البيان
والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة [: كتاب العتق
الرابع]
[: يقول من يبشرني بغلام يولد لي فهو حر]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه
كتاب العتق الرابع
من سماع سحنون وسؤاله ابن القاسم قال سحنون: وسألت ابن القاسم عن الرجل
يقول من يبشرني بغلام يولد لي فهو حر فيأتيه ثلاثة من عبيده في مرة قال أحب
ما فيه أن يقرع بينهم ويخرج واحدا حرا، ثم رجع فقال يختار واحدا بعينه، فإن
مات ولم يختر اختاره الورثة وعتق من رأس المال، قال ابن القاسم: وكل ما كان
قبل هذا فهو باطل.
قال محمد بن رشد: قيل إنهم يعتقون كلهم قاله ابن القاسم في كتاب ابن المواز
وهو قوله الذي تقدم له في رسم أول عبد ابتاعه فهو حر من سماع يحيى في الذي
يقول أول عبد أملكه فهو حر فيشتري رقيقا في صفقة واحدة إنهم يعتقون جميعا،
إذ لا فرق بين المسألتين في المعنى، وهذا إذا جعلت (من) بمعنى (الذي) ورفعت
(يبشرني) ، فأما إن جعلت (من) للشرط وجزمت (يبشرني) فلا مخالف في أنهم
يعتقون كلهم، لأن كل واحد قد بشره إذ جاءوا معا، و (من) في الشرط تقتضي
العموم.
وقوله على القول بأنه يختار أنه إن لم يختر حتى مات اختار الورثة وعتق من
رأس المال هو على أحد أقواله في الذي يقول أحد عبيدي حر فلا يعلم بذلك إلا
عند موته، وقد مضى تحصيل القول في ذلك في رسم باع شاة من سماع
(15/85)
عيسى، ولو أراد أن يقرع بينهم على القول
بأنه يختار كان ذلك له، ولو أراد أن يختار على القول بأنه يسهم بينهم لم
يكن له ذلك، وبالله التوفيق.
[مسألة: يختار واحدا من العبيد في العتق]
مسألة قلت: فلو أن رجلا قال وهو مريض وسمى ثلاثة رجال غيب: أول من يقدم
منهم فهو وصي فقدموا كلهم فقال ينبغي للسلطان أن يختار واحدا عدلا.
قال محمد بن رشد: هذا على قياس قوله الذي رجع إليه في المسألة التي قبلها
إنه يختار واحدا من العبيد في العتق.
ويأتي على قياس القول بأنهم يعتقون كلهم أنهم يكونون أوصياء كلهم، ولا يبعد
أن يقرع بينهم إذا استوت أحوالهم ولم يظهر أن بعضهم أولى بالإيصاء من بعض،
على قياس القول بالقرعة بين العبيد في العتق، وبالله التوفيق.
[مسألة: قول لغلامه إن جئتني بدينار كل شهر حتى
أموت فأنت حر]
مسألة قال: وسألت ابن القاسم عن الرجل يقول لغلامه إن جئتني بدينار كل شهر
حتى أموت فأنت حر، قال: أراه حرا في الثلث.
قلت له: أفله أن يبيعه؟ قال: ما أحب ذلك، وإن رهقه دين؟
قال محمد بن رشد: قوله أراه حرا في الثلث معناه إن جاءه بالدينار كل شهر
حتى يموت، لأنه إنما جعل له العتق بعد موته على هذا الشرط، واستحب أن لا
يبيعه إلا أن يرهقه دين من ناحية الوفاء بالعهد إذ لم ير ذلك واجبا عليه
كالتدبير من أجل الشرط الذي شهد عليه، وبالله التوفيق.
(15/86)
[مسألة: يقول
لجاريته إذا حملت فأنت حرة]
مسألة وسئل ابن القاسم عن الذي يقول لجاريته إذا حملت فأنت حرة، قال: إن
كانت حاملا فهي حرة، وإن لم يتبين أوقفت وحيل بينه وبينها وأوقف خراجها،
فإن تبين حملها عتقت وكان كل ما أوقف من خراجها لها وإن حاضت ولم تكن حبلى
فإن شاء أن يبيعها باعها.
قال محمد بن رشد: أوجب ابن القاسم في هذه الرواية على القائل لجاريته إذا
حملت فأنت حرة الحنث إن كانت حاملا يوم قال لها ذلك، والوجه في ذلك أنها
حامل أبدا فيما تبقى من حملها، كالذي يحلف أن لا يسكن الدار وهو ساكن فيها
أنه يحنث في التمادي في السكنى، فقال: إنها تعتق إن كانت يومئذ حاملا،
ويوقف خراجها إن لم يتبين حملها، فإن تبين حملها أعتقت ودفع إليها ما وقف
من خراجها، وإن حاضت فتبين أنه ليس لها حمل باعها إن شاء، فإن لم يبعها
ووطئها وقف خراجها أيضا لاحتمال أن تكون قد حملت من هذا الوطء، فإن حاضت
أخذ خراجها، وكذلك يفعل، يوقف خراجها كلما وطئها فإن حاضت أخذ كلما وقف من
خراجها، وإن لم تحض وتبين بها حمل أعتقت ودفع إليها ما وقف من خراجها، وهو
مذهبه في المدونة، وخلاف قول سحنون فيما حكى عنه ابن عبدوس من أن من قال
لزوجته وهي حامل: إذا حملت فأنت طالق، إنها لا تطلق بهذا الحمل إلا بحمل
يؤتنف، وقد مضى من قول ابن القاسم في رسم أسلم من سماع عيسى ما ظاهره مثل
قول سحنون، والكلام عليه هنالك مستوفى فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.
[مسألة: يقطع يد غلامه فيموت السيد ولم يحكم
عليه فيه]
مسألة قال ابن القاسم في الذي يقطع يد غلامه فيموت السيد ولم يحكم عليه
فيه: إنه لا يعتق على ورثته، وإن رفع أمره إلى السلطان
(15/87)
قبل أن يموت السيد عتق عليه إلا أن يكون
على السيد دين يحيط بماله.
قال محمد بن رشد: قوله في الذي يمثل بعبده فلا يعتق عليه حتى يموت السيد لا
يعتق على ورثته، هو مثل ما تقدم في رسم يشتري الدور والمزارع، ولا اختلاف
فيه على المشهور من أنه لا يكون حرا بنفس المثلة، وقد مضى ذكر الاختلاف في
ذلك في رسم الكبش من سماع يحيى.
وأما إن رفع أمره إلى السلطان قبل أن يموت السيد فقوله إنه يعتق عليه إلا
أن يكون على السيد دين يحيط بماله بين إن كان ذلك في مرضه إذ لا يعتق عليه
في المرض بالمثلة إلا من ثلثه، وأما إن كان ذلك في صحته فالقياس أن يحاص
الغرماء بقيمته إن كانت المثلة عليه قبل ديونهم فيعتق منه بقدر ذلك، لأن
ذلك حق قد وجب له قبل ديونهم، وكذلك إن كانت المثلة عليه بعد ديونهم إذا لم
يتهم على أنه إنما مثل به ليعتق عليه فيكون له ولاؤه ولا يأخذه الغرماء وقد
مضى ما بين هذا في رسم الكبش من سماع يحيى، وبالله التوفيق.
[مسألة: يكون للرجل وللعبد مال فيقول له السيد
أنت حر ولي نصف مالك]
مسألة وسألت أشهب: عن العبد يكون للرجل وللعبد مال فيقول له السيد أنت حر
ولي نصف مالك، أو يقول له نصفك حر ولي نصف مالك، فإن العتق جائز وله ما
اشترط من المال، لأنه كان يجوز أخذه، قيل لأشهب: فإن كان عبدا بين ابنين
أعتق أحدهما نصيبه وهو موسر، واشترط ماله فإن العتق جائز ويقوم عليه وليس
له في المال شيء؛ لأنه لم يكن له أخذ شيء منه.
قلت لأشهب: فإن أعتق مصيبته منه واشترط نصف ماله؟
(15/88)
قال: عتقه جائز وليس له من المال شيء.
قال محمد بن رشد: هذا كله بين على ما قاله، لأن العبد إذا كان جميعه له فله
أن يستثني ماله أجمع أو ما شاء منه إذا أعتقه أو أعتق شقصا منه، لأن له أن
ينزعه منه كله أو ما شاء منه دون أن يعتقه، فإن كان إنما أعتق منه بعضه
فيعتق عليه جميعه ويكون له ما استثنى من ماله.
وأما إذا كان العبد بينه وبين آخر فلا يجوز له إذا أعتق نصيبه منه أن
يستثني ماله ولا شيئا منه موسرا كان يقوم عليه أو معسرا لا يقوم عليه
لعسره، إذ ليس لأحد الشريكين أن يأخذ في العبد من ماله شيئا دون إذن شريكه،
ويقوم عليه إن كان موسرا ويكون المال للعبد، وإن كان معدما بقي نصفه رقيقا،
وأقر جميع مال العبد بيده.
ولو أعتق أحد الشريكين في العبد حظه منه على أن يكون له ماله كله أو بقدر
حصته منه بإذن شريكه لجاز ذلك موسرا كان أو معسرا، فإن كان موسرا قوم عليه
وكان له ما استثنى من ماله أو جميعه إن كان استثنى جميعه وإن كان معسرا بقي
نصفه رقيقا وأقر ما بقي من ماله إن كان المعتق لنصيبه لم يستثن جميعه،
وبالله التوفيق.
[مسألة: يقول لجاريته إن جئتني بمائة دينار إلى
سنة فأنت حرة فتلد قبل السنة]
مسألة وسئل ابن القاسم: عن الرجل يقول لجاريته: إن جئتني بمائة دينار إلى
سنة فأنت حرة فتلد قبل السنة وتأتي بالمائة، هل يعتق ولدها؟
قال: لا يعتق ولدها، وكذلك قال مالك، وليس له أن يبيعها حتى تنقضي السنة
وتؤجل فلا تأتي بشيء، وكذلك إذا أعتقها في وصية وهي حامل بعد موته فولدت
قبل موت السيد، قال مالك: لا
(15/89)
يعتق ولدها ورواها يحيى من كتاب الصبرة
وزاد فيها.
قال محمد بن رشد: قوله: إن الولد لا يعتق بعتقها خلاف نص قوله في المدونة،
فعلى هذه الرواية في أن ولدها لا يدخل معها لا يلزم ورثته ذلك بعد موته،
وعلى ما في المدونة من أن ولدها يدخلون معها يلزم ورثته ذلك بعد موته،
فقوله في هذه الرواية خلاف ما تقدم في رسم إن خرجت من سماع عيسى، وخلاف ما
يأتي في سماع عبد الملك من أن ذلك يلزمهم، وقد مضى في رسم الصبرة من سماع
[يحيى] تحصيل القول في هذه المسألة والكلام عليها مستوفى، فلا معنى
لإعادته، وبالله التوفيق.
[مسألة: المجوسي إذا أسلم ولده قبل أن يقسم
ماله]
مسألة قال: وسئل ابن القاسم: عن المجوسي إذا أسلم ولده قبل أن يقسم ماله أو
النصراني فيموت فلا يقسم ماله حتى أسلم ولده أو بعضهم كيف يقتسمون؟ أقسم
الإسلام أو الشرك؟
قال: قسم الشرك، وإنما ذلك في المجوس الذين ليسوا بأهل ذمة، فإن أسلم أولاد
أولئك قبل أن يقتسموا الميراث قسم على قسم الشرك، ثم قال: ألا ترى إلى
الحديث «سنوا بهم سنة أهل الكتاب» ؟ إنما ذلك في المجوس من أهل الذمة.
قال محمد بن رشد: قوله: وإنما ذلك في المجوس - إشارة منه إلى الحديث الذي
جاء «أيما دار قسمت في الجاهلية فهي على قسم الجاهلية، وأيما دار أدركها
الإسلام ولم تقسم فهي على قسم الإسلام» ، يقول: إنما الحديث في المجوس
الذين لا ذمة لهم هم الذين تقسم مواريثهم إذا أدركها الإسلام قبل القسم على
قسم الإسلام، وأما المجوس الذين لهم ذمة فتقسم
(15/90)
مواريثهم وإن أسلموا قبل قسمتها على دينهم
كاليهود والنصارى من أهل الذمة، وذلك خلاف مذهبه في المدونة في أن الحديث
إنما هو في المجوس كانت لهم ذمة أو لم تكن، تقسم مواريثهم إذا أدركها
الإسلام قبل القسم على قسم الإسلام، وروى أشهب عن مالك وهو قول ابن نافع
وغيره من كبار أهل المذهب أن الحديث على عمومه في المجوس وأهل الكتاب من
اليهود والنصارى، كانت لهم ذمة أو لم تكن، تقسم مواريث جميعهم إذا أدركها
الإسلام قبل القسم على قسم الإسلام، قيل إذا أسلموا كلهم، وأما إن أسلم
بعضهم فيقسم بينهم على قسم دينهم، وقد وقف مالك في رواية أشهب عنه إذا أسلم
بعضهم فقال لا أدري، وقيل: سواء أسلموا كلهم أو بعضهم يقسم بينهم على قسم
الإسلام، وهو قول عمر بن عبد العزيز في المدونة على ما جاء عنه من أن ناسا
مسلمين ونصارى جاءوه من أهل الشام في ميراث بينهم فقسم بينهم على فرائض
الإسلام.
ولكلا القولين وجه، فوجه القول الأول: أن حق من لم يسلم منهم لا ينتقل
بإسلام من أسلم منهم، ووجه القول الثاني: اتباع ظاهر قوله في الحديث أدركها
الإسلام إذ لم يفرق فيه بين أن يسلموا كلهم أو بعضهم، فيتحصل في المسألة
ثلاثة أقوال، تتفرع إلى ستة على ما بيناه، وبالله التوفيق.
[مسألة: وصية من أنفذت مقاتله]
مسألة وسئل ابن القاسم: عن الذي يشق جوفه أو أمعاؤه أو يذبح فهو فيما هو
فيه حتى يموت بعض ولده أتورثه؟ قال: نعم، إلا المذبوح فإنه لا يورث، وأما
الذي يشق جوفه فعمر بن الخطاب في ذلك حجة.
قلت: فإن قتله رجل في تلك الحال، أيقتل به؟ قال: لا.
قال محمد بن رشد: أما المذبوح فلا اختلاف في أنه لا يورث ممن
(15/91)
مات ولا يقتل من أجهز عليه، وأما الذي تنفذ
مقاتله ففرق في هذه الرواية بين توريثه ممن مات والقصاص ممن قتله، وقد قيل
إنه يقتل به من قتله وهو قول ابن القاسم في رواية أبي زيد عنه في كتاب
الديات، والقياس أن لا يفرق بين القصاص والميراث فيورث ممن مات على قياس
رواية أبي زيد، ولا يورث ممن مات على قياس قوله في هذه الرواية إنه لا يقتل
به من قتله، وهو قول أشهب إنه لا يقتل به إلا الأول، فهي قولان وتفرقة،
ويدخل هذا الاختلاف أيضا في البهيمة تنفذ مقاتلها وحياتها باقية هل تصح
تذكيتها أم لا؟ والمنصوص أن التذكية فيها لا تصح وهو الأظهر، ولا اختلاف في
إجازة وصية من أنفذت مقاتله لما ثبت من فعل عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - بحضرة جماعة الصحابة، وبالله التوفيق.
[مسألة: أعتق ابن أمته من رجل عربي هل يثبت له
ولاؤه]
مسألة وسئل ابن كنانة: عن رجل أعتق ابن أمته من رجل عربي، هل يثبت له
ولاؤه؟ فقال: لا، ولكن يصير إلى نسب أبيه وعشيرته، ولا يرثه الذي أعتقه،
وقال سحنون مثله.
قال محمد بن رشد: ظاهر قول ابن كنانة هذا أن من أعتق ابن أمته من رجل عربي
لا يكون له ولاؤه ولا يرثه هو ولا أحد ممن يرث الولاء عنه من قرابته، ويكون
ميراثه إن مات ولا وارث له يعرف قعدده من أبيه لجماعة المسلمين، وهو ظاهر
ما وقع في كتاب العيوب من المدونة في الذي ابتاع أمة فإذا نسبها من العرب
فأراد أن يردها من أجل أن العرب يجرون ولاءها، ولا يكون ولاؤها لولده،
ولذلك قال يحيى بن عمر، واحتج بمسألة مالك في المدونة، وإلى هذا ذهب ابن
أبي زيد أيضا، لأني رأيت له قد قال في قول ابن كنانة هذا في العربي خاصة،
وقد قال بعض الأندلسيين فيما حكى عنه عبد الحق: جميع أصحاب مالك يجمعون أن
الولاء لمن أعتق ما لم يكن المعتق من العرب فلا يكون لمن أعتقه ولاؤه إلا
أشهب، فقال: ولاؤه لمن
(15/92)
أعتقه، وقول أشهب هو الصحيح الذي لا يصح
القول بخلافه، لأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
«الولاء لمن أعتق» ولم يفرق بين عجمي ولا عربي، ويحتمل أن يتأول قول ابن
كنانة فيرد بالتأويل إلى قول أشهب، لأن الولاء لا يورث به إلا بعد انقطاع
النسب فيكون معنى قوله إن الولاء لا يورث به في العربي إلا بعد انقطاع
النسب فيكون معنى قوله إن الولاء لا يورث به في العربي إلا بعد انقطاع
النسب، وكذلك مسألة المدونة هي محتملة مثل هذا التأويل، وبالله التوفيق.
