البيان
والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة
كتاب الوديعة
من سماع ابن القاسم من مالك
قال سحنون : أخبرني ابن القاسم عن مالك فيمن
استودع وديعة فدفنها في أهله وأشهد عليها ، أو
خلفها عند أهله أو استودعها بعض إخوانه فهلكت
، قال : لا ضمان عليه في شيء من ذلك .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة ليست على ظاهرها
، وفيها تقديم وتأخير ، وتقديرها ، قال ابن
القاسم عن مالك فيمن استودع وديعة فدفنها في
أهله أو خلفها عند أهله أو استودعها بعض
إخوانه وأشهد عليها فهلكت ، قال : لا ضمان
عليه في شيء من ذلك ، وإنما وجب أن يقدر هذا
التقدير ، لأن من أودع وديعة فدفنها في بيته
أو خلفها عند أهله لا يجب عليه الإشهاد على
ذلك ، إذ هو مصدق في ذلك ، قاله في المدونة
وغيرها ، وإنما يجب عليه الإشهاد إذا استودعها
غيره لحاجة دعته إلى ذلك من إرادته سفراً أو
خراب منزله أو ما أشبه ذلك من الوجوه التي
يعذر بها ، فمعنى قوله في الرواية أو استودعها
بعض إخوانه يريد عند سفره أو خراب منزله مع أن
يعلم ذلك ، فإذا أودع الرجل وديعة فأودعها
غيره فتلفت عنده فهو ضامن لها إلا أن تكون له
بينة إيداعها ويعلم السبب الذي من أجله أودعها
، إذ لا يصدق في شيء من ذلك دون أن يبينه وإذا
علم السبب صدق في أنه إنما أودع من أجله ،
وكان القول في ذلك قوله .
(15/287)
وقوله في هذه
الرواية إنه إذا خلف الوديعة عند أهله فتلفت
إنه لا ضمان عليه هو نص قوله في المدونة إنه
لا ضمان عليه في الوديعة إذا أودعها عند
امرأته وخادمه ، خلاف قول أشهب إنه ضامن في
ذلك ، وقد قيل إن قول أشهب ليس بخلاف لقول ابن
القاسم وروايته عن مالك ، وأن المعنى في ذلك
أنه يضمن إذا كان العرف والعادة أن الناس لا
يسترفعون أموالهم عند أهليهم ولا يأتمنوهم على
ذلك ، ولا يضمن إذا كان العرف والعادة أن
الناس يسترفعون أموالهم عند أهليهم ويأمنونهم
على ذلك ، فكل واحد منهم تكلم على غير الوجه
الذي تكلم عليه صاحبه ، لأن قولهما مختلف ،
فعلى هذا الاختلاف في ذلك بينهما إذا علم
العرف والعادة في البلد ، وإنما يختلفان إذا
جهل العرف في ذلك البلد ، فأشهب يضمنه حتى
يقيم البينة أن العرف والعادة في البلد أن
الناس يأتمنون أهليهم على أموالهم ويسترفعونهم
إياها ، وابن القاسم لا يضمن حتى يقيم صاحب
الوديعة البينة أن العرف والعادة في البلد أن
الناس لا يسترفعون أموالهم عند أهليهم ولا
يأتمنونهم عليها ، والأظهر أنه اختلاف من
القول ، لأن من حجة صاحب الوديعة أن يقول أنا
إنما رضيت أمانتك ولم نعلم أنك تأمر أهلك كما
يفعل الناس .
ويتحصل على هذا في المسألة ثلاثة أقوال أحدها
أنه لا ضمان عليه وإن كان الناس لا يأتمنون
أهلهم إذا كان هو مؤتمن أهله بماله ، وهو ظاهر
ما في المدونة ، ووجه هذا القول أن المودع لما
أودعه فقد علم أنه يحرزها في منزله كما يحرز
ماله ، والقول الثاني أنه ضامن وإن كان الناس
يأتمنون أهلهم ، وهو ظاهر قول أشهب ، ووجهه أن
صاحب الوديعة يقول إنما رضيت أمانتك لا أمانة
سواك إذ لم أعلم أنك تأتمن أهلك كما يفعل
الناس ، والقول الثالث الفرق بين أن يكون
العرف والعادة في البلد أن يأتمن الناس أهليهم
أو لا يأتمنون ، ولو كان الرجل لا يأمن أهله
على ماله ولا يسترفعها إياه لضمن الوديعة إن
دفعها إليها فتلفت ، وإن كان الفرق في البلد
أن الناس يسترفعون أهليهم أموالهم ويأتمنونهم
عليها قولاً واحداً .
(15/288)
ولم يعط في
المدونة جواباً بينا في العبد والأجير إذا كان
في عياله فوضع عندهما ما أودع إياه فتلف ،
والذي يأتي على مذهبه فيها أنه لا ضمان عليه
إذا كان يأتمنهما على ماله ويسترفعهما .
ومن كتاب حلف ليرفعن أمراً إلى السلطان
وسئل عن الوديعة يستودعها الرجل فيقر بها الذي
هي عنده عند نفر من غير أن يشهد عليه .
قال مالك : إن لهذه الأمور وجوهاً ، أرأيتك لو
تقادم هذا حتى يمر به عشرون سنة ثم مات فقام
صاحبها يطلبها ؟ ما رأيت له شيئاً ، وكأني
رأيته إن كان قريباً أن يكون ذلك له ، قال ابن
القاسم : وذلك رأيي ، ولو كان إنما ذلك الأشهر
والسنة وما أشبهه ثم مات ثم طلب ذلك الذي أقر
به لرأيته في ماله .
قاله محمد بن رشد : وهذا كما قال ، إن الرجل
إذا أقر بالوديعة من غير أن يشهدها عليه ، ثم
مات وقام صاحبها يطلبها فلم توجد في ماله إنه
لا شيء له إذا طالت المدة ، لأنه لو كان حياً
فادعى ردها أو تلفها لكان القول قوله مع يمينه
، فإذا كانت على الميت اليمين فقد سقطت عنه
بموته ، ويلزم من كان كبيراً من الورثة أن
يحلف ما يعلم لها سبباً ، ولم يحمل عليه إذا
لم يوجد بعد طول المدة أنه قد استسلفها له إن
كانت دنانير أو أكلها إن كانت طعاماً ، أو
استهلكها إن كانت عروضاً ، لأن الأصل براءة
الذمة فلا تعمر إلا بيقين ، ولأن ذلك كان يكون
منه لو فعله عداء فعلى من إدعاه أن يثبته ،
وهذا كان القياس وإن لم تطل المدة ، لأنه لو
كان حياً فادعى أنه ردها أو تلفت لكان القول
قوله في ذلك مع يمينه .
(15/289)
فتفرقته بين
القرب والبعد استحسان ، ووجهه أن الذي يغلب
على الظن في البعد أنه ردها ، وفي القرب أنه
استسلفها لأن الودائع في أغلب الأحوال لا تترك
عند المودع الدهور والأعوام .
وقال في العشرين سنة إنه طول ، وكذلك العشر
سنين على ما قاله في موضع آخر ، وقال في السنة
وما أشبه ذلك إنه يسير ، فقيل إن ذلك خلاف لما
في آخر كتاب الشركة من المدونة في الشريكين
يموت أحدهما فيقيم شريكه البينة أنه قد كانت
عنده مائة دينار من الشركة ، فلم يوجد ولا علم
لها مسقط إنها تكون في ماله ، إلا أن تطول
المدة ، أرأيت لو كان ذلك مثل السنة لكان يؤخذ
ذلك من ماله ، وقيل إنها ليست بخلاف لها وهو
الصحيح ، لأنها مسألة أخرى ، والفرق بينهما أن
للشريك التصرف في المال ، وليس للذي يودع أن
يتصرف فيما أودع إياه وبالله التوفيق .
