البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة

كتاب القطع في السرقة
من سماع ابن القاسم من مالك من كتاب القبلة
قال سحنون : أخبرني ابن القاسم عن مالك أنه قال : ليس على من سرق من حلي الكعبة قطع لأنهم يؤذن لهم في دخولهم وكل بيت دخل فيه بإذن فسرق منه شيء فلا قطع عليه فيه .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال ، لأن البيت محجور عن الناس لا يدخل إلا بإذن ، فمن سرق ممن إذن له في دخوله لم يكن عليه قطع ، لأنه خائن وليس بسارق ، وسواء كان الذي سرق من الحلي متشبتاً بما هو فيه مما حلى به أو موضوعاً في البيت غير متشبت بشيء ، ولو دخل البتي أحد ممن لم يؤذن له في دخوله مستسراً ليلاً أو نهاراً فسرق منه شيئاً لوجب عليه القطع إذا خرج به من البيت إلى موضع الطواف وإن لم يخرج به عن المسجد ، لأن حكم البيت الحرام الذي لا يدخل إلا بإذن فيما سرق منه حكم البيت يكون في المسجد مختزن فيه ما يحتاج إليه في المسجد من زيتة وفناديله وحصره لا قطع على من دخله بإذن فسرق منه ، والقطع واجب على من دخله مستسرا عن غير أن يؤذن له فسرق منه ما يجب فيه القطع إذا خرج به من البيت إلى المسجد وإن أخذ فيه قبل أن يخرج منه ، لأنه إذا أخرجه من البيت إلى المسجد فقد

(16/205)


أخرجه إلى غير حرزهن وأما من سرق من المسجد الحرام ليلاً أو نهاراً أو من سائر المساجد التي تغلق ليلاً أو نهاراً شيئاً مما هو متشبت به كجائزة من جوائزه أو باب من أبوابه أو ثرية من ثرياته المعلقة فيه المتشبتة به أو حصير قد سمر في حائط من حيطانه أو خليط إلى ما سواه من الحصر على ما روي عن سحنون فلا اختلاف في وجوب القطع على من سرق شيئاً من موضعه وغير متشبت به كقناديل موضوعة في ثرياته أو حصر موضوعة في مواضعها ، فقيل إن مواضعها حرز لها يقطع من سرق شيئاً من ذلك إن أزاله عن موضعه وإن أخذ قبل أن يخرج به من المسجد ، وقيل إنه لا قطع عليه في شيء من ذلك كله ، وإن خرج به من المسجد اختلف في ذلك قول ابن القاسم على ما يأتي في رسم نقدها من سماع عيسى ، واختلف في الفطرة توضع في المسجد فقيل إن حكمها حكم حصر
المسجد يدخل في ذلك من الاختلاف ما يدخل في حصر المسجد إذا سرقت نهاراً ، وإلى هذا ذهب أصبغ وهو ظاهر قول ابن القاسم وروايته عن مالك في رسم نقدها من سماع عيسى بعد هذا ، لأنه قال إن سارقها يقطع وإن لم يخرج بها من المسجد ، ولم يشترط أن يكون عليها حارس ، فظاهر ذلك أنه حكم لها بحكم حصر المسجد ، وقيل إنه لا قطع على من سرقها نهاراً إلا أن يكون عليها حارس ، فظاهر ذلك أنه حكم لها بحكم حصر المسجد ، وقيل إنه لا قطع على من سرقها نهاراً إلا أن يكون عليها حارس ، وهو قول مالك في الواضحة ، وإياه اختار ابن حبيب ، لأن المسجد ليس بموضع للفطرة يختص بها كالحصير ، ولو أتى رجل بطنفسة إلى المسجد ليصلى عليها لما يقيه من حر أو برد ثم ينقلب بها ولم يضعها في المسجد كسائر حصره فذهب وتركها ناسياً لها أو غير ذلك فلا قطع على من سرقها ليلاً أو نهاراً وإن كان على المسجد غلق ، لأن الغلق لم يكن من أجلها ولم يكلها صاحبها إليه ، قال ذلك ابن حبيب في الواضحة ، وكذلك الفطرة توضع فيه على مذهبه ، فيتحصل على هذا في سارق الفطرة من المسجد وفي سارق الحصير منه الذي يضعه الرجل فيه ليصلي عليه ثلاثة أقوال ، وأما من فتح المسجد الذي يغلق

(16/206)


ليلاً بالليل فيسرق منه أو الذي يغلق نهاراً في الحين الذي يغلق فيه فسرق منه شيئاً من حصره أو فناديله الموضوعة فيه أو المتشبتة فيه فلا اختلاف في وجوب القطع على من سرق من ذلك ما يجب فيه القطع ، فهذا تحصيل القول في هذه المسألة وبالله التوفيق .
مسألة
وقال مالك في الدار تكون للرجل بابها مفتوح أو لعله لا باب له يدخل بغير إذن قد حجر الرجل على نفسه في ناحية منها وليس لأحد معه فيها شرك فيسرق السارق بعض ما في حجرة من بيوتها فيؤخذ وقد خرج به من البيت إلى الموضع الذي يدخل بغير إذن ، قال : لا أرى عليه قطعاً حتى يخرج من الدار كلها ، ولا أراها كالدار المشتركة ، قال ابن القاسم وهو رأيي .
قال محمد بن رشد : هذا بين على ما قاله ، لأن الرجل إذا أذن للناس في الدخول إليه في دار سكناه إذناً عاماً كالعالم والطبيب أو الرجل يحجر على نفسه في بيت من داره ويترك بابها مفتوحاً لمن جاء إليه لما قد يشق عليه من الخروج إلى باب الدار لكل من أتاه وقصده فسرق بعض من دخل الدار من بعض بيوتها التي قد حجرها عن الناس فلا قطع على من سرق منها حتى يخرج بما سرقه منها عن جميع الدار لأن الدار من بقية الحرز وليست كالمحجة وإن كان قد أذن فيها لجميع الناس لأنهم لم يدخلوها إلا بإباحة صاحبها ، وإنما لم يسقط عنه القطع إذا خرج بما سرقه عن جميع الدار كالضيف على مذهب ابن القاسم لأن الضيف خصه بالإذن فصار مؤتمناً فيما أخذ وكان له فيما أخذ على مذهبه حكم الخائن لا حكم السارق ، فالمسألة صحيحة بينه لا اختلاف فيها بخلاف الدار المشتركة بين السكان فيها خاصة تلك إن سرق بعض السكان فيها من بعض يقطع باتفاق ، وإن لم يخرج بما سرقه من

(16/207)


الدار ولا دخل به بيته ، وإن سرق أجنبي من بعض بيوت السكان شيئاً فأخذ في الدار قبل أن يخرج منها ، فقيل إنه يقطع ، وقيل إنه لا يقطع ، من قال إنه لا يقطع في الأول يقول يقطع في الثاني ، ومن قال إنه يقطع في الأول يقول أنه لا يقطع في الثاني ، لأن الصحن حرز عن الأجنبيين وليس بحرز عن السكان إن سرق بعض السكان من الصحن شيئاً لم يقطع باتفاق وإن دخل في بيته أو خرج به من الدار ، وأن سرق أجنبي من الصحن شيئاً فأخرجه من الدار قطع باتفاق ، فمن غلب أنه حرز يقول إن الأجنبي إذا سرق من بيت من البيوت شيئاً وأخذ في الدار لم يقطع وإن سرق من الصحن شيئاً قطع لأن الأول لم يبين به عن الحرز والثاني أخرجه من الحرز ، ومن غلب أنه ليس بحرز يقول إن الأجنبي إذا سرق من بيت من البيوت شيئاً وأخذ في صحن الدار قطع ، وإن سرق من صحن الدار شيئاً لم يقطع وإن أخرجه من الدار ، وهذا إذا كان ما في الصحن قد نسبه فيه بعض أو وضعه فيه
ثم قام عنه وتركه ، وأما إن كان جالساً على متاعه الذي وضعه في الصحن إن كان ذلك الموضع الذي وضع فيه المتاع موضعاً معروفاً له كمعلف الدابة فحكمه في سرق السارق إياه حكم ما سرق الشراك من بيوت الدار كان من السكان فيها أو من الأجنبيين يبين هذا ما يأتي في رسم أوصى من سماع عيسى من قول مالك في السفيه حسبما سنبينه إن شاء الله .
وأما الدار المشتركة بين السكان فيها المباحة قاعتها لجميع الناس كالفنادق والتي في قاعتها البيع والشراء فهذه أن سرق منها سارق قطع باتفاق وإن أخذ قبل أن يخرج من الدار وبالله التوفيق .
ومن كتاب شك في طوافه
وسئل مالك عن الغسال يأخذ ثياباً يغسلها فيخرج إلى الحر

