البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة

 [: كتاب العتق الثالث] [: يبدأ الدين فيؤدى وينظر إلى ثلث ما بقي]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما
كتاب العتق الثالث
ومن كتاب أوله باع شاة وسألته: عن رجل حضرته الوفاة فدعا موالي له كان كاتبهم فقال: إني قد كنت حنثت فيكم بعتق قبل أن أكاتبكم فما أخذت منكم فهو في مالي فخذوه، وعليه دين للناس، وقد كان أخذ منهم عرضا من إبل أو غنم ورقيق فتناسل ذلك، وهو معروف.
قال ابن القاسم: يبدأ الدين فيؤدى وينظر إلى ثلث ما بقي، فإن كان ثلثه يحمل ما لهم، الذي أخذ منهم، دفع ذلك إليهم، أو ما حمل ثلثه من ذلك، وما أقر به أنه قد كان حنث فيهم فذلك باطل لا يعتقون عليه بذلك، ويقال لهم: أدوا ما بقي عليكم من الكتابة فإن أدوا عتقوا وإلا رقوا.
قال محمد بن رشد: قوله، فيما أقر في مرضه الذي مات منه أنه أخذه من مواليه في كتابتهم بعد أن كان حنث بعتقهم: إن ذلك يكون في ثلثه - معناه: إذا كان يورث بكلالة إذ لو كان يورث بولده لجاز ذلك من رأس ماله، على ما في المدونة وغيرها، وهو مثل أحد قولي ابن القاسم في كتاب المكاتب من المدونة خلاف المشهور من أن ذلك يبطل ولا يكون في رأس المال ولا في الثلث، إذ لم يرد به الثلث، وكان يلزم على قياس قوله أن يعتق الموالي أيضا من الثلث لإقراره أنهم أحرار بما حنث فيه من عتقهم.

(15/5)


فقوله في هذه المسألة متناقض، إذ فرق بين عتقهم وما أخذوه منهم في كتابتهم، فقال: إن العتق يبطل، وما أخذه منهم في الكتابة يكون في ثلثه.
وقد قيل: إن ذلك ليس بتناقض، وإنه إنما قال فيما قبض من الكتابة: إنها تكون من الثلث؛ لقوله: فخذوه؛ لأن ذلك بمنزلة أن لو قال في العبيد: فأنفذوا ذلك لهم، إذ لو قال ذلك لعتقوا في الثلث، على ما زاده ابن حبيب عن ابن القاسم من رواية أصبغ عنه في هذه المسألة، وعلى ما مضى في رسم أمهات الأولاد من سماع عيسى من كتاب الوصايا، وليس ذلك بصحيح؛ لأن قوله لرقيقه في المال: خذوه لأنه لكم - لا يشبه قوله لورثته في الرقيق: أنفذوا لهم الحرية، فالتناقض في المسألة ظاهر، وبالله التوفيق.

[مسألة: قال رأس من رقيقي حر إن شفاني الله فشفاه الله]
مسألة قال ابن القاسم: من شهد عليه بعتق كان منه في الصحة لم يكن يستطيع أن يخرج منه حتى يوقفه على من أحب من رقيقه، مثل أن يشهد عليه أنه قال: رأس من رقيقي حر إن شفاني الله أو قدم أبي، فشفاه الله أو قدم أبوه، وأثبتته البينة في الصحة فإن ذلك يقال له أوقع على من أحببت، فإن فعل كان ذلك له، وإن لم يفعل حتى مات جرى العتق في جميع رقيقه، إن كانوا ثلاثة أعتق أثلاثهم، وإن كانوا أربعة أعتق أرباعهم.
ومن شهد عليه أنه أعتق رأسا من رقيقه سماه فنسيه الشهود فجحد أو لم يجحد حتى مات فلا عتق لمن بقي.
وإن قال قد أعتقت جارية من جواري وتزوجتها وشهد عليه بذلك ولم يسمها وجهلوا أن يسألوه حتى مات وهو صحيح كان بمنزلة

(15/6)


من قال: رأس من رقيقي حر، وجرت الحرية في عددهم على حال ما سميت لك.
قلت: أرأيت لو أن رجاله ثلاثة أرؤس فأقر عند موته أن أحدهم حر ونسوا أن يسألوه من هو حتى مات، أكانوا يرقون كلهم؟ قال: بل يعتق منهم أثلاثهم، وكذلك الذي أقر أنه أعتق جارية من جواريه وتزوجها فجهل الشهود أن يسألوه: من هي؟ فالعتق يجري فيهن على ما فسرت لك ولا ميراث لواحدة منهن، ولو أن أولئك الجواري هلك بعضهن وبقي بعض فلم يعلم الذي أعتق أهي فيمن مات أو فيمن بقي رأيت ألا يعتق من البواقي إلا ما يعتق منهن لو كن أحياء إن كن عشرا فمات خمس عتقت من الخمس أعشارهن، كما يعتق منهن لو كن أحياء، لأنا حين لم ندر أهي فيمن هلك أو فيمن بقي؟ لم يحمل على الورثة أكثر من الذي يصيبهم أن لو كانوا أحياء وهو عشر القيمة، قال: ولو كان باع بعضهم وبقي بعض ردت العتاقة فيمن بقي إن كانوا عشرة فباع خمسة وبقي خمسة عتق ممن بقي خمس كل واحدة منهن؛ لأنه قد علمنا حين باعهم أن العتاقة فيمن بقي.
قلت: فلو أن الرقيق قالوا لواحد منهم: هذا هو الذي أعتق سيدنا، وقد أعلمنا بهم - لم يعتق بقولهم ولم يقبل واتهموا في أن يدفعوا عن أنفسهم الضرر، ضرر العتق.
قال محمد بن رشد: لا اختلاف أحفظه في أن من قال رأس من رقيقي حر، يسأل: هل أراد واحدا منهم بعينه أم لا؟ ويصدق فيما قاله من ذلك، قيل: بيمين، وهو قول ابن القاسم في سماع محمد بن خالد بعد هذا، قاله إذا قال: لم أرد واحدا منهم بعينه، وقيل: بغير يمين، قاله في المدونة، إذا قال: أردت

(15/7)


فلانا منهم، ولا فرق بين الموضعين، والاختلاف في هذا على اختلافهم في لحوق يمين التهمة.
ولا أعرف نص خلاف في أن له أن يعتق ما شاء منهم إذا قال لم أرد واحدا منهم بعينه، فلو أراد على هذا القول أن يسهم بينهم تحريا للعدل بينهم فيعتق من خرج سهمه لكان ذلك له، ولو أبى أن يعتق واحدا منهم لوجب أن يعتق الإمام عليه أحدهم بالقرعة ولو قال لما سئل أردت واحدا منهم بعينه فنسيت من هو منهم لوجب على قياس قولهم أن يعتقوا عليه كلهم؛ إذ لا يجوز له أن يسترقهم وأحدهم حر، ولو أعتق هو أحدهم لم يعتق عليه الباقون منهم إلا على الاختلاف في القضاء على الرجل بعتق ما شك فيه من عتق عبيده، والقولان في العتق الأول من المدونة.
وأما إذا مات قبل أن يختار فاختلف قول ابن القاسم في ذلك على ثلاثة أقوال:
أحدها: قوله في هذه الرواية: إن العتق يجري فيهم كلهم بالسوية إن كانوا ثلاثة عتق ثلث كل واحد منهم، أو كانوا أربعة عتق ربع كل واحد منهم، وإن كانوا أكثر من ذلك أو أقل فعلى هذا.
والثاني: أنه يعتق واحد منهم بالسهم يريد من غير أن يعتبر في ذلك ما يقع الواحد من جميعهم، وهو قوله في سماع عيسى أيضا على ما حكى عنه سحنون في رسم الصلاة من سماع يحيى.
والثالث: قوله في سماع محمد بن خالد، وفي رسم الصبرة من سماع يحيى: إن الورثة منزلون منزلة الميت في الاختيار.
وفي المسألة قول رابع: وهو قول مالك الذي حكى سحنون في سماع محمد بن خالد أنه بلغه عنه، أنه يعتق ثلثهم بالسهم إن كانوا ثلاثة، أو ربعهم إن كانوا أربعة، فقد يعتق منهم على هذا القول أقل من عبد وأكثر من عبد مثل أن يكونوا ثلاثة أعبد قيمة أحدهم مائة وقيمة الثاني مائتان وقيمة الثالث ثلاثمائة، لأنه إن خرج السهم على الذي قيمته مائتان عتق جميعه لا أكثر، لأن قيمته ثلث قيمتهم ثلاثتهم، وإن خرج السهم على الذي قيمته ثلاثمائة عتق منه ثلثاه، وإن خرج السهم على الذي

(15/8)


قيمته مائة عتق جميعه وأعيد السهم ثانية على الباقين، فإن خرج السهم على الذي قيمته مائتان عتق منه نصفه، وإن خرج على الذي قيمته ثلاثمائة عتق منه ثلثه.
وفي المسألة قول خامس: وهو قول سحنون في رسم الصلاة من سماع يحيى: أنه إن اتفق الورثة على اختيار واحد كان لهم ذلك، وإن اختلفوا أقرع بينهم، فأعتق واحد منهم، على ما رواه عيسى في أحد الروايتين عنه.
وفيها أيضا قول سادس: وهو قول سحنون في سماع محمد بن خالد: أنه إن اتفق الورثة على اختيار واحد كان ذلك لهم، وإن اختلفوا أقرع بينهم فأعتق ثلثهم بالسهم إن كانوا ثلاثة، أو ربعهم إن كانوا أربعة على ما حكى أنه بلغه عن مالك.
وجه القول الأول: أن العتق لما كان أصله في الصحة ومات المعتق الذي كان له الخيار ولم تصح القرعة في ذلك؛ لأن السنة إنما جاءت فيها في الذي أعتق عند موته - وجب أن يجري العتق في جميعهم، إذ لا مزية لواحد منهم في العتق على صاحبه.
ووجه القول الثاني: أن تنفيذ العتق لما كان بعد الموت أشبه الوصية فجازت في ذلك القرعة، فوجب أن يعتق واحد منهم بها، قلت قيمته أو كثرت، إذ قد علم أن الميت إنما أعتق عبدا واحدا منهم.
ووجه القول الثالث: أن التخيير في عتقهم حق كان للميت فوجب أن يرثه ورثته عنه.
ووجه القول الرابع: أن تنفيذ العتق لما كان بعد الموت وأثبتته الوصية وجازت في ذلك القرعة - وجب أن يعتق بها ثلثهم إن كانوا ثلاثة أو ربعهم إن كانوا أربعة، إذ لا يدري هل أراد الميت أقلهم قيمة أو أكثرهم، فكان العدل في ذلك أوسط القيم باعتبار عددهم، فعلى هذا القول لو أوصى رجل بعتق رأس من رقيقه لعتق ثلثهم بالسهم إن كانوا ثلاثة أو ربعهم إن كانوا أربعة، وعلى القول الثاني يعتق واحد منهم بالسهم، قلت قيمته أو كثرت.

(15/9)


والمغيرة يقول، فيمن أوصى بعتق رأس من عبيده: إن العتق يجري في جميعهم؛ لأنه لا يرى القرعة بحال، فقوله في ذلك مضارع لقول أهل العراق.
وأما قولا سحنون فهما جميعا استحسان، إذ لا يخرج فيما اختاره في كل قول منهما عما تقدم من الاختلاف الذي قد مضى توجيهه.
والذي يأتي على قياس القول بأن الورثة ينزلون منزلة الميت في الاختيار إذا اختلفوا في ذلك أن يعتق على كل واحد منهم حضه من العبد الذي اختاره.
ولو قال الرجل في صحته: أنصاف رقيقي أو أثلاثهم أو أرباعهم أحرار - عتق جميعهم عليه.
ولو بتل في مرضه الذي مات منه عتق أنصافهم أو أثلاثهم قوم باقيهم في ثلثه إن حمل ذلك ثلثه أو ما حمل منه، ولو أوصى بذلك لم يعتق منهم إلا ما عتق، وأما إذا قال: ثلث رقيقي أحرار أو نصفهم أو ربعهم - فيعتق ثلثهم أو ربعهم أو نصفهم بالسهم، كان ذلك في الصحة أو في المرض أو في الوصية بعد الموت، غير أن ذلك إن كان في الصحة فخرجت القرعة على عبد قيمته أكثر من ذلك الجزء عتق عليه جميعه، إذ لا يصح التبعيض في عتق الصحيح، وكذلك إن خرجت القرعة على عبد قيمته أقل من ذلك الجزء ثم خرجت بعده على عبد قيمته أكثر من ذلك الجزء يعتق جميعه.
وقد قيل: إن قوله: نصف رقيقي أو ثلثهم أو ربعهم - بمنزلة قوله: أنصافهم أو أثلاثهم أو أرباعهم، حكاه ابن حبيب عن أصبغ.
وأما قوله في الرواية في الذي شهد عليه أنه أعتق رأسا من رقيقه سماه فنسيه الشهود فجحد أو لم يجحد حتى مات: إنه لا عتق لمن بقي - معناه: أنه لا عتق لمن بقي منهم إن مات بعضهم، ولا لواحد منهم إن لم يمت أحد، فهو المشهور أن الشهادة تبطل، وقد قيل: إنها تجوز، وهو الذي يأتي على ما في

(15/10)


أصل الأسدية من كتاب الأيمان بالطلاق من المدونة الذي طلق إحدى امرأتيه ولم يدر أيتهما المطلقة من أن الشهود شكوا فلم يعرفوا أيتهما المطلقة أن كانت التي دخل بها أو التي لم يدخل، ومثله في رسم سلف من سماع عيسى من كتاب الوصايا، وقد مضى القول على ذلك هنالك وفى رسم يشتري الدور والمزارع من سماع يحيى منه مستوفى، وهو قول ابن وهب أيضا في سماع أصبغ من كتاب الصدقات والهبات، فهذا وجه القول فيما أشكل من هذه المسألة وسائرها بين لا وجه للقول فيه، وبالله التوفيق.

[مسألة: حلف أن يبيع عبده إلى شهر فباعه بيعا فاسدا قبل الشهر]
مسألة وسألته: عن رجل حلف في عبد له بحريته أن يبيعه إلى شهر فباعه قبل شهر بيعا فاسدا فمضى الشهر ثم رد عليه أو مات، فهل يحنث؟ أو باعه فوجد به عيب، علمه أو لم يعلمه فرد عليه هل يحنث؟ قال ابن القاسم: أما العيب الذي رد عليه وقد فات الأجل فهو حانث، علم أو لم يعلم بالعيب، فهو بمنزلة من حلف على جارية بحريتها أن يبيعها فوجدها حاملا أنها تعتق، وأما البيع الفاسد فإنه إن فات الأجل وهو على حاله أو لم يتغير بنماء أو نقصان حتى يكون قد فات الرد فيه رأيته يرد ويعتق عليه، وإن كان قد فات قبل الأجل لم أر عليه شيئا ورأيته رقيقا، لأن الأجل لم يفت حتى ضمنه المشتري فلذلك لم يعتق عليه.
قال محمد بن رشد: أما الذي حلف أن يبيع عبده إلى شهر فباعه بيعا فاسدا قبل الشهر، فقوله: إنه إن مات قبل الأجل فقد بر وإن مضى الأجل وهو على حاله فقد حنث، سواء رد عليه أو فات بعد الأجل، لا أعرف نص خلاف إلا أن الخلاف يدخل فيه بالمعنى من مسألة الذي يبيع عبده بيعا فاسدا قبل يوم الفطر فيمضي يوم الفطر وهو بيد المشتري ثم يرده عليه بعد يوم الفطر أو لا يرده

(15/11)


عليه لفواته عنده قبل يوم الفطر أو بعده، إذ قد قيل: إن فطرته على المشتري، وإن رد على البائع بعد يوم الفطر؛ لأنه لو تلف عنده لكانت مصيبته منه، وهو قول ابن القاسم، فيأتي على قياس قوله هذا أن يبر بالبيع الفاسد، وإن رد عليه بعد أن قبضه المشتري، وهو قول أشهب في سماع أصبغ من كتاب النذور: إن الحالف ليقضين رجلا حقه يبر بالقضاء الفاسد وإن نقض ورد، وقيل أيضا: إن فطرته على المشتري إن لم يرد على البائع وإن كان لم يفت عنده إلا بعد يوم الفطر؛ لأنه إذا لم يرد على البائع فكأنه لم يزل ملكا للمشتري من يوم قبضه، وهو قول ابن الماجشون، فعلى قياس قوله يبر البائع بالبيع الفاسد إذا فات بيد المشتري وإن لم يفت عنده إلا بعد الأجل.
وتفرقة ابن القاسم في هذه الرواية بين أن يفوت العبد عند المشتري قبل الأجل أو بعده هو أظهر الأقوال وأولاها بالصواب، لأن البر لا ينبغي أن يكون إلا بأكمل الوجوه، وعلى القول بأن البيع الفاسد لا ينتقل به الملك ويكون المصيبة فيه من البائع وإن تلف بيد المشتري وهو قول ابن القاسم في سماع أبي زيد من كتاب جامع البيوع في بعض الروايات لا يبر الحالف بالبيع الفاسد على حال، وهو قول رابع في المسألة.
وأما إذا حلف أن لا يبيعه فإنه يحنث بالبيع الفاسد على ما يأتي له في رسم المدبر والعتق من سماع أصبغ قولا واحدا، لأن الحنث يدخل بأقل الوجوه إلا على القول بأن البيع الفاسد لا ينتقل به الملك.
وأما قوله في الذي حلف أن يبيع عبده إلى أجل ثم رد عليه بعيب بعد الأجل: إنه حانث، فهو على قياس القول بأن الرد بالعيب نقض بيع بدليل استشهاده بمسألة أم الولد، وهو خلاف المشهور من قوله: لأن المشهور من قوله أنه ابتداء بيع، فعلى قوله المشهور لا يحنث إذا رد عليه بعيب بعد الأجل أو قبله؛ لأنه لو اشتراه قبل الأجل لم يعتق عليه عنده، وقع ذلك من قوله في المدنية من رواية عيسى عنه، وقال: إن من قال خلاف هذا فقد أخطأ،

(15/12)


وللمغيرة في المدنية: أن من حلف بحرية عبده ليبيعنه إلى أجل فباعه قبل الأجل - أنه يحنث إن ألفاه الأجل عنده، ومن قول ابن القاسم في المدونة وغيرها أن من حلف بحرية عبده أن لا يفعل فعلا فباعه ثم اشتراه أو وهب له أن اليمين ترجع عليه ويحنث بحريته إن فعل ذلك الفعل، إلا أن يعود إليه بميراث.
ووجه ذلك: أنه يتهم على إسقاط اليمين عن نفسه ببيعه إياه ليرد عليه، فعلى قياس هذا يجب أن يحنث إذا رجع إليه قبل الأجل إلا أن يرجع إليه بميراث.
فيتحصل على هذا في المسألة ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه يحنث بمضي الأجل إن اشتراه قبل الأجل أو رد عليه، وهو قول المغيرة في المدنية، والذي يأتي على قول ابن القاسم في المدونة.
والثاني: أنه لا يحنث في الوجهين جميعا، وهو على قياس القول بأن الرد بالعيب ابتداء بيع، وعلى أنه لا يحنث بالشراء.
والثالث: الفرق بين أن يشتريه أو يرد عليه بالعيب، وهو على قياس القول بأن الرد بالعيب نقض بيع، وهذا كله إذا لم يعلم بالعيب، وأما إذا علم به فلا اختلاف في أنه لا يبر إذا رد عليه قبل الأجل أو بعده؛ لأنه يتهم على أنه إنما باعه وهو عالم بالعيب ليرد عليه، وبالله التوفيق.

[مسألة: يحلف في جاريته بالحرية أن يتخذها أم ولد فيبيعها]
مسألة وسألته: عن الرجل يحلف في جاريته بالحرية أن يتخذها أم ولد فيبيعها، هل يحنث فيها حين باعها أو يرد ذلك البيع، وتكون عنده موقوفة بحالها؟ أو قال، وهي في ملكه: والله لا أتخذها أبدا، هل تعتق عليه ساعة حلف بذلك أو لا تعتق عليه أبدا حتى يموت؟
قال ابن القاسم: أرى أن ترد وتكون في ملكه حتى يبر أو يموت فتعتق في ثلثه، وكذلك قال مالك فيمن حلف في رقيقه بحريتهم على أمر أن يفعله ثم باعهم: إنه يرد بيعهم ويوقفوا في يديه حتى يبر أو يموت فيعتقوا في ثلثه.