[: اجتمعوا أو اختلفوا على عتق واحد]
من سماع محمد بن خالد من عبد الرحمن بن القاسم
قال محمد بن خالد: سألت ابن القاسم عن الذي يقول عبدي حر إن فعلت كذا وكذا
وله أعبد فيحنث فيما حلف فيه، فيقال له: من أردت من رقيقك؟ فيقول: ما أردت
عبدا بعينه فيحلف على ذلك، ثم يقال له أعتق من شئت من رقيقك فيموت من قبل
أن يفعل. قال ابن القاسم: أرى أن يكون لورثته مثل ما كان له، ويعتقون من
أحبوا، هذا أحب القول إلي في ذلك.
قال سحنون: بلغني عن مالك أنه قال: يعتق ثلثهم بالسهام إن كانوا ثلاثة، وإن
كانوا أربعة عتق ربعهم على هذا الحساب، وأنا آخذ بقول ابن القاسم إذا
اجتمعوا على عتق واحد، وإن اختلفوا أخذت بقول مالك.
(15/93)
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام
عليها مستوفى في رسم باع شاة من سماع عيسى فلا معنى لإعادته، وبالله
التوفيق.
[مسألة: العبد إذا أعتق عبدا له بغير إذن سيده]
مسألة قال: وسألت ابن القاسم على المولى عليه يحلف بيمين وهو مولى عليه فلا
يحنث فيها وهي عتاقة حتى يبلغ حال الرضا فيحنث بها، أيلزمه اليمين؟ قال:
لا، وهو قول مالك.
قلت لابن القاسم: فالنصراني والصبي والعبد كذلك؟ قال: نعم إلا أن العبد
أشدهم، وذلك أن العبد إذا أعتق عبدا له بغير إذن سيده فلم يعلم بعتقه حتى
عتق هو، مضى عتق العبد عليه وكان ولاؤه له، قال ابن القاسم: والمولى عليه
إن كان قد أعتق عبدا له بغير علم وليه فلم يعلم بذلك الولي حتى ولي المولى
عليه ماله فإنه يرجع في عبده إن شاء.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في رسم العتق من
سماع أشهب فلا معنى لإعادته.
[مسألة: المولى عليه يستلحق أخا له أيلزمه في
ماله]
مسألة قلت لابن القاسم: فالمولى عليه يستلحق أخا له، أيلزمه في ماله كما
يلزم غيره؟ فقال: لا.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه؛ لأن نسبه لا يلحق
بأبيه باستلحاقه إياه، فإنما هو مقر له بمال، وإقراره لا يجوز، وبالله
التوفيق.
(15/94)
[مسألة: العبد
يعتق وله جارية فيتبعه ماله والجارية حامل]
مسألة قال: وسألته: عن العبد يعتق وله جارية فيتبعه ماله والجارية حامل،
فقال مالك: الولد للسيد.
قلت لابن القاسم: فإن العبد بعد أن أعتق وتبعه ماله أعتق الجارية وهي حامل؟
فقال ابن القاسم: لا يتم عتقها حتى تضع ما في بطنها.
قلت لابن القاسم: هل تباع عليه في الدين بعد أن أعتق إذا كان عتقه إياها في
الحين الذي أعتق فيه جائز، فقال: لا، وإنما ذلك بمنزلة الرجل يعتق عبده إلى
أجل ثم يقوم عليه الغرماء بعد ذلك، فلا يباع لهم في دينهم إذا كان يوم
أعتقه جائز القضاء.
قال محمد بن رشد: قوله في الذي يعتق ولد أمة حامل إن الولد للسيد هو مثل ما
في كتاب طلاق السنة من المدونة، وإنما قال ذلك؛ لأن ولد العبد من أمته
بمنزلته، فوجب أن يكون ما في بطنها رقيقا لسيده وإن تبعته الجارية في
الحرية؛ لأنها ماله، ولا تكون له بهذا الحمل أم ولد، كما لا تكون له أم ولد
بما ولدته له في حال العبودية إلا أن يملك ذلك الحمل، فتكون به أم ولد على
مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك؛ لأنه عتق عليه بملكه إياه، ولا تكون له
أم ولد على مذهب أشهب ورواية ابن عبد الحكم عن مالك؛ لأن الرق قد مسه في
بطن أمه وأما ما ولدته في حال العبودية فلا تكون له به أم ولد باتفاق في
المذهب خلافا لأهل العراق.
واختلف قول مالك فيما ولدته أمة المدبر أو المكاتب في حال التدبير أو
الكتابة، هل تكون به أم ولد أم لا؟ على ثلاثة أقوال:
أحدها: الفرق بين المدبر والمكاتب.
(15/95)
وأما قوله إن عتقها لا يتم إن أعتقها حتى
تضع ما في بطنها فمثله في المدونة، والوجه في ذلك أنه لا يصح أن تكون حرة
وما في بطنها رقيق للسيد، فوجب أن يوقف حتى تضع، وتكون أحكامها أحكام أمة
حتى تضع كالمعتقة إلى أجل، واختلف إن أخلفها الحمل أو ماتت قبل أن تضع،
فقيل: إن أحكامها أحكام حرة من يوم أعتقها العبد المعتق، وهو قول سحنون على
القول بأنه لا يحكم للحمل حتى يوضع في غير ما وجه من اللعان والنفقة ووجوب
الحرية للأمة يتوقف عنها سيدها وهي حامل إذ قد قيل إنه لا يلاعن على الحمل
حتى يوضع، ولا يحكم بالنفقة للحامل المطلقة المبتوتة حتى يوضع الحمل، ولا
تجب الخدمة للأمة يتوفى عنها سيدها وهى حامل حتى تضع لاحتمال أن ينفش الحمل
في ذلك كله، والمشهور أنه يحكم للحمل بظهوره في هذا كله، فعلى هذا تكون
أحكام هذه الأمة أحكام أمة على كل حال كالمعتقة إلى أجل وإن أخلفها الحمل
أو مات قبل أن تضع.
وقوله إنها لا تباع في الدين بعد أن أعتق إذا كان عتقه إياها في الحين الذي
أعتق فيه جائزا يريد إذا لم يكن عليه دين يوم أعتق صحيح؛ لأنه إن كان عليه
دين يوم أعتق فلا بد من أن تباع فيه، إذ لا يجوز عتق المديان إلا أنها لا
تباع حتى تضع ما في بطنها فيأخذ السيد الولد على ما قاله في المعتق إلى
أجل، سواء أنه إن كان يوم أعتقه جائز القضاء، يريد لا دين عليه لم يعتق،
وإن كان عليه دين يوم أعتق بيع، وبالله التوفيق.
[مسألة: يترك أولادا ولدوا في إسلامه وأولادا
في نصرانيته]
مسألة قال محمد بن خالد: قال ابن القاسم في الرجل يتوفى ويترك أولادا ولدوا
في إسلامه وأولادا صغارا ولدوا في نصرانيته: إن ماله يوقف حين يبلغ ولده
النصارى، فإن أسلموا ورثوا، وإن لم يسلموا كان الميراث للمسلمين من وُلده.
(15/96)
قال محمد بن رشد: ظاهر قول ابن القاسم في
هذه الرواية خلاف نص قوله في النكاح الثالث من المدونة، أن النصراني إذا
أسلم وله ولد صغار بنو خمس سنين أو ست أو نحو ذلك مما لم يعقلوا دينهم
النصرانية فهم مسلمون ولهم الميراث. قال سحنون: وكذلك يقول أكثر الرواة
إنهم مسلمون بإسلام أبيهم، وقد حكى ابن حبيب عن ابن القاسم أن من أبى
الإسلام من الصغار يوم أسلم أبوهم يجبرون على الإسلام بالضرب والسجن، ولا
يبلغ بهم القتل بعد البلوغ، وهو مثل ظاهر قوله في هذه الرواية، ومثل ما حكى
في المدونة من أنه كتب إلى مالك من بلد آخر وهو قاعد عنده في رجل أسلم وله
ولد صغار فأقرهم أبوهم حتى بلغوا اثني عشر سنة أو شبه ذلك فأبوا أن يسلموا،
أترى أن يجبروا على الإسلام، فكتب إليهم مالك أن لا يجبرهم، والمشهور عن
مالك المنصوص عليه في المدونة وغيرها أنهم مسلمون بإسلام أبيهم إذا كانوا
صغارا لم يعقلوا دينهم يوم أسلم، ومثله حكى ابن حبيب في الواضحة عن مطرف
وابن الماجشون، وقالا: إنه قول مالك وجميع أصحابه بالمدينة، وهو أصح
القولين، يشهد بصحته ظاهر قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-: «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه» ولنا في التكلم
على هذا الحديث مسألة مستغرقة لجميع معانيها في الوقوف عليها بيان صحة
الاستدلال به على صحة هذا القول.
والأم في هذا بخلاف الأب، وقد حكى ابن حبيب في الواضحة عن مطرف وابن
الماجشون أنهما قالا له وقد روى وجاءت به الآثار: أن إسلام الأم إسلام
للولد الصغار.
فيتحمل في المسألة ثلاثة أقوال، أحدها: أن الولد الصغار مسلمون بإسلام من
أسلم من الأبوين، والثاني: أنهم لا يكونون مسلمين بإسلام من أسلم منهما،
(15/97)
والثالث: أنهم يكونون مسلمين بإسلام الأب
منهما دون الأم، ويحتمل أن يريد ابن القاسم بالولد الصغار في هذه الرواية
الذين لم يبلغوا الحلم وقد عقلوا دينهم، فيكون قوله فيها على هذا التأويل
مثل قوله وروايته عن مالك في المدونة في الذي أسلم وله بنون حزاورة، أن
المال يوقف إلى أن يبلغوا الحلم، فإن أسلموا ورثوه، وإن لم يسلموا لم يكن
لهم فيه حق، ولا اختلاف بينهم إذا كانوا حزاورة قد عقلوا دينهم يوم أسلم
أبوهم لا يكون إسلامهم في إسلامه، وإذا لم يكن إسلامهم في إسلامه فالصحيح
ما ذهب إليه ابن الماجشون وحكاه عن مالك مطرف وابن الماجشون وجماعة أصحابهم
بالمدينة، من أنه لا ميراث لهم، وإن قالوا نحن على الإسلام، لأنهم كمن دخل
الإسلام بعد موت أبيه، واختلف إذا أسلموا قبل البلوغ وهم حزاورة قبل أبيهم
أو دونه هل يعد إسلامهم قبل البلوغ إسلاما يقتلوا عليه إن رجعوا عنه بعد
البلوغ وثبت لهم به جميع أحكام الإسلام أم لا؟ فذهب سحنون إلى أنه لا يعد
إسلامهم قبل البلوغ إسلاما يقتلون عليه ولا يتوارثون به ولا توطأ به الأمة
المجوسية، وهو ظاهر ما في كتاب التجارة إلى أرض الحرب من المدونة، لأنه قال
فيه إنهم يجبرون على الإسلام، ولم يقل إنهم يقتلون عليه، وفي كتاب النكاح
الثالث منها دليل على أنهم يقتلون إن رجعوا عن الإسلام بعد البلوغ إلا أنه
قال في المسألة إنه لا يفرق بينه وبين امرأته المجوسية بهذا الإسلام، إلا
أن يثبت عليه حتى يبلغ، فهو يضعف الدليل على قتله إن رجع بعد البلوغ، ومن
قوله في المدونة أنه يطأ به الأمة المجوسية، فهو اضطراب من قوله فيها،
والأصح أنه إسلام يحكم له بحكمه في جميع الأشياء ويقتل عليه إن رجع عنه بعد
البلوغ بدليل إجماعهم على أنه يصلي عليه بهذا الإسلام ويباع به العبد على
سيده. قال سحنون وتقع به الفرقة بين الزوجين إذا كانت هي التي أسلمت، كما
يباع به العبد على سيده، بخلاف إذا كان هو الذي أسلم وزوجته مجوسية، واعترض
ابن عبدوس ذلك من قوله، فقال: كيف تقع الفرقة بإسلامها
(15/98)
ولا تقع بإسلامه في صغرهما، وكذلك قال أبو
إسحاق التونسي: ليس بينهما فرق، وما الفرق بينهما إلا بين، وهذا أن للإسلام
حرمة وإن كان قبل البلوغ فعليه إذا أسلمت ضرر في البقاء في عصمته كافر ولا
ضرر عليه هو إذا أسلم في البقاء على عصمة كافرة، وكذلك يقول سحنون: إن
الارتداد قبل البلوغ لا يعتبر به يرث ويورث بوراثة الإسلام، كما لا يعتبر
إسلامه عنده قبل البلوغ ويورث بوراثة الكفر وبالله التوفيق.
[: قال لغلامه متى ما جئتني بمائة دينار فأنت
حر فأراد بيعه]
من سماع عبد الملك وسؤاله ابن القاسم قال عبد الملك بن الحسن: وسئل ابن
القاسم وأنا أسمع عن رجل قال لغلامه: متى ما جئتني بمائة دينار فأنت حر،
فأراد بيعه قال: فليس ذلك له حتى يرفع أمره إلى السلطان فيلوم له أو يعجزه
فيصير رقيقا له، فقال له: فإن مات السيد قبل أن يأتي العبد بالمائة التي
جعل له على نفسه هل يلزم ورثته ما كان يلزم أباهم أو يكون رقيقا لهم؟ فقال:
بل يلزمهم مثل ذلك حتى يرفعوا أمرهم إلى السلطان فيتلوم له أو يعجزه،
والورثة في هذا بمنزلة أبيهم.
قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في هذه الرواية إن ذلك يلزم ورثة السيد
كما يلزم السيد خلاف ما تقدم من قوله في رسم الصبرة من سماع يحيى في أن
الولد لا يدخلون مع الأمة في ذلك إن كاتب الأمة لأنه إن حكم لهذا القول
بحكم الكتابة لزم ذلك الورثة ودخل في ذلك الولد وهو مذهبه في هذه الرواية،
وإن لم يحكم له بحكم الكتابة لم يلزم ذلك الورثة ولا دخل فيه الولد، وقد
مضى القول على ذلك مستوفى في رسم الصبرة المذكور من سماع يحيى، فلا معنى
لإعادته، وبالله التوفيق.
(15/99)
[مسألة: ليس
للرجل أن يرجع فيما دبر]
مسألة وسئل وأنا أسمع عن رجل كان له مدبر فحضره الموت فقال: أقرعوا بين
فلان وفلان، يريد المدبر وآخر من عبيده، قال: يقرع بينهما كما قال، فإن وقع
على المدبر لم يكن للآخر عتق، وإن لم يقع على المدبر ووقع على الآخر
فحملهما جميعا الثلث عتقا جميعا، وإن لم يحملهما الثلث بدئ بالمدبر ثم عتق
من الآخر الذي وقع عليه السهم ما بقي من الثلث، وأخبرني محمد بن خالد عن
عبد الملك بن عبد العزيز مثله سواء.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله، إذ ليس للرجل أن يرجع فيما دبر، فإن
وقع السهم على المدبر خرج الآخر عن الوصية، وإن وقع على الآخر بدئ المدبر
في الثلث، ثم أعتق هو في بقية الثلث أو ما حمل باقي الثلث منه، فإن لم يكن
في الثلث فضل عن قيمة المدبر لم يكن للآخر عتق ولا احتيج في ذلك إلى قرعة،
والمسألة متكررة في أول رسم من سماع أصبغ من كتاب الوصايا، وقد مضى في رسم
بع ولا نقصان عليك من سماع عيسى من هذا الكتاب إذا قال أعتقوا أحدهما ولم
يقل أقرعوا بينهما، وأن الحكم في ذلك أن يقرع بينهما على نصف قيمتهما حسبما
مضى بيانه، فلا معنى لإعادته.
[مسألة: وصية للعبد بالكتابة]
مسألة قال: وسئل عن رجل يقول لعبده: أخدم ورثتي سنة ثم لك سنة أخرى تأتي
فيها بوضيف ثم أنت حر، فأتى بالوضيف بعد السنة بشهر أو نصف شهر أو أكثر من
ذلك، فقال: يعتق.
(15/100)
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله،
لأنها وصية للعبد بالكتابة على هذا الوجه، فإن حملها الثلث تمت له الوصية
وعتق إذا خدم السنة وجاء بالوضيف، وإن أتى به قبل تمام السنة الثانية ولو
أتى به في السنة الأولى لعتق بتمامها، لأن الأجل إنما مرفقه للعبد كالمكاتب
إذا عجل كتابته قبل الأجل، ولو انقضت السنة الثانية ولم يأت بالوضيف لتلوم
له في الإتيان به كما يتلوم للمكاتب في كتابته إذا حلت، فإن لم يأت به
وعجزه السلطان كان رقيقا للورثة، وبالله التوفيق.