ومن كتاب أوله سن رسول الله صلى الله عليه
وسلم
وسئل عن جارية وضعها رجل عند رجل فأنفق عليها
ثلاثين صاعاً من تمر ، ثم جاء سيدها فقال إنما
لك ثلاثون صاعاً ، وقال المنفق بل لي بسوق يوم
أنفقت واشتريت ، والطعام يوم جاءه صاحبها أرخص
، قال مالك : يحسب يوم أنفق ، يعطي بذلك دراهم
، قال ابن القاسم : وذلك إذا كان المنفق اشترى
بالثمن ، فأما إن كان طعاماً أخرجه من عنده
فليس له إلا مكيلة طعامه .
قال محمد بن رشد : قول ابن القاسم تفسير لقول
مالك إنه إن كان اشترى الطعام فله قيمته يوم
اشتراه ، لأن الثمن الذي اشتراه به إذ قد تعين
في الشراء فلا يلزم صاحب الجارية ما عين فيه ،
وهذا مثل ما في كتاب السلم
(15/290)
الثاني من
المدونة في الذي يبيع من الرجل الجارية على أن
ينفق عليه حياته إن البيع يفسخ ويرجع المشتري
على البائع بقيمة ما أنفق عليه ، وفي رواية
أبي زيد أنه يغرم ما أنفق عليه ، وليس ذلك
باختلاف من القول ، ومعناه أنه يغرم له ا لثمن
الذي اشترى به الطعام إن كان لم يكن في الشراء
تغابن ، وقيمته إن كان فيه تغابن ، وقد قيل إن
ذلك اختلاف والأول أظهر والله أعلم ، والحكم
فيما يرجع به المنفق على الجارية الموضوعة
عنده حكم الحميل يتحمل بالطعام فيؤخذ به
فيشتريه للمحتمل له ، بخلاف من تطوع فأدى عن
الرجل بغير أمره طعاماً عليه اشتراه بذلك ،
يرجع بالأقل من مثل الطعام أو الثمن الذي
اشتراه به .
من سماع أشهب وابن نافع من كتاب الأقضية
قال سحنون : أخبرني أشهب وابن نافع قالاً :
سئل مالك فقيل له امرأة أعطتني ذكر حق لها على
زوجها ثم ماتت وسألني زوجها إعطاءه الذكر وهو
زوجها ومولاها ولا وارث لها غيره ، فقال يسأل
فإن كان على المرأة دين فلا تعطيه إياه ، وإن
كانت لا دين عليها فأشهد عليه وأعطه إياه ،
قيل إن المرأة قد أوصت بوصايا فقال له هذه
المقالة : أشهد عليه وأعطه إياه .
قال محمد بن رشد : ظاهر هذه الرواية أنه فرق
بين الدين والوصايا ، فقال إنه لا يعطيه ذكر
الحق إن كان عليها دين ، ويعطيه إياه ويشهد
وإن كان عليها وصايا إذا لم يكن عليها دين ،
وذلك لا يصح ، إذ لا فرق في هذا بين الدين
والوصايا ، والواجب في هذا أن ينظر إلى ما
عليها من الدين ، فإن كان لا يفي به ما تركت
من المال سوى ما لها من الحق على زوجها لم
(15/291)
يدفع ذكر الحق
إليه ، وإن كان يفي به دفع ذكر الحق إليه
وأشهد به عليه ، وكذلك الوصايا أيضاً ينظر
إليها فإن كان لا يفي بها ثلث ما تخلفت من
المال سوى ما لها على زوجها لم يدفع ذكر الحق
إليه ، وإن كان يفي بها دفع إليه ذكر الحق
وأشهد عليه ، والأولى أن لا يدفعه إليه بحال ،
ويضعه على يدي عدل مخافة أن يطرأ عليها ديون
لم يعلم بها ، فقوله إن كان على المرأة دين
فلا يعطيه إياه معناه دين لا يفي به ما تخلفت
من المال سوى ما لها على زوجها في ذكر الحق
وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل عمن بيده مال ليس له ، أله أن يسلفه ؟
قال : ترك ذلك أحب إلي ، وقد أجازه بعض الناس
فراجعه فيها ، فقال : إن كان مال فيه وفاء
وأشهدت على ذلك فلا بأس به .
قال محمد ابن رشد : وهذا كما قاله إن ترك ذلك
أولى وأحسن ، ومعناه إذا كان له مال فيه وفاء
وأشهد بذلك ، وأما إذا لم يكن له مال فيه وفاء
فلا يجوز له ذلك وإن أشهد ، ومثله في سماع عبد
الملك ابن الحسن من كتاب البضائع والوكالات من
قول ابن وهب .
وقد اختلف إذا تسلف منها بغير أمر ربها ثم رد
ما تسلف ، هل يصدق في الرد ويبرأ بذلك من
الضمان أم لا ؟ على أربعة أقوال ، أحدها أنه
يصدق في ذلك ويبرأ من الضمان وهو أحد أقوال
مالك وبه أخذ ابن القاسم وأشهب وابن عبد الحكم
وأصبغ والثاني أنه لا يبرأ إلا أن يرد بإشهاد
، قال ذلك مالك أيضاً وبه أخذ ابن وهب وابن
كنانة ولمالك قول ثالث أنه لا يبرأ وإن أشهد
لأنه دين قد ثبت في ذمته ، رواه المدنيون عنه
، ورواه عنه المصريون أيضا ولم يقولوا به ،
ولإبن الماجشون قول رابع وهو تفرقته بين أن
يكون المال مصرورا أو منثوراً .
(15/292)
ولو قال له
صاحبها تسلف منها إن شئت ، فتسلف لم يبره رده
إياها إلا إلى ربها ، قال ذلك في كتاب ابن
شعبان ، وهو صحيح لا اختلاف فيه ، وبالله
التوفيق .
ومن كتاب الأقضية
وسئل فقيل له كانت لي عند رجل ثلاثة وعشرون
ديناراً وديعة فكنت آخذ منها الشيء آخذ منها
الشيء بعد الشيء حتى بقيت لي عنده ثمانية عشر
دينار ، فسألته إياها فقال : وضعتها في بعض
حاجتي ، ولكن اكتبها علي فكتبتها عليه بالشهود
والبينة مؤرخة فغبت ثم رجعت فتقاضيته إياها
فجاء علي ببراءة فيها مكتوب براءة لفلان ابن
فلان من أربعة دنانير ليست إلا ربعة مؤرخة ولا
منسوبة من الثمانية عشر ولا من الثلاثة وعشرين
، فهو يقول هي من الثمانية عشر ، وأنا أقول من
الثلاثة وعشرين التي كانت لي عليك قبل أن أكتب
عليك الثمانية عشر .
