البيان
والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة
كتاب العدة
من سماع ابن القاسم من كتاب أوله باع غلاماً
وسألت مالكاً عن رجل هلك وعليه مشي إلى بيت
الله فسأل ابناً له أن يمشي فوعده بذلك ، قال
: أما إذا وعده فإني أحب له أن لو فعل ذلك به
، ولكن ما ذلك رأيي أن يمشي أحد عن أحد ولكني
أحب إذا وعده أن يفعل ذلك به .
قال محمد بن رشد : تكررت المسألة بعينها في
هذا الرسم من هذا السماع من كتاب الحج ،
والمعنى فيها أن مالكاً استحب له أن يفي لأبيه
بما وعده به من أن يمشي عنه وإن كان ذلك عنده
لا قربه فيه من ناحية استحباب الوفاء بالوعد
في الجائزات وبالله التوفيق .
من سماع عيسى ابن دينار من ابن القاسم
قال عيسى وسألت ابن القاسم عن الرجل يبتاع من
الرجل السلعة على أن لا نقصان عليه ، قال مالك
: ليس بيعاً ، فإن باع فله إجارته وإن أدرك
قبل أن يفوت فسخ ذلك ، وإن كان عبداً فمات في
يديه كانت مصيبته من البائع .
(15/338)
قلت له : فإن
أعتقه المشتري على هذا الشرط ؟ فإن عتقه جائز
وتكون عليه القيمة وإن كانت جارية فأحبلها
كانت عليه القيمة ومضى البيع لأنه أمر قد
اختلف فيه .
ولقد كان عبد العزيز بن أبي سلمة يقول : إن
مات فضمانه من المبتاع ، ولكنا نبتع مالكاً في
الموت إذا فات إنه من البائع ، قال : فإن فات
بحمل أو عتق كان عليه القيمة ، قال أصبغ : قلت
لابن القاسم : فإن كانت جارية فوطيها المبتاع
فحملت أو لم تحمل أو أعتقها أو وهبها أو تصدق
بها ؟ قال : يكون عليه بالثمن الذي اشتراها به
، لأنه ذلك رضي منه بالثمن إذا فعل ذلك ، وذلك
أحمل للقياس ، لأني إن جعلته أجيراً لم أجز
بيعه ولا هبته ولم أجعلها أم ولد وإن أبا أنا
جعلته بيعاً فاسداً وألزمته القيمة لم يحمله
القياس ، وأحب إلي أن يلزمه الثمن في الفوت في
هذه الأشياء الذي سألت عنها وأجعل ذلك رضي منه
بالثمن .
قلت له : فإن جاء بالبيع ؟ فقال عليه قيمة ما
جاء به ، قال عيسى قلت : فإن قال له ذلك بعد
البيع ولم يقل له ذلك في عقدة البيع : بع ولا
نقصان عليك ، قال : إذا يلزمه ذلك إن باع
بنقصان ، وهو قول مالك أيضاً ، قال أصبغ :
وأما إذا كان عبداً فأبق أو مات وكان الشرط
بعد عقد ففيه اختلاف ، والذي أقول أنا به أنه
موضوع عن المشتري ، وأما إذا ذهب الثوب فلا
يقبل قوله إلا ببينة أنه ذهب وإلا فهو منه ،
ولا يحل للمشتري أن يطأها إذا رضي بالشرط
وقبله ، قال لي ابن القاسم فإن وطئ لزمته
الجارية بجميع الثمن ، ولا
(15/339)
يعدي على
البائع بشيء ، لأنه لما وطئ فقد ترك ما جعل له
.
قال عيسى قلت له : فرجل اشترى من رجل سلعة
ونقده الثمن ثم جاءه بعد ذلك يستوضعه ؟ قال
إذهب بع ولا نقصان عليك ، قال : لا بأس بهذا
إذا كان قد انتقد ، فإن لم يكن انتقد فقال له
بع ولا نقصان عليك من غير أن ينقده أيضاً فلا
بأس به ، وإن قال له أنقدني وبع ولا نقصان
عليك فلا خير فيه ، قلت : لم ذلك ؟ قال لأنه
يكون فيه عيوب وخصومات .