[مسألة: يوصي عند موته فيقول لغلامي فلان شهر
من كل سنة]
مسألة وسئل وأنا أسمع عن الرجل يوصي عند موته فيقول: لغلامي فلان شهر من كل
سنة، فقال: يعتق منه جزء من اثني عشر جزءا.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله، لأنه جعله شريكا للورثة في نفسه
بذلك القدر، فوجب أن يكون منه ذلك القدر حرا كما لو نص على حريته، والله
الموفق.
[مسألة: العبد يكون معروفا بالإباق فيرسم سيده
في جبهته عبد فلان]
مسألة قال: وسألت عبد الله بن وهب عن العبد يكون معروفا بالإباق فيرسم سيده
في جبهته عبد فلان، هل ترى هذا مثلة؟ قال: نعم، هي مثلة وأرى أن يعتق عليه.
قلت: فلو رسمه بمداد وإبرة كما يفعل الناس في أيديهم وأجسادهم؟ قال: يعتق
عليه. قال: وسألت عنها أشهب فقال: لا يعتق عليه.
قال محمد بن رشد: إنما قال ابن وهب إنه يعتق عليه إتباعا لظاهر
(15/101)
قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «من مثل
بعبده أو أحرقه بالنار فهو حر» إذ عم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- ولم يخص مثلة من مثلة، وهذه مثلة، وإنما قال أشهب: إنه لا يعتق عليه؛ لأن
قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج بسبب، وهو ما فعله زنباع
بعبده سندر من جبه وجذع أذنيه وأنفه، إذ وجده يقبل جارية له، فقصر الحديث
على سببه، وهي المثلة بقطع عضو من الأعضاء، وقد اختلف في اللفظ العام
المستقل بنفسه الوارد على سبب هل يقصر على سببه أو يحمل على عمومه،
فاختلافهما في هذه المسألة راجع إلى هذا الأصل، وقول أشهب في هذه المسألة
أظهر، لأن الأصل أن لا يخرج ملك أحد من يده إلا بيقين، ولا يقين في هذه
المثلة للاحتمال في الحديث، وبالله التوفيق.
[مسألة: يقول اشهدوا أن أم ولدي قد أعتقت
رقيقها وهي تجحد]
مسألة وسئل: عن الرجل يقول اشهدوا أن أم ولدي قد أعتقت رقيقها أو قد حنثت
فيهم بالعتق وهي تجحد، قال: إن كان السيد صحيحا فذلك عندي انتزاع، وهم
أحرار، وإن كان مريضا لم يقبل منه.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله، إذ لا وجه للإشهاد على فعلها إلا
إرادة إلزامها ذلك، وإذا ألزمها ذلك فقد انتزعهم منها وأعتقهم، فوجب أن
ينفذ ذلك عليها في الحال الذي يجوز له فيه انتزاع مالها، وبالله التوفيق.
(15/102)
[: يعتق الأسفل
إذا ملك سيده الأعلى]
من سماع أصبغ من ابن القاسم من كتاب البيوع قال أصبغ بن الفرج: سمعت ابن
القاسم يقول: لو أن رجلا له عبد ولعبده عبد فغضب الرجل على عبده فوهبه
لعبده نفسه جاز، وإن كانت جارية وطئها العبد الموهوب له، ولو كانت لرجل
جارية وللجارية عبد فوهبها لعبدها جاز، ووطئها العبد إن شاء.
قال محمد بن رشد: في الثمانية لأبي زيد عن ابن الماجشون أنه يعتق الأسفل
إذا ملك سيده الأعلى، ووجه قوله: إنه إنما ملك سيده كان له أن ينتزع نفسه
منه، إذ للسيد انتزاع مال عبده، وإذا ملك نفسه بالانتزاع كان حرا، وابن
القاسم لا يرى لواحد منهما عتقا، وقوله أظهر، إذ لا يستقيم ملك العبد
لسيده، فيكون كل واحد منهما مالكا لصاحبه، فهبته له لا تصح إلا بعد أن
ينتزعه منه، فيصيران جميعا له.
وقوله: وإن كانت جارية وطئها العبد الموهوب هو قوله بعد ذلك بعينه، ولو
كانت لرجل جارية وللجارية عبد فوهبها لعبدها جاز، ووطئها العبد إن شاء، فلا
وجه لتكريره، فلو قال: ولو كان لرجل عبد، وللعبد جارية فوهبه لها لحرمت
عليه لكان وجه الكلام لتبيين أنها تحرم عليه إذا وهب لها، كما تحل إذا وهبت
له، وإنما تحل له إذا وهبت له إن كانت هبة صحيحة يشبه إن وهب مثلها لمثله
على ما قاله في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم من كتاب النكاح، وفي رسم
الطلاق الثاني من سماع أشهب منه، وبالله التوفيق.
[: قال لغلامه اعمل على هذه الدابة فإن ماتت
فأنت حر]
ومن كتاب الوصايا
قال: وسئل ابن القاسم عن رجل قال لغلامه: اعمل على
(15/103)
هذه الدابة، فإن ماتت فأنت حر، فمات السيد
قبل الدابة، قال: فهو كما قال، وليس يعتق إلا إلى موت الدابة، فإن ماتت
الدابة قبل موت السيد فهو حر، من الثلث، فإنما هو بمنزلة رجل قال: اخدم
فلانا ما عشت أنا، فإن مات فلان قبلي فأنت حر، فإن مت قبل فلان فأنت حر إلى
موته، فإن مات السيد قبل فهو حر من الثلث. قال أصبغ يبين ما قال: وما ناظر
فليس ذلك له بنظير ولا حجة، والنظير صواب في ذاته، لأن ذلك استثناء وقيد
بعضه ببعض، فله ثنياه التي عليها وضع، وأن الأول أعتق إلى آجال مهمة، كالذي
يقول أنت حر إلى موت فلان أو عن دبر فلان بخدمتك لفلان، أو بغير خدمته، فهو
أجل أعتقه إليه لا يرجع فيه، وهو من رأس المال، والإنسان والدابة في ذلك
سواء، وهو من رأس المال إن مات السيد قبل ذلك أو بعد الدابة قبل أو بعد،
قال أصبغ: قال لي ابن القاسم: وللورثة أن يبيعوا الدابة بموضع لا يغيب
علمها.
قيل: أرأيت إن قتل العبد الدابة خطأ أو عمدا؟ قال: إن قتل العبد الدابة خطأ
عجل له العتق، وإن كان عمدا لم يعجل.، وخدم إلى قدر ما تعمر إليه الدابة،
وكذلك إن بيعت وغاب عليها، وقاله أصبغ.
وسئل سحنون عن رجل قال لغلامه: أنت حر بعد موت حماري، فعمل الغلام على
الحمار وحمل عليه فوق طاقته وعنف عليه حتى مات الحمار قال: نعم، قيل له:
فلو لم يحمل عليه فوق طاقته ولكنه قتله قتلا، فقال: أرأيت لو أن أم ولد
قتلت سيدها؟ فقلت له: عمدا قتلته؟ قال: نعم، فقلت له: تقتل به؟ قال: نعم،
قال: فإن سامحها أولياء القتيل، فقيل له تعتق وليس ما جنت بالذي
(15/104)
يحل عنها ما عقد لها من العتق القوي، وليست
كالمدبرة تقتل سيدها، قال: فكذلك الذي سألت عنه من قاتل الحمار يعتق مكانه
لأنه معتق إلى أجل ليس له بيعه ولا يلحقه الدين فليس كالمدبر، ألا ترى أن
المدبر إنما يعتق من الثلث ويلحقه الدين ويتسلط عليه الغرماء بعد الموت.
قيل له: فهل على هذا العبد قيمة الحمار، إذا أعتق؟ فقال: أما أنا فلا أرى
عليه شيئا، وأما على مذهب ابن القاسم قد أخبرتك أن المدبر والمعتق إلى أجل
إذا جنى أحدهما على السيد أن السيد يختدمه، وفي رواية ابن أبي زيد المصري،
قال ابن القاسم في رجل قال لغلامه أنت حر بعد موت دابتي قال: فليس له إلى
بيع الغلام سبيل؛ لأنه مرتهن بيمين، قيل له: فإن هلك سيد العبد؟ قال: يكون
العبد موقوفا حتى تموت الدابة، ولا سبيل للورثة إلى بيعه، قيل له: أفيبيع
الورثة الدابة إن شاءوا؟ قال: نعم، بموضع يعرف فيه هلاك الدابة.
قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في الذي يقول لغلامه اعمل على هذه الدابة،
فإذا ماتت فأنت حر، إنه يكون حرا من الثلث إن مات السيد قبل الدابة مخالف
للأصول؛ لأنه معتق إلى أجل هو آت على كل حال، ولا اختلاف في أن المعتق إلى
أجل حر من رأس المال وجبت له الحرية بانقضاء الأجل قبل موت السيد أو بعد
موته، وكذلك المسألة التي نظرها بها، وهو قول الرجل لغلامه اخدم فلانا ما
عشت أنا، فإن مات فلان قبلي فأنت حر، وإن مت قبل فلان فأنت حر إلى موته،
قوله فيها أيضا إنه حر من الثلث إن مات السيد قبل فلان مخالف للأصول،
والصواب أنه حر من رأس المال على كل حال مات السيد قبل فلان أو بعده؛ لأنه
معتق إلى موت فلان، وقول أصبغ
(15/105)
والنظير صواب في ذاته ليس بصواب، إذ لا فرق
بين المسألتين، لأنه إذا قال اخدم فلانا ما عشت أنا، فإن مات فلان قبلي
فأنت حر، وإن مت قبل فلان فأنت حر إلى موته، فهو في المعنى كما قال له: أنت
حر إذا مات فلان، وله خدمتك حياتي، فإذا كان هذا هو المعنى المفهوم من
اللفظ فالحكم له دون اللفظ.
وقول ابن القاسم: إذا قتل العبد الدابة التي جعل حرا بعد موتها: إنه لا
يعجل له العتق ويخدم إلى قدر ما تعمر إليه الدابة هو الصواب، وقول سحنون:
إنه يعجل له العتق بعيد، وقياسه ذلك على أم الولد تقتل سيدها ليس بصحيح،
لأن أم الولد إنما فيها من الرق ما لسيدها فيها من الاستمتاع، وهو يبطل
لقتلها إياه كما يبطل بموته، إذ يستحيل أن يستمتع بها بعد موته أو قبله،
فإذا بطل بقتلها إياه وجبت حريتها، والخدمة التي له في العبد إلى موت
الدابة ليس للعبد أن يبطلها على السيد فيستعجل حريته بقتله إياها، فوجب أن
يستوفيها بعد قتله للدابة إلى القدر التي تعمر إليه، إذ ليس بمستحيل، وكذلك
يجب لو أعتق رجل عبده إلى موت رجل فقتل العبد ذلك الرجل أن لا يعتق إلا إلى
حد تعميره، ومسألة المدبر يقتل سيده هي التي تشبه هذه المسألة، مسألة أم
الولد، لأن المدبر لما أراد أن يتعجل العتق من ثلث سيده بقتله إياه حرم
ذلك، وهذا إذا أراد أن يتعجل العتق بقتله للدابة، فوجب أن يحرم ذلك كما
يحرم قاتل العمد الميراث لما أراد من استعجاله إياه قبل وجوبه له، وقد رأيت
لابن دحون أنه قال: الصواب ما قال سحنون: إنه إذا قتله متعمدا أن يعتق
ويختدمه السيد أو ورثته بقدر الجناية عند ابن القاسم، ولا يعمر الحمار
ويخدم العبد قدر ما بقي من عمره؛ لأنه لما قال له: أنت حر إلى موت حماري،
فمعناه إلى موته بأجله الذي قدره الله له، فالله جل ذكره قد سبب موت الحمار
بتعدي العبد عليه، فقد مات الحمار بأجله، فالعبد يعتق والجناية تلزمه عند
ابن القاسم، وعلى قول سحنون وأشهب: لا شيء عليه في الجناية، وليس قول ابن
دحون بشيء، لأن الدابة وإن ماتت بأجلها إذا قتلها فقد تعدى بقتله إياها
فوجب أن لا يبطل
(15/106)
بذلك حق سيده، باختدامه إياه إلى حين
موتها، كما لا يبطل حق من أخدم عبدا حياته بقتل من قتله متعمدا من أجل أنه
مات بأجله، إذ ليس ذلك بعلة، ولو صح أن يكون ذلك علة لما وجب القصاص على من
قتل عمدا، ولا لزم من قتل عبد رجل شيء، ولكان لقاتل العمد ميراث من قتل
عمدا.
وقول ابن دحون أيضا ويختدمه السيد أو ورثته بقدر الجناية ليس بصحيح، إذ لو
وجب أن يعتق على مذهب ابن القاسم لما كان له ولا لورثته أن يختدموه بقدر
الجناية كما قال، لأن الذي عليه قيمة الدابة فلا يجوز أن يختدم بها، إذ لا
يختدم الحر في الدين، وإنما يؤخذ من ماله أو يتبع به دينا في ذمته إن لم
يكن له مال، ولو قتل الدابة أجنبي عمدا أو خطأ لعتق العبد مكانه، قال ذلك
في كتاب ابن المواز، ولا اختلاف في ذلك، وبالله التوفيق.
[مسألة: أوصى فقال إن مت فغلامي حر]
مسألة وقال في رجل أوصى فقال: إن مت فغلامي حر، وإن صححت فغلامي فلان لغلام
له آخر حر، فمات فأقام أحدهما شاهدين أنه مات وهو صحيح، وقد صح وأقام الآخر
شهودا أنه هلك من مرضه، فأرى أن يعتق من كل عبد منهما نصفه، لأن العتق قد
ثبت لواحد منهما، ونحن لا ندري من هو منهما، فيعتق من كل واحد منهما نصفه،
إلا أن يكون بعض الشهداء أعدل فيقضي للذي هو أعدل شهودا، قال أصبغ: بل أرى
الشهادة شهادة الصحة، وأراه أولا وهو المثبت له الوصية إذا قطعوا الشهادة
بصحته، فهذا علم يغلب على علم الآخرين، كما لو شهد عليه في مرضه بوصية
فاجتمعوا على الوصية له، وإن اختلفوا في الشهادة، فقال بعضهم صحيح العقل،
وقال الآخر غامر العقل، فهم أولى؛ لأنهم علموا ما لم يعلم الآخرون.
(15/107)
قال محمد بن رشد: قول أصبغ في هذه المسألة:
إن شهادة الصحة أعمل أظهر من قول ابن القاسم، لأنها علمت من صحته ما جهلته
الأخرى، ومثل قول أصبغ لابن القاسم في سماع أبي زيد من كتاب الشهادات في
التي مرضت فأوصت في مرضها، فشهد شهود أنها كانت صحيحة العقل وشهد آخرون
أنها كانت موسوسة، لأنه إذا قال في تلك: إن شهادة الصحة أعمل فأحرى أن يقول
ذلك في هذه، وإذا قال في هذه أن ينظر إلى أعدل البينتين فأحرى أن يقول ذلك
في تلك، وقد ساوى أصبغ بينهما في هذه الرواية.
فيتحصل في مجموع المسألتين ثلاثة أقوال، أحدها: أنه ينظر فيهما جميعا إلى
أعدل البينتين، والثاني: أن شهادة الصحة أعمل فيهما جميعا، والثالث: أن
شهادة الصحة أعمل في اختلافهم هل صح من مرضه أو لم يصح، وأنه ينظر إلى أعدل
البينتين في اختلافهم هل كان في حين الوصية صحيح العقل أو غامر العقل، وفي
كل مسألة من هاتين المسألتين قولان، ويتخرج في اختلافهم في حين الوصية هل
كان صحيح العقل أو غامر العقل قول ثالث، وهو أن شهادة المرض أعمل، ولا يقال
ذلك في اختلافهم هل صح من مرضه أم لا؟ فهذا وجه القول. في هذه المسألة، وقد
مضى ذلك في سماع أبي زيد من كتاب الوصايا، وبالله تعالى التوفيق.
[مسألة: الولاء يجب للمعتق]
مسألة قال أصبغ: سئل ابن وهب عن أختين اشترتا أباهما فعتق عليهما وهما من
حرة كانت أمهما حرة، فتوفيت إحداهما فورثها أبوها، ثم توفي الأب قال: ترث
الثانية النصف بالرحم والولادة، وترث نصف النصف الباقي بالولاء ويبقى
الربع. فلها النصف نصف هذا الربع الباقي؛ لأن أباها جر ولاء ولده إليها،
لأنه حين عتق جر ولاء ولده بعضهم لبعض، وكان مولاهما جميعا بجر ولاء هذه
إلى هذه، فصار لها ها هنا سبعة أثمان الميراث.
(15/108)
قيل له: أرأيت إن كانت إحداهما اشترته
والأم حرة فتوفي الأب؟ قال: يرثان الثلثين بالرحم.، وما بقي للتي أعتقته
بالولاء.
قيل له: فتوفيت الآن بعد التي لم تشتره بعد الأب وبقيت التي كانت اشترته؟
قال: فلها كل شيء بالرحم والولاء.
قيل له: فإن رجلا اعتقها ثم اشتريا أباهما فيعتق عليهما ثم توفيت إحداهما
بعد ثم توفي الأب بعد ذلك؟ قال: فلهذه الباقية النصف من أبيها بالرحم ولها
نصف النصف الباقي بالولاء، فذلك ثلاثة أرباع، وما بقي فلمولاهما الذي
أعتقهما.