قال مالك ليست البراءة مؤرخة ولا منسوبة إلى
ثمانية عشر ولا إلى ثلاثة وعشرين ؟ وذكر حقي
عليه مؤرخ بثمانية عشر ، فقال له : أيقر لك
بأنه قد كان لك عليه ثلاثة وعشرون ديناراً ؟
فقال : لا ، فأطرق طويلاً ثم قال : إن أقمت
البينة أنه قد كانت لك عليه ثلاثة وعشرون
ديناراً حلفت بالله ما هذه البراءة من
الثمانية عشر ، وكانت لك عليه .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال إنه إذا أقر
أنه كانت له عليه ثلاثة
(15/293)
وعشرون ديناراً
أو أقام عليه بذلك البينة كان القول قوله أن
البراءة ليست من الثمانية عشر وإنما من
الثلاثة وعشرين ، ولو لم يقر بذلك ولا قامت
عليه به بينة لكان القول قول المطلوب أن
البراءة من الثمانية عشر باتفاق إن كان لم يكن
بينهما مخالطة ، وعلى اختلاف إن كانت بينهما
مخالطة ، وقد مضى هذا في أول سماع أبي زيد من
كتاب الشهادات بزيادات لها بيان وبالله
التوفيق .
مسألة
وسئل عمن استودع صبرة حنطة فاستنفق المستودع
الحنطة فلما جاءه الرجل فطلب قمحه ، قال قد
استنفقته ، أنا أعطيك مثله ، قال الرجل إني قد
كنت قد صورت ديناراً وطرحته في صبرة القمح ،
أترى له أن يحلف ويأخذ الدينار منه أم يحلف
المستودع ويبرأ ؟ فقال : أرأيت لو قال جعلت
فيها مائة دينار ؟ أرى أن يحلف ويبرأ ، قيل له
كيف يحلف ؟ أيحلف أنه لم يكن في الصبرة شيء ؟
أم يحلف على عمله ؟ فقال : لا ، ولكن يحلف ما
أخذت شيئا ولا علمت لك فيها شيئا .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة صحيحة بينة لا
إشكال فيها ولا اختلاف ، لأن صاحب الطعام مدعي
، وقد أحكمت السنة أن البينة على ما أدعى
واليمين على ما أنكر ، هذا إن حقق الدعوى عليه
أنه وجد الدينار وأخذه ، وإما إن لم يحقق عليه
الدعوى أنه وجده ، يجري الأمر على الاختلاف
المعلوم في لحوق يمين التهمة وبالله التوفيق .
من سماع ابن دينار من ابن القاسم
من كتاب أوله إن خرجت من هذه الدار
قال عيسى : قال ابن القاسم : لو أن رجلا
استودع رجلا متاعاً
(15/294)
فعدا عليه عاد
، فأغرمه على ذلك المتاع غرماً لم يكن على
صاحب المتاع غرم شيء مما غرم عن متاعه .
قال محمد بن رشد : قد قيل إن له أن يرجع على
صاحب المتاع بأغرم على متاعه ، وعلى هذا يأتي
قول ابن وهب في المبسوطة في الخليطين يكون
لأحدهما مائة وعشرون شاة ، وللثاني ثلاثون شاة
، فيأخذ الساعي منه شاتين : إن الشاة الواحدة
تكون على صاحب العشرين ومائة والثانية
يتراداها بينهما على عدد غنيمهما ، وقد مضى
بيان هذا هنالك ، وهذا الاختلاف إنما هو فيما
لم يعلم صاحب المتاع به ، وأما ما علم به مثل
المتاع يتوجه به الرجل من بلد إلى بلد مع رجل
وقد علم أن بالطريق مكاناً يؤدي الناس على ما
يمرون عليه من المتاع ، فلا ينبغي أن يختلف في
أنه يجب على رب المتاع للرجل ما أغرم على
متاعه ، وقد رأيت ذلك لابن دحون ، وقال إنه
بمنزلة الرجل يتعدى عليه السلطان فيعرمه يتسلف
ما يغرم فذلك بين لازم ، وهو حلال لمن أسلفه ،
ووجه ما ذهب إليه أنه لما علم إذا بعث المتاع
معه أنه سيغرم عليه فكأنه سأله أن يسلفه ما
لزم إياه من الغرم على متاعه ، ومن هذا المعنى
ما قال سحنون في الرفاق في ارض المغرب يعرض
لهم اللصوص فيريدون أكلهم فيقوم بعض أهل
الرفقة فيصالحهم على مال ، عليه وعلى جميع من
معه ، وعلى من غاب من أصحاب الأمتعة فيريدون
من غاب أن يدفع ذلك عن نفسه ، قال : إذا كان
ذلك مما قد عرف من سنة تلك البلاد أن إعطاء
المال يخلصهم وينجيهم فإن ذلك لازم لمن حضر
ولمن غاب ممن له أمتعة في تلك الرفاق وعلى
أصحاب الظهر من ذلك ما ينويهم ، وإن كان يخاف
أن لا ينجيهم ذلك وإن أعطوا ، وكان فيهم موضع
لدفع ذلك ، فما أحب لهم إلا أن يدفعوا عن
أنفسهم وأموالهم ، فإن لم يفعلوا وأعطوا على
ذلك شيئاً لم يرجع بذلك على من غاب من أصحاب
الأمتعة وبالله التوفيق .
(15/295)
ومن كتاب أوله
أسلم وله بنون صغار
قال عيسى : وسئل عن الرجل يكون في يديه
الودائع للناس وهو يعلم أنه ينفق منها فيموت
فيوصي بودائع فيوجد في تابوته وتحت غلقه كيس
فيه دنانير وفي الكيس مكتوب إنها لفلان وعددها
كذا وكذا ، فيوجد العدد الذي كتب فيه أكثر من
عدد ما وجد فيه من الدنانير ، هل ترى نقصان
عدتها مما في الكتاب في ماله ؟ فقال : إن قال
شهيدان إن الخط خطه كان ذلك في ماله ، وإن لم
يشهد على ذلك أحد حلف الورثة أنهم لا يعلمون
من ذلك شيئاً ولا شيء عليهم .
قال محمد بن رشد : قد مضى مثل هذا في رسم بع
ولا نقصان عليك من سماع عيسى من كتاب المديان
والتفليس ، وزاد أصبغ هنالك وكذلك لو وجد
عليها خط صاحب الوديعة أنها له مع كونها في
حوز المستودع وتحت غلقه لقضي له بها ، وقد
رأيت لابن دحون أنه لا يقضي له بها لاحتمال أن
يكون بعض الورثة أخرجها له فكتب عليها اسمه
وأخذ على ذلك جعلا .
ولا اختلاف في أنه لا يقضي له بها إذا وجد
عليه اسمه ولا يدري من كتبه على ما يأتي في
سماع أبي زيد بعد ، ولا في أنه يقضي له بها
إذا وجد عليها اسمه بخط يد المتوفي المستودع
إلا على مذهب من لا يرى الحكم بالشهادة على
الخط في موضع من المواضع ، وقد مضى تحصيل
القول في الشهادة على الخط في رسم الشجرة تطعم
بطنين في السنة من سماع ابن القاسم من كتاب
الشهادات ، فمن أحب الوقوف على ذلك تأمله هناك
.
(15/296)
مسألة
قال مالك : لو أن رجلاً استودع رجلاً قمحاً
فاحتمله المستودع إلى بلد فأراد بيعه فأدركه
صاحبه والقمح بيده لم يغيره لم يكن له أن
يأخذه منه إلا بالمكان الذي استودعه فيه ،
وكذلك السلف ، وكذلك السارق لو سرق بالمدينة
طعاماً فأخذه بمصر لم يكن عليه أن يؤديه إلا
بالمدينة ، ولو وجد بيده طعاماً بعينه ، قال
عيسى : إذا كان الطعام هو طعام المسروق بعينه
فله أن يأخذه حيث أدركه إن أحب .
