البيان
والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة
كتاب المكاتب
من سماع ابن القاسم من مالك من كتاب قطع الشجر
قال : أخبرنا سحنون قال ابن القاسم : قال مالك
فيمن قاطع عبده : إنه إن جاء به إلى الأجل أو
ما أشبهه فذلك له ، وإلا أخر العبد شهراً
ونحوه كما يؤخر الغريم ، فإن جاء به وإلا فلا
قطاعه له .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال ، وهو مثل ما
في المدونة وغيرها أنه يتلوم له في القطاعة
كما يتلوم له في الكتابة إذا عجز عن أدائها ،
وسواء كان المقاطع عبداً على ظاهر هذه الرواية
أو مكاتباً ، لأن قطاعة المكاتب على أن يضع
عنه ويعجل له جايزة لأنه يتعجل العتق بذلك ،
وليست الكتابة بدين ثابت فيدخله ضع وتعجل .
وأما مقاطعته على أن يؤخره بالكتابة ويزيده
فيها فاختلف في ذلك إذا لم يعجل عتقه ،
والقولان في المدونة ، أجاز ذلك في كتاب
المكاتب ، ولم يجزه في آخر كتاب الحوالة .
وقوله فإن جاء به وإلا فلا قطاعه عليه معناه
لا قطاعة له لأن حرف الجر قد تبدل بعضها من
بعض ، قال تعالى { إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم
وإن أسأتم فلها } أي عليها ، فإذا بطلت قطاعته
بالحكم بتعجيره بعد التلوم له
(15/209)
بقي على ما كان
عليه من الكتابة إن كان مكاتباً حتى يعجز عن
أداء كتابته عند حلولها ، وعلى ما كان عليه من
الرق إن كان عبداً ، وقيل إنه إن كان مكاتباً
فعجز عن المقاطعة التي قوطع عليها رجع رقيقاً
، وهو الأظهر ، لأن القطاعة في الكتابة إنما
معناها فسخ الكتابة والانتقال عنها إلى
القطاعة ، وفي قوله وإلا أخر شهراً أو نحوه
كما يؤخر الغريم نص منه على لزوم الحكم بتأخير
الغريم إذا أعسر بالدين بعد حلول الأجل على ما
مضي عليه الحكم عندنا بفتوى جميع الشيوخ من أن
يؤجل الغريم بعد حلول الأجل إذا أعسر بالدين
ولم يكن عنده ناض إلا أن يبيع عروضه بالاجتهاد
على قدر قلة المال وكثرته بحميل يقيمه في ذلك
، ولا يوكلون عليه في بيع عروضه وعقاره في
الحال إذا لم يعامله الغريم على ذلك خلاف ما
كان يفتي به سائر فقهاء الأمصار بالأندلس من
التوكيل عليه في بيع ماله وتعجيل إنصافه
وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل مالك عن الذي يشتري كتابة المكاتب
أيقاطعه بالذهب كما يقاطعه سيده ؟ قال : لا
بأس بذلك .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال لأن مشتري
الكتابة بما يجوز اشتراؤها به مما يصح اشتراء
الديون به يحل محل البائع في أنه يرثه إن مات
، وتكون له رقبته إن عجز ، فكذلك يحل محله في
جواز مقاطعته إياه وإن مات وعليه دين أو فلس
لم يحاص الغرماء بما قاطعه به ، قال ذلك مالك
في كتاب ابن المواز لأنه ينزل في ذلك منزلة
سيده الذي كاتبه .
وجواز شراء كتابة المكاتب عنده مالك وأصحابه
أمر متبع لا يحمله القياس ، لأنه غرر ، وقد
روي عن ابن القاسم أنه قال بلغني أن ربيعة
وعبد العزيز قالا بيع كتابة المكاتب غرر لا
يجوز ، لأنه إن عجز كانت له رقبته ، وإن أدى
كان ولاؤه للبائع الذي كاتبه ، ووقع قول ربيعة
في رسم شك من سماع ابن القاسم
(15/210)
من كتاب الجامع
من رواية ابن القاسم عن مالك عنه ، وهو مذهب
الشافعي وأبي حنيفة أن بيع كتابة المكاتب لا
يجوز وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل مالك عن مكاتب وضع عنه سيده ثلث ما عليه
من كتابته في مرضه ، ثم إن المكاتب عجز عن
أداء الكتابة ، قال : قد عتق ثلثه .
قال محمد بن رشد : معناه أنه مات من مرضه ذلك
فعجز بعد موته ، لأن وضع ثلث كتابته عنه في
مرضه كالوصية له بعتق ثلثه ، وهذا ما لا
اختلاف فيه أعلمه ، وأما لو صح من مرضه فعجز
في حياته لم يعتق عليه منه شيء ، وكذلك لو
أعتق ثلثه في صحته ثم عجز لم يعتق عليه منه
شيء ، لأن عتقه لما أعتق منه إنما هو وضع لما
عليه من الكتابة وليس بعتق إذ ليس بمالك
لرقبته ، وإنما يملك منه كتابته ، وكذلك إن
كان المكاتب بين اثنين فأعتق أ؛دهما حظه منه ،
ثم عجز في نصيب صاحبه لم يعتق على المعتق حظه
منه في قول مالك وجميع أصحابه ، وفي ذلك
اختلاف بين السلف ذكره في المدونة عن الليث
ابن سعد أنه سمع يحيى ابن سعيد يقول : إن
الناس قد اختلفوا في حظ المعتق منه إذا عجز ،
فقال ناس يكون له حظه منه إذا عجز ، لأنه لم
يعتق له رقاً وإنما ترك له مالاً وبالله
التوفيق .
ومن كتاب الشجرة تطعم بطنين
في السنة
وسئل مالك عن عبد كان بين ثلاثة إخوة فكاتبه
إثنان منهما بإذن أخيهما شريكهما فيه ، وكان
على كتابته ، ثم إن اللذين كاتباه
(15/211)
قاطعا بإذن
شريكهما الذي له فيه الرق وعتق نصيبهما ، ثم
إن الذي بقي له فيه الرق مات ورثه ورثته
وخدمهم في نصيبه سنين ، ثم قيل له ذلك تقوم
على الذين قاطعاك .
قال مالك : أراه رقيقاً ولا ينفعه ما كاتباه
به بإذن شريكهما ولا مقاطعتهما إياه شريكهما .
قيل له : إنه قد أذن لهما ؟ قال : لا ينفعه
ذلك وأراه رقيقاً ، قال لي قبل ذلك : ويردان
ما أخذا منه فيكون بينهم .
قال محمد بن رشد : هذا بين على مذهبه في أن
العبد بين الرجلين لا يجوز لأحدهما أن يكاتب
نصيبه منه بإذن شريكه ولا بغير إذن شريكه ،
فإن فعل فسخ ولم يجز ، وإن لم يعثر عليه حتى
أدى ما كوتب عليه كان ما قبض بينهما ، وكان
العبد رقيقاً لهما ، وقد قال في موطإه : إنه
الأمر المجتمع عليه عندهم ، لأنه خلاف لما قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعتق شركاً
له في عبد قوم عليه قيمة العدل ، الحديث ، ولا
فرق في هذا بين أن يقبض الشريك ما كاتبه عليه
أو يقاطعه على ذلك فيقبض ما قاطعه عليه ، ولا
فرق أيضا بينهم وبين ورثتهم فيما يجب من فسخ
الكتابة ، فالمسألة بينة لا إشكال فيها ،
وبالله التوفيق .
ومن كتاب ليرفعن أمراً
قال ابن القاسم سئل مالك عن المكاتب يضع عنه
سيده ما عليه عند موته وله ولد قد ولدوا في
كتابته أيقام بولده أم برقبته وحده ؟ قال : بل
يقام وولده معه ، فإن كانوا أقل من القيمة من
قيمة الكتابة عتقوا : وإن كانت قيمة الكتابة
أقل من القيمة عتقوا .
(15/212)
قال محمد بن
رشد : هذا كما قال ، لأن ولده الذين ولدوا في
الكتابة بمنزلته ، فإذا أوصى بعتق مكاتبه أو
بوضع ما عليه من كتابته فيوضع في الثلث الأقل
من قيمته على ما هو عليه من ملائة وقيمة ولده
أو الأقل من قيمة الكتابة ، هذا قول ابن
القاسم في المدونة وروايته عن مالك ، وقال
غيره إنما ينظر إلى الأقل من قيمة الرقبة وعدد
الكتابة ، ومثله لمالك في كتاب الجنايات من
المدونة في موضع واحد منه.
وكذلك إذا قتل المكاتب يغرم قاتله لسيده قيمته
على الحالة التي كان عليها ، قال في كتاب
الجنايات من المدونة ، وطرح سحنون منها فوله
على الحال التي كان عليها ، وقال إنما يقوم في
المثل بغير ماله ، لأن مال يبقى إلى سيده ،
ولم يرد مالك أن يقوم في القتل بماله ، وإنما
أراد أن يقوم بغير ماله على الحال التي كان
عليها من قدرته على اكتساب المال وبصره في ذلك
، والله أعلم وبه التوفيق .
مسألة
وسئل مالك عن مكاتب كاتبه سيده على أربعماية
دينار وخمسين ديناراً على أن يدفع له في أول
سنة سبعة عشر ديناراً والنجم الآخر أدنى من
ذلك ، ونجم آخر مثله ، فأوصى إن أدى هذه
الأربع نجوم وضع عنه من كتابته خمسين ديناراً
فتكاملت عليه أربع نجوم سوى الأول ، فقال
العبد : قاصوني بها فيما وضع عني سيدي من
الخمسين .
قال مالك : لا أرى له شرطاً في أول ولا آخر ،
وأرى أن تقسم تلك الخمسون الدينار على النجوم
فيوضع عنه بقدر كل نجم ما يصيبه من الخمسين ،
وكانت وصيته وقد تداركت على العبد أربع
(15/213)
نجوم لم يودها
، قال أرى أن يقسم ذلك على ما حل وما لم يحل ،
ولا ينظر في ذلك إلى قول العبد لأن يعجل له ،
ليس ذلك له .
قال محمد بن رشد : هذا بين على ما قاله لا
إشكال فيه . من أن وجه الحكم في ذلك الفض على
جميع النجوم إذ لم يخص الموصي الأول منها من
الآخر ، فلا ينظر إلى قول العبد في تعجيل
الوضيعة من أول النجوم ، ولا إلى قول الورثة
في تأخيرها إلى آخر النجوم وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل عن امرأة أعتقت نصف عبدٍ لها بعد الموت ،
وأمرت أن يكاتب نصفه الآخر كيف يكاتب النصف ؟
قال : على قدر حاله وقوته في ذلك وجرائه على
قدر تأديته .
قال محمد بن رشد : قوله أعتقت نصف عبد لها بعد
الموت معناه أوصت بعتقه بعد موتها فالمسألة
بينة على ما قال ، لأنها إذا أوصت بعتق نصفها
فلا يجب أن يعتق عليها النصف الآخر في ثلثها
باتفاق في المذهب ، وإذا لم يجب ذلك وجب أن
تنفذ وصيتها بأن يكاتب النصف الآخر على ما قال
من قدر حاله وقوته على الأداء وجرائه ، ونقل
ابن أبي زيد هذه المسألة في النوادر فقال فيها
: اعتقت نصف عبد لها عند موتها والحكم في ذلك
سواء ، لأنها إذا اعتقت نصفها في مرضها فلم
يعثر على ذلك حتى ماتت لا يعتق النصف الآخر
عليها في ثلثها إلا أن يكون الموت قد عافصها
على اختلاف في ذلك قد مضى تحصيله في رسم العتق
من سماع أشهب من كتاب العتق ، ولو اعتقت نصف
عبد لها في مرضها فأوصت بأن يكاتب النصف الآخر
فعثر على ذلك قبل موتها لعتق عليها باقيها في
ثلثها وبطلت الوصية في ذلك بعتقها وبالله
التوفيق .
(15/214)
مسألة
وسئل عن قوم يقسمون من الصدقة وجدوا مكاتباً
قد بقيت عليه بقية من كتابته أترى أن يعطي
منها ما يعتق به قال ما أرى بأساً وغيره أحب
إلى يعني تركه .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة فيها ثلاثة أقوال
أحدها هذا أنه يجوز أن يعطي المكاتب من الزكاة
ما يعتق به وإن كان ولاؤه للذي كاتبه ، وكذلك
يجوز على هذا القول أن يعطي الرجل من زكاة
ماله الرجل على أن يعتق عبده وإن كان ولاؤه
للمعتق ، وكذلك الرقبة يكون بعضها حراً وبعضها
رقيقاً يجوز أن يشتري ما رق منها من الزكاة
فيتم ذلك عتاقتها ، وقد حكى ذلك ابن حبيب في
الواضحة عن مالك والقول الثاني أنه لا يجوز أن
يعطي من الزكاة المكاتب وإن تمت ذلك عتاقته من
أجل أن ولاءه للذي كاتبه ، وهو نص قول ابن
القاسم في الواضحة أنه لا يجوز أن تجعل زكاته
إلا في رقبته يكون ولاؤه لجميع المسلمين وظاهر
روايته عن مالك في المدونة والقول الثالث أنه
يجوز أن يعان بذلك المكاتبون الذين لا يقدرون
على أداء كتابتهم فيودوا عتقهم بقدر قلة المال
وكثرته من غير أن يشترط في ذلك كمال حريتهم ،
هذا ظاهر قول المغيرة في تأويل قول الله تعالى
وفي الرقاب وظاهر ما حكي ابن حبيب في الواضحة
عن مطرف أنه قال وقد اشار على مالك وعلى ابن
أبي حازم أن يجعل من الصدقات في المكاتبين وفي
الرقاب ، والقول الأول استحسان والثاني هو
القياس ، وقول ، المغيرة ضعيف ، ووجهه إتباع
ظاهر قوله تعالى { وفي الرقاب } قال ابن حبيب
: وكان اصبغ لا يرى أن يفك أسرى المسلمين من
الزكاة ، ومن فعل ذلك ضمنها ، وأنا لا أرى ذلك
، لأنها رقاب قد جرى عليها الرق لأهل الشرك ،
فإنما يفك من رق إلى عتق وبالله التوفيق .
(15/215)
مسألة
قال مالك كان زياد قد أعانه الناس في فكاك
رقبته وأسرع الناس في ذلك ، وفضل ما قوطع عليه
مال كثير ، فرده إلى من أعطاه بالحصص ، وكتبهم
زياد عنده فلم يزل يدعو لهم حتى مات .
قال محمد بن رشد : هذا مذهب مالك وقوله في
المدونة إنهم إن كانوا أعانوا المكاتب على وجه
الفكاك لرقبته ولم يكن ذلك منهم على وجه
الصدقة عليه ، كان عليه أن يستحلهم من ذلك أو
يرده عليهم بالحصص كما فعل زياد مولى ابن عباس
.
ومن كتاب البز
قال مالك في الذين يرون الاستسعاء وخطأ ما
يقولون ، كيف يصنعون بالصبي الصغير ؟ يريد
الذي ليس فيه عمل والجارية التي تستسعى ولا
تقوم على عمل ؟
قال محمد بن رشد : لم يأخذ مالك بحديث
الاستسعاء وهو ما رواه أبو هريرة عن النبي
عليه السلام قال : من أعتق نصيباً أو شركاً في
مملوك فعليه خلاصه كله في ماله ، فإن لم يكن
مال استسعي العبد غير مشفوق عليه ، وإنما أخذ
بحديث ابن عمر الذي رواه عن نافع عنه أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال : من اعتق شركاً
له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم
عليه قيمة العدل فأعطي شركاؤه حصصهم وأعتق
عليه العبد وإلا فقد عتق عليه منه ما عتق ،
إما لأنه لم يصح عنده حديث أبي هريرة في
(15/216)
الاستسعاء ،
يكون العبد ممن لا تصح السعاية منه على ما
قاله في هذه الرواية وتابعه جميع أصحابه على
قوله فلم يوجبوا للشريك على المعتق لحظه من
العبد إذا كان معسراً قيمة ، ولا على العبد
سعاية ، وقالوا : هو بالخيار إن شاء أعتق حظه
، وإن شاء تمسك به رقيقاً ، وقد قيل إن من حقه
أن يضمنه القيمة فيتبعه بها في ذمته ويعتق
العبد عليه ، وقد مضى ذلك في رسم الصلاة من
سماع يحيى من كتاب العتق .
ومن أهل العلم خارج المذهب من رأي المعتق
ضامناً لقيمة نصيبه موسراً كان أو معسراً ،
وقالوا هي جناية منه عليه في نصيبه فيلزمه
قيمته في اليسر والعدم ويكون له ولاؤه شاء
شريكه أو أبى ، وحجتهم على ما روي عن أبي
الملح عن أبيه أن رجلاً أعتق شقصاً له في
مملوك فأعتقه النبي عليه السلام ، وقال ليس
لله شريك .
ومنهم من فال إن الشريك مخير إن شاء أعتق
نصيبه وفك له نصف ولائه وإن شاء ضمن المعتق
فعتق عليه جميعه وكان له ولاؤه كما يقول أصحاب
مالك في الموسر .
ومنهم من يقول إن العبد يعتق كله على الذي
أعتق حظه منه ، ويكون ولاؤه له موسراً كان أو
معسراً ، فإن كان موسراً ضمن القيمة لشريكه ،
وإن كان معسراً استسعى العبد فيها ، وهذا قول
أبي يوسف ومحمد ابن الحسن .
ومنهم من قال إن الشريك مخير إذا كان المعتق
لحظه معسراً بين أن يعتق حظه فيكون له نصف
ولائه ، وبين أن يستسعى العبد في نصف قيمته ،
فإذا أداها إليه عتق ، وهو قول أبي حنيفة ،
ومن قوله أيضاً في الموسر أن الشريك بالخيار
إن شاء أعتق كما أعتق وكان الولاء بينهما ،
وإن شاء استسعى العبد في نصف القيمة ، فإذا
أداها عتق وكان الولاء بينهما ، وإن شاء ضمن
المعتق نصف القيمة فإذا أداها عتق ورجع بها
المضمن على العبد استسعاه فيها وكان ولاؤه
للعتق ، وبالله التوفيق .
(15/217)
مسألة
وسئل مالك عن مكاتب كوتب على كذا وكذا درهماً
في نجوم وزعها عليه فجاء بنجومه عدداً ولم يكن
في شرطه عدد ولا كيل فأبى أهله أن يأخذوا إلا
كيلا وفيها زيادة في زونها ، فقال مالك : إذا
أعطاهم دراهم وازنة فرادى فليس لهم غير ذلك.
قال محمد بن رشد : معنى هذا إذا كان البلد
يجري فيه الفرادي والكيل ولم يكن بينهما شرط
ولا أدعى أحدهما نية ، وأما إن كان البلد يجيء
فيه الفرادي والكيل ولم يكن بينهما شرط فقال
المكاتب إنما أردت الفرادي ، وقال السيد إنما
أردت الكيل ، فالقول قول المكاتب مع يمينه ،
فإن نكل كان القول قول السيد مع يمينه ، وكذلك
إذا اختلفا فقال المكاتب كان الشرط بيننا على
الفرادى ، وقال السيد بل كان الشرط بيننا على
الكيل ، فالقول قول المكاتب مع يمينه على ما
يدعي من الشرط ، فإن نكل كان القول قول السيد
على ما يدعي منه أيضاً ، هذا الذي يأتي في هذه
المسألة على أصولهم ، وبالله التوفيق .
ومن كتاب باع غلاماً
بعشرين دينارٍ
قال مالك في مكاتب كان يبيع لسيده في ماله ،
كان رجل قد دفع إلى سيده سلعة يبيعها له ،
فزعم المكاتب أنه قد باعها وحاسبه سيده بثمنها
وقبضه منه .
قال : ما أرى أن يلزم المكاتب ما أقر به من
أمر تلك السلعة بشيء من ثمنها .
(15/218)
قال محمد بن
رشد : معنى قوله إنه لا يلزمه غرم ثمن السلعة
ويصدق مع يمينه في أنه قد حاسب سيده به وقبضه
منه على أصولهم في أن الوكلاء مؤتمنون مصدقون
مع أيمانهم في دفع أثمان ما وكلوا على بيعه ،
وفي ذلك تفصيل واختلاف قد مضى تحصيله في رسم
حلف أن لا يبيع سلعة سماها من سماع ابن القاسم
من كتاب البضائع والوكالات ، وفي غير ما موضع
سواه وبالله التوفيق .
ومن كتاب نذر سنة يصومها
وسئل عن مكاتب بين رجلين فيريد أحدهما بيع
نصيبه منه .