قال محمد بن رشد: قوله في الأختين اللتين اشترتا أباهما فيعتق عليهما وهما
من حرة فتوفيت إحداهما فورثها الأب ثم توفي الأب، إن للباقية النصف بالرحم
والولادة، ونصف النصف الباقي بالولاء، ونصف الربع الباقي بجرور الولاء،
فيصير لها سبعة أثمان الميراث صحيح، وإنما ورثت نصف الربع الباقي من ميراث
أبيها؛ لأن النصف الذي أعتقت أختها منه يجر إليها نصفه؛ لأنها أعتقت نصف
أبيها، فهو مولى ابن مولاها، والمرأة ترث بالولاء من أعتق ولد من أعتقت،
وبيان ذلك أن الولاء يجب للمعتق، ولم يجب له بسبب العتق ممن ينجر إليه عن
المعتق أو يجره إليه المعتق على ما أحكمته السنة عن النبي - عَلَيْهِ
السَّلَامُ -.
من ذلك أن الموالي ثلاثة، مولى الرجل الذي أعتقه، ومولى أبيه ومولى أمه،
فالولاء ينجر عن السيد المعتق إلى ولده وعصبته الأقرب فالأقرب، لقول رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الولاء للكبر» والعبد المعتق
يجر ولاء لده الذين لم يعتقوه، وولاء مواليهم إلى مواليه، والأمة المعتقة
تجر ولاء ولدها الذين لم يعتقوا وولاء مواليهم إلى مواليها أيضا كان ولدها
من زنى أو كان قد نفاهم أبوهم بلعان، أو كان عبدا أو كافرا، فلما أعتقت
الابنتان أباهما في هذه
(15/109)
المسألة وكانتا حرتين لم يعتقا، ثم توفي
الأب بعد موت إحداهما وجب أن ترث الابنة الباقية النصف بالرحم والولادة،
وترث نصف النصف الباقي بالولاء؛ لأنه أعتق عليها نصفه، وترث نصف الربع
الباقي بجرور الولاء، لأن النصف الثاني الذي أعتق منه على أختها الميتة
ينجر إليها نصف ولائه، لأنها أعني الباقية لما أعتق عليها نصف أبيها جر
إليها الأب نصف ولاء ابنته الميتة على ما بيناه من أن العبد المعتق يجر إلى
مواليه ولاء ولده، ألا ترى أنها لو ماتت بعد الأب لورثت أختها الباقية منها
النصف بالرحم ونصف النصف الثاني بجرور الولاء؛ لأنها ابنة مولى، لها نصف
ولائه، وإذا جر الأب إليها نصف ولاء أختها فهو يجر إليها أيضا نصف ولاء ما
أعتقت على ما بيناه، والذي أعتقت إنما هو نصف أبيها الثاني، فلها ولاء نصف
هذا النصف وهو الربع، فوجب لها ثلاثة أرباع ولاء أبيها، النصف بعتقها إياه
والربع بجر الولاء على ما بيناه، وهذا كله بين.
ومما يزيده بيانا وإيضاحا أن الابنة الميتة لو أعتقت عبدا أجنبيا لكان
للابنة الباقية نصف ولائه لأنه مولى ابنة رجل أعتق عليها نصفه، فكان لها
نصف ولائه، فكذلك يكون لها نصف ولاء النصف الثاني الذي أعتقته من أبيها،
لأن المرأة ترث بالولاء من أعتق ولد من أعتقت، وقد روي عن ابن القاسم في
الأختين اللتين اشترتا أباهما فعتق عليهما أن الأب إن توفي قبلهما فورثتاه،
ثم توفيت إحداهما أن الأخت الباقية ترث النصف بالنسب، ونصف النصف بشركة
الولاء، ونصف الربع بجرور الولاء إليها، وهو غلط ظاهر، والصحيح ما ذكرناه
من أن لها النصف بالنسب ونصف النصف بجرور الولاء، وهو منصوص عليه لابن
الماجشون.
وأما قوله إنه إن كانت اشترته إحداهما والأم حرة فتوفي الأب إنهما ترثان
الثلثين بالرحم وما بقي للتي أعتقته بالولاء، فهو بين لا إشكال فيه، وكذلك
قوله إنه إن توفيت التي لم تشتره بعد الأب إن للباقية من أبيها النصف
بالرحم
(15/110)
ونصف النصف بالولاء؛ لأنه أعتق عليهما
نصفه، وما بقي فلمولاهما الذي أعتقهما؛ لأنه أعتق الميتة منهما التي أعتق
عليها نصف أبيها المتوفى، فوجب أن يكون له الباقي كما ذكر، لأنه أحق بميراث
من أعتقت من أختها، لأنه هو أعتقها، وأختها إنما أعتقت أباها، ومولى المولى
أحق بالميراث من مولى ابن المولى، وبالله التوفيق.
[: يقول لعبده إذا مت فأنت سائبة وهو يريد بذلك
الحرية]
ومن كتاب البيوع الثاني قال: وسمعته يقول في تفسير السائبة، قال الذي يقول
لعبده إذا مت فأنت سائبة، وهو يريد بذلك الحرية، أو يقول: اذهب فأنت حر، أو
أنت سائبة، أو يقول أنت سائبة، وهو يريد الحرية، ولا يقول اذهب ولا أنت حر،
وذلك كله سواء يعتق ويخرج حرا وهو سائبة ولاؤه للمسلمين، إلا أنه لا يعجبني
أن يعتق اليوم سائبة؛ لأن ذلك هبة الولاء، وقد نهى رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيع الولاء وعن هبته، فإن فعل فهو على ما
أخبرتك وقلت لك.
قال أصبغ: لا يعجبني قوله في كراهية عتق السائبة، هو جائز أبدا، كما أن
جائزا أن يعتق رجل عن غيره عن ابنه أو أبيه أو من أحب والولاء للمعتق عنه،
لا كراهية فيه، فكذلك المسلمون جميعا، وقد جاء عن السلف من عملهم في عتق
السائبة وكلامهم فيه، فليس فيه مكروه، ولا يعجبني قوله أيضا باستثنائه في
السائبة إذا قال له أنت سائبة، أو اذهب أنت سائبة، حين استثنى وهو يريد
الحرية، سواء أراد الحرية أو لم يرد الحرية، هي حرة على سنة السائبة، وهي
سنة فيما جاء فيه الأثر وتكلم به، أو يقول أنت سائبة فقط، وليس فيه أكثر من
قوله، إلا أن يكون لقوله ذلك سبب غير الحرية.
(15/111)
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام
عليها مستوفى في آخر سماع أشهب من هذا الكتاب، قلا معنى لإعادته.
[: قال الرجل قل لغلامي يلقاني غدا فإن لم يفعل
فهو حر]
ومن كتاب المدبر والعتق قال أصبغ: سألت ابن القاسم عمن قال لرجل: قل لغلامي
يلقاني غدا في موضع كذا وكذا، فإن لم يفعل فهو حر، فنسي الرجل أن يقوله
للعبد، أو قاله له فلم يفعل، إنه لا عتق فيه.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في رسم لم يدرك من
سماع عيسى، فلا معنى لإعادته.
[مسألة: ورثة ورثوا عبدا من ميت فقيل لهم إنه
قد أعتقه]
مسألة قال أصبغ: وسمعت ابن القاسم وسئل: عن ورثة ورثوا عبدا من ميت فقيل
لهم: إنه قد أعتقه، فقال أحدهم: قد أجزت مصابتي، فقال: يعتق مصابته، ولا
يقوم عليه ما بقي، وليس هو بمنزلة من ابتدأ العتق.
قال محمد بن رشد: قوله إنه يعتق مصابته من أجاز خلاف مذهبه في المدونة
وغيرها، مثل مذهب عبد العزيز بن أبي سلمة والمغيرة المخزومي، إذ لا فرق بين
أن يشهد بذلك أو يمضي قول من شهد به، وقد مضى القول على هذه المسألة مستوفى
في رسم يوصي من سماع عيسى فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.
[مسألة: يحلف بعتق جاريته ليبيعها فتلد أولادا
ثم تموت ولم تبع]
مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في الذي يحلف بعتق
(15/112)
جاريته ليبيعها فتلد أولادا ثم تموت ولم
تبع: إنها تعتق وولدها جميعا في الثلث، ولا يبدأ أحد منهم على صاحبه، وهم
بالسوية، قال: وقال مالك: وإنما هي بمنزلة المدبرة تلد أولادا، إلا أن
المدبرة يطأها سيدها، وهذه لا يطأها، فهي أوكد من المدبرة، وهو بمنزلة أمر
عقده لهم في الصحة جميعا هي وأولادها، وقاله أصبغ كله.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في رسم باع شاة من
سماع أشهب، فلا معنى لإعادته.
[مسألة: من اشترى مدبرا فأعتقه فالولاء له]
مسألة قال: وقال في رجل قال لرجل: علي عتق رقبة فبعني رأسا، فباعه مدبرا
وكتمه، فاشتراه وأعتقه ثم علم.
قال: عتقه جائز، وهو يجزيه في الرقبة التي كانت عليه، ومن اشترى مدبرا
فأعتقه فالولاء له ولا يتبع البائع بشيء، وعتقه جائز نافذ.
قال محمد بن رشد: اختلف في المدبر يباع فيعتقه المشتري، فقيل يمضي عتقه ولا
يرد، وهو قوله في هذه الرواية، فقوله: إنه يجزيه عن الرقبة التي عليه إذا
دلس له البائع ولم يعلمه أنه مدبر، هو على قياس هذا القول، ولو أعلمه
البائع أنه مدبر لم يجزه عن الرقبة التي عليه، وإن لم يرد عتقه على هذا
القول، لأنه إذا اشتراه وهو يعلم أنه مدبر فقد اشتراه بشرط العتق، إذ لا
يجوز بيع المدبر على غير العتق، والرقبة الواجبة لا تشتري بشرط العتق،
وقيل: إن المدبر إذا بيع يرد البيع، وإن أعتقه المشتري، فعلى هذا القول لا
يجوز عتق الرقبة الواجبة، فإن أعتقه المشتري ففات رده بموت أو عيب، وكذلك
إذا اشتراه فأعتقه من زكاته يجري جوازه على هذا الاختلاف، وقد مضى الكلام
على هذه المسألة بأوعب من هذا في سماع أصبغ من كتاب الوصايا قرب آخر أول
رسم منه، وبالله التوفيق.
(15/113)
[مسألة: قطع يد
أو يدي عبده]
مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول فيمن قطع يد أو يدي عبده فأره صناع
فإنه يضمن قيمته وعتق وليس عليه.
قال محمد بن رشد: مثل هذا في سماع أصبغ أيضا من كتاب الجنايات نصا، وفي
المدونة نحوه، قال: إذا كان فسادا لا منفعة معه في العبد حتى يضمنه من تعدى
عليه عتق عليه، وكان بمنزلة من مثل بعبده، وقال أصبغ: ذلك استحسان وليس
بقياس، وقال ابن الماجشون في الواضحة: إنه لا يعتق عليه، وهو الأظهر، لأن
السنة إنما جاءت فيمن مثل بعبده، وبالله التوفيق.
[مسألة: قول السيد لعبده اخرج إلى إفريقية فإذا
بلغتها فأنت حر]
مسألة قال أصبغ: سمعت أشهب بن عبد العزيز وسئل: عن رجل استأذنه عبده في
الخروج إلى إفريقية، فقال له: اخرج فإذا بلغتها فأنت حر، ثم أراد أن يمنعه
بعد ذلك من الخروج، قال: ليس ذلك له، قيل لأشهب فخرج فمات السيد والعبد في
الطريق قبل أن يبلغ؟ قال: سواء مات أو لم يمت إذا بلغها فهو حر، فقيل له:
أمن الثلث؟ فقال: لا، بل من رأس المال لو كان من الثلث كله.
قال محمد بن رشد: لابن المواز في هذه المسألة زيادة قال: إلا أن يبدو للعبد
في الخروج، فجعل قول السيد لعبده: اخرج فإذا بلغتها فأنت حر، تمليكا منه له
في العتق، يلزم السيد ولا يلزم العبد، وقد قلنا في رسم يدبر
(15/114)
من سماع عيسى: إن هذه المسألة يتخرج فيها
ثلاثة أقوال، وأن قول ابن المواز في هذه المسألة وقول أشهب أيضا إن حمل
قوله على التفسير له قول رابع في المسألة.
[مسألة: رجل قال لغلامه اعمل هذا اليوم وأنت حر]
مسألة وسئل: عن رجل قال لغلامه: اعمل هذا اليوم وأنت حر، فقال: هو حر أبدا.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال إنه يكون حرا إن عمل ذلك اليوم؛ لأنه عتق على
شرط يجب له الوفاء به كالكتابة، وبالله التوفيق.
[مسألة: عبد بين عبد ورجل آخر أعتق العبد
مصابته أيقوم عليه بقيته]
مسألة وسئل: عن عبد بين عبد ورجل آخر أعتق العبد مصابته أيقوم عليه بقيته؟
قال: إن أعتقه بإذن سيده قوم على سيده في جميع ماله ويباع فيه رقبة عبده
وغير ذلك، وإن كان أعتقه بغير إذنه فلا قيمة فيه أصلا، لا على السيد ولا
على العبد، ولو قال السيد قوموه على العبد فيما بقي في يديه لم يقوم عليه،
وإن كان أعتقه بغير إذن سيده فأجاز سيده عتقه فهو بمنزلة ما لو أعتقه بإذن
سيده ابتداء سواء.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه إذا أعتقه بإذنه أو بغير إذنه فأجازه
فهو المعتق له؛ لأنه كأنه انتزعه منه فأعتقه، بدليل كون الولاء له لا يرجع
إلى العبد إن أعتق، بخلاف ما قال في رسم نقدها من سماع عيسى في العبد بين
الشريكين، وقد ذكرنا هنالك الفرق بين المسألتين.
وقوله: لا يقوم على العبد فيما بقي من ماله إذا دعى إلى ذلك شريكه، يريد
أنه لا يقوم عليه في مغيب سيده، ولو كان حاضرا لكان وجه الحكم في ذلك أن
يوقف على إجازة عتقه أورده، فإن أجازه قوم عليه كما قال بمنزلة ما لو أعتق
بإذنه، وإن رده فهو مردود، ولو قال السيد لما وقف على ذلك. لا أجيز
(15/115)
عتقه ولا أرده لوجب أن ينفذ عتق نصيبه منه
الذي أعتقه، فإن أعتق قوم عليه باقية لأن الولاء إذا لم يجز السيد عتقه ولا
رده حتى أعتق، وبالله التوفيق.
[مسألة: يبتاع العبد فيعتقه مكانه بحضرة البائع
ثم يجحد الاشتراء]
مسألة وسئل: عن الذي يبتاع العبد فيعتقه مكانه بحضرة البائع ثم يجحد
الاشتراء.
قال: إن كان مليا بالثمن لم أر للبائع أن يسترقه، وإن كان معدما ولم يكن
فضل في قيمة العبد لم أر بأسا أن يسترقه.
قلت: أرأيت إذا أقر البائع بهذا من اشتراء المشتري وعتقه وجحوده والمشتري
ملي أيعتق على البائع يحكم به عليه؟ فقال لي: نعم، قال أصبغ: صوابا حسنا.
قال محمد بن رشد: قوله إنه إن كان مليا بالثمن لم يكن للبائع أن يسترقه هو
على أحد قولي ابن القاسم في المدونة في العبد بين الشريكين يشهد أحدهما على
صاحبه أنه أعتق نصيبه منه وهو موسر إنه يعتق عليه نصيبه.
وقوله: إنه إن كان معدما ولم يكن في قيمته فضل عن ثمنه كان له أن يسترقه
صحيح لا إشكال فيه، وإنما موضع الإشكال من المسألة إذا كان معدما وفي قيمته
فضل عن الثمن هل له أن يأخذه فيباع منه بقدر الثمن ويعتق الباقي أم لا؟
فقال فيما تقدم في رسم العتق من سماع عيسى: إن ذلك له إذا لم يكن له مال
يوم أعتقه ولم يكن علم بعتقه، وقد مضى الكلام على ذلك هنالك فلا معنى
لإعادته وبالله التوفيق.
[مسألة: باع الحالف نصيبه من العبد من غير
شريكه]
مسألة قال أصبغ: سألت ابن القاسم عن عبد بين اثنين حلف
(15/116)
أحدهما بعتق نصيبه إن كلم رجلا فباع نصيبه]
من رجل أجنبي فاشترى نصيب صاحبه ثم كلمه،. قال: لا حنث عليه ولا عتق لما
اشترى من نصيب صاحبه.
قلت: فبادل صاحبه نصيبه ثم كلمه؟ قال: يحنث.
قلت: فاشترى نصيب صاحبه ثم باع نصيبه ثم كلمه؟ قال: يحنث إنما باع نصفه.
قلت: فباع نصيبه من صاحبه بدنانير أخذها منه ثم اشترى بعد ذلك نصيب صاحبه
ثم كلمه. قال: يحنث.