قال محمد بن رشد : ساوى مالك في هذه الرواية
بين الوديعة والسلف والسرقة في أنه ليس للمودع
ولا للمقرض ولا للمسروق منه أن يأخذ طعامه إلا
في البلد الذي أودعه فيه أو أسلفه فيه أو سرق
منه فيه .
فأما السلف فلا خلاف فيه ، لأنه إن لو حكم له
بأخذه في غير البلد الذي أسلفه فيه لكان قد
ربح الحملان .
وأما الطعام الذي أودعه أو سرق منه فاختلف إن
وجده بعينه في غير البلد الذي أودعه فيه أو
سرق وهو قول ابن القاسم وروايته عن مالك ،
والثاني أنه مخير بين أن يأخذ طعامه بعينه أو
مثله في البلد الذي أودعه فيه أو سرق منه فيه
، وهو قول عيسى ابن دينار في هذه الرواية من
رأيه وقول ابن نافع وأشهب في رواية أصبغ عنه
من كتاب الغصب ، والثالث تفرقة أصبغ من رأيه
في سماعه من الكتاب المذكور بين أن يكون البلد
قريباً أو بعيداً ، فقال في القريب بقول أشهب
، وفي البعيد يقول ابن القاسم ، قال : والظالم
يحمل عليه بعض الحمل ، ولكن قاله في السرقة ،
والوديعة مثله ، وفرق ابن القاسم بين الطعام
والعروض والحيوان ، فقال في الطعام ما ذكر عنه
من أنه ليس له إلا
(15/297)
طعامه بالموضع
الذي أخذ منه ، وقال في الرقيق الذي لا يحتاج
إلى الكراء عليهم في حملهم من بلد إلى بلد ،
وفي الدواب ليس له إلا أخذهم حيث وجدهم ، وقال
في الرقيق الذي يحتاج إلى الكراء عليهم في
حملهم من بلد إلى بلد وفي البز والعروض إنه
مخير بين أن يأخذ ذلك في الموضع الذي وجده فيه
وبين أن يأخذ قيمته في الموضع الذي أخذ منه ،
وساوى أشهب بين ذلك كله في أنه بالخيار بين أن
يأخذه حيث ما وجده ، وبين أن يأخذ مثل الطعام
في الموضع الذي أخذه منه وقيمة العروض
والحيوان في الموضع الذي أخذها فيه يوم أخذها
، وفرق أصبغ بين الطعام والعروض والحيوان ،
فقال في الطعام بقول ابن القاسم إنه ليس له
إلا طعامه بالموضع الذي أخذه منه إلا أن يكون
قريباً على ما ذكرناه عنه من تفرقته في ذلك
بين القريب والبعيد ، وقال في العروض والحيوان
بقول أشهب إنه مخير أن يأخذ ذلك منه أو قيمته
في الموضع الذي أخذه منه ، وفرق سحنون أيضا
بين الطعام والعروض والحيوان ، فقال في الطعام
بقول ابن القاسم إنه ليس له إلا طعامه بالموضع
الذي أخذه منه ، وقال في العروض والحيوان إنه
ليس له إلا أخذ متاعة بعينه في الموضع الذي
وجده فيه .
فيتحصل في العروض والحيوان ثلاثة أقوال ،
أحدها أنه ليس له إلا أن يأخذها حيث وجدها ،
وهو قول سحنون ، والثاني أنه مخير بين أن
يأخذها وبين أن يأخذ قيمتها في البلد الذي
أخرجها ، وهو قول : أصبغ وظاهر روايته عن أشهب
في سماعه من كتاب الغصب ، والثالث تفرقة ابن
القاسم بين العروض والرقيق الذي يحتاج إلى
الكراء عليهم في حملهم من بلد إلى بلد ، وبين
الدواب والرقيق الذي لا يحتاج على الكراء
عليهم .
وفي الطعام ثلاثة أقوال أحدهما أنه ليس له إلا
مثل طعامه في الموضع الذي أخذ منه ، وهو قول
ابن القاسم ، والثاني أنه له الخيار في أن
يأخذه بعينه إن شاء والثالث تفرقة أصبغ بين
القريب والبعيد ، فلا يقول أحد منهم في
(15/298)
الطعام إنه
يلزمه أن يأخذه حيث وجده ، وإنما اختلفوا هل
له أن يأخذه بعينه حيث وجده ، أو ليس له إلا
مثله في الموضع الذي أخذ منه ، ولا في العروض
والحيوان أنه ليس له أن يأخذها ، وإنما
اختلفوا هل له أن يأخذها أو هل يلزمه أن
يأخذها فهذا تحصيل القول في هذه المسألة ،
وبالله التوفيق .
ومن كتاب
جاع فباع إمرأته
وسألته عن الرجل يستودع الرجل الوديعة فيقبضها
منه ، فيقول نقصت وديعتي ، ويقول المستودع بل
هي وديعتك كلها ، فيتداعيان إلى السلطان ،
فيقول له المستودع أنا أريد سفراً فلا تشغلني
عنه ، فإذا انصرفت مما أدعيت مما حلفت عليه
فهو لك قبلي فيدعه علي ذلك ، فلما انصرف قال :
مالك قبلي شيء ، وإنما قلت ذلك ليلا تقطعني عن
سفري ، قال : لا يلزمه ذلك ، ويغرم له كل ما
حلف عليه المدعي .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال لأن اليمين
كانت واجبة له على المودع ، فرضي بردها عليه ،
فلزمه ذلك ، فلم يكن له عنه رجوع ، ولو قال
دعني أخرج إلى سفري فإن لم أرجع إلى وقت كذا
وكذا فأنت مصدق فيما تدعي مع يمينك ، لم يلزمه
ذلك ، لأنه مخاطرة خلاف هذه المسألة ، حكى
التفرقة بين الوجهين ابن حبيب عن مطرف وابن
الماجشون واصبغ ، وما حكى ابن حبيب ومطرف وابن
الماجشون وأصبغ من أن ذلك لا يلزمه في الشروط
هو على قياس قول ابن القاسم في الكفالة من
المدونة في الذي يتكفل برجل إلى أجل على أنه
إن لم يوافه به عند الأجل فهو ضامن للمال فلا
يوافه به عند الأجل أن المال لا يلزمه إن أتى
به بعد ذلك قبل أن يحكم عليه ، ومحمد ابن
(15/299)
عبد الحكم يقول
إن ذلك لا يلزم المودع وإن كان قوله على وجه
الشرط ويحلف ويبرأ ، فإن نكل عن اليمين حلف رب
المال وأخذ تمام وديعته ، ووجه قوله أنه عذر
المودع بما اعتذر به من أنه إنما قال ذلك ليلا
يقطع به عن سفره ، ولو رد عليه اليمين دون سبب
للزمه ذلك قولا واحداً ، وإنما يختلف إذا نكل
عن اليمين فقال لا أحلف ولم يصرح بردها على
المدعي ثم أراد أن يحلف بعد ذلك ، هل يكون ذلك
له أم لا على قولين ؟ وأهل المشرق لا يرون رد
اليمين على المدعي ، فإذا نكل المدعي عليه
عندهم عن اليمين كان نكوله كالإقرار ولزمه
الحق ، وقد رأيت لابن دخون في هذه المسألة أنه
قال فيها : إنما يصح هذا الجواب على أن
الوديعة كانت ببينة أو على قول من رأي اليمين
على المودع إذا انتقصت الوديعة ، فإن لم تكن
ببينة فكأنه رضي برد اليمين على المودع فلزمه
ذلك ، ولم يكن له عنه رجوع ، وهو غير صحيح ،
لأنه لا خلاف في وجوب اليمين على المودع في
دعوى النقصان إن لم يكن على الوديعة بينة ولا
في أن الغرم يلزمه دون أن يحلف رب الوديعة إذا
كانت عليها بينة وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل عن الرجل يستودع الرجل ثلاثين ديناراً
وبين يديه ثلاثون ديناراً فيجعلها في قرب التي
بين يديه فتذهب منها عشرة فلا يدري من أي ذهبت
؟ قال عليه أن يدفع إلى المستودع ثلاثين تامة
.