قال : ما أعلم أن المكاتب يباع بعضه ، قلت
أفتكره ذلك ؟ قال : نعم ، إما أن يباع كله
وإما أن يترك .
قال سحنون : إنما يكره بيع نجم من نجوم
المكاتب ، فأما ثلث ما عليه أو ربعه أو نصفه
فليس به بأس ، قال أصبغ مثله ، وإنما يكره بيع
نجم من نجومه إذا كان بعينه فإذا لم يكن بعينه
لم يكن به بأس لأن ذلك يرجع إلى أن يكون جزءاً
من الأجزاء ، وقال سحنون مثله ، وقال إذا
اشترى نجماً من عشرة أنجم واشتراه مسجلاً ليس
بعينه فهو جائز ، وهو كأنه اشترى عشر الكتابة
.
قيل له : فإن عجز المكاتب عن أداء كتابته ؟
قال يكون عشر رقبته رقيقاً لهذا الذي اشترى
نجماً من عشرة أنجم .
قال محمد بن رشد : لم يجز مالك في هذه الرواية
لأحد الشريكين في كتابة المكاتب أن يبيع حصته
منها ، وله مثل ذلك في سماع يحيى وفي سماع
سحنون ، خلاف ما له في موطاه من إجازة ذلك ،
ولم يختلف قوله في
(15/219)
أنه لا يجوز
للرجل ، إذا كانت الكتابة كلها له أن يبيع
جزءاً منها ، وأجاز ذلك ابن القاسم في سماع
أصبغ مثل قول سحنون واصبغ ها هنا في إجازة بيع
جزء من أجزاء الكتابة وبيع نجم منها إذا لم
يكن معيناً ، لأنه يرجع إلى جزء معلوم ، وسواء
اتفقت النجم في العدد أو اختلفت إذا عرف عددها
وعدد كل نجم منها ، جاز شراء نجم منها إذا لم
يكن بعينه لأنه يرجع إلى جزء معلوم ، وقد وقع
في العشرة ليحيى .
قلت لم كره لأحد الشريكين بيع نصيبه من
الكتابة ولو اجتمعا جميعاً على بيعها لم يكن
بذلك بأس ؟ قال إنما بيع الشريك نصيبه بمنزلة
الذي يملكه كله فيبيع نصفه .
قلت له : فإذا كان كله لرجل فلأي شيء يمنع من
بيع نصفه وقد يجوز له بيع الجميع ؟ فقال : لم
يختلف في هذا قول مالك ، وبه مضى الأمر عندهم
في المكاتب أن لا يبعض ، وإنما يجوز بيعه كله
وبيعه كله فيه مغمز ، وإنما يجوز إتباعاً
لمالك فكيف يجوز بيع بعضه ؟ فهذا من قول ابن
القاسم خلاف قوله من سماع أصبغ عنه ، وخلاف
قول سحنون وأصبغ ها هنا مثل قول مالك في هذه
الرواية مثل ما وقع له أيضاً في سماع يحيى وفي
سماع سحنون .
فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال أحدها أنه لا
يجوز بيع جزء من الكتابة كلها الرجل واحد فباع
بعضها أو كانت بين رجلين فباع أحدهما حصته
منها ، وهو قول مالك في هذه الرواية ، وما وقع
من قوله في سماع يحيى وسماع سحنون ، لأنه إذا
لم يجز لأحد الشريكين بيع نصيبه فأحرى أن لا
يجيز للذي له الكتابة كلها بيع بعضها ، وقول
ابن القاسم في العشرة أيضاً والثاني أن ذلك
جائز في الوجهين جميعاً ، وهو قول سحنون وأصبغ
ها هنا ، وقول ابن القاسم في سماع أصبغ بعد
هذا ، لأنهم إذا أجازوا للرجل الواحد أن يبيع
بعض كتابته أو نجماً غير معين منها فأحرى أن
يجيزوا لأحد الشريكين في الكتابة بيع حصته
(15/220)
منها ، والثالث
الفرق بين الوجهين ، وهو قول مالك في موطإه ،
لأنه أجاز فيه لأحد الشريكين في الكتابة بيع
نصيبه منها ، ولم يختلف قوله في أنه لا يجوز
إذا كانت الكتابة لرجل واحد أن يبيع جزءاً
منها ، وإنما يجوز لأحد الشريكين في الكتابة
بيع حصته منها على مذهب من يجيز ذلك إذا باع
حصته من أجنبي ، فأما إن باعها من المكاتب فلا
يجوز ، لأن ذلك كالقطاعة ، ولا يجوز لأحد
الشريكين أن يقاطع المكاتب على نصيبه من
الكتابة دون إذن شريكه ، قال ذلك ابن الماجشون
في كتاب ابن المواز ، وقاله محمد ابن المواز
أيضاً ، وهو قائم من قول مالك في موطإه ، لأنه
قال فيه : إنه إذا باع أحد الشريكين في
الكتابة نصيبه في الكتابة لم يكن للمكاتب في
ذلك شفعة ، لأنه يصير بمنزلة القطاعة ، وليست
له بذلك حرمة .
قال : وأما إذا بيعت الكتابة كلها فأحسن ما
سمعت أنه أحق باشتراء كتابته ممن اشتراها إذا
قوي أن يؤدي إلى سيده الثمن الذي باعه به
نقداً ، وذلك أن اشتراءه نفسه عتاقة ، ومعنى
ذلك عندي أنه أحق بها بما يعطي فيها ما لم
ينفذ البيع فيها على ما قاله في رسم اغتسل من
سماع ابن القاسم من كتاب العتق في الرجل تكون
تحته المرأة ثلثها حر وثلثاها رقيق ، وله منها
ولد أنه أحق بهم بالثمن الذي أعطى سيدهم به إن
أراد بيعهم ، ومثله أيضاً لمالك في رسم نقدها
من سماع عيسى من كتاب النكاح ، وسيأتي في سماع
أشهب بعد هذا ما ظاهره أن المكاتب أحق بكتابته
إذا بيعت بعد نفوذ البيع فيها مثل ما حكي ابن
حبيب عنه من رواية مطرف وعن ابن الماجشون
وأشهب وابن عبد الحكم وأصبغ خلاف ما حكي عن
مالك من رواية ابن القاسم عنه من أنه كان يرى
ذلك حسناً ولا يرى القضاء به ، وقال أبو بكر
الأبهري : إنما كره لأحد الشريكين في الكتابة
بيع حصته منها لأن ذلك بمنزلة مقاطعته على مال
يأخذه دون شريكه ، وذلك غير جائز ، ووجه
إجازته أنه إذا جاز بيع كتابته كلها حالة بيع
بعضها كرقبة العبد يجوز بيع جميعها وبيع بعضها
وبالله التوفيق .
(15/221)
من سماع أشهب
وابن نافع من
مالك
قال أشهب سمعت مالكاً سئل عن مكاتب قاطع سيده
فيما بقي عليه من كتابته بعبد دفعه إليه
فاعترف في يديه بسرقة فأخذ منه ، قال : يرجع
على المكاتب بقيمة ما أخذ منه ما كان ، وكذلك
المكاتب يقاطعه سيده بحلي استرفعه أو ثياب
استودعها ثم يعترف ذلك في يدي سيده فيؤخذ منه
، أيعتق المكاتب هكذا بباطل ؟ لا يؤخذ الحق
بالباطل !!!
قال محمد بن رشد : قال في الذي قاطع سيده فيما
بقي عليه من كتابته بعبد دفعه إليه فاعترف في
يديه بسرقة فأخذ منه : إنه يرجع على المكاتب
بقيمة ما أخذ منه ما كان ، يريد فإن لم يكن له
مال اتبع به ديناً ولم يرد إلى الكتابة ، لأن
حريته قد تمت بالقطاعة ، قاله أشهب في المدونة
، وهو يحمل على التفسير لروايته عن مالك هذه ،
وفي المدونة وهو أحد قولي ابن القاسم في
المدونة ، وقد قيل إنه إن لم يكن له مال رد
مكاتبنا كما كان حتى يؤدي القيمة ، وهو قول
ابن نافع في المدونة ، وقيل إنه إذا استحق
العبد من يده رجع مكاتباً كما كان حتى يؤدي
قيمته ، وهو أحد قولي ابن القاسم في المدونة ،
قاله في المكاتب يؤدي كتابته إلى سيده من
أموال غرمائه فيأخذون ذلك منه ، ولا فرق بين
المسألتين ، لأنه له شبهة فيما بيديه من أموال
غرمائه .
فيتحصل في المكاتب يقاطع سيده من كتابته على
شيء بعينه له فيه ** المالك فيستحق من يد سيده
ثلاثة أقوال أحدها أنه يرجع في الكتابة حتى
يؤدي إلى سيده قيمة ذلك ملياً كله أو معدماً ،
وهو الذي يأتي على قول ابن القاسم في المدونة
في الذي يؤدي كتابته إلى سيده مما بيده من
أموال
(15/222)
غرمائه ،
والثاني أنه لا يرجع في الكتابة إلا أن يكون
معدماً ، وهو قول ابن نافع في المدونة ،
والثالث أنه لا يرجع في الكتابة ملياً كان أو
معدماً ، ويتبع بذلك إن كان معدماً في ذمته ،
وهو حر بالقطاعة ، وهو قول أشهب في المدونة
مفسراً لروايته هذه عن مالك .
واختلف قول ابن القاسم إذا قاطع عبده القن على
عبد بعينه فاستحق من يده ، فمرة قال إنه
كالمكاتب يرجع عليه بقيمته ، ومرة قال إنه لا
يرجع عليه بشيء لأن ذلك كالانتزاع إذا كان
بعينه ، حكي القولين عنه ابن المواز ، ولا
اختلاف إذا قاطع سيده على عبد موصوف فاستحق من
يده أنه يرجع عليه بقيمته ولا يرد في الكتابة
.
وأما إذا قاطع سيده على شيء بعينه لا شبهة له
في ملكه اعترفه مولاه كالحلي يسترفعه أو
الثياب يستودعها وما أشبه ذلك ، فلا اختلاف في
أن ذلك لا يجوز له ، ويرجع في الكتابة على ما
كان عليه حتى يؤدي قيمة ما قطع به .
قوله في هذه الرواية وكذلك المكاتب يقاطع سيده
بحلي استرفعه أو ثياب استودعها ليس يريد أن
ذلك مثل المسألة التي تقدمت في جميع الوجوه ،
وإنما يريد أنها مثلها عنده في أن للسيد
الرجوع عليه وإن افترق الحكم في ذلك ، لأنه لا
يرجع إلى الرق في المسألة الأولى ، على قوله ،
ويرجع إليه في الثانية ، فهذا تحصيل القول في
هذه المسألة ، وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل عن المكاتب يشتري أخاه أيدخل معه في
الكتابة ؟ فقال ما سمعت ذلك ، فقيل له : لا
يدخل معه إلا الولد ؟ فقال : برأسه نعم .
قال محمد بن رشد : هذا خلاف مذهب ابن القاسم
وروايته عن مالك في المدونة ، لأنه قال فيها :
إن كان من يعتق على الرجل إذا ملكه
(15/223)
يدخل في كتابة
المكاتب إذا اشتراهم بإذن سيده أو وهبوا له
فقبلهم بإذنه ، وقال ابن نافع وغيره لا يدخل
في كتابته إلا الإبن خاصة إذا اشتراه بإذن
سيده لأن له أن يستحدثه .
فهي ثلاثة أقوال في المسألة لكل قول منها وجه
فوجه القول الأول أنه لما كان إذن السيد
لمكاتبه في أن يشتري من يعتق عليه إذناً له
منه له في أن يدخله معه في الكتابة ، إذ لا
وجه في إذنه له في شرائه إلا ذلك ، إذ لو أراد
أن يمنعه من شرائه على أن لا يدخله معه في
كتابته لم يكن ذلك له ، إذ لا ضرر عليه في ذلك
لأنه يبيعهم إن خشي العجز ويعتقون بعتقه إن
أدوا لما أذنه له في شرائهم على أن يدخلوا معه
في كتابته قد يؤدي إلى عجزه ، لأن أثمانهم
التي اشتراهم بها كان يتقوى بها على سعايته لم
ير أن يدخل في كتابته إذا اشتراهم بإذنه إلا
الولد والأب الذي اتفق أهل العلم أنهم يعتقون
على من ملكهم ووجه القول الثاني وهو مثل قول
ابن القاسم وروايته عن مالك ي أنه يدخل في
كتابة المكاتب كل من يعتق عليه إذا اشتراهم
بإذن السيد .
فقوله إذا اشتراهم بإذنه على أن يدخلهم في
كتابته فكأنه قد كاتبهم معه ولا يراعي ما يخشى
من أن يؤدي ذلك إلى عجزه فيمن يعتق عليه مما
سوى الأبوين والولد كما لا يراعي ذلك في
الأبوين والولد ، وهذا القول هو القياس على
المذهب ، لأن مراعاة الخلاف إنما هو استحسان ،
ووجه القول الثالث وهو قول ابن نافع أنه لا
يدخل في كتابته إذا اشتراه بإذن السيد إلا
الابن وحده .
مسألة
وسئل عن المكاتب إذا باع سيده كتابته أهو أولى
بذلك ؟ قال هو أولى بكتابته إذا كان ما اشترى
منها يعتق به ، وإن كان لا يعتق به فليس ذلك
له .
(15/224)
قال محمد بن
رشد : ظاهر هذه الرواية عن مالك أن المكاتب
أحق بكتابته إذا بيعت بعد نفوذ البيع فيها
كالشفعة مثل ما في كتاب المكاتب من المدونة
لعمر ابن عبد العزيز وعطاء وسعيد ابن المسيب ،
ومثل ما في كتاب أمهات الأولاد من المدونة في
باب الرجل يطأ أمة مكاتبه فتحمل لغير ابن
القاسم ، ومثل ما حكي ابن حبيب عن مالك من
رواية مطرف في أن الشفعة واجبة في الكتابة
والدين خلاف ما حكي عن مالك من رواية ابن
القاسم عنه من أنه لا يرى القضاء بذلك ، وهو
مذهبه في المدونة لأنه قال فيها : ولا شفعة في
دين ولا حيوان ، فيحتمل أن تتأول هذه الرواية
على ذلك بأن يقال معناها أنه يريد أنه أولى
بكتابته إذا أراد سيده بيعها يأخذها بما يعطي
فيها ما لم ينفذ البيع ، فإن نفذ البيع فيها
لم يكن له من الحق أن يأخذها من المبتاع
كالشفعة إذ لا شفعة على مذهب ابن القاسم
وروايته عن مالك في المدونة في شيء من الديون
ولا العروض بعد نفوذ البيع فيها .
وأما إذا كان الذي بيع من كتابته حظ أحد
الشريكين فليس هو أولى بذلك لوجهين : أحدهما
أن ذلك كالقطاعة لا تجوز إلا بإذن الشريك
الآخر والثاني أنه لا حرمة له بذلك ، قال ذلك
في الموطأ وقد تقدم ذكره في سماع رسم نذر من
سماع ابن القاسم .
مسألة
وسمعته يسال عمن كاتب عبده واشترط أن ما ولد
له من ولد فهم عبيد ، فقال : لا يجوز هذا
الشرط قد كاتب المسلمون .
قلت : أفتمضي الكتابة ؟ قال : لا بل تفسخ
الكتابة .
قيل له : أرأيت إذا قال السيد أنا أضع عنك ما
اشترطت عليك من رق ولدك وأثبت على كتابتك ؟
قال : إذا يكون ذلك له .
(15/225)
قال محمد بن
رشد : قوله إن الكتابة تفسخ بهذا الشرط إلا أن
يشاء السيد وضعه فيجوز خلاف مذهبه في المدونة
من أن الشرط باطل والكتابة جائزة في هذا وفي
اشتراط جنين المكاتبة في كتابتها أو وطئها طول
كتابتها ، وكذلك يأتي في هاتين المسألتين على
رواية أشهب هذه الكتابة تفسخ إلا أن يرضي
السيد بترك الشرط ، وقد وقع ذلك من قول أشهب
وروايته عن مالك في النوادر منصوصاً عليه
فيهما ، وإنما يخير السيد في ذلك على هذه
الرواية ما لم تفت الكتابة باستيفاء جميعها
وإن لم يبق منها إلا درهم واحد وأما إذا فات
باستيفاء جميعها فيبطل الشرط ويدخل الولد في
الكتابة ، وقال محمد ابن المواز من رأيه :
إنما يخير السيد في ذلك ما لم يقبض من الكتابة
شيئاً وأما إذا قبض منها ولو نجماً واحداً
فيسقط الشرط وتمضي الكتابة .
وكذلك يأتي على القياس قول مالك في هذه
الرواية إذا اشترط على المكاتب أن لا يخرج من
خدمته حتى يؤدي أن يكون السيد بالخيار بين أن
يترك الشرط ويفسخ الكتابة ، وقد قيل إن اشتراط
وطئ المكاتبة بخلاف هذه الشروط ، لأنه شرط
حرام فيبطل وتجوز الكتابة ، وهو مذهب ابن
القاسم على ما روي عنه أصبغ في سماعه بعد هذا
أن اشتراط السيد على مكاتبه أن لا يخرج من
خدمته حتى يؤدي يلزم وتجوز الكتابة بخلاف هذه
الشروط ، وأصبغ يساوي بين هذه الشروط كلها
ويرى الحكم فيها أن تبطل الشروط وتجوز الكتابة
.
فالشروط تنقسم على مذهب ابن القاسم وروايته عن
مالك قسمان أحدهما شرط حرام كاشتراط الوطئ على
المكاتبة في كتابتها ، وشرط فيه غرر كاشتراط
كون جنين المكاتبة عبداً وكون ما ولد للمكاتب
من أمته عبداً وما أشبه ذلك ، فهذا القسم
الحكم فيه عنده أن يبطل الشرط وتجوز الكتابة ،
والقسم الثاني أن يكون الشرط لا حرام فيه ولا
غرر إلا أنه مخالف لما مضى من سنة الكتابة ،
مثل أن يشترط عليه أن لا يخرج من خدمته وما
أشبه ذلك
(15/226)
فهذا يلزم فيه
عنده الشرط ، وتجوز الكتابة ، وفي سماع عبد
المالك ابن الحسن عن ابن وهب من كتاب الصدقات
والهبات في هذا الشرط أن الكتابة منفسخة ،
وإذا قال ذلك في هذا الشرط الذي لا حرام فيه
ولا غرر فأحرى أن يقوله فيما سواه من الشروط
التي لا تجوز لحرمتها أو لغررها .
ويتحصل على هذا في جملة المسألة خمسة أقوال
أحدها أن الشروط التي لا تجوز كلها سواء
والحكم فيها أن تفسخ الكتابة بها إلا أن يرضى
السيد بترك الشرط فيجوز الكتابة ، وهو قول
مالك في هذه الرواية ، والقول الثاني أنها
كلها سواء والحكم فيها أن تبطل الشروط وتجوز
الكتابة ، وهو قول أصبغ والقول الثالث أنها
كلها سواء والحكم فيها أن تبطل الكتابة بها ،
وهو الذي يأتي على قول ابن وهب في سماع عبد
المالك من كتاب الصدقات والهبات والقول الرابع
تفرقة ابن القاسم التي ذكرناها بين الشرط
الحرام والغرر ، وبين الشرط الذي لا حرام فيه
ولا غرر إلا أنه مخالف لما مضى من سنة الكتابة
، والقول الخامس الفرق بين الشرط الحرام
والشرط الغرر والذي هو مخالف لما مضى عليه
العمل في الكتابة ، فيبطل الشرط الحرام وتجوز
الكتابة ، وتفسخ الكتابة فيما سوى ذلك من
الشروط إلا أن يرضى السيد بتركها ، وهذا القول
هو تأويل بعض أهل النظر على رواية أشهب عن
مالك هذه ، ولو اشترط المكاتب على سيده في
كتابته إياه أن يدخل فيها ما يولد له من زوجة
له أمة لسيده لجاز ذلك باتفاق ، وابن الماجشون
يقول في شرط السيد على مكاتبه في كتابته إياه
أن لا يخرج من عمله أنه يجعل له أياماً من
الجمعة يسعى فيها لنفسه على ما يؤدي إليه
الاجتهاد ولا تفسخ الكتابة ، وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل وأنا أسمع عمن كاتب عبداً له واشترط عليه
خدمة أو سفراً أو ضحية ثم جاء العبد بكتابته
كلها فقال يوضع عنه كل ما كان
(15/227)
من شرط في حسر
العبد من خدمة أو سفرٍ أو غير ذلك وكل ما كان
مثل الرقيق والكسوة والضحية فإنه يقوم ذلك
عليه فيغرم قيمته مع كتابته .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال إنه إذا كاتبه
واشترط عليه خدمة أو سفراً في كتابته مثل أن
يكاتبه بكتابة منجمة أو غير منجمة إلى خمسة
أعوام أو ستة ويشترط عليه خدمة أيام من كل
جمعة وضحية وكسوة كل سنة إنه إن عجل الكتابة
سقط عنه كل ما كان في بدنه من خدمة وسفر إذ لا
تتم عتاقة أحد وعليه بقية من رق ، ولم يسقط
عنه ما كان في ماله من ضحية وكسوة ، فلا يعتق
حتى يؤدي قيمة ذلك حالاً في كتابته ، وأصل ذلك
أن ما كان يسقط عنه بالمرض يسقط عنه بتعجيل
الأداء وهو ما كان في يديه ، وما لا يسقط عنه
بالمرض لا يسقط عنه بتعجيل الأداء .