قال محمد بن رشد: أما إذا باع الحالف نصيبه من العبد من غير شريكه ثم اشترى
نصيب شريكه فقوله إنه لا حنث عليه فيه هو مثل ما في المدونة والواضحة، ولا
اختلاف في ذلك إن كان قال للمشتري أبيع منك نصيبي من هذا العبد وهو كذا
وكذا النصف إن كان النصف، وأما إن كان قال له أبيعك نصف هذا العبد وله فيه
النصف فالبيع يقع على نصف جميع العبد نصف حظه ونصف حظ شريكه على ما قاله
ابن القاسم في رسم يشتري الدور والمزارع من سماع يحيى من كتاب الشفعة،
فينتقض البيع في حظ الشريك وينفذ في حظه، فيبقى له ربع العبد ويكمل له إذا
اشترى نصف شريكه ثلاثة أرباع العبد، ويحنث إن كلم الرجل فيعتق العبد كله
ربعه بالحنث ونصفه الذي اشترى من شريكه بالحكم، والربع الذي باع من الأجنبي
بالتقويم إن كان له مال خلاف ظاهر هذه الرواية وما في المدونة والواضحة، إذ
لم يفرق في شيء منها إذا باع نصيبه من أجنبي بين أن يقول أبيعك نصف هذا
العبد أو
(15/117)
يقول أبيعك نصيبي منه وهو النصف في أن
البيع إنما يقع على نصيبه خاصة في الإبهام كما يقع في البيان.
وأما إذا بادل شريكه حصته بحصته فقال في هذه الرواية إنه يحنث، وقال أصبغ
في الواضحة إنه لا يحنث كما لو باع حصته من أجنبي واشترى من شريكه حصته، إذ
لا فرق بين أن يبيع حصته من شريكه، أو من غيره، وعابه ابن حبيب واعترض عليه
بقول ابن القاسم في الرهن المشاع يكتري الراهن حصة الشريك إن الرهن يبطل.
ووجه قوله أنه إذا عامل شريكه فيه فقد بقيت الشركة بينهما فيه على ما كانت
عليه، فكانت المبادلة أقوى.
وقول أصبغ هو القياس، إذ ليست المبادلة لغوا، لأن الأملاك تنتقل بها ويصير
لكل واحد منهما على صاحبه عهدة في نصيبه الذي عاوضه به.
وأما إذا باع حصته من شريكه ثم اشترى منه حصته أو اشترى منه حصته ابتداء ثم
باع منه حصته أو من غيره فقال في هذه الرواية إنه يحنث ويأتي على ما في
كتاب المرابحة من المدونة أنه لا يحنث، وهو الأظهر إذا سمى حصة شريكه في
الابتياع ألا يقع شراؤه إلا على ما ابتاع لا شائعا في جملة العبد، ألا ترى
أنه لو حلف رجل ألا يبيع شيئا وهب له فوهب نصف عبد على الإشاعة واشترى
النصف الثاني لجاز له أن يبيع النصف الذي اشترى ولا يحنث إلا أن يبيع النصف
مبهما ولا يسمي شيئا؛ لأنه حينئذ يقع البيع على ما اشترى وعلى ما وهب له،
فالاختلاف إذا كان العبد كله لرجل فباع منه حصة مسماة هل يقع البيع على ما
سمى أو على الإشاعة كما لو لم يسم، والاختلاف إذا كان العبد بين الرجلين
فباع أحدهما منه مقدار حصة أو أقل ولم يسم أنها حصته هل يقع البيع على
الإشاعة في حظه وحظ شريكه أو على حصته كما لو سمى؟ ولو كان عبدان بين رجلين
فحلف أحدهما بعتق نصيبه ألا يفعل فعلا فقاسم شريكه
(15/118)
فيهما فحصل له أحدهما لرجعت اليمين فيه،
قاله ابن القاسم، وهو عندي على قياس القول بأن القسمة تميز حق، ولو باع
أحدهما حصته من أحدهما بحصة شريكه من الآخر فخلص له أحدهما بذلك ثم حنث
لعتق عليه نصفه بالحنث، ونصفه بالقضاء، قاله أشهب، وهو صحيح، وكذلك يلزم في
القسمة على قياس القول بأنها بيع من البيوع، وقد مضى في رسم نذر سنة من
سماع ابن القاسم الاختلاف، إذا حنت قبل القسمة فلا معنى لإعادته وبالله
التوفيق.
[مسألة: يقول إن فعلت كذا وكذا فجاريتي حرة]
مسألة قال أصبغ: سألت ابن القاسم عن الذي يقول إن فعلت كذا وكذا فجاريتي
حرة فتلد عنده بعد ذلك أولادا ثم يفعل ذلك: قال: سألت مالكا عنها فرأى أن
تعتق هي وولدها ورأيته يصغي إليه، وهو الذي آخذ به أنا أيضا وأستحسنه، وليس
يحمله القياس. قال أصبغ: هذا ليس بشيء، وليس لولدها هنا عتق؛ لأنها لم تكن
مرتهنة باليمين، ولم يكن فيها على حنث هو على بر حتى يحنث، فما وضعت قبل
الحنث وزايلها فليس منها، ولا يقع عليه الحنث لأن الحنث إنما هو يوم يقع
وإنما يقع على رقبتها، وقد كان له بيعها قبل ذلك، وإنما الذي يدخل الولد
معها ما لم يكن له بيعها إن كانت باليمين مرتهنة، ومثله الذي يحلف ليبيعها
إلى وقت أو ليفعلن كذا وكذا فلا يفعله، فأما الذي يحلف أن لا يفعل فليس
بيمين منعقدة، ولا أحسب ابن القاسم إلا وقد رجع وكان له قول غيره فيها، ولا
أظنه عن مالك إلا وهما من روايته، فأما الرواية لها فقد رواها زعم ظاهر أو
هو يغلط في روايتها.
قال محمد بن رشد: رأى أصبغ أن الولد يدخلون في اليمين الذي
(15/119)
يكون الحالف فيها على حنث وليس له أن يطأ
ولا يبيع، وفي اليمين التي ليس له أن يبيع فيها وإن كان له أن يطأ على
اختلاف وهي اليمين ليفعلن إلى أجل، وقد قيل إن الولد لا يدخلون إلا في
اليمين التي يكون فيها على حنث، وليس له أن يطأ ولا يبيع، فالمسألة يتحصل
في جملتها أربعة أقوال، وقد مضت المسألة في مواضع من هذا الكتاب وغيره،
وتحصيل القول فيها في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم وبالله التوفيق.
[مسألة: البينة على من أدعى]
مسألة قال أصبغ: سألت ابن القاسم عن رجل هلك فشهد عليه أنه حلف بعتق رقيقه
وحنث، فادعت امرأته أنها أخذت تلك الرقيق في حقها وأقامت البينة على ذلك،
ولا يدري الشهود متى أعطاها؟ ولا يدري الذين يشهدون على الحنث متى كان ذلك؟
فقال: المرأة أولى بهم إلا أن تقوم البينة على أن عتقهم وحنثه كان قبل بيعه
إياهم منها، أو ثبت ذلك الذين شهدوا لهم بالحرية، وإنما ذلك إذا كانت
المرأة قد حازتهم وهم في يديها، وإن لم تكن حازتهم فالعتق أولى، إلا أن
تقيم البينة أن اشتراءها إياهم قبل ذلك، وقال ذلك أصبغ.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال، لأنها إذا حازت الرقيق وجب أن لا يخرجوا من
يديها إلا بيقين، وهو أن تشهد البينة لهم أن عتقهم كان متقدما لأخذها إياهم
في حقها لأنهم هم المدعون، وقد أحكمت السنة أن البينة على من ادعى واليمين
على من أنكر، وإذا لم تحز فهي الطالبة لقبضها بما شهد لها به من أنها
أخذتهم في حقها، فلا يحكم لها بقبضهم إلا بيقين، وهي أن تشهد لها البينة أن
أخذها في حقها كان قبل حنثه بعتقهم، ولا يعتبر عند ابن القاسم بتاريخ
أحدهما إذا جهل الأول منهما، ويعتبر على ما حكى ابن حبيب عن مالك وأصحابه
حاشا المغيرة، فيأتي على هذا قولان إذا حازت
(15/120)
أحدهما أنها أولى بهم وإن كان وقت الحنث
معلوما، والثاني أنها أولى بهم إلا أن يكون وقت الحنث معلوما.
[مسألة: حلف بالطلاق ليبيعن غلامه ممن يخرج به
إلى الشام]
مسألة وسئل: عن رجل حلف بالطلاق ليبيعن غلامه ممن يخرج به إلى الشام فباعه
من رجل على ذلك فمات مشتريه قبل أن يخرجه، قال: إن كانت يمينه ونيته إنما
هي ليشترطن ذلك على مبتاعه ذلك الذي أراد فليس عليه شيء في يمينه، وإن كان
إنما هو على الخروج ليخرجن به أو لم تكن له نية فهو حانث، وقاله أصبغ، وقال
حسنة جيدة، ومحمل اليمين الإخراج حتى ينوي غيره.
قال محمد بن رشد: قوله في هذه المسألة: ومحمل اليمين الإخراج حتى ينوي
غيره، هو مثل ما تقدم في رسم سلف من سماع عيسى لابن القاسم من رواية عيسى
عنه، وخلاف قوله فيه من رواية محمد بن خالد عنه، وقد مضى هنالك الكلام على
المسألة مستوفى فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق.
[مسألة: حلف بحرية غلامه أن لا يبيعه اليوم ولا
غدا]
مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم وسئل عمن حلف بحرية غلامه أن لا يبيعه
اليوم ولا غدا، فقال له رجل بعنيه، فقال: قد أوجبته لك بأربعة دنانير بعد
غد، فقال هو حر، وهذا بيع، قيل له: فما ترى في مثل هذا البيع أن يبيعه إياه
إلى بعد غد؟ قال: ليس بذلك بأس.
قال محمد بن رشد: هذا مثل ما تقدم في رسم بع ولا نقصان عليك من سماع عيسى،
وقد مضى الكلام على ذلك هنالك وفرقنا به من البر والحنث، فلا معنى لإعادته
وبالله التوفيق.
(15/121)
[مسألة: حلف
بحريته أن لا يبيعه فباعه بيعا فاسدا أو حراما]
مسألة قال ابن القاسم: ولو حلف بحريته أن لا يبيعه فباعه بيعا فاسدا أو
حراما على أن يسلف أو سلف أو ما أشبهه من البيوع الفاسدة لرأيته بيعا يعتق
عليه، قال: ولو قال أنت حر إن لم أبعك فباعه بيعا فاسدا فرد عليه كانت
اليمين لازمة له حتى يبيعه ثانية، ولو حلف ألا يبيعه فباعه واشترط الخيار
لم يكن ذلك بيعا حتى يمضيه، لأنه قد جعل ذلك لنفسه إن شاء أن يمضيه أمضاه،
وإن شاء أن يرده رده، فليس يبيع حتى يمضيه، وقاله أصبغ على وجهها كلها ولها
تفسير وحجج في افتراقها، وهي صواب.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال أصبغ أن لافتراق هذه المسائل وجوها تفترق
بها، فإنما فرق بين البر والحنث بمجرد عقد البيع الفاسد يريد مع القبض،
فقال: إنه يحنث به إذا حلف أن لا يبيع وإن لم يفت البيع، وقال إنه لا يبريه
إذا حلف أن يبيع إلا أن يفوت البيع، لأن الحنث يدخل بأقل الوجوه، والبر لا
يكون إلا بأكملها، والوجه في ذلك أن ترك البيع ليس بفعل مقصود إليه، فإذا
حلف ألا يفعله فقصد إلى فعل ما هو سبب له ففعله وجب أن يحنث بفعله إياه؛
لأنه يؤول إليه، والبيع فعل مقصود إليه، فإذا حلف أن يفعله وجب أن لا يبر
إلا بفعله ألا يفعل سببه إذا لم يحلف أن يفعل سببه، وإنما حلف أن يفعله
فوجب أن لا يبر إلا بتمامه وهو فوت السلعة بيد المبتاع الذي به ينتقل
الملك، وقد مضى في رسم باع شاة من سماع عيسى إذا حلف أن يبيع إلى شهر فباع
بيعا فاسدا قبله وما يتخرج في ذلك من الاختلاف.
ولكون الترك ليس بفعل مقصود إليه كان النهي أقوى من الأمر، قال النبي -
عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا نهيتكم عن شيء فانتهوا عنه، وإذا أمرتكم بشيء
فأتوا منه ما استطعتم» لأن الرجل قادر على الترك على كل حال، وقد لا يقوى
على
(15/122)
الفعل، وإنما فرق بين البيع الفاسد وبين
بيع الخيار فقال إنه يحنث بعقد البيع الفاسد، يريد مع دفع السلعة على ما
ذكرناه، ولا يحنث بالبيع على الخيار إذا كان الخيار له؛ لأن السلعة إن تلفت
في البيع الفاسد ضمنها المبتاع ولزمه البيع فيها بالقيمة، وإن تلفت السلعة
في بيع الخيار والخيار للبائع كانت مصيبتها منه بإجماع، ولم تجب للمبتاع
إلا بإمضاء البيع له، فوجب أن لا يحنث إلا بإمضاء البيع لا بالعقد.
ولو حلف أن لا يبيعها إلى أجل فباعها قبل الأجل على أن الخيار له وأمضاها
له بعد الأجل لتخرج وجوب حنثه بذلك على الاختلاف في بيع الخيار إذا مضى هل
يمضي على العقد الأول فيكون كأنه قد باعها حين العقد أو لا يكون بائعا لها
إلا في حين إمضاء البيع؟ وهذا على المشهور في المذهب من أن البيع الفاسد
ينتقل الملك به فتكون المصيبة فيه بعد القبض من المبتاع وإن قامت على التلف
البينة.
وأما على القول بأن الملك لا ينتقل به وأن المصيبة فيه من البائع إذا قامت
البينة على التلف وهو قول ابن القاسم في سماع أبي زيد من كتاب جامع البيوع
في بعض الروايات فلا يحنث بالبيع الفاسد وإن قبض المبتاع السلعة ففاتت
عنده، وبالله التوفيق.
[مسألة: شراء الجنين في بطن أمه]
مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول فيمن باع جارية له، فلما قبض ثمنها
قال: كل ذكر أشتريه بثمنها فهو حر، فاشترى جارية حاملا فولدت ذكرا: إنه
يعتق عليه الذكر ولا تعتق هي، وقاله أصبغ وليس بمنزلة الذي يقول: كل ذكر
اشتريته فهو حر فيشتري جارية فتلد ذكرا أنه لا شيء عليه، إلا أن يكون أراد
كل ذكر يملكه فهو حر، وفي رواية أبي زيد بن أبي الغمر قال: وسئل: عن رجل
باع جارية ثم قال
(15/123)
كل غلام أشتريه من ثمن هذه الجارية فهو حر
فاشترى جارية حاملا فولدت غلاما، قال يعتق الغلام ولا تعتق الجارية، وإن
كان اشتراها وليست بحامل فولدت غلاما لم يعتق.
قال محمد بن رشد: رواية أبي زيد هذه عن ابن القاسم مثل رواية أصبغ عنه، وما
فيها من الزيادة عليها تتميم لها، قد قال غيره: إنه لا يلزمه في الجنين
حنث؛ لأن الشراء لم يقع عليه، وإنما وقع على الأم إذ لا يحل شراء الجنين في
بطن أمه، ولم يفرق ابن القاسم ولا غيره بين أن تكون حين الشراء ظاهرة الحمل
أو غير ظاهرة الحمل، فأما إذا كانت غير ظاهرة الحمل والحمل يزيد في ثمنها
فقول ابن القاسم أظهر؛ لأنه قد وقع للجنين حصة من الثمن، وأما إن كانت غير
ظاهرة الحمل أو ظاهرة الحمل وهي من الجواري اللائي لا يزيد الحمل في
أثمانهن أو ينقص منها فقول غيره أظهر، إذ لم يقع للجنين حصة من الثمن،
فيحتمل أن يرد قولهما جميعا بالتأويل إلى هذا التقسيم فلا يكون بينهما
اختلاف، وذلك قولهما إن ذلك عندهما سواء، فالتفرقة قول ثالث. والله أعلم.
ولا اختلاف بينهما في أن الحمل إن لم يكن ظاهرا لا يجب للولد عتق إلا أن
يشتريها بشرط أنها حامل على مذهب من يجيز ذلك، وهو قول أشهب في سماع عبد
الملك من كتاب العيوب، فيعتق الولد لأنه قد حصل له بالشرط حصة من الثمن.
وقوله وليس بمنزلة الذي يمول كل ذكر أشتريه فهو حر فيشتري جارية فتلد ذكرا
إنه لا شيء عليه إلا أن يكون أراد كل ذكر يملكه فهو حر ليس في كل الروايات،
ويحتمل أن يكون من قول ابن القاسم وأن يكون من قول أصبغ. وقوله فيه فتلد
ذكرا يريد ولم تكن حاملا يوم الشراء، إذ قال إن الولد يعتق إذا كانت حاملا
يوم الشراء، وفي قوله إلا أن يكون أراد كل ذكر يملكه
(15/124)
فهو حر نص منه على أن يمينه على الذكران
دون الإناث تخصيص يلزمه به اليمين وهو قول ابن نافع في المبسوطة. خلاف قول
مالك فيها إن ذلك عموم لا يلزمه فيه اليمين وهو مذهب ابن القاسم وروايته عن
مالك في المدونة وغيرها وبالله التوفيق.