قال محمد بن رشد : قوله لا أدري من أين ذهبت
معناه لا أدري الثلاثين التي ذهبت منها العشرة
أن كانت في المودعة أو التي كانت بين يديه ،
إذ لو عرف المودعة من التي كانت بين يديه لعرف
من أين ذهبت بوجودها ناقصة إذا وزنت ، وجوابه
هذا في هذه المسألة إنما يصح على قول من قال
في رجل قال هذه المائة وديعة عندي لفلان أو
لفلان أنه يغرم لهما مائتين مائة لكل واحد
منهما ، وأما على قول من قال إنهما يحلفان
جميعاً
(15/300)
ويقتسمان
المائة ولا يكون على المقر شيء فيأتي على قياس
قوله في هذه المسألة إن أدعى المدع الثلاثين
التي لم يذهب منهما شيء كانت له ، قيل بيمين
وقيل بغير يمين على الاختلاف في لحوق يمين
التهمة ، وإن لم يدعها وقال لا أدري أيتهما لي
أن كانت التي لم يذهب منها شيء أو الأخرى التي
ذهبت منها العشرة ، فتكون مصيبة العشرة منها
ويقتسمان الخمسة الباقية بينهما بنصفين دون
يمين ، وقيل بعد أن يحلف كل واحد منهما ، لأنه
لا يدري إن كانت العشرة ذهبت من متاعه أو من
متاع صاحبه ، فإن حلفا جميعاً ، أو نكلا
جميعاً عن اليمين على هذا الوجه كانت الخمسون
بينهما بنصفين ، وإن حلف أحدهما ونكل الآخر
كانت الثلاثون للحالف بينهما وهذا الاختلاف في
اليمين على اختلافهم في لحوق يمين التهمة ،
وبالله التوفيق .
من سمع يحيى ابن يحيى من ابن القاسم من كتاب
الكبش
قال يحيى : وسألته عن الرجل يكون معه عشرة
دنانير لنفسه فيدفع إليه رجل ديناراً استودعه
إياه فيذهب منها دينار كيف يكون ضمانه عليهما
؟ قال : يأخذ صاحب العشرة تسعة دنانير
ويقتسمان العاشر ويكون ضمان الذاهب بينهما
بنصفين ، قلت له : فقول مالك إن صاحب الدينار
يكون شريكا في الأحد عشر ديناراً على حساب
الدينار ، ولا يكون عليه من ضمان الدينار
الذاهب إلا سهم من أحد عشر سهماً أيؤخذ به ؟
قال : لا .
قال محمد بن رشد : هذا مثل ما في كتاب تضمين
الصناع من المدونة وفي غيره من المواضع ، هو
اختلاف مشهور معلوم ، وسواء في هذا كان المودع
صاحب العشرة الدنانير أو صاحب الدينار ، وسواء
تقارا على تلف
(15/301)
الدينار أو علم
ذلك ببينة إذا دعاه المودع فصدق في ذلك بغير
يمين أو بيمين إن كان متهماً .
ولو دفع إليه ثلاثة دنانير إلى عشرته فضاع من
ذلك ديناران كان لصاحب الشعرة ثمانية ولصاحب
الثلاثة دينار ويقسمان الدينارين الباقيين
بينهما بنصفين ، ولو ضاع من ذلك ثلاثة دنانير
لكان لصاحب العشرة سبعة ويقتسمان الثلاثة
بينهما على نصفين ، وعلى قول مالك يقتسمان
الأخذ عشر إن كان ضاع منها ديناران أو العشرة
إن كان ضاع منها ثلاثة دنانير على ثلاثة عشر
جزءاً ، والحكم في الشيء يتداعى فيه الرجلان
فيقول أحدهما : لي جميعه ، ويقول الآخر : لي
عشره يجري على هذا الاختلاف إذا لم يكن في يد
واجد منهما باتفاق ، واختلف إن كان بأيديهما
جميعاً ، فقيل إنه يجري على هذا الاختلاف أيضا
بعد أيمانهما ، وقيل إن القول قول الذي ادعى
العشر مع يمينه لأنه حائز للنصف ، فعلى من
أدعى عليه أن له أكثر من النصف إقامة البينة
وبالله التوفيق .
ومن كتاب الأقضية
قال يحيى وسألت ابن وهب عن رجل دفع إلى رجل
مائة دينار يستودعه إياها وعهد إليه أن لا
يدفعها إلا إلى من أتاه بأمارة أعلمه بها لم
يطلع عليها غيره ، فأتى رجل بتلك الأمارة فدفع
إليه المال ومات المستودع صاحب أصل المال ،
فقام ورثته إلى الذي قبض المال بالأمارة ،
فقالوا قد وصل إليك ما لنا فما الذي صنعت به ،
فقال : صنعت به الذي أمرني أبوكم به ، وهو
صاحب المال ، قالوا : فما أمرك به ؟ قال : ليس
علي أن أخبركم بالذي أمرني به غير أني قد صنعت
بأمره ، قال : أرى أن يحلف قابض المال
بالأمارة بالله الذي
(15/302)
لا إله إلا هو
لقد فعل الذي أمره به في المال لم يتعد إلى
غيره ، ثم يبرأ ، وسألت عن ذلك ابن القاسم
فقال لي مثل ما قال ابن وهب .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة فيها نظر ، لأن
القياس كان فيها إذا لم يدع الورثة علم ما
أمره به موروثهم قابض المال بالأمارة أن يصدق
فيما زعم أن رب المال أمره أن يفعله فيه ، ولا
يصدق أنه قد فعله حتى يعلم ما هو ، إذ من
الأشياء ما لا يصدق المأمور فيها أنه قد فعله
حتى يقيم البينة على ذلك ، فكان الواجب أن
يسئل قابض المال بالأمارة عما أمر به في المال
، وهل فعله أم لا ؟ وإن ذكر أنه أمره أن يفعل
فيه ما هو مصدق على فعله صدق مع يمينه في أنه
أمر بذلك وفي أنه قد فعله ، وإن ذكر أنه أمره
أن يفعل فيه ما لا يصدق على فعله حتى يقيم
البينة على ذلك صدق مع يمينه في أنه أمر بذلك
، ولم يصدق في أنه قد فعله حتى يقيم البينة
على ذلك .
وأما إن أدعى الورثة معرفة ما أمره به موروثهم
في المال فينزلون منزلته في الدعوى ، ويكون
القابض للمال مدعيا فيما زعم أنه أمره به فيما
مما لم يقر له به الورثة وكذبوه فيه ، فما
لهذه المسألة عندي وجه إلا أن يتأول على أن
قبض المال بالأمارة لم يعلم إلا من قبل قابضه
بأن يأتي الورثة فيقول لهم كان أبوكم قد أمرني
أن اقبض مالا له عند فلان بأمارة أعلمني بها
فقبضته وصنعت فيه ما أمرني أبوكم ، فليس عليه
إذا كان الأمر على هذا أن يبين لهم ما أمره به
أبوهم إذ لو شاء أن لا يقر بشيء لفعل وبالله
التوفيق .
من سماع سحنون
وسؤاله ابن القاسم
قال سحنون : سألت ابن القاسم عن الرجل يستودع
الوديعة ثم يتصدق بها على رجل يقول أشهدكم أني
قد تصدقت بالوديعة التي
(15/303)
عند فلان على
فلان لا يكون منه أكثر ولم يأمره أن يقبض له ،
ثم مات .
قال إن علم المستودع أنه يصدق بذلك فأراها
للمتصدق عليه ، وإن لم يعلم فلا أرى للمتصدق
عليه شيئاً قلت من أي وجه قال ؟ من قبل أنه
إذا علم أنه تصدق بما في يديه فقد صار قابضاً
للمتصدق عليه حتى لو أراد صاحب الوديعة أخذها
لكان يبتغي للمستودع أن لا يدفعها إليه ، فإن
دفعها إليه ضمنها .
قال محمد بن رشد : وقعت هذه الرواية بعينها في
هذا السماع من كتاب الصدقات والهبات وشرط فيها
في صحة الحيازة معرفة المستودع خلافاً لما في
المدونة لأنه جعل فيه قبض المستخدم والمستعير
قبضا للموهوب له ، ولم يشترط معرفتهما ،
ويتخرج في المسألة قول ثالث فالقياس على
ارتهان فضلة المرهن أن الحيازة لا تصح إلا أن
يعلم المستودع ويرضي أن يكون حائزا للموهوب له
إلا أن يفرق في ذلك بين الرهن والصدقة حسبما
مضى القول فيه مجوداً في رسم الأقضية الثالث
من سماع أشهب من كتاب الرهون ، وإنما يكون قبض
المستودع قبضا للمتصدق عليه إذا علم على هذه
الرواية أو علم أو لم يعلم على مذهبه في
المدونة إذا قبل الموهوب له الهبة ، فأما إذا
لم يعلم منه قبول حتى مات الواهب فلا شيء له
ولا شيء على المستودع في ردها قبل قبول
الموهوب له الهبة وعلمه بها ، هذا إذا كان
الموهوب له حاضراً وأما إن كان غائباً تصح
حيازة المستودع له وإن مات الواهب قبل أن يقبل
الموهوب له ، وسواء على مذهب ابن القاسم
وروايته عن مالك كان الشيء الموهوب بيد
الموهوب له أو بيد حائز يحوزه له وهو حاضر إن
لم يقبل حتى مات الواهب بطلت الهبة ، وقال
أشهب إذا كان الشيء الموهوب بيد الموهوب له
صحت له الحيازة ، وإن لم يقبل حتى مات الواهب
لأن كون ذلك في يديه أحوز الحوز وبالله
التوفيق .
(15/304)
من سماع عبد
الملك
ابن الحسن من أشهب
قال عبد الملك ابن الحسن : سئل أشهب عن رجل
أتي رجلاً يستودعه مالاً فقال له الرجل :
أدفعه إلى عبدي هذا ، فدفعه فاستهلكه العبد .
فقال : هو في ذمة العبد ن قيل فإن كان السيد
غره من العبد ؟ قال : ليس عليه إلا ما قلت لك
.
قال محمد بن رشد : ولا يكون ذلك في ذمة العبد
بإقراره حتى تقوم بينة باستهلاكه ، قال ذلك
محمد ابن عبد الحكم ، وهو صحيح ، وقد قيل إن
السيد ضامن إذا غره ، وذلك على الاختلاف
المعلوم في الغرور بالقول ، وإذا ضمن السيد
ذلك على هذا القول بيع في ذلك العبد وغيره من
ماله ، وبالله التوفيق .
من سماع أصبغ بن الفرج من ابن القاسم
قال أصبغ : وسئل ابن القاسم عن رجل جعل عند
رجل مالاً وديعة فأتاه يوماً يتقاضاه ، فقال
إني مشغول وراكب إلى موضع كذا وكذا فانتظرني
إلى غد ، فأبي فتصايحا حتى حلف أن لا يعطيها
إياه الليلة فلما أتاه من الغد يتقاضاها إياه
قال : ذهبت ، هل عليه غرمها ؟
قال : إن كان إنما ذهبت من قبل أن تلقاني ضمن
لأنه قد أقر
(15/305)
بها ولا يقبل
قوله ، وإن قال لا أدري متى ذهبت ، وإنما عهدي
بها منذ كذا وكذا أحلف وكان القول قوله ، ولا
ضمان عليه ، وقاله أصبغ ويحلف ما علم بذهابها
حين منعه ولا منعه لذلك ولقد كان علمه على
أنها ثم فيما يرى ساعتئذ ولا يعلم غير ذلك ،
قال ابن القاسم : وإن قال ذهبت مني بعد ما
حلفت وفارفتك رأيته ضامناً ، لأنه قد تعدى
عليه حين لم يدفع إليه حقه ساعتئذ ، إلا أن
يكون كان على أمر لا يستطيع الرجوع فيه ويكون
في رجوعه عليه ضرر فلا ضمان عليه إذا كان كذلك
، قال أصبغ ليس في هذا تعدي وليس عليه ضمان
إذا كان أمره ذلك الذي منعه واحفزه عذراً
غالباً عليه فيه ضرر ، ولم يكن الأمر كان
يمكنه عند بابه أو هو في يديه ونحوه ها هنا ،
وليس عليه في أخذه ومناولته تطويل ولا أمر ،
ولا فتح وغلق ولا استخراج ولا أمر لا يصح إلا
به وبنظره وبرجوعه ، فإن كان هذا كله هكذا
رأيته ضامناً ومتهماً بدفعه إياه له عند ،
وإلا فلا ضمان عليه فقد يعوق الرجل ما يعوق
وقد ينتقل في الحين الذي يأتي فيه إعطاؤه وقد
يرد الناس الناس مثل هذا ويشتغلون ويكلمون وهم
أعلم بأنفسهم وأهوائهم ومرافقهم وشأنهم فأرى
أن يحلف ويبرأ إن شاء الله .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة بينة صحيحة لا
اختلاف بينهم أنه إذا سأله ويدعته فإن أبي أن
يعطيه إياها في ذلك الوقت لعذر ذكره ثم أتاه
بعد ذلك فيها فذكر أنها قد كانت تلفت قبل أن
يلقاه فيها أولا أنه ضامن لها ، لأنه لما
اعتذر في دفعها إليه في ذلك الوقت فقد أقر
أنها باقية لم تتلف فكدب ذلك دعواه الآن أنها
قد كانت تلفت فلا يقبل قوله في ذلك إلا أن
يقول لم أعلم في ذلك الوقت أنها قد كانت تلفت
ولذلك اعتذرت إليه في دفعها إليه في ذلك
(15/306)
الوقت ووعدته
لوقت آخر ، فيحلف على ذلك كما قال أصبغ ويسقط
عنه ضمانها ، وكذلك إن قال لا أدري متى تلفت
أن كان قبل طلبك إياها أو بعد ذلك ، فيخلف على
ذلك ويسقط عنه الضمان .
وأما إن قال تلفت بعد ذلك فإن كان منعه إياها
لعذر ألجاه إلى ذلك ولم يكن متعديا في منعه
إياها في ذلك الوقت فلا ضمان عليه ، فإن كان
منعه إياها لغير عذر تعديا منه في ذلك فهو
ضامن لها .
واختلف هل هو محمول على العذر حتى يثبت التعدي
أو على التعدي حتى يثبت العذر ؟ وظاهر قول ابن
القاسم أنه محمول على التعدي حتى يثبت العذر
وظاهر قول أصبغ أنه محمول على العذر حتى يثبت
التعدي لا اختلاف في هذه المسألة إلا في هذا
الوجه ، وقد وقع في النوادر لمحمد ابن عبد
الحكم أنه لا ضمان عليه تلفت قبل أو بعد ،
وليس ذلك بخلاف لشيء مما تقدم ، لأن معنى قوله
إذا لم يعلم بذلك إلا بعد ، ومعنى قوله أو
تعدى إذا كان له في صنعه عذر ولم يكن متعديا
في ذلك ، قال محمد ابن عبد الحكم ولو أبي أن
يدفعها إليه إلا بالسلطان فتلفت في خلاف الدفع
لم يكن عليه في ذلك ضمان ؛ لأن له في ذلك عذر
يقول خفت شغبه وأذاه ، وسيأتي القول على هذا
في آخر سماع أبي زيد إن شاء الله .
مسألة
قال أصبغ : سمعت ابن وهب وسئل عن الرجل يستودع
الرجل وديعة يبعث بها المستودع إلى صاحبها
فيعدوا عليها اللصوص فينزعونها فيقول المستودع
لم آمرك أن تبعث بها إلي ، ويقول المستودع بل
أنت أمرتني أن أبعث بها إليك ، ولا بينة
بينهما .
قال : المستودع ضامن لأنه متعدي وهو مدعي ،
فإذا تعدى كان عليه الضمان ، ولكن لو كان قال
سقطت مني أو دفعتها إليك ،
(15/307)
أو سرقت مني
فذهب بها لم يكن عليه شيء .
قال محمد بن رشد : إنما يضمن المودع الوديعة
إذا أدعى أن ربها أمره أن يبعث بها إليه بد
يمينه أنه إنما أمره أن يبعث بها إليه ولقد
تعدى عليه في البعث بها إليه بغير أمره فيحق
عليه التعدي بيمينه ، وهو معنى قوله في
الرواية المستودع ضامن لأنه متعدي ، فإنما قال
فيه إنه متعدي ، لأن العداء قد ثبت عليه بيمين
رب الوديعة .
وقوله ولكن لو قال سقطت مني أو دفعتها إليك أو
سرقت مني فذهب بها لم يكن عليه شيء ، معناه لم
يكن عليه غرم لأن اليمين عليه في دعوى الرد
باتفاق ، وفي دعوى التلف على اختلاف إن لم
يحقق عليه الدعوى ، قيل إنه يحلف ، فإن نكل عن
اليمين غرم قيل بعد يمين رب الوديعة ، وقيل إن
اليمين لا يرجع عليه ، وقيل إنه لا يمين عليه
على اختلافهم في لحوق يمين التهمة وفي ردها ،
وقيل إن كان من أهل التهم أحلف وإلا لم يحلف ،
وهو المشهور في المذهب ، وأما أن حقق عليه
الدعوى فلا اختلاف في وجوب اليمين عليه ، وفي
أن له أن يردها وبالله التوفيق .
مسألة
قال وسألته عن رجل استودع وديعة وهو في المسجد
أو في مجلس فجعلها على نعليه فذهبت أعليه ضمان
؟ فقال : ما أرى عليه ضماناً ، قلت : ولا تراه
متعدياً لأنه إنما أعطاه إياها يحوزها فليس
هذا حوزاً ؟ قال لي : فإنه الآن يقول لم يكن
معي خيط أربطه به ، قلت يربطها في طرف ردائه ،
قال : فإنه يقول ليس علي رداء علي برنس قلت :
فإن كان عليه رداء ؟ قال ما أرى عليه شيئا
بحال .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال إنه إذا دفع
إليه الوديعة وهو في مسجد أو في مجلس فجعلها
على نعليه يريد بين يديه حيث بنظر إليها ،
(15/308)
فتلفت إنه لا
ضمان عليه ، لأن ذلك هو وجه الحوز لها في ذلك
الموضع على ما جرت به العادة ، فوجب أن لا
يضمن ، قال مطرف وابن الماجشون : ولو نسيها في
الموضع الذي دفعت إليه فيه وقام ضمنها ، وكذلك
لو كانت في داره فأخذها فأدخلها كمه يظنها
دراهمه فسقطت فإنه يضمن ، قالا وهذه جنايات
فضمناه بالنسيان ولم يعذراه بذلك ، وقد يتخرج
في هذا اختلاف بالمعنى من مسألة الرجلين
يدعيان مائة دينار وديعة عند رجل ، فيقول
المدعي عليه لا أدري من دفعها إلي منكما ،
لأنه عذر بالنسيان على القول بأنه لا يلزمهما
أكثر من أن يغرم لهما المائة فيحلفان
ويقتسمانها بينهما ، وقد مضى تحصيل الاختلاف
في ذلك في رسم يدير من سماع عيسى من كتاب
المديان والتفليس وبالله التوفيق .
ومن كتاب القضاء المحض
قال اصبغ : سألت ابن القاسم عن رجل تكون عنده
الوديعة فتطلب منه فيقول قد ضاعت مني منذ سنين
إلا أني كنت أرجو أن أجدها وكنت أطلبها وما
أشبه ذلك ولم يسمع ذلك منه ، وصاحبه الذي
استودعه أيضاً حاضر ألا يذكر ذلك له ؟ فقال :
هو مصدق ولا ضمان عليه إلا أن يكون قد طلبت
منه فأقر بها أنها عنده كما هي ، ثم زعم أنها
قد ضاعت منه سنين ، فهو ها هنا ضامن وإلا فلا
شيء عليه ، والقراض مثل ذلك سواء ، قال أصبغ
لا يعجبني وهو ضامن إذا أمسك ، ولا يعرف طلباً
منه ولا ذكر لصاحبها ولا لغيره ، ولا وجه
مصيبة تطرق ولا سماع سرقة ولا غرق ولا غير ذلك
قبل ذلك ، وحضور الطالب اشد وأبين بإمساكه عنه
، وكل سواء إذا طال هذا جدا وأدعى أمراً
قريباً لا ذكر له .
(15/309)
قال محمد بن
رشد : قول ابن القاسم عندي أظهر من قول أصبغ ،
لأن الأصل براءة الذمة ، فالواجب فيها سبباً
إلا بيقين ، وهو قول محمد ابن عبد الحكم ، قال
: أصحابنا يقولون إن سمع ذلك منه قبل ذلك
الوقت الذي يسألها فيه قبل منه وإن لم يسمع
ذلك منه إلا ذلك الوقت لم يقبل ، قال محمد :
وأنا أرى أن يحلف ولا شيء عليه وبالله التوفيق
.
ومن كتاب الكراء والأقضية
وسئل ابن القاسم عمن استودع رجلاً سيفا وقيمته
أربعة دنانير وضمنه إياه فعدا عليه ابن له
فقاتل به فانكسر وقيمته يوم تعدى الابن عشر
دنانير .
فقال : أرى عليه قيمته يوم استودعه إلا أن
يكون القيمة يوم تعدى عليه أكثر ، قال اصبغ إن
كان الضمان إنما ضمن أربعة التي هي القيمة
فليس عليه غيرها والفضل على الابن المتعدي ،
وإن كان ضمن السيف ضماناً فعليه قيمته الكبرى
كانت الأولى أو الآخرة .
قال محمد بن رشد : قول أصبغ إن كان الضمان
إنما ضمن أربعة التي هي القيمة فليس عليه
غيرها الفضل على الابن المتعدي صحيح لا اختلاف
فيه ولا كلام ، وقوله وإن كان ضمن السيف
ضماناً فعليه قيمته الكبرى كانت الأولى أو
الآخرة هو مثل قول ابن القاسم سواء وذلك بعيد
جدا والذي يوجبه النظر على أصولهم أن تكون
عليه قيمته يوم دفعه إليه على الضمان إلا أن
تعلم قيمته يوم تعدى عليه الابن فيكون ذلك
عليه ، كان أقل من قيمته يوم دفعه إليه أو
أكثر ويرجع بذلك على الابن ، وإنما يصح أن
يكون عليه الأكثر من القيمتين إذا لم يعلم
قيمته يوم تعدى عليه الابن إلا بقوله ، لأنه
إن ادعى أن قيمته
(15/310)
يوم تعدى عليه
ابنه أقل لم يصدق ، وإن أدعى أنها أكثر كان
مقراً على نفسه وهذا أبين وأصح والله أعلم .
من نوازل سئل عنها أصبغ
وقال أصبغ في رجل استودع وديعة فطلب صاحب
الوديعة وديعته من المستودع ، فقال المستودع :
والله ما أدري دفعتها إليك أم ضاعت مني ؟ قال
: لا أرى عليه ضماناً لأنه إن كان دفعها فقد
برئ وإن كانت ضاعت منه فهو فيها مؤتمن ، فلا
ضمان عليه إلا أن يكون المستودع إنما استودعها
إياه ببينة فلا يبرأ منها بقوله قد دفعتها
إليك حتى يقيم البينة بدفعها إليه وإلا غرم .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال إنه إذا دفعها
إليه بغير بينة فلا ضمان عليه يريد بعد أن
يحلف ما هي عنده ولقد دفعها إليه أو تلفت لأن
القول قوله في كل واحد من الوجهين لو أدعاه
بعينه فكذلك إذا أدعى أحدهما بغير عينه ، وأما
إذا دفعها إليه ببينة فبين أنه لا يبرأ منها
بقوله لا أدري إن كنت دفعتها إليك أو تلفت ،
لأنه لو أدعى أنه دفعها إليه لم يصدق فكيف إذا
قال لا أدري إن كنت دفعتها إليك أو تلفت ، ولو
دفعها إليه ببينة فقال المودع لربها إن كنت
دفعت إلي شيئاً فقد ضاع لبريء منها بيمينه ،
قال ذلك عبد الله بن عبد الحكم وهو على قياس
قول أصبغ المذكور ، وبالله التوفيق .
مسألة
قلت له فرجل استودع وديعة فدفنها في بيته أو
بموضع فلما طلبها صاحبها قال له المستودع :
والله ما أدري ما فعلت ، دفنتها أحين دفعتها
إلي ؟ فطلبتها فلم أقدر على موضعها ولم أصبه .
(15/311)
قال : أراه
ضامناً ، هذا مضيع لا يدري حيث دفنها إلا أن
يقول دفنتها في بيتي أو حيث يجوز لي دفنها من
المواضع التي يرى أنه أحرزها فيها كما كان
يحرز متاعه ، فيزعم أنه طلبها في ذلك الموضع
فلم يجدها وقد اتفق أنه دفنها فيه فلا ضمان
عليه فيها ، لأنه ها هنا بمنزلة ما لو سقطت
منه أو جاء عليها تلف من غير صنعه ، لأنه فعل
في دفنه ما يجوز له إذا كان يحفظ الموضع الذي
دفنها فيه ، وأما إذا قال دفنتها ولا أدري حيث
، فهذا متلف لها مضيع فهو ضامن .
قال محمد بن رشد : لم يعذره في هذه المسألة
بنسيان الموضع الذي دفن فيه الوديعة ويدخل في
هذا اختلاف بالمعنى قد ذكرته في أول رسم من
سماع أصبغ قبل هذا فلا معنى لإعادته .
من سماع أبي زيد ابن أبي الغمر من ابن القاسم
قال أبو زيد سئل ابن القاسم عن رجل هلك وترك
ودائع ولم يوص فتوجد صرر فيها مكتوب وديعة
فلان بن فلان وفيها كذا وكذا ديناراً أتراها
لفلان الرجل الذي اسمه على الصرة إذا لم تكن
بينة على أنه استودعها إياه إلا بقول وقد
وجدوها عند الهالك كما أدعى ؟
قال : ليس له فيها شيء لعله دفعه إلى أهل
البيت دراهم حتى كتبوا له فوق هذه الصرر ما
يريد .
قال محمد بن رشد : هذا ما لا اختلاف فيه أنه
لا يقضي بالصرة لمن وجد عليها اسمه إذا لم يكن
بخط يده ولا بخط يد المودع ، وقد مضى
(15/312)
تحصيل القول في
ذلك في رسم أسلم من سماع عيسى قبل هذا فلا
معنى لإعادته .
مسألة
وقال ابن القاسم في رجل دفع إلى رجل وديعة أو
رهنه رهناً ثم جاء يطلب وديعته أو جاء بافتكاك
الرهن فأبى الذي في يديه الوديعة أو الرهن أن
يدفع ذلك إلى أهله حتى يأتي السلطان فيعدي
عليه بالدفع ، فضاع ذلك الرهن أو الوديعة قبل
أن يقضي عليه السلطان وبعد طلب المستودع
وديعته وبعد طلب الراهن رهنه .
قال : إن كان دفع ذلك بغير بينة في الرهن
والوديعة فأراه ضامناً .
قال محمد بن رشد : في مساواته في هذه المسألة
بين الرهن والوديعة بقوله إن كان دفع ذلك إليه
بغير بينة في الرهن فأراه ضامناً دليل على أن
القول قوله في رد الرهن إذا قبضه بغير بينة
كالوديعة سواء ، وذلك بعيد لأن الرهن قبضه
لمنفعة نفسه فلا يصدق في ضياعه ولا في رده ؛
بأن قبضه بغير بينة ، والوديعة قبضها لمنفعة
صاحبها ويصدق في ضياعها وفي ردها إلا أن يكون
دفعت إليه ببينة ، وقد مضى تحصيل القول في ذلك
في رسم استأذن من سماع عيسى من كتاب الرواحل
والدواب ، فلعله إنما تكلم في هذه الرواية على
الرهن الذي لا يغيب عليه فتصح المسألة ، لأن
الرهن الذي لا يغاب عليه يصدق المرتهن في رده
إذا قبضه بغير بينة كما يصدق في تلفه كالوديعة
.
وقد اختلف إذا أبى المودع أن يدفع الوديعة إلى
الذي أودعه إياها إلا بالسلطان ، فترافعا إليه
فضاعت بين سؤاله إياه وبين إتيانه السلطان على
ثلاثة أقوال أحدها أنه لا ضمان عليه وإن كان
قبضها منه بغير بينة ، لأن له في ذلك
(15/313)
عذراً يقول خفت
شغبه وأذاه ، وهو قول محمد ابن عبد الحكم
والثاني أنه ضامن وإن كان قبضها منه ببينة
لأنه متعدي إذا منعه إلا بالسلطان وكان يقدر
على أن يشهد عليه بالرد كما أشهد هو عليه
بالقبض ، وإلى هذا ذهب ابن دحون ، فالرهن
والوديعة على مذهبه سواء في هذا ، والثالث ما
ذهب إليه في هذه الرواية من تفرقته بين ما
يصدق فيه في الرد وبين ما لا يصدق وبالله
التوفيق .
تم كتاب الوديعة والحمد لله
(15/314)
|