وكذلك لو اشترط عليه خدمة أو سفراً بعد أداء
كتابته أو ضحية في كل سنة طول حياته لسقطت عنه
الخدمة والسفر بأداء الكتابة ولم تسقط عنه
الضحية التي شرط عليه في كل سنة طول حياته
وكان الحكم في ذلك أن يعمر ثم ينظر إلى قيمة
عدد الضحايا في تعميره ، فيقال له : أد قيمتها
الساعة وأنت حر ، وإن لم يكن له مال لم يعتق
حتى يؤدي قيمتها ساعتئذ وليس إلى أجلها ، قال
ذلك ابن القاسم في كتاب ابن حبيب ، ورواه عن
مالك .
وإنما تسقط عنه الخدمة بأداء الكتابة إذا كانت
الخدمة مشترطة في الكتابة وكان إنما يعتق
بأداء الكتابة ، مثال ذلك أن يقول له كاتبتك
على أن تؤدي إلى كذا وكذا وأنت حر على أن
تخدمني في كل شهر كذا وكذا وما أشبه ذلك ،
وأما إن كانت الكتابة مشترطة في الخدمة وكان
إنما يعتق بتمام الخدمة فلا تسقط عنه الخدمة
بأداء الكتابة ، مثال ذلك أن يقول له أكاتبك
على أن تخدمني كذا وكذا ثم أنت حر على أن تؤدي
إلى فيها كذا وكذا ، فهذا إن أدى المال قبل
تمام أمد الخدمة لم يعتق إلا بانقضاء أمد
الخدمة ، وإن انقضى أمد
(15/228)
الخدمة قبل أن
تؤدي المال أعتق في أمد الخدمة وكان ما بقي من
المال المشترط عليه بعد انقضاء أمد الخدمة
ديناً عليه يؤديه وهو حر ، إذ قد بتلت حريته
بانقضاء أمد الخدمة ، هذا معنى ما حكاه ابن
حبيب في الواضحة عن أصبغ فيما سأله عنه من
تفسير قول مالك ، وبالله التوفيق .
مسألة
وسمعته يقول كاتب سلمان الفارسي أهله على مائة
ودية يجيبها لهم فقال له رسول الله صلى الله
عليه وسلم إذا غرستها فأذنى ، فلما غرسها أذن
رسول الله فدعا له رسول الله صلى الله عليه
وسلم فيها فلم تمت منها ودية واحدة .
قال محمد بن رشد : في هذا الحديث إجازة
الكتابة على هذا النحو من الغرر في حق المكاتب
، لأنه لا يدري إذا اغترس من النخل هل يحيى أم
لا ؟ ففيه حجة على ما أجازوه من الكتابة على
عبد فلان وهو لا يدري هل يقدر على أن يتخلصه
من صاحبه أم لا من أجل أنه عبده يجوز له فيما
بينه وبينه من الغرر ما لا يجوز له فيما بينه
وبين غيره ، والكتابة على هذا من ناحية الجعل
الذي أجازه أهل العلم لما شهد بجوازه من صحيح
الآثار مع ما دل عليه من حكم القرآن في قوله
تعالى : { ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم
} فالكتابة على إحياء عدد من الغرس أو على عبد
فلان يشبه قول الرجل لعبده إن جئتني بعبدي
الآبق أو بجملي الشارد فأنت حر فالقياس على
هذا إن لم يقدر على إحياء الغرس أو تخلص العبد
إلى الأجل الذي يضرب له في ذلك أن يرجع في
الرق ، وقد قال سحنون إنه إن لم يقدر عليه
كانت عليه قيمته ، وقال أيضاً محمد ابن المواز
، وليس ذلك على الأصول ، وبالله التوفيق .
(15/229)
مسألة
قال وسمعته يقول : أتى إلى سعيد بن المسيب
مكاتب له ، فقال له إيذن لي أن أخرج إلى مكان
كذا وكذا ، فقال له سعيد : [ لا ي فانصرف عنه
المكاتب فأصلح شأنه وأراد الخروج فأتي إلى
سعيد ابن المسيب فقيل له إن مكاتبك يخرج ،
فقال : موعده يوم القيامة ، فقال مالك يوقن
بيوم الحساب ويعلم أن الناس سيوفون حقوقهم .
قال محمد بن رشد : هذا من قول سعيد ابن المسيب
مذهب مالك ، ونصه في موطإه وفي المدونة وغيرها
أن المكاتب ليس له أن ينكح ولا يسافر إلا بإذن
سيده ، اشترط ذلك عليه أو لم يشترطه إذ قد
يجحف النكاح بماله فيعجز فيرجع رقيقاً إلى
سيده لا مال له ، وقد تحل نجومه وهو غائب عن
سيده فليس على ذلك كاتبه وبالله التوفيق .
من سماع عيسى ابن دينار
من ابن القاسم من كتاب نقدها نقدها
قال عيسى سئل ابن القاسم عمن كاتب عبده فأوصى
لرجل عند موته بربعه ، وأعتق ربعه ثم هلك
العبد بعد ذلك وترك مالاً أو عجز .
قال : إن عجز فللذي أوصى له بربعه ربع الخدمة
وهو ربع الرقبة ، وللورثة نصفها وربع العبد حر
.
فإن مات وترك مالاً استوفى الذي أوصى له
بالكتابة وللورثة ما
(15/230)
بقي لهم عليه
من الكتابة وهي ثلاثة أرباع الكتابة للذي أوصى
له بربع الكتابة ربع الكتابة ، وللورثة
الربعان ، فإن فضل فضلة كان للموصي له بالربع
الثلث وللورثة الثلثان لأنه إنما ورث بالرق .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال لأن من اشترى
كتابة مكاتب أو وهبت له أو أوصي له بها يحل
محل السيد في أن له رقبته إن عجز وميراثه إن
مات ، وكذلك فيما اشترى منها له إن اشترى
البعض منها أو وهب له أو أوصى له به لأن معنى
قوله أو أوصى له بربعه أو أوصى له بربع كتابته
، لأن الكتابة هي التي يملك منه ، وأما إذا
أعتق السيد بعض مكاتبه أو حظه منه إن كان له
فيه شريك أو وضع له بعض ماله عليه من الكتابة
أو حظه منها إن كان له فيه شريك فذلك بخلاف
إذا أوصى بذلك هو في الحياة وضع لا عتق وفي
الوصية بعد الموت عتق من الثلث ، هذا قوله في
المدونة وغيرها ، فوجب إذا أوصى رجل عند موته
لرجل بربع كتابة مكاتبه وأعتق ربعه ثم مات أن
يعتق منه الربع في ثلثه وأن يحل الموصي له
بربعه محل الموصي ، فيكون شريكاً للورثة في
رقبته إن عجز بالربع وللورثة الربعان ، ويكون
ربع العبد حراً .
وإن مات وترك مالاً استوفى الذي أوصي له
بالكتابة والورثة ما بقي لهم عليه من الكتابة
، وهي ثلاثة أرباعها إذ قد أعتق الربع منه
بالوصية ثم كل ما بقي ميراثاً بين من له فيه
الرق على قدر ما لهم فيه من الرق ، للموصي له
بربع رقبته الثلث وللورثة الثلثان على ما قال
، وبالله التوفيق .
مسألة
وعن رجل كاتب عبدين له فمات أحدهما وترك أم
ولد وولداً له منها ، والعبد الباقي له مال
كير أو لا مال له ، فما حال أم الولد ؟
قال إذا لم يكن للعبد الباقي مال ولم يكن لها
ولد بيعت ، فإن كان في ثمنها وفاء للكتابة عتق
العبد الباقي وأتبعه السيد بالذي كان
(15/231)
يصيبه من
الكتابة ، وإن كان لها ولد ولم يقووا وقفت هي
وولدها ، فإن أدى العبد الباقي جميع الكتابة
عتق وعتقوا واتبعهم بما أدى عنهم مما كان
يصيبهم من الكتابة ، وإن عجز هو وهم رجعوا
رقيقاً لسيدهم .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال ، لأن حرمة أم
الولد الكاتب إنما هي لسيدها ولولده منها أو
من غيرها ، فإذا مات أحد المكاتبين في كتابة
واحدة وترك أم ولده ولم يكن له ولد منها ولا
من غيرها لم تكن لهم حرمة ، وكانت كسائر أموال
المتوفي يؤدي منه الكتابة ، فإن كان فيها وفاء
بها عتق العبد الباقي وأتبعه السيد بالذي
يصيبه من الكتابة كما كان يتبعه المتوفي لو
أدى هو جميع الكتابة ، لأن المكاتبين معاً في
كتابة واحدة كل واحد منهما حميل عن صاحبه بما
ينويه منها يتبعه بما أدى عنه منها إذا لم يكن
بينهما رحم يوجب عتق كل واحد منهما على صاحبه
إذا ملكه ، لأن مال المتوفي منهما قد صار إلى
السيد فوجب إذا أعتق فيه الباقي أن يرجع السيد
عليه بما كان يرجع به عليه لو أدى عنه في
حياته .
وإن لم يكن له فيها وفاء بالكتابة قبض السيد
ثمنها من الكتابة ، فإذا أدى الباقي بقية
الكتابة عتق ونظر إلى ثمنها ، فإن كان أكثر
مما يجب على الميت من الكتابة أتبعه السيد
بنصف ذلك .
وأما إن كان لها ولد فلا تباع إلا أن يعجز
ولدها والمكاتب الباقي عن الكتابة ، فإن لم
يعجزوا وأدى المكاتب الباقي جميع ا لكتابة عتق
وعتقوا واتبعهم بما أدى عنهم مما كان يصيبهم
من الكتابة كما قال ، وذلك نصف ما أدى إن كان
أدى جميع الكتابة ، وكانت حاله مع صاحبه
المتوفي متساوية في القيمة والقدرة على أداء
الكتابة وبالله التوفيق .
(15/232)
من كتاب استأذن
سيده
قال عيسى : وسألت ابن القاسم عن الرجل يبيع
مكاتبه فيعتقه الذي اشتراه ، قال أن أعتقه جاز
عتقه ، وإن لم يعتقه رد إلى الذي كاتبه ورد
الثمن ، وإن مات عند المبتاع قبل أن يعتقه أو
أعتقه فقد ضمنه المبتاع ، وليس على البائع أن
يرد شيئا من الثمن ولا أن يخرج منه شيئا
فيجعله في رقبته مثل ما يفعل في المدبر إذا
باعه ففات بموت .
قال محمد بن رشد : قوله إن إن أعتقه المشتري
جاز عتقه ولم يرد ، يريد إذا كان المكاتب قد
علم بالبيع على ما قاله في المدونة من أن ذلك
عنده رضي بفسخ الكتابة ، وهو مثل قول أشهب
فيها إن يعتق يرد إذا كان المكاتب لم يعلم
بالبيع ، وهذا إذا لم يكن للمكاتب أموال ظاهرة
لأنه إنما يكون له أن يعجز نفسه إذا لم تكن له
أموال ظاهرة ، وقد قال بعض الرواة في المدونة
: وهو قول ابن نافع في سماع محمد ابن خالد في
كتاب الولاء إن العتق يرد على كل حال ، هذا
الذي أقول به في تأويل ما وقع في المدونة في
هذه المسألة ، فعلى هذا الاختلاف في أن العتق
يرد إذا كانت له أموال ظاهرة علم المكاتب
بالبيع أو لم يعلم به ، إذ ليس له أن يعجز
نفسه إذا كانت له أموال ظاهرة ، وقد كان من
أدركنا من الشيوخ يحملون الروايات على ظاهرها
من غير تفصيل ، فيقولون فيها إنها ثلاثة أقوال
، يرد العتق ، ولا يرد ، والفرق بين أن يعلم
المكاتب أو لا يعلم .
وأما إذا أعتق على البائع قبل أن يفوت بالعتق
فلا اختلاف في وجوب رده .
وقوله في هذه الرواية إنه إن أعتقه المبتاع أو
مات عنده فليس على البائع
(15/233)
أن يرد شيئاً
من الثمن ، فمعناه إذا كان المبتاع قد علم أنه
مكاتب ، وأما إن كان البائع دلس له بذلك فله
أن يرجع عليه بقيمة عيب الكتابة من الثمن على
ما قاله في سماع يحيى بن خالد من كتاب الولاء
في المدبر ، وهو مذهبه في المدونة .
وأما قوله إنه ليس على البائع أن يخرج من
الثمن شيئاً فيجعله في رقبته كما يفعل في
المبدر إذا فات بموت فالفرق عنده بين المكاتب
والمدبر في هذا والله أعلم أن التدبير ألزم من
الكتابة إذ قد يقدر المكاتب وإن كان له مال أن
يذهب ماله ويعجز نفسه ولا يقدر المدبر على أن
يبطل عقد التدبير فيه ، وبالله التوفيق .
ومن كتاب العرية
قال عيسى وسألته عن رجل وطئ مكاتبة مكاتبه
فحملت .
قال : يدرأ عنه الحد ويلحق به الولد ، وتخير
الأمة في أن تمضي على الكتابة وفي أن تكون أم
ولده ، فإن أحبت أن تكون أم ولده قومت عليه
وغرم قيمتها للمكاتب نقداً ، ولم يكن له أن
يقول أحاسبك بقيمتها من كتابتك إلا أن يشاء
المكاتب لأن الأمة مال من مال المكاتب يتقوى
به على كتابته ، ليس للسيد أن يتعجل شيئاً لم
يحل له بعد ، وإن اختارت الكتابة قيل للسيد
الواطئ أخرج قيمتها فإن أدت كتابتها عتقت
ورجعت القيمة إلى الذي أخرجها وهو الوطئ ، وإن
عجزت كانت القيمة لسيدها المكاتب ، وكانت أم
ولد للواطئ ، ولم يكن له عليه في ولده شيء ،
وإن ماتت قيل أن يؤدي أخذ من القيمة التي وقفت
قيمة الولد فتدفع إلى المكاتب ،
(15/234)
ورجع ما فضل من
القيمة التي وقفت عن قيمة الولد إلى الواطئ
لأنه يقول لا تذهب قيمة ولد مكاتبي باطلاً إذا
لم يؤد ما كان لي عليها ، فتعتق فتحوز ولدها
أو تعجز فيكون لي قيمتها على سيدي الذي وطئها
فإذا فاتت بموت فلي قيمة ولدها فذلك له ويدفع
إليه .
قال محمد بن رشد : الأصل في هذه المسألة قول
مالك ومن تابعه : إن الحكم فيمن وطئ مكاتبته
فحملت أن تخير بين أن تقيم على كتابتها وبين
أن تكون أم ولد له ، فوجب على قياس ذلك إذا
وطئ مكاتبة مكاتبه فحملت ما قاله من أن تخير ،
فإن أحبت أن تكون أم ولد له قومت – فغرم
قيمتها للمكاتب نظراً .
وأما قوله ولم يكن له أن يقول أحاسبك بقيمتها
من كتابتك إلا أن يشاء المكاتب فهو الصحيح في
النظر للمعنى الذي ذكره فيه ، وفيه اختلاف في
كتاب ابن المواز لابن القاسم فيمن وطئ أمة
مكاتبه فحملت أن القيمة تلزمه ويعتق فيها
المكاتب ، ويتبع سيده بفضل ما بقي ، وهي له أم
ولد ، وعاب ذلك محمد فقال : هذا ظلم للمكاتب
أن يتعجل السيد الكتابة في القيمة التي لزمته
، بل يأخذ القيمة ويؤدي النجوم على حالها ،
فإن لم يكن للسيد شيء بيعت الكتابة عليه في
القيمة أعني كتابة مكاتبه ، قال أحمد ابن ميسر
: ويكون أولى بما بيع من ذلك ، ولابن القاسم
في كتاب أمهات الأولاد وقال غيره هنالك : ليس
ذلك للسيد وإن كان معدماً ، وتباع الكتابة على
السيد فيما لزمه من القيمة ، ويبقى المكاتب
على كتابته إلا أن يشاء أن يكون أولى بما بيع
من كتابته لتعجيل العتق ، مثل قول أحمد ابن
ميسر ، فإن قصر ثمن الكتابة عن قيمة الأمة كان
الباقي منها رقيقا للمكاتب إن كان ثمن الكتابة
مثل نصف قيمة الأمة كان نصفها بحساب أم ولد
للسيد ونصفها رقيقا للمكاتب ، واتبع سيده بنصف
قيمة الولد .
وقوله إنه ليس للسيد أن يقاص المكاتب مما لزمه
من قيمة له عليه من
(15/235)
الكتابة وإن
كان معدماً هو الذي يوجبه النظر ، وتفرقة ابن
القاسم في المدونة في ذلك بين اليسر والعدم
استحسان .
وأما قوله في كتاب ابن المواز إن له المقاصة
في ذلك وإن كان موسراً فهو بعيد وظلم للمكاتب
كما قاله محمد ، وأما إذا اختارت الكتابة
فقوله إن قيمة الأمة يؤخذ من السيد ويوقف فإذا
أدت كتابتها رجعت القيمة إليه ، وإن عجزت كان
القيمة للمكاتب وكانت الأمة أم ولد للواطئ فهو
صحيح لا اختلاف فيه .
وأما قوله إنها إن ماتت قبل أن تؤدي فيؤخذ من
القيمة التي وقفت قيمة الولد فيدفع إلى
المكاتب ، ويرجع ما بقي منه إلى الواطئ فليس
ببين في وجه الحكم ، وقد تكون قيمة الولد أكثر
من القيمة التي وقفت ، لأنها إنما قومت يوم
الحمل دون ولد ، ولابن القاسم في كتاب ابن
المواز أن القيمة تكون للمكاتب إذا ماتت قبل
الأداء كما إذا عجزت وهو صحيح في النظر ،
لأنها إذا ماتت قبل أن تؤدي كتابتها فقد ماتت
في حال الرق ، لأن المكاتب عبد ما بقي عليه من
كتابته شيء ، فوجب أن تكون القيمة لسيده كما
لو ماتت بعد أن عجزت ، وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل عن الرجل يطأ مكاتبة ابنه فتحمل
قال : تخير بين أن تقوم عليه فتكون أم ولد
وتبطل الكتابة ، وبين أن تسعى في كتابتها ،
فإن أدت عتقها وإن عجزته قومت عليه ، قيل له :
فإنها اختارت أن تكون على كتابتها ؟ قال : إذا
هي اختارت أن تثبت على كتابتها قيل للولد أخرج
الآن قيمتها فأوقفها ،
(15/236)
فإن أدت
كتابتها رجعت إليك القيمة ، وإن عجزت أعطيتها
ابنك وكانت الجارية أم ولد لأنا نخاف أن تعجز
وقد فلست أنت فيذهب حق سيد الجارية ، قيل
أرأيت إذا قوم منها عليه حين وطئها لا تجعل
كتابتها له تسعى فيها له ؟ فإن أدت عتقت وكان
ولاؤه للذي عقد لها الكتابة ، وإن عجزت كانت
أم ولد للذي أدى قيمتها قلت ولم إذ رأيت لا
تسعى على هذا الواطئ ولم تعجل له كتابتها لم
تقومها عليه اليوم ؟ لم لا تؤخر قيمتها إلى أن
تعجز ؟ فإذا عجزت قومتها عليه يوم تعجز لأنك
حين تقومها عليه اليوم حين وطئها وتؤخرها إلى
أن تعجز لعلها تعجز حين تعجز وقد ذهب بصرها أو
يداها أو رجلاها أو أصابها أمر في جسدها فيصير
هذا يأخذ قيمتها اليوم صحيحة وإنما أخذ الواطئ
إياها الآن منقوصه الجسد ولعل ما دخلها من
النقص قد أدت بعد أن قومت جميع كتابتها إلا
ديناراً واحداً فعجزت في ذلك الدينار فصارت قد
أخذ قيمتها صحيحة وأخذ جميع كتابتها إلا
ديناراً واحداً فيدخل على الواطئ في هذا لضرر
، قال : نعم كذلك هو ، والظالم أحق من يحمل
عليه .