[مسألة: يحلف بعتق عبده إذ لم يضربه ثم يكاتبه]
مسألة قال أصبغ وسمعت ابن القاسم يقول في الذي يحلف بعتق عبده إذ لم يضربه
ثم يكاتبه: إنه يمضي على كتابته ولا يضربه ولا ينقض، فإن عجز ضربه، وإن أدى
كتابته وعتق رد عليه ما أخذ منه، وقال أصبغ، وإن عجل فضربه في الكتابة لم
أر ذلك ينفعه ولا يبريه؛ لأنه ضرب تعدي ليس له، وإن أدى عتق وحنث ورد ذلك
إليه، وإن عجز لم يبر حتى يضربه ثانية ضربا يجوز له.
قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم يمضي على كتابته ولا يضربه ولا تنقض
الكتابة يريد وإن ضربه لم يبر بضربه في الكتابة على ما نص عليه بعد ذلك
بقوله: وإن عجز فضربه في الكتابة لم أر ذلك ينفعه ولا يبر به، ويحتمل أن
يكون ذلك من قول أصبغ، فإن كان من قوله فهو مفسر لروايته عنه، وإذا لم
تنتقض الكتابة فيوقف ما يؤدي منها، فإن عتق بالأداء تم الحنث فيه وصار حرا،
وأخذ كل ما أدى، وإن عجز ضربه إن شاء، قال ذلك في كتاب ابن المواز، ولم ينص
ابن القاسم في هذه الرواية على توقيف ما يقبض منه، فيحتمل أن تكون هذه
إرادته، ويحتمل أن يريد أن ذلك لا يوقف إذا كان السيد مليا ظاهر الملا لم
يخش عليه العدم، وكذلك لا يبد عند ابن القاسم بضربه وهو في ملك غيره إن
باعه قبل أن يضربه، وقال أشهب: يبر بضربه وهو في ملك غيره، ولا يبر بضربه
في الكتابة، وله في كتاب ابن المواز أنه يبر بضربه
(15/125)
في الكتابة، ففي جملة المسألة ثلاثة أقوال،
قولان وتفرقة، ولا اختلاف في أنه لا يبر بضربها بعد أن أعتقها المشتري أو
أولدها، وقد مضى هذا في رسم العتق من سماع عيسى وبالله التوفيق.
[مسألة: يحلف بحرية جاريته إن وطئها فيبيعها ثم
يشتريها بعد ذلك]
مسألة قال أصبغ: سئل ابن القاسم عن الذي يحلف بحرية جاريته إن وطئها
فيبيعها ثم يشتريها بعد ذلك، قال: ترجع عليه اليمين قال: ترجع عليه اليمين
قال: فورثها؟ قال: تسقط عنه اليمين قال أصبغ: ويطؤها ولا شيء عليه.
قال محمد بن رشد: هذا مذهب ابن القاسم، وقوله في المدونة وغيرها إن الحالف
بعتق عبده أن لا يفعل فعلا فيبيع العبد أو يهبه ويفعل ذلك الفعل بعد أن رجع
إليه العبد إلا أن يكون رجع إليه بميراث أو يكون ذلك الفعل مما لا يتكرر،
وقد فعله والعبد خارج عن ملكه، وقد قيل: إن اليمين لا ترجع عليه إذا خرج عن
ملكه ثم عاد إليه بأي وجه كان، وهو مذهب الشافعي، وإليه ذهب ابن بكير، ووجه
قولهما أنه إنما حلف بذلك الملك فلا يرجع عليه في اليمين في ملك آخر كمن
حلف بالطلاق أن لا يفعل فعلا فطلق امرأته ثلاثا ثم تزوجها بعد زوج أن
اليمين لا ترجع عليه، وفي المسألة قول ثالث، وهو أن اليمين إنما ترجع عليه
إذا اشتراه من الذي باعه منه أو وهبه إياه؛ لأنه يتهم على أنه عمل معه على
أن يرده إليه ليحل اليمين عن نفسه، فإذا اشتراه من غيره أو من الذي باعه
منه في تفليس، أو كان قد بيع هو عليه في تفليس فاشتراه من المشتري فلا ترجع
اليمين عليه لارتفاع التهمة، وهو قول ابن الماجشون في الواضحة وحكاه عن
مالك وعن ابنه وعن المغيرة وابن أبي
(15/126)
حازم وابن دينار وغيرهم، ومن مذهب الشافعي
أيضا أن الحالف بالطلاق أن لا يفعل شيئا ينحل عنه اليمين إذا خرجت عن عصمته
بطلقة واحدة ثم راجعها فلا ترجع عليه، وقد مضى في رسم باع شاة من سماع عيسى
من معنى هذه المسألة ما فيه بيان لها وبالله التوفيق.
[مسألة: يقول لامرأته أنت طالق البتة إن دخلت
بيت أبيك]
مسألة قال أصبغ: وسئل ابن القاسم عن امرأة حلفت بعتق رقيقها أن لا يخرج إلى
موضع سمته حتى يقدم زوجها وخرج حاجا فمات قبل أن يرجع، فقال: إن كانت أرادت
إلى مقدار قدومه لقدوم الناس من الحج فلا شيء عليها، أي إذا مضى ذلك القدر،
قال: وإن لم تكن لها نية فاليمين عليها أبدا.
قال محمد بن رشد: مثل هذا في رسم حمل صبيا من سماع عيسى من كتاب الأيمان
بالطلاق في الذي يقول لامرأته: أنت طالق البتة إن دخلت بيت أبيك حتى يقدم
أخوك من سفره، فمات قبل أن يقدم، إنه إن كانت نيته في ذلك أن يقدم الحاج
ولم يرد في ذلك الموت، فإن أقامت إلى ذلك القدر ثم دخلت فلا شيء عليه، وإن
لم تكن له نية فهو حانث، ولا إشكال في المسألة أنها إن كانت أرادت إلى
مقدار قدومه فلها نيتها، ولا يلزمها شيء إن خرجت إلى ذلك الموضع بعد مقدار
قدومه عاش أو مات، وكذلك إن لم يرد ذلك وكان ليمينها بساط يدل على ذلك على
المشهور في المذهب من مراعاة البساط في الأيمان عند عدم النية فيها.
ولو كانت أرادت بذلك استرضاء زوجها، أو كان ليمينها بساط يدل على ذلك لما
كان عليها شيء في خروجها إلى الموضع الذي حلفت عليه إذا مات زوجها قرب موته
أو بعد، إذ لا يسترضى من قد مات، وأما إذا لم تكن لها نية، ولا كان ليمينها
بساط، فحمل يمينها في هذه الرواية وفي المسألة التي ذكرناها
(15/127)
من كتاب الأيمان بالطلاق على ما يقتضيه
اللفظ ولم يراع المعنى والمقصد، ويأتي على مراعاته أن لا تحنث إن فات إن
خرجت إلى ذلك الموضع، بعد أن يمضي من المدة ما كان يمكنه فيها القدوم لو
كان حيا، إذ قد علم من قصدها أنها لم ترد بقولها حتى يقدم زوجها إلا مع
استمرار حياته، إذ لا يمكن أن يقدم الميت، وعلى هذا المعنى يأتي قول مالك
في أول مسألة من رسم الطلاق الأول من سماع أشهب من كتاب الأيمان بالطلاق:
هي الآن من أهل القبور، وعلى هذا المعنى اختلفوا في الرجل يحلف أن لا يكلم
رجلا حتى يرى الهلال فعمي قبل استهلاله، فقال مالك. هو حانث إن كلمه أبدا،
وقال ابن الماجشون يكلمه إذا رىء الهلال ولا شيء عليه لأنه إنما أراد أن لا
يكلمه حتى يرى الهلال من حيث يرى، وقع هذا في المبسوطة وبالله التوفيق.
[مسألة: حلف بعتقه ليضربنه فباعه]
مسألة وسئل عمن حلف بحرية غلامه ليوفين رجلا حقه إلى أجل فباع الغلام قبل
الأجل وأوفاه حقه، قال: لا حنث عليه.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال: لأنه يبر بالقضاء بعد البيع فلا يرد البيع
إذا قضاه، ولو لم يقبضه لرد البيع حتى يبرأ ويحنث بانقضاء الأجل فيعتق
عليه.
ولو حلف بعتقه ليضربنه فباعه لم يبر بضربه بعد البيع على مذهب ابن القاسم،
ويرد البيع على مذهبه حتى يبر بضربه ثانية، أو يحنث بمرور الأجل إن كانت
يمينه إلى أجل فيعتق في ثلثه إن لم يضربه حتى مات، وأشهب يرى أنه يبر بضربه
بعد أن باعه، وقد مضى ذلك فوق هذا، ومضت هذه المسألة أيضا
(15/128)
في رسم نذر من سماع ابن القاسم، ومضى في
رسم العتق من سماع عيسى القول في وجوب رد البيع ووجه الحكم في ذلك فلا معنى
لإعادته.
[مسألة: حلف بحرية جارية له ليضربنها فباعها من
رجل فأحبلها المشتري]
مسألة وسئل عن رجل حلف بحرية جارية له ليضربنها فباعها من رجل فأحبلها
المشتري قال: أرى أن تعتق ويرد الثمن إلى المشتري ويكون له الولد بغير
قيمة، قال أصبغ: لا أرى ذلك وأراها أم ولد للمشتري كالمدبرة تباع فتفوت
بالاتخاذ فلا ترد، فليست هذه بأشد منها ولا بأعظم حرمة من التدبير، وهذا
إذا لم يوقت لليمين وقتا.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في رسم العتق من
سماع عيسى فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.
[مسألة: أعتق شركا له في عبد فلم يقوم عليه حتى
أعتقه الآخر]
مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم وسئل عن أمة بين رجلين أعتق أحدهما نصيبه
وغاب فباع الآخر حصته أو باعها كلها واتخذها المشتري أم ولد وولدت قال:
تعتق على المشتري ساعتئذ وتخرج حرة، وإن كان باعه إياها على أنها أمة كلها
قُوِّمت على أن نصفها حر ونصفها رقيق، فكان لبائعها قيمة ذلك النصف الرقيق
إن كان أقل من نصف الثمن الذي باع به، ورجع عليه المشتري بما بقي يعني كعيب
موجود، وإن كان أكثر من نصف الثمن الذي باع به لم يكن له إلا نصف الثمن،
وإنما أعتقها عليه؛ لأنه لا يستطيع أن يطأها ونصفها حر.
وأمهات الأولاد لا يحبسن على منفعة غير الوطء، وقد قاله مالك فيما يشبهه،
وأهل العراق يخالفوننا يقولون من أعتق شركا له
(15/129)
في عبد فلم يقوم عليه حتى أعتقه الآخر فلا
عتق له، ونحن نقول عتقه جائز، فإذا باع المتمسك بالرق نصيبه فأعتقها
المشتري فهو في مثابة لو كان هو المعتق، فعلى هذا الأصل قست لك وبينت.
فإن قال قائل: إن العتق يكون رضى بما حدث، فإن الوطء يكون رضى، والحمل جاء
من الوطء، وقد كان له أن يرد بعد الوطء قبل الحمل، فالحمل ها هنا لا يكون
كالعتق. قال أصبغ مثله، وذلك الصواب، ولو لم يبع إلا النصف الذي له وكتمه
الحرية في النصف الآخر ووطئ وأحبل كان قيمة الرق فيها [كلها] فيعرف مبلغه
ثم [يقوم] معيبا ثانية رأيته سواء، فما نقص رجع بقدر جزئه من الثمن فصواب،
وهو يرجع إلى شيء واحد ويعاقب الواطئ في هذه الوطأة.
قال محمد بن رشد: قوله في هذه المسألة وإن كان باعها على أنها أمة كلها
قومت على أن نصفها حر ونصفها رقيق، فكان لبائعها قيمة ذلك النصف الرقيق إن
كان أقل من نصف الثمن الذي باع به ويرجع عليه المشتري بما بقي، فإن كان
أكثر من نصف الثمن الذي باع به لم يكن له إلا نصف الثمن ليس بمستقيم على
أصولهم؛ لأن ذلك إنما هو عيب في نصفها الرقيق بما كتمته من حرية أصلها
الآخر، واستحقاق في نصفها الآخر بالحرية، فوجه الحكم في ذلك على أصولهم أن
يرجع المبتاع على البائع بنصف الثمن الذي دفع إليه في النصف المستحق
بالحرية وتقوَّم الجارية يوم البيع على أنها أمة كلها ويقوم نصفها الرقيق
يوم البيع أيضا على أن نصفها حر فينظر ما بين نصف قيمتها على أنها كلها
رقيق وما بين قيمة نصفها على أن نصفها حر فيرجع عليه بذلك الجزء في ثمن
نصفها قل أو كثر، مثال ذلك أن تكون قيمتها على
(15/130)
أنها رقيق كلها مائة، وقيمة نصفها على أن
نصفها الآخر حر أربعون، فالعشرة التي بين الأربعين والخمسين من الخمسين
خمسها، فيرجع المبتاع على البائع بخمس نصف الثمن الذي دفع إليه قل أو كثر،
وهذا الذي قلت قد قالها بعد هذا، إذ لم يبع إلا النصف الذي له أنه يقوم
النصف الذي باع على أن النصف الثاني رقيق، ويقوم ثانية معيبا بعيب حرية
النصف الآخر. فما نقصه رجع بقدر جزئه من الثمن، وذلك صواب كما قال، إلا أنه
لا يرجع مع ما ذكره أولا إلى شيء واحد كما زعم.
وقوله: فإن قال قائل: إن العتق يكون رضى بما يحدث فإن الوطء يكون رضى
والحمل جاء من الوطء، وقد كان له أن يرد بعد الوطء قبل الحمل، فالحمل ها
هنا لا يكون كالعتق كلام فيه استكمال إشكال لإضمار وقع فيه وتقديم وتأخير،
والمعنى فيه أن المخالف يقول: إن العتق رضا بما يطلع عليه من العيوب، فيمن
اشترى عبدا فأعتقه ثم اطلع على عيب فيه لم يكن له رجوع به، وليس الحمل رضا
بما يطلع عليه من العيوب؛ إذ لا كسب له فيه؛ لأنه إنما فعل هو الوطء،
والوطء ليس برضا؛ إذ له أن يرد بعد الوطء، يقول: فكما له أن يرد بعد الوطء
فكذلك له أن يرجع بقيمة العيب بعد الحمل فنقض عليه ابن القاسم قوله بقوله:
فإن الوطء يكون رضا والحمل جاء من الوطء- يقول لهم- فيلزم على قياس قولكم
إذا كان العتق عندكم رضى أن يكون الوطء رضى، والحمل رضى؛ لأنه يكون عن
الوطء.
وتقدير الكلام بإظهار ما فيه من الإضمار، فإن قال قائل: إن العتق يكون رضى
بما يحدث ولا يكون الحمل رضى بما يحدث؛ لأنه فعل العتق ولم يفعل الحمل؛
لأنه وطئ، وقد كان له أن يرد الوطء قبل الحمل، فالحمل هاهنا لا يكون
كالعتق؛ فإن الوطء يكون رضى، والحمل جاء من الوطء وبالله التوفيق، وسيأتي
في سماع أبي زيد إذا باعها المعتق فنتكلم على ذلك إن شاء الله,، وبالله
التوفيق.
(15/131)
[مسألة: ابن
لرجل وأجنبي اشتريا أب أحدهما فأعتقاه]
مسألة وسئل عن ابن لرجل وأجنبي اشتريا أب أحدهما فأعتقاه، ثم مات الأب وترك
موالي فمات بعض الموالي، فقال: ولاؤهم للابن دون الأب ما دام حيا. قال
أصبغ: لأن النسب قائم ولا ولاء مع النسب، وولد الابن فيهم بمثابة أبيهم لو
كان حيا حتى ينقطع النسب فيصير الولاء نصفين بين الأجنبي وعصبة الابن يوم
يموت الموالي ويرجع الولاء إلى غير ولد ولا نسب.
قال محمد بن رشد: قوله فيمن مات من موالي الأب إن ميراثهم لابنه ولابن ابنه
على ما قاله أصبغ يريد ولجميع عصبته أيضا الأقرب فالأقرب فالأقرب دون الآخر
يريد دون الأجنبي الذي أعتق نصف الأب صحيح على ما قاله؛ لأن ولد الرجل ولد
ولده وسائر عصبته الأقرب فالأقرب بميراث مواليه ممن أعتقه هو إذ لا ينتقل
الولاء إلى مولى المولى حتى لا يكون للمولى ولد ولا عصبة، فإذا لم يكن له
ولد ولا عصبة رجع الولاء إلى مولاه الذي أعتقه.