قال محمد بن رشد : اتفق مالك وأصحابه فيما
علمت على أنه لا يجوز أن يبيع الرجل سلعته أو
جاريته من الرجل بثمن يسميه له على أنه لا
نقصان عليه منه فإن وقع وعثر عليه قبل أن يفوت
بوجه من وجوه الفوت فسخ ، وإن لم يعثر عليه
حتى فات ببيع أو حوالة سوق أو موت فاختلف هل
يحكم بذلك بحكم البيع الفاسد أو بحكم الإجارة
الفاسدة ، فقيل إنه يحكم في ذلك بحكم البيع
الفاسد فيصح البيع في ذلك كله بالقيمة يوم
القبض ، وهو أحد قولي مالك وأحد قولي عبد
العزيز ابن أبي سلمة وقيل إنه يحكم في ذلك كله
بحكم الإجارة الفاسدة لأنه كأنه استأجره على
بيعها بما كان فيها من ربح وعلى الثمن الذي
سماه له ، فتكون المصيبة فيها من البائع إن
ماتت وترد إليه إن كانت فاتت بحوالة أسواق أو
عيب من العيوب المفسدة ، ويكون له الثمن الذي
بيعت به إن فاتت بالبيع كان أقل من الثمن الذي
سمي له أو أكثر ، ويكون للمبتاع إجارة مثله في
بيعه إياها ، وهذا قول مالك في هذه الرواية
وقوله في موطأه وقول عبد العزيز ابن أبي سلمة
في الواضحة .
وأما إن لم يعثر على ذلك حتى أفاتها المبتاع
بهبة أو صدقة أو عتق إن كان عبداً أو حمل إن
كانت أمة فاختلف في ذلك على القول بأنها إجارة
فاسدة فقيل إنه يكون على المبتاع في ذلك
القيمة يريد يوم الهبة أو الصدقة أو العتق
(15/340)
أو الإحبال
مراعاة لقول من يقول إنه بيع فاسد فيراها في
ضمانه بالقبض ، وهو خلاف قول مالك في هذه
الرواية ، وقيل إنها تكون عليه بالثمن الذي
اشتراها به لأن ذلك رضي منه بالثمن ، وهو قول
ابن القاسم من رواية أصبغ عنه في هذه الرواية
، وأما على القول بأنه بيع فاسد فتكون عليه
القيمة في ذلك كله يوم القبض على حكم البيع
الفاسد قولاً واحداً واختلف في هذه المسألة
أيضاً قول ابن القاسم ، لأن ابن حبيب حكي عنه
أنه بيع فاسد لا إجارة فاسدة مثل قول مالك
الذي رجع إليه ، خلاف قوله في هذه الرواية وفي
موطأه وقوله في رواية أصبغ عنه في هذه الرواية
إنها يكون عليه بالثمن إن فوتها بعتق أو هبة
أو صدقة أو إيلاد يأتي على قياس قول مالك في
هذه الرواية في موطإه ، وقد مضى في آخر سماع
أشهب من كتاب العارية القول مستوفي في إذا باع
منه بيعا صحيحا دون شرط ثم قال له بعد البيع
بع ولا نقصان عليه ، فأغني ذلك عن إعادته .
مسألة
قلت : فالرجل يشتري من الرجل طعاماً نقداً أو
إلى أجل فاستغلاه ، فقال للبائع أقلني ، فقال
: بع ولا نقصان عليك ، ثم قال : بع عشرة أرادب
فما نقص منها وضعت لك من كل عشرة بحساب ذلك ،
وكان اشترى منه مائة إردب بثلاثين ديناراً
فباع العشرة بدينارين ، فوضع عنه عشرة دنانير
.
فقال : هذا لا بأس به وسواء كان نقداً أو إلى
أجل قبض الثمن أو لم يقبض .
قال محمد بن رشد : قوله يشتري من الرجل طعاماً
نقداً أو إلى أجل معناه بثمن نقداً أو بثمن
إلى أجل .
وقوله في آخر المسألة إن هذا لا بأس به وسواء
كان نقداً أو إلى أجل
(15/341)
قبض الثمن أو
لم يقبض كلام فيه نظر أما إذا لم يقبض البائع
الثمن فوضع عن المبتاع منه العشرة التي انتقص
في الطعام فلا إشكال في أن ذلك جائز ، لأنه
يصير ثمن الطعام له عليه بما بقي منه بعد
الوضيعة ، وأما إن كان قد قبض ثمن الطعام نمه
وغاب عليه ثم رد إليه منه ما انتقص في ثمن
الطعام فهذا لا يجوز ، ويدخله البيع والسلف ،
لأن ما رد إليه من الثمن يكون سلفاً ، وما بقي
منه يكون ثمناً للطعام ، فيتهمان على القصد
إلى ذلك والعمل عليه ، كانا من أهل العينة أو
لم يكونا إن كان الثمن إلى أجل ، وإن كان
الثمن نقداً فلا يتهمان في ذلك إلا أن يكونا
من أهل العينة ، وهذا في ما يوجبه الحكم
بالمنع من الذرائع ، فإن طلب المبتاع الوضعية
لم يحكم له بها في الموضع الذي يتهمان فيه على
أنهما قصدا إلى البيع والسلف .