قلت : وسواء الذي أصابها في جسدها بعد أن قومت
على هذا الواطئ أن كان من السماء أو صنعه بها
إنسان فأخذ لذلك أرشاً ؟
قال : ليس هو سواء ، إذا كان ذلك من السماء
كان كما وصفت لك ، وإذا أصابها بذلك إنسان أخذ
عقلها ، فإن كان في عقلها ما تعتق به عتقت
ورجعت القيمة إلى الواطئ ، وإن كان ليس فيه ما
يعتق فيه سعت فيما بقي فإن أدت عتقت وإن عجزت
فض واطئها من قيمتها بما أخذ في ثمن جسدها .
(15/237)
قال محمد بن
رشد : لسحنون في نوازله بعد هذا من هذا الكتاب
فيمن وطئ مكاتبة أبنه فحملت أنه لا يجوز أن
تخير بين أن تكون أم ولد للواطئ أو تبقى على
كتابتها ، إذ ليس لها أن تنقل ولاءها عن الإبن
الذي قد أنعقد له إلى الأب خلاف قول ابن
القاسم في هذه الرواية إنها تخير في ذلك ،
وقول سحنون هو الذي يأتي على قياس مذهب مالك
في أنه لا يجوز بيع المكاتب ممن يعتقه من أجل
نقل ولائه إلى المشتري ، وإنما يجيز ذلك إذا
وقع فيمضي العتق استحساناً مخافة أن يرده
فتعجز عند البائع .
فقول ابن القاسم في هذه الرواية إنما يأتي على
مذهب من يجيز ذلك ابتداء وهو مذهب جماعة من
السلف ذكر في المدونة عن يحيى ابن سعيد أنه
باع مدبراً ممن أعتقه ، وأن عمرو ابن الحارث
دخل في ذلك حين اشتراه .
ولو قيل إن ذلك يجوز في الذي يخشى عليه العجز
ولا يجوز في الذي يؤمن عليه العجز في ظاهر
حاله ، ونظر إلى هذا في مكاتبة الإبن إذا
وطئها الأب فحملت لكان قولاً وسطاً ، وإنما
توقف القيمة على مذهب ابن القاسم إذا اختارت
المضي على كتابتها إذا كان الأب الواطئ ممن
يخشى عليه العدم .
ولما سأله لم لم تكن الكتابة للأب إذا قومت
عليه فيسعى فيها ، فإن أدت عتقت وكان ولاؤها
للذي عقد لها الكتابة ، وإن عجزت كانت أم ولد
للذي أدى قيمتها ، سكت له عن الجواب في ذلك .
والجواب فيه أنه لا يصح أن تكون له الكتابة
على حكم من اشتراها ، إذ لم يشترها ولا تعدى
عليها فلزمته قيمتها ، وإنما تعدى على الرقبة
بوطئه إياها فلزمته قيمتها ، فلا يصح أن يعدي
الحكم في ذلك عن الرقبة إلى الكتابة . وأما
اعتراضه عليه بأن القياس كان أن يكون التقويم
فيها إذا اختارت المضي على كتابتها يوم عجزت
حتى يقضي له بها ، فقد سلمه ، إلا أنه قال إن
الظالم أحق أن يحمل عليه ، فلا وجه للقول فيه
. وتفرقته على أصله في وجوب التقويم
(15/238)
يوم الحمل بين
أن تكون الجناية عليها من أمر من السماء أو من
جناية أحد صحيحة ، إذ لا يصح أن يأخذ من
الجاني عليه قيمة الجناية عليها ومن الواطئ
لها جميع قيمتها ، فيكون قد أخذ قيمتها مرتين
، وبالله التوفيق .
ومن كتاب يدير ماله
وسألته عن المكاتب يبتاع من بعض من يعتق على
سيده إذا ملكه ، أيعتق عليه ؟ قال لا ، ويبيع
ويصنع ما شاء ويطؤهن إن كن نساءً وإن كانت أم
سيده أو أخته ، لأنه ليس لسيده أن ينتزع ماله
، ولأن بعض الناس قد قال في العبد إنه يملك من
قرابة سيده من يعتق على سيده إذا ملكهم ، ولا
يعتقون ويطؤهن إن كن نساء . واحتجوا في ذلك
بأنهن مال للعبد حتى ينتزعه السيد ، ولأنه ليس
على السيد في مال عبده زكاة ، فكيف المكاتب ؟
إلا أن هذا القول عندنا في العبد ليس بشيء .
قال مالك : إذا ملك العبد من لو ملكه سيده عتق
عليه فإنه يعتق عليه بملك العبد إياه . قال
ابن القاسم في المكاتب : فإن عجز وهم عنده
عتقوا عليه .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال لأنه إنما يعتق
على العبد من ملك ممن يعتق على سيده من أجل
أنه يملك لنزاعهم ، فلما كان يملك انتزاعهم
عتقوا عليه ، إذ لو انتزعهم لعتقوا عليه ؛
فوجب أن لا يعتق على المكاتب ما ملك ممن يعتق
على سيده ، إذ لا يملك سيده انتزاعهم منه
بإجماع . وإذا كان قد قيل في العبد الذي يملك
سيده انتزاع ماله إنه لا يعتق عليه من قرابة
سيده ، فأحرى أن يقال في المكاتب الذي ليس
للسيد أن ينتزع ماله كما قال ، ولا اختلاف في
ذلك أعلمه في المكاتب . وأما في العبد ففيه
ثلاثة أقوال : أحدها أنهم لا يعتقون عليه ،
وهو القول الذي حكاه عن بعض
(15/239)
الناس في هذه
الرواية ، وهو التي يأتي على حقيقة القياس بأن
العبد يملك ، وقيل إنهم يعتقون إذا اشتراهم
وهو لا يعلم أنهم يعتقون على سيده ، وهو الذي
اختاره سحنون وقال فيه إنه أصح أقوال ابن
القاسم ، فقيل إنهم يعتقون وإن اشتراهم وهو
يعلم أنهم يعتقون على سيده ، وقع ذلك من قول
ابن القاسم في كتاب الرهون ، وطرحه سحنون فقال
إنما يعتقون عليه إذا اشتراهم وهو لا يعلم .
وقد قال بعض الناس إن قول مالك في أنهم يعتقون
إذا ملكهم اضطراب من قوله في أن العبد يملك ،
وليس ذلك بصحيح ، لأنه إنما رأى أنهم يعتقون
من أجل أن السيد يملك انتزاعهم ، لا من أجل أن
العبد لا يملك ، وبالله التوفيق .
ومن كتاب سلف ديناراً في ثوب
وقال ابن القاسم في المكاتب يشتري الرجل
كتابته إنه فيه بمنزلة سيده ، يقاطعه كما كان
سيده يقاطعه .
قال محمد بن رشد : قد تقدم هذا من قول مالك في
أول رسم من سماع ابن القاسم ، ومضى هنالك
القول عليه فلا معنى لإعادته ، وبالله التوفيق
.
ومن كتاب إن خرجت من هذه الدار
قال ابن القاسم : إذا كان ثلاثة إخوة في كتابة
واحدة فجنى أحدهم فإنه يقال له أدجنايتك ، فإن
لم يقو قيل لمن بقي أدوا الجناية وقوموا
بنجومكم وإلا عجزتم ، فإن لم يقوموا وعجزوا رق
الاثنان وقيل للسيد إما أن تسلم الجاني وإما
أن تفتكه بقيمة الجناية . وإن
(15/240)
قالوا نحن نؤدي
فأدوا الجناية ، فإن من أدى الجناية منهم رجع
بها على الجاني بعد العتق ، وليس هو بمنزلة
الكتابة التي يؤدي بعضهم عن بعض ، فإن أولئك
لا يرجع من أدى على من لم يؤد إذا كانوا إخوة
وأقارب .
قال محمد بن رشد : قول ابن القاسم إن من أدى
منهم الجناية يرجع بها على الجاني خلاف قول
غيره وهو أشهب ، والله أعلم ، في كتاب
الجنايات من المدونة إن الجناية كالكتابة لا
يرجع بها من أداها عمن هو معه في كتابة واحدة
إلا على من يرجع عليه بما أدى عنه من الكتابة
. وقد اختلف في ذلك على ثلاثة أقوال : أحدها
أنه لا يرجع على زوجته ولا أحد ممن يعتق عليه
، ويرجع على سواهم ممن لا يعتق عليه وإن كانوا
من ذوي محارمه كالعم والخال ، وهو مذهب ابن
القاسم ؛ والثاني أنه لا يرجع على زوجته ولا
أحد من ذوي محارمه وإن كان منهم من لا يعتق
عليه ، وهو مذهب أشهب ؛ والثالث أنه لا يرجع
على زوجته ويرجع على من سواها وإن كانوا من
ذوي محارمه الذين يعتقون عليه كالأب والأخ ،
وهو مذهب المغيرة ، وقوله في نوازل سحنون بعد
هذا من هذا الكتاب ، فلا اختلاف في أنه لا
يرجع على الزوجة ولا في أنه يرجع على ذوي رحمه
الذين ليسوا من ذوي محارمه كابن العم وابن
الخال وشبههم . وقد حكى ابن حبيب عن أصبغ في
ثلاثة إخوة مختلفين : أخ لأب وأم ، وأخ لأب ،
وأخ لأم ، كوبتوا كتابة واحدة فأداها أحدهم
كلها ، أنه إن أداها الذي لأب وأم لم يرجع
عليهما بشيء ، وإن أداها الأخ للأم رجع على
الأخ للأب ولم يرجع على الأخ للأب والأم ، وإن
أداها الأخ للأب رجع على الأخ للأم ولم يرجع
على الأخ للأب والأم . وقوله صحيح على ما
ذكرناه من أن ذوي الرحم الذين ليسوا من ذوي
المحارم كالأجنبي .
واختلف أيضاً في توارث المكاتبين في كتابة
واحدة على ثلاثة أقوال :
(15/241)
أحدها أنه
يتوارث جميع الورثة الزوجة وغيرها ، روي ذلك
عن مالك ، ووقع اختلاف قوله في ميراث الزوجة
في المبسوطة ؛ والثاني أنه يتوارث جميع الورثة
إلا الزوجة ، وفي المدونة ما ظاهره هذا القول
؛ والثالث أنه لا توارث بينهم إلا فيمن كان
منهم يعتق بعضهم على بعض ، وهذا القول هو
المنصوص عليه في المدونة . ولا خلاف بين ابن
القاسم وأشهب في أن الجناية كالكتابة في أنه
لا يعتق الجاني ولا من معه في الكتابة إلا بعد
أداء الجناية ، وإنما اختلفا إذا أدى الجناية
غير الجاني هل يرجع بها على الجاني إذا كان
ممن لا يرجع عليه بالكتابة أم لا حسبما وصفناه
من اختلافهما في ذلك . وأما الدين فمذهب ابن
القاسم أن الكتابة لا تبطل بالعجز عن أدائه ،
فيعتق المكاتبون إذا أدوا الكتابة وإن عجزوا
عن أداء الدين ، ويبقى الدين بعد العتق في ذمة
الذي كان في ذمته منهم ، بخلاف الجناية عنده
في هذا ، لأن الدين لا يؤدي من الخراج والعمل
، والكتابة والجناية يؤديان من ذلك ؛ وأشهب
يرى الدين كالكتابة والجناية في جميع الوجوه ،
وهي كلها مفترقة عند ابن القاسم ، لكل واحد
منها حكم غير حكم صاحبه على ما بيناه ، وبالله
التوفيق .
مسألة
قال عيسى وسألت ابن القاسم عن الرجل يضع عن
مكاتبه عند الموت نجماً من نجومه لا يدري من
أوله أو من آخره ، قال إنه إن كانت النجوم
ثلاثة وضع عنه من كل نجم ثلثه ، وإن كانت
أربعة فربعها ، فكذلك حسابها . فإن أدى عتق ،
وإن عجز فإنه إن كانت النجوم عشرة عتق عشره ،
وإن كانت ثلاثة فثلثه ، فبحساب هذا يعتق .
وإنما الوضعية عتق إذا كان في وصية في أداء
كتابة ، فإن أدى عتق وإن عجز رجع إلى الذي
وجبت عليه .
قال محمد بن رشد : هذا بين على قياس ما في
المدونة وغيرها ، ولا اختلاف فيه أحفظه ،
وبالله التوفيق .
(15/242)
ومن كتاب العتق
قال وسألت ابن القاسم عن رجل قال كاتبوا عبدي
فلاناً . فأصيب يد العبد أو رجله ، فبأي
القيمتين يكاتب ؟ أبقيمته حين أوصى أو حين مات
سيده ؟ أو حين جرح ؟ قال قيمته يوم يكاتب ،
وكذلك لو قال هو حر فاعتل فإنما قيمته يوم
يقوم للعتق ، ولا ينظر إلى يوم أوصى ولا يوم
مات ولا يوم أعتل .
قال محمد بن رشد : هذا بين على ما قاله ولا
اختلاف فيه ، لأنه من أوصى بوصية لرجل أو بعتق
أو كتابة إنما ينظر ذلك كله إلى قيمته يوم
تنفذ الوصية فيه ، وبالله التوفيق .
ومن كتاب شهد على شهادة ميت
قال وسئل عن امرأة قالت لخادمها عند موتها ربي
ولدي هذا وأدى ثلاثين دياراً ثم أنت حرة
والولد صغير حين وضعته أمه ثم هلكت ، فلم تلبث
إلا يسيراً هلك الصبي ولها ولد غيره .
قال ابن القاسم : إذا أدت الثلاثين ديناراً
فهي حرة ، لأنها إنما أرادت تربية الغلام ما
عاش إلى أن يبلغ .
قال محمد بن رشد : هذا بين على ما قاله ،
لأنها عينت الولد ولم تحد لتربيتها إياه حداً
من السنين ، فوجب أن يحمل ذلك على حياته ؛ ولو
حدت لتربيتها إياه حداً من السنين والأعوام
لوجب أن لا يكون عليها شيء فيما اشترط عليه من
تربيتها فيما بقي من المدة لأنها إنما أرادت
كفالة الولد وتربيته ، لا هبة خدمتها له فتكون
موروثة عنه على معنى ما في المدونة في
(15/243)
الذي يقول أخدم
ابني كذا وكذا سنة ثم أنت حر فيموت قبل الأجل
، إنه حر إذا لم يكن من عبيد الخدمة ، وإنما
أريد به ناحية الكفالة والحضانة . فإذا سقطت
تربية الولد عنها بموته وجب أن تجب لها الحرية
بأداء الثلاثين ديناراً كما قال . وبالله
التوفيق .
مسألة
وسألت عن رجل قال لغلامه : أعتقك على أن لا
تفارقني فإن فارقتني فعليك خمسون ديناراً
فأعتقه على ذلك ، هل ترى هذا الشرط لازماً له
؟ قال ابن القاسم أراه حراً وعليه خمسون
ديناراً ، وأما ما اشترطه عليه من أن لا
يفارقه فهو باطل كأنه أعتق على أن يدفع إليه
خمسين ديناراً .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال لأنه بتل عتقه
وشرط عليه بعد العتق أحد الوجهين إما أداء
خمسين ديناراً وإما أن لا يفارقه ، واحد
الوجهين لا يجوز اشتراطه عليه بعد العتق ، وهو
أن لا يفارقه ، فوجب أن تجب عليه الخمسون التي
يجوز اشتراطها بعد العتق .
وقوله كأنه أعتقه على أن يدفع إليه خمسين
ديناراً معناه كأنه أعتقه على أن يدفع إليه
خمسين ديناراً بعد العتق ، وأما إذا قال الرجل
لعبده أنت حر على أن تدفع إلى كذا وكذا فمذهب
ابن القاسم في ذلك إن قبل العبد ذلك كان حراً
إذا أدى ذلك ، وإن لم يقبل فلا حرية له ، وفي
ذلك اختلاف كثير سأذكره في رسم الصبرة من سماع
يحيى إن شاء الله .
ومن كتاب الرهون
وعن رجل تحضره الوفاة فيقول لرجل خذ من عبدي
فلان مائة
(15/244)
دينار ثم هو حر
أتنجم عليه ؟ قال : لا أرى أن تنجم عليه تؤخذ
منه جميعاً إلا أن يكون أمر أن تنجم عليه .
قال محمد بن رشد : لم ير أن تنجم عليه المائة
لقوله فيها خذ لأن الظاهر من لفظ الأخذ في
الشيء أخذه مجتمعاً ، فوجب أن يحمل على ذلك
إلا أن تقترن به قرينة تدل على أنه لم يرد أخذ
ذلك منه جميعاً معاً ، فينجم عليه كما لو أمر
أن تنجم عليه ، فليس ذلك بخلاف لما في المدونة
من أنه إذا قال لأمة له إن أديت إلي أو إذا
أديت إلى ورثتي ألف درهم أو أد إلى ورثتي ألف
درهم والثلث يحملها أنها إذا أدت الألف درهم
فهي حرة ويتلوم له السلطان على قدر ما يرى
يوزعه عليها ، لأن لفظ الأداء للمشتري لا
يقتضي في ظاهره أخذه مجتمعاً معاً ، وبالله
التوفيق .
من سماع يحيى ابن يحيى من
ابن القاسم من كتاب الكبش
قال يحيى وسألت ابن القاسم عن ورثة ورثوا
مكاتباً أيجوز لهم اقتسام كتابته فينظره منهم
من أحب ، ويتعجل من كره النظرة كما يجوز ذلك
للشركاء في اقتسام الدين يكون لهم على الغريم
؟
فقال : لا يجوز للورثة أن يقتسموا ما على
المكاتب إلا عند انقضاء كل نجم ، ذلك أن
النجوم التي عليه ليست بدين ثابت فيقسم
كاقتسام الدين الذي يكون للشركاء على الغريم ،
ومما يبين ذلك أن مالكاً قال في المكاتب يكون
بين الرجلين : إنه ليس لأحدهما أن يبيع نصيبه
من الكتابة دون صاحبه إلا أن يبيعا جميعاً ،
ولا تجوز القسمة إلا فيما يجوز بيعه من الديون
.
(15/245)
قال محمد بن
رشد : أما اقتسام الشركاء في الكتابة كتابة
المكاتب بينهم فلا اختلاف في أن ذلك لا يجوز ،
لأنهم إذا اقتسموا كتابته صار كل واحد كأنه قد
كاتبه على حصته دون شركائه ، وذلك ما لا يجوز
، لأنه غرر ، إذ ليست الكتابة بدين ثابت ، فقد
يعجز في نصيب أحدهما فيرجع حظه منه رقيقاً
ويؤدي إلى الآخر فيعتق حظه ويصير ذلك خلاف
السنة الثابتة عن النبي عليه السلام في قوله :
من أعتق شركاً له في عبد قوم عليه قيمة العدل
، الحديث ، وأما بيع أحد الشريكين نصيبه من
كتابة المكاتب فقد مضى ذكر الاختلاف فيه
وتحصيله في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم ،
ولا يدخل هذا الاختلاف في فسخ كتابة المكاتب
بدليل قوله : ولا تجوز القسمة إلا فيما يجوز
بيعه من الديون ، لأن المعنى في ذلك ولا تجوز
القسمة إلا في الديون التي يجوز بيعها إلا في
الكتابة إذ ليست من الديون وإنما هي جنس من [
إلغاء مبطل فترجع ] إلى الرقية وبالله التوفيق
.
مسألة
قلت أرأيت إن حل نجم من نجوم المكاتب فقال أحد
الورثة بدؤوني بهذا النجم واقتضوا ما أنقدكم
به في القبض مما بقي عليه من نجومه أيجوز ذلك
؟ قال : نعم لا بأس به ، قلت فإن عجز المكاتب
ولا مال له ؟ قال : يرجع المقتضي بحصته في
الرقبة ويغرم للشركاء حصصهم فيما كانوا بدأوه
به ، وذلك أنه كان منهم كالسلف عليه لهم ، قلت
فإن كان حين حل النجم أعسر به فأنظروه إلا
واحداً شح واقتضى ثم عجز ؟ قال : يرجع المقتضي
بحصته في الرقبة ولا يغرم لشركائه شيئاً ،
وذلك أنه إنما اقتضى نصيبه ولم يبدؤوه بشيء ،
قال وإن مات المكاتب عن مال وقد اقتضى أحدهم
حقه من نجوم
(15/246)
المكاتب وأنظره
الآخر دون اقتضاء من بقي ، ثم اقتسموا ما بقي
وإن لم يكن فيما ترك وفاء وقد اقتضى بعضهم بعض
حقه وأنظره بعض بجميع حقه اقتسموا ما ترك على
حساب ما بقي لكل واحد من حصته من النجوم على
قدر ما كانوا يطلبونه كما يقسم مال المفلس على
قدر أموال أهل الديون .