فقوله: إذا انقطع النسب إن الولاء يصير نصفين بين الأجنبي وعصبة الابن يريد
أن ميراثه يكون نصفه للأجنبي الذي أعتق في حق الأب والنصف الآخر لعصبة
الابن الذي أعتق النصف الآخر، يعني مواليه إن كان مولى، وإن لم يكن مولى
فهو لجماعة المسلمين، وبالله التوفيق.
[مسألة: المكاتب بين الرجلين فيموت أحدهما]
مسألة وسئل عن المكاتب بين الرجلين فيموت أحدهما فيوصي بعتق نصيبه وأن
يستتم عتق نصيب صاحبه، قال: ليس ذلك له أن ينتقل عن صاحبه ولاء قد صار له
وثبت له.
قيل له: فإن رضي صاحبه أن يجيز له ما صنع؟ قال: لا يجوز
(15/132)
على حال، قال أصبغ: مثله حتى يعجز فيعتق
على الميت في ثلثه.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن الكتابة من العقود اللازمة، وهي تثبت
الولاء، فليس لأحد الشريكين أن يوصي بعتق نصيب صاحبه فينقل الولاء عنه إلى
نفسه، ولا يجوز ذلك وإن رضي به شريكه لما جاء من النهي عن بيع الولاء وهبته
إلا أن يعجز كما قال أصبغ: فيعتق على الميت في ثلثه بما أوصى له به، قيل:
إذا رضي الشريك بذلك، وقيل: رضي أم لم يرض، وقد مضى الاختلاف في هذا
وتوجيهه في رسم العتق من سماع أشهب، وبالله التوفيق.
[مسألة: عبد بين اثنين يستأذن العبد أحد مواليه
بأن يعتق عبدا له]
مسألة قال ابن القاسم في عبد بين اثنين يستأذن العبد أحد مواليه بأن يعتق
عبدا له فأذن له وكتم مولاه الآخر ذلك حتى أعتقاه جميعا لمن يكون ولاء
العبد الذي أعتقه العبد؟ قال: للعبد الذي أعتقه وليس للذي أذن له أن يعتق
عبده من ولائه شيء؛ لأنه لو أراد أيضا أن يأخذ من ماله شيئا لم يكن له ذلك
إلا أن يأذنا له جميعا فيكون الولاء لهما دون العبد وإن عتق.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال، إذ لا يجوز إذن أحدهما في ذلك له دون صاحبه
من أجل أنه ليس له أن ينتزع ماله، فإذنه كلا إذن، فوجب أن يرجع إليه الولاء
إذا أعتق، وقد مضى في رسم سن من سماع ابن القاسم ما فيه بيان هذا، وبالله
التوفيق.
[مسألة: شهد عليه أنه كان يقر أن ولاءه لبني
فلان]
مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول فيمن شهد عليه أنه كان يقر أن ولاءه
لبني فلان مثل بني زهرة أو بني تميم أو ما أشبه ذلك:
(15/133)
لا يكون لأحد من هؤلاء من ولائه قليل ولا
كثير إذا سمى الفخذ هكذا بعينه حتى يبين لمن هو منهم خاصة؟ وإلا فليس لأحد
منهم قليل ولا كثير. وقال أصبغ: حتى يسمي القوم بأعيانهم أو بني الأب بعينه
عند الأب الجامع.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه؛ لأن الولاء كالنسب،
فلو ثبت لرجل أنه من بني تميم أو من بني زهر بن كلاب ولم يعرف من عصبته
بأعيانهم معرفة قعددهم منه وحيث يلتقون معه من الآباء كان ميراثه لجماعة
المسلمين، ولم يكن لواحد منهم للجهل بقعدده منه، وبالله التوفيق.
[: قال لعبده أنت حر قبل موتي بخمس سنين]
ومن كتاب الوصايا الصغير قال أصبغ: سئل عن رجل قال لعبده: أنت حر قبل موتي
بخمس سنين.
قال: لا يعتق حتى يموت، فإذا مات عتق في الثلث، ولو قال لعبده أنت حر قبل
موتك بخمس سنين قال: لا حرية له أصلا.
قال محمد بن رشد هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في رسم يوصي لمكاتبه
من سماع عيسى فلا معنى لإعادته.
[: أعتق شركا له في عبد]
من سماع أبي زيد بن
أبي الغمر من ابن القاسم قال أبو زيد ابن أبي الغمر: سئل ابن القاسم عن رجل
أعتق شركا له في عبد، فلما أرادوا أن يقوموه عليه قال: إنه آبق سارق
(15/134)
وشريكي يعلم ذلك منه، وليس له بينة
فاستحلفوه.
قال: أرى أن يقوم على أنه لا عيب فيه إلا أن يأتي المعتق ببينة، ولا أرى
على الشريك يمينا.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضت والكلام عليها في رسم العتق من سماع
أشهب فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق.
[مسألة: قال غلامي ميمون حر إن بعته]
مسألة وقال في رجل قال: غلامي ميمون حر إن بعته ومرزوق غلام فلان حر إن
اشتريته أبدا، فباع ميمونا بمرزوق الذي حلف بعتقه أن لا يشتريه قال: يعتقان
عليه جميعا.
قال محمد بن رشد: زاد ابن المواز في هذه المسألة، وعليه قيمة العبد الذي
ابتاع وبزيادة تتم، وذلك أن البائع لمرزوق لما باعه من الذي حلف بحريته إن
اشتراه عتق على المشتري بنفس الشراء، ولما كان بيعه إياه منه بالعبد الذي
كان حلف البائع بحريته إن باعه لم يصح له ملكه لوجوب عتقه على البائع، فصار
كمن باع عبده بعبد فأعتق المشتري العبد الذي اشتراه واستحق من يد البائع
العبد الذي باعه بحرية، فوجب للبائع أن يرجع على المبتاع بقيمة العبد الذي
باعه منه لفواته عنده بالحرية.
وهذا التوجيه إن كان البائع لمرزوق لم يعلم بيمين المبتاع له، وأما إن علم
بيمينه فوجه وجوب القيمة له فيه هو أنه لما باعه منه وقد علم أنهما يعتقان
جميعا على المبتاع له بنفس الابتياع، وأنه لا يأخذ في عبده إلا قيمته صار
كأنه باعه منه بقيمته وهو بيع فاسد فات بالعتق فوجبت له فيه القيمة، وبالله
التوفيق.
[مسألة: قال غلامي ميمون حر إن لم أفعل]
مسألة وقال في رجل قال: غلامي ميمون حر أو مرزوق إن لم أفعل
(15/135)
كذا وكذا ثم يموت قبل أن يفعله، قال: يسهم
بينهما ثم يعتق من وقع السهم عليه إذا حمله الثلث، ولا يقوموا ولا يبالي من
وقع عليه العتق على من كان أرفعهم أو أخفضهم إذا حمله الثلث.
قال محمد بن رشد: لما كان الحنث في أحد العبدين لا يجب إلا بالموت أشبه
الوصية بعتق أحدهما، فوجب أن يسهم بينهما فيعتق من خرج السهم منهما عليه،
كان أرفعهم أو أخفضهم كما قال؛ لأن الميت إنما أراد عتق واحد منهما، وقد
قيل: إنه يعتق نصف قيمتهما بالسهم، وهو الذي يأتي على ما حكاه سحنون عن
مالك في سماع محمد بن خالد، ولا يقال في هذه المسألة: إن العتق يجري فيهما،
فيعتق من كل واحد منهما نصفه إن حمله الثلث على قياس قول ابن القاسم في رسم
باع شاة من سماع عيسى؛ لأن ذلك عتق كان أصله في الصحة، والسنة قد جاءت
بالقرعة في العتق عند الموت إلا على من يرى القرعة أصلا كمذهب أهل العراق
وهو قول المغيرة، فيقول إن العتق يجري فيهما ولا يسهم بينهما، وأما تخيير
الورثة في هذه المسألة فلا يقال به فيها، والله الموفق.
[مسألة: قالت لجارية لها إن ولدت غلاما فأنت
حرة فولدت غلاما ميتا]
مسألة وقال في امرأة قالت لجارية لها: إن ولدت غلاما فأنت حرة شكرا لله،
فولدت غلاما ميتا قال: تعتق.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنها إنما قالت إن ولدت غلاما ولم تقل حيا
ولا ميتا، فوجب أن يحمل قولها على عمومه، ومن جهة المعنى أيضا لا فرق بين
أن تلده ميتا أو حيا فيموت قبل أن يبلغ مبلغ الانتفاع به، وقد خلصت في
الوجهين جميعا مما خشته من أن تضع جارية لكراهيتها لها، والله أعلم، وتعتق
عليها بالحكم؛ لأنها يمين وإن خرجت مخرج النذور، ولو قالت: لله علي أن
أعتقك إن ولدت غلاما لم يحكم عليها بعتقها على مذهب ابن
(15/136)
القاسم خلافا لقول أشهب، وقول ابن القاسم
أظهر؛ لأن في الحكم عليها تفويتا بالوفاء بالنذر، إذ لا يكون الوفاء دون
نية، وبالله التوفيق.
[مسألة: أعتق أم ولده على أن أسلمت له ولده
الصغير منها]
مسألة وقال في رجل أعتق أم ولده على أن أسلمت له ولده الصغير منها يكون
عنده: إنه يرد إليها، وليس ذلك بمنزلة الحرة يصالحها على أن تسلمهم إليه،
فذلك جائز، ولا يرجعون إليها.
قال محمد بن رشد: قد روي عن ابن القاسم أن ذلك يلزمها بمنزلة الحرة، حكى
ابن المواز عنه القولين جميعا، وقد تكررت هذه المسألة في رسم أوصى من سماع
عيسى من كتاب التخيير والتمليك، وقلنا فيها هنالك: إن الأصل في هذا
الاختلاف هو أنه لما أعتقها على أن أسلمت إليه ولده منها حصل إسقاطها لما
يجب لها من حضانة ولدها في حال العتق معا، فمرة رأى الإسقاط مقدما على
العتق فلم يلزمها إياه إذ لم تلتزمه إلا في حال رقها وفي حال لا تملك
نفسها، ويقدر السيد فيه على إكراهها، فصارت في حكم المغلوبة على ذلك، ومرة
رأى العتق مقدما على الإسقاط فألزمها إياه؛ إذ لم تلتزمه إلا في حال حريتها
بعد عتقها، فأشبهت الحرة يصالحها على أن تسقط حقها في حضانة ولدها، والأظهر
من جهة القياس أن ذلك لا يلزمها لأنهما إذا وقعا معا فقد وقع كل واحد منهما
قبل كمال صاحبه، وعلى هذا الأصل وقع الاختلاف في الرجل يعتق أمته على أن
تتزوجه بكذا وكذا، وقد مضى الكلام على ذلك مستوفى في رسم حلف من سماع ابن
القاسم من كتاب النكاح، والأظهر من جهة المعنى أن ذلك يلزمها؛ لأنها اختارت
عتقها على حضانة ولدها كما اختارت الزوجة نفسها على ذلك، فوجب أن يستويا،
وبالله التوفيق.
[مسألة: ترك غلامين أختلف في عتقهما]
مسألة قال في رجل توفي وترك غلامين، يقال لهما: ميمون وسلام،
(15/137)
فشهد رجلان عدلان أن أباه الميت قد أعتق
ميمونا في صحته منه، وقال الابن: لا، بل سلام الذي أعتق في مرضه.
قال ابن القاسم: يقال للابن: أنت تقول إنما شهد الشاهدان بزور، وأن المعتق
إنما هو سلام، فانظر إلى قيمة ميمون وإلى ثلث ما ترك الميت فإن كان سلام
يحمله الثلث مع قيمة الغلام الآخر فسلام حر، وخرج ميمون بالشهادة حرا، وإن
لم يحمله ثلث ذلك فما حمل الثلث منه عتق وخرج الآخر حرا.
قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في هذه الرواية: إن سلاما يعتق إن حمله
الثلث مع قيمة الغلام الآخر مثل قوله في رسم العتق من سماع عيسى من كتاب
الوصايا وخلاف قوله في رسم العتق من سماع عيسى من هذا الكتاب على ما فسره
عيسى بن دينار من أنه يعتق إن حمله الثلث دون الآخر، وقد مضى تمام القول
على هذا هنالك فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.
[مسألة: حلف ليفعلن فعلا ولم يضرب له أجلا]
مسألة وقال في رجل قال في أخ له: إن لم يصنع لنا فجاريته حرة، فأقام أشهرا
يماطله، ثم صنع له بعد أشهر، فقال: أخاف أن يحنث، قال: وأراه قد حنث.
قال محمد بن رشد: خشي عليه الحنث أولا ولم يحققه عليه، ثم حققه عليه بقوله:
وأراه قد حنث، وإيجابه الحنث عليه وإن كان قد صنع من أجل أنه أخره ولم
يعجله يقتضي ظاهره أنه حمل يمينه على التعجيل حتى يريد التأخير، وهو خلاف
المشهور في المذهب من أن من حلف ليفعلن فعلا ولم يضرب له أجلا لا يحنث إلا
بالموت إذا كان يمكنه فعل ما حلف ليفعلنه طول حياته، فإن كانت يمينه بعتق
أو بما فيه كفارة لزمه ذلك في ثلثه، وإن كانت
(15/138)
بطلاق لم يكن عليه شيء؛ إذ لا يقع الطلاق
على أحد بعد موته، وأما إذا فاته في حياته فعل ما حلف ليفعلنه مثل أن يحلف
ليضربن عبده أو ليذبحن شاة فيموت العبد قبل أن يضربه أو الشاة قبل أن
يذبحها فيحنث بالتفريط إن كان قد حيى أو حييت قدر ما لو أراد أن يضربه أو
يذبحها أمكن ذلك.
والاختلاف في هذا جارٍ على اختلاف أهل الأصول في الأمر بالشيء هل يقتضي
الفور أم لا؟ وعلى هذا اختلفوا في الحج هل هو على الفور أو على التراخي،
وقد قال أبو بكر بن محمد في هذه المسألة: لا شيء عليه؛ لأنه لم يضرب أجلا
فجاوزه دون أن يفعل ما حلف عليه، وقال أبو محمد: إنما عني أبو بكر إذا لم
ينو الاستعجال، وابن القاسم خاف عليه أن يكون نوى الاستعجال فلذلك أحنثه،
ولا اختلاف إذا كانت له نية في التعجيل أو التأخير، وإنما الاختلاف إذا
عريت يمينه من النية على ما تحمل؟ والمشهور في المذهب ما ذكرناه من أنها
تحمل على التأخير فلا يحنث إلا بالموت أو بفوات الفعل، وبالله التوفيق.
[مسألة: قال لعبده إن فارقت غريمي فأنت حر
ففارقه]
مسألة وقال في رجل قال لعبده: إن فارقت غريمي فأنت حر، ففارقه قال: قد كان
لا يراه عتيقا، ثم عرضته عليه مخليا وما بقي أحد فأمرني بمحوه ورآه حرا،
قال: وكذلك من قال لعبده أنت حر إن دخلت دار فلان فدخلها.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في رسم لم يدرك من
سماع عيسى فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.
[مسألة: اليمين لا يلحق إلا بتحقيق الدعوى]
مسألة وقال في رجل كان جالسا في ملإ فمر به غلام له، فقال له
(15/139)
بعض القوم: ما اسم غلامك هذا؟ فقال حر،
وليس اسمه حرا، قال: هو كاذب وليس عليه شيء.
قلت: فهل عليه يمين أنه لم يرد بقوله عتقا؟ قال: لا.
قال محمد بن رشد: قوله إنه لا يمين عليه هو على القياس بأن اليمين لا يلحق
إلا بتحقيق الدعوى، وقد مضى الكلام على هذا المعنى مستوفا في رسم لم يدرك
ورسم الرهون من سماع عيسى فلا معنى لإعادته.
[مسألة: جارية بين رجلين أعتق أحدهما نصيبه]
مسألة وقال ابن القاسم في جارية بين رجلين أعتق أحدهما نصيبه ثم إن معتق
النصف باعها من رجل فوطئها فحملت منه، قال: يرجع الذي حملت منه بالثمن على
من اشترى منه، ويرجع المتمسك بالرق على الذي أحبلها بنصف الثمن فقط.