(15/13)


قلت: فإن فلس سيدهم قبل أن يبر وقد حلف بحريتهم قبل الدين أو بعده يباعوا في الدين؟ قال ابن القاسم: يباعوا في الدين للغرماء كانت يمينه فيهم قبل الدين أو بعده، وليس هم بمنزلة المدبر؛ لأنه هو إن أراد أن يبر بر وسقطت عنه اليمين، وأن المدبر ليس له أمر يبر فيهم.
قال محمد بن رشد: قوله: أرى أن ترد وتكون في ملكه حتى يبر أو يموت فتعتق في ثلثه، هو مثل ما في المدونة من قوله وروايته عن مالك، خلاف قول ابن دينار فيها: إنه إذا رد البيع فيها أعتقت على البائع، قال: لأنه لا ينقض صفقة مسلم إلى رق، وإنما ينقض إلى عتق، وقد ذهب بعض الشيوخ إلى أن ما وقع من قول مالك في رسم العتق بعد هذا هو مثل قول ابن دينار في المدونة، وليس ذلك بصحيح على ما سنذكره إذا وصلنا إليه إن شاء الله.
وقوله: إنهم يباعون في الدين كانت يمينه فيهم قبل الدين أو بعده وأنهم ليسوا بمنزلة المدبرين صحيح للعلة التي ذكرها، وقد ذهب بعض الناس إلى أنه يعارض ذلك ما وقع في أول رسم المدبر والعتق من سماع أصبغ بعد هذا: أن هذه اليمين التي تكون فيها على حنث أقوى من المدبرة، لأن المدبرة توطأ وهذه لا توطأ وليس ذلك ببين، لأنه إنما أراد أنها أقوى منها في أن ولدها يدخلون معها، وليست بأقوى منها في ذلك، بل هي أضعف، إذ قد اختلف في دخول ولدها معها في اليمين حسبما مضى القول فيه في رسم بع ولا نقصان عليك، ولم يختلف في دخول ولد المدبرة معها في التدبير، ورأيت لابن دحون أنه قال في هذه المسألة: ولو اشتراهم بعد بيع السلطان عليه للغرماء لرجعت اليمين عليه؛ لأنهم بيعوا وهو على حنث.
فأما قوله: إن اليمين ترجع عليه فهو صحيح، وأما تعليله ذلك بقوله: لأنهم بيعوا وهو على حنث، فليس بصحيح، لأن اليمين ترجع عليه على مذهبه، وإن كان على بر، فهو نص قوله في المدونة، خلاف قول غيره فيها، وبالله التوفيق.

(15/14)


[مسألة: يحلف أن لا يبيع سلعة فتغصب منه فيجدها قد نقصت]
مسألة وسألت ابن القاسم عن الرجل يحلف بحرية عبده أن لا يبيعه فيغتصبه منه إنسان فينقص عنده، فهل له أن يأخذ قيمته؟ قال: إن كان الذي نقصه أمر جاءه من الله وأخذ قيمته فقد حنث، لأنه كان مخيرا على الغاصب، إما أن يأخذه بعينه ولا شيء عليه في العيب، وبين أن يسلمه ويأخذ قيمته، فإذا أسلمه وأخذ قيمته كان بائعا له، ولو أصابه غيره فأخذ له أرشا أو لم يأخذ له فأسلمه كان حانثا إذا رضي بالقيمة من غاصبه، ولو أنه أخذه وأخذ ما أخذ الغاصب في جرحه أو اتبع الجارح بما جنى على عبده لم يكن عليه شيء، فقد قال ابن القاسم في رسم القطعان في الرجل يحلف أن لا يبيع سلعة فتغصب منه فيجدها قد نقصت، قال: إن كان نقصانا يسيرا فأخذ قيمتها حنث، وإن كان نقصانا فاحشا يكون الثلث فأكثر فأخذ له ثمنا فلا شيء عليه، وقال أيضا في كتاب المكاتب: إن كانت السلعة قائمة فهو حانث، وإن كانت قد فاتت فأخذ قيمتها أو سلعة مثلها فلا حنث عليه.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة في رسم القطعان من سماع عيسى من كتاب النذور، وقلنا فيها هنالك: إن الذي يتحصل من هذه الروايات ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه لا يحنث بأخذ القيمة منه إذا فاتت عنده فواتا يوجب له تضمين القيمة إياه، يسيرا كان النقصان أو كثيرا، بأي وجه كان، وهو الذي في كتاب المكاتب.
والثاني: أنه يحنث بأخذ القيمة منه فيها، وإن فاتت ووجب له تضمين القيمة إياه، يسيرا كان النقصان أو كثيرا، بأي وجه كان، وهو الذي في هذا الرسم.
والثالث: أنه يحنث بأخذ القيمة منه فيها، إن كان النقصان يسيرا، ولا يحنث إن كان النقصان كثيرا أكثر من الثلث.

(15/15)


ووجه القول الأول أن ذلك ليس ببيع لأن البيع إنما يكون برضا المتبايعين، والغاصب مجبور على أخذ القيمة منه.
ووجه القول الثاني: أن ذلك بيع من أجل أنه مخير بين أن يأخذ سلعته ويضمنه ما نقص يسيرا كان النقصان أو كثيرا وبين أن يسلمها إليه ويأخذ منه قيمتها، فأشبه من حلف أن لا يبيع سلعة قد باعها على أنه فيها بالخيار أنه يحنث إن أمضاها له وإن كان المبتاع مجبورا على أداء الثمن فيها للعقد المتقدم.
والقول الثالث: لا يخرج عن القولين فهو استحسان على غير حقيقة القياس.
وقد تؤول ما في كتاب المكاتب على أنه إنما أراد بما ذكره فيه من الفوات فوات عينها فترجع المسألة على هذا التأويل إلى قولين: أحدهما: أنه حانث بكل حال، والثاني: الفرق بين القليل والكثير، والصحيح أن تحمل الرواية على ظاهرها، وقد بينا وجه ذلك، وبالله التوفيق.

[مسألة: كل ولد يلحق بأبيه ويخرج حرا فولاؤه لأبيه]
مسألة وعن الأمة يكون بعضها حرا وبعضها رقيقا يطؤها الذي له فيها الرق، فتحمل فتعتق - هل على الذي كان أعتق بعضها من ولاء الولد شيء أم لا؟ قال: لا، الولد بينهما.
قال محمد بن رشد: روى ابن المواز عن ابن القاسم مثل رواية عيسى هذه، وقال من رأيه، والصواب أن يكون الولاء لأبيه، والنسب أملك به، وعلى الأب عتق، وبالحمل عتق الأم، وكل ولد يلحق بأبيه ويخرج حرا، فولاؤه لأبيه ولو أعتق المتمسك بالرق ثم تزوجها رجل، فولاء ولده لمواليه دون مواليها، والذي قاله محمد بن المواز هو الصحيح، لأن كل ولد يولد للحر ويلحق به نسبه فولاؤه لموالي أبيه، فإن كان مولى ولا يكون الولاء لموالي الأم

(15/16)


إلا إذا كان النسب منقطعا من الأب مثل أن يكون ولد زنا أو منفيا بلعان أو كافرا حربيا، وبالله التوفيق.

[: باع عبدا من رجل فأعتقه المشتري]
ومن كتاب العتق وسئل ابن القاسم عن رجل باع عبدا من رجل فأعتقه المشتري فجاءه البائع فتقاضاه الثمن فأنكر أن يكون اشتراه، وقال: إنما استأجرته منك فخذ عبدك وقد علم البائع بالعتق.
قال: إن كان له مال يوم أعتقه فيه وفاء ثمنه فلا أرى له أن يأخذه، وإن لم يكن له مال يوم أعتقه في ثمنه فضل عن دينه فأرى أن يأخذه ويبيع منه قدر دينه، ويعتق ما بقي منه إذا لم يكن علم بعتقه ولم يكن له مال يوم أعتقه.
قال محمد بن رشد: تحصيل القول في هذه المسألة أنه إن كان للمشتري وفاء بالثمن فلا يصح له أن يأخذه لأنه مقر أنه حر بعتق المشتري إياه بعلمه، وإن لم يكن له مال ولا كان في قيمته فضل عن ثمنه كان له أن يأخذه، لأن الثمن الذي له عليه يرد عتقه فيه.
وأما إن كان في قيمته فضل عن ثمنه مثل أن يكون باعه منه بمائة وقيمته خمسون ومائة، فلا يأخذه إلا أن يكون لم يعلم بعتقه إياه فيأخذه ويبيع منه ثلثيه بمائة ويعتق ثلثه، وإنما لم ير أن يأخذه إذا علم بعتقه وكان فيه فضل لوجوب عتقه عليه، لأنه إذا أعتق عليه الفضل بإقراره أنه أعتقه أعتق عليه باقيه، وإنما يجب أن يعتق عليه باقيه على القول بأن ما أعتق عليه منه بإقراره بأن المشتري أعتقه يكون ولاؤه له لا للمشتري.
فقول ابن القاسم في هذه المسألة خلاف ما مضى من قوله في رسم

(15/17)


يوصي لمكاتبه من أن من شهد على ابنه بعتق عبد له فملك منه شقصا زائدا على ميراثه منه أنه يعتق عليه جميع ما ملكه منه، ولا يقوم عليه باقية، وقد مضى الكلام على ذلك هنالك، والذي يأتي في هذه المسألة على قياس قوله في رسم يوصي لمكاتبه أنه لا يقوم عليه باقية أن يكون له أن يأخذ العبد إذا كان في قيمته فضل عن ثمنه وإن كان عالما بعتق المشتري إياه فيباع منه بقدر الثمن ويعتق عليه باقية الباقي.
وقوله فيها: إنه إن كان له مال يوم أعتقه فيه وفاء ثمنه فلا أرى له أن يأخذه - يريد: ويعتق عليه بإقراره أن المشتري أعتقه، على ما يأتي من قوله في رسم المدبر والعتق من سماع أصبغ، هو على قياس أحد قولي ابن القاسم في المدونة في العبد بين الشريكين يشهد أحدهما على صاحبه أنه أعتق نصيبه منه وهو موسر أنه يعتق عليه نصيبه؛ لأنه مقر على نفسه بوجوب عتقه على شريكه بالتقويم، وكذلك هذا يعتق عليه العبد لإقراره على نفسه بوجوب عتقه على المشتري بالشراء، إذ قد أعتقه بعد أن اشتراه، فالمعنى في المسألتين سواء، يدخل الاختلاف في هذه ... تلك، وبالله التوفيق.

[مسألة: هلك وورثته ابنته وابنه فشهدوا أن أباهما أعتق هذا العبد واختلفا]
مسألة وسألته: عن رجل هلك فورثته ابنته وابنه فشهدوا أن أباهما أعتق هذا العبد واختلفا، فقال الابن: هذا، وقالت الابنة: هذا.
قال: لا شهادة لهما، فإن ملك أحدهما من شهد له أعتق عليه كله أو ما حمل ثلث الميت، قال: وإن اجتمعا على عبد واحد عتق في ثلث الميت أو ما حمل الثلث منه إذا لم يكن للميت وارث غيرهما.

(15/18)


قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه لا شهادة لهما، إذ لا يثبت العتق بشاهد واحد، ولا تجوز فيه شهادته، وقد مضى في رسم العرية ورسم يوصي لمكاتبه تحصيل القول فيما يلزم من شهد من الورثة بعتق على موروثه فلا معنى لإعادته، فإن اجتمعا جميعا على عبد واحد ولم يكن للميت وارث غيرهما جاز إقرارهما على أنفسهما، وعتق في ثلث الميت، كما قال: إن كان إنما شهدا أنه أعتقه في مرضه أو أوصى بعتقه، وهذا بين لا إشكال فيه، وبالله التوفيق.

[مسألة: إخوة ثلاثة شهد اثنان منهم بعتق عبد وقال الثالث لا]
مسألة وسألته: عن إخوة ثلاثة، شهد اثنان منهم بعتق عبد، وقال الثالث: لا، بل هو هذا، ولا وارث له غيرهم.
قال: يعتق الذي شهد له الشهيدان إن حمله الثلث ولا يعتق الذي أقر له الواحد إلا أن يملكه كله أو بعضه فيعتق عليه منه ما حمل الثلث، فإن لم يملكه كله وملك منه بعضه عتق منه عليه ما ملك، ولم يقوّم عليه حظوظ شركائه، قال: وإن لم يصر له منه إلا مال أمر بأن لا يأكله وأن يجعله في رقبة يعتقها، فإن لم يكن فيه ما يعتق به رقبة استتم به قطاعة مكاتب أو أعتق هو وقوم عبدا، قال عيسى: وهذا إذا كان الذي شهد للواحد مكذبا لشاهدي الآخر، وأما إذا كان الذي شهد لهذا غير مكذب لشهادة الأولين للآخر فإنما يعتق عليه من الذي شهد له، إذا ملكه ما كان يحمل الثلث منه مع الآخر أو تحاصا فيه.
قال محمد بن رشد: قوله: شهد اثنان منهم بعتق عبد - معناه: أنه أوصى بذلك أو بتل عتقه في مرضه الذي مات منه، بدليل قوله: يعتق الذي شهد له الشهيد إن حمله الثلث.

(15/19)


وقوله: ولا يعتق الذي أقر له الواحد، يريد: ولا حظه الذي صار له بالميراث منه.
وقوله: إلا أن يملكه كله أو بعضه، يريد: إلا أن يملك بقيته فيستخلصه بذلك منه، أو يملك منه جزءا زائدا إلى ميراثه منه فيعتق عليه منه ما حمل الثلث.
وقوله: فيعتق عليه ما حمل الثلث، معناه: دون الآخر الذي أعتق من الثلث بالشهادة؛ لأنه مكذب لها، على ما قاله عيسى من أن هذا إذا كان الذي شهد للواحد مكذبا لشاهدي الآخر، فقول عيسى بن دينار في هذا مفسر لقول ابن القاسم في هذه الرواية - خلاف قوله في سماع أبي زيد بعد هذا من هذا الكتاب، وخلاف ما مضى من قوله أيضا في رسم العتق من سماع عيسى من كتاب الوصايا، إذ قد نص في هذين الموضعين جميعا على أنه إنما يعتق عليه ما حمل الثلث منه مع صاحبه الذي عتق بالشهادة، والذي في هذه الرواية هو الصحيح في النظر، وأما قول عيسى بن دينار إذا كان الذي شهد لهذا غير مكذب لشهادة الأولين فإنما يعتق عليه من الذي شهد له إذا ملكه ما كان يحمل الثلث منه مع الآخر لو تحاصا فيه، فلا ينبغي أن يحمل على التفسير لقول ابن القاسم، لأن المنصوص لابن القاسم في رسم باع شاة من سماع عيسى من كتاب الوصايا أنه يسهم بينه وبين العبد الذي أعتق بالشهادة، فإن خرج السهم عليه عتق إن حمله الثلث أو ما حمل منه، وهو الصحيح في النظر، لأن هذا هو الذي كان يجب لهذا العبد لو ثبت ما أقر به الوارث من أنه أوصى بعتق العبدين جميعا، وبالله التوفيق.

[مسألة: الطلاق والعتق بشهادة النساء]
مسألة وسألت ابن القاسم عن رجل حلف بالحرية أو بطلاق إن لم يكن بفلانة عيب بموضع كذا وكذا مما لا يراه إلا النساء وهي حرة أو

(15/20)


أمة مملوكة، فقالت الحرة: لا أمكن أحدا ينظر إليها لا امرأة ولا غيرها، وقال الرقيق والزوجة: ليس ذلك بنا، أو أذنت الحرة في أن ينظر إليها امرأة، فنظرت، فقالت: ليس بها ما قال، هل يحنث بالعتق والطلاق بقولها؟ قال: لا يحنث، وهو يدين وليس نظر النساء بشيء.
قال الإمام القاضي: هذا كما قال، إذ لا يجب الطلاق والعتق بشهادة النساء، وبالله التوفيق.

[مسألة: التدبير لا يلزم به التقويم]
مسألة قال: وسألته: عن عبد بين رجلين، قال له أحدهما: اخدمني عشر سنين وأنت حر، وقال له الآخر: أنت مدبر.
قال: أرى أن يترك على حاله في العتق والتدبير، فإن مات الذي دبر قبل عشر سنين وترك ما لا يخرج نصيبه من ثلثه عتق نصيبه وبقي النصف الآخر إلى الأجل الذي أعتق إليه، وإن مات ولا مال له أو كان له من المال ما لا يتم في ثلثه عتق نصفه، عتق منه ما عتق في ثلثه، وقوم ما بقي من الرق في النصف على الذي أعتق إلى عشر سنين فكان حرا إلى عشر سنين، وإن انقضت العشر سنون قبل موت الذي دبر، قوم على هذا الذي أعتق إلى عشر سنين نصف صاحب المدبر فيعتق عليه كله وانفسخ التدبير الذي دبر إلا إن شاء الذي دبر أن يعجل عتق نصيبه فيكون ذلك له.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال، لأن التدبير لا يلزم به التقويم كالعتق، إذ قد يرده الدين، وإنما التقويم فيه أو المقاومة على اختلاف قول مالك حق للذي لم يدبر من أجل الفساد الذي أدخله عليه فيه بتدبير حظه منه، فإن شاء قومه عليه أو قاومه فيه على اختلاف قول مالك، وإن شاء

(15/21)


تمسك بحظه منه، فسواء في هذه المسألة علم الأول منهما أو لم يعلم، بخلاف إذا أعتق كل واحد منهما حظه منه إلى موت صاحبه أو إلى موت رجل سماه، وقد مضى الكلام على ذلك في رسم أوصى.
فإن كان الذي أعتق نصيبه إلى عشر سنين هو الأول منهما لم يصح أن يقوم عليه نصيب شريكه المدبر، إذ قد يجب له العتق بالتدبير قبل العشر سنين لا سيما وقد قيل، وهو أحد قولي مالك: إنه لا يقوم على من أعتق حظه من عبد إلى أجل حظ شريكه حتى يحل الأجل، فإن مات الذي دبر حظه قبل العشر سنين فرده الدين أو لم يحمله الثلث قوم على ما قال ما رق منه على الذي أعتق إلى عشر سنين على القول بتعجيل التقويم على من أعتق حظه من عبد بينه وبين شريكه إلى أجل.
وإن كان الذي دبر نصيبه هو الأول منهما لم يكن لشريكه عليه حجة فيما كان يجب له عليه من التقويم أو المقاومة إذ قد أفات نصيبه بعتقه إلى أجل، فإن حل الأجل قبل أن يموت شريكه الذي دبر نصيبه قوم عليه حظ شريكه المدبر كما قال على قياس قوله في المدونة في المدبر بين الرجلين يبتل أحدهما نصيبه: إنه يقوم عليه نصيب شريكه المدبر، ولا يقوم عليه على القول بأنه لا يقوم على من أعتق حظه من عبد حظ شريكه الذي كان دبره قبل من أجل أن التدبير عقد قوي لازم يصح به الولاء للمدبر، وبالله التوفيق.

[مسألة: يشتري بيع البراءة ويعجل له العتق]
مسألة وسئل عن رجل، قال: ابتاعوا غلاما فأعتقوه، أو قال: غلام بني فلان فأعتقوه، هل يوقف في الأيام الثلاثة أو يشتري بيع البراءة ويعجل له العتق.
قال: أرى أن يشتري بيع البراءة ويعجل له العتق ولا يخاطر به.

(15/22)


قال محمد بن رشد: أما إذا كان عبدا معينا فكما قال، لا ينبغي أن يشتري على العهدة فيخاطر به، إذ قد يموت في الأيام الثلاثة فتبطل الوصية له بالعتق.
وأما إذا كان غير معين فالصواب أن يشتري على العهدة، لأنه إن مات في الثلاثة الأيام أو أصابه فيها عيب كان من البائع، واشتري غيره للعتق في الوصية، وإن اشتري على البراءة وعجل له العتق قد يصيبه عيب في الثلاثة الأيام فلا يمكن رده، ويكون قد أعتق عنه عبدا معيبا، وهذا بين، فلا ينبغي أن يحمل كلامه في الرواية إلا على العبد المعين بقوله: اشتروا غلام بني فلان فأعتقوه، وبالله التوفيق.

[مسألة: يخبر عن الرجل أنه قد أعتق عبده ثم يشتريه بعد ذلك]
مسألة وسئل: عن الرجل يخبر عن الرجل أنه قد أعتق عبده ثم يشتريه بعد ذلك.
قال: إن كان خبره على وجه أنه قد علم ذلك منه، يخبر عنه بأنه قد أعتقه عندي ليس يخبره عن أحد أخبره به رأيت أن يعتق عليه.
قال الإمام القاضي: هذا تفسير قوله في المدونة، وأشهب يرى أنه لا يعتق عليه إلا أن يقيم على قوله بعد أن اشتراه، وأما إن كذب نفسه فلا يعتق عليه، وإذا أعتق عليه فولاؤه عند ابن القاسم للذي أخبر عنه أنه أعتقه، وقال أشهب والمخزومي: ولاؤه للذي أعتق عليه، وقد ذكرنا هذا في رسم أوصى وما يلزم من تقويم الشقص على هذا الاختلاف، والله الموفق.

[مسألة: مراعاة المال المأمون]
مسألة وقال في المدبر والعبد يوصى بعتقه فيعتق أحدهما عبدا قبل أن يقوما بعد موت السيد.

(15/23)


قال: منزلة من أعتقا بمنزلتهما إن كان للسيد أموال مأمونة فماتا أو مات من أعتقا قبل التقويم ورثهم ورثتهم من الأحرار وإن لم تكن له أموال مأمونة فلا عتق لهما ولا لمن أعتقا حتى يقوما في الثلث، فإن خرجا حرين في القيمة عتق من عتقا وكان ولاؤهم لهما.
قال محمد بن رشد: هذا على مذهبه في المدونة في مراعاة المال المأمون، وقد قيل: إنه لا يراعى، وهو قول بعض الرواة في المدونة، فقيل المريض لا ينظر فيه إلا بعد الموت والتقويم كانت له أموال مأمونة أو لم تكن وهو القياس، وبالله التوفيق.