قلت أرأيت حين بدأوه يتقاضى نجماً أو نجمين
ليقتضوا مما بقي من النجوم فقلت إن عجز رد
عليهم بقدر ما ينوبهم مما اقتضى ورجع بحصته في
الرقبة أرأيت إن لم يعجز ؟ فلما حلت النجوم
قالوا لشركائهم ، إقضنا ما قدمناك به سلفاً
مما لك فاقبض أنت ونحن المكاتب واقضنا ما قدر
صار لنا قبلك أترى ذلك عليه ؟ قال : لا أرى
لهم قبله شيئاً إلا أن يعجز المكاتب .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة بينة صحيحة على
مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة
وغيرها ، لأن المكاتب إذا كان بين الشريكين
فيبدئ أحدهما صاحبه بنجم من نجومه على أن يأخذ
النجم الآخر فيما بدأه به سلف منه له ، فإن
عجز المكاتب في النجم الآخر رد الذي قبض النجم
الأول نصفه ورجع بحظه في رقبة المكاتب ، وإن
مات وترك مالاً استوفى الذي لم يقبض شيئاً من
ماله مثل ما قبض صاحبه وكان ما بقي من ماله
بينهما ، وإن لم يكن فيما ترك من المال وفاء
لما قبض صاحبه اتبعه بما بقي من حقه ، مثال
ذلك أن يكون النجم الذي قبض خمسين وترك
المكاتب من المال ثلاثين فيرجع عليه بعشرة ،
ولو عجز أو مات قبل محل النجم الثاني لم يكن
عليه رجوع حتى يحل الثاني ، قاله في كتاب ابن
المواز قال محمد : ولو حل النجم الثاني قبل
عجزه فتعذر على المكاتب وانتظر لما يرجى له
لكان على الشريك أن يعجل لشريكه سلفه ثم
يتبعان المكاتب بالنجم الثاني .
(15/247)
وإنما قال إذا
حل النجم الثاني ولم يمت ولا عجز إنه لا يلزمه
أن يقضيه معه لأنه إنما بدأه من النجم الأول
على أن يقبض هو الثاني ، فكأنه قد التزم
اقتضاءه هذا معنى ما ذهب إليه في الرواية .
وأما إذا حل النجم على المكاتب فأنظره أحدهما
بحقه فيه وشح صاحبه فاقتضى حقه منه فلا رجوع
له عليه إن عجز أو مات ولم يترك شيئاً ، ويكون
له حظه من رقبة المكاتب في العجز ، وإن ترك
مالاً استوفى منه الذي لم يقبض شيئاً مثل ما
قبض صاحبه ، وكان ما بقي بينهما .
وإن لم يكن فيما ترك وفاء لما قبض صاحبه
اقتسما ما ترك على قدر ما لكل واحد منهما يضرب
الأول بما بقي له من النجم الأول ، والثاني
بجميع النجم الثاني على سنة التحاص في مال
المفلس كما قال ، واقتضى أحد الشريكين في
المكاتب من الكتابة شيئاً دون شريكه بتبدئته
إياه بذلك أو بغير تبدئه خلاف حكم قطاعة
أحدهما المكاتب بإذن شريكه أو بغير إذنه .
أما إذا قاطعه بإذنه ثم عجز في نصيب شريكه فهو
بالخيار بين أن يرد نصف ما قاطعه به ويكون حظه
في رقبة العبد ، وبين أن يتمسك بقطاعته ولا
يكون له في رقبة المكاتب شيء ، وأما إذا قاطعه
بغير إذنه ثم عجز في نصيب شريكه فليس له أن
يرجع في رقبة المكاتب وإنما له ما قاطع به ،
وحكم الموت والعجز سواء إذا قاطعه أحدهما بغير
إذن شريكه ، تلزمه القطاعة ولا يكون له شيء في
رقبته إن عجز ، ولا في ماله إن مات ، لأنه قد
رضي بما قاطعه به ، فليس له أن يرجع في رقبته
إن عجز ، ولا في ماله إن مات صح إلا أن لا
يشاء شريكه أن يمضي له ما فعل من قطاعته إياه
فيرجع عليه بنصف ما قاطع به ويكون العبد
بينهما إن عجز ، وإن مات ولم يف ما ترك بما
قاطع به
(15/248)
رجع عليه بنصف
الزائد إن كان قاطعه بعشرين فمات ولم يترك إلا
عشرة رجع عليه بخمسة .
وأما إذا قاطعه أحدهما في نصيبه بإذن شريكه
فقال إن الموت في ذلك كالعجز أيضاً يكون الذي
قاطع مخيراً بين أن يتمسك بقطاعته ولا يكون له
شيء من ميراثه ، وبين أن يرد نصف ما قاطع به
ويكون الميراث بينهما ، قاله في الموطإ رواية
يحيى ذلك غلط وقع في روايته ، وإنما الحكم في
ذلك أن يستوفى الذي لم يقاطع مما ترك المكاتب
حقه من الكتابة أو بقية حقه منها إن كان قبض
الذي قاطع ، ويكون بقية المال بينهما ، وهو نص
قول مالك في موطإه في الباب نفسه في صدر كلامه
، وبالله التوفيق .
ومن كتاب يشتري الدور والمزارع
وسألته عن الرجل يشتري ما على مكاتب لو ملك
رقبته عتق عليه بالرحم ، فقال : أرى أن الذي
على المكاتب موضوع عنه ، فيل له ولم لم يملك
رقاً ؟ ألا ترى أنه لو أدى ما عليه كان ولاؤه
للذي عقد كتابته ؟ قال : وإن كان ولاؤه للذي
عقد كتابته فإن الذي اشترى الكتابة إذا كان
ممن لو ملكه عتق عليه فهو إذا صار يأخذ منه
كتابته فكأنه يأخذ منه ثمن رقبته ، ألا ترى
أنه إن عجز صار رقيقاً له ، فكيف يجوز له أن
يقتضي منه ثمن رقبته وهو إن عجز عن أداء الذي
يقتضيه منه فرق بالعجز عتق عليه بالرحم ؟ قيل
له : فإن ورثه ؟ قال : فذلك أبين أن الكتابة
موضوعة عنه ساعة يرثها من إذا ملكه عتق عليه .
قال محمد ابن رشد : ولو أوصى بكتابة من يعتق
عليه لعتق عليه إن قبل الوصية ، قاله أصبغ في
نوازله في آخر الكتاب ، ومعناه أنه تسقط عنه
(15/249)
الكتابة فيعتق
ويكون ولاؤه للذي عقد كتابته ، وهو مذهب ابن
القاسم في هذه الرواية ، ولا أعرف في المذهب
في ذلك نص خلاف ، قال أصبغ في النوازل
المذكورة : وذلك بخلاف إذا أوصى له بثمن من
يعتق عليه لأنه إنما له الثمن بعد بيعه وليس
بيعه في يديه وبالله التوفيق .
ومن كتاب الصبرة
وقال فيما قال أنت حر على أن عليك خمسين
ديناراً فالعبد بالخيار إن شاء أن تكون
الخمسون ديناراً عليه ويتبع بها ويعجل له
الحرية فذلك له ، وإن كره أن يكون غريماً بها
فلا عتاقة له .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة فيها ثلاثة أقوال
أحدها قول ابن القاسم في هذه الرواية ،
والثاني قول مالك في المدونة إنه حر ، والمال
عليه بمنزلة قوله أنت حر بتلا وعليك كذا وكذا
والثالث قول ابن القاسم في العتق الثاني من
المدونة أنه إن قيل كان حراً إذا أدى المال
كالكتابة ، وإن لم يقبل فلا حرية له ، إلا أن
يفرق على مذهبه بين قوله أنت حر على أن عليه
كذا وكذا أو أنت حر على أن تدفع إلى كذا وكذا
، فقد فرق بين ذلك ، وللتفرقة بينهما وجه ،
وقد قيل إن هذين اللفظين سواء بخلاف قوله على
أن تؤدي إلى كذا وكذا .
والصواب أن لا فرق بين أن يقول على أن تدفع أو
على أن تؤدي وأن ذلك بخلاف قوله على أن عليك ،
فالأظهر من قوله على أن يؤدي أو على أن يدفع
أن العتق بعد الأداء ، والأظهر من قوله على أن
عليك أن الأداء بعد العتق ، ويتخرج في المسألة
قول رابع ، وهو أن يكون حراً إذا أدى المال
شاء أو أبى على مذهب من يرى جبر العبد على
الكتابة ، وهل هذا يختلف في الذي يقول لعبده
أنت حر على أن تخدمني ما عشت ؟ فقال المغيرة
هو كالمدبر
(15/250)
لا يقدر على
بيعه ، وقال عيسى عن ابن القاسم في المدينة
أراه حراً الساعة ، وليس عليه خدمة ، قال :
ولو قال أنت حر على أن تخدمني عشر سنين كان
حراً الساعة وسقطت الخدمة ، وقال في آخر كتاب
المدبر من المدونة ينظر في ذلك ، فإن كان عجل
العتق وجعل الخدمة بعده فهي ساقطة ، وإن كان
أراد أن يعجل عتقه بعد الخدمة فهو كما قال ،
لا يعتق حتى يخدم .
وإنما وقع هذا الاختلاف في هذه الألفاظ
لاحتمال أن يريد بكل لفظ منها إيجاب المال على
العبد بعد العتق برضاه وبغير رضاه .
فالاختلاف المذكور فيها إنما ينبغي أن يكون
إذا لم يكن سؤاله عما أراد بذلك ن وأما إذا
أمكن ذلك ولم يفت سؤاله فيسأله ، فإن قال أردت
بذلك إيجاب المال عليه بعد الحرية إن رضي صدق
قوله وكان الجواب في ذلك ما قاله في هذه
الرواية ، وإن قال أردت بذلك إيجاب المال عليه
بعد الحرية وإلزامه ذلك بتلت حريته ولزمه
المال في قول مالك ، ولم يلزمه عند ابن القاسم
، وإن قال أردت أن لا يعتق حتى يؤدي المال إن
رضي كان ذلك على ما قال إن رضي العبد بذلك كان
مكاتباً ، وإن لم يرض بقي رقيقًا ، وإن قال
أردت إلزامه العتق بعد الأداء شاء أو أبى جرى
ذلك على الاختلاف في جبر السيد عبده على
الكتابة ، ومسألة أخر كتاب المدبر من المدونة
التي ذكرناها تدل على ما قلناه من سؤال السيد
، والله الموفق .
ومن كتاب أوله أول
عبد ابتاعه فهو حر وقال
قال : وسألته عن الرجل يعطي غلامه مائة شاة أو
مائة بقرة أو نحو ذلك فيقول أصلح إليها وأحسن
بتفقدها ، فإذا بلغت ألفاً أو نحو ذلك مما
يقول فأنت حر ، فيموت السيد قبل أن تبلغ ما
كان السيد
(15/251)
ذكره من العدة
التي جعل له الحرية إذا بلغتها الغنم أو البقر
.
قال : لا حرية له ، والورثة يبيعونه إن شاؤوا
ويقتسمون الغنم والبقر ، قلت : أرأيت إن صارت
بعد موت السيد إلى تلك العدة قبل أن يقتسمها
الورثة أو يخرجوها من يد العبد أو يكون بذلك
حراً ؟ فقال : لا ، لأنه بمنزلة رجل قال إن
بلغت غنمي ألافً وأنا حي فأنت حر ، فلما مات
لم يلزم الورثة من ذلك الشرط شيء .
قلت أرأيت إن أراد السيد في حياته بيع العبد
أو إخراجه من الغنم أو إدخال غيره فيها لما
رأى من تضييعه إياها أو أراد بيع الغنم أو
شيئاً منها لبعض حاجته أيمنع أم يوقف العبد
وتوقف الغنم في يديه لا يبيعه ولا يبيعها ولا
شيئاً منها ؟ وكيف إن رأى ضيعة فيها تلف
الماشية على يدي العبد أيقره ؟ وقال أصبغ عن
رجل كاتب عبده على غنم كانت له في يد العبد
على أن يبلغها ثلاثمائة أو أقل من ذلك أو أكثر
إلى أجل هل تصح الكتابة ؟ وكيف إن مات السيد
قبل أن تتم الغنم أو ماتت الغنم كلها أو بعضها
أو مات جميعها قبل الكتابة أو بعد الكتابة ؟
قال أصبغ لا تعجبني هذه الكتابة وليست من
كتابة المسلمين ، وأرى إن وقعت ونزلت وعقد ذلك
له أن يتمه كما لو استأجره بمال دفعه إليه
ويشترط له حريته بربحه فيه إذا بلغ كذا وكذا ،
فهو عقد عتق بشبهة فينفذ ، فإن كان له أجل
وجاء أجله وعجز رق وعجز ، وإن لم يكن له أجل
فإلى مقدار ما يرى من سعي مثله وكتابة مثله
بأجل مثله ، ورأيت ذلك له ثابتاً ، وإن مات
السيد فإن أتمه بعد موت السيد فذلك له ، وإن
عجز لعجزه في حياته بعد حد ذلك ووقته لما يرى
، وإن لحق السيد دين لم أر أن يضره ذلك إن كان
محدثاً بعد الذي عقد له .
(15/252)
وإن ماتت الغنم
فإن العبد على رأس أمره إلى حده الذي كان يرى
، أو إلى أجله ، فإن قام بذلك فرجا من حيث طمع
حتى يبلغه كان ذلك له ، ولا أرى عليه إعلاق ما
بقي ، ولا أرى عليه في الأموات التي كان دفع
الأشياء ، وأرى أن تجعل الأموات ها هنا كالحية
التي لم تمت ويحسبها ويقوم بما بقي ، وأرى هذا
إلى العبد إن شاء أن يمضي وإن شاء أمكن من
نفسه ، وليس للسيد إلزامه إياه ، فإن فعل وإلا
عجز إن شاء ، وسواء عليه دفعها إلى السيد أو
ماتت في يد العبد .
قال محمد بن رشد : وقعت هذه المسألة ها هنا
وفي أول رسم سماع أصبغ بعد هذا من هذا الكتاب
، وفي رسم إن خرجت من سماع عيسى من كتاب العتق
، فلم يرها ابن القاسم ها هنا ولا في سماع
أصبغ بعد هذا كتابة وقال في ذلك : إنه إنما
عتق أوجبه لعبده إن بلغت الغنم في حياته العدد
الذي سمي ، ورآها في رسم إن خرجت من سماع عيسى
من كتاب العتق كتابة ، وقال أصبغ ها هنا إنها
كتابة إذا لفظ بها بلفظ الكتابة ، وهو ظاهر ما
وقع له في أول رسم من سماع أصبغ بعد هذا ، ولم
يفرق ابن القاسم بين أن يلفظ بلفظ الكتابة
فيقول إذا كاتبتك على أن تقوم على هذه الغنم ،
وإذا بلغت كذا وكذا فأنت حر ولا يلفظ بلفظ
الكتابة ، فيقول له قم على هذه الغنم فإذا
بلغت كذا وكذا من العدد فأنت حر ، بل اختلف
قوله في ذلك اختلافاً واحداً لأنه إذا حكم لها
بحكم الكتابة ولم يلفظ بلفظ الكتابة على ما
وقع من قوله في رسم إن خرجت من سماع عيسى من
كتاب العتق فأحرى أن يحكم لها بحكم الكتابة
إذا لفظ فيها بلفظ الكتابة وإن لم يحكم لها
بحكم الكتابة إذا لفظ فيها بلفظ الكتابة على
ما وقع من وقله في سماع أصبغ بعد هذا ، فأحرى
أن لا يحكم لها بحكم الكتابة .
وتفرقة أصبغ على ما يظهر من مذهبه بين أن يلفظ
بلفظ الكتابة أو لا
(15/253)
يلفظ به قول
ثالث في المسألة ، ومن حكم لها بحكم الكتابة
إذا لفظ فيها بلفظ الكتابة أو إذا لم يلفظ به
على ما ذكرناه من الاختلاف في ذلك ، فلم يراع
التعبير في الغنم الذي دفع إليه وأبطل الشرط
في تعينها وجعله مكاتباً بعدد ما زاد من الغنم
على ما دفع إليه إلى الأجل أنه سمي له أو إلى
ما يضرب له من الأجل إن لم يسم له أجلاً تلفت
الغنم التي دفع إليه أو لم تتلف ، وهو نص قول
أصبغ في هذه الرواية على أصله في أن الكتابة
على الشرط الفاسد تجوز ويبطل الشرط ، لأنه قال
: الغنم إن ماتت فهو على رأس أمره إلى حده
الذي كان يرى أو إلى أجله يريد الذي سمي إن
سمي أجلاً ، وبين ما ذكرناه من أن الكتابة على
مذهب من يجيزها إنما يراها كتابة بما زاد
العدد على ما دفع إليه قوله إن الغنم الذي دفع
إليه محسوبة له كانت حية أو ميتة ماتت في يديه
أو بعد أن دفعها إلى سيده ، فإن كان كتابته
بأن دفع إليه مائة من الغنم على أنه حر إذا
بلغت ثلاثماية فإنما هو مكاتب بما يتبين ، لأن
الماية التي دفع إليه محسوبة له في كل حال في
الثلاث الماية التي كاتبه عليها ، كانت حية أو
ميتة ، ماتت في يديه أو بعد أن ردها إلى سيده
، ومن رآها كتابة لم يضرها عنده الدين
المستحدث على ما قاله أصبغ في هذه الرواية ،
ومن لم يرها كتابة وإنما جعله عتقاً بشرط بلوغ
الغنم العدد الذي سمي في حياته رأي الدين
المستحدث يبطله على ما قاله ابن القاسم في أول
سماع أصبغ ، فكل واحد منهما شيء على أصله .
ولما سأله يحيى في هذه الرواية هل له على أصله
فيها أنها ليست بكتابة أني بيع العبد أو الغنم
أو يدله منها لما خشي من تضييعه إياها سكت له
عن الجواب على ذلك ، فأما إدالته منها وإدخال
غيره مكانه فيها فلا إشكال في أن ذلك له ،
وأما بيعه للعبد أو الغنم فيجري على ذلك على
اختلاف قول مالك وابن القاسم في الذي يقول
لعبده أنت حر إذا قدم فلان هل له أن يبيعه أم
لا ؟ لأنه لم يجعلها كتابة وإنما رآه معتقاً
إلى قد يأتي وقد لا يأتي ، فأشبه قوله أنت حر
إذا قدم فلان والله أعلم ، وفي المدنية لابن
القاسم من رواية عيسى
(15/254)
عنه مثل نص
قوله في هذه الرواية ، وفيها لابن كنانة أنه
سئل عن رجل قال لغلامه أكاتبك على أن أعطيك
عشر بقرات ، فإذا صارت خمسين فأنت حر فهذه
كتابتك ، فرضي بذلك العبد . قال ليست هذه
كتابة ومتى ما علم بهذا فسخ ، قال : ولكنه إن
جاء بالبقرات وقد صارت خمسين قبل أن يعلم بها
ونسيده حي عتق ، قال : فإن مات السيد لم تكن
تلك الكتابة شيئاً وكان موروثاً هو والبقرات ،
وليس قول ابن كنانة مخالفاً لقول ابن القاسم ،
لأن معنى قوله إنها ليست بكتابة ويفسخ متى ما
علم بها يريد ويكون الحكم فيها إذا فسخت ما
قاله بعد ذلك من أنه يعتق إن صارت البقرات
خمسين في حياة سيده ، وهو نص قول ابن القاسم
في المدنية وفي هذه الرواية خلاف قوله في رسم
إن خرجت من سماع عيسى من كتاب العتق وخلاف قول
أصبغ أيضا ، وبالله التوفيق .
من سماع محمد
ابن خالد من ابن القاسم
قال محمد ابن خالد سألت ابن القاسم عن رجل
أوصى ورثته فقال : إن أعطتكم فلانة – في جارية
له – ثلاثين ديناراً فاعتقوها فغفل ورثته عنها
من بعد موته حتى ولدت ، ثم إنهم اقتضوا منها
الثلاثين ديناراً فأعطتها إياهم هل تعتق هي
وولدها ؟
فقال : لا يعتق غيرها وقد سألني عنها رجل
بالإسكندرية فأخبرته مثل ما أخبرتك فقال لي
إنها وقعت فكتب بها إلى مالك فأجاب فيها
بجوابك ، قلت لابن القاسم : فرجل قال لجاريته
إن جئتني بمائة دينار إلى سنة فأنت حرة فقبلت
، ثم إنها ولدت من قبل أن تأتي السنة هل تعتق
هي وولدها إن هي أعطته الماية أو هل يبيعها
(15/255)
من قبل أن تأتي
السنة ، قال ابن القاسم : أما ولدها فلا يعتق
معها وليس له أن يبيعها حتى تعطي الماية عند
السنة أو لا يعطي .
قال محمد بن رشد : أما قوله في المسألة الأولى
إن ولد الجارية لا يعتق معها إن أعطتهم
الثلاثين فهو بين على ما قاله ، لأنها ولدت
الولد قبل أن يجب لها العتق إذ هي مخيرة بين
أن تعطي الثلاثين أو تعطها ، ويدخل في ذلك من
الاختلاف بالمعنى ما في دخول ولد المحلوف
بحريتها معها في اليمين التي الحالف فيها على
بر ، وقد مضى ذلك في غيرما موضع من كتاب العتق
وغيره .
وأما قوله في المسألة الثانية إن ولدها لا
يعتق معها فهو بعيد مخالف للأصول ، لأنهم
مجمعون على أن ولد المكاتبة يدخل معها في
كتابته ، وهذه كتابة بينة إذا قبلت ما أعطاها
السيد إذ لا وجه لقبولها ذلك إلا التزامه ،
وإذا التزمته صارت كالمكاتبة لم يكن لها أن لا
تؤدي المائة عند السنة وتعجز نفسها إلا أن لا
يكون لها مال ظاهر ، ووجه ما ذهب إليه ابن
القاسم أنها إنما قبلت أن يكون إليها ما جعل
إليها من أن تأتي بالمائة إن شاءت فعتعق أو لا
تأتي بها فلا تعتق ، وهذا بعيد لأن ذلك يجب
لها بقول السيد وإن لم تقل قد قبلت وقد مضى في
رسم الصبرة من سماع يحيى من كتاب العتق ما فيه
بيان هذا العتق وبالله التوفيق .
ومن سماع
سحنون وسؤاله ابن القاسم
قال سحنون : وسألت ابن القاسم عن المكاتب
يكاتب عبده فيعتق الأسفل ثم يموت عن ماله
وللمكاتب الأول أولاد أحرار من امرأة حرة
وأولاد أحرار كانوا معه في الكتابة عجل السيد
عتقهم
(15/256)
برضاه أيرثون
هذا المكاتب الأسفل إذا مات وقد أعتق ؟ قال :
لا .
قلت له فإن كان المكاتب الأول بقي معه في
كتابة بعض ولده فمات وترك مالاً فيه وفاء ؟
قال ابن القاسم يؤدي الذين معه في الكتابة
بقية الكتابة ويكون بقية المال بينهم دون
الأحرار الذين عجل عتقهم وغيرهم .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال من أن ميراث
مكاتب المكاتب إذا أعتق لا يكون لولد سيده
المكاتب له الأحرار ما دام على كتابته ، لأن
ولاء المكاتب الأسفل إذا عتق إنما هو للمولى
الأعلى ما دام المولى الأسفل على كتابته ، فإن
أدى كتابته رجع ولاء كتابته ، فما لم يؤد
كتابته لم يجب له ولاء من أعتق من مكاتبيه ،
فما لم يجب له لا يصح أن يرثه عنه ورثته
الأحرار .
وقوله إن المكاتب الأول إذا مات وترك مالاً
فيه وفاء بكتابته وله ولد معه في كتابته وولد
أحرار إن ولده الذين معه في كتابته يؤدون مما
ترك بقية كتابته ويكون ما فضل لهم دون ولده
الأحرار ، فهذا نص قوله في المدونة والموطأ
وغيرهما من الدواوين ، ولا اختلاف أحفظه في
أنهم أحق بميراث أبيهم من ولده الأحرار إذا
مات وترك وفاء من كتابته وفضلاً وإنما يختلف
هل يكون أحد منهم بولاء مكاتب أبيهم الذي أدى
فعتق قبل موته فقيل إن الولاء لا ينجر إليهم
عن أبيهم إذا أدوا كتابته مما ترك ويكونون أحق
به من ولده الأحرار ، وقيل إنهم لا يكونون أحق
منهم ويدخلون معهم ، اختلف قول مالك ، وقع
اختلاف قوله في ذلك في المبسوطة ، وقال ابن
كنانة ليس لواحد منهم من ولاء مكاتب أبيهم شيء
لأنه مات قبل أن يعتق ، فولاء مكاتبه للسيد
ولو أدى كتابته فعتق قبل أن يموت لرجع إليه
ولاء مكاتبه وورثه عنه جميع ولده الذين كانوا
معه في كتابته والأحرار الذين لم يدخلوا معه
في كتابته ، ولو مات ولم يترك
(15/257)
وفاء من كتابته
فسعى ولده في بقيتها فعتقوا لم يكن لهم من
ولاء مكاتبه شيء ولا للأحرار الذين لم يدخلوا
في الكتابة ، وكان ولاؤه للسيد ، فقف على
افتراق هذه المواضع الثلاثة إذا أدى المكاتب
كتابته في حياته ، وإذا أداها بنوه مما تخلفه
وفاء بها فسعوا في بقيتها ، وقد مضى في رسم إن
خرجت من سماع عيسى تحصيل الاختلاف فيمن يرث
المكاتب ممن هو معه في كتابته إذا مات قبل أن
يؤدي كتابته فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق
.
مسألة
وقال ابن القاسم في المكاتب يموت ويترك أم
ولده وولداً له منها أو من غيرها وترك المكاتب
مالاً فيؤدي عنه فيعتقوا ، قال : لا يرجعون
عليه بشيء وكذلك لو لم يترك مالاً فسعوا عتقت
بأدائهم .
قلت : فإن لم يكونوا ولدها ولكنهم ولد المكاتب
من غيرها ؟
قال : هم بمنزلة ولدها ، قلت : فإن إخوة
المكاتب وليس معها ولد وقد ترك وفاء أو لم
يترك وفاء ؟ قال سواء ، يعتق الإخوة وتكون أما
لهم ، وإنما تتم حرمتها مع ولده منها ومن
غيرها .
قال محمد بن رشد : قوله إن المكاتب إذا مات
وترك وفاء بكتابته وله أم ولد وولد منها أو من
غيرها فيؤدي عنهم فيعتقون إن الولد لا يرجعون
على أم الولد بشيء كانت أمهم أو لم تكن أمهم ،
صحيح ، لأنه لو أدى هذا الكتابة لم يرجع على
أم ولده بشيء ، فكذلك لا يرجعون هم عليها بما
أدوا من ماله ، كانت أمهم أو لم تكن أمهم ،
ولو لم يترك مالا فعتقت بسعيهم رجعوا عليها
بما أدوا عنها إن لم تكن أمهم على مذهب ابن
القاسم ، إذ ليست ممن تعتق عليه ، ولم يرجعوا
عليها على مذهب أشهب في أن المكاتب لا يرجع
على من معه في الكتابة بما أدى عنه إذا كان من
ذوي محارمة وإن كان مما لا يعتق عليه ، وقد
مضى هذا من قول أشهب والاختلاف
(15/258)
فيه في رسم إن
خرجت من سماع عيسى .
وأما قوله إن لم يترك المكاتب ولداً وترك إخوة
فسواء ترك وفاء أو لم يترك لا يعتق الولد بعتق
الإخوة وتكون أمة لهم هو مذهب ابن القاسم
وروايته عن مالك في المدونة وغيرها ، ولأشهب
في كتاب ابن المواز أنه إن ترك وفاء عتقت مع
الأب والأخ ، وإن لم يترك وفاء رقت ولا تعلق
في سعيها بعد ذلك ، فاتفق ابن القاسم وأشهب
على أنها تسعى مع الولد ولا تسعى مع الأب
والأخ ، واختلفا هل تعتق بعتقهما إذا ترك وفاء
؟ فقال ابن القاسم إنها لا تعتق بعتقهما ،
وقال أشهب إنها تعتق بعتقهما وبالله التوفيق .
مسألة
قال وسألت ابن القاسم عن الرجل يطأ أم ولد
مكاتبه فتحمل منه .
قال : يحال بين المكاتب وبين وطئها حتى ينظر
إلى ما يصير إليه حال المكاتب ، فإن أدى عتق
وكانت أم ولده ، وإن عجز كانت أم ولد السيد .
قلت لابن القاسم : فإن خاف العجز فأراد بيعها
؟ قال : لا يبيعها ولكن يكون على السيد قيمتها
يوم تؤخذ ويعتق المكاتب فيها ، فإن فضل شيء
كان له .
قلت لابن القاسم : فالولد ألا يأخذ المكاتب
قيمته يستعين بها في كتابته ؟ قال : لا وهو في
القندان على خلاف هذا .
قال محمد بن رشد : إنما قال إن السيد لا يجب
عليه لمكاتبه شيء في أم ولده إذا وطئها فحملت
منه وهو لا يخاف العجز من أجل أن أمرها لا
يخلو من أن تصير ملكاً له إن عجز أو حرة إن
أدى كتابته ولم يعجز ، وفي كلا
(15/259)
الحالتين تسقط
القيمة عن السيد ، هذا وجه قول ابن القاسم ،
وفيه نظر ، ولأنه قد أفسدها على المكاتب ومنعه
ما كان له من الاستماع بها ، فكان القياس أن
تكون عليه قيمتها كما لو قتلها هو أو رجل غيره
، ولما لم ير عليه ابن القاسم قيمتها للوجه
الذي ذكرناه لم ير عليه أيضاً في الولد قيمة
وقال : الجواب فيها الفندان على خلاف هذا ،
فيحتمل أن يكون الذي في القندان أن يؤخذ من
السيد الواطئ قيمة ولده على أنه ولد أم ولد
فيوقف ، فإن أدى أو عجز رجعت القيمة إليه
لأنها إذا أدت أو عجزت سقط حقه فيها [ وإذا
سقط حقه فيها ] سقط في ولدها ، وإن ماتت قبل
أن تؤدي أو تعجز كانت له القيمة يستعين بها في
كتابته ، وأما إذا خاف المكاتب العجز فكان له
أن يبيعها من أجل خوفه العجز ، فقوله إنه يكون
على السيد الواطئ قيمتها يوم تؤخذ منه ويعتق
المكاتب فيها فهو مثل ما في كتاب ابن المواز
لابن القاسم في سيد المكاتب يطأ أمة مكاتبه
فتحمل أنها يعتق فيما لزمه من قيمتها ، لأن أم
ولده تصبر في هذا الحد كأمته في أن له بيعها ،
وقد مضى في رسم العرية من سماع عيسى اعتراض
محمد ابن المواز قول ابن القاسم في أنه يعتق
فيما لزم السيد من قيمة أمته ووجه العمل في
ذلك وما في المدونة فيه ، فلا معنى لإعادته .
مسألة
قال وسألت ابن القاسم عن المكاتب إذا أعتق
السيد أمته ثم عجز المكاتب وهي عنده أيعتق أم
لا ؟ قال : نعم ، قلت : وكيف إن خاف العجز أله
أن يبيعها أم لا ؟ أو لم يخف العجز أله أن
يبيعها ؟ قال : نعم ، قلت : وكيف إن خاف العجز
أو لم يخف ولا
(15/260)
يعتق على السيد
إلا وهي عنده ؟ وإن فيه لقولا ولكن هذا أحسنه
إن شاء الله .
قال محمد بن رشد : هذا صحيح على قياس قوله في
المدونة في المكاتبين في كتابة واحدة يعتق
السيد أحدهم ممن فيه قوة على السعاية فلا يرضى
أصحابه ثم يعجزون : إنهم يعتق عليه ، وكذلك
أيضا لو أعتق المكاتب أو العبد عبده فرد ذلك
السيد ثم أعتق العبد أو أدى المكاتب كتابته
والعبد عنده إنه يعتق على كل واحد منهما
واختلف .
وقد اختلف في المرأة تعتق العبد وهو أكثر من
ثلث مالها فيرده الزوج ثم يموت عنها أو يطلقها
، فقيل إنه يعتق عليها ، وهو قول مطرف وابن
الماجشون وأصبح ، وقيل إنه لا يعتق عليها وهو
قول أشهب ، وقيل إنها تؤمر بذلك ولا تجبر عليه
، وهو قول ابن القاسم ، والاختلاف في هذه
المسألة داخل في مسألتنا ، لأنه إذا لم يلزم
ذلك المرأة فأحرى أن لا يلزم ذلك السيد ،
فالاختلاف من مذهب ابن القاسم قائم من مسألتنا
هذه ، وقد أشار إلى هذا بقوله وإن فيه لقولا
ولكن هذا أحسنه ولا اختلاف في أن له أن يبيع
خاف أو لم يخف ، وبالله التوفيق .
مسألة
قال ابن القاسم في المكاتب بين الشركاء فيبتاع
أم المكاتب من بعض الشركاء فيه جزءا مما على
المكاتب ، قال : سألت مالكاً على المكاتب يكون
بين الرجلين فيريد أحدهما بيع نصيبه بإذن
شريكه ، قال : لا يجوز إلا أن يبيعاه جميعاً ،
فلام عندي بمنزلته إلا أن يبتاعه كله أو لا
يبتاع منه شيئاً .
(15/261)
قال محمد بن
رشد : هذا كما قال إن الأم بمنزلة الأجنبي في
ابتياع بعض كتابة المكاتبة ، إذ لا يعتق
المكاتب بابتياع أمه جزءاً من كتابته ، وإنما
يعتق إذا ابتاعه كتابته كلها ، لأنها تسقط عنه
بابتياعها له على ما مضى في رسم يشتري الدور
من سماع يحيى فيعتق بذلك ، وقد مضى تحصيل
الاختلاف في بيع جزء من كتابة المكاتب في رسم
نذر سنة من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته
، وتكررت المسألة في رسم الكبش من سماع يحيى
وفي رسم المدبر من سماع أصبغ وبالله التوفيق .
من سماع موسى ابن معاوية من ابن القاسم
قال موسى ابن معاوية : قال ابن القاسم في رجل
أعطى رجلاً كتابة مكاتبه في صحته فعجز عن
المعطي ، فقال مالك : هو الذي وهبت له كتابته
، وهو بمنزلة من ابتاعه ، وكذلك قال لي مالك ،
قال أبو زيد ابن أبي الغمر عن ابن القاسم :
ولو أن رجلاً أعطى رجلاً في حياته وضحته كتابة
مكاتبه فعجز عنه المعطي كانت رقبته لسيده
المعطي .
قال محمد بن رشد : رواية أبي زيد هذه خلاف ما
يأتي له في سماعه بعد هذا ، مثل رواية مسوى ،
وقد ذكر ابن المواز عن مالك فيمن وهب لرجل نصف
كتابته أو جلها ثم عجز فإن له بقدر ذلك من
رقبته ملكاً مثل البيع ، وقاله أشهب وأصبغ ،
وذكر أبو بكر ابن محمد عن أشهب مثل رواية أبي
زيد هذه ، والقياس أن لا فرق في هذا بين البيع
والهبة ، وأن تكون له رقبته إذا وهبت له
كتابته فعجز عما كان يكون له إذا اشتراها فعجز
، وكذلك إذا وهب له منها جزءاً أو نجماً بغير
عينه فعجز يكون له من رقبته بقدر ذلك الجزء أو
بقدر النجم من عدد النجم ، ورأى على إحدى
روايتي أبي زيد وأحد قولي أشهب
(15/262)
أن الواهب
للكتابة إذا قصد إلى هبة المال لا إلى هبة
الكتابة على ما يوجبه الحكم في شرائها من أن
تكون له الرقبة إن عجز عنها ، وليس ذلك بين
وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل ابن القاسم عن العبد تكون له أم ولد
فيكاتبه سيده عليها ويجعل كتابتهما واحدة ،
قال : يحرم فرجها على سيده ويكون ذلك
كالانتزاع منه .
قال محمد بن رشد : هذا بين على ما قاله لأنه
إذا كاتبها معه فقد انتزعها منه فوجب أن تحرم
بذلك عليه ، وبالله التوفيق .
مسألة
قال ابن القاسم في المكاتب يقول لسيده : أمح
عني كتابتي وارددني على حالي التي كنت عليها
هل له أن يفعل ذلك به ؟ قال ابن القاسم :
سألنا مالكاً عن المكاتب يعجز نفسه ويرضى بفسخ
الكتابة وسمعته غير مرة وهو يقول : إن كان له
مال ظاهر لم يكن له أن يعجز نفسه ، وإن كان له
مال صامت لا يعرف وعجز نفسه ورضي بفسخ الكتابة
رأيت ذلك له دون السلطان .
قال محمد بن رشد : هذا نص ما في المدونة وهو
المشهور في المذهب أن المكاتب ليس له أن يعجز
نفسه إذا كان له مال ظاهر وإن رضي بذلك سيده ،
لأن الكتابة يتعلق فيها حق الله تعالى ، وقيل
إن للمكاتب أن يعجز نفسه وإن كان له مال ظاهر
ما لم يكن له بنون صغار ، قاله ابن عبد الحكم
في مختصره عن مالك ، ومعناه إذا رضي بذلك سيده
خلافاً للشافعي في قوله إن ذلك له وإن أبق
سيده بالكتابة على رواية ابن عبد الحكم عن
مالك
(15/263)
كالبيع الذي لا
يتعلق فيه حق لغير المتبايعين فتجوز الإقالة
بينهما فيه ، والقول الأول أظهر ، لأن الكتابة
عقد من عقود الحرية فلا يجوز إبطاله إلا من
ضرورة ، والشافعي لا يرى في الكتابة حقاً إلا
للعبد فيراه أحق بالتمسك بها وبنقضها ، وقول
مالك أصح لأنها عقد معاوضة بتراضيها ، فإذا لم
يكن للسيد الرجوع فيه وجب أن لا يكون للعبد
الرجوع فيه .
وأما إذا لم يكن للمكاتب مال ظاهر فجحد أن
يكون له مال باطن وأراد أن يعجز نفسه وابى
السيد ذلك عليه لم يكن له ذلك إلا بإذن
السلطان كما أنه أراد السيد تعجيزه وأبى هو من
ذلك لم يكن ذلك إلا بالسلطان .
واختلف إذا أجابه سيده إلى ما دعا إليه من
تعجزيه نفسه وصدقه فيما أدعاه من أنه لا مال
له ، فقال في هذه الرواية وفي المدونة إن ذلك
له دون السلطان ، فإن عجز نفسه يرضى سيده دون
السلطان ثم ظهرت له أموال أخفاها مضى التعجيز
وبقي رقيقاً ولم يرجع في الكتابة إلا برضاهما
جميعاً ، وقال سحنون لا يكون التعجيز إلا عند
السلطان ، وهو قول ابن كنانة في المدنية ،
فعلى قولهما إن عجز نفسه برضى سيده دون
السلطان ثم ظهرت له أموال كان أخفاها وجب أن
يرد على كتابته ، وهذا القول أظهر على قياس
القول بأن الكتابة يتعلق بها حق لله تعالى ،
فلا يجوز للمكاتب أن يعجز نفسه إذا كان له مال
ظاهر وإن رضي سيده ، لأنه إذا لم يكن له مال
ظاهر فرضي سيده دون السلطان أتهما جميعاً على
إسقاط حق الله تعالى في إبطال الكتابة ،
والسلطان يكشف عن حال المكاتب إذا ارتفعا إليه
ورضينا بالتعجيز ، فإن تبين له كذبه فيما يدعي
من أنه لا مال له لم يمكنه من تعجيز نفسه ،
وقد قال ابن القاسم في كتاب ابن المواز : إنه
إن اتهم بمال ولدد رأيت عليه العقوبة ، وله أن
يعجز نفسه إذا لم يكن له مال وإن كان صانعاً ،
قاله ابن القاسم في كتاب ابن المواز ، قال
محمد ، وأما إن كان له مال ظاهر فلا يعجز نفسه
ويؤخذ منه لسيده شاء أو أبى يريد بعد محله
ويعتق وبالله التوفيق .
(15/264)
من سماع أصبغ
من ابن القاسم
قال أصبغ : سئل ابن القاسم عمن قال لغلامه
أكاتبك على أن أعطيك عشر بقرات فإذا صارت
خمسين فأنت حر هذه كتابتك ، فرضي الغلام بذلك
، قال ليست هذه عندي كتابة ولا أرى لسيده أن
يفسخها لما جعل له من العتق ، وهو عندي مثل ما
يقول رجل إشهدوا إذا بلغت بقري هذه خمسين
فغلامي حر ، ويعطيه إياها ، وليس له أن يبيعها
ولا يفسخ ما جعل له إلا أن يرهقه قال أصبغ :
لا يعجبني قوله ، واراها كتابة ، وقد يجوز في
الكتابة الغرر والمجهول من المال والأجال ،
ومن لفظ الكتابة وفعلها ما هو أكبر من هذا
وأشد ، ولا أرى أن يفسخ عنه حتى يتبين عجزه
عما قال بأمر بين .