قال محمد بن رشد: قوله: ويرجع المتمسك بالرق على الذي أحبلها بنصف الثمن
فقط كلام فيه نظر، وإنما الواجب أن يرجع عليه بقيمة نصفها فغلب حرية نصفها
الآخر. إما يوم أحبلها ولا يكون عليه شيء من قيمة ولدها، وإما يوم الحكم
عليه بذلك مع نصف قيمة ولدها على اختلاف قول مالك في ذلك؛ لأنه مستحق لذلك
النصف من يد مشتر قد أولده، فيجري الحكم فيه على اختلاف قوله فيمن استحق
أمته من يد مشتر بعد أن أولدها، ويكون من حقه أن يرجع على الشريك المعتق
لحصته منها بما انتقصه من قيمة نصفها بسبب حرية النصف الآخر؛ لأنه كان من
حقه أن يقومها عليه كلها على أنها أمة لا عتق فيها، فيأخذ منه نصف قيمتها
على المشهور في المذهب، وهو ظاهر الحديث، وقد قيل: إن المعتق لحظه من العبد
لا يلزمه لشريكه إلا قيمة حظه بعيب الحرية يقوم ذلك من قول ابن القاسم في
كتاب الجنايات من المدونة ومن قول غيره في كتاب أمهات الأولاد منها، فعلى
هذا القول لا يكون
(15/140)
له رجوع إلا أن يكون بين الوقتين اختلاف في
القيمة وعلى القول بأن لمستلحق الجارية وقد ولدت أن يأخذها وقيمة ولدها
يكون للمتمسك بالرق أن يأخذ حظه منها ونصف قيمة ولدها، فيقوم على المعتق
لحظه منها ويكون لها ولاء جميعها، فهذا وجه القول في هذه المسألة، وقد رأيت
لابن دحون فيها كلاما مختلا لا يصح، قال: إنما رجع على المشتري بنصف الثمن
لأنه هو أفاتها وقد كانت القيمة تلزم المعتق إلا أنه لما باعها أفاتها الذي
أحبلها، فسقطت عنه القيمة ورجعت على الذي أحبلها، والأموال تضمن بالعمد
والخطأ، وتعتق الجارية إذ لا منفعة فيها للذي أحبلها؛ لأن نصفها حر ونصفها
أم ولد، ولا شيء عليه في الولد لأنه غير غاصب ولا متعدي، هذا نص قوله، وقد
مضى من قولنا ما يدل على خطائه فيه في غير ما موضع منه، وبالله التوفيق.
[مسألة: حلف بعتق جارية له ليبيعنها]
مسألة وقال في رجل حلف بعتق جارية له ليبيعنها فولدت له أولادا أو فرط في
بيعها ثم باعها أترى عليه بيع ولدها؟ قال: إذا باعها فقد بر في ولدها.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله، إذ لم يحلف على بيع ولدها، وإنما
حلف على بيعها فإذا بر فيها ببيعها لم يكن عليه في ولدها شيء، وإن لم يبعها
حتى مات عتقت في ثلثه وعتق ولدها فيه أيضا على الاختلاف الذي قد مضى في غير
ما موضع من هذا الكتاب وغيره، ومد مضى تحصيله في رسم باع غلاما من سماع ابن
القاسم، وبالله التوفيق.
[مسألة: قيد عبده وقال أنت حر إن نزعت هذا
القيد]
مسألة وقال في رجل قيد عبده وقال: أنت حر إن نزعت هذا القيد عن رجلك أبدا
حتى تحفر لي مرحاضا طوله كذا وكذا، قال: ينظر
(15/141)
السلطان فإن كان شيئا لا يستطيع رجل أن
يحفره رأيت أن يترك؛ لأنه لا يترك وذلك، قيل له: أفيترك في القيد؟ قال: إن
كان لا يقوى على ما حلف عليه عتق وحل عنه.
قال محمد بن رشد: قوله إن كان لا يقوى على ما حلف عليه عتق وحل عنه القيد
يدل على أنه إن كان يقوى على حفره وهو مقيد على حاله ترك مقيدا حتى يحفره،
ولم يعتق عليه، وهذا إن كان لتقييده إياه وجه من أنه يخشى إباقه وأنه إنما
قيده أدبا له على شيء صنعه.
وأما إن كان قيده لغير سبب وحلف أن لا يحله منه حتى يحفر له ما حلف عليه
لوجب أن يطلق عليه إلا أن يكون القيد خفيفا لا مشقة- عليه فيه، فقد قيل إن
الرجل إذا حلف بحرية عبده أن يضربه الأسواط اليسيرة على غير سبب يمكن من
ذلك ولا يعتق عليه، قال ذلك ابن أبي زيد، وهو ظاهر ما في الواضحة في الزوجة
وهو بعيد، فلا يجب أن يحمل ذلك على ظاهرة، وإنما يتأول على أنه يصدق في أنه
قد أذنب ما يستوجب ذلك الضرب اليسير، وقد مضى هذا المعنى مجودا في رسم
العتق من سماع أشهب من هذا الكتاب، وفي أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب
السلطان، وبالله التوفيق.
[مسألة: عبد بين رجل وامرأته أعتق كلا منهما
نصيبه]
مسألة وسئل ابن القاسم عن عبد بين رجل وامرأته فقال الزوج: نصيبي منك حر
إذا ماتت امرأتي، وقالت المرأة: نصيبي منك حر إذا مات زوجي. قال: إذا مات
الزوج عتق نصيب امرأته من رأس ماله ولا يلحقه دين كان بعد، ويبدأ على
الوصايا وخدم ورثة الزوج أبدا حتى تموت المرأة، فإذا ماتت المرأة خرج حرا
كله من رأس المال ولا يلحقه دين كان بعد ويبدأ على الوصايا.
(15/142)
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام
عليها مستوفى في رسم أوصى أن ينفق على أمهات أولاده فلا معنى لإعادته،
وبالله التوفيق.
[مسألة: يحلف بالطلاق أو بالحرية ليضربن غلامه
مائتي سوط]
مسألة قال ابن القاسم في الرجل يحلف بالطلاق أو بالحرية ليضربن غلامه مائتي
سوط أو ثلاثمائة فضربه ضربا ينهكه ويبلغه هل يعتق عليه؟ قال: لا أرى أن
يعتق عليه إلا أن يكون قد بلغ به الضرب أمرا يكون فيه مثلة شديدة من الأثر،
فإن كان الضرب قد بلغ به من ذهاب لحمه حتى صار مثلة، قال: ورب ضرب يذهب
اللحم حتى يبلغ العظم فيصير جلدا على عظم يتآكل، فإن بلغ منه هذا حتى يصير
مثلة بينة عند الناس رأيته مثل قطع الأصابع وما أشبهه ورأيت أن يعتق عليه
وإلا فلا شيء عليه، ولو رفع مثل هذا إلى السلطان قبل أن يضرب الضرب الذي
يعلم أنه إن ضربه إياه خيف على العبد منه رأيت أن يعتق عليه وتطلق عليه
امرأته، ولا يمكن من ضربه.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال: لأنه إذا أثر الضرب بجسده هذا التأثير فهو
تمثيل به وإن لم يقطع جارحة من جوارحه قياسا على الحرق بالنار الذي جاء فيه
الأثر: قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من مثل بعبده أو أحرقه بالنار
فهو حر» ، وبالله التوفيق.
[مسألة: قال لجاريته أنت حرة إن لم أبعك]
مسألة وقال في رجل قال لجاريته: أنت حرة إن لم أبعك ولو بوضيعة عشرة
دنانير، فلم يعط إلا وضيعة خمسة عشر دينارا قال: لا يحنث ويطأها وإن مات لم
تعتق في ثلث ولا غيره، ويتعرض بها الأسواق.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها في رسم
(15/143)
يوصي لمكاتبه من سماع عيسى من هذا الكتاب
وفي رسم المكاتب من سماع يحيى من كتاب الإيالة فلا معنى لإعادته، وبالله
التوفيق.
[مسألة: يشتري الجارية فتوضع للاستبراء فيعتقها
المشتري]
مسألة وقال في رجل اشترى أمة فوضعت للاستبراء فحلف بعتقها لرجل ليقضينه حقه
فحنث، ثم ظهر بالجارية حمل ليس هو من البائع، قال: يردها بالحمل ويأخذ
الثمن ولا عتق عليه.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قال بعض الناس فيها: إنها مسألة حائلة لابن
القاسم ليست على أصله في أن للمشتري أن يسقط المواضعة عن البائع ويقبلها
بعيب الحمل إن ظهر بها إذا لم يقع على ذلك، خلاف ما ذهب إليه سحنون من أن
ذلك لا يجوز له لأنه يتهم في إسقاط الضمان عن البائع وتعجيل النقد على أن
يتعجل الانتفاع بالجارية قال: ورواية محمد بن خالد عنه في كتاب الاستبراء
يردها، وذلك أنه قال فيها في الرجل يشتري الجارية فتوضع للاستبراء فيعتقها
المشتري وهي في المواضعة من قبل أن تستبرأ: إن عتقه يمضي ولا يكون له أن
يردها وإن ظهر بها حمل إذا كان بائعها لا يدعي حملها؛ لأنه قد قطع ذلك عن
نفسه بعتقه إياها ورضي بذلك، وليس ذلك عندي بصحيح؛ لأنه إذا بتل عتقها فقد
رضي بعيب الحمل إن ظهر وأسقط التبعة فيه عن البائع بقصده إلى تفويتها
بالعتق، والحالف أن يقضي غريمه حقه ليس بقاصد إلى تبتيل العتق باليمين،
وإنما قصد به إلى التخلص من غريمه فلا يحمل عليه إن رضي بعيب الحمل إن ظهر
إذ لم يرد إلا البر بالقضاء، ولعله غلب على الحنث بالعجز عن القضاء، فوقع
الحنث بغير اختياره، وهذا فرق بين بين المسألتين، فلا يحمل على ابن القاسم
التناقض والاضطراب في ذلك، ويأتي على ما ذكرناه من مذهب سحنون أن عتق
المشتري فيها في أمد المواضعة لا يلزمه، وأن له أن يردها إن ظهر بها حمل
ويبطل العتق، وبالله التوفيق.
(15/144)
[مسألة: قال إن
تركته يطبخ هذا القدر فأنت حر فوجده قد طبخه]
مسألة وسئل عن رجل أرسل غلامه يستقي له على دابته فأبطأ، ثم أرسل غلاما له
آخر فقال له: اذهب فخذ الدابة منه، فإن أبى عليك فاكسر القلل، وأنت حر إن
تركته يستقي إن لم أبعك عبدا، فذهب فوجده قد استقى وهو مقبل، فأخذ الدابة
منه فلم يمانعه فجاء الغلام بالماء فصب في البيت فقال: لا شيء عليه، أرأيت
إن قال: إن تركته يطبخ هذا القدر فأنت حر فوجده قد طبخه أعليه شيء؟ فهذا
مثله.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله إنه لا شيء عليه إذا لم يدركه قبل أن
يستقي وقبل أن يطبخ القدر، ومثله ما مضى في آخر رسم سلف من سماع عيسى من
هذا الكتاب، وفي رسم العرية من سماع عيسى من كتاب النذور، وقد مضى الكلام
على ذلك في الموضعين، وبينا فيهما أنه لا اختلاف في ذلك، بخلاف الذي يحلف
أن لا يبيع السلعة هو وقد باعها، وبالله التوفيق.
[مسألة: قالت إن تزوجت فلانا فجاريتها حرة]
مسألة وقال في امرأة قالت: إن تزوجت فلانا فجاريتها حرة فتبيع الجارية ثم
تتزوج فترد عليها الجارية بعيب. قال: تحنث، فإن ردت إلى المشتري قيمة العيب
وحنثت وإن حبسها المشتري بذلك العيب ورضي لم يكن عليها حنث.
قال محمد بن رشد: أما إذا ردت عليها الجارية بعيب فقوله: إنها تحنث هو على
قياس القول بأن الرد بالعيب نقض بيع، ويأتي على قياس القول بأن الرد بالعيب
ابتداء بيع أن لا حنث عليها. كما لو اشترتها إلا من وجه
(15/145)
أنها تتهم إذا اشترتها من الذي باعتها منه
أنها عملت معه على ذلك لتبرأ من الحنث فيكون لذلك وجه إذ قال في. المدونة
وغيرها إن من حلف بحرية عبده أن لا يفعل فعلا فباعه ثم اشتراه أو وهب له إن
اليمين ترجع عليه ويحنث بحريته إن فعل ذلك الفعل إلا أن يعود إليه بميراث،
وقد مضى في رسم باع شاة من سماع عيسى ما فيه بيان هذا.
وأما قوله إنها إن ردت إلى المشتري قيمة العيب وحنثت فهو بعيد إذ لم تنتقل
الجارية بذلك عن ملك المشتري فكيف تحنث البائعة بعتقها وهي في ملك غيرها،
ووجه ذلك على ما فيه من البعد أن الرد لما كان قد وجب للمشتري بإقراره له
بالعيب ولعله قد دلس له به كان إذا أخذ منه قيمة العيب كأنه قد ردها إليه
ثم اشتراها منه ثانية بما بقي من الثمن بعد قيمة العيب، وبالله التوفيق.
[مسألة: مفلسا ورث أباه أو وهب له ماذا يكون
للغرماء فيه]
مسألة قال أبو زيد: قيل لابن القاسم أرأيت لو أن مفلسا ورث أباه أو وهب له
ماذا يكون للغرماء فيه؟ قال: إن ورثه لم يعتق عليه إذا كان الدين يحيط
بماله، وكان الدين أولى به لأنه كشيء أفاده.
وأما ما وهب له فإنه يعتق عليه وليس لأهل الدين فيه شيء؛ لأنه لم يوهب له
ليأخذه أهل الدين، وإنما أراد حين وهب له أن يعتقه، فإذا أخذه أهل الدين
كان قد أضر به.
قال محمد بن رشد: أشهب يقول: إن العتق أولى به في الميراث كالهبة، وبه قال
محمد بن المواز، ولا وجه للتفرقة بينهما، واعتلاله لوجوب عتقه في الهبة بأن
الواهب لم يهبه إلا ليعتق لا ليأخذه أهل الدين اعتلال ضعيف، إذ لا يدري لعل
الواهب إنما أراد رفق الموهوب له ليؤدي عنه ديونه من ثمنه، ولعله ممن يجهل
أنه يعتق عليه، فلا يصح في المسألة إلا قولان،
(15/146)
أحدهما: أنه يعتق في الوجهين على قياس
القول بأنه لا يتقرر له عليه ملك وهو حر بنفس الشراء، والثاني: أنه لا يعتق
عليه في الوجهين ويباع فيما عليه من الدين على قياس القول بأنه باق على
ملكه حتى يعتقه أو يعتق عليه على ظاهر ما جاء عن النبي - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - من قوله: «لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه
فيعتقه» وقد مضت هذه المسألة متكررة والقول عليها مستوفى في سماع أبي زيد
من كتاب المديان والتفليس، وذكرنا هناك ما يختلف فيه من المسائل على هذين
الأصلين فلا معنى لإعادته.
[: تزوج أمة فولدت غلاما فكبر الغلام ثم مات
أبوه]
ومن كتاب النسمة قال ابن القاسم في رجل تزوج أمة فولدت غلاما، فكبر الغلام
ثم مات أبوه فتزوج ابنه هذا حرة فولدت له ولدا بعد وفاة الجد والأب المملوك
حي قال: ولاؤه لموالي أمه ولا يجر الجد المتوفى ولاء ولده الذين ولدوا بعد
موته إنما يجر ما كان حيا قال: ولو توفي الجد وأمه حامل جر ولاءه، وكان
ولاءه لموالي الجد إذا حملت به قبل وفاة الجد، قال: والأب المملوك ها هنا
لا يحجب ولا يضره وهو بمنزلة الميت والكافر.
قال محمد بن رشد: هذا الرسم بجملته من سماع عيسى هو في آخر سماعه، وقد مضى
الكلام عليه في موضعه مستوفى، وتكرر ها هنا في بعض الكتب فلا معنى لإعادة
الكلام عليه.
(15/147)
[مسألة: العبد
بين الرجلين يحلف أحدهما بحريته أن يضربه والآخر أن لا يضربه]
مسألة قيل لابن القاسم: أرأيت العبد بين الرجلين يحلف أحدهما بحريته أن
يضربه، ويحلف الآخر بحريته أن لا يضربه، من يحنث منهما؟ قال ابن القاسم:
ينظر في ذلك، فمن حلف منهما على الظلم والتعدي حنث وأعتق عليه.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال لأن العبد بين الشريكين ليس لأحدهما أن يؤدبه
إذا أبى ذلك عليه شريكه إلا بالسلطان، كما إذا كان بعضه حرا حسبما مضى في
رسم البز من سماع ابن القاسم، فإذا حلف أحد الشريكين أن يضربه وحلف الآخر
أن لا يضربه وجب أن ينظر السلطان في ذلك كما قال بأن يوقفه على المعنى الذي
حلف أن يضربه من أجله، فإن كان مما لا يستوجب به الضرب أعتقه عليه وأغرمه
نصف قيمته لشريكه، وإن كان مما يستوجب به الضرب وأقام بذلك بينة لا مدفع
لشريكه فيها إذا كان منكرا أمكنه من البر فيه بضربه، وعتق العبد على شريكه
على قوله في هذه الرواية، ورأيته عن مالك في رسم سلعة سماها ورسم حلف من
سماع ابن القاسم من كتاب الأيمان بالطلاق ودليل ما في كتاب التخيير
والتمليك من المدونة من أن من حلف أن لا يفعل فعلا يحنث إذا قضى به عليه
السلطان إلا أن يقول لم أرد مغالبة السلطان فينوى في ذلك مع يمينه على ما
قاله في آخر رسم الطلاق الثاني من سماع أشهب من كتاب الأيمان بالطلاق أيضا،
ولا يعتق عليه على مذهب ابن الماجشون في أن من حلف أن لا يفعل فعلا فقضى به
عليه السلطان لا يحنث إلا أن يقول ولا بالسلطان أو يحلف بحضرته فيتيقن بذلك
إنه أراد مغالبته، وبالله التوفيق.
تم الكتاب الرابع من العتق بحمد الله تعالى
(15/148)
|