(16/208)


فيغسلها وينشرها يجففها فيسرق منها وهو معها لعمله أن يكون مشتغلاً ببعضها فيغسله وما أشبه ذلك مما يعالج إلا أنه معها أترى على من سرقها قطعها ؟ ففكر فيها طويلا ثم قال : لا أرى في ذلك قطعاً ، وإنما مثل ذلك عندي الغنم ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا أواها المراح أو الجرين فالغنم قد يكون معها صاحبها يرعاها وهي في الرعي فليس على من سرقها قطع فهذا عندي يشبهه ، ولا أرى على من سرقها قطعاً ، وسئل مالك عن الصباغين الذين يأخذون امتعات الناس من القطف والثياب الصوف والقطن يصبغونها الواناً فينشرونها على حبال يمدونها على حوانيتهم في الطرق فيسرق بعض ما على بعض تلك الحبال أترى أن يقطع من سرق مما عليها شيئاً ؟ قال : ذلك عندنا مثل ما وصفت لك ولا أرى فيها قطعاً ، ولعله يذهب ويتركها أو يطرحها الريح وما أشبه هذا ، فلا أرى في ذلك قطعاً .
قال محمد بن رشد : شبه مالك المسألة الثانية بالأولى فلم ير فيها قطعاً ، وموضع الشبه بينهما أنها في المسألتين جميعاً ثياب موضوعة في غير ملك لا حارس عليها ، لأن الغسال الذي نشر ثيابه يجففها بعد أن غسل بعضها إنما هو مشتغل بغسل ما بقي منها لا يحفظ ما نشر منها ، فأشبهت عنده الغنم في الرعي وإن كان معها راع ، لأن الراعي لا يحوط بحفظها من السرقة لانتقالها بالرعي من موضع إلى موضع كما لا يحوط الغسال بحفظ ما نشر من ثيابه من السرقة لاشتغاله بغسل ما سواها ، ولو كان معه من يحفظ كل ما نشر منها ما دام هو يغسل بقيتها لوجب القطع على من سرق شيئاً منها ، وكذلك

(16/209)


الصباغ الذي نشر ثيابه على حبال يمدها في الطريق لو جعل عليها حارساً يحرسها لوجب القطع على من سرق شيئاً منها ، وقوله في هذه الرواية إن على من سرق شيئاً منها القطع إذا لم يكن حارس هو على قياس قوله في المدونة في الذي يسرق ثوب الرجل وهو منشور على حائط بعضه في الدار وبعضه خارج من الدار إنهلا قطع عليه ، وقد روي عن مالك في حبل الصباغ والقصار أنه يقطع من سرق منه ، قال ابن القاسم : ولا فرق بين حبل قديم وحديث ، وأنكر قول من فرق بينهما ، قال سحنون : أكثر الرواية يقطعون في الثوب المنشور على الحائط وهو رأيي ، ويرد قول ابن القاسم في ذلك قوله في الذي يسرق الثوب الملقي على ظهر البعير إنه يقطع ، فالأظهر فيما نشر الصباغ على حباله في الطريق أن يقطع من سرق منها وإن لم يكن عليها الحارس ، لأن وضعه إياها على حباله حرز لها ، والأظهر فيما نشر الغسال من الثباب التي غسلها فسرق منها وهو مشتغل بغسل بقيتها إلا قطع على سارقها لأنها في الحال كالمهملة دون حارس ، ولو سرق منها سارق شيئاً بعد أن أكمل غسل جميعها وجلس يحفظها لوجب أن يقطع يده قولاً واحداً وبالله التوفيق .
ومن كتاب أخذ يشرب خمراً
قال وسألت ابن القاسم عن دراهم تكون عندنا تنقص الخروبة والثلاث حبات ، هل يقطع في ثلاث دراهم منها ؟ قال : لا ، ولا يقطع إلا في ثلاث دراهم قائمة إذا كانت تنقص خروبة نقصت نحواً من خمس درهم وأحب إلى أن يدرأ الحد بالشبهة .
قال محمد بن رشد : هذا بين على ما قاله ، لأن نقصان خروبة أو ثلاث حبات من كل دراهم نقصان كثير يتفق الموازين على نقصانه ، فإنما قال والله أعلم فأحب إلى أن يدرأ الحد بالشبهة إذا كانت تجوز بجواز الوازنة ، ولو

(16/210)


كانت لا تجوز الوازنة لسقط الحد على كل حال ، ولأصبغ في كتاب ابن المواز أنه إذا نقص من كل درهم مثل الحبتين فيقطع ، ومعنى ذلك والله أعلم إذا كانت تجوز بجواز الوازنة ، لأن الحبة مما يمكن أن تختلف فيه الموازنن فإذا كان النقصان يسيراً تختلف فيه الموازين وتجوز بجواز الوازنة قطع بلا إشكال ، وإذا كان النقصان كثيراً يتفق عليه الموازن ولا تجوز بجواز الوازنة لم يقطع بلا إشكال ، وإذا كان النقصان كثيراً وهي تجوز بجواز الوازنة أو قليلاً وهي لا تجوز بجواز الوازنة فالصواب أن يدرأ الحد بالشبهة على ما قاله في الرواية ، وهذا على قياس قولهم في اعتبار النقصان في نصاب الزكاة ، فإذا كان النقصان يسيراً وهي لا تجوز بجواز الوازنة وجبت فيها الزكاة ، وإذا كان النقصان كثيراً وهي لا تجوز بجواز الوازنة لم تجب فيها الزكاة وإذا كان النقصان كثيراً وهي تجوز بجواز الوازنة أو يسيراً وهي لا تجوز بجواز الوازنة فقيل إن الزكاة تجب فيها ، وقيل إنها لا تجب وبالله التوفيق .
ومن كتاب أوله نذر سنة يصومها
وسئل مالك عن الدواب التي تكون في الربيع وقومتها معها مقيمون يبيتون معها فتسرق منها دابة وهي على أوتادها مربوطة أترى أن يقطع من سرقها ؟ قال : ما أراها إلا من ناحية المرعي وما يعجبني ، قال ابن القاسم : وذلك رأيي .
قال محمد بن رشد : روي ابن وهب عن مالك مثله وقال ابن وهب أما أنا فكنت أرى عليه القطع إذا جاء إلى مرابطها بالليل أو النهار فحلها فأرى عليه القطع ، ولكلا القولين وجه من النظر ، فوجه قول ابن القاسم وروايته عن مالك في هذه الرواية أنها لما كانت في المرعى وكان قومتها ينقلونها من موضع إلى موضع يربطونها فيه للأكل ليلاً تشتغل عنه إن كانت مسرحة لم ير

(16/211)


تلك لمراح حوزاً لها ، وأشبه كونها مسرحة في الرعي ، ووجه قول ابن وهب أن كل موضع يربط فيه فقد صار حوزاً لها كالدابة إذا ربطت بالفناء أن ذلك يكون حوزاً لها .
مسألة
وسئل عمن سرق من الحمام ، قال : إن الحمام ربما اخطأ الرجل وربما اعتلوا ولقد قلت لصاحب السوق آمره أن يضمن أصحاب الحمامات ثياب الناس فيضمونها أو يأتوا بمن يحرسها ، وأمرته أن يضمنهم ثياب الناس الذين يدخلون الحمام ، قال سحنون يعني بقوله اعتلوا بقول أحدهم إني ظننت أنه ثوبي .
قال محمد بن رشد : اعتلاله لو سرق من الحمام أنه لا يقطع بقوله إن الحمام ربما اخطأ الرجل وربما اعتلوا يجب أن يحمل على التفسير لما في المدونة وغيرها من أنه لا قطع على من سرق من الحمام ثياب الناس إذا دخل من مدخلهم إلا أن يكون معها من يحفظها قطع سارقها إلا أن يقول اخطأت أو ظننت أنه ثوبي فيصدق في ذلك ولا يقطع إذا أشبه ما يقول ولم يتبين في ذلك كذبه ، بدليل قوله في هذه الرواية ول لم يكن معها من يحفظها فسرق السارق ثوب أحدهم وهو حاضر مع ثيابه قبل أن يتحمم أو بعد أن تحمم لوجب عليه القطع لأن متجرد الحمام مشترك بين جميعهم فلا يقطع من سرق من ثياب أحدهم شيئاً إلا أن يكون المسروق منه مع ثيابه على ما قاله في سماع أشهب بعد هذا في القوم ينزلون في المسجد فيسرق السارق متاع أحدهم أنه لا قطع عليه إلا أن يكون معه متاعه ، وإذا كان مع الثياب في الحمام من يحرسها فسرقها سارق فلا قطع عليه حتى يخرج بها من الحمام على قياس ما قاله في المسألة الثانية من أول رسم من السماع إذا دخل يتحمم لأنه قد أذن له في ذلك ، بخلاف من سرق من المسجد ما يجب فيه القطع عليه أنه يقطع إذا أزال ما سرقه من موضعه وإن لم يخرج به من المسجد ، وأما إذا دخل للسرقة

(16/212)


وأخذ قبل أن يخرج من الحمام فيجري ذلك على الاختلاف في الأجنبي يسرق من بعض بيوت الدار المشتركة بين السكان ، فيؤخذ في الدار قبل أن يخرج منها حسبما مضى بيانه في أول رسم من سماع ابن القاسم هذا وقد مضت هذه المسألة متكررة في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب تضمين الصناع وذكرنا هناك معنى ما ذهب إليه مالك بقوله ولقد قلت لصاحب السوق إلى آخر قوله ، فلا معنى لإعادته .
ومن كتاب أوله المحرم يتخذ الخرقة لفرجه
وسئل عن القمح والفرط زرع أهل مصر الذي يحصد ويوضع في مواضعه الذي يحصد أياماً لييبس فيسرق منه أترى على من يسرق منه قطعاً ؟ قال : إنما جاء الحديث : " فإذا آواه المراح أو الجرين " فهذا ليس بمراح عندي ولا جرين ، قلت له : ولا ترى فيه قطعاً ؟ فقال : ما هو عندي بين ، وما هو مراح ولا جرين ، ثم قال لي : فأين يدرس ؟ قلت له : في الجرين ، فقال : هذا بين إذا سرق منه ، فكأنه يريد القطع ، قال ابن القاسم : إنما يريد الجرين .
قال محمد بن رشد : ظاهر قوله في هذه الرواية أنه لا قطع في الزرع بعد أن يحصد إذا ترك في موضعه ما لم ينقل إلى الجرين خلاف ما في أول رسم من سماع أشهب من أن الزرع إذا حصد فجمع من الغائط في موضع ليحمل إلى الجرين أن على سارقه القطع ، ومن الناس من تأولها فلم يحملها على الخلاف وقال هي رواية ابن القاسم أن الزرع لما حصد ترك في موضعه ولم يضم بعضه إلى بعض ، فلذلك لم ير القطع على من سرقه ، بخلاف إذا جمع بعضه إلى بعض بعد أن يحصد ليحمل إلى الجرين على ما قاله في رواية أشهب وهو ظاهر من لفظ الرواية لأنه قال فيها : لأنه قد جمع وضم بعضه إلى

(16/213)


بعض ، والأظهر في المعنى أنه اختلاف من القول ، ولا فرق إذا حصد ما لم ينقل إلى الجرين بين أن يجمع بعضه إلى بعض أو لا يجمع ، وإلى هذا ذهب ابن المواز واختار رواية ابن القاسم فقال : هذا أحب إلى ، فيتحصل في هذا ثلاثة أقوال ، أحدها أن يقطع من سرقه بعد أن يحصد ضم بعضه إلى بعض أو لم يضم ، والثاني أنه لا يقطع سارقه ضم بعضه إلى بعض أو لم يضم حتى ينقل إلى الجرين ، والثالث الفرق بين إن سرق بعد أن يضم بعضه إلى بعض أو قبل ذلك ، وهذا الاختلاف كله إنما هو إذا لم يكن عليه حارس ، وأما إذا كان عليه حارس فلا اختلاف في أن على سارقه القطع ، وكذلك إن كان الزرع في حائط لا اختلاف أحفظه نصاً في وجوب القطع على من سرقه بعد أن يحصد وإن كان في موضعه قبل أن ينقل أو يجمع أو بعد ذلك على ما قاله في رسم إن أمكنتني من سماع عيسى بعد هذا ، وقد يدخل في ذلك اختلاف بالمعنى ، فقد روي ابن القاسم في الجدع من النخل يقطع ويوضع في الجنان أنه يقطع سارقه ، قال وكذا جميع الشجر ، قال محمد : وأظنه لا حرز لها إلا حيث القيت فيه ، ولو كان إنما وضعت لتحمل إلى حرز لها معروف لم تقطع حتى تضم إليه ، وهذا أحب إلى ، قال وأحب فيه اختلافاً ، ومالاً حرز له كالمقاتي وشبهها فالقطع على من سرقها بعد أن يجمع في الموضع الذي
تحمل منه للبيع على ما قاله أصبغ ورواه عن ابن القاسم بعد هذا في رسم الحدود من سماعه ، وإذا سرق الزرع في الطريق إلى الجرين فالقطع على سارقه قولاً واحداً من أجل كون حامله معه ، ومن سرق من ثمر نخلة قبل أن تجد وهي في دار رجل قطع إذا بلغت قيمته على الرجاء والخوف ربع دينار ، بخلاف الحوائط والبساتين ، قاله في كتاب ابن المواز وبالله التوفيق .

(16/214)


ومن كتاب سعد في الطلاق
قال ابن القاسم قال مالك : وإن سرق العبد من مال ابن سيده قطعت يده .
قال محمد بن رشد : رأيت لأحمد بن خالد ، قال : أخبرني إبراهيم بن محمد بن باز قال : سئل يحيى بن يحيى عن عبد سرق من مال ابن سيده ما يجب فيه القطع ؟ قال فسألته فقال : إن كان في حضانة أبيه فلا قطع عليه وإن كان قد بان عليه فعليه القطع ، قال : فأخبرت سعيد بن حسان بقوله فما أعجبه ، قال إبراهيم بن محمد : فلما رحلت سألت عنها سحنون بن سعيد فقيه القيران ، فقال لي : كان ابن القاسم يروي عن مالك أن عليه القطع وابن وهب يروي عنه ألا قطع عليه ولكلا الروايتين عن مالك وجه ، والأظهر إيجاب القطع عليه ، لأن القطع معلق بالضمان ، ألا ترى أن العبد لما كان إذا سرق من مال سيده لم يقطع فيه من أجل أنه لا يضمنه وجب أن يقطع فيما سرق من مال ابن سيده من أجل أن يضمنه ، ألا ترى لو استهلك مال ابن سيده لكانت جناية في رقبته يدفعه بها سيده إلى ابنه أو يفتديه ، فإذا كان لابنه أن يأخذ العبد في جنايته عليه في ماله وجب إذا سرقه أن تقطع يده إذ لا حرمه بينه وبينه يدرأ الحد بها وإنما الحرمة فيما بين مولاه وبينه لأنه ابنه فهو الذي لا يقطع في ماله إن سرقه عبداً كان اوحراً ، وهو قول ابن القاسم رواه عنه محمد ابن خالد في سماعه بعد هذا من هذا الكتاب ، لأنه لا يقطع العبد إذا سرق من مال ابنه الحر ، قال وكذلك إن سرق من مال ابنه العبد ، لأن مال ابنه العبد له حتى ينتزعه منه سيده .
واختلف في الجد يسرق من مال ابن ابنه ، فقال ابن القاسم لا يقطع ، وقال أشهب يقطع ويقطع من سواهم من القرايات ، ووجه القول بأنه لا يقطع العبد إذا سرق من مال ابن سيده قوله في الحديث : " أنت ومالك