قال محمد بن رشد : أصبغ يراها كتابة جائزة فلا
يبطلها الدين المستحدث على أصله ومذهبه ، وقد
نص على ذلك في رسم أول عبد ابتاعه فهو حر من
سماع يحيى ، وإلى قوله ذهب أحمد ابن ميسر فقال
إن له بيع الذكور وأحصى عددها وكذلك الإناث
التي انقطع ولادتها ولا يفسخ ما جعل له وإن
رهقه دين ، وقد مضى الكلام على هذه المسألة
مستوفي في الرسم المذكور من سماع يحيى فلا
معنى لإعادته ، وإنما قال أحمد إن له بيع
الذكور والإناث التي انقطع ولادتها وأحصى
عددها لأن من حقه أن يعدها على سيده في العدد
الذي كاتبه عليه كما يعد عليه ما مات منها على
ما قاله أصبغ فيما مضى من رسم سماع يحيى ، وقد
بينا وجهه وبالله التوفيق .
من كتاب المدبر
قال أصبغ : سمعت ابن القاسم يقول في الذي
يكاتب عبده
(15/265)
ويشترط عليه
غير ما مضى من عمل الناس في الكتابة وغير وجه
الكتابة مثل أن لا يخرج من عمله وخدمته حتى
يؤدي ، وما أشبه ذلك .
فقال : أراه على كتابته ، والكتابة ثابتة
لازمة حتى يعجز ، والشرط لازم ولا يفسخ عنه
لأنه ليس فيه حرام من واحد منهما لصاحبه ،
وإنما هو رجل قاله له إن دفعت إلي عشرة دنانير
في كل شهر مع خدمتك إياي فأنت حر فهو جايز ،
وغيره أحسن منه مما يعرف من وجه الكتابة ،
ولهذا جاز أن يشترط عليه أن يسافر معه ، قال :
وإن كانت خدمته بعد قضاء الكتابة بطلت عنه ،
قال أصبغ : لا يعجبني ما قال في إلزامه الشرط
، ولكن أرأيت إن ثبتت الكتابة وسقط الشرط
كالذي يشترط وطء الأمة في كتابتها أو استثناء
ولدها مما تلد أو مما يولد للمكاتب من أمته
بعد ذلك رقيقا وتمضي الكتابة على سنتها حتى
يعجز ويسقط الشرط ولا يكون له أن يطأ ولا يرد
الولد في الرق ، ولا تبطل الكتابة لشرطه ،
فكذلك الخدمة ونحوها إلا خذمة موقته بسفر وما
أشبهها حتى يعتق .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة قد مضى الكلام
عليها مستوفي في سماع أشهب فلا وجه لإعادته .
مسألة
وسئل عن بيع جزء من المكاتب نصفه أو ثلثه أو
جزء منه .
قال لا بأس بذلك ، ولا بأس أن يبيع نجماً من
نجوم المكاتب ، وذلك يرجع إلى أن يكون جزءا
وذلك إذا اشترى نجما من جميع نجومه وليس نجماً
بعينه ، وقاله أصبغ .
(15/266)
قال محمد بن
رشد : هذا من قول ابن القاسم خلاف ما مضي من
قول مالك في سماع يحيى وسحنون وفي رسم نذر سنة
من سماع ابن القاسم مثل قول أصبغ وسحنون فيه ،
وقد مضى هنالك القول على ذلك مستوفي فلا معنى
لإعادته وبالله التوفيق .
ومن كتاب الوصايا
قال أصبغ وسمعت ابن القاسم وسئل عمن أوصى
بخدمة جارية للابن له حياته فإذا مات كوتبت
بعشرين ديناراً .
فقال : إن وسعها الثلث وقفت نجوم الابن إن
أجاز له الورثة الخدمة وإن أبوا أن يجيزوا
الخدمة اقتسموا الخدمة على الفرائض ما عاش
الابن الموصي له بالخدمة ، فإذا مات كوتبت
بعشرين ديناراً كما أوصى الميت ، وتكون تلك
الكتابة إن أدت بين من ورث الميت على فرائض
الله ، وتعتق إن أدت ، وإن عجزت رقت وكانت بين
من ورثه الميت على الفرائض رقيقا لهم ، قال
أصبغ وولاؤها إن أدت وعتقت للميت الموصي
بكتابها وعصبته الذين يرثون الولاء من الرجال
، قال أصبغ قال ابن القاسم : وإن لم يحملها
الثلث خير الورثة بين أن ينفذ ما أوصى له به ،
قال أصبغ : فإن أنفذوا ذلك كان كخروجها من
الثلث على مجرى ذلك سواء ، قال ابن القاسم :
وتكون موقوفة على الابن في خدمتها إلى الأجل ،
ويقتسمون الخدمة معه إن لم يجيزوا له خدمة
خاصة ويكاتبوها بعد ذلك ، قال أصبغ وبين أن
يعجلوا لها الكتابة الساعة وتسقط الخدمة وتسعي
فيها فتؤدي وتعتق أو تعجز فترق أو يعتقوا منها
ما حمل الثلث بتلا ، ويسقط ما سوى ذلك كله إذا
أبوا ما فوقه .
(15/267)
قال محمد بن
رشد : هذه مسألة صحيحة بينة لا إشكال فيها ولا
موضع للقول إلا قول أصبغ إذا لم يحملها الثلث
إن الورثة يخيرون بين أن ينفذوا الوصية أو
يعجلوا لها الكتابة وتسقط الخدمة ويعتقوا منها
ما حمل الثلث بتلا ، فإنما يكون ما ذكره من
تعجيل الكتابة وإسقاط الخدمة إذا اتفق الورثة
كلهم على ذلك الموصي له بالخدمة ومن سواه منهم
، فإن أبى ذلك أحدهم أعتق منها ما حمل الثلث
بتلا إلا أن يجيزوا الوصية على وجهها ، وقد
تكررت هذه المسألة في آخر سماع موسى ابن
معاوية وزاد فيها هذه الزيادة من قول ابن
القاسم ، وبالله التوفيق .
مسألة
وقال في رجل أوصى لثلاثة نفر بكتابة مكاتبه ،
أوصى لرجل بالنجم الأول ، وللثاني بالنجم
الثاني ، وللثالث بالنجم الثالث ، فعجز
المكاتب بعد ما قبض الأولان ، قال يرجع بين
الثلاثة نفر رقيقاً ويكون لكل واحد منهم بقيمة
نجمه منه ولا يرجع الآخر على الأولين بشيء مما
أخذا .
قال محمد بن رشد : المعنى في هذه المسألة وفي
مسألة رسم الوصايا الصغير بعد هذا أن الموصي
لهم بجميع كتابة مكاتبه ، ثم قال يأخذ فلان
منهم منها النجم الأول ، وفلان النجم الثاني
وفلان النجم الثالث .
وأما لو أوصى لأحد منهم بالنجم الأول من نجوم
مكاتبه ، وللثاني بالنجم الثاني ، وللثالث
بالنجم الثاني ، وللثالث بالنجم الثالث دون أن
يتقدم من إيصائه لهم بجميع كتابته ما يكون هذا
من قوله تفسيراً لما يأخذه كل واحد منهم من
الكتابة التي أوصى لجميعهم بها لما كانت رقبته
إن عجز إلا للموصي له بآخر نجم منها ، لأن من
أوصي له بنجم بعينه من نجوم مكاتبه لو اشتراه
أو وهب له لم يكن له حق في رقبته إن عجز
باتفاق إلا أن يكون النجم الذي اشتراه أو وهب
إياه أو
(15/268)
أوصى له به آخر
نجوم المكاتب ، فيكون بمنزلة من اشترى جميع
الكتابة أو وهبت له وأوصى له بها في أنه يكون
له رقبته إن عجز فرده .
قوله في هذه الرواية إذا أوصى لهم بجميع كتابة
مكاتبه وقال أن يأخذ أحدهم منها النجم الأول ،
والثاني النجم الثاني ، والثالث النجم الثالث
، فقبض الأول النجم الأول ، والثاني النجم
الثاني ، ثم عجز المكاتب في النجم الثالث :
إنه يرجع رقيقا بين الثلاثة نفر على قدر قيمة
نجومهم ، ولا يكون للآخر رجوع على الأولين
بشيء مما أخذا هو أن الأول والثاني إنما قبضا
حقهما الذي أوصى لهما به من غير أن يبديهما
الثالث ، فوجب أن لا يكون له عليهما به رجوع
قياسا على ما قالوا في المكاتب بين الشريكين
يحل عليه نجم من النجوم فقبض أحدهما حقه منه
وينظره الآخر بنصيبه منه ، ثم يعجز في النجم
الثاني إنه يكون رقيقا بينهما ، ولا يكون
للثاني رجوع على الأول بما قبض من النجم الأول
لأنه إنما قبض حقه منه دون أن يبديه به صاحبه
على ما قال في رسم الكبش من سماع يحيى ،
وبالله التوفيق .
مسألة
قلت فلو أوصى لرجل بنجم من نجوم مكاتبه فقال
الورثة : نحن ندفع إليك نجما ، وقال هو : لا
أرضى لعله أن يعجز فيكون لي فيه حق .
قال : إن كان النجم لم يحل فذلك له ، وإن حل
فذلك لهم .
قال محمد بن رشد : المعنى في هذه المسألة أن
النجم الذي أوصى له به هو آخر نجم من نجوم
المكاتب ، لأن من أوصي له بنجم بعينه من نجوم
المكاتب وليس بآخر نجم من نجومه فلا حق له في
رقبة المكاتب إن عجز .
(15/269)
وقوله إن كان
النجم لم يحل فمن حق الموصي له أن لا يعجل له
وأن يبقى حقه على المكاتب رجاء أن يعجز فيكون
له في رقبته حق خلاف قوله في رسم الوصايا
الصغير من سماع أصبغ من كتاب الوصايا في الذي
يوصي لرجل بألف درهم على مكاتبه ، فقال الورثة
للموصي له : نحن نعطيك الألف وتكون جميع
الكتابة لنا والعبد ، فأبى ذلك وقال يكون لي
في العبد والكتابة لعله يعجز ، قال ليس ذلك له
، لأن الظاهر من قوله فيها إن الكتابة لم تحل
فإذا لم يكن للموصي له في ذلك حق وإن كانت لم
تحل فإذا لم يكن للموصي له في ذلك حق وإن كانت
لم تحل فأحرى أن لا يكون له في ذلك حق إن كانت
قد حلت .
والاختلاف في هذا جار على الاختلاف فيمن وهب
كتابة مكاتب فعجز هل تكون له رقبته أو للواهب
؟ وقد مضى ذكر ذلك في سماع موسى ، وقد قيل إن
تفرقته في هذه الرواية بين أن يحل النجم أو لا
يحل مبين لما في سماع أصبغ من كتاب الوصايا لا
خلاف له ، إذ لا نص فيه على أن الألف لم تحل ،
فمعناه إنها قد حلت .
فيأتي هذا فيمن وهب كتابة مكاتب فعجز عنه
ثلاثة أقوال فيمن تكون له الرقبة ؟ أحدهما
أنها تكون للواهب بخلاف البيع ، والثاني أنها
تكون للموهوب كالبيع ، والثالث الفرق بين أن
يكون قد حلت الكتابة أو لم تحل ، وبالله
التوفيق .
ومن كتاب الوصايا الصغير
وسئل ابن القاسم عن المكاتب يموت سيده وعليه
ثلاثة آلاف فيوصي لرجل بالأولى وآخر بالثانية
، ولآخر بالثالثة ، فيستوفي الأولان منه ، ثم
يعجز العبد قال : إن ردا ما أخذا رجع
أنصباؤهما في العبد ، وإن لم يردا رجع ما كان
نصيبهما من العبد إلى ورثة الميت
(15/270)
الموصي ، قيل
له : الذي يرد أن إلى من يرد أنه ؟ قال : إلى
العبد يكون في يديه .
قال محمد بن رشد : قد تقدم من قولي في الرسم
الذي قبل هذا أن معنى هذه المسألة أنه أوصى
لهم بجميع الكتابة ، ثم فسر ما يأخذ كل واحد
منهم منها من النجوم .
وقوله في هذه المسألة إنهما إن ردا ما أخذا
رجع إنصباؤهما في العبد ، وإن لم يردا رجع ما
كان يصيبهما من العبد إلى ورثة الموصي خلاف ما
تقدم من قوله في الرسم الذي قبل هذا ، ولكلا
القولين وجه ، وقد مضى وجه القول المتقدم ووجه
هذا أن الموصي لما أوصى لهم بالكتابة معاً ثم
بين ما يأخذ كل واحد منهم منها فقد ساوى بينهم
في الوصية إلا فيما بدى بعضهم على بعض ، فوجب
إذا قبض الأولان نجميهما ثم عجز في النجم
الثالث أن لا يكون للأولين مشاركة الثالث في
رقبة المكاتب إلا أن يردا عليه ما يجب له مما
قبضا من المكاتب ، وهو ثلث ما قبضا منه ، وهو
معنى قوله إنهما يردان ذلك إلى العبد لأنهما
إذا ردا ذلك إلى العبد ورجعا معه في رقبته فقد
استووا جميعا فيه ، وفيما قبضا منه ، ولا
يلزمهما أن يردا إلى الثالث ما يجب لهما مما
قبضاه من المكاتب إذ لم يبدئهما بذلك ، ومن
حقهما أن يتمسكا بما قبضا منه ويرجع حظهما من
رقبة العبد لورثة الموصي كما قال في الرواية
ولو أوصى لهم الميت بالكتابة ولم يخص لواحد
منهم نجماً بعينه فحل النجم الأول والثاني
فبدأ أحدهم صاحبه بهما على أن يقبض هو النجم
الثالث فعجز فيه للزمهما أن يردا عليه ما يجب
له من النجمين اللذين قبضاهما ويرجعا معه في
رقبة المكاتب على ما مضى في رسم الكبش من سماع
يحيى في المكاتب بين الورثة ، وهذا القول أظهر
من القول الذي تقدم في الرسم الذي قبل هذا
وبالله التوفيق.
(15/271)
من سماع أبي
زيد
ابن أبي الغمر من ابن القاسم
قال أبو زيد : سئل ابن القاسم عمن كاتب عبده
ثم دبره ، قال : ينظر إلى أدنى القيمتين من
قيمة رقبته أو قيمة الكتابة فجعلت في ثلث
الميت .
وإن دبره ثم كاتبه لم يجعل في ثلثه إلا قيمة
رقبته .
قال محمد بن رشد : أما إذا كاتبه ثم دبره
فقوله إنه يجعل في الثلث الأقل من قيمة الرقبة
أو قيمة الكتابة فهو بين على ما قاله ، ومثله
في المدونة في الذي يوصي بعتق مكاتبه ، وقيل
الأقل من قيمة الرقبة أو عدد الكتابة ،
والقولان في المدونة .
وأما إذا دبره ثم كاتبه ففي قوله إنه يجعل في
الثلث قيمة رقبته نظر ، لأنه إنما يقوم يوم
ينظر في الثلث وهو مكاتب بعد ، فلا فرق في
القياس والنظر بين أن يدبره ثم يكاتبه ، أو
يكاتبه ثم يدبره فيما يجب أن يجعل في الثلث ،
وبالله التوفيق .
مسألة
وقال في مكاتب بين رجلين أوصى أحدهما صاحبه في
مرضه فقال ثلث النصف الذي لي في فلان المكاتب
لفلان أخي ، والثلث حر ، ثم هلك وهلك المكاتب
عن مال كيف يورث ؟ قال : على خمسة أسهم ،
فيكون لشريكه ثلاثة أسهم من خمسة ويكون للذي
أوصي له ثلث النصف سهم ، ولورثته سهم من خمسة
، وذلك بعد ما يستوفون ما لهم فيه من الكتابة
، وإن قال ذلك في صحته ثم هلك
(15/272)
المكاتب عن مال
كان للذي لم يعتق ثلاثة أسهم من ستة ، ولشريكه
سهمان من ستة ، وللذي تصدق عليه بسدس العبد
سهم من ستة ، وذلك بعد أن يستوفوا من ماله
بقيمة كتابتهم .
قال محمد بن رشد : هذا بين كله صحيح على معنى
ما في المدونة وغيرها لأن الثلث من نصف
المكاتب الذي أوصى أحد الشريكين فيه بعتقه
يعتق في ثلثه ، وإن أعتق ثلث النصف منه بقي
فيه من الرق خمسة أسداسه فيها يورث ، لأن
المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته شيء ،
والعبد لا يورث بالحرية حتى لا يبقى فيه شيء
من الرق .
وأما إذا قال ذلك في صحته فلا يوجب ذلك له
عتقاً ، لأن عتق بعض المكاتب في الصحة وضع
وليس بعتق فوجب أن يورث على أن جميعه رقيق ،
فيكون للشريك فيه نصف ميراثه ، وللمتصدق عليه
بثلث نصفه سدس ميراثه وللمتصدق المعتق ما بقي
وهو الثلث ، لأن عتقه ليس بعتق إنما هو وضع
والله الموفق .
مسألة
وقال في رجل كاتب عبداً له ، ثم وهب لرجل
نجماً من نجومه ، ثم عجز العبد.
قال : يكون له في رقبته حصة بقدر النجم الذي
وهب له .
قال محمد ابن رشد : هذا كما قال ، لأنه وهبه
نجماً من نجوم مكاتبه بغير عينه ، فقد حصل
شريكاً معه في جميع كتابته على الإشاعة بما
يقع ذلك النجم من جميع النجوم على قدر قيمة من
قيمته جميعاً ، وصار ذلك كأنهما كاتباه جميعاً
، فوجب إذا عجز في آخر النجوم أن تكون رقبته
بينهما كالمكاتب بين الشريكين يعجز ، وهذا
خلاف ما تقدم له من رواية أبي زيد عنه
(15/273)
في سماع موسى
ابن معاوية ، إذ لا فرق في هذا بين هبة جميع
الكتابة أو نجما بغير عينة ، وقد مضى هنالك
التكلم على ذلك فلا معنى لإعادته ولابن القاسم
في كتاب ابن المواز ، قال : فإن وهبه نجماً
منها بعينه في صحته فلا يكون له من رقبته شيء
إن عجز ، وكأنه هبة لمال ذلك النجم ، وقد مضى
في رسم الوصايا ورسم الوصايا الصغير أيضا من
سماع أصبغ ما ظاهره أن الموصي له بنجم بعينه
يصير له من رقبة المكاتب إن عجز بقدر ذلك
النجم من جميع الكتابة ، وهو بعيد في المعنى
فتأولناه على أنه إنما تكلم في ذلك على نجم
بغير عينه وبالله تعالى التوفيق .
مسألة
وقال في رجل أعتق مكاتبه إلى عشر سنين .
قال : يخير المكاتب بين أن يسقط الكتابة ويعتق
إلى عشر سنين أو يكون على كتابته .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال ، لأن العتق
إلى أجل عقد لازم لا يبطله شيء يحدث بعد ، فهو
أوجب من الكتابة ، إذ قد يعجز عنها فيرجع
رقيقاً ، فلذلك قال : إنه يخير بين أن يسقط
الكتابة عن نفسه ويبقى معتقاً إلى أجل ، وبين
أن تبقى كتابته ، وإنما يخير بين الأمرين ما
لم ينفذ عتقه إلى الأجل ، وأما إن أنفذه فإما
أن يخير بين أن يسقط الكتابة وبين أن يبقى على
كتابته مع العتق المؤجل ، فإن أدى كتابته قبل
الأجل خرج حراً بأداء الكتابة وإن حل الأجل
قبل الكتابة سقط عنه ما بقي عليه منها وخرج
حراً ، وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل عن مكاتب بين ثلاثة نفر ، قاطعه أحدهم
بإذن صاحبه وتمسك الثاني ، ووضع الثالث ، ثم
عجز المكاتب .
(15/274)
قال : إن رد
الذي قاطع نصف ما في يديه إلى الذي تمسك كان
العبد بين الثلاثة بالسواء ، وإن أبى أن يرد
شيئا لم يكن له في العبد شيء ، وكان العبد بين
الذي تماسك وبين الذي وضع بنصفين .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال لأن الذي وضع
منهم حظه من الكتابة لم يسقط بوضعه حظه منها
حقه في الرقبة إن عجز عما بقي منها لشركائه ،
فإن عجز وبقي الذي قاطع على ما قاطع به كان
المكاتب بين الذي وضع وبين الذي تماسك بنصفين
كما قال ، وإن أراد الذي قاطع أن يرجع على حظه
في رقبة المكاتب قيل له رد نصف ما قاطعت به ،
لأن الذي وضع لا حق له فيما قاطعت به إذ قد
كان وضع عن المكاتب ما كان عليه ، ولو كانت
مقاطعته إياه بغير إذن شريكه لم يكن له أن يرد
نصف ما قاطع به ويرع في رقبة المكاتب ، ولكان
الخيار في ذلك إلى الذي تماسك بالكتابة وبالله
التوفيق .