وإن لم يعثر على ذلك حتى يقبض المبتاع العشرة
فيتخرج ذلك على قولين ، أحدهما أنه يرد العشرة
إليه ولا يفسخ البيع ، والثاني أنه يفسخ البيع
ولا شيء عليهما في ذلك فيما بينهما وبين الله
تعالى إن كانا لم يعملا على ذلك ولا قصدا إليه
، وقد مضى في رسم القطعان من سماع عيسى من
كتاب السلم والآجال ما فيه بيان هذا المعنى
فقف عليه وتدبره بين له وجهه إن شاء الله .
مسألة
قال عيسى : وسألته عن رجل اشترى من رجل طعاماً
بعينه ، فلما ذهب يقبضه وجده مسوساً فمخطه
فقال له البائع : بع ولا وضيعة عليه ، فحمله
في سفينة فغرقت السفينة .
قال : مصيبته من البائع ، لأن البيع الأول لم
يكن بشيء ، وإنما هو بيع حادث فضمانه من
البائع ، ويعطي المشتري أجرته فيما حمله وشخص
فيه .
(15/342)
قال محمد بن
رشد : هذا صحيح على قياس القول بأن البيع على
أن لا نفصان على المشتري بشرط في أصل العقد
إجارة فاسدة تكون المصيبة فيها من البائع ،
ويكون للمبتاع أجر مثله لأنه لما وجد المبتاع
الطعام مسوساً وجب نقض البيع ، فقوله له بعد
وجوب البيع لما وجب رده بسبب العيب : بع ولا
نقصان عليك بمنزلة قوله ذلك في أصل العقد ،
لأنه الآن يبع مبتدأ ، وقد مضى القول على حكم
هذا البيع وما فيه من الاختلاف قبل هذا فلا
معنى لإعادته .
مسألة
قال أصبغ : سمعت أشهب وسئل عن رجل اشترى كرماً
فخاف الوضيعة فأتى يستوضعه فقال له : بع وأنا
أرضيك .
فقال : إن باع برأس المال أو بربح فلا شيء له
، وإن باع بوضعية كان عليه أن يرضيه فإن زعم
أنه أراد شيئاً سماه فهو ما أراد ، وإن لم يكن
أراد شيئاً أرضاه بما شاء وحلف أنه ما أراد
أكثر منه يوم قال له ذلك ، قال فسألت عنها ابن
وهب فقال : عليه رضاه فيما بينه وبين ثمن
السلعة والوضيعة فيها ، وهو أحب إلي وبالله
التوفيق .
قال محمد بن رشد : كذا وقع قول ابن وهب ها هنا
، عليه رضاه فيما بينه وبين ثمن السلعة
والوضعية فيها ، وهو كلام ملتبس المعنى ، وقد
وقعت هذه المسألة بعينها في آخر أول رسم من
سماع أصبغ من كتاب جامع البيوع فقال فيها :
عليه رضاه بما يشبه ثمن ملك السلعة والوضيعة
فيها ، وهو المعنى الذي أراد هنا ، فيفسر بما
وقع من قوله هناك ، وقد مضى القول هناك على
هذه المسألة مستوفى فلا معنى لإعادته مرة
ثانية هنا .
(15/343)
ما يلزم من
العدة
قلت لسحنون : ما الذي يلزم من العدة في السلف
والعارية .
قال : ذلك أن يقول الرجل للرجل إهدم دارك وأنا
أسلف ، وأخرج إلى الحج وأنا أسلفك ، أو تزوج
امرأة وما أشبه هذه الأشياء مما يدخله ويكون
سبب دخوله لموعده ، فهذه العدة تلزم ، فأما أن
يقول رجل لرجل أنا أسلفك أو أنا أعطيك وذلك
لغير شيء ألزمه نفسه المأمور بأمر الأمر فهذا
لا يلزم .
وسئل أصبغ عن العدة والرأي الذي يقضي به على
من كان ذلك منه ، وعن العدة التي لا يلزم بهما
الحكم بما وعد ، قلت أرأيت لو أن رجلاً أتاني
فقال لي إني أريد النكاح فأسلفني مائة دينار
لأجل كذا وكذا أقضيكها إن شاء الله ، فقلت له
: نعم أنا أسفلك فأنكح ، فذهب فنكح ثم جاء
يستسلفني المائة ، فقلت قد بدا لي ألا أسلفك ؛
وإنما قلت لك سأفعل ، ولست أسلفك شيئاً ، هل
يحكم علي بمثل هذه العدة ، قال : نعم يحكم
عليك بأن تسلفه ما وعدته على هذا السبب ويجبرك
السلطان .
قلت فإن كان لم ينكح على عدة حتى بدا لي في
العدة فأعلمته قبل أن ينكح أني لا أسلفك شيئاً
، أيلزمني القضاء بما وعدته ولم يدخل من سبب
وعدي في شيء يلزمه به شيء ؟
قال : لا رجوع لك فيه سواء نكح أو لم ينكح إذا
كنت قد وعدته على سبب النكاح وأخبرك حين سألك
السلف بالذي يريده له وبين لك حاجته فوعدته أن
تسلفه على ذلك ، فالعدة تلزمك بالحكم
(15/344)
نشب في الأمر
الذي سألك السلف له أو لم ينشب فيه بعد ، قال
وكذلك لو جاء فقال لك أعرني دابتك أركبها غداً
إلى موضع كذا وكذا وسمى لك حاجته ، فقلت نعم
أنا أعيرك غداً ، ثم بدا لك لم يكن ذلك لك ،
ويحكم عليك بعاريته .
قلت : فإن قلت لرجل أسلفني مائة دينار إلى أجل
كذا وكذا فإني أريد شراء جارية فلان أو دابة
فلان أو سلعة من السلع فقال نعم أسلفك ، ثم
بدا له أن لا يفعل ؟ قال : يحكم عليه بأن
يسلفك ما وعدك ، قال وكذلك لو جئته فقلت له إن
غرمائي يلزمونني بدين لهم علي وهو كذا وكذا
فأسلفني أقضهم ، قال نعم ، ثم بدا له لم يكن
ذلك له ، ويحكم عليه بأن يسلفك ما وعدك .
قلت : وكيف تلزمني هذه العدة ويحكم علي بها
وإنما أنا رجل قلت له أنا أفعل ولم أقل قد
فعلت فيكون علي بواجب وإنما هي كذبة كذبتها
فقلت أنا أسلفك أو أعيرك ثم بدا لي في ذلك
ومالي في يدي وأنت أيضا لم تنشب في نكاح بسبب
عدتي ولا ألزمك شرا ولا تجهزت لسفرك على عدتي
فيكون هذا شيئا أدخلته عليك فيلزمني لذلك
إمضاء ما وعدتك به للذي خلت فيه من أجل عدتي .
قال : إنما يلزمك ذلك لأن وأي المؤمن واجب جاء
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سحنون عن
ابن وهب عن هشام ابن سعد يرفعه أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال وأي المؤمن واجب قال :
فتفسير الوأي العدة قال : وقضى بها عمر ابن
عبد العزيز
(15/345)
ابن وهب عن
يونس ابن زيد عن ابن شهاب أن قوماً وعدوا
رجلاً في أعطياتهم بشيء وجدوه منها إذا خرجت
فنكصوا عنه ، فرافعهم إلى عمر ابن عبد العزي
فقضى له عليهم بها ، وهو كتاب النظرة بالدين
إذا وأوا أو وعدوه بالنظرة وعداً .
قلت فالعدة التي لا يحكم بها ما هي ؟
قال يأتيك رجل فيقول أعرني دابتك أو أسلفني
كذا وكذا بغير سبب يذكره من نكاح يريده ، أو
سفر يصفه ، أو حاجة نزلت به في ذلك يصفها أو
دين يريد قضاءه ، إلا أنه كلام هكذا فقال لك
أسلفني فقلت نعم أسلفك مائة دينار وأعيرك
دابتي غدا ، فإذا كانت العدة هكذا لم يعدها
بسبب الحاجة التي يريدها له حتى تكون إنما
وعدته على سبب ما وصفت لك من حاجته إلى ما
سألك واضطراره إليه بالذي يريد بالدخول فيه من
سبب عدتك فوعدته على ذلك فلا شيء عليك إن بدا
لك ولكن إذا قاد العدة أبداً سبب الحاجة التي
أرادها فوعدته بعد علم بالذي أرادها له وبين
لك سبب حاجته إلى مالك فوعدته فذلك يلزمك له
نشب في شيء من حاجته التي سألك فيها الذي
وعدته أو لم ينشب إلا أن يترك الأمر الذي
وعدته من أجله تركاً فتسقط العدة عنه .
قلت أرأيت لو أتيت رجلاً فقلت له إني أريد
غداً جمع أزواج للجرث فأعرني زوجك يحرث عندي
غدا"ً ، ثم بدا له أن يعيرني قال أرى أن يلزمه
إذا كنت قد أخبرته بإجماعك على العمل غداً
ولجمعك الأزواج ونصبك لذلك فليس له أن يرجع
عما وعدك ،
(15/346)
قال : وكذلك لو
أن لك على رجل ديناً فسألك أن تؤخره إلى أجل
كذا وكذا ، فقلت أنا أؤخرك ثم بدا لك أن لا
تؤخره لم يكن ذلك لك ، ولزمك تأخيره إلى هذا
الأجل .
قلت : وسواء قلت له أنا أؤخرك أو قد وخرتك ؟
قال : نعم هما سواء في الحكم عليك ، غير أن
قولك أنا أؤخرك عدة تلزمك ، وقولك وقد وخرتك
شيء واجب عليك ، لأنه في أصل حقك لم تبتده
الساعة ، فكلاهما يلزمك الحكم به ، غير أن
قولك قد وخرتك أوجبها وأوكدها وأثبتها فيما
يلزم به الحكم وإن كانا لازمين جميعاً ، قال
أصبغ : جيدة ، قيل له : فما سألناك عنه من
العدة بالسلف ؟ قال : إن قال له أسلفني كذا
وكذا فإني أريد النكاح أو إني أريد أن اشتري
سلعة أو شيئاً مما أراد له السلف فقال نعم أنا
أسلفك كذا وكذا فقال نعم ثم بدا له أن لا يسلف
شيئاً أيكون هذا وعدته على غير ذكر الأجل سواء
؟ قال : نعم سمى أجلاً أو لم يسمعه له يقضي
عليه فيهما جميعاً وليس له أن يبدو له ذكر
الأجل أو لا يذكره له .
قلت فإن المسلف يقول لم أعده بأن أسلفه إلى
أجل بأن يحكم له بأن يسلفه ما وعده فأنا أدفع
إليه ما وعدته من السلف وآخذه منه مكاني لأنه
حال ليس بيني وبينه فيه أجل ؟ قال : يقضي عليه
بأن يسلفه ما وعده به ، وليس له أن يأخذه منه
من ساعته حتى ينتفع به المتسلف ويمضي القضاء
في قرب ذلك أو بعده فيعمل على قدر ذلك ، فأما
أن يعطيه السلف ثم يأخذه منه في المجلس فإن
هذا لا
(15/347)
يكون ، لأنه
إذا أخذه منه في المجلس فكأنه سلف لم يتم
الحكم ولا القضاء به .
قال محمد بن رشد : قد مضى تحصيل القول فيها في
رسم طلق ابن حبيب من سماع ابن القاسم من كتاب
العارية فلا معنى لإعادته .
من سماع أصبغ من ابن القاسم
قال أصبغ : سئل أشهب عن رجل يسأل رجلاً
دينارين فأتاه بدينار فأبى أخذه إلا جميعاً
أيجبر على ذلك ؟ فقال : إن كان الذي عليه الحق
موسراً لم يجبر الطالب على أخذ الدينار ،
وأجبر الغريم على دفع الدينارين جميعاً ، وإن
كان معسراً أجبر الطالب على أخذ الدينار وأنظر
المطلوب بما بقي عليه ، وقاله أصبغ .
قال محمد بن رشد : وقع قول أشهب هذا في رسم
البيوع والعيوب من سماع أصبغ من كتاب المديان
والتفليس ، ووصل بذلك وروي أبو زيد عن ابن
القاسم في الرجل يكون له على الرجل حق وقد حل
فيأتيه ببعض حقه فيقول لا أقبله منك إلا جملة
أله ذلك أم يجبر على قبض ما جاء به ؟ قال :
أرى أن يجبر على قبض ما جاء به وتكلمنا هناك
على المسألة بما أغني عن رده فمن أحب الوقوف
عليه تأمله في موضعه وبالله التوفيق .
تم كتاب العدة بحمد الله تعالى
(15/348)
|