[مسألة: ملك من يعتق عليه]
مسألة قال في الذي يشتري أباه أو أخاه فلا يدفعه إليه البائع حتى يأتيه بالثمن فيهلك العبد قبل أن يأتيه أو يقتل.
قال: إذا ملكه المشتري فهو حر وإن لم يقبضه، لأن ضمانه منه فهو في جراحه وميراثه وعقله، بمنزلة الحر إذا كان لمشتريه مال.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال، لأن من ملك من يعتق عليه بوجه من وجوه الملك فبنفس الملك يكون حرا دون أن يستأنف له العتق أو يحكم له به، وهذا ما لا اختلاف فيه أعلمه، ومعنى ما روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من قوله: هو «لا ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه» معناه: فبعته بشرائه إياه الذي هو سبب لعتقه، لا أنه يكون له ملكا بعد الشراء حتى يعتقه، وفي القرآن ما ينفي أن يكون ولد الرجل عبدا له، وهو قَوْله تَعَالَى: {وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا} [مريم: 92] {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: 93] .

(15/24)


وإذا انتفى الملك مع النبوة فأحرى أن ينتفي مع الأبوة، وقد مضى في رسم العتق من سماع أشهب تحصيل القول فيمن يعتق على الرجل بالملك من ذوي محارمه إذا ملكهم، فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق.

[مسألة: يحلف بحرية غلامه أن لا ينقصه من ألف دينار فيبيعه إلى أجل سنة]
مسألة وسئل: عن الرجل يحلف بحرية غلامه أن لا ينقصه من ألف دينار فيبيعه إلى أجل سنة.
قال: لا يحنث إذا لم يكن سمي تأخيرا حين حلف.
قال محمد بن رشد: في قوله في هذه المسألة: لا يحنث إذا لم يكن سمى تأخيرا حين حلف - نظر؛ لأنه إذا لم يحنث إذا لم يسم تأخيرا فأحرى أن لا يحنث إذا سمى تأخيرا، فمراده أنه لا يحنث وإن لم يكن سمي تأخيرا حين حلف، وإنما تكلم على الوجه الذي قد يشكل، وهو إذا لم يسم التأخير ولا نواه في يمينه، إذ لا إشكال في أنه لا حنث عليه إذا سمى التأخير ونواه، وقد قال ابن دحون فيها: إنها مسألة حائلة اللفظ، والجواب: قال: وإنما جوابها أنه لا يحنث إذا نوى تأخيرا حين حلف، فأما قوله: إنها مسألة حائلة اللفظ فليس بجيد، إذ له وجه يصح به، فهو ما بيناه من أنه تكلم على الوجه الذي قد يشكل في المسألة، وسكت عن الوجه الذي لا يشكل اتكالا على فهم السائل فلا يقام من قوله دليل على أنه يحنث إذا سمى تأخيرا حين حلف ونوى ذلك.
وأما قوله: إن الجواب فيها أنه لا يحنث إذا نوى تأخيرا حين حلف فليس بصحيح، لأن فيه دليلا على أنه يحنث إذا لم ينو تأخيرا حين حلف، والصواب أنه لا حنث عليه إذا لم تكن له نية وإنما يحنث إذا نوى النقد أو سماه

(15/25)


أو كان ليمينه بساط يدل على أنه أراد النقد، ولو حلف على رجل بعينه أن لا يبيعه منه بأقل من عشرة وقد سأله أن ينقصه منها فحلف أن لا يفعل ثم باعه منه بعشرة إلى أجل لتخرج ذلك على الاختلاف فيمن حلف أن لا يضع عن رجل شيئا من دين له عليه فأخره به، وقد مضى الكلام على ذلك في رسم الأقضية الثالث من سماع أشهب وكتاب الأيمان بالطلاق، وبالله التوفيق.

[مسألة: حلف بحرية جارية له على أمر أن يفعله فولدت بعد اليمين]
مسألة وسألت ابن القاسم: عن الرجل يحلف بحرية جارية له على أمر أن يفعله فولدت بعد اليمين أولادا فباعها وبقي أولادها في يده.
قال ابن القاسم: يرد البيع وتكون موقوفة هي وولدها حتى يموت السيد فيعتقون في ثلثه أو يبر فيصنع بها ما شاء، ولا يطأ جارية إن كانت فيهم، وهذا كله قول مالك، فإن ماتت فولدها موقوف بمنزلتها.
قلت: فإن أعتقها الذي اشتراها أو ولدت منه أولادا أو دبرها.
قال: إن كان إلى أجل رد عتقه وأوقفت إلى أجل حتى يبر أو يحنث، وإن كان إلى غير أجل لم أر أن يرد عتقه، لأنها إنما تعتق في الثلث، ولعلها أن ترق فيلحقها الدين وقد عتقت وقد جاءها ما هو أثبت، والمدبرة والمدبر بمنزلة إذا أعتق لم يرد وإنما يعتق في الثلث، لأنه قد جاء ما هو أثبت، فأمرهما واحد.
ولو كانت جارية فاتخذت أم ولد فإن كانت اليمين إلى أجل وفات الأجل وهي في يد المبتاع عتقت ورد الثمن وقاص بولدها من ثمن أمهم، فإن كانت قيمتهم أدنى من ثمن أمهم رجع على البائع ببقية الثمن، فإن كانوا سواء فلا شيء على البائع، وإن كانت قيمة الولد أكثر لم يرجع عليه البائع بشيء، قال: وإن مات السيد قبل

(15/26)


الأجل كانت أم ولد لمن اشتراها لأنه مات على بر فلم يحنث فيها، وإن عتقت ردت وأوقفت فإن مات السيد قبل الأجل جاز عتق من أعتقها وإن أتى الأجل ولم يبر عتقت عليه ورد الثمن إلى المشتري، وإن بر جاز عتق من أعتقها.
وقال ابن كنانة: يعتق ما في يديه من ولدها وما باع فليس عليه في ذلك حنث، وقال أشهب: لا شيء عليه من قيمة ولدها منه، قال عيسى: أرى إن باعهم قبل الحنث فأعتقهم المشتري فأرى عتقهم جائزا ولا يرد البيع كان إلى أجل أو غير أجل.
وقد سئل مالك: عمن حلف بعتق جارية ليضربنها فأنسي يمينه حتى باعها من رجل فأصابها ذلك الرجل فحملت منه، ثم شهد عليه شاهدان أنه قد كان حلف بعتقها ليضربنها.
قال مالك: قد عتقت منه حين باعها قبل أن يضربها ويرد ثمنها إلى الذي كان باعها منه، قال ابن القاسم: إذا فاتت بحمل عتقت ورد على المشتري الثمن ولم يكن له عليها سبيل، وإن لم تحمل ردت فيبر فيها بضربها، قال عبد الله بن نافع: إن لم تحمل رأيت أن ترد إلى سيدها.
قال محمد بن رشد: قوله في الذي حلف بحرية جارية له على أمر أن يفعله فولدت بعد اليمين: إن ولدها بمنزلتها يدخلون في اليمين معها - هو القياس والمشهور في المذهب، وقد قيل: إن ولدها لا يدخلون في اليمين، وهو قول المغيرة المخزومي، وقد ذكرنا ذلك في رسم بع ولا نقصان عليك، وأما إذا باعها قبل أن يبر فيها بفعل ما حلف ليفعلنه، فالمشهور أن البيع يرد وتبقى الأمة في يد البائع حتى يبر أو يحنث بموته فيعتق في ثلثه، وكذلك إذا دبرها وإن كان لم يجب في الرواية على التدبير، ولابن دينار في المدونة في

(15/27)


الذي يحلف بعتق جاريته ليضربنها فيبيعها: إن البيع يرد ويعتق عليه، قال: لأني لا أنقض صفقة مسلم إلى رق، ولا أنقضها إلا إلى عتق، فتعليله يدل على أنه لا فرق عنده بين أن يكون يمينه على ضربها أو على ما سوى ذلك من الأفعال، وهو بعيد أن يعتق عليه إذا كانت يمينه على ما سوى ضربها، لأن البر يمكنه بعد بيعها بفعل ما حلف ليفعلنه، وأما إذا حلف بحريتها ليضربنها فباعها فعتقها عليه ببيعه إياها وجه، وهو لا يمكنه البر فيها بضربها بعد بيعها، فوجب أن يحنث وتعتق عليه، وقد حكى ذلك ابن حبيب عن مالك. وقول ابن كنانة في هذه الرواية: إنه ليس عليه فيما باع حنث - قول ثالث في المسألة. ووجهه أنه لما باعها قبل أن يحنث فيها لم يكن عليه شيء.
وأما إن لم يعثر على ذلك حتى أعتقها المشتري أو أولدها فينفذ عتقه فيها وإيلاده لها، ولا ترد على البائع على ما قاله ابن القاسم في هذه الرواية، ومعنى ذلك إذا كانت يمينه بغير ضربها، وأما إذا كانت يمينه بضربها فتعتق على البائع ويرد الثمن على المشتري، على ما قاله ابن القاسم في رسم المدبر والعتق من سماع أصبغ إذا أولدها المشتري، وعلى ما قاله مالك في هذه الرواية إذا أعتقها؛ إذ لا فرق بين العتق والإيلاد في هذا الموضع عند ابن القاسم، لأنه لا يرى على المبتاع قيمة الولد على ما قاله في سماع أصبغ، وهو الذي يدل عليه قول مالك: قد عتقت منه حين باعها، لأنها إذا كانت قد عتقت عليه حين باعها فإنما وطئ المبتاع حرة، ومن رأى أن عتقها لا يجب على البائع إلا بفواتها بالحمل من المشتري احتمل أن يوجب عليه قيمة الولد، والأظهر ألا يجب عليه فيه قيمة إذ لم يتقدم الحمل على العتق وإنما وقعا معا، وليس قول ابن القاسم في هذه الرواية بخلاف لقول مالك فيها.
وأما إذا حلف بحريتها أن يفعل فعلا إلى أجل فباعها قبل الأجل فعثر على ذلك قبل أن يفوت فيرد البيع ويقر بيد البائع حتى يبر أو يحنث، ويأتي على تعليل ابن دينار أن يرد البيع ويعتق على البائع، وكذلك يأتي على ما

(15/28)


حكاه ابن حبيب عن مالك إن كانت يمينه ليضربنها حسبما مضى إذا كانت يمينه إلى غير أجل.
وأما إذا لم يعثر على ذلك حتى أولدها أو أعتقها والأجل لم يحل، فقال ابن القاسم في الرواية: إن العتق يرد إن أعتقها ويوقف إلى الأجل حتى يبر أو يحنث، يريد فإن بر فيها بفعل ما حلف ليفعلنه أو مات قبل الأجل مضى البيع ونفذ عتق المبتاع فيها، وإن حنث بحلول الأجل عتقت عليه ورد الثمن إلى المشتري، وكذلك يجب في الإيلاد على مذهبه خلاف قول عيسى بن دينار من رأيه: إن البيع لا يرد إذا أعتقهم المشتري، ويمضي العتق كانت اليمين إلى أجل أو إلى غير أجل، وكذلك لا يرد البيع فيها إذا أولدها على مذهبه كانت اليمين إلى أجل أو إلى غير أجل، وهو الذي ذكرناه من مذهب ابن القاسم إذا فات عند المشتري بحمل أو عتق، إنما معناه إذا كانت يمينه بغير ضربها، وأما إذا كانت يمينه بحريتها ليضربنها إلى أجل فباعها ولم يعثر على ذلك حتى أعتقها المشتري أو أولدها فتعتق على البائع ويرد الثمن على المشتري أعتقها أو أولدها على ما قاله مالك إذا كانت اليمين إلى غير أجل، ولا خلاف في هذا الوجه إلا ما يتخرج من الاختلاف في وجوب القيمة في الولد على المشتري حسبما وصفناه إذا كانت اليمين إلى غير أجل.
وأما إن لم يعثر على ذلك حتى فات الأجل فإنها تعتق على البائع ويرد الثمن على المشتري في العتق والإيلاد، ويكون عليه في الإيلاد قيمة الولد إلا أن يكون أكثر من الثمن، ومعنى ذلك عندي إذا كان الإيلاد قبل حلول الأجل، وقال أشهب: لا شيء عليه من قيمة ولده منها، ومعنى ذلك عندي إذا كان الإيلاد بعد حلول الأجل، فعلى هذا لا يكون قول أشهب مخالفا لقول ابن القاسم، ومن حمله على الخلاف فإنما ذلك إذا كان الإيلاد قبل الأجل، فيكون وجه قول أشهب أن البائع لما باع الجارية منه وهو قد حلف بعتقها فقد سلطه على إيلادها وترك حقه في ولدها.
وأما إذا كان الإيلاد بعد حلول الأجل فلا إشكال في أنه لا قيمة عليه في

(15/29)


الولد، لأنه إنما أولد حرة، وإنما قال ابن القاسم: إنه لا يكون على المبتاع في الولد أكثر من الثمن، لأن البائع إذا باعها فقد رضي بالثمن فلا يكون له فسخ البيع في الولد أكثر من ذلك.
وإنما ينقض البيع بعد العتق أو الإيلاد ويرد الثمن إلى المشتري إذا كانت على اليمين بينة أو أقر بذلك المبتاع، وأما إن لم يصدقه المشتري ولا قامت بذلك بينة فهي أم ولد له، وينتظر البائع بالثمن بتصديق المبتاع، فإن يئس من ذلك جعل ثمنها في رقبة يعتقها، قال ذلك أشهب وحكاه ابن سحنون عن أبيه.
ولا اختلاف في أن البائع إن كانت يمينه ليضربنها لا يبر بضربها بعد العتق أو الإيلاد.
واختلف هل يبر بضربها بعد أن باعها، فقال أشهب: إنه يبر بذلك وإن نقصها بضربه غرم النقصان، وقال ابن القاسم: لا يبر بذلك لأنه ضرب عدي على غير الوجه الذي حلف عليه، بخلاف حلفه على ما سوى ذلك من قضاء دين أو غير ذلك.
واختلف أيضا إذا حلف ليضربنها فكاتبها ثم ضربها بعد الكتابة، فقال ابن القاسم في كتاب ابن المواز: يبر بذلك، وقال أشهب: لا يبر بذلك مثل قول أصبغ وروايته عن ابن القاسم في رسم المدبر والعتق من سماعه بعد هذا، قال مالك: ولا ينقض كتابتها ولكن يوقف ما يؤدي، فإن عتقت بالأداء تم فيها الحنث، وصارت حرة وأخذت كل ما أدت، وإن عجزت ضربها إن شاء فبر، قال أشهب: ولو كان ضرب لا يجوز له عجل عليه الحنث، وقال سحنون في المجموعة: فإن مات السيد ولم تؤد الكتابة وله مال يحمل ثلث الأمة عتق فيه وسقط عنها باقي الكتابة، وكان ما وقف ردا عليها، وإن كان عليه دين يحيط مضت على الكتابة وكان للغرماء النجوم فإن ودت تم عتقها وإن عجزت كانت وما أخذ منها في دين سيدها، وبالله التوفيق.

(15/30)


[مسألة: تلد ثم تهلك هي وولدها في ساعة واحدة]
مسألة وقال ابن نافع لي في المرأة تلد ثم تهلك هي وولدها في ساعة واحدة، قال: يحلف أبو الصبي أو ورثته مع شهادة النساء أن الأم ماتت قبله ويستحقون ميراثه، لأنه مال، ورواها أصبغ في كتاب الكراء والأقضية، وقال: نظيرها من قوله شهادتهن أنه ذكر أو أنثى يجوز أن ذلك جائز ويحلف معهن.
قال محمد بن رشد: أما شهادة النساء في المرأة تلد ثم تهلك هي وولدها في ساعة واحدة على أيهما مات أولا بلا اختلاف في إجازتها على ما قال؛ لأنها شهادة على مال لا تتعدى إلى ما سواه.
وأما شهادتهن أنه ذكر أو أنثى فلا يجوز على قول ربيعة وسحنون في المدونة: إن شهادة النساء لا تجوز على الاستهلال ولا على قتل الخطأ إلا مع حضور البدن، لأنه يمكن بقاء البدن حتى يراه الرجال فيشهدون على أنه ذكر أو أنثى، وهو قول مطرف عن مالك وأشهب عن مالك أيضا في كتاب ابن سحنون، وهو القياس لأنه لا يصير نسبا قبل أن يصير مالا على ما قاله ابن القاسم في رواية أصبغ عنه في رسم أوصى من سماع عيسى من كتاب الشهادات، وقد مضى هناك الكلام على هذا مستوفى، وبالله التوفيق.

[: تزوج أمة فولدت له غلاما فلمن ولاء الولد]
ومن كتاب النسمة
قال ابن القاسم في رجل تزوج أمة فولدت له غلاما فكبر الغلام ثم مات أبوه، فتزوج ابنه هذا حرة، فولدت له ولدا بعد وفاة الجد الحر والأب المملوك حي.

(15/31)


قال: ولاؤه لموالي أمه ولا يجر الجد المتوفى ولاء ولده الذين ولدوا بعد موته، إنما يجر ما كان حيا.
قال: ولو توفي الجد وأمه به حامل جر ولاءه وكان ولاؤه لموالي الجد إذا حملت به قبل وفاة الجد.
قال: والأب المملوك هاهنا لا يحجب ولا يجر وهو بمنزلة الميت والكافر.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال، لأن ولد العبد من الحرة إذا كان جده قد مات قبل ولادتهم وقبل أن يحمل بهم، لموالي أمهم إن كانت معتقة ثم لمن يجب له ذلك بسببهم، وهم الأقرب فالأقرب من العصبة الرجال، فإن كانت حرة لم تعتق فولاؤهم لموالي أبيها، وإن كانت ابنة زنا أو منفية بلعان أو أمة أو كافرة فولاؤهم لموالي أمها، فإن أعتق أبوهم لجر الولاء إلى مواليه عن موالي الأم، ولو مات الجد بعد ولادة الأولاد لكان ولاؤهم لمواليه ما دام ابنه عبدا فإن أعتق جر ولاء الولد إلى مواليه عن موالي الجد، وبالله التوفيق.

[: يقول في كلام واحد نصف غلامي هذا حر ونصفه صدقة على فلان]
من سماع يحيى بن يحيى من ابن القاسم
من كتاب الكبش قال يحيى: وسألت ابن القاسم: عن الرجل يقول في كلام واحد نسقا: نصف غلامي هذا حر ونصفه صدقة على فلان، أو يقول: نصفه صدقة على فلان ونصفه حر.
قال: إن بدأ بالعتاقة فهو حر كله، وإن بدأ بالصدقة فالنصف عتق والنصف الذي تصدق به يقوم عليه إن كان له مال، ثم قال لي

(15/32)


أيضا: بل أراه عتيقا كله، وذلك أن مالكا قال لي في الرجل يتصدق بالعبد ثم يعتقه قبل أن يحوزه المتصدق عليه: إن العتق عليه أولى به، فأرى هذا الذي أعتق نصفا وتصدق بنصف أنه قد أعتقه قبل أن يحاز من يديه، فهو بذلك عتيق كله، قال: وأحب ذلك إلي أن يعتق، قال أصبغ: القول الآخر ليس بشيء وليس بحجة، إنما يكون حجة إذا تصدق به ثم لم يعتق إلا بعد حين بقدر ما يمكن أن يعلم المتصدق عليه بصدقته فلا يقوم ولا يحوز حتى يعتق المتصدق فجوز عتقه، وأما إن تصدق ثم يعتق في مقامه ذلك وفي كلامه، فهذا متلف لصدقته نادم راجع فيه وليس ذلك له، وعليه أن يغرم له نصف القيمة بمنزلة الشريك.
قال محمد بن رشد: أما إذا بدأ بالصدقة فالقول الأول الذي رجع عنه من أن النصف عتيق ويقوم عليه النصف الذي تصدق أولا هو القياس، وذلك أنه لما تصدق بنصفه أولا صار المتصدق عليه شريكا معه فيه قبل أن يعتق حصته منه، فوجب أن يقوم عليه كالعبد بين الشريكين يعتق أحدهما حظه منه أنه يقوم عليه إن كان موسرا.
أما القول الثاني فإنما يتخرج على القول بأن الرجل إذا أعتق بعض عبده يكون حرا كله بالسراية دون أن يعتق عليه، وهو خلاف المشهور في المذهب.
ووجهه أنه لما أعتق نصف عبده بعد أن تصدق بالنصف الآخر قبل أن يقبض منه راعى قول المخالف في أن الصدقة باقية على ملك المتصدق منه، فجعل العتق يسري إليه فبطلت بذلك الصدقة.
والقول الأول أظهر لأنه هو الذي يأتي على المذهب في أن الصدقة تجب بالعقد، وعلى المشهور فيه من أن من أعتق شقصا من عبده فالباقي منه

(15/33)


باق على ملكه ما لم يعتق عليه، ولا يكون حرا بعتق ما أعتق منه.
وأما إذا بدأ بالعتاقة فلم يختلف قوله في أنه يكون حرا كله وتبطل الصدقة إلا أنه إنما يأتي على قياس القول بالسراية، فيلزم على مذهبه في المدونة في أن من أعتق بعض عبده لا يكون باقيه حرا بعتق ما أعتق منه حتى يعتق عليه، وأنه إن لم يعتق عليه حتى وهبه أو تصدق به يقوم عليه ما وهب منه أو تصدق به أنه يكون عليه للمتصدق عليه نصف قيمته، إذا قال: نصف عبدي حر ونصفه صدقة على فلان. وفي المدنية لابن كنانة: أن الرجل إذا قال: نصف عبدي صدقة على فلان ونصفه حر كان ذلك جائزا على ما قال، يريد: ويقوم عليه النصف الذي تصدق به، فليس قوله بخلاف لقول ابن القاسم.
قال: ولو بدأ بالعتاقة كان حرا كله، ولم يكن للمتصدق عليه شيء.
ففي كل واحدة من المسألة قولان، والتفرقة بينهما قول ثالث، ويتخرج في المسألة قول رابع وهو أن تكون التفرقة بينها بالعكس، فيلزمه قيمة النصف الذي تصدق به إن بدأ بالعتاقة، ولا يلزمه إن بدأ بالصدقة وهو الأظهر، لأن العتق أو الطلاق لا يقع في الصحيح من الأقوال بنفس تمام اللفظ به، وإنما يقع بعد مهلة يتقرر فيها، وذلك بين من قوله في كتاب الأيمان بالطلاق من المدونة في الذي يقول لامرأته قبل الدخول: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، في نسق واحد أنه يلزمه ثلاث تطليقات، إذ لو كان الطلاق يقع عليه بنفس تمام اللفظ به لما لزمته إلا طلقة واحدة لكونها قبل الدخول بائنة. فإذا قال الرجل في نسق واحد: نصف عبدي حر، ونصفه صدقة على فلان أو نصفه صدقة على فلان ونصفه حر صار المتقدم في اللفظ متأخرا في المعنى، والمتأخر في اللفظ متقدما في المعنى، وهذا بين.
وقوله: إن النصف يقوم إذا بدأ بالصدقة هو خلاف ما في سماع زونان من كتاب الصدقات والهبات أن العبد كله يقوم فيكون للمتصدق عليه نصف القيمة

(15/34)


وهو ظاهر الحديث ووجه القياس، وقد مضى الكلام على ذلك هنالك، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

[مسألة: قال الغلام حرإن لم أوفك يوما كذا وكذا فحنث]
مسألة قال يحيى: وسألت ابن القاسم: عن رجل قال لخصم له: احلف لي بِحُرِّيَّة غلامك فلان لتوافيني دار القاضي يوما كذا وكذا، قال: ليس الغلام لي إنما هو لامرأتي، فقال لي: احلف بِحُرِّيَّتِهِ وإن كان لامرأتك، فقال الرجل: فلان - لذلك الغلام - حر إن لم أوفك يوما كذا وكذا، فحنث، فقام الغلام بحريته، فادعته المرأة وهو لا يُعْرَفُ لها إلا بالذي كان من إقرار الزوج أنه لها حين أراد الخصم أن يحلفه.
فقال: إن كان العبد معروفا للرجل فهو حر ولا حق فيه للمرأة بذلك الإقرار، قال: وإن كان معروفا للمرأة فهو لها ولا حرية للعبد ولا حنث على الرجل فيما لم يكن يملك من رقبة العبد يوم حلف.
قلت: أرأيت قول مالك إن كان معروفا للرجل إذا كان لا يعرف إلا في خدمته وعمله وإليه ينسب، غير أن الذين يعرفونه لها في يدي الرجل لا يشهدون على أصل الشراء ولا ميراث ولا يعرفون أصل ملكه له إلا أنهم يعرفونه في خدمته.
فقال: قد يستخدم الرجل عبيد امرأته فإذا كان مجهول ملك الأصل لم يعرف للرجل ولا للمرأة فهو للمرأة لإقرار الزوج به لها حين أراد الخصم أن يحلفه ولا لك عليه حنث وهو للمرأة بذلك الإقرار.
قلت: أرأيت لو لم يكن حلف فادعته المرأة بذلك الإقرار،

(15/35)


وقال الرجل: والله إن كان ذلك مني إلا لأدفع اليمين عني، وما هو إلا لي وهو مجهول ملك للأصل يعرف في خدمة السيد وينسب إليه.
قال: تحلف المرأة بالله الذي لا إله إلا هو ويكون القول قولها إذا كان العبد في خدمته ولم يعرف أصله لها ولا له.
قال محمد بن رشد: ما نص عليه في هذه الرواية من أنه إذا لم يعرف أصل الملك له وإن كان الظاهر أنه له لنسبته إليه لكونه في يديه واختدامه يعمل إقراره به لغيره وإن كان سببه الاعتذار ويستحقه المقر له بيمينه إذا ادعاه ملكا لنفسه قديما بغير ذلك الإقرار هو دليل ما في رسم العشور من سماع عيسى من كتاب الدعوى والصلح، ومفسر لما وقع في سماع أشهب من كتاب الدعوى والصلح ولما في رسم البز من سماع ابن القاسم من كتاب الصدقات والهبات ولسائر الروايات.
وأما إذا عرف أصل الملك له فلا يلزمه الإقرار به لغيره إذا كان سببه الاعتذار، وسواء على مذهب مالك، قال: هو لفلان أو قد وهبته لفلان، أو قد بعته منه أو تصدقت به عليه على ما قال في أول سماع أشهب من كتاب الصدقات والهبات، خلاف قول أصبغ في تفرقته بين ذلك، وقد اختلف إذا خطبت إليه ابنته، فقال: قد زوجتها فلانا على ثلاثة أقوال، قد مضى تحصيلها في رسم النكاح من سماع أصبغ من كتاب النكاح، وفي رسم البز من سماع ابن القاسم من كتاب الصدقات والهبات، وبالله التوفيق.

[مسألة: يقول في مرضه قد كنت أعتقت أمتي فلانة وتزوجتها]
مسألة وسألت ابن القاسم: عن الرجل يقول في مرضه: قد كنت أعتقت أمتي فلانة وتزوجتها، أتكون بذلك حرة من رأس المال أو من الثلث؟ وكيف إن سمى لها صداقا، أيكون ذلك لها؟
قال: لا حرية لها في رأس مال ولا ثلث، ولا صداق لها ولا

(15/36)


ميراث، وذلك أن العتاقة لم تثبت لها فكيف يجب لها صداق؟ وهي أمة بحالها، وكيف ترث وهي أمة ليست من الأزواج؟
قال: وسمعت مالكا يقول في الرجل يقول في مرضه: إني قد كنت أعتقت فلانا غلامي وأنا صحيح ولا يعرف ذلك إلا بقوله: إنه عبد لا يعتق في رأس مال ولا في ثلث لأنه لم يرد أن يوصي له بشيء ولا يثبت الذي أقر له به في مرضه إلا أن يثبته ببينة عدل أن ذلك كان في الصحة.
قال: وإن أوصى بوصايا لم تدخل تلك الوصايا في العبد لأنه حين أقر له أنه أعتقه في الصحة ثم أوصى بالوصايا فقد أحب أن لا تقع الوصايا فيه، وكذلك قال مالك.
قلت: فإن بتل عتقها في مرضه وثلثها واسع مأمون ثم تزوجها ومسها.
قال: أراها حرة، وأرى لها الصداق في الثلث بمنزلة الأجنبية لو تزوجها في المرض ومسها، وذلك أنه حين بتلها والثلث واسع مأمون جازت شهادتها ووارثت أقاربها وتمت حريتها وجرت الحدود عليها ولها ولم يكن له الرجوع في عتاقتها إذا بتلها ولا يؤخر عتقها انتظار موته، لأنه ثلثه واسع مأمون، ولا ميراث لها لأنه لو تزوج أجنبية في مرضه لم ترث فهي بمنزلتها.
قال: وإن بتل معها غيرها حتى يخشى ضيق الثلث عليهم أو كان ثلثه يخشى ضيقه عليها حين بتلها وحدها فلا تتم عتاقتها إلا بنظر السلطان وإحصاء المال بعد الموت، فإن تزوجها في هذه الحال كان النكاح مفسوخا ولا صداق لها في ثلث ولا في غيره؛ لأن

(15/37)


النكاح وقع ولا يدري أمن الأحرار يكون أم من الإماء، إذ لا يعرف أيسعها الثلث أم يضيق عنها، ولا يجوز للرجل أن ينكح أمته.
قال محمد بن رشد: قوله في الأمة التي أقر في مرضه أنه قد كان أعتقها في صحته وتزوجها: إنه لا عتق لها من رأس مال ولا ثلث على ما قاله مالك في الذي يقول في مرضه: قد كنت أعتقت عبدي فلانا في صحتي، هو المشهور في المذهب المنصوص عليه في المدونة وغيرها، ويدخل الخلاف في ذلك من مسألة الذي يقر في مرضه في أمة له أنها قد ولدت منه ولا ولد معها.
ويتحصل في ذلك إن كان يورث ثلاثة أقوال: أحدها: أنه يعتق من رأس المال، والثاني: أنه لا يعتق من رأس المال ولا ثلث، والثالث: أنه يعتق من الثلث.
وإن كان يورث بكلالة قولان: أحدهما: أنه يعتق من الثلث، والثاني: أنه لا يعتق من رأس مال ولا ثلث، ولا يدخل هذا الاختلاف فيمن أقر في مرضه أنه قد كان تصدق في صحته بكذا وكذا، والفرق بين الموضعين أن العتق لا يفتقر إلى حيازة، والصدقة تفتقر إليها، فلو قامت على ذلك بينة لنفذ العتق وبطلت الصدقة، فعلى المشهور من الأقوال أنها لا تعتق من رأس مال ولا ثلث لا يكون لها شيء من الصداق، والذي أقر لها به كمال، قال: إذ لا يجوز للرجل إنكاح أمته، وأما على القول بأنها تعتق من رأس المال يكون لها ما أقر لها به من الصداق، لأنه دين أقر لها به كما لو أقر في مرضه أنه تزوج فلانة لأجنبية وأصدقها كذا وكذا، وأما على القول بأنها تعتق من الثلث فيكون لها ما أقر لها به من الصداق في الثلث أيضا، ولا ميراث لها على حال بإقراره لها في مرضه أنها زوجة له.
ولو علم إقراره في صحته بعتقها وأنه تزوجها وأقر لها في مرضه بأنه كان

(15/38)


سمى لها من المهر كذا وكذا لكان لها الميراث لكونها في ملكه وتحت حجابه على أحد التأويلين اللذين ذكرناهما في مسألة رسم الجواب من سماع عيسى من كتابه الأقضية، ولكان لها ما أقر لها في مرضه من تسمية صداقها إن كان يورث بولد ولو لم تكن في ملكه وتحت حجابه لما كان لها منه ميراث إلا أن يكون قد علم إقرارها هي أيضا بنكاحها إياه مع طول الزمان وفشو ذلك في الجيران على اختلاف في ذلك قد مضى القول في بيانه في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب الشهادات، وفي رسم الأقضية منه من كتاب النكاح.
وأما قوله: إنه لا تدخل في ذلك الوصايا ويكون في ثلث ما بعده، فهو أمر لا اختلاف فيه؛ لأنه لما أقر في مرضه أنه أعتقه في صحته فقد أراد أن يكون خارجا من رأس ماله، وأن تكون الوصايا في ثلث ما بعده إلا أن يكون له مدبر في الصحة فإنه يدخل في ذلك، لأنه مال لم يعلم به إذا مات، وهو يرى أنه غير موروث عنه، فرجع بالحكم موروثا عنه لأن مدبر الصحة يدخل فيما علم الميت من المال وفيما لم يعلم، وكذلك إن كان التدبير في المرض على القول بأنه يدخل أيضا فيما علم الميت وفيما لم يعلم.
وأما قوله في الذي بتل عتق أمة في مرضه وتزوجها وله مال واسع مأمون: إنه يكون بمنزلة من تزوج أجنبية في مرضه - فهو صحيح على القول بمراعاة المال المأمون، وقد قيل: إنه لا يعتبر بالمال المأمون، وهو قول بعض الرواة في المدونة، وبالله التوفيق.

[مسألة: يعتق نصف عبده وهو صحيح ولا يرفع ذلك إلى السلطان حتى يموت المعتق]
مسألة قال يحيى: وسألت ابن القاسم: عن الرجل يعتق نصف عبده وهو صحيح ولا يرفع ذلك إلى السلطان حتى يموت المعتق، أيكون حرا كله أم لا؟
فقال: لا يعتق منه إلا ما أعتق السيد في صحته، قال: ومثل

(15/39)


ذلك الرجل يمثل بعبده المثلة البينة المشهورة التي لا يشك أن الإمام يعتق العبد على السيد بها فلا يرفع إلى الإمام حتى يموت السيد أنه لا يعتق، قال: وكل أمر لا يتم عتاقته إلا بنظر السلطان فإن مات الذي كان السلطان يعتقه عليه لم يجز للسلطان أن يعتقه على الورثة.
ولكن من اشترى من إذا ملكه عتق عليه فهو حر ساعة يملكه، لا يرفع مثل هذا إلى السلطان، فإن جهل الأمر فاستخدمه المشتري حتى مات فإنه يعتق على الورثة لأنه عتيق ساعة ملكه السيد، وقال: ألا ترى أن كل ميراث وقع له من يوم اشتراه قريبه الذي يعتق عليه بالسنة فهو لا يمنع من أخذه ولا يحجب عنه وحدوده تامة وعقله عقل حر والذي يعتق سيده بعضه وهو صحيح لا يتم له شيء من حالات الأحرار إلا بنظر الإمام وحكمه.
قال: وكذلك الذي يمثل به سيده.
قال: وكذلك أيضا الذي يعتق نصيبه من عبده وهو مليء ولا ينظر في أمره حتى يموت، فإنه لا يقوم على ورثته، فحاله حال الذي يعتق سيده بعضه وهو صحيح، والذي يمثل به سيده ولا ينظر في أمرهم حتى يموت السيد إن هؤلاء لا يعتقون على الورثة وإنما يعتق على الورثة الذي إذا ملكه المشتري أعتق عليه ساعتئذ.
قال محمد بن رشد: قوله في الذي يعتق نصف عبده وهو صحيح فلا يحكم عليه بعتق باقيه حتى يموت: إنه لا يعتق منه إلا النصف الذي أعتق وهو المشهور في المذهب، وقد قيل: إنه يكون حرا كله بعتقه لبعضه لسريان العتق في جميعه على الإشاعة، حكى عبد الوهاب القولين في ذلك على المذهب.

(15/40)


وجه القول الأول: أن تتميم عتقه عليه ليست فيه سنة وإنما تتم عليه بالقياس على ما جاءت به السنة في العبد بين الشريكين يعتق أحدهما حصته منه، فإذا لم يعتق عليه نصيب شريكه إلا بالحكم كان ذلك حكم العبد يكون للرجل فيعتق بعضه.
ووجه القول الثاني: أنه إذا أعتق بعض عبده فقد سرت الحرية في جميعه، وإذا وجب أن يكون حرا كله بعتق جارحه منه كيده أو رجله كان أحرى أن يكون حرا كله بعتق نصفه لسريان الحرية في جميعه، والفرق بين ذلك وبين العبد بين الشريكين أن الحرية إنما تسري إلى ملك المعتق لا إلى ملك من سواه، ولأن الرجل إذا أعتق شقصه من العبد قد لا يقوم حظ شريكه وإن كان موسرا إذا لم يرد شريكه أن يقومه عليه فأعتق حصته منه، فإذا كان التقويم موقوفا على اختيار الشريك وجب ألا يكون حرا حتى يقومه عليه فأعتق حصته منه، وإذا أعتق الرجل بعض عبده ولا دين عليه لا بد من عتق باقيه، فالحكم في ذلك مبني على التغليب، ولما لم يكن للرجل أن ينقض حق نفسه سرت الحرية في جميعه.
والشافعي يقول: إذا أعتق حظه من العبد وهو موسر عتق جميعه بالسراية، وهو بعيد، إذ من حق الشريك أن يعتق نصيبه منه ولا يقومه عليه.
وأما المعتق بالمثلة فلا يكون إلا بالحكم على المشهور في المذهب، وقال أشهب وابن عبد الحكم: إن المثلة إذا كانت مشهورة بينه كان العبد حرا بها دون حكم السلطان، ووجه ذلك اتباع ظاهر ما روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من قوله: «من حرق مملوكه بالنار أو مثل به فهو حر، ولاؤه لله ورسوله» ، ووجه قول ابن القاسم الذي هو المشهور في المذهب، ما جاء في نص

(15/41)


الحديث: «من مثل بعبده فأعتقوه» ، ولم يقل فهو حر.
وأما من يعتق على الرجل فلا اختلاف في أنه يكون حرا بنفس الملك دون حكم.
واستدلاله بالميراث وسائر أحكام الحرية على الفرق بين من يعتق على الرجل وبين من يعتق بعض عبده بقوله: ألا ترى أن الميراث يجب لمن اشتراه من يعتق عليه من يوم اشتراه، وتكون أحكامه أحكام حر من يومئذ، والذي أعتق بعض عبده لا يجب له الميراث ولا تكون أحكامه أحكام حر حتى يعتق عليه باقيه ليس بصحيح، لأن ذلك هو نفس المسألة، ولا يقاس الشيء على نفسه، وإنما يقاس على غيره، فلا يصح أن يذكر ذلك إلا على بيان افتراق حكم المسألتين، لا على سبيل الاستدلال على الفرق بينهما، وبالله التوفيق.

[: يعتق عبده النصراني ثم يسلم]
ومن كتاب الصبرة وسئل: عن النصراني يسلم وقد كان أعتق أو دبر أو كاتب فيريد أن يرجع في ذلك كله، ويقول: قد كان الرجوع لي جائزا في ديني.
قال: سمعت مالكا يقول في النصراني يعتق عبده النصراني ثم يسلم فيتعلق به يريد استرقاقه، قال: لا أرى أن يحال بينهما. قال ابن القاسم: وأنا أرى المدبر والمكاتب بمنزلة ذلك، لا أرى أن يمنع رد واحد منهما في الرق وفسخ ما كان جعل له إن أحب ذلك ما كانا على دينهما.
قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم: ما كانا على دينهما - معناه: أنه لا يمنع بعد الإسلام من رد الكتابة والتدبير الذي أوجبه له ما كانا على دينهما، فليس قوله بخلاف لقول مالك، والأصل في ذلك قول الله عز وجل: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] .

(15/42)


فلا يلزم الكافر إذا أسلم الوفاء بما نذر ولا بما عقده على نفسه من العقود لله إذ كان لا يعرف الله ولا يؤمن به فلا يتوجه إليه في ذلك الحال خطاب الله تعالى بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] وما روي «أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سأل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف في المسجد الحرام، فقال: "ف بنذرك» ، معناه أنه أمره أن يفي لله عز وجل بطاعة يطيعه بها في الإسلام مكان النذر الذي لم يمكن منه طاعة حتى يعمل حسنة مكان النذر الذي لو عمله في حال شركه لم يكن كذلك؛ لأن "ف" لا تستعمل إلا فيما ليس بواجب، وإنما تستعمل في الواجب "أوف"، وإن كان قد جاء في بعض الآثار "أوف" فمعناه ما ذكرناه، إذ قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما النذر ما ابتغي به وجه الله عز وجل» ، وقد علمنا أن المشرك لم يرد بنذره ولا بعتقه وجه الله عز وجل، وهذا إذا كان لما أعتقه لم يخل سبيله ولا خرج عن يده، وأما إن كان لما أعتقه خلى سبيله وأطلقه ثم أراد أن يرجع في عتقه بعد أن أسلم فلا يكون ذلك له على ما في كتاب الجنايات من المدونة، ويكون ذلك على ما يأتي في رسم يشتري الدور والمزارع بعد هذا وبالله التوفيق.

[مسألة: يقول أحد عبيدي حر]
مسألة وسئل: عن الرجل يقول أحد عبيدي حر فيقوم به عبيده إن له أن يعتق أيهم أحب، ولورثته إن مات قبل أن ينفذ العتق لأحدهم مما

(15/43)


كان للميت، فإن نظر في أمره وقد مات العبيد كلهم إلا واحدا كان عتيقا ولم يجب له أن يجعل العتاقة لمن قد مات ويلزم الورثة مثل ذلك.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والكلام عليها مستوفى في رسم باع شاة من سماع عيسى فلا معنى لإعادته.

[مسألة: قول الرجل لعبده أو لأمته ائتني بكذا وكذا وأنت حرة]
مسألة وسئل: عن الرجل يقول لأمته ائتني بمائة دينار وأنت حرة فتلد قبل أن تأتي بالمائة ثم تأتي بها، أيعتق ولدها بعتقها؟
قال: لا أرى ذلك إلا لها خاصة لا يدخل الولد في شيء من هذا.
قلت: أيجوز لسيدها أن يرجع فيما جعل لها من العتق بغرم المائة؟ قال: لا.
قلت: أفيجوز له بيعها؟ قال: لا حتى يتلوم لها السلطان، فإن جاءت بالمائة دينار وإلا أمكنه من بيعها أو بطول الزمان وهي تاركة لغرم المائة لا تعتق بذلك فإن باعها بعد طول الزمان جاز بيعه إياها.
قلت: فإذ لا يجوز لسيدها أن يرجع فيما جعل لها، ولا يجوز له بيعها إلا بما ذكرت من تلوم السلطان أو بعد طول زمان، فما الذي أخرج الولد عما عقد لها قبل أن تحمل به؟
قال: لأن الذي عقد لها ليست كتابة ولا عتاقة إلى أجل فيجري من ذلك للولد ما جرى للأم، ألا ترى أنه لو مات ولم يأت

(15/44)


بشيء لم يكن على ورثته أن يعتقوها وإن جاءت بالمائة الدينار إلا أن يرضوا إذا لم يوص لها بذلك ولم ينفعها ما قال لها في صحته، قال: ومثل ذلك عندي الأمة تجرح الرجل فلا يقوم المجروح بأخذ عقله حتى تلد فإن سيدها إن أسلمها لم يكن عليه أن يسلم ولدها معها وقد كانت مرهونة بما وجب عليها من عقل ما جنت.
قال محمد بن رشد: قول الرجل لعبده أو لأمته ائتني بكذا وكذا وأنت حرة، أو متى ما جئتني أو إن جئتني أو إذا جئتني سواء كله عند ابن القاسم، وسواء عنده أيضا سمى لذلك أجلا أو لم يسمه، لأنه إن لم يسم لذلك أجلا كان ذلك إلى القدر الذي يؤدي إليه مثل ذلك العدد الذي سمى ذلك العبد أو تلك الأمة على ما يظهر من قدرتها على السعاية فيه باجتهاد السلطان في ذلك كله.
فقوله في هذه الرواية: إن ولدها لا يدخلون معها فيما جعل لها سيدها من هذا خلاف نص قوله في المدونة: إنهم يدخلون معها، فعلى قوله فيها يلزم ورثة السيد إذا مات ما لزمه هو من ذلك على حكم الكتابة، وقوله فيها إن ذلك لا يلزم ورثته إن مات خلاف نص ما في سماع عبد الملك بعد هذا من هذا الكتاب، وخلاف ما تقدم في رسم إن خرجت من سماع عيسى في الذي يدفع إلى عبده مائة شاة ويقول له اعمل عليها فإذا بلغت كذا وكذا فأنت حر، فعلى ما في سماع عبد الملك وما تقدم في سماع عيسى من أن ذلك يلزم الورثة يدخل الأولاد معها على حكم الكتابة مثل ما في المدونة، لأن بعض ذلك يفسر بعضا، ورواية يحيى هذه هي المخالفة لذلك كله في أن الولد لا يدخلون معها، وفي أن ورثة السيد لا يلزمهم ما لزمه هو، وإنما وقع الخلاف في هذا بين هذه الرواية وبين سائر الروايات التي ذكرناها من المدونة وغيرها من أجل أنه ليس في شيء منها قبول الأمة لذلك ورضاها به والتزامها له، ولو رضيت بذلك وقبلته والتزمته لما اختلف في أنها كتابة على حكم الكتابة يدخل

(15/45)


ولدها فيها، ويلزم ورثة السيد ما لزمه هو، لأن الكتابة عقد من العقود بين العبد وسيده، فلا تتم إلا برضاهما جميعا على القول بأن السيد لا يجبر عبده على الكتابة، فالاختلاف الذي بين هذه الرواية وبين سائر الروايات في دخول الولد معها وفي لزوم ورثة سيدها ما لزمه راجع إلى هذا الاختلاف، فلم ير ابن القاسم في هذه الرواية قول الرجل لأمته ائتني بكذا وكذا وأنت حرة كتابة، إذ لم يعقد ذلك معها ولا التزمه لها، وذلك من قوله هذا على القول بأن السيد لا يجبر عبده على الكتابة فألزمه هو ما التزمه لها من عتقها إذا أتته بالمائة، ولم ير لولدها في ذلك دخولا ولا رأى ذلك لازما للورثة إذ ليست بكتابة ولا عتقا مؤجلا إذ قد يكون إن جاءت بالمائة، ولا يكون إن لم تأت بها، فأشبه قول الرجل لعبده إن جاء فلان فأنت حر في أن الولد لا يدخل في ذلك، وأن ذلك إنما يكون لها مع حياة سيدها، ورأى ذلك ابن القاسم في المدونة وفي سماع عيسى وعبد الملك كتابة وإن لم يكن منها في ذلك قبول ولا التزام على قياس القول بأن الرجل يجبر عبده على الكتابة، فهذا وجه القول عندي في هذه الرواية، وقال ابن الماجشون في الواضحة: إذا لم يقبل العبد ذلك ولا ألزمه لم يلزم السيد أيضا، وكان له أن يبيعه، فقول الرجل لعبده على مذهبه إن جئتني بكذا وكذا إلى أجل كذا وكذا إذا لم يقبل العبد بمنزلة قول الرجل لعبده إن قدم فلان في هذه السنة فأنت حر في جميع الوجوه.
وهذا الذي ذكرته من أنه لا فرق عند ابن القاسم بين أن يسمي أجلا أو لا يسميه، ولا بين قوله ائتني بكذا وكذا أو إن جئتني وإذا جئتني أو متى ما جئتني بين من قوله في المدونة من رواية عيسى عنه.
وفرق المغيرة بين قوله: إن جئتني بكذا أو إذا جئتني بكذا، فقال: إنه إذا قال: إن جئتني، يلزمه ذلك هو وورثته بعده، فليس له ولا لهم أن يبيعوه ما لم يطل الأمر جدا، وإن قال: إذا جئتني أو متى ما جئتني، لم يكن ذلك للعبد بعد موت السيد، وكان له ذلك في حياته وإن طال الزمان جدا ما كان في ملكه ولم يبعه، هذا معنى قوله.

(15/46)


وساوى ابن كنانة بين أن يقول إن جئتني بكذا وكذا فأنت حر وأنا أعتقك وفرق بين أن يسمي لذلك أجلا أو لا يسميه، فقال: إنه إن لم يسم أجلا يتلوم له في ذلك على ما ذكرناه من مذهبه، وفرق بين أن يقول فأنت حر أو فأنا أعتقك، فقال: إنه إذا قال فأنا أعتقك فأتى بما سمي له من المال لا يلزمه عتقه إذا قال لم أرد إيجاب ذلك على نفسي، ويحلف ما أراد إيجاب ذلك على نفسه، وإنما أراد أن يفعل ذلك إن شاء، وقول ابن القاسم هو الفقه بعينه، وبالله التوفيق.

[مسألة: أعتق حظا له في عبد ثم أعتق بعد ذلك عبدا لا مال له سواه]
مسألة وسألته: عن الرجل يعتق حظا له في عبد ثم أعتق آخر لا شركة له فيه ولا مال له غيره، أيمضي عتق الآخر ولا يعتق عليه من الأول نصيبه منه؟ أم يبطل عتق الآخر ويقوم عليه الأول؟
فقال: بل يمضي عتق الآخر ولا يقوم عليه الأول، إذ لا مال له إلا العبد الذي أنفذ عتقه قبل أن يقوم عليه الأول، وذلك أن القيمة لم تكن عليه كالدين الثابت، ألا ترى أنه لو كان ذا مال يوم أعتق نصيبه من الأول ثم داين الناس فقاموا يطلبونه بأموالهم التي داينهم بها بعد عتقه نصيبه من العبد وقام العبد يطلب أن يقوم عليه كان الغرماء أحق بماله ولو لم يقوم عليه العبد الذي أعتق بعضه، وإنما ينبغي للسلطان أن يقوم عليه فيه فيما يجد له من مال يوم يرجع إليه أمره.
قلت له: أرأيت إن أحدث بعد عتق نصيبه من العبد صدقات وهبات، أتجيزها؟
قال: نعم، ذلك عندي ماض عليه جائز لمن كان ذلك منه إليه.

(15/47)


قلت له: وإن كاتب عبدا؟
قال: تمضي الكتابة ويباع ما على المكاتب بما يجوز له بيع ما عليه، ثم يقوم على المعتق من حصة شريكه في العبد بقدر ما يبلغ ما يباع به كتابة المكاتبة، فإن كان ذلك ما يعتق به جميعه قوم عليه فيه وأعتق ولا ترد الكتابة.
قلت له: فإن أحدث تدبيرا؟ قال: أرى أن يرد التدبير فيباع العبد الذي دبر ويقوم عليه الأول في ثمن المدبر إلا أن يكون في ثمن المدبر فضل عن استتمام عتق الأول فلا يباع منه إلا بقدر ما يعتق به الأول.
قلت: لم أجزت الصدقات والهبات ولم ترددها حتى يقوم عليه نصيب شريكه من العبد في ماله الذي أحدث فيه الصدقات والهبات ورددت التدبير، والتدبير كان أحق بأن يجوز له من الصدقة.
قال محمد بن رشد: قوله في الذي أعتق حظا له في عبد ثم أعتق بعد ذلك عبدا لا مال له سواه أو تداين ديونا قبل أن يقوم عليه العبد تستغرق ماله: إن العتق ينفذ عليه في عبده، ويكون الغرماء أحق بماله ولا يقوم عليه العبد الذي أعتق حظه إذا لم تكن القيمة عليه كالدين الثابت صحيح لا اختلاف أحفظه في المذهب في أن ملك الشريك باق على حصته من العبد حتى يقوم على الذي أعتق نصيبه منه ويعتق عليه، ويأتي على ما ذكرناه في الرسم الذي قبل هذا عن الشافعي أنه يعتق عليه حظ شريكه بالسراية أن يكون التقويم أحق من ديون الغرماء الحادثة بعد عتقه لنصيبه، وأحق من عتقه للعبد الذي أعتقه بعد ذلك، وهو بعيد على ما ذكرناه، إذ لا يسري ما أعتق من ملكه إلى ملك شريكه.

(15/48)


وقال في الرواية: إنه إذا أحدث بعد عتقه لنصيبه صدقات وهبات وتدبيرا إن الصدقات والهبات تنفذ ويكون أحق من التقويم، وإن التدبير يرد فيكون التقويم أحق، ولما سأله عن الفرق بين التدبير والصدقات والهبات واعترض عليه بأن الصدقات والهبات أحق أن يرد من التدبير - سكت له عن الجواب في ذلك، والجواب في ذلك: أن التدبير أحق أن يرد من الصدقات والهبات، إذ قد اختلف في التدبير، فقيل: إنه غير لازم وإن لسيده أن يبيعه، وإن للإمام أن يبيعه عليه في الدين الحادث بعد التدبير، ومالك يرى أنه يباع بعد الموت في الدين الحادث، فقد لا يحصل له في التدبير عتق، والصدقات والهبات لا اختلاف بين أحد من أهل العلم في وجوبها للموهوب له وللمتصدق عليه؛ إذ قبضاها وحازاها على الواهب والمتصدق، وهو الذي أراد ابن القاسم والله أعلم، وأما إذا لم يحزها الموهوب له والمتصدق عليه عن الواهب والمتصدق، فالذي يوجبه النظر في ذلك عندي على المذهب أن يتحاصا جميعا، لأن الشريك والعبد يطلب التقويم، والموهوب له أو المتصدق عليه يطلب هبته أو صدقته، وليس أحدهما بأحق بالقضاء له من صاحبه، وقد رأيت لابن دحون أنه قال: إذا قيم عليه بالتقويم قبل أن يحاز عنه الصدقة والهبة والعطية فهي مردودة حتى يعتق منها باقي العبد ويمضي ما بقي، ولقوله وجه وهو مراعاة قول من يقول من أهل العلم: إن للواهب والمتصدق أن يرجع في هبته وصدقته ما لم يقبض منه، وبالله التوفيق.

[مسألة: جعل على نفسه رقبة من ولد إسماعيل]
مسألة وسئل: عن رجل جعل على نفسه رقبة من ولد إسماعيل.
قال مالك: ليعتق رقبة، قيل له: أتجزيه رقبة من الزنج؟ قال: ليعتق رقبة أقرب إلى ولد إسماعيل.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال، لأن للشرف في النسب مزية

(15/49)


توجب التنافس في العبيد من أجلها والزيادة في ثمنها، والأجر على قدر ذلك لما جاء من «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل: أي الرقاب أفضل؟ فقال: "أعلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها» ، فوجب أن يجري ذلك فيما نذر، وبالله التوفيق.

[مسألة: العبد ينكح الحرة وأبو العبد حر فيولد للعبد من الحرة]
مسألة وسئل ابن القاسم: عن العبد ينكح الحرة وأبو العبد حر فيولد للعبد من الحرة، أيجر الجد ولاء ابني ابنه من الحرة؟
قال: نعم، وهو قول مالك، قيل له: أرأيت ما ولد للعبد من الحرة وقد مات الجد، أيكون ولاؤهم لموالي الجد كما كان يجر ذلك إليهم الجد في حياته؟ قال: لا، قيل: فهل يجر الجد ولاء من ولد لابنه العبد من الحرة قبل أن يعتق الجد إذا عتق الجد؟ قال: نعم، قيل له: فلم لا يجر الجد ولاء من ولد بعد موته كما جر إليهم الجد حين أعتق ولاء من كان ولد لابنه قبل أن يعتق؟ قال: إنما مثل الذين ولدوا بعد موت الجد بمنزلة ما لو أن العبد لم يولد له من امرأته الحرة ولد حتى مات أبوه الحر ثم ولد له بعد ذلك أولاد فإن ولاءهم لا يكون لموالي الجد، ولا ينتقل عن موالي الأم، فإذا لم يجر موالي الجد ولاء ما ولد لابنه إذا لم يولد منهم أحد في حياة الجد، فكذلك إذا ولد بعضهم في حياته وبعضهم بعد موته لا يكون لهم إلا ولاء الذين ولدوا في حياة الجد الذين كانوا ثبتت مواريثهم بينهم وبين الجد.
قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة في رسم النسمة من سماع عيسى ومضى الكلام عليها هنالك، وهي بينة صحيحة.

(15/50)


وأما الحجة التي احتج بها إذ قال إنما مثل الذين ولدوا بعد موت الجد بمنزلة ما لو أن العبد لم يولد له ... إلى آخر قوله، فهي ضعيفة، لأن السؤال إنما هو فيمن ولد لابنه العبد بعد موته هل يجر ولاءهم إلى مولاه أم لا، فلا فرق فيهم بين أن يكون لابنه العبد ولد سواهم قد ولدوا في حياته أم لا، فالجد يجر إلى مواليه عن موالي الأم ولاء ولد ابنه العبد كان قد أعتق قبل أن يولدوا أو بعد أن ولدوا، فإن عتق أبوهم بعد ذلك جر الولاء عن موالي الجد إلى مواليه الذين أعتقوه، والمعنى في هذا أن الجد لما كان وارث ابنه العبد لو مات من أجل أن العبد لا يرث كان مولاه الذي أعتقه هو وارثه إذا مات، ولما لم يكن الجد وارث ابنه العبد لو مات إذا كان هو قد مات قبله لم يكن مولاه الذي أعتقه هو وارثه، لأن مولى الجد إنما يرث بالولاء من كان يرثه الجد لو كان حيا، وهذا بين، وبالله التوفيق.

[: حكم ما للعبد المعتق بعضه]
ومن كتاب الصلاة قال: وسمعته يقول في العبد يكون بين الرجلين يعتق أحدهما حظه فلا يجد له السلطان شيئا يقومه عليه فيعتق نصفه ويرق النصف للشريك: إن ماله يوقف بيده ولا يجوز استثناؤه للمعتق ولا أخذه للمتمسك بالرق، ولكنه يوقف بين العبد.
قيل له: فإن جر جريرة تكون في رقبته؟ قال: يكون عليه غرم نصف قيمة الجريرة ويخير المتمسك بالرق في نصفه، فإن شاء أسلم نصيبه فيه إلى المجني عليه، وإن شاء افتداه، قيل له: فإن جرح العبد ممن عقل جرحه؟ قال: يقتسمان ذلك للعبد نصفه وللمتمسك بالرق نصفه، قيل له: أيدفع إلى السيد نصفه؟ قال: نعم.

(15/51)


قلت: وإلى العبد نصفه يصنع به ما أحب؟ قال: بل هو مال من ماله يوقف مع ماله الأول ويسوغ للسيد تعجيل أخذ نصيبه، قيل له: أرأيت إن ولد له من أمته فأعتق السيد نصيبه من أبيه؟ فقال: ابنه بمنزلته، فإن أعتق السيد حظه من ابنه فهو عتيق كله، قيل: فمات الابن عن مال فمن يرثه وأبوه لم يعتق بعد؟ قال: يورث بالولاء للمعتق الأول نصف الميراث وللشريك نصفه، قيل له: فإن تزوج حرة وولد له فمات الابن عن مال؟ قال: ميراثه لأمه ومواليه لأنه لم يعتق فيجر ولاء أبيه، قيل له: فإن أعتق المعتق نصف عبد له بإذن المتمسك بالرق فمات عن مال قبل أن يعتق سيده الذي أعتقه؟ قال: ميراثه للذي تمسك بالرق خالصا إذ لم يجز له أن يرثه من أجل أن العبد لا يرث الحر والمتمسك بالرق أحب بميراث مواليه من الشريك المعتق الأول، وقد قال ابن القاسم في سماع عيسى من كتاب العرية: إن ولاء ما أعتق هذا العبد الذي نصفه حر بين الذي له فيه الرق وبين الذي أعتق النصف ما كان هذا الذي نصفه حر فيه الرق، وإن مات العبد وفيه الرق فهو بينهما أيضا، فإن عتق العبد الذي نصفه حر يوما ما رجع إليه ولاء ما أعتق لأنه ممن لا يجوز للذي فيه الرق انتزاع ماله، فكل ما لا يجوز لسيده انتزاع ماله فما أعتق بإذنه فولاؤه يرجع إليه إذا أعتق، وكذلك المعتق إلى سنين إذا دنا أيضا انقضاء أجل سنيه أو المدبر أو أم الولد إذا مرض سيدهما فما

(15/52)


أعتق هؤلاء بإذن ساداتهم أو بغير إذنهم فأجازوا ذلك لهم أو لم يعلموا به حتى عتقوا فولاء ما أعتقوه يرجع إليهم في حال لا يجوز لساداتهم أخذ أموالهم.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة تشتمل على سبع مسائل بعضها متفق عليها، وبعضها مختلف فيها، وهي حكم ما للعبد المعتق بعضه وجنايته، والجناية عليه، وميراث ولده من أمته قبل أن يعتق الشريك فيه حظه، وبعد أن أعتق حظه منه، وميراث ولده من حرة، وميراث ما أعتق بإذن الذي له فيه الرق.
فأما ماله فلا اختلاف في أن الحكم فيه أن يقر بيده للشريك الذي له في نفسه بتحرية التجارة المأمونة، وليس له أن يهبه ولا يتصدق به، فإن عتق باقيه تبعه ماله، وليس لسيده أن يستثنيه إذ لم يكن له أن ينتزعه، فكذلك الشريك الذي أعتق نصفه أولا ليس له أن يستثني ماله كما قال في الرواية، من أجل أن العبد بين الشريكين ليس لأحدهما أن يأخذ حظه منه دون إذن شريكه.
وأما جنايته فنصفها عليه في ماله وذمته يتبع بها إن لم يكن له مال، ونصفها على الذي له نصفه إن شاء افتداه وإن شاء أسلمه كما قال، ومثله في المدونة، ولا اختلاف أحفظه في ذلك.
وأما الجناية عليه فهي بينهما على ما قاله في الرواية، وهو أحد قولي مالك في المدونة، قال فيها: وقد كان لمالك قول إذا جرح إن جرحه للسيد، ثم رجع فقال: هو بينهما، ولكلا القولين وجه، فوجه القول الأول أنه لما كان ميراثه الذي له فيه الرق من أجل أن الحرية تبع للرق كانت الجناية عليه، ووجه القول الثاني أنه شريك في نفسه، فوجب أن تكون الجناية بينهما كالعبد بين الشريكين يجنى عليه، وهو الأظهر، لأن ما نقص من رقبته بالجناية ليس للذي له فيه الرق إلا بعضه، فليس له أن يأخذه كله، والميراث بخلاف ذلك إذ لا يورث بالحرية إلا من يرث بها.

(15/53)


وأما ميراث ولده من أمته، فولده من أمته بمنزلته، نصفه حر بعتاقة الشريك لنصف أبيه، ونصفه مملوك للذي يملك النصف الآخر من أبيه، فإن مات ونصفه مملوك قبل أن يعتق الشريك نصفه فيه كان ميراثه له ولا اختلاف في هذا.
وأما إن مات وهو حر كله بعد أن أعتق الشريك حظه فيه، فقال في الرواية: إنه يورث بالولاء، للمعتق الأول نصف الميراث، وللشريك نصفه، وفي هذا نظر؛ لأن أباه لم تكمل حريته فلا يجر ولاء ابنه إلى مولاه على أصله في هذه الرواية عنه في ميراث ولده من الحرة، وفي ميراث العبد الذي أعتقه بإذن الذي له فيه الرق، لأنه قال: ولده من الحرة لأمه ومواليه، كذا وقع في الرواية، وهو غلط، وصوابه: لأمه ومواليها، وإنما قال لأمه ومواليها لأن موالي أمه هم مواليه إذا كان أبوه عبدا، فلم يجعل نصف ما بقي من ماله بعد ميراث أمه للذي أعتق نصف أبيه كما جعل نصف ماله في ولده من أمته إذا أعتق الشريك حظه منها للذي أعتق نصف أبيه، فالمسألتان متعارضتان والذي يأتي في ميراث ولده من أمته إذا كملت حريته بعتق الشريك لنصيبه فيه على قياس قوله في ولده من الحرة أن يكون نصف ميراثه للشريك الذي أعتق نصفه والنصف الثاني لجماعة المسلمين، ويأتي في ميراث ولده من الحرة على قياس قوله في ولده من أمته إذا كملت حريته بعتق الشريك لنصيبه فيه أن يكون نصف ما بقي من ماله بعد ميراث أمه للذي أعتق نصف أبيه، والباقي لموالي أمه، لأن مولى الأب أحق بالميراث من مولى الأم إذا قلنا إنه يجر إلى أبيه ولاء ما أعتق منه قبل أن تكمل حريته، فالاختلاف في رواية يحيى من قول ابن القاسم في هاتين المسألتين على ما بيناه من تعارض قوله فيهما ووجوب رد كل واحد منهما إلى صاحبتها على اختلاف الروايتين عنه: رواية يحيى هذه، ورواية عيسى في رسم العرية في مسألة العبد المعتق نصفه يعتق عبدا له بإذن الذي له فيه الرق فيموت عن مال، لأن النكتة في

(15/54)


المسألة إنما هي هل يجر العبد إذا أعتق بعضه إلى مولاه من ولاء ولده بقدر ما عتق منه أم لا يجره إليه على ما بيناه من اختلاف قول ابن القاسم، لتعارض قوله في ذلك، فعلى قياس القول بأنه يجره إليه يكون ميراث ما أعتق بإذن الذي له فيه الرق بين الذي فيه الرق وبين الذي أعتق النصف على ما قاله ابن القاسم في رواية عيسى، وعلى القول بأنه لا يجره إليه يكون جميع ميراثه للذي تمسك بالرق خالصا على ما قاله في رواية يحيى هذه.
فقد أتى القول بتكلمنا في هذه المسألة على سائر السبع المسائل، وقد مضى في رسم سن من سماع ابن القاسم التكلم على ولاء ما أعتق العبد أو من فيه عقد عتق من مكاتب أو مدبر بإذن سيده أو بغير إذنه، وبالله التوفيق.

[مسألة: يعتق نصيبه من عبد بينه وبين شريكه]
مسألة قال: وسألته: عن الرجل يعتق نصيبه من عبد بينه وبين شريكه وهو معدم لا مال له، فيقول الشريك: أعتقوه عليه كله بالقيمة وأنا أرضى أتبعه به دينا عليه، فقال المعتق: لا أفعل ولا أرضى أن أتبع بشيء يكون علي دينا، وما أعتقت نصيبي إلا للذي علمت أنه لا يعتق علي غيره لعدمي، وما أردت أن أتبع بشيء من الدين، أيلزم عتقه كله أم لا؟
قال: لا يلزم عتقه كله، ولا يتبع بشيء، وتلك السنة.
قال محمد بن رشد: وقعت هذه المسألة في بعض الروايات في أثناء المسألة المتقدمة بعد قوله فيها: ويسوغ للسيد تعجيل أخذ نصيبه، فكتبتها بعدها لاتصال بعضها ببعض، وقد حكى ابن أبي زيد عن ابن المواز أنه يقوم عليه وإن كان عديما، ويتبع بالقيمة ويعتق العبد، وقول ابن المواز هو القياس على ظاهر الحديث أن العبد كله يقوم عليه فيلزم المعتق نصف ذلك، وهو المشهور في المذهب؛ لأن المعنى في ذلك أنه قد أدخل فسادا على

(15/55)


شريكه بعتقه لحصته، إذ ينقص ذلك من قيمته، وأما قول ابن القاسم إنه لا يقوم عليه إذا كان عديما إلا برضاه فيأتي على قياس القول بأن المعتق لحصته من العبد لم يتعد على شريكه بما صنع، فلا يلزمه إلا نصف قيمته على أن نصفه حر، وهو ظاهر ما مضى في أول سماع يحيى من هذا الكتاب، ودليل ما في كتاب جنايات العبد من المدونة من قول ابن القاسم وقول غيره في كتاب أمهات الأولاد، وبالله التوفيق.

[مسألة: الحالف بحرية عبده أن لا يبيعه]
مسألة وقال في رجل سأل رجلا أن يبيعه عبده، فقال: هو حر إن بعتكه، وقال الآخر: امرأتي طالق إن لم أشتره منك، ثم باعه منه: إن العبد يعتق وتطلق امرأة الحالف ليشرينه، قال: وذلك لأن البيع وقع والحنث معا، فيعتق العبد بذلك، ونظر في اشتراء الحالف بالطلاق فلما رأى أن اشتراءه لم يتم له إذا عتق العبد وجب عليه الحنث لأن اشتراءه لم يكن بعد اشتراء إذ لا يثبت عليه ولا يتمسك به وهو ينقض عليه على صغار منه، فأما إذا كان البيع هكذا فالحنث لازم له؛ لأنه لا سبيل له إلى اشترائه أبدا إذا أعتق.
قال محمد بن رشد: قد قيل في الحالف بحرية عبده أن لا يبيعه: إنه لا شيء عليه إن باعه، قاله عبد العزيز بن أبي سلمة، وهو القياس؛ لأنه إن انعقد البيع فيه صار معتقا لما في ملك المشتري، وإن لم ينعقد فيه لم يلزمه شيء، فعلى هذا القول لا يكون على واحد منهما في هذه المسألة شيء؛ لأن الشراء يصح للمشتري، ووجه القول بأنه يعتق على البائع وإن لم يتم فيه البيع لوجوب عتقه به، هو أن الحنث يدخل بأقل الوجوه، كمن حلف أن لا يبيع عبده فباعه بيعا فاسدا أنه يحنث به وإن نقض البيع فيه ورد عليه، ولما وقع البيع والعتق معا، قال سحنون: إن المال يبقى للبائع ولا يكون تبعا للعبد

(15/56)


كالعتق، وفي قوله نظر، لأن الذي يتناول على المذهب أن العتق وقع بأول البيع قبل تمامه، إذ لو تم البيع فيه لما لزم العتق، وإذا وقع العتق قبل تمام البيع وجب أن يكون المال تبعا للعبد، ووجه قوله أنه لما قصد إلى عتقه بالبيع، وحكم البيع أن يبقى المال فيه للبائع صار كأنه قد استثناه، وذلك بين من إرادته؛ لأنه قال: إن المال يكون للبائع؛ لأن البيع أوجب العتق، فصار البائع أولى بالمال من العبد، هذا نص قوله، وبالله التوفيق..

[مسألة: باع وقد حلف أن لا يبيع]
مسألة وقال في الرجل يحلف بحرية جارية له إن باعها فتصدق بها على ابنة له في حجره ثم يريد بيعها لابنته في بعض مصلحتها: إنه إن باعها لزمه الحنث فعتقت عليه، وغرم القيمة لابنته.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله، لأنه باع وقد حلف أن لا يبيع، فوجب أن يحنث إلا أن تكون له نية أو يكون ليمينه بساط يدل على أنه إنما حلف ألا يبيعها ليتمول ثمنها وينتفع به، وبالله التوفيق.

[مسألة: يقول أحد عبيدي حر وله عبيد]
مسألة وقال في الرجل، يقول: أحد عبيدي حر، وله عبيد: إنه يقال له: أعتق من شئت ولا شيء عليك غير ذلك، وسئل: عنها سحنون وذكرت له هذه الرواية من قول ابن القاسم وما روى عنه عيسى أنه يقرع بينهم، فقال: أنا أقول بكلا القولين، أقول بما روى يحيى بن يحيى أن يكون ورثته بمثابة إذا اجتمعوا على الرضا بعتق واحد منهم، فإذا اختلفوا قلت بما روى عيسى أنه يقرع بينهم فأعتقت أحدهم بالسهم.

(15/57)


قلت: فإن مات قبل أن يعتق منهم أحدا وإنما كان قال ذلك في صحته، قال: يصير ورثته بمنزلته يعتقون أيهم أحبوا كما كان ذلك للميت، وليس هو بمنزلة الذي يوصي سيدهم أن يعتق رأس منهم ولا ينصه بعينه، ولأولئك مسألة قد فسرنا هنالك، وقال في رجل يقول وله نسوة إحدى نسائي طالق ولم ينو واحدة منهن: إنهن يطلقن عليه جميعا.
قال: وأما إن قال أحد عبيدي حر وله مماليك ولم ينو واحدا بعينه: إنه يقال له أعتق من شئت منهم، وإن مات ولم يعتق منهم أحدا قيل لورثته قد نزلتم منزلته فأعتقوا من بدا لكم منهم.
قال محمد بن رشد: مثل هذا في المدونة أن الطلاق لا يختار فيه، بخلاف العتق، وقد روى أبو عبيد عن مالك: أن الطلاق يختار فيه كالعتق وليس بينهما فرق بين في القياس.
ووجه التفرقة في ذلك بين العتق والطلاق أن العتق يصح فيه التبعيض، بخلاف الطلاق. وقد مضى في رسم باع شاة من سماع عيسى القول مستوفى في مسألة العتق هذه فلا وجه لإعادته.

[مسألة: كاتب جميع رقيقه فلم يجز ذلك الورثة]
مسألة قال يحيى: قلت لابن القاسم: أرأيت إن كاتب جميع رقيقه فلم يجز ذلك الورثة والثلث يضيق بهم أليس يعتق من كل واحد منهم ثلثه؟ قال: بلى.
قلت: ولم لا يقرع بينهم في الثلث؟ قال: أرى إذا قطع لهم الورثة الثلث أن يسهم بينهم فيه كالموصى لهم بالعتق.
قال محمد بن رشد: نفى القرعة أولا ثم رجع إليها آخرا، فهو اختلاف من قوله، فوجه القول بها القياس على الوصية بالعتق، لأنه وإن كان

(15/58)


الأصل كتابة فقد عاد ذلك إلى العتق، ووجه المنع منها أن القرعة في القياس غرر فلا تكون إلا حيث جاءت فيها السنة، وهي الوصية بالعتق، فقاس عليها ابن القاسم العتق في المرض لاتفاقهما في المعنى؛ لأنه في الحالتين جميعا عتق من الثلث، والكتابة بخلاف ذلك.
وأشهب وأصبغ لا يريان القرعة، إلا في الوصية خاصة، وابن نافع لا يقول بها إلا إذا لم يكن للميت مال غيرهم اتباعا لظاهر الحديث، فهي ثلاثة أقوال، وإجازتها في الكتابة قول رابع، وبالله التوفيق.

[مسألة: حلف بعتق رقيقه وهوصحيح ثم يقوم عليه الغرماء]
مسألة وقال في رجل حلف بعتق رقيقه وهو صحيح ثم يقوم عليه الغرماء وفي قيمة رقيقه فضل عن دينه: إن الدين يفض على العبيد: قيمتهم، فيباع من كل واحد منهم بقدر ما صار على قيمته من الدين حين فض عليهم، ثم يعتق منهم ما بقي.
وتفسير ذلك أنهم إن كانوا ثلاثة عبيد قيمة أحدهم خمسمائة والآخر ثلاثمائة، والثالث مائتان وكان الدين مائة دينار قسمت المائة الدينار على الألف الدينار التي هي قيمة العبيد، فما صار على المائة دينار من المائة الدين نظرت كم ذلك من المائتين؟ فإن كان عشرا بعث عشر رقبة وعتق ما بقي، كذلك يصنع بالثاني والثالث فيما يصير على قيمة كل واحد من المائة الدين إذا قسمت على جميع قيمتهم، وعلى هذا الحساب يقسم كل ما كان من هذا الوجه.
قال: وإن كان أعتق بعضهم قبل بعض بيع الآخر فالآخر حتى ينفذ الدين ثم يعتق ما بقي.
قال: وإن أوصى بعتاقتهم أجمعين ولا مال له غيرهم وعليه من الدين ما لا يحيط برقابهم أقرع بينهم أيهم يباع للدين ثم أخرج

(15/59)


ثلث ما بقي بعد ما بيع للدين فإذا عرف مبلغ الثلث أقرع بين العبيد الباقين أجمعين أيهم يعتق في الثلث، فإن اقتسموا أثلاثا فبسبيل ذلك، وإن لم ينقسموا أثلاثا أقرع بينهم الأول فالأول حتى يستكمل إخراج الثلث في قيمة من يخرج سهمه للعتاقة.
وإن كانوا مدبرين في كلمة واحدة وعليه من الدين ما لا يحيط بجميعهم بيع من كل واحد منهم بقدر ما يصير على قيمته من الدين، ويعتق منه ثلث ما بقي، وإنما يقسم الدين على قيمتهم على ما فسرت لك في الذين يعتقون في الصحة وعلى المعتق من الدين ما لا يحيط بجميعهم ولا يسهم بينهم للبيع في الدين ولا بعد إخراج الدين للعتاقة، ولكن يباع من كل واحد ما ينوبه ويعتق منه ثلث ما بقي بعدما بيع منه للدين يتحاصون في الثلث، ولا يقرع بينهم فيه.
قال: وإن كان دبر بعضهم قبل بعض بيع للدين الآخر فالآخر، فإذا قضي جميع الدين عتق في الثلث الأول فالأول ولا يحاص بينهم ولا يسهم بينهم، ولكن يبدون في العتاقة على قدر ما بدأ بهم السيد في التدبير، ويباع الآخر فالآخر للدين كما كان أخرهم السيد في التدبير.
قال: والموصى لهم بالتدبير والمدبرون في الصحة في هذا الوجه سواء.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة جيدة حسنة بينة على مذهبه في المدونة من أن القرعة إنما تكون في الوصية بالعتق إذا لم يحملهم الثلث، فيعتق منهم مبلغ الثلث بالقرعة، وكذلك إن كان عليه دين ولا مال له سواهم وقد أوصى بعتاقتهم أجمعين يسهم بينهم أيهم يباع في الدين ثم يسهم بينهم

(15/60)


أيهم يعتق في ثلث ما بقي بعدما بيع منهم في الدين، وكذلك المبتلون في المرض سواء على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك، وقد ذكرنا الاختلاف في ذلك في تكلمنا عن المسألة التي قبلها.
وأما المدبرون في الصحة أو في المرض أو في الوصية بعد الموت فلا قرعة فيهم ولا فيمن يباع منهم في الدين إن كان على الميت دين ولم يكن له مال سواهم، وإنما يباع منهم في الدين بالحصص أيضا، وكذلك إذا أعتق عبيده في صحته وعليه دين لا يحيط بهم لا يقرع بينهم فيمن يباع منهم في الدين، وإنما يباع منهم بالحصص، ووجه العمل في ذلك أن يعرف ما يقع للدين من قيمتهم، فإن كان الثلث أو الربع أو التسع أو العشر بيع من كل واحد منهم ثلثه أو ربعه أو تسعه أو عشره قلت قيمته أو كثرت، وهو الذي قاله في هذه الرواية، وإن كان في كلامه التباس فهذا معناه، وذلك أنه قال: وتفسير ذلك أنهم إن كانوا ثلاثة عبيد قيمة أحدهم خمسمائة والآخر ثلاثمائة والثالث مائتان وكان الدين مائة دينار قسمت المائة دينار على الألف دينار التي هي قيمة العبيد، فما صار على المائة الدينار من المائة الدين نظرت كم ذلك من المائتين، فإن كان عشرا بعت عشر رقبة، وكذلك تصنع بالثاني والثالث إلى آخر قوله، وموضع الالتباس من قوله، قوله فيه قسمت المائة الدين على الألف التي هي قيمة العبيد، لأن قسمة القليل على الكثير إنما هي بأن يعرف ما يقع منها بالتسمية على ما ذكرناه.
وقوله أيضا فما صار على المائة الدينار من المائة الدين إذ لا حاجة بنا أن نعرف ما يقع من الدين على كل مائة من قيمة العبيد، وإنما نحتاج أن نعرف ما يقع جملة الدين من جملة قيمة العبيد فيباع ذلك الجزء من كل واحد منهم على ما قلناه، ولابن نافع في المدنية أن المدبرين في المرض يقرع بينهم، كما يقرع بين الموصى بعتقهم وبين المبتلين، وبالله التوفيق.

(15/61)


[: النصراني يعتق عبدا له ثم يريد بيعه]
من كتاب أوله يشتري الدور والمزارع للتجارة
قال يحيى: قال ابن القاسم في النصراني يعتق عبدا له ثم يريد بيعه: إنه لا ينبغي للإمام أن يمنعه من بيعه إن شاء، لأنهم يستحلون في دينهم مثل هذا، وإنما صولحوا على أن يقروا على دينهم.
قلت: فإن أسلم العبد المعتق قبل أن يرجع السيد في عتقه؟ قال: إن كان يوم أعتقه برئ منه وخلى سبيله فصارت حاله حال الأحرار فلما أسلم وهو بتلك الحال أراد النصراني سيده الرجوع فيه فليس ذلك له، وإن كان لم يزل في يديه من يوم أعتقه يستخدمه بحاله التي كان عليها عبدا حتى أسلم العبد وهو في يدي الذي أعتقه وفي خدمته فإن له أن يرجع في عتقه فيسترقه إن شاء ولا ينتفع السيد بإسلامه لأنه يقول إنما قولنا لعبيدنا أنتم أحرار لا نعدل شيئا ولا يلزمنا به في ديننا عتق أحدهم، ولم يزل هذا العبد في يدي وخدمتي بعد أن قلت هو حر حتى أسلم، فليس إسلامه بالذي يوجب له عتقا لم أكن أجزته له ولا رضيت بإتمامه له، ومثل ذلك عندي ومما يبينه أن النصراني لو طلق امرأته البتة ثم أراد حبسها لم يمنع منها، فإن حبسها بعد الطلاق البتة ثم أسلمت فأرادت أن يلزمه ذلك الطلاق لم يكن ذلك لها، لأنه أمر قد قطعه عن نفسه في دينه بما يجوز له إذا حبسها بعد ذلك، فإسلامه لا يوجب لها طلاقا قد قطعه عن نفسه في دينه، وحبسها بعده، فهو إذا أسلمت إن أسلم في عدتها كان أحق بها ولا يعد الطلاق الذي كان أولا شيئا، قال: ولكن إن كان يوم طلقها البتة خلى سبيلها حتى انقطعت منه وبانت

(15/62)


عن حالها تحته ثم أسلمت فأراد ارتجاعها لم يمكن من ذلك لما قد تبين من تخلية سبيلها وبراءته منها ثم أراد أن يعتقها بالارتجاع بعد إسلامها فليس ذلك له.
قال: والعبد المعتق إن كان خلى سبيله يوم أعتقه فلما أسلم المعتق أراد المعتق ارتجاعه فليس ذلك له.
قلت: فالمدبر يدبره النصراني وهو على دينه ثم يسلم العبد المدبر فيريد سيده نقض التدبير والرجوع فيه؟ قال: ليس ذلك له إلا أن يرجع في تدبيره وهو نصراني مثله لم يسلم، فأما بعد أن أسلم المدبر فلا سبيل له إلى الرجوع فيه وإلى استخدامه ولكنه مخارج عليه.
قلت: فما فرق بين المدبر يسلم بعد التدبير فلا يكون للسيد أن يرجع فيه، والمعتق يسلم بعد العتاقة فيكون للسيد أن يبطل عتقه ويرتجعه؟
قال: لأن المعتق لما لم يزل في خدمته وعمله وبحاله التي كان عليها عبدا قلنا لن يبرأ المعتق منه فيلزمه ببراءته منه عتاقة العبد، وإنما صار حابسا له ومستخدما فكان قوله هو حر ليس بقول لأنه يلزمه في دينه، فإسلام العبد الآن لا يزيده في خدمته ولا يوجب له عتاقة لم تظهر له من سيده ببراءة منه ولا تخلية سبيل، قال: والمدبر إن كان حابسا له لم يخرجه من خدمته، فإن المدبر يعذر بأن يقول إنما جعل لي شيئا بعد موته فكيف كنت أجد سبيلا إلى أن أبين بنفسي أو أنقطع عنه بخدمتي فإذا جعل لي ... قبل أن يموت أراد نقضه لإسلامي،

(15/63)


ولم يكن وجب لي عتق معجل ففرطت في استحقاقه ولا بين الرجوع منه في تدبيري قبل إسلامي فما يسقط حقي عني في حكم الإسلام؟ وأنا من أهله فبماذا يقدر مع ما مضى في ذلك من قول مالك وهو أحق من اتبع.
قلت: فمكاتبة النصراني أيجوز له الرجوع فيما عقد من كتابته؟
قال محمد بن رشد: ظاهر هذه الرواية أن للنصراني أن يرجع في عتق عبده النصراني ما دام على النصرانية، لا يمنع من ذلك، وإن كان لما أعتقه قد كان خلى سبيله وخرج عن خدمته مثل قول ابن القاسم في كتاب المكاتب من المدونة خلاف دليل قول مالك في كتاب ... وذلك له إذا لم يخرجه من يده يدل على أن له أن يرجع في عتقه بعد إسلامه إن كان لم يخرجه من يده، خلاف ما في كتاب المكاتب من المدونة.
فتحصيل المسألة أنه إذا أعتقه وخلى سبيله فخرج من خدمته، فلما أسلم أراد أن يرجع قي عتقه لم يكن ذلك له باتفاق، وإن كان أعتقه ثم أراد أن يرجع في عتقه وهو على دينه قبل أن يخرجه عن يده كان ذلك له ولم يمنع منه باتفاق، وإن خلى سبيله وأخرجه عن خدمته ثم أراد أن يرجع في ذلك قبل إسلامه كان ذلك له على ظاهر هذه الرواية، ولم يكن ذلك له على ما في كتاب الجنايات من المدونة من دليل قول مالك، وإن كان أعتقه ثم أراد أن يرجع في عتقه بعد أن أسلم ولم يكن خرج عن خدمته كان ذلك له على ما في هذه الرواية ولم يكن ذلك له على ما في كتاب المكاتب من المدونة والتدبير، بخلاف ذلك له أن يرجع فيه قبل إسلامه لا يمنع من ذلك، وليس له أن يرجع

(15/64)


فيه بعد إسلامه قولا واحدا، وقد بين ابن القاسم الوجه في ذلك بما لا مزيد عليه.
والكتابة في ذلك كالتدبير سواء على ما قاله في المدونة، ولم يقع لها في هذه الرواية جواب، وبالله التوفيق.

[مسألة: يحلف أن كل عبد يبتاعه إلى سنة فهو حر]
مسألة وسألته: عن الرجل يحلف أن كل عبد يبتاعه إلى سنة فهو حر فيشتري كتابة مكاتب قبل انقضاء السنة التي حلف إليها.
قال: ينتظر بالمكاتب، فإن أدى لم يكن عليه حنث، وإن رق عتق عليه ولزمه الحنث فيه.
قلت: أرأيت إن عجز المكاتب بعد انقضاء السنة، قال: يعتق عليه ولزمه الحنث فيه.
قلت: أرأيت إن عجز المكاتب بعد انقضاء السنة؟ قال: يعتق عليه أيضا، لأنه عقد اشتراءه في السنة التي حلف بحرية ما يشتري فيها.
قال محمد بن رشد: سحنون يقول: إنه لا حنث عليه إن لم يعجز حتى انقضت السنة، وقول ابن القاسم أظهر لأنه إنما ملكه بعد السنة بما عقد فيه قبل السنة، فذلك عنده بمنزلة من تزوج في العدة ودخل بعد العدة، وفي ذلك اختلاف قد مضى تحصيله في موضعه، ولا اختلاف في أنه يعتق عليه إذا عجز في السنة، وبالله التوفيق.

[مسألة: السفيه يعتق أم ولده أيتبعها مالها]
مسألة وسئل: عن السفيه يعتق أم ولده أيتبعها مالها؟
فقال: لا أرى ذلك لها، لأن عتقها لم يمض على تجويز

(15/65)


العتاقة، وإنما أمضاه مالك لأنه رأى العتق قد كان سبق إليها بالولادة، فلما أعتقها كان إنما ترك ما كان له من الاستمتاع بها، فلذلك رأيت لا يتبعها مالها، لأني رأيت إن أتبعها مالها كنت قد جوزت للسفيه القضاء في ماله، قال ابن وهب: مثل ذلك، وقال سحنون مثله تافها كان أو غير تافه لأنه لا يتبعها مالها.
قال محمد بن رشد: هذا خلاف ما مضى من قول مالك في رسم العتق من سماع أشهب، وقد مضى هنالك القول على ذلك، وبالله التوفيق.

[مسألة: السفيه يمثل بعبده أيعتق عليه]
مسألة قال يحيى: قلت لابن القاسم: فالسفيه يمثل بعبده أيعتق عليه؟ قال: لا، ووجه ما يأخذ به أن أنظر إلى كل من إذا ابتدأ عتاقه جاز عتقه فإنه إذا مثل أعتق عليه، وكل من إذا ابتدأ عتاقه لم يجز عتقه، فإنه إذا مثل بعبده لم يعتق عليه، وسئل ابن وهب عن السفيه يمثل بعبده، فقال: أرى أن يعتق عليه، قيل له: أفيتبع العبد ماله؟ قال: لا، قيل له: فالمرأة تمثل بخادم لها لا تملك غيرها فيرد الزوج عتقها؟ قال: لا يكون للزوج هاهنا رد، وإنما وقع العتق عليها بحكم قد مضت سنته فهي بالمثلة عليها حرة رضي الزوج أو كره، قال سحنون في مثلة المرأة ذات الزوج بعبدها أو بخادمها وقيمتها أكثر من ثلث مالها: لا أرى أن يعتق عليها وذلك مثل عتقها، وكذلك قال لنا ابن القاسم.
قيل لسحنون: فالعبد يمثل بعبده؟ قال: لا يعتق عليه، وهو قول ابن القاسم والذي يمثل بعبده فلا يعتق عليه حتى يموت فلا يعتقون عليه بعد الموت.

(15/66)


قال يحيى: قلت لابن القاسم: فالمريض يمثل بعبده في مرضه؟ قال: يعتق عليه في ثلثه فإن صح فمن رأس ماله، قيل له: فالمديان الذي لا مال له إلا العبد وليس فيه وفاء لما عليه يمثل به؟ قال: لا يعتق عليه، ولو جاز مثل هذا لمثل المفلس بجميع عبيده فأعدم الناس أموالهم واستفاد بذلك موالي يعتقد ولاءهم.
قال محمد بن رشد: اختلف في السفيه والعبد والمديان والمرأة ذات الزوج يمثلون بعبيدهم، فقيل: إنه لا يعتق على واحد منهم عبده بالمثلة إلا أن يجيز ذلك للمديان غرماؤه وللمرأة ذات الزوج زوجها، وهو مذهب ابن القاسم في هذه الرواية على ما أصله فيها من أنه لا يعتق بالمثلة إلا على من يجوز له عتق عبيده، ونص قوله في الواضحة على ما حكاه ابن حبيب عنه وهو أيضا مذهب سحنون في هذه الرواية، لأنه إذا قال ذلك في المرأة ذات الزوج فأحرى أن يقوله فيمن سواه منهم لأن أبعدهم من أن يعتق عليه بالمثلة المديان الذي لا وفاء عنده بدينه إلا العبد الذي مثل به للعلة التي ذكرها في الرواية من أنه يتهم في أن يمثل به ليعتق عليه فيكون له ولاؤه ولا يأخذه الغريم، ويليه العبد لقوة تحجير سيده عليه، وإذ قد قيل إنه لا يملك وإن ماله لسيده، ويليه السفيه للإجماع في أنه يحجر عليه في جميع ماله لقول الله عز وجل: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ} [النساء: 5] وتليه المرأة ذات الزوج لأن الزوج إنما يحجر عليها في ثلث مالها، وقد قيل إنه لا تحجير له عليها في شيء منه، فمن قال إنه لا يعتق على المرأة ذات الزوج عبدها بالمثلة إذا لم يحملها ثلثها أو لم يكن لها مال سواه فأحرى أن يقول ذلك فيمن سواها من المذكورين، وهو مذهب سحنون على ما ذكرناه، ومن يقول إنه يعتق على المديان عبده بالمثلة وإن كان الدين مستغرقا له فأحرى أن يقول ذلك فيمن سواه من المذكورين وهو قول أشهب، ومن يقول ذلك في السفيه وهو

(15/67)


قول ابن وهب في هذه الرواية فأحرى أن يقوله في المرأة ذات الزوج وقد لا يقوله في العبد ولا في المديان، ومن يقول ذلك في العبد فأحرى أن يقوله في السفيه وفي المرأة ذات الزوج وقد لا يقوله في المديان.
فيتخرج على هذا في جملتهم خمسة أقوال:
أحدها: أنه يعتق على كل واحد منهم عبده بالمثلة.
والثاني: أنه لا يعتق على واحد منهم بها.
والثالث: أنه لا يعتق على واحد منهم بها عبده إلا على المرأة ذات الزوج.
والرابع: أنه يعتق بها على المرأة والسفيه ولا يعتق بها على العبد ولا على المديان.
والخامس: أنه يعتق بها عليهم كلهم إلا على المديان، وإذا أعتق على العبد بها عبده على القول بأنه يعتق عليه فولاؤه لسيده لا له، قاله ابن حبيب في الواضحة.
واختلف فيمن أعتق منهم عليه عبده بالمثلة على القول بأنه يعتق بها عليه، هل يتبعه ماله أم لا؟ فروي عن ابن القاسم في السفيه أنه يعتق عليه عبده بالمثلة ولا يتبعه ماله وهو قول ابن وهب في هذه الرواية، وروى ابن المواز عنه أن ماله يتبعه، قال: وأظنه قول أشهب لأنه روى عن مالك في السفيه يعتق أم ولده أنها تكون حرة ويتبعها مالها خلاف قول ابن القاسم.
وأما إذا أعتق على المالك لأمر نفسه عبده بالمثلة فإنه يتبعه ماله ولا اختلاف أحفظه في ذلك، ويكون له ولاؤه، وقد قيل: إنه لا يكون له ولاؤه، ويكون لجماعة المسلمين، وولاؤه على ظاهر ما روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من قوله: «من حرق عبده بالنار أو مثل به مثلة فهو حر وهو مولى الله عز وجل ورسوله» ، قال الليث: وهذا أمر معمول به، فظاهر قوله أن الولاء لا يكون له، قال ابن المواز: والقياس في السفيه أن لا يعتق عليه بالمثلة، ومن قال إنه يعتق عليه بها لم أعب قوله، والذي أقوله به أن القياس أن يعتق على كل واحد منهم عبده بالمثلة حاشا المديان، لأنها جناية توجب العتق بالسنة، وذلك من حق العبد، فوجب أن يحكم له بحقه على كل واحد منهم كما لو جنى على

(15/68)


غيره، ألا ترى أن المرأة ذات الزوج والسفيه لو قتلا عبدا لأحد لكانت قيمته في أموالهما، ولو قتل العبد عبدا لأحد لكانت جنايته في رقبته وماله، فعبده إذا مثل به أحرى أن يعتق عليه، ولا يلزم هذا في المديان، لأنه لو جنى على أحد بقتل عبده لم يكن المجني عليه أحق بجنايته من الغرماء، والقياس إذا لم يتهم في تمثيله به لجر ولائه أن يحاص الغرماء بقيمته، فيعتق منه بقدر ذلك.
وقوله في الرواية في الذي يمثل بعبده فلا يعتق عليه حتى يموت: لا يعتق عليه بعد الموت - بين صحيح، لأن عتقه عليه بالمثلة عقوبة له، فلو أعتق عليه بعد الموت لكانت الورثة هم المعاقبون بفعله، وأما المريض إذا مثل بعبده فيعتق عليه في ثلثه إن مات من مرضه، لأن الثلث له حيا وميتا، وإن صح فمن رأس ماله كما قال، ولا اختلاف في هذا أحفظه، وبالله التوفيق.

[مسألة: النصراني يمثل بعبده والعبد مسلم أو نصراني]
مسألة قيل لسحنون: ما تقول في النصراني يمثل بعبده والعبد مسلم أو نصراني؟ فقال: كان أشهب يقول يعتق عليه ما مثل من رقيقه كفارا كانوا أو مسلمين، وكان ابن القاسم يأبى ذلك ويقول لا يعتق على النصراني ما مثل من عبيده النصارى، لأن النصراني لو أعتقه ثم باعه لم أعرض له، قال أصبغ: قال ابن القاسم: ولو مثل النصراني بعبده بعد أن أسلم لعتق عليه.
قال محمد بن رشد: واتفقا جميعا ابن القاسم وأشهب في الحربي المعاهد ينزل بأمان فيمثل بعبده أنه لا يعتق عليه، وهو قول مالك في رسم العتق من سماع أشهب، ويأتي على ما حكى ابن حبيب عن أصحاب مالك أنه يعتق بالمثلة على كل واحد منهما، وقول ابن القاسم أنه لا يعتق على واحد منهما هو الأظهر، لأن العتق بالمثلة إنما هي عقوبة لحرمة المسلم، فوجب أن لا يعتق عليه بالمثلة إلا أن يمثل به بعد إسلامه سواء كان ذميا أو معاهدا كما قال ابن القاسم.

(15/69)


ولو مثل المسلم بعبده النصراني لعتق عليه لأنه حكم بين مسلم ونصراني، فيحكم فيه بحكم الإسلام، ووجه قول أشهب أنه حمل الحديث بالعتق على من مثل بعبده على العموم في المسلمين والكفار من أهل الذمة، وبالله التوفيق.

[مسألة: الذي يمثل بامرأته]
مسألة قال سحنون: كان مالك يقول في الذي يمثل بامرأته: إنها تطلق عليه، بمنزلة بيعه لها، لأنه ليس بمأمون على غيرها.
قال محمد بن رشد: قول مالك في الذي يمثل بامرأته إنها تطلق عليه يريد طلقة بائنة، كذلك روى زياد بن جعفر عنه في المدنية، وقال ابن القاسم فيها: ما سمعت بهذا قط، وأرى أن لا يفرق بينهما ويكون بينهما القصاص والقود، إلا أن يرى السلطان للتفرقة بينهما وجها، قال عيسى مثل أن يخافه عليها، والذي أقول به في هذا أنه ليس باختلاف من القول، وإنما معناه أنه لا يفرق بينهما بالمثلة إلا أن تطلب هي الفرقة وتدعي أنها تخافه على نفسها فيفرق بينهما بطلقة بائنة.
وأما بيعه لها فقول مالك إنما تطلق عليه يريد أيضا بطلقة واحدة بائنة على ما في سماع عيسى من كتاب الحدود وفي كتاب الاستبراء من كتاب أسن، على ما وقع في سماع عبد المالك من كتاب طلاق السنة، وهو قول ابن نافع فيه: إنها طلقة بائنة، وقد روى محمد بن عبد الحكم عن مالك أنها تطلق عليه بالبتة. قال محمد: وأنا أقول: لا يقع عليه طلاق، ويؤدب على فعله، وترد إليه زوجته، وهو قول ابن وهب في سماع عبد الملك من كتاب طلاق السنة ومثله ما في أول سماع ابن القاسم منه في الذي يزوج امرأته، إذ لا فرق في المعنى بين أن يزوجها أو يبيعها، وفي المجموعة أنها تحرم عليه بالبتات إذا زوجها بنى بها الزوج أو لم يبن بها، فهي ثلاثة أقوال أظهرها أنها طلقة واحدة بائنة، وبالله التوفيق.

(15/70)


[: أوصى لأمة له وهو مريض]
ومن كتاب المكاتب
قال: وسألته: عن رجل أوصى لأمة له وهو مريض، فقال إن مت قبل سبعة أشهر أو نحو ذلك ففلانة حرة إلا أن تحدث حدثا من زنا يعرف، فمات قبل السبعة وولدت الجارية بعد موته قبل ستة أشهر فسئلت ممن هذا الولد؟ فقالت: من فاحشة، ثم ادعت بعد أنه من سيدها وأتت بشهيدي عدل يشهدان أنه كان مقرا بوطئها، قال يلحق به الولد وتلحق الأمة بالأحرار من رأس المال، ولا يضرها إقرارها الذي أقرت به أن ولدها من فاحشة.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة، وقد تكلم عليها ابن دحون بكلام صحيح، فقال: ولو لم ترجع عن إقرارها بالزنا للحق الولد بالسيد وحدت وكانت حرة لأن إقرارها بالزنا لا ينفي الولد عن والده وهو يشهد عليه بإقراره بالوطء، وإقرارها أيضا لا يوجب ملكها لأن إلحاق الولد بالأب يوجب أنها أم ولد، فهي حرة وإن حدت على إقرارها بالزنا، ولا تحد حتى تتمادى على الإقرار، ولا يجوز لها استرقاق نفسها، ولا معنى لقوله قبل ستة أشهر إذا أتت به لما يلحق به الأنساب وثبت إقراره بالوطء لحق به وإن ادعت أنه من زنا حدث ولم يضر ذلك الولد وهي حرة، والله الموفق.

[مسألة: تحلف بالحرية لتفعلن كذا فتريد ترك ذلك]
مسألة قال: وسألته: عن المرأة تحلف بالحرية لتفعلن كذا، فتريد ترك ذلك لتحنث نفسها، فينكر ذلك زوجها عليها ويرد يمينها.
قال: حالها في الحنث الواقع عليها والذي تحنث به نفسها وابتداء عتاقتها سواء ما رد الزوج فهو مردود إذا جاوزت قيمة رقيقها ثلث مالها.

(15/71)


قلت: أرأيت ما يحنثها به الزوج مما لو شاء تركها فيه على بر؟ مثل أن تقول رقيقي أحرار إن وطئتني الليلة وأياما تذكرها، أو تقول رقيقي أحرار إن ضربت أمتي هذه الليلة أو نحو ذلك مما يخاف به تعدي زوجها عليها أو على رقيقها أو تكون هي المتعدية في يمينها مثل أن تقول إن وطئتني أبدا أو ضربتني أبدا وقد وجب عليها الأدب مرارا لما ارتكبت.
قال محمد بن رشد: أما يمينها على نفسها بعتق رقيقها وهم أكثر من ثلث مالها ألا تفعل شيئا أو أن تفعله إلى أجل تسميه فلزوجها أن يرد يمينها قبل أن تحنث [أو بعد أن تحنث فإن رد يمينها قبل أن تحنث] ، اكْتَفَى بذلك ولم يكن عليه أن يرد فعلها بعد الحنث، وإن سكت على يمينها ولم ينكره كان له أن يرده إذا حنث ولم يضره سكوته على يمينها، قاله في الرسم الذي بعد هذا.
وأما إذا حلفت عليه فحنثها هو فسكت في الرواية عن الجواب على ذلك، وقال ابن دحون فيها قياسها أنه إن حنثها كان له رد يمينها ورفع العتق عنها، وإن كان هو حنثها لأنه قد كان له أن يرد يمينها قبل أن يحنثها فلا يلزمها حنث بعد رده ليمينها، وليس قوله في ذلك بصحيح، والذي يوجبه النظر في ذلك أنه إن حنثها فيما له أن يحنثها فيه مما تكون متعدية عليه في اليمين به مثل أن تحلف بعتق رقيقها أن لا يطأها أو ألا يكلم فلانا أو ألا يضرب عبده في شيء استوجب الأدب عليه فله أن يحنثها ويرد يمينها بالعتق فلا يعتقون عليها،

(15/72)


وأما إن حنث فيما ليس له أن يحنثها فيه مما لا تكون متعدية عليه في اليمين به مثل أن تحلف بحرية رقيقها أن لا يضرب أمتها أو ألا يضربها إذ لم تصنع شيئا استوجب عليه الضرب فتعدى وضربها أو ضرب أمتها فإنها تحنث ويلزمها العتق ولا يكون له أن يرده لأنه مختار لتحنيثها في غير شيء يجب له، وإلى هذا نحا ابن أبي زيد، فإنه قال في النوادر عقب هذه المسألة: لم يذكر لها جوابا، ويتبين لي في الوطء أن له رد العتق إن وطئها، وأما ضرب الأمة فلا رد له، فمعنى قوله في الوطء الذي يكون في الحلف عليه متعدية عليه، وأما لو حلف أن لا يطأها هذه الليلة لعذر لها في ذلك من مرض أو نحوه فحنثها ووطئها لم يكن له أن يرد العتق، ومعنى قوله في ضرب الأمة الضرب الذي يكون متعديا فيه على ما ذكرناه، وبالله التوفيق.

[مسألة: يحلف بعتق عبد له سماه فيكاتبه أو يدبره أو يوصي له]
مسألة وسألته على الرجل يحلف بعتق عبد له سماه فيكاتبه أو يدبره أو يوصي له بعتقه إلى أجل.
فقال: أما الوصية له بالعتاقة وتدبيره في الصحة والمرض فلا يوجب عليه حنثا، لأنه يرجع في الوصية إن شاء فيبطل ما جعل له فيها، والتدبير لا يعتق العبد فيه إلا بعد الموت والدين يلحقه أحيانا فيبطل تدبيره فلا أرى التدبير يوجب عليه حنثا، قال: وأما إن كاتبه فإنه ينتظر به أداؤه وعجزه فإن أدى ما عليه عتق بالكتابة وحنث سيده في سائر رقيقه، وإن عجز فرق فلا حنث عليه.
قلت: ولم لا نراه حانثا إذا دبره إن سلم من البيع في دين يكون على سيده إذا وسعه ثلث ماله وكان مال سيده مأمونا حتى لا يشك أن الحرية وجبت له ساعة مات سيده، أما ترى حينئذ أن

(15/73)


الحنث وقع على سيده في الرقيق بموته لأنه قد كان عقد له عقدا في الصحة لا يستطيع الرجوع فيه.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة فيها نظر، ولا فرق في القياس والنظر بين الكتابة وبين التدبير والوصية إلا في كون حنثه في التدبير والوصية بعد الموت، فالقياس على قوله في الكتابة أن ينظر إذا مات في العبد الذي أوصى بعتقه أو دبره، وقد كان حلف ألا يعتقه فعتق عبدا له آخر فإن خرج من الثلث وقد بقيت منه بقية أعتقت فيما بقي منه العبد الذي حلف بعتقه أن لا يعتق هذا العبد الذي أوصى بعتقه أو دبره فيه، لأن حنثه فيه بعتقه إنما يحصل بعد الموت، فوجب أن يكون من الثلث، واعتراضه عليه بقوله.
قلت: ولم لا تراه حانثا إذا دبره إن سلم من البيع إلى آخر قوله اعتراض صحيح لازم له، ولذلك سكت عن الجواب، وبالله التوفيق.

[مسألة: العبد الذي سماه أحدهما حر]
مسألة قال: وسألته: عن الأخوين يرثان العبد فيشهد أحدهما أن أباه أعتقه في وصيته منهم عبد أو نصه باسمه ويشهد أخوه أن أباه أوصى بعتق عبد من عبيده نصه الأب فأنسيت اسمه، فما أدري أي عبد هو.
قال: أما العبد الذي نصه أحد الأخوين فهو حر إن وسعه الثلث لأن أحدهما قطع له الشهادة وشكك الآخر فيه نفسه فلا ينبغي لواحد منهما أن يسترقه ولا شيئا منه.
قلت: أفيحكم عليهما بذلك حكما لازما لهما؟ فقال: لا، ولكني آمرهما بذلك وأورعهما عن استرقاقه، لأن الشهادة لم تتم للعبد إذ لم يشهد له إلا واحد.

(15/74)


قلت: ثم يصنعان ببقية العبيد ماذا؟ فقال: يقتسمانهم فما صار للذي أبت فيها الشهادة حل له استرقاقهم، وما صار للشك في وصية أبيه أمرناه أن يحتاط على نفسه بالبراءة من جميعهم، ولا يسترق منهم أحدا، وذلك أنه لا يدري أيهم أعتق لأنه لو ثبتت الشهادة كان المشهود له عتيقا كله إن كان يسعه ثلث مال الموصي.
قلت: فإن كانا عبدين كيف الأمر فيهما ولا مال للميت غيرهما؟
فقال: أرى لهما أن يعتقا من الذي بت أحد الأخوين له الشهادة مبلغ ثلث مال الميت، فإن كان ذلك قدر قيمة ثلثي العبد فذلك له.
ويرق لهما ثلثه، سدس لكل واحد، ثم يقتسمان الباقي، فيطيب للقاطع الشهادة نصفه بما انقطع عنه من الشك في عمله، ويقال للشاك: احتط على نفسك، فإنا لا ندري لعل الوصية كانت إلى هذا؟ فانظر إلى مبلغ ثلث الميت من قيمة العبد فَابْرَأْ مما كان ينوبك من ذلك، فإن كان مبلغ الثلث قدر ثلثي العبد فقد كان يعتق منه ذلك ويرق ثلثه لو ثبت أن الوصية كانت له، فلا يبقى بيد الشاك إلا سدسه، وهو نصف ما كان يبقى بعد إنفاذ الوصية منه، فيعتق ثلثه ويرق للشاك سدسه، ويطيب للمستيقن نصفه، فعلى هذا الحساب يحمل ما أشبه هذا من أمور أهل الشك في الوصايا من الورثة احتياطا عليهم ونظرا لهم، ولا يلزمون ذلك حكما عليهم، ولكن يؤمرون به احتياطا لهم.
قال محمد بن رشد: قوله في الأخوين اللذين شهد أحدهما على أبيه أنه أوصى بعتق عبد من عبيده سماه والثلث يحمله، وقال الآخر: لا أدري

(15/75)


هل هو هذا العبد أو غيره من عبيده لأني نسيته: إن العبد الذي سماه أحدهما حر لأن الواحد قطع له الشهادة، والآخر شك فيه، إلا أنه لا يحكم بذلك عليهما ويورعا عن استرقاقه لا يصح عندي على أصولهم، لأن أحدهما يقطع بوجوب حريته، والآخر يقول لا أدري هل هو هذا العبد أو غيره من العبيد، فالواجب أن يقال للشاك في أي عبد هو الذي أوصى أبوه بعتقه: أنت لا تشك في أن الحرية واجبة لأحدهم فإما أن تحتاط لنفسك فتعتق حظك من كل واحد منهم لاحتمال أن يكون هو الموصى له بالعتق، وإما أن يتقلد أن الوصية كانت لفلان منهم، وإما أعتقنا عليك حظك من كل واحد منهم إذ لا نمكنك من أن تملك حظك من جميعهم وأنت مقر لأحدهم بالحرية، فإن أعتق حظه من العبد الذي سماه أخوه حكم بحرية جميعهم، وكذلك إن أبى أن يعتق حظه من كل واحد منهم لحكم بحرية جميع العبد الذي سمى أخوه، لأنه إذا أعتق حظ أخيه منه بأحد الوجهين وجب عتق جميعه، لأنه مقر أن نصيبه حر بالوصية، وإما أن يتقلد الشاك أن الوصية كانت لغير الذي سمى أخوه فأعتق نصيبه منه، فلا يعتق على الذي سمى العبد نصيبه منه، للضرر الداخل في ذلك على أخيه وإنما يؤمر أن يجعل ثمنه في عتق أن يبيع العبد كله أو وجد لحظه منه ثمنا على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة وغيرها، وعلى ما مضى في رسم يوصي لمكاتبه من سماع عيسى وفي غير ما موضع من هذا الكتاب إلا أن يملك العبد كله أو يملك شيئا زائدا منه إلى نصيبه فيه فيعتق عليه جميع ما ملك منه، فإذا أعتق العبد الذي سماه أحدهما بالوصية فقوله في بقية العبيد إنهما يقتسمانهم فما صار للذي أبت فيه الشهادة حل له استرقاقهم إلى آخر قوله في المسألة فهو صحيح بين وهذا الاعتراض الذي ذكرناه في هذه المسألة يدخل في المسألة الأخرى، إذا كانا عبدين ولم يكن للميت مال غيرهما، فتدبر ذلك تجده صحيحا، وقد ذكرها ابن المواز عن ابن القاسم على نحو ما وقعت هاهنا، فقال: إنه يعتق ثلثا العبد إن لم يدع غيرهما وقيمتهما سواء، ولا يعتق من الآخر شيء، ويقال للشاك: اجعل نصيبك

(15/76)


من ثمن الآخر يريد إن بيع في رقبة يعتقها.
قال محمد: وإنما أعتق ابن القاسم ثلثي المعتق حين لم ينكر الأخ قول أخيه فيه وأمر الشاك أن يجعل ما يأخذ من ثمن الآخر في رقبة لشكه، قال في كتاب آخر عن أشهب مثل ما ذكرها هنا إلا أنه قال يتقاومان الباقي، فإن صار للذي نص العبد الآخر لم يعتق عليه من هذا شيء، وإن صار للشاك لم يأمره أن يملك نصيبه، إذ قد يكون فيه العتق ويقضى بذلك عليه وثلثه رقيق ما لم يرجع قبل أن يقضي عليه فيقول ذكره أنه الذي قال أخي.
وقول أشهب إنهما يتقاوماه معناه إن أراد ذلك، إذ لا يجبر على المقاومة من أباها من الشريكين.
وأما قوله إنه يقضي عليه بعتق حظه من العبد إن صار له في المقاومة ما لم يرجع قبل أن يقضي عليه بذلك فهو خلاف مذهب ابن القاسم في أنه لا يقضي عليه بالعتق في الشك، وبالله التوفيق.

[مسألة: ما أعتقت المرأة من عبيدها إذا فرقت العتاقة في أزمان شتى]
مسألة قال: وسألته: عن امرأة ليس لها مال إلا ثلاثة أرؤس فأعتقت اليوم رأسا، ثم بعد زمان رأسا، ثم بعد ذلك أيضا الثالث، والقيم مختلفة.
فقال: ينظر إلى قيمة الأول، فإن كان قدر ثلث جميع قيمتهم فأدنى فعتاقته جائزة، ثم انظر إلى ما بين عتاقته وعتاقة الثاني فإن كان زمانا قريبا يعرف بقربه أنها مضرة في عتقها الثاني فالعتاقة الثانية مردودة، وإن تباعد ما بين ذلك جدا حتى لا يتهم في الضرر نظرت إلى قيمة الثاني فإن كانت ثلث جميع قيمته وقيمة الثالث فأدنى، أجزت عتاقته أيضا، وأما الثالث فلا عتاقة له على حال من الأحوال، لأنها أعتقته ولا مال لها غيره.

(15/77)


قال: وإن كانت قيمة الأول أكثر من ثلث جميع قيم الثلاثة الأرؤس لم يجز عتقه، ثم إن كانت قيمة الثاني أكثر من ثلث جميع قيم الثلاثة لم يجر عتقه أيضا، وإن كانت قيمة الثاني بعد أن تبطل عتاقة الأول أقل من ثلث جميع قيم الثلاثة أو الثلث فقط جازت عتاقته، فعلى هذا النحو يكون ما أعتقت المرأة من عبيدها إذا فرقت العتاقة في أزمان شتى.
قال محمد بن رشد: لم يجز في هذه الرواية القرب الذي يجوز فيه الأول إن كان الثلث فأقل، ويبطل الثاني من البعد الذي يعتق فيه الأول إن كان الثلث فأقل والثاني إن كان ثلث قيمته وقيمة الثلث، فأقل، والقرب في ذلك اليوم واليومان على ما قاله في رسم حمل صبيا من سماع عيسى إلى الشهر والشهرين على ما قاله ابن حبيب في الواضحة وحكاه عن أصبغ، لأن ذلك يحمل على التفسير لقول ابن القاسم، وقال ابن حبيب إذا لم يكن بين ذلك إلا اليوم واليومان ونحوهما فهو بمنزلة إذا كان في فور واحد يريد الأول وإن كان أقل من الثلث إذا كان مع الثاني أكثر من الثلث، وأما البعد فهو الستة أشهر فأكثر على ما حكاه ابن حبيب، وقد قيل: العام لأنه حد في غير ما مسألة، وقد قيل: إنها إذا تصدقت بثلث مالها فلا ينفذ لها عطية في باقيه قرب ذلك أو بعد، وقد مضى الكلام على هذه المسألة مستوفى في رسم الكبش من سماع يحيى من كتاب الصدقات والهبات، وبالله التوفيق.

[يقول أول عبد أبتاعه فهو حر]
ومن كتاب أوله أول عبد ابتاعه فهو حر قال يحيى: وسألت عبد الرحمن بن القاسم عن الرجل يقول أول عبد أبتاعه، فهو حر، فيبتاع رقيقا في صفقة واحدة، أيكون حانثا في جميعهم؟

(15/78)


فقال: نعم، وإنما مثل ذلك عندي الرجل يقول أول عبد أبتاعه فهو حر فيبتاع شقصا من عبد أنه يقوم عليه ما بقي من العبد فإذا ابتاع عبيدا في صفقة واحدة كان الحنث عليهم في جميعهم أوجب.
قال محمد بن رشد: مثل هذا حكى ابن حبيب عن ابن الماجشون في الميراث أنهم يعتقون عليه جميعا، وإذا قاله في الميراث الذي لم يدخله على نفسه فأحرى أن يقوله في الشراء الذي أدخله على نفسه، وقد قيل إنه يعتق أحدهم بالسهم، وقيل يختار واحدا فيعتقه، والقولان لابن القاسم في أول سماع سحنون في الذي يقول من يشري بكذا فهو حر، فيأتيه ثلاثة من عبيده في مرة، إذ لا فرق بين المسألتين على ما نذكره هناك من أحد التأويلين إن شاء الله تعالى.
وجه القول بأنهم يعتقون جميعا هو أنهم لما ملكهم معا ولم يتقدم أحدهم في الملك على صاحبه كان كل واحد منهم في حكم المتقدم إذ قد علم أنه ذلم يتقدم سواه منهم عليه، وهو في الشراء أيضا لما اشتراهم معا فقد قصد إلى عتق جميعهم.
ووجه القول بأنه يختار واحدا منهم فيعتقه هو أنه لم يعتق إلا عبدا واحدا فلا يلزمه أكثر مما ألزمه نفسه ولما كان كل واحد منهم في حكم الأول وهو لم يعتق إلا واحدا كان له أن يختار من شاء منهم.
وأما القول بالقرعة فوجهه أنه لما لم يكن لواحد منهم مزية في العتق على صاحبه كانت القرعة وجه العدل فيما بينهم، وله أن يقرع بينهم إن شاء على القول بأنه يختار واحدا منهم وليس له أن يختار على القول بأنه يقرع بينهم، وبالله التوفيق.

(15/79)


[مسألة: اشترى عبدا فاستحق من يده]
مسألة قال: وسألته: عن الرجل يقول للرجل أعتق غلامك فلانا ولك مائة دينار فيأخذها ويعتق غلامه ذلك، ثم يأتي رجل يستحق ذلك الغلام عبدا، أو يستحق ذلك العبد بحرية بعد من أصله.
قال: إذا استحق عبدا رجع صاحب المائة على المعتق بها فأغرمه إياها.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال وهو ما لا إشكال فيه، لأنه قد انكشف أنه أخذ مال الرجل باطلا إذا أعتق بأخذه إياه ما لا يجوز له عتقه، إما لأنه حر من أصله وإما لأنه ملك لغيره، وذلك كمن اشترى عبدا فاستحق من يده فله أن يرجع بالثمن على بائعه منه، وبالله التوفيق.

[مسألة: تكون ابنته أمة فيريد سيدها بيعها]
مسألة وسألته: عن الرجل تكون ابنته أمة فيريد سيدها بيعها فلما خاف أبوها تغربها عن بلده أتى رجلا، فقال له: اشتر ابنتي وأنا أعينك في ثمنها بمائة دينار، فيشتريها بالثمن الكثير ويستعين بالمائة أو عسى أن لا يشتريها إلا بتلك المائة أو نحوها أيجوز لمشتريها أخذ المائة من أب الأمة؟ وكيف إن أخذها بشرط أن يحبسها أو يتخذها أو بغير شرط؟
قال: أما إذا أعانه بالمائة على شرط الحبس أو الاتخاذ فإن فرجها يحرم عليه بذلك، ويلزمه رد المائة دينار، لأنه أعطاها إياه على ما لا يحل له، فإن أعطاها على غير شرط ولا عدة يفسد عليه مسيسها فلا بأس أن يأخذها منه، فإذا كان ذلك من الأب على وجه

(15/80)


العون للمشتري والصلة له لما رأى من ضعفه عن اشترائها فهو له ولا يلزمه ردها.
قلت له: فإن عجل بيعها، فقال الأب: إنما أعينك بالمائة لما رجوت من حبسك إياها قال ينظر في أمره:
فإن كان يرى أنه إنما يعين مثله مثل المشتري لهذا الوجه فهو كالشرط يرد المائة على الأب ويجتنب المسيس حتى يردها، وإن كان مثل الأب إنما يعين مثل المشتري على وجه الصلة والمعروف حلت له أمته، وحل له حبس المائة وباع إذا شاء وحبس.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة حسنة تبين ما وقع في المدونة من قوله في الرجل يعطي الرجل المال يشتري به ابنه أو ابنته يعينه به فيفعل الرجل! إنه لا يعتق المشتري منها على واحد منهما، وهما رقيق للمشتري.
وقوله في الرواية إذا عجل بيعها إنه ينظر فيما قال الأب من أنه إنما أعانه بالمائة لما رجاه من حبسها، فإن تبين إنما أعانه بالمائة لهذا الوجه كان ذلك كالشرط ولزمه رد المائة، وإن تبين أنه إنما أعانه بها على وجه الصلة له لا لهذا الوجه كانت المائة له، وفعل بالجارية ما شاء من بيع أو حبس، صحيح ولم يبين إذا لم يتبين الأمر في ذلك على ما هو محمول؟ والذي أراه في ذلك أنه إذا عجل بيعها من غير سبب لبيعه إياها فالأب يصدق فيما ادعاه من نيته مع يمينه على ذلك، ويسترجع مائته، والله الموفق.

[مسألة: تحلف امرأته بالحرية لتفعلن شيئا]
مسألة قال: وسألته: عن الرجل تحلف امرأته بالحرية لتفعلن شيئا أو لا تفعل شيئا تذكره فتخاف حنثها ويريد أن يرد يمينها لكي لا يعتق عليها رقيقها لما جاوزت يمينها من ثلث مالها، فقلت متى ترى أن

(15/81)


تشهد على رده عليها أحين تحلف أم حتى تحنث؟
قال: بل حتى تحنث، وذلك أن التي تقول كل شيء لها حر إن فعلت كذا وكذا فهي على بر ما لم تفعله، فما عليه إن سكت ما كانت على بر، والتي تقول إن أفعل كذا وكذا فكل شيء لها حر لعلها أن لا تحنث إلا بالموت ويكون حنثها كالوصية، فهذا لا يجوز له رد يمينها فيه إلا أن تكون قالت إن لم أفعل كذا وكذا إلى أجل كذا وكذا فكل شيء لها حر، فهذه لعلها أن تفعل الذي حلفت عليه قبل محل الأجل فتبر، ففي كل ذلك لا أرى عليه في سكوته شيئا حتى يجب الحنث، فإذا وجب الحنث لزمه الإنكار وجاز له أن يفعل فيبطل بذلك عتاقة رقيقها إن كانت قيمتهم أكثر من ثلث مالها.
قلت: أرأيت التي تقول إن لم أفعل كذا وكذا إلى أجل كذا وكذا فرقيقي أحرار فعجل الزوج برد يمينها، وقال: اشهدوا أنها إن حنثت فلا حرية لرقيقها، ثم حنثت عند الأجل فسكت الزوج اكتفاء بالشهادة الأولى أيجزيه ذلك أم لا؟ قال: إذا رد عليها قبل أن تحنث ثم حنثت فلم يرد عليها فذلك يجزيه ولا شيء عليها، وذلك أن الرد الأول يرد عليها عتقها ولا أرى عليه أن يرد عليها مرة أخرى.
قال محمد بن رشد: هذه المسألة أبين وأكمل من التي تقدمت في رسم المكاتب فهي تبينها، وقد مضى الكلام على ما فيها من الزيادة على هذه، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

(15/82)


[مسألة: يعطي الرجل من قرابته نصف عبده في مرض المعطى على أن يعتقه]
مسألة وسألته: عن الرجل يعطي الرجل من قرابته نصف عبده في مرض المعطَى على أن يعتقه.
فقال: إن أعطاه إياه على أن يوصي بعتق نصفه فأوصى له بذلك ومات الموصي عتق ذلك النصف ولم يدخل في ثلث الميت ولم يلحقه دين الميت، وذلك أنه إنما أعطيه على العتق شرطا ويرق النصف الباقي لسيده المعطي.
قال: وإن أعطاه إياه على أن يبتله في مرضه فقبل وبتله عتق ذلك النصف من غير ثلثه ولم يلحقه دين وعتق النصف الباقي عليه في ثلثه وقوم للسيد المعطَى فأُعطي قيمة النصف الباقي من ثلث الميت وعجل ذلك النصف الذي قوم في ثلث الميت، وإن كان عليه دين يحيط بماله لم يقوم عليه ذلك النصف، وعتق النصف الذي أعطَى.
قال: وإن أعطيه في صحته على أن يعتق ذلك النصف فقبل وأعتقه جاز عتق ذلك النصف عليه، وقوم عليه النصف الباقي فعتق العبد كله، فإن لم يكن له مال أعتق منه النصف الذي أعطي ويبلغ ماله من النصف الباقي وإن لم يكن له شيء البتة لم يعتق من العبد إلا النصف الذي أعطَى.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله إنه إذا أعطى نصف العبد في المرض على أن يعتقه بتلا في مرضه أو على أن يوصي له بالعتق لا يدخل ذلك النصف في ثلثه إذا لم يملكه قبل أن يعتقه، لأنه إنما ملك إياه بشرط العتق.

(15/83)


فإن أعطيه على أن يوصيَ له بالعتاقة فأوصى له بها أعتق إن مات من مرضه قارعا من رأس ماله، وإن صح من مرضه كان له ملكا ولم يصح له الرجوع فيما أوصى به من عتقه إذ لم يملك إياه إلا بشرط الوصية له بالعتق، فهو يعتق متى مات من رأس ماله، فله حكم الوصية في أنه لا يعتق إلا بعد موت الموصَى الذي أعطي إياه، وله حكم المعتق إلى أجل، لأنه يعتقه بموته من رأس ماله.
فهذه المسألة من نوادر المسائل لأنه يعتق عليه ذلك النصف بعد موته من رأس ماله، وكذا لو وهب لرجل عبد على أن يوصى له بالعتق لكان هذا حكمه.
وأما إذا أعطاه نصف عبده على أن يبتل عتقه في مرضه فذلك النصف الذي بتل في مرضه على الشرط حر على كل حال، لا يلحقه دين على ما قال، وقال إنه يقوم عليه النصف الذي للمعطي في ثلثه، وفي ذلك اختلاف قيل إنه لا يقوم عليه في ثلثه إلا بعد الموت، وهو المنصوص عليه في المدونة، وقيل إنه يعجل تقويمه عليه في مرضه ولا يبتل له العتق حتى يموت، فإن مات من مرضه ذلك جعلت تلك القيمة في ثلثه، وإن صح عتق من رأس ماله، وسواء كان له مال مأمون أو لم يكن، وقد قيل إنما يكون هذا إذا لم يكن له مال مأمون، وأما إن كان له مال مأمون فيعجل تقويمه في مرضه، وتنفذ الحرية له، فهذه التفرقة قول ثالث في المسألة وفيها قول رابع، وهو أنه لا يقوم عليه حظ شريكه عاش أو مات، قاله ابن الماجشون، وبالله التوفيق.
تم الكتاب الثالث من العتق والحمد لله.

(15/84)