مسألة
وقال في رجل كاتب عبده على أن يأتيه يعبده
الآبق أو بعيره الشارد إن الكتابة جايزة ،
وعليه أن يأتي بالعبد أو بالبعير ، فإن لم يأت
به وأيس منه عجز .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال ، والكتابة على
هذا تشبيه للجعل الجايز ، وهي جايزة ، والأصل
في جوازها ما جاء من أن سلمان الفارسي كاتب
أهله على مائتي ودية يحييها لهم ، فقال له
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غرستها
فأذني ، فلما غرسها أذنه فدعا له رسول الله
صلى الله عليه وسلم فلم تمت منها ودية واحدة
وقد مضى هذا في رسم أشهب وبالله التوفيق .
(15/275)
مسألة
وقال في الرجل يكاتب أمته وهي حامل لم يعلم به
، أيكون مكاتباً مع أمه أم لا ؟ قال لي مالك :
نعم يكون مكاتباً مع أمه .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال ، ولا اختلاف
فيه أعلمه والأصل في ذلك قول رسول الله صلى
الله عليه وسلم : كل ذات رحم فلودها بمنزلها .
مسألة
قال أبو زيد : وسئل ابن القاسم عن تفسير
المسألة التي في كتاب المكاتب من الموطا في
الذي يضع عن مكاتبه نجماً من نجومه أولها أو
آخرها أو وسطها في الوصية وما ذكر فيها من
قسمة قيمة العبد علي تلك النجوم ويقدر قربها
من الأجل وبعدها.
قال ابن القاسم تفسير ذلك أن يكون على المكاتب
ثلاث مائة دينار ، في كل نجم مائة ، فإن كان
وضع المائة الأول نظركم قيمتها نقداً أن لو
بيعت في قرب محلها ؟ لأن النجم الأول ليس مثل
آخرها في القيمة ، ويقوم على ذلك على قدر مال
العبد وملائه في الأداء ، فإن كان قيمتها
خمسون ديناراً قلنا كم قيمة الثاني بعده؟ فإن
قيل ثلاثون ديناراً قلنا كم قيمة الثالث الذي
بعدهما ؟ فإن قيل عشرون ديناراً كان للذي أوصى
له من ذلك نصف رقبته ، ثم ينظر إلى ذلك فإن
كان أقل في القيمة من نصف قيمة رقبته أو قيمة
النجم الأول فيوضع ذلك في ثلث مال الميت ، فإن
خرج من الثلث عتق ، ولا ينظر إلى قيمة الكتابة
في النجم الأول إن كان قيمة نصف رقبته أقل ولا
إلى قيمة نصف رقبته إن كانت قيمة النجم أقل ،
لأنه إذا أعتق نصفه والذي أخذ من الكتابة
نصفها فيوضع ذلك في ثلث مال الميت
(15/276)
على ما أحب
ورثة الميت أو كرهوا ، وإن وضع عنه الأوسط أو
الآخر فعلى هذا يحسب ، ويدخل في ثلث الميت
الذي هو أقل أبداً ، ولا يدخل في ثلث الميت
قيمة النجم الأول ولا الثاني ولا الثالث إن
كان ذلك أكثر من قيمة ما يصيب من رقبته ، لأنه
لو وضع عنه ذلك كله لم يدخل في مال الميت إلا
الذي هو أقل من قيمة الكتابة كان أو قيمة
رقبته .
وكذلك النجم بعينه إنما يدخل في ثلث مال الميت
قيمة أو قيمة ما يصيبه من قدر رقبته ، لأن
الوصايا تدخل معه فيكون ذلك خيراً لأهل
الوصايا أن يتموا وصاياهم ، وليس على الورثة
في ذلك ضرر .
وإن كان النجم الأقل هو نصفه ولم يترك الميت
مالاً غيره خير الورثة بين أن يضعوا هذا النجم
بعينه ويعتق الذي كان يصيبه من قيمة رقبته ،
وهو النصف ، ويسقط ذلك النجم بعينه ويكون له
النجمان الباقيان ، فإن استوفوا فذلك ، وإن
عجز ورق عتق منه إلا نصفه ، وإن أبوا أن
يجيزوا ذلك عتق ثلثه ، ووضع عنه من كل نجم
ثلثه ، فإن عجز كان ثلثه حراً وثلثاه رقيقا
لهم ، وهذا وجه ما سمعت وبلغني عنه ممن أتق به
.
قال محمد بن رشد : هذا صحيح من قوله وبين من
تفسيره على قياس ما في المدونة وغيرها من أن
من أوصى بعتق مكاتبه يوضع في ثلث الميت الأقل
من قيمة رقبته أو قيمة كتابته ، وقد مضى هذا
في أول سماع أبي زيد وغيره فلا معنى لإعادته .
(15/277)
من مسائل نوازل
سئل عنها سحنون
قال سحنون في نصراني كاتب عبداً له نصرانياً
بمائة قسط من خمر ، فأسلم المكاتب بعد ما أدى
نصف الخمر ، قال : يكون على المكاتب نصف قيمته
عبداً قنا ، أو يكون عليه نصف كتابة مثله في
قوته على السعاية .
قيل له : فإن أسلم السيد ولم يسلم المكاتب ؟
قال : هو كما أخبرتك ، من أسلم منهما فهو على
ما أخبرتك .
قال محمد بن رشد : قوله إنه يكون عليه لسيده
إذا أسلم أحدهما نصف قيمته أو نصف كتابة مثله
ليس على سبيل التخيير لأحدهما في ذلك ، وإنما
هو قولان ، فمرة قال إنه يكون عليه نصف كتابة
مثله لأن ما بقي من الكتابة هو الذي بطل
بإسلام من أسلم منهما إذ لا يصح أن يقضي
بالخمر لمسلم ولا على مسلم ، وهو قول ابن
الماجشون في الواضحة أن يكون عليه حصة ما بقي
من كتابة مثله فإن بقي نصف الخمر والخنازير
طالبه بنصف كتابة مثله إن ثلث فثلث ، وإن ربع
فربع ، ومرة كان يقول عليه نصف قيمة رقبته ،
ووجه ذلك أن المكاتب لما كان عبداً ما بقي
عليه من كتابته شيء فبطل ما بقي من كتابته
بإسلام من أسلم منهما وجب عليه نصف قيمة رقبته
إن كان بقي عليه نصف ما كاتبه عليه من الخمر
والخنازير ، إذ قد كان يمكن أن يعجز عنها
فيرجع رقيقاً ، والقول الأول أظهر والله أعلم
.
مسألة
وسئل عن مكاتبة وطئها سيدها فحملت ولها مال
كثير هل تكون بالخيار في أن تكون على كتابتها
أم تكون أم ولد فذلك لها .
(15/278)
قال محمد بن
رشد : هذا كما قال ، وهو مما لا اختلاف فيه
أحفظه ، إذ ليس ذلك منها كتعجيز المكاتب نفسه
وله مال ظاهر أن لا ترجع رقيقاً باختيارها أن
تكون أم ولد لسيدها ولا تنقل بذلك ولاءها عنه
، ولا فيه ضرر على أحد إذا لم يكن معها أحد في
كتابتها فوجب أن يكون ذلك لها ، ولو كان معها
أحد في كتابتها لم يكن ذلك إلا برضاهم إلا أن
تكون هي أقدر على السعي منهم وتخاف عليهم
العجز بذلك فلا يكون ذلك لهم وإن رضوا ، وقال
بعض الرواة لا يكون ذلك لها وإن رضوا ورضيت
... إذا كان قبلهم من السعي ما قبلها ، لأنه
لا يدري ما يؤول إليه مالهم ، وإذا رجعت أم
ولد برضاها ورضاهم حط عنهم من الكتابة مقدار
حصتها ، وسواء على مذهب مالك وطئها طائعة أو
أكرها ويؤدب في الحالتين جميعاً إلا أن يعذر
بحبها له ، وأدبه في استكراهه أشد .
وقال سعيد ابن المسيب وإبراهيم النخعي : إذا
وطئ الرجل أمته فحملت كانت أم ولد له وبطلت
كتابتها .
وقالت ربيعة : إن طاوعته بطلت كتابتها وكانت
أم ولده ، وإن أكرهها فهي حرة وولدها على كل
حال لا حق به ، وهذا كله في المدونة وبالله
التوفيق .
مسألة
وسئل عن رجل أوصى أن يكاتب عبده ويعطي رجل
سماه عشرة دنانير ، وليس له مال غير العبد ز
قال : يقال للورثة أتجيزون ما أوصى به الميت ؟
فإن قالوا نعم نجيز ذلك ، وإن قالوا نحن نجيز
الكتابة ولا نجيز ما أوصى به الميت لهذا الرجل
قيل لهم كاتبوه ، ثم يقال لهم إنما لكم من هذا
المكاتب الثلثان وليس لكم الثلث ، فاختاروا ،
فإن شيئتم فادفعوا إلى هذا
(15/279)
الموصى له
بالعشرة دنانير ما أوصى له به ، ولكم ثلث
كتابته ، وإلا فاسلموا إليه ثلث كتابة المكاتب
.
قال محمد بن رشد : هذا بين على ما قاله إنهم
إذا أجازوا الكتابة فهم يخيرون بين أني سلموا
ثلثها إلى الموصى له بالعشرة ، أو يسلموا له
العشرة ، لأن ثلث الكتابة هي ثلث جميع مال
الميت إذا لم يكن له مال سوى العبد الذي
أجازوا وصية المكاتب بكتابته ، ولو لم يجيزوا
لكتابة أيضا لم يكن عليهم أكثر من أن يعتقوا
ثلثه بتلا بما أوصى له به من الكتابة ، وتبطل
وصيته بالعشرة ، لأن الوصية بالعتق مقدمة على
الوصية بالمال ، وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل عمن وطئ مكاتبة ابنه فأولدها هل تكون
بالخيار إن شاءت كانت أم ولد للواطئ وإن شاءت
كانت على كتابتها ؟ قال : ليس ذلك لها .
قيل له : لم قال لأنه ليس لها أن تنقل ولاءها
عن الابن الذي قد انعقد له إلى الأب ؟ قيل :
فإن عجزت ؟ قال يكون الابن بالخيار إن شاء
قومها على أبيه فعل ، وقد روى في كتاب العرية
أن لها الخيار أن تمضي على كتابتها أو تكون أم
ولد للأب .
قال محمد بن رشد : قد تقدمت هذه المسألة
والكلام عليها في رسم العرية من سماع عيسى فلا
وجه لإعادته وبالله التوفيق .
مسألة
قيل له : فلو أن رجلاً وطئ مكاتبة فأحبلها
ولها مال كثير فيه وفاء بكتابتها وفضلة
فاختارت أن تكون أم ولد أيكون لها الخيار في
أن تكون على كتابتها أو تكون أم ولد ؟ قال :
نعم ، قال سحنون :
(15/280)
وتكون نفقتها
على السيد في حملها بمنزلة المبتوتة إذا كانت
حاملاً إذا اختارت أن تمضي على كتابتها .
قال محمد بن رشد : قد مضى قبل هذا في هذه
النوازل القول على وجه رضاها برجوعها أم ولد
وإن كان لها مال ، وأما قول سحنون إن لها
النفقة في حملها فهو القياس على ما قاله ،
ولأصبغ في الواضحة أنه لا نفقة لها ، والذي
أقول به أن لها النفقة إن أكرهها على الوطئ
ولا نفقة لها إن طاوعته ويحتمل أن يفسر قول
سحنون وأصبغ على هذا فلا يكون في المسألة
اختلاف وبالله التوفيق .
مسألة
قال سحنون في مكاتب اشترى أمته وهي امرأة سيده
هل يفسخ النكاح ؟ ولمن يكون حقها من زوجها ؟
قال : يفسخ النكاح ويكون الصداق للبائع إلا أن
يشترطه المبتاع .
قال محمد بن رشد : قوله إن النكاح يفسخ إذا
اشتراها معناه إذا اشتراها بإذن سيدها ، لأنه
إذا اشتراها بإذنه دخلت معه في كتابته فصارت
مكاتبته له ، ولا يجوز للرجل أن يتزوج أمته
ولا مكاتبة .
وقوله إن الصداق يكون للبائع إلا أن يشترط
المبتاع صحيح لأنه مال لها ، ومال العبد
للبائع إلا أن يشترطه المبتاع على ما أحكمته
السنة عن النبي عليه السلام ، ومعنى ذلك إذا
كان شراؤه إياها بإذن سيده بعد أن دخل بها ،
وأما لو كان اشتراها بإذنه قبل أن يدخل بها لم
يكن لها صداق ولا نصف صداق ، لأن كل نكاح يفسخ
قبل الدخول لفساده فلا صداق فيه ، ولو اشتراها
بغير إذن سيده لم تدخل في كتابته ، وإذا لم
تدخل في كتابته فلا يفسخ النكاح بشرائه إياها
فإن احتاج إلى بيعها في الأداء عن نفسه باعها
، وإن أدى خرجت حرة ، وإن عجزت كانت أمة له
وكان لسيده أن ينتزعها منه إن شاء ،
(15/281)
فإن فعل انفسخ
نكاحه ووطئها بملك يمينه وبالله التوفيق .
مسألة
وقال في مكاتب اشترى ابن مولاه هل يعتق عليه
أم لا ؟ قال سحنون : يكون رقيقاً في بلد
المكاتب .
قال محمد بن رشد : قد مضى مثل هذا من قول ابن
القاسم في رسم يدير ماله من سماع عيسى والكلام
عليه فلا معنى لإعادته .
مسألة
وسئل عن المكاتب يموت ويترك مائة دينار ديناً
عليه من كتابته ويترك ثلاث أمهات أولاد له من
كل واحدة منهن ولد واحد فشح كل واحد منهم أن
تباع أمه فيما عليهم من الكتابة ، وقيمة كل
واحدة منهن مائة دينار .
قال : يباع من كل واحدة منهن ثلثها قيل : فلو
كانت قيمتهن مختلفة فكانت قيمة واحدة ثلاثمائة
دينار ، وقيمة الأخرى مائتان وقيمة الأخرى
مائة ؟ قال : يباع من كل واحدة منهن سدسها
يباع من الثمن قيمتها ثلاثمائة سدسها خمسون
ديناراً ، ومن التي قيمتها مائة سدسها ستة
وثلثان ، ومن التي قيمتها مائتان سدسها ثلاثة
وثلاثون وثلث فجميع ذلك مائة .
قال محمد بن رشد : قد قيل إنه يقرع بينهن فيمن
يباع في الدين اتفقت قيمتهن أو اختلفت ، فإن
اختلفت فخرج السهم على التي قيمتها مائة بيعت
وعتقت الإثنان بعتق الولد ، وإن خرج السهم على
التي قيمتها مائتان بيع نصفها وعتقت الاثنتان
بعتق الولد ، وإن خرج السهم على التي قيمتها
ثلاثمائة بيع ثلثها وعتق الباقيتان ، وهذا
القول أيضا لضرر الشركة في العتق في كل
(15/282)
واحدة منهن ،
وهو الذي يأتي على ما رواه سحنون في أنه إذا
لم يكن ولد إلا لوادة منهن إلا بالقرعة سوى
الأم ، ولا تدخل الأم في القرعة ، وعلى ما في
المدونة إنما بيع التي فيها نجاتهم كانت أمة
أو غير أمة ، ولم ير أن يبيع أمه إذا كان في
سواها من أمهات أولاد أبية كفاف لدينه ، ولم
يتكلم في المدونة إذا كان لكل واحد منهن ولد ،
والقرعة في ذلك أولى من قول سحنون في هذه
الرواية وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل المغيرة عن رجل كاتب عبيداً له ثلاثة
كتابة واحدة وبعضهم حملاء عن بعض ، ثم إن بعض
المكاتبين أبق وأبقى أصحابه على حالهم فعجزهم
السلطان ثم إن الآبق قدم ومعه قوة على أداء
الكتابة كلها والسلطان الذي عجزهم قائم لم يمت
لوم يعزل ه يعتق لحصته من الكتابة ، أو يعتق
هو وأصحابه ؟
قال : أرى أن الآبق من المكاتبين على كتابته
إن جاء بها عتق الذين عجزوا ن شركائه بما أدى
عنهم من كتابتهم وكتابته .
قيل له : فهل يرجع المكاتب على شركائه في
كتابته بما أدى عنهم بقدر حصصهم ؟ قال : نعم ،
قيل ذووا رحم كانوا أو غيرهم ؟ قال : نعم هو
سواء في هذا الموضع ، لأن المرء يتبع في دينه
أباه وأخاه وابنه ، ولو مات ورثوه فهؤلاء كذلك
.
قال محمد بن رشد : قوله في هذه المسألة وبعضهم
حملاء عن بعض ظاهره أنهم لا يكونون حملاء
بعضهم عن بعض إذا كوتبوا كتابة واحدة إلا أن
يسترطوا ذلك ، وهو خلاف ما في المدونة وغيرها
.
وأما قوله في آخرها إنه يرجع الآبق الذي أدى
الكتابة على من كان معه
(15/283)
فيها وإن كان
ابنه أو أباه أو أخاه فهو خلاف نص مذهب ابن
القاسم وروايته عن مالك في المدونة وغيرها ،
وقد مضى تحصيل الاختلاف في هذا في رسم إن خرجت
من سماع عيسى وبالله التوفيق .
من مسائل نوازل سئل عنها أصبغ
قال أصبغ في الرجل يوصي أن يكاتب نصف عبده
فقال : يقال للورثة إما أن تكاتبوا هذا العبد
كله حتى تجوز فيه وصية الميت وإما أعتقتم من
نصف العبد مبلغ ثلث مال الميت لأنه لا يجوز أن
يكاتب نصف عبده ، ولا بد من أن ينفذ له ما
أوصى به له ويعتق ثلث ما بلغ مال الميت منه .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال ، إنه إنما
يعتق ما حمل الثلث من نصفه وإن كان الثلث يحمل
الرقبة كلها ، لأن الميت لم يوص في الجميع
وإنما أوصى في البعض ، فللورثة حجة في أن لا
يعتق منه بتلا أكثر مما أوصى به أن يكاتب منه
، وهي وصية فيها قربة على وجه لا يجوز ، فوجب
أن تنفذ وصيته للقربة التي فيها على الوجه
الذي يجوز ، كما لو أوصى أن يحج عنه على أن
يقدم السعي على الطواف ما أشبه ذلك من مخالفة
أمر السنة في الحج ، وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل عن رجل يوصي لرجل بثمن أبيه ، يقول بيعوا
فلاناً وأعطوا فلاناً ثمنه إبنه أو يقول أعطوا
ثمن فلان لفلان ، فقبل ذلك الابن أترى أن يعتق
عليه ؟ قال : لا أرى ذلك ، والوصية جائزة له ،
وأرى أن يباع ويدفع إليه ثمنه .
(15/284)
قلت له : أرأيت
إن أوصى بكتابة مكاتبه وهو أبنه أو أبوه أو
بعض من يعتق عليه ، قيل ولم رأيت ذلك في
الكتابة ولم تره في ثمنه إذا قال أعطوا فلاناً
ثمن فلان ؟ قال : لأنه إذا أوصى له بالكتابة
أو أعطاه إياها فقد نزل منزلة الذي كاتبه إن
أدى عتق ، وإن عجز رق ولم يعتق عليه إن ملكه ،
فملك الكتابة كملك الرقبة .
وأما إذا قال أعطوه ثمنه فإنه يصير له الثمن
بعد بيعه ، ليس بيعه في يدي إبنه ولا رقبته ،
وإنما له ثمنه إذا بيع ، فلا أرى عليه فيه
عتقاً .
قال محمد بن رشد : قوله إذا أوصى له بكتابة من
يعتق عليه فقيل ذلك إنه يعتق عليه معناه أنه
أسقط عنه الكتابة فيعتق بذلك ويكون ولاؤه للذي
عقد كتابته ، وهو بين من قول ابن القاسم في
رسم يشتري الدور من سماع يحيى .
وتفرقة أصبغ بين أن يوصي له بكتابة من يعتق
عليه أو بثمنه بينة صحيحة ، وقد مضى ذلك في
سماع يحيى المذكور وبالله تعالى التوفيق . لا
شريك له .
تم كتاب المكاتب والحمد لله
(15/285)
|