: وسمعته يسأل عن الخصي أيجوز في الرقاب الواجبة؟ قال: نعم في رأيي هو رجل من المسلمين، وسمعته يسأل عن الأعرج أيجوز في الرقاب الواجبة؟ قال: نعم في رأيي هذا أعرج، والآخر أعور، وسمعته يسأل عن عتق المقعد أيجزئ في الرقاب الواجبة؟ قال: لا أحب ذلك ولا الأعمى أيضا، وقد سمعت أن رجلا قال للحسن البصري: أيجوز ولد الزنى في الرقاب الواجبة؟ فقال: لله الصفاء والخيار، فقيل لمالك: أتستحسن هذا؟ فقال: والله إني لأستحسنه، قال عز وجل: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267]

(14/481)


يعمد الرجل إذا أراد أن يعتق أعتق هذا العبد، وإذا أراد أن يتصدق تصدق بهذا الطعام.
قال محمد بن رشد: أما الخصي فأجازه في هذه الرواية في الرقاب الواجبة، وكرهه في المدونة ولم يجزه في رسم لم يدرك من سماع عيسى بعد هذا، والأظهر إجازته اعتبارا بالضحايا، وأما الأعرج فأجازه في هذه الرواية، واختلف قوله فيه في المدونة، واختلاف قوله يرجع إلى أنه إن كان عرجا خفيفا أجزأ، وإن كان عرجا فاحشا لم يجز على ما حكى ابن القاسم أنه سمع منه وهو الذي في رسم لم يدرك من سماع عيسى المذكور، أما المقعد والأعمى، فلا اختلاف في أنه لا يجزئ، وإنما اختلفوا في الأعور، فأجازه في هذه الرواية، وفي المدونة، ولم يجزه ابن الماجشون في كتاب ابن شعبان اعتبارا بالضحايا، وأما ولد الزنى فعتقه جائز في الكفارات بإجماع من مالك وأصحابه، ولم يقل الحسن أنه لا يجزئ، وإنما قال: لله الصفاء، والخيار، بمعنى أنه ينبغي أن يتخير لله أنفس العبيد، وأعلاهم ثمنا، ولا يقصد إلى أدناهم مرتبة، وأقلهم ثمنا، كما قال عروة بن الزبير - لبنيه: يا بني لا يهد أحدكم لله من البدن ما يستحيي أن يهديه لكريمه، فإن الله أكرم الكرماء، وأحق من اختير له، وما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من رواية أبي هريرة قال في ولد الزنى: «هو شر الثلاثة» إنما قاله في رجل بعينه- لمعنى كان فيه، وذلك أنه كان يؤذي النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فقال فيه: «أما إنه مع مائة ولد زنى هو أشر الثلاثة» روي عن عائشة أنها قالت لما بلغها ما تحدث به أبو هريرة في هذا عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يرحم الله أبا

(14/482)


هريرة، أساء سمعا فأساء إجابة، لم يكن الحديث على هذا، إنما كان رجل يؤذي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكرت المعنى الذي ذكرته في ذلك، وما روي من أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يدخل الجنة ولد زنى» معناه الذي يكثر منه الزنا حتى ينتسب إليه لتحققه به، كما يقال للمتحققين بالدنيا العاملين لها أبناء الدنيا، ويقال للمسافر ابن السبيل، ومن مثل هذا كثير، وعلى هذا يتأول ما روي من أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سئل عن عتق ولد الزنى فقال: لا خير فيه، نعلان يعان بهما، أحب إلي من عتق ولد الزنى» .
وقد قيل لابن عمر: يقولون ولد الزنا شر الثلاثة، فقال بل هو خير الثلاثة قد أعتق عمر عبيدا من أولاد الزنا، ولو كان خبيثا ما فعل، وإنما قال ابن عمر فيه: إنه خير الثلاثة من أجل أنه لا يؤاخذ بما اقترفه أبواه من الزنى، لقول الله عز وجل: {أَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [النجم: 38] ، {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: 39] ، فهو خير الثلاثة لا شرهم إذا لم يعمل شرا.
وقال ربيعة: إني لا أجد شأنه في الإسلام تاما، ولا يجزئ في الرقاب مجنون ولا مجذوم ولا أشل، ولا يابس الشق، ولا مقطوع الإبهام، ولا مقطوع الإصبعين، واختلف في مقطوع الإصبع الواحدة، فقال ابن القاسم: لا يجزئ، وقال غيره: يجزئ واختلف أيضا في الأصم، فقال ابن القاسم عن مالك: إنه لا يجزئ وقال ابن القاسم في المقطوع الأذنين على

(14/483)


قياس قوله: إنه لا يجزئ، وقد روي عن ابن القاسم في الأصم أنه لا يجزئ، واختلف في ذلك قول أشهب، واختلف في الأبرص أيضا فلم يجزه ابن القاسم في المدونة، وأجازه غيره فيها إذا لم يكن مرضا، ولا يجزئ من فيه عقد عتق من مدبر أو مكاتب أو أم ولد، أو معتق إلى أجل، وما أشبه ذلك، وبالله التوفيق.

[مسألة: أوصى أن يعتق عنه رقاب]
مسألة قال: وسمعته يقول: لا تشتر الرقبة الواجبة بشرط العتق، قيل: أرأيت من أوصى أن يعتق عنه رقاب؟ قال: لا، إلا ما كان من الوصايا في الرقاب الواجبة.
قال محمد بن رشد: فإن اشتراها بشرط، لم يجز- قاله في المدونة وغيرها؛ لأنها بعض رقبة من أجل أن البائع وضع من الثمن بسبب العتق، وبالله التوفيق.

[مسألة: أيعتق الجد عن ابنة ابنته إذا ملكته]
مسألة وسمعته يسأل: أيعتق الجد عن ابنة ابنته إذا ملكته؟ قال: نعم.
قال محمد بن رشد: قد مضى مثل هذا فوق هذا، ولا خلاف فيه بين أحد من أهل العلم- أعلمه، وبالله التوفيق.

[مسألة: أيملك الرجل أخته وأمه من الرضاعة]
مسألة وسمعته يسأل: أيملك الرجل أخته وأمه من الرضاعة؟ فقال: نعم في رأيي وغير ذلك خير، قيل له: ولا يعتقان عليه؟ قال: نعم.

(14/484)


قال محمد بن رشد: هذا أيضا صحيح بين لا اختلاف فيه، وبالله التوفيق.

[مسألة: أوصت في جارية لها حامل بأنها حرة وما في بطنها مملوك]
مسألة قال: وسمعته يسأل: عن امرأة أوصت في جارية لها حامل بأنها حرة وما في بطنها مملوك، ثم توفيت المرأة ووضعت الجارية ما في بطنها بعد وفاة سيدتها، فقال الورثة: أنت حرة وما في بطنك مملوك على ما أوصت به المرأة، فقالت الجارية: لا، بل ولدي بمنزلتي حر معي بحريتي، فقال: قد صدقت الجارية، هي حرة وولدها الذي ولدت إذا كانت إنما وضعت بعد وفاة سيدتها، فالولد حر مع أمه، لا تعتق جارية- وجنينها مملوك، فقيل له: إنها قد استثنت الولد في عتقها الجارية، فقال: إن هذا الاستثناء لا يجوز، لا تعتق الجارية وجنينها مملوك إذا كانت إنما وضعت بعد أن وجب ذلك لها بعد موت سيدتها.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه - أعلمه- في المذهب؛ لأن الجنين لما كان لا يجوز بيعه لم يجز استثناؤه في البيع ولا في العتق، ولا اختلاف فيه أعلمه- في المذهب، ويلزم على قياس قول من أجاز البيع في الجارية واستثناء ما في بطنها، وجعل الولد مبقى على ملك البائع غير مبيع، وهو مذهب الأوزاعي والحسن بن حيي، وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، وداود بن علي، وروي ذلك عن عبد الله بن عمر أنه يجوز عتق الجارية واستثناء ما في بطنها إذ هو في العتق أبين، وبالله التوفيق.

(14/485)


[مسألة: قال عند موته مسلمو رقيقي أحرار]
مسألة قال أشهب في رجل قال عند موته: مسلمو رقيقي أحرار، فلما مات الرجل ادعى رقيقه كلهم أنهم مسلمون، وادعى ولد الميت إنهم كلهم نصارى، وليست ثم بينة تعرف من كان مسلما، ولا من كان منهم نصرانيا، على من تكون البينة؟ أعلى الورثة إنهم نصارى، أو على العبيد أن يأتوا بالبينة أنهم كانوا مسلمين حتى مات سيدهم؟ وإن كانوا كلهم مسلمين ولم يسعهم الثلث، كيف يصنع بهم؟ قال أشهب: البينة على الورثة إنهم نصارى، إذا ادعى العبيد أنهم مسلمون، ولو قال الميت: نصارى رقيقي أحرار، فادعوا أنهم نصارى، وقال الورثة: بل هم مسلمون، فعلى الورثة البينة أنهم مسلمون، وفي سماع عبد الرحمن بن أشرس عن مالك مثله.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن من ادعى خلاف ما قال الميت فهو المدعي، وقد أحكمت السنة أن البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر؟ إلا أنه لا يمين هاهنا على المنكر؛ لأن العتق قد وجب له بكونه على الدين الذي قال الميت أن يعتق من كان عليه، فعلى من أراد أن يرقه البينة، فإن لم تكن له بينة، لم يكن على المدعى عليها الرق يمين، إذ لا يمين على من ادعي عليه أنه عبد، وبالله التوفيق.

[مسألة: هلك وترك امرأة حاملا وترك أولادا]
مسألة وسألته: عن رجل هلك وترك امرأة حاملا، وترك أولادا، كيف يصنع في ميراثه؟ فقال: يوقف الميراث ولا يقسم منه شيء حتى تضع المرأة، قيل له: فإن قالت الورثة: نحن نجعل الحمل ذكرا ونعزل له

(14/486)


ميراثه، فقال: ليس ذلك لهم.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال، إن الواجب أن يوقف الميراث ولا يقسم حتى يوضع الحمل، فإن عزلوا للحمل ميراثه- على أنه ذكر، وقسموا بقية الميراث، لم يكن لهم رجوع على ما وقفوه للحمل إن نقص ما في أيديهم أو هلك، وإن تلف ما وقفوه للحمل رجع عليهم إن وجدهم أملياء، وإن كان بعضهم أملياء وبعضهم عدماء، رجع على الأملياء فقاسمهم فيما وجده في أيديهم، واتبع عدماء وهو وهم، كالغريم يطرأ على الورثة، لا كالوارث يطرأ على الورثة؛ لأنهم تعدوا فيما صنعوا من اقتسامهم بقية التركة، ولو لم يتلف ما وقفوا للحمل وكان قد نما ما في أيديهم، لكان له الرجوع في ذلك؛ لأن قسمتهم لا تجوز، ولو نما ما وقفوه للحمل، وكان لهم في ذلك حق؛ لأنهم قد رضوا بما أخذوا، فالقسمة تجوز عليهم، ولا تجوز عليه، ولو كان للحمل ناظر فقسم عليه، جازت القسمة لهم وعليهم، وبالله التوفيق.

[مسألة: هلك وترك أبويه وامرأته حاملا فأراد أبواه أن يتعجلا ميراثهما]
مسألة وسئل: عن رجل هلك وترك أبويه وامرأته حاملا فأراد أبواه أن يتعجلا ميراثهما؛ لأنهما يرثان الثلث على كل حال، قال: ليس ذلك لهما.
قال محمد بن رشد: إنما يرثان الثلث على كل حال إذا كان ترك ولدا، وأما إن لم يترك ولدا، فيرثان الثلث إن وضعت المرأة ولدا حيا (أو ابنة حية) وأما إن وضعته ميتا، فيرثان ثلاثة أرباع المال بينهما- على الثلث والثلثين، وللزوجة الربع، فالواجب أن يوقف الميراث حتى تضع المرأة على

(14/487)


كل حال، فإن كان ترك الميت ولدا وجعلوا الحمل ذكرا وعزلوا له الميراث، واقتسموا ما بقي، كان قياسها والحكم فيها على ما تقدم في المسألة التي قبلها، وبالله التوفيق.

[مسألة: عبد أعتقه رجل وامرأة فكان إذا سئل مولى من أنت فقال مولى فلان]
مسألة قال: وسمعته يسأل عن عبد أعتقه رجل وامرأة، فكان إذا سئل مولى: من أنت؟ فقال: مولى فلان، ولا ينتسب إلى المرأة، قال: ينتسب إليهما جميعا فيقول مولى فلان وفلانة.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال كان من الحق عليه أن يقر بالولاء لكل واحد منهما؛ لأنه نسب يجب به الميراث عند عدم النسب، كما يجب بالنسب، وبالله التوفيق.

[مسألة: أسلم فتسمى باسم إسحاق وأبوه نصراني]
مسألة وسمعته يسأل: عن رجل أسلم فتسمى باسم إسحاق، وأبوه نصراني، فإذا قيل له: من أنت؟ قال: أنا إسحاق بن عبد الله، قال: ترك ذلك أحب إلي.
قال محمد بن رشد: أما تسميته إذا أسلم باسم من أسماء الإسلام، فلا كراهة في ذلك، وإنما الذي كره له الألغاز في قوله: إنه ابن عبد الله، فيظن السامع له أنه ابن رجل من المسلمين، فينحو ذلك إلى الكذب، فلذلك كرهه، فقال: تركه أحب إلي، وقد مضى مثل هذا في رسم البز ورسم نذر سنة من سماع ابن القاسم، وقد قيل: إن الألغاز في مثل هذا مما لا

(14/488)


يقصد به مكرا ولا خديعة جائز، وإلى هذا ذهب ابن حبيب، وقد مضى في أول سماع أشهب من كتاب الأيمان بالطلاق حكم اللغز في اليمين، وما يجوز منه مما لا يجوز، وفي سماع أبي زيد أيضا من كتاب النذور، وبالله التوفيق.

[مسألة: قال لعبده أنت سائبة أنه يحكم عليه بحريته]
مسألة وقال مالك: الأمر المجتمع عليه عندنا في السائبة أنه حر وولاؤه للمسلمين هم يرثونه ويعقلون عنه.
قال محمد بن رشد: هذا من قول مالك يدل على أنه من قال لعبده: أنت سائبة، أنه يحكم عليه بحريته، ولا يصدق إن قال: لم أرد به الحرية، إلا أن يكون قوله قد خرج على سبب يدل على أنه لم يرد به الحرية، مثل قول أصبغ من رأيه في رسم البيوع الثاني من سماعه خلاف روايته عن ابن القاسم فيه: أنه لا يكون حرا إلا أن يريد بذلك الحرية، أو يقول له: اذهب فأنت حر وأنت سائبة وبالله التوفيق.

[مسألة: أعتق سائبة إنه بمنزلة من أعتق عن جماعة المسلمين]
مسألة وسألته: عمن أعتق سائبة، أليس هو عندك بمنزلة من أعتق عن جماعة المسلمين، فولاؤه لهم، وميراثه لهم، وعقله عليهم، فقال لي: بل هو عندي بمنزلة من أعتق عن جماعة المسلمين، فولاؤه لهم، وميراثه لهم، وعقله عليهم.
قال محمد بن رشد: قوله فيمن أعتق سائبة: إنه بمنزلة من أعتق عن جماعة المسلمين، يدل على أنه إكراه عنده في عتق السائبة مثل قول أصبغ في رسم البيوع الثاني من سماعه، خلاف روايته فيه عن ابن القاسم في كراهة ذلك، لما فيه من هبة الولاء، فإن وقع جاز ومضى، وكان الولاء للمسلمين،

(14/489)


وحكى ابن حبيب في الواضحة عن ابن نافع مثل قول ابن القاسم، وعن ابن الماجشون: إن عتق السائبة لا يجوز لأحد أن يفعله، فإن فعله كان الولاء له، إن عرف، وإن جهل، فالولاء لجميع المسلمين، وعقله عليهم، وقول ابن الماجشون أظهر، لقول النبي- عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الولاء لمن أعتق؛» لأن الولاء إنما كان له من أجل أن نوجب العتق لا من أجل أنه ولي إعتاقه، ولا من أجل أنه كان له) بدليل إجماعهم أن من أعتق عبده عن غيره، يكون الولاء للمعتق عنه، وأن من ولى عتق عبد رجل، يكون الولاء لصاحب العبد، فلما كان ثواب عتق السائبة للذي أعتقه سائبة، وجب أن يكون الولاء له، ففي عتق السائبة على ما بيناه ثلاثة أقوال: الجواز، وهو قول مالك في هذه الرواية، وقول أصبغ في سماعه بعد هذا، والكراهة- وهو قول ابن القاسم، والمنع وهو قول ابن الماجشون في الواضحة، وقول ابن نافع في المبسوطة، وبالله التوفيق.

[مسألة: مات النصراني الذي أعتقه المسلم]
مسألة وقال لي المخزومي: إذا مات النصراني الذي أعتقه المسلم، فإنه لا يرثه مولاه أبدا، وإنما ميراثه لولده وإخوته إن لم يكن له ولد، وبني عمه إن لم يكن له ولد ولا إخوة، فإن لم يكن له أحد من الناس ممن أخذ ميراثه من النصراني، ولم يعرض له فيهم؛ لأنهم لا يكلفون في أصل دينهم البينة، ولو كلفوا البينة على ذلك، لم يأتوا إلا بمن على دينهم، ونحن لا نجيز شهادة غير

(14/490)


العدول من المسلمين، فكيف نجيزه من النصارى ممن أراده منهم: وقال: أن نتوارث وأهل ديننا هكذا لم يحل بينهم وبينه، وإن كان الذي أعتقه مسلما فإن أسلموه، ولم يطلبه منهم طالب، أدخلناه بيت مال المسلمين معزولا، لا يكون فيئا حتى يرثه الله، أو يأتي طالب.
قال محمد بن رشد: حكم المخزومي في هذه الرواية في ميراث النصراني يعتقه المسلم بحكم ميراث الذمي على ما وقع لمالك في المبسوطة من أن الذمي إذا مات ولا وارث له لم يعرض لماله؛ لأنهم قد عوهدوا على أن لا يعرض لأموالهم.
قال مالك: لا أرى أن يؤخذ مال الذمي الذي يموت ولا يدع إرثا، وقد فرق بينهما، واختلف في كل واحد منهما اختلافا كثيرا، فالذي يتحصل في ميراث النصراني يعتقه المسلم ثلاثة أقوال؛ أحدها: قول المخزومي هذا: أن ميراثه لأهل دينه لا يعرض لهم فيه، وإن لم يكن له ورثة.
والثاني: أن ميراثه لورثته من أهل دينه على ما يقوله أساقفتهم، فإن لم يكن له وارث من أهل دينه كان لجماعة المسلمين يجعل في بيت مالهم قياسا على الذمي يموت، أن ماله يكون لورثته من أهل دينه، فإن لم يكن له ورثة، كان ميراثه لجميع المسلمين.
والثالث: أن ميراثه لجماعة المسلمين دون ورثته من أهل دينه، وهو نص قول محمد بن مسلمة المخزومي في المبسوطة، ومذهب ابن القاسم فيما يتناول عليه إلا أن تكون له قرابة من عتاقة

(14/491)


المسلمين، فيكونون أحق بميراثه من جماعة المسلمين على ما قاله ابن كنانة في سماع أبي زيد من كتاب الولاء والرابع: أن ميراثه لمولاه المسلم المعتق له، قاله عبد الله بن نافع في المبسوطة، وهو بعيد، لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يرث الكافر المسلم، ولا المسلم الكافر» والذي يتحصل في ميراث الذمي من أهل الجزية ثلاثة أقوال؛ أحدها: أن ميراثه لأهل دينه لا يعرض لهم فيه- وإن لم يكن له ورثة، وهو قول مالك في المبسوطة، وقول المخزومي؛ لأنه إذا قال ذلك في النصراني الذي يعتقه المسلم، فأحرى أن يقوله في الذمي من أهل الجزية.
والثاني: أن ميراثه لورثته من أهل دينه، فإن لم يكن له ورثة من أهل دينه، فميراثه للمسلمين وهو قول ابن حبيب.
والثالث: الفرق بين أن تكون الجزية مجملة عليهم أو على جماعتهم، وهو قول ابن القاسم، وبالله التوفيق.

[مسألة: عبد كانت تحته حرة فولدت منه غلاما]
مسألة قال: وأخبرني ابن وهب أنه سمع مالكا يسأل عن عبد كانت تحته حرة فولدت منه غلاما، فكبر فصار رجلا، ثم اشترى أباه فعتق عليه، أترى ولاء أبيه يرجع إلى ولاء ابنه؟ فإن ناسا شكوا في ذلك وقالوا: ما نراه، إلا كالسائبة، فقال: ولاؤه لموالي ابنه ينتقل ذلك إليهم، وإنما جر ابنه إليهم ما يجره غيره، ولو اشتراه فأراهم مواليه، يرجع ولاء الأب والابن إليهم.
قال محمد بن رشد: وقع في بعض الأمهات ولاؤه لموالي أم ابنه وهو صواب؛ لأن موالي ابنه هم موالي أم ابنه؛ لأن ولاء ولد الحرة من

(14/492)


العبد لموالي الأم، قال سحنون في كتاب ابنه: وهذا قول جميع أصحابنا، إلا ابن دينار، فإنه قال: هو كالسائبة، وولاؤه للمسلمين، والذي قاله مالك وتابعه عليه جمهور أصحابه من أن ولاء أبيه يرجع إلى موالي ابنه هو الصحيح؛ لأن من اشترى من يعتق عليه، فولاؤه له، فإذا اشترى هذا الرجل أباه فعتق عليه كان ولاؤه له وانجر إلى مواليه وهم موالي أمه؟ وإن مات الأب بعد أن مات ابنه ولم يترك ولدا ولا عصبة، وترك مولاه الذي أعتق أمه، كان ميراث الأب له، ولو كان هذا الذي اشترى أباه فعتق عليه معتقا، لجر ولاءه إلى مولاه الذي أعتقه، ولوجب إن مات الأب بعد أن مات ابنه ولم يترك ولدا ولا عصبة وترك مولاه الذي أعتقه، أن يكون ميراث الأب لموالي الابن الذي أعتقه؛ لأن الرجل يرث بالولاء من أعتق من أعتقه (وولد من أعتق من أعتقه) ومولى من أعتق من أعتقه، ووجه ما ذهب إليه ابن دينار أنه لما كان الابن لا يرث أباه بالولاء، وإن أعتق عليه من أجل أن النسب مقدم على الولاء، لم ير أن يجره إلى مواليه وليس بصحيح، وبالله التوفيق.

[مسألة: عبد له امرأة حرة فولدت له أولادا فمرض مرضا شديدا فأعتقه سيده غدوة]
مسألة قال: وأخبرني ابن وهب أنه سمعه يسأل عن عبد له امرأة حرة فولدت له أولادا فمرض مرضا شديدا فأعتقه سيده غدوة، ومات العبد عشية، لمن ولاء ولده من الحرة؟ فقال: ولاء ولده منها للذي أعتق أباهم إذا أعتقه وهو حي قبل أن يموت، فذلك أبين لشأنه أن يكون الولاء لسيده الذي أعتقه، ويرثه ورثته الأحرار، فقيل لي: إنه أعتقه عند موته، فقال له هو كما قيل لك إن ولاء ولده لموالي أبيهم الذي كان أعتقه دون موالي أمه إذا كان أعتقه، وهو حي.

(14/493)


قال محمد بن رشد: هذا كما قال إنه إذا أعتقه وهو حي قبل أن يموت وإن كان في حال اليأس من الحياة، فإنه يكون له بذلك ولاء ولده من الحرة، ويكون أحق بميراثه من موالي أمه؛ لأنه لو كان حرا فمات له وارث وهو في حال اليأس من شدة المرض لورثه، ولو أعتقه وهو مجروح منفوذ المقاتل قبل أن يموت، لتخرج ذلك على قولين، وبالله التوفيق.

(14/494)