(16/215)


لأبيك " . فلما كان مال الابن كأنه مال الأب لم ير أن يقطع يد عبد الأب فيه ، إذ لا يقطع العبد إذا سرق مال سيده ، وهو ضعيف ، لأنه إنما لم يقطع العبد إذا سرق من مال سيده ، وهو ضعيف ، لأنه إنما لم يقطع العبد إذا سرق من مال سيده إذ لا يجمع على السيد عقوبتان : ذهاب ماله وقطع يد غلامه ، ووجه تفرقة يحيى بن يحيى بين أن يكون الابن في حضانة أبيه أولاً يكون في حضانته هو أنه إذا كان في حضانته فهو الحائز لماله وقد قال في كتاب محمد بن المواز إن العبد إذا سرق من وديعة عند سيده الأجنبي من بيت لم يؤمن على دخوله لم يقطع ، وإذا لم يقطع فيما حازه سيده الأجنبي فأحرى ألا يقطع فيما حازه لابنه فهي تفرقة جيدة وبالله التوفيق .
مسألة
وقال مالك في مطامر يجعل الناس فيها أطعماتهم يخزنونها فيها ، منها ما يغيب ويعفي حتى لا يعرف موضعها بالفلاة وبحضرة الدار ، ومنها ما يكون بيناً بحضرة أهله فيسرق منه قيمة ثلاثة دراهم أو أكثر ، قال مالك : أما ما كان في الفلوات قد عفا عليه وأسلمه صاحبه ولا خفاه فلا أرى فيها قطعاً والله أعلم ، وأما ما كان بحضرة أهله معروفاً بيننا فالقطع على من سرق منه قيمة ثلاثة دراهم فصاعداً .
قال محمد بن رشد : هذا بين على ما قاله ، لأن الحرز إنما هو على ما جرت به عادة الناس أن يحرزوا به امتعاتهم ، فمن أسلم طعامه وتركه بهذا ، بل من فعل ذلك فقد أهمله وعرضه للتلف .

(16/216)


من سماع أشهب وابن نافع
من مالك من كتاب الحدود
قال سحنون أرانا أشهب قال سئل مالك عن الدار المسكونة يكون للرجل فيها الشاة والآخر شاتان فيكون في الدار فيغلق الباب بالليل فيأتي الرجل فيتسور من الجدار وهو قصير فيأخذها فيذهب بها أتراه سارقاً ؟ فقال : نعم ، وعليه القطع .
قال محمد بن رشد : هذا بين على ما قاله وفيه النص ، وهو قول النبي عليه السلام لا قطع في ثمر معلق ولا في حريسة جبل فإذا آواه المراح أو الجرين فالقطع فيما يبلغ ثمن المجن .
مسألة
وسئل فقيل إن عندنا بالإسكندرية مساجد يحرس فيها ليبست لها أبواب تغلق ، من شاء دخلها وخرج منها فربما قام بعضنا إلى البحر يتوضأ وسيوفنا معلقة في المسجد وهو مسجد يدخل ويخرج منه بغير

(16/217)


إذن فربما خالفنا إليه السارق فيسرق منها والأمير في المسجد يؤخذ وقد خرج من المسجد ، فقال : ما أرى عليه قطعاً ، سرقه وصاحبه ليس عنده وقد تركه هكذا ، قيل له ألا ترى عليه قطعاً ، فقال : ما أرى ذلك إنما سرقه وليس صاحبه عنده ، ولو سرقه وصاحبه عنده كان في ذلك شيء .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال المسجد مشترك بجميع الناس فنزولهم فيه بخلاف نزول الرفقاء في الأسفار في الصحارى ، لأنهم إذا نزلوا في الصحراء صار منزل كل واحد منهم حرزاً لمتاعه كان معه أو قام عنه وتركه ، إذ لا شركة لأحد معه في موضع نزوله ، وإذا نزلوا في المسجد لم يكن موضع نزوله حرزاً لمتاعه إلا أن يكون معه ، فإن كان معه وسرق منه سارق قطع وإن أخذ بما سرق منه قبل أن يخرج من المسجد ، والأصل في هذا ما ثبت من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع يد سارق رداء صفوان من المسجد إذ سرقه منه وقد توسده وبالله التوفيق .
مسألة
سئل عن الزرع يحصد فيجمع من الغائط في موضع ليحمل إلى الجرين فربما كان عليه من يحرسه فيجئ السارق يسرق منه قتاتاً يجب في قيمتها القطع أترى عليه قطعاً ؟ فقال : نعم فيما أرى الآن

(16/218)


عليه القطع ، فإنما هم عندي بمنزلة الزرع إذا آواه الجرين لأنه قد جمع ههنا في الغائط وضم بعضه إلى بعض وصار له حرزاً ، وربما ترك هناك الزمان الطويل لكثرة ذلك عليهم ، قيل له وليس ذلك عندك بمنزلة الزرع القائم ولا في رؤوس الشجر من الثمر بمنزلة ما في أصولها قد حصد ووضع في أصلها فأرى على هذا القطع وأرى الزرع إذا حصد ربما أقام الشهر ونحوه في الغائط قبل أن ينقل لكثرة ذلك عليهم وغلبته إياهم ، فهذا بين أن في ذلك القطع ، قلت له أترى أن تقطع من سرق من ذلك شيئاً يجب فيه القطع كان عنده حارس أو هو حارس عنده ، فإنه ربما سرق منه الشيء من الغائط ولا حارس عنده ، ومنهم من يحرص ذلك ، فقال لي : ومن يستطيع أن يحرس هذه السنة كلها أو ما أقام في ذلك الموضع وهذا أمر يطول ، وأرأيت الجرين إذا سرق منه ولا حارس عنده فأرى على السارق فيه القطع وإن لم يكن عنده حارس ، فأنا أرى هذا الذي سألت عنه مثل ما سرق من الجرين .
قال محمد بن رشد : قوله إن القطع على من سرق من الجرين كان عليه حارس أو لم يكن ، معناه إذا كان بالقرب وفي المواضع المعلومة لها وأما إذا كان في الصحراء فقد قال أشهب إنه لا قطع على من سرق منه إذا لم يكن عليه حارس ، وقد مضى بقية القول في هذه المسألة المعلومة في رسم المحرم يتخذ الخرقة لفرجه من سماع ابن القاسم .
ومن كتاب السرقة
وسئل مالك عمن اتهم بالسرقة فأخذ فيها فسئل أسرقت ؟ قال : أي والله لقد سرقت ، وما عندي مما سرقت إلا هذا الدرهم

(16/219)


فهو يقر بالسرقة ولا يعطيهم شيئاً إلا الدرهم يقول قد ذهب ذلك كله مني إلا هذا الدرهم ، فهو يقر بالسرقة ولا يعطيهم شيئاً ، قال أما القطع فلا أرى عليه قطعاً ، لم يأت بشيء يحق ذلك عليه ، ولا أراه وجب عليه في هذا قطع ، لم يأت بأمر يقين ولا بأمر تعين ولا شهادة عليه ولا هو جاء بمتاع يعرف أنه مسروق منه ولا يعرف الدرهم ، فلا أرى عليه قطعاً ، وأرى أن يعاقب .
قال محمد بن رشد : مثل هذا في رسم العتق من سماع عيسى بعد هذا خلاف ظاهر ما في المدونة ، ولا اختلاف أحفظه في أنه يقطع بغير تعين إذ أقر قبل أن يؤخذ ، ولا في أنه لا يقطع دون تعيين إذا اقر بعد التهديد ، وإنما اختلف هل يقطع مع التعيين إذا كان إقراره بعد التهديد ورجوعه عما أقر به على نفسه من السرقة مبني على هذا التقسيم ، لأنه كلما قوي وجوب القطع صعف أعمال الرجوع ، فإذا أقر على نفسه بالسرقة قبل أن يؤخذ ثم رجع عن إقراره فقيل إنه يقبل رجوعه ، وقيل إنه لا يقبل إلا أن يقول إنما أقررت لوجه كذا وكذان فإن أقر بالسرقة بعد أن يؤخذ ولم يعين ثم رجع على القول بأنه يقطع دون تعيين قبل رجوعه وإن جحد الإقرار ولم يأت لرجوعه عنه بوجه قولاً واحداً وهو ظاهر ما في كتاب ابن المواز ، قال ومن أقر بالسرقة بغير محنة ثم رجع فإنه يقال ولا يقطع ويتبع في عدمه ، ولو ثبت على إقراره لم يتبع في عدمه وقطع وإن أقر بالسرقة بعد أن يؤخذ وعينها ثم رجع فذلك بمنزلة إذا أقر قبل أن يؤخذ ولم يعين ثم رجع لوجوب القطع في الوجهين جميعاً باتفاق ، فقيل إنه يقبل رجوعه ، وقيل إنه لا يقبل إلا أن يقول إنما أقررت لوجه كذا وكذا ، وإن أقر بالسرقة بعد التهديد وعينها ثم رجع عن إقراره على القول بأنه يقطع إذا عين ما سرق فذلك بمنزلة إذا اقر بالسرقة بعد أن يؤخذ ولم يعينها للاختلاف في

(16/220)


وجوب القطع عليه في الوجهين جميعاً ، فيقبل رجوعه وإن حجد الإقرار ولم يأت لرجوعه عنه بوجه يذكره ، واختلف على القول بأنه لا يقطع إذا اقر وإن عين إذا كان إقراره بعد التهديد أو الضرب إن تمادى على إقراره وهو آمن فقيل أنه يقطع ، وقيل إنه لا يقطع فهذا تحصيل القول عندي في هذه المسألة ، وسيأتي طرف منها في رسم نقدها ورسم العتق من سماع عيسى وفي سماع محمد بن خالد وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل عن المسافر ينزل بأرض فلاة فيضرب فيها خباه ، فمن متاعه ما يدخله الخباء ومنه ما يكون خارجاً منه ، وينيخ إبله أفترى على من سرق من متاعه الذي في الخباء أو خارجاً منه قطعاً ، وإن سرق شيئاً من إبله المناخة ؟ فقال : نعم أرى عليه القطع ، ومن الناس من ليس له خباء فأرى القطع على من سرق من إبلهم المناخة معلفة كانت أو غير معلفة إذا كانت قرب صاحبها عندها : أرأيت الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا آواه المراح أو الجرين أيكون على المراح والجرين حرز .
قال محمد بن رشد : هذا مثل ما في المدونة وغيرها ، ولا اختلاف في ذلك أحفظه في المذهب ، لأنه قد صار الموضع الذي نزل من الفلاة منزلاً له وحرزاً لمتاعه لا شرك لأحد معه فيه ، فوجب القطع على من سرق منه كان حاضراً مع متاعه أو غائباً عنه .
وإن كانوا جماعة مسافرين ضربوا أخبيتهم فسرق بعضهم من بعض قطع ، وقاله في كتب محمد ، قال محمد : يريد ما لم يكونوا من أهل خباء واحد وقال مالك في الرفقة ينزلون في الفلاة كل قوم على حدة ويضم كل رفقاء متاعهم على حدة إلا أنهم نزلوا بموضع واحد ، فإن سرق بعضهم من بعض

(16/221)


فذلك كالدار المشتركة ذات المقاصر ، فلا يقطع إن سرق بعضهم من بعض ، ومن سرق منهم من غير رفقائه أو من غير أهل خباءه قطع ، والخباء نفسه إذا سرق قطع سارقه ، قال محمد : وأما أهل السفينة يسرق بعضهم من بعض فلا قطع عليه ، وهي كالحرز الواحد إلا أن يسرق منهم أحد من غيرهم مستسراً فليقطع إن أخرج ذلك من المركب ويقطع من سرق السفينة إلا أن تكون مخلاة لا أحد فيها ، وقول محمد في أهل السفينة إنه لا قطع في سرقة بعضهم من بعض يريد إذا لم يكن المسروق منه على متاعه على ما حكاه ابن القاسم عن مالك في رسم أوصى من سماع عيسى بعد هذا هو نحو قول مالك في الرفقة ينزل كل قوم من أهلها على حدة ويضم كل رفقاء منهم متاعه على حدة أنه لا قطع في سرقة بعضهم من بعض ، لأن معناه إذا لم يكن المسروق منه مع متاعه ، وأما قوله إن ذلك كالدار المشتركة ذات المقاصر فلا يقطع إن سرق بعضهم من بعض لأن المعروف في الدار المشتركة بين السكان خاصة أن القطع واجب على من سرق منهم من بيت صاحبه حسبما مضى في أول رسم من سماع ابن القاسم وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل عن الذي يسرق ما لا يجب عليه فيه القطع فلا يظهر عليه حتى سرق ما لا يجب فيه القطع ثم يظهر عليه وقد اجتمع في ذلك ما يجب فيه القطع ، قال : لا أرى عليه قطعاً حتى يسرق في مرة ما يجب فيه القطع .
قال محمد بن رشد : هذا بين على ما قاله ، وهو مما لا اختلاف فيه لأنه ما يجب فيه القطع محدود ، فلا قطع على من سرقه في مرات .

(16/222)


مسألة
قيل له أرأيت الذي يأتي البيت فيه القمح فيسرق منه وينقل بقيته قليلاً ما لا يجب فيه القطع في كل نقلة نقلها إلى خارج فينقله . حتى يجتمع له ما يجب فيه القطع في سرقة واحدة ، فقال : أرى على هذا القطع لأنها سرقة واحدة ، ولكن ثقل ذلك عليه فحمل من البيت إلى الحجرة ومن الحجرة إلى خارج ، فأراه وجب عليه في هذا القطع .
قال محمد بن رشد : هذا بين على ما قاله ، لأن السارق إذا وجد الشيء المجتمع في البيت من الطعام أو المتاع الذي لا يقدر أن يخرجه في مرة فجعل ينقله شيئاً شيئاً إنها سرقة واحدة ، لأنه إنما خرج بما خرج به مما وجد بنية العودة إلى الرجوع عن الباقي ،فوجب عليه في ذلك القطع ولم يصدق في أنها سرقة أخرى بنية ثانية ، وما في سماع أبي زيد عن ابن القاسم من أن السارق إذا دخل البيت في ليلة عشر مرات ، وكل ذلك يخرج بقيمة درهم ، أو درهمين لا قطع عليه حتى يخرج في مرة واحدة بقيمة ثلاثة دراهم ليس بخلاف لقول مالك في هذه الرواية ، لأن الذي دخل في البيت في ليلة عشر مرات يحتمل أن يكون عاد مرة بعد أخرى لانتقال ما وجد في البيت ، ويحتمل أن يكون عاد مرة بعد أخرى ليلتمس ما يسرق سوى ما سرق أولاً احتمالاً واحداً فصدق السارق في إنها سرقات مفترقات ، والذي وجد القمح فجعل ينقله شيئاً فشيئاً الأظهر أنها سرقة واحدة فلم يصدق السارق في أنها سرقات مفترقات ، وقد قال سحنون في الذي يدخل البيت مرات في ليلة واحدة فيجتمع مما خرج به ما يجب فيه القطع أنه يقطع إن كانت في فور واحد ، وصدقه ابن القاسم في رواية أبي زيد عنه ، وقوله أولى ، لأن الحدود تدرأ بالشبهات ، وأما في مثل القمح

(16/223)


وشهبه مما يجده السارق مجتمعاً فينقله شيئاً بعد شيء فلا ينبغي أن يختلف فيه والله أعلم .
مسألة
وسئل عن الرجل يدخل في الحانوت فيه البز فيسوم به فيسرق المتاع أعليه القطع ؟ فقال : أما الذي يدخل يسوم فيخرج صاحب المتاع فيدعه في البيت أو يأمره فيقول ناولني هذا أو ناولني هذا فلا أرى عليه قطعاً ، وأما الذي يدخل يسوم فهذا يسوم من ناحية وهذا يسرق من ناحية ، فليس هذا على وجه الائتمان فأرى عليهم القطع ، وليس على هذا الحديث الناس ربما تكثر المساومة فيجئ هذا فيسرق .
قال محمد بن رشد : المعنى في هذه المسألة أن السارق دخل الحانوت في جملة السوام كأنه منهم ملساً في ذلك على صاحب الحانوت من غير أن يأذن له في دخوله ، فلهذا أوجب مالك عليه القطع ولو أتاه بعينه يسومه فلما أدخله حانوته للسوم سرق منه لما وجب عليه قطع ، فهذا معنى ما ذهب إليه مالك في هذه المسألة والله أعلم .
مسألة
وسئل مالك عمن أدخل رجلاً منزلاً فسرق ما في كمه قطعه أو احتله أترى عليه قطعاً ؟ فقال : قد أدخله منزلة وائتمنه ، أرأيت لو أن امرأته قطعت ما في كمه أو أجبره ؟ وترك القطع في الشيء يشك فيه خير من القطع ، لأن الذي يقضي عليه بالمال إذا رد المال لم يستطع أن يرد يده ، وأن الذي يقطع يده لا يقدر على ردها كما كانت .

(16/224)


قال محمد بن رشد : المعنى في هذه المسألة بين ، لأن من أؤتمن فسرق ليس بسارق ، وإنما هو خائن ، وليس عن الخائن قطع ، وقول مالك في هذه المسألة يشهد لصحة تأويله في المسألة التي قبلها ، ولا إشكال فيما قاله من أن الخطأ في المال أخف من الخطأ في القطع لإمكان رد المال بخلاف قطع اليد ، وبالله التوفيق .
مسألة
قلت أرأيت الصبي يكون على الدابة بباب المسجد فيأتي سارق فيقطع الركابين ؟ قال : أراه سارقاً وأرى عليه القطع إن كان الغلام منتبهاً ، وإن كان راقداً فإنه يشبه ألا يكون عليه قطع ، وما أدري وإني أراه يشبه الدابة لا يكون معها أحد فتسرق فلا أرى عليه قطعاً ، وليس ذلك مثل الدابة التي تربط في حرزها ، لأن الدابة تربط فتسرق منها فأرى على سارقها القطع وأرى النائم يشبه بمن يكون دابته مخلاة فجاء السارق فحل السرج أو قطع الركاب فلا أرى على هذا القطع ، قيل : أرأيت الذي تكون دابته بخليها على باب المسجد ويدخل يركع فتسرق أعلى سارقها القطع ؟ قال : لا .
قال محمد بن رشد : قال في هذه الرواية في الصبي الذي يكون على الدابة إنه إن كان نائماً فلا قطع على من سرق الركابين من عليها ، لأن ذلك يشبه كونها مخلاة ، فلم يعتبر كون الصبي على الدابة لكونه نائماً ، وقال في كتاب اللقطة من المدونة في السارق يسرق من الدار وترك بابها مفتوحاً فيسرق منها غيره : وإن على السارق الأول ضمان ما أخذه السارق الثاني من الدار من أجل أنه ترك بابها مفتوحاً إن لم يكن في الدار أحد وأما إن كان فيها أحد فلا ضمان عليه فيما أخذ منها كان الذي فيها نائماً أو غير نائم فساوى في السكان في الدار بين أن يكونوا نياماً أو غير نيام في إٍسقاط الضمان عن الذي

(16/225)


ترك بابها مفتوحاً ، وفرق في الصبي الذي كون على الدابة بين أن يكون نائماً أو غير نائم في وجوب القطع ممن سرق الركابين منها وهو عليها ، وإنما فرق بين الموضعين لأن القطع حد من الحدود الذي الحكم فيه أن يدرأ بالشبهات ، وتضمين المال ليس من هذا الباب ، والمعنى فيه أنه تلف بسببين ، أحدهما ترك السارق الباب مفتوحاً ، والثاني نوم الساكن في الدار عن غلقه ، فلا يدخل الاختلاف في هذه المسألة من مسألة المدونة لما ذكرناه من أن الحد يدرأ بالشبهة ويشبه أن يدخل في مسألة المدونة من هذه ، فيوجب الضمان فيما أخذ على الذي فتح الباب وتركه مفتوحاً غ ذا كان الساكن فيها نائماً ، لأن النائم في حال نومه كالميت ، فلم يكن تضيع ، والذي فتح الباب ظالم فهو أحق أن يحمل عليه ، وإنما قطع سارق رداء صفوان وإن كان سرق وهو نائم على ما جاء في الحديث من أجل أنه كان توسده ، وأما الذي خلى دابته على باب المسجد ودخل للصلاة فيه فلا إشكال في أنه لا قطع على من سرقها ، لأنها مخلاة في غير حرز وبالله التوفيق .
مسألة
فقيل له أرأيت ما سرق من المحمل وفيه صاحبه أو ليس هو فيه ؟ فقال : أرى عليه القطع كان فيه صاحبه أو لم يكن إلا أن يكون مخلاً هكذا فلا أرى عليه القطع .
قال محمد بن رشد : المحمل الذي على البعير كالسرج الذي على الدابة ، فمن سرقه من عليه أو سرق شيئاً قطع إلا أن يكون مخلى في غير حرز ولا حارز فلا يكون على من سرقه أو سرق شيئاً منه قطع كما لو سرقه بحمله أو الدابة بسرجها وهي مخلاة وبالله التوفيق .

(16/226)


مسألة
وسئل مالك عن الذي يأتي الشاة بالعلف وهي في حرزها فلا يدخل عليها ويشير إليها بالعلف حتى تخرج إليه ، قال : لا أرى عليه قطعاً ، قال أشهب وابن القاسم : عليه القطع .
قال محمد بن رشد : في سماع أبي زيد من ابن القاسم مثل قوله ههنا ومثل قول أشهب وهو قول ابن الماجشون وانكر ذلك محمد بن المواز واختار قول مالك ألا قطع عليه ، وقول ابن القاسم وأشهب وابن الماجشون في إيجاب القطع هو الأظهر لأنه في معنى من دخل في الحرز فأخرجها منه ، إذ لا فرق بين أن يدخل السارق الحرز فيخرج منه المتاع أو يحتال له من خارج حتى يخرجه من حرزه دون أن يدخل الحرز ووجه القول الثاني أنه لم يتحقق أنه هو المخرج لها بإشاراته بالعلف إليها إذ لعله لو لم يشر لها به لخرجت أيضاً .
مسألة
وأرنا أبو إسحاق البرقي قال : سألت أشهب عن السارق يسرق من دار الرجل ثم يبدو له فيرد السرقة في الموضع الذي أخذها منه ، قال يقطع ، لأن القطع قد كان وجب عليه قبل أن يردها .
قال محمد بن رشد : هذا بين على ما قاله ، لأن القطع حد من حدود الله وحق من حقوقه ، فلا يسقط برد السارق السرقة إلى موضعها إن كان ذلك قبل أن يرفع أمره إلى الإمام ، كما لا تسقط بهبة المسروق إياها له وإن كان وهبها له قبل أن يرفع أمره إلى الإمام ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصفوان بن أمية فهلا قبلا ، تأتيني به ، إذ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع يد سارقردائه ، فقال : إني لم أرد هذا يا رسول الله هو عليه صدقة ، لأن المعنى في قوله صلى الله عليه وسلم فهلا قبل أن تأتيني به فهلا تصدقت عليه به قبل أن تأتبني به ، وأبو حنيفة يقول إنه إذا ملك السارق السرقة

(16/227)


قبل أن يقطع لم يقطع ، فيأتي على قياس قوله أنه لو رد السرقة في موضعها قبل أن يقطع لم يقطع ، ولو قيل أنه إن رد السرقة في موضعها قبل أن يرفع أمره إلى الإمام أو وهبها له المسروق منه قبل أن يرفع أمره إلى الإمام لم يقطع لكان لذلك وجه ، وهو التعلق بظاهر قول النبي عليه السلام لصفوان بن أمية فهلا قبل أن تأتيني به لأن الظاهر منه أنه لو تصدق به عليه قبل أن يأتيه به ثم اتاه به لم يقطع يده فيأتي في المسألة على هذا ثلاثة أقوال ، أحدها أنه يقطع وإن رد السرقة في موضعها أو وهبها له المسروق منه ، وهو مذهب مالك ، الثاني أنه لا يقطع إذا ردها في موضعها أو وهبها له المسروق منه ، وهو نص قول أبي حنيفة في الهبة ، والثالث الفرق بين أن يردها موضعها أو يهبها له المسروق منه قبل أن يرفع أمره إلى الإمام أو بعد أن رفع إليه ، وهو قول أبي يوسف في الهبة على ظاهر الحديث .
من سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم من كتاب نقدها
قال وسألت عن لص أخذ وقد ضرب ضربة بسيف على يده اليسرى فقطعت أو بقيت متعلقة لا ينتفع بها وقد وجب عليه قطع اليد والرجل ، قال ابن القاسم : إن كان أصابه ذلك في فوره الذي أخذ فيه لم أر أن يقطع إلا رجله اليمنى وإن كان إنما هو شيء فعله بعد ذلك تلصص فيه لم يكن في فوره ذلك فأرى أن تقطع يده اليمنى ورجله اليسرى ، وكذلك السارق يتبعه صاحب المتاع بسيفه فيضرب يده فيطعها ثم يؤخذ فليس عليه غير ذلك .
قال محمد بن رشد : تفترقه في اللص والسارق يقطع يد أحدهما في فور ، وتلصصه أو سرقته في غير فور ذلك لسبب آخر صحيحة لأن القطع في الحرابة والسرقة لا يتعين في اليد التي لم تقطع دون التي قطعت ، إذ لو

(16/228)


كانت التي لم تقطع شلاء لقطعت في السرقة أو الحرابة الأخرى والرجل الذي يقطع منها ، فقول ابن القاسم في هذه المسألة على قياس قول مالك في المدونة في الإمام يأمر بقطع يمين السارق فيخطئ القاطع فيقطع شماله أن ذلك يجزيه ولا يقطع يمينه ، وأن نافع يقول لا يجزيه ويكون على القاطع الدية ، وتقطع يده اليمنى فيلزم على قياس قوله في هذه المسألة ألا يجزي عنه قطع يده اليسرى وإن كان ذلك في فور تلصصهن وتقطع يده اليمنى والرجل التي تقطع معها ، وذلك بخلاف القصاص لو وجب أن يقتص من يمين رجل فقطعت شماله لم يجزه ذلك باتفاق ، وفي الواضحة لابن الماجشون مثل قول ابن نافع قال ليس خطأ الإمام ولا خطأ القاطع بالذي يزيل القطع عن الموضع الذي يجب ، فتكون الدية في مال القاطع أو الإمام إن كان هو المخطئ ، لا على العاقلة ، قال : وإلى هذا القول رجع مالك ، واختار ابن حبيب القول الأول وحكى في ذلك قضية عن علي بن أبي طالب ، واختلف على القول إن سرق بعد ذلك ، فقيل تقطع رجله اليسرى ، وقيل بل اليمنى ليكون من خلاف وبالله التوفيق .
مسألة
وعن الرجل يسرق ربع دينار تبراً أو وزن ثلاثة دراهم كيلاً فضة والفضة والعين ليستا سواء في الجواز ، قال ابن القاسم : تقطع يده .
قال محمد بن رشد :هذا كما قال ، وهو مما لا اختلاف فيه ، لأن وجوب القطع في السرقة وتحديد ما يجب القطع فيه قد أحكمه الشرع في حياة النبي عليه السلام قبل أن تضرب الدنانير والدراهم .
مسألة
وقال ابن القاسم : من سرق الحصر حصر المسجد قطع وإن

(16/229)


كان من المسجد الحرام الذي لا أبواب له ، وليست الأبواب التي تحرز ، ومن سوق الأبواب قطع أيضاً ، ومن سرق القناديل فإني أرى أن يقطع ليلاً سرق ذلك أو نهاراً ، قد قال ابن القاسم في كتاب أسلم وله بنون صغار في الذي يسرق من حصر المسجد إن كانت سرقته نهاراً لم أر عليه قطعاً ، وإن كان تسور عليها ليلاً بعد أن أغلق بابه فأخرج منها ما يكون فيه القطع قطع وقال فيه أيضاً في الذي يسرق من المسجد الحرام أو مسجد لا يغلق عليه إنه لا قطع عليه ، ومن سرق القناديل قطع ، وقال أرى أن يقطع سرقه ليلاً أو نهاراً .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة قد مضى الكلام عليها محصلاً مستوفى في أول سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته .
مسألة
وقال مالك فيمن أقر بسرقة بغير محنة ولا شيء ثم نزع ، قال : لا أرى أن يقام عليه الحد حتى يعين على ما قال بأمر يقيم عليه ، وقال ابن القاسم : هو رأيي ، قيل له فإن أخرج الدينار وقال هي هذه ؟ فقال ليس هذا بتعيين ، ليس في الدينار تعيين ، وقد روي عن مالك في كتاب أوله كتب عليه رجل ذكر حق ، قال ابن القاسم وسئل مالك عمن اعترف بغير محنة ثم نزع لم أر أن يقال ، قال ابن القاسم يريد إذا عين ، وبلغني ذلك عنه ، وقال أشهب مثل ذلك كله إذا كان إما ما يخاف ولا تؤمن سطواته مثل صاحب الشرط ، وهو عندي إكراه وإن لم يمتحن لأنه يرى السياط موضوعه ويخاف ، وقال في الدنانير مثله إلا أن يعرف إنما هي بأعيانها .

(16/230)


قال محمد بن رشد : قوله فيمن اقر بسرقة بغير محنة ولا شيء ثم نزع ، قال لا أرى أن يقام عليه الحد حتى يعين على ما قاله بأمر يقيم عليه معناه إذا كان إقراره بعد أن أخذ إذ لا اختلاف في أنه يقطع إذا اقر وإن لم يعين إذا كان إقراره قبل أن يؤخذ ، وفيه تناقض ، لأن قوله ثم نزع يدل على أنه لو لم ينزع لاقيم عليه الحد وإن لم يعين ، وهو قد قال أنه لا يقام عليه الحد حتى يعين على ما قاله ، وقوله بأمر يقيم عليه يدل على أنه يقبل رجوعه بعد التعيين ، وفي ذلك اختلاف ، قيل إنه يقبل رجوعه وإن جحد الإقرار أصلاً وهو ظاهر قوله بأمر يقيم عليه ، وقيل لا يقبل رجوعه إلا أن يقول إنما أقررت لوجه كذا وكذا ، وهو قول مالك في كتاب أوله كتب عليه ذكر حق أن من اعترف بغير محنة ثم نزع لم أر أن يقال ، لأن المعنى في ذلك أنه لا يقال إلا أن يقول إنما أقررت لوجه كذا وكذا ، وذلك إذا عين على ما فسره ابن القاسم ، وقد مضى القول على هذه المسألة مستوفى في رسم السرقة من سماع أشهب فلا معنى لإعادته .
مسألة
وسئل عمن سرق من القمح يجمع في المسجد لزكاة الفطر أيقطع وإن لم يخرج به من المسجد ؟ قال : نعم هو قول مالك .
قال محمد بن رشد : ظاهر قوله وإن لم يكن عليها حارس فحكم لها بحكم حصر المسجد ، وهو قول اصبغ خلاف ما حكاه عن مالك في الواضحة واختاره ابن حبيب ، وقد مضى هذا في أول سماع ابن القاسم .
مسألة
وسئل عمن سرق متاعاً لرجل وشهد عليه بذلك ثم قال إنما هو متاع لي استودعته إياه ، قال : يقطع ولا يصدق ، قيل له ويحلف له صاحب المتاع ؟ قال : ما أرى أن يحلف له ، قيل له فإن صدقه

(16/231)


صاحب الحق وقال هو متاعه ؟ قال : لا يقبل منه ويقطع ، قال عيسى : أحب إلى إذا صدقه صاحب المتاع ألا يقطع .
قال محمد بن رشد : قوله إنه لا يصدق صاحب المتاع في أن المتاع متاع السارق إذا شهد عليه بالسرقة فادعى أن المتاع متاعه هو على قياس قوله في المدونة في الذي يشهد عليه بسرقة مال رجل غائب فيدعي أن صاحب المتاع أرسله عنه فيصدقه في ذلك أنه لا ينظر في قوله ويقطع يده ، يريد ويدفع إليه المال بإقراره قوله إنه لا يصدق إن صدقه ، وقد قيل إنه يحلف ، ووقع في المدونة اختلاف في الرواية إذا نكل عن اليمين على القول بأنه يحلف السارق واخذ المتاع هل تقطع يده أم لا ، وفي بعض الروايات قال أرى أن تقطع يده ويحلف مدعي المتاع ، وهو قول أشهب إن يده تقطع وإن حلف واستحق المتاع ، وفي بعضها قال أرى أن يحلف مدعي المتاع أن المتاع ليس للسارق ، فإن نكل حلف السارق ودفع إليه المتاع ولم يقطع يده ، وهو الأظهر ، لأن الذي يوجبه النظر أن ينظر فيما يدعيه السارق من أن المتاع متاعه ، فإن أشبه قوله وصدقه صاحب المتاع لم يقطع يده ، وإن كذبه لزمته اليمين ، فإن نكل عنها وحلف السارق [استحق] المتاع ولم يقطع يده ، وإن لم يشبه قوله وصدقه صاحب المتاع لم يصدق وقطعت يده ، وإن كذبه لم يلزمه يمين على ما قاله في هذه الرواية ، فهذا هو المعنى فيها إن قول السارق لم يشبه فلذلك لم يصدق صاحب المتاع في ألا قطع إن صدقه ، ولا أرى عليه اليمين إن كذبه واستحب عيسى بن دينار أن لا يقطع إذا صدقه صاحب المتاع وإن لم يشبه قوله ، لأن الحدود تدرأ بالشبهات ، والذي وقع في بعض روايات المدونة من أنه يقطع يده ويحلف المسروق منه ، فإن نكل عن اليمين حلف السارق واستحق المتاع وقطعت يده بعيد لأنه يبعد إن أشبه قوله ونكل

(16/232)


المدعي فحلف هو واستحق المتاع أن تقطع يده ، ويبعد إن لم يشبه قوله أن يجب على المدعي للمتاع يمين وبالله التوفيق .
ومن كتاب العرية
وسئل عن السارق يدخل الحرز أو يدخل دار الرجل فيذبح شاة ثم يخرجها مذبوحة ، فقال : إن كان قيمتها مذبوحة ما يجب فيه القطع قطع ، فإن كان له مال يوم سرق غرم قيمة الشاة حية ، وإن لم يكن له مال قطع ولم يتبع بقيمة الشاة مذبوحة واتبع بما بين قيمتها مذبوحة وقيمتها حية دينا في ذمته كان له مال يوم سرق أو لم يكن له مال ، لأنه فساد أفسده قبل أن يخرج ، فكل ما أفسده السارق في حرز رب المتاع من كسر جرة بزيت أو سمن أو حرق ثوب أو فساد شيء فهو لقيمته ضامن إذا قطع كان له مال أو لم يكن له مال ، لأنه ليس فيه قطع ، وإنما قطع في الذي خرج به ، وكذلك لو دخل بيتاً فاخذ ثوب وشيء فقطعه خرقاً ثم خرج بالخرق وثمن ما خرج به من الحرق ما يجب فيه القطع فإنه إن كان له مال قطع وغرم قيمة الثوب صحيحاً إلا أن يشاء رب الثوب أن يأخذ الخرق إذا وجدها في يديه ويرغب فيها ، فإن أخذها فلا شيء على السارق ، وإن لم يكن له مال اتبع بما بين قيمته صحيحاً وقيمته مقطوعاً إذا أبى أن يأخذ الخرق كان له مال يوم سرق أولاً مال له ، فقس جميع هذه الأشياء على هذا الوجه .
قال محمد بن رشد : لا اختلاف فيما أفسده السارق في داخل الحرز أنه لا يقطع فيه ولا في أنه يضمن قيمته ملياً كان أو معدماً وإنما اختلف فيما أفسد مما يوصل إلى السرقة ككسر الأقفال وهدم الجدر وما أشبه ذلك ،

(16/233)


فقال ابن دينار في المدينة إن كل شيء لا يصل إلى السرقة إلا به فكسره أو هدمه فسرق لم أر عليه ضماناً لما فعل إذا قطعت يده ، فإن أدرك قبل أن يسرق أو يموت قبل أن يسرق رأيت عليه الضمان ، وقال فيها ابن القاسم هو ضامن لما كسر أو هدم أو افسد قطع أو لم يقطع ، وإنما ذلك بمنزلة ما لو دخل بيت رجل فأفسد شيئاً وخرج بشيء آخر فهو يقطع فيما خرج به ولا يكون عليه غرمه إلا أن يكون موسراً ، وما افسد مما لم يخرج به فعليه غرمه كان موسراً أو معسراً وقوله في الرواية في الثباب التي خرقها في الحرز وخرج بها مخرقة إنه إن أخذها فلا شيء على السارق هو مثل ما يقوم من كتاب الحدود في القذف من المدونة ، ومثل قول أشهب خلاف ماله في كتاب الغضب منها من أنه مخير بين أن يأخذه وما نقصه ، أو يضمنه جميع قيمته ، وقد قيل إنه ليس له إلا ما نقصه ، وهو قول مالك في رسم باع غلاماً من سماع ابن القاسم من كتاب العارية والثلاثة الأقوال كلها قائمة من المدونة ، وهذا في الفساد الكثير ، وأما الفساد اليسير فلا اختلاف في أنه لا يجب عليه إلا ما نقصه بعد الرفو وبالله التوفيق .
مسألة
وسألته عن السارق كم من رجل يقوم سرقته أو هل يجوز تقويم واحد ؟ فقال قال مالك : لا يقوم سرقة السارق إلا رجلان ذوا عدل ، قلت فإن دعا رجلين فاختلفا في القيمة ، قال : لا يقطع حتى يجتمع رجلان ، فإذا اجتمعا على القيمة لم يلتفت إلى من خالفهما ، قلت وكذلك العبد الذي يقوم في الحرية وكل ما يحتاج إليه القاضي من التقويم لا يقوم ذلك إلا رجلان ؟ قال : نعم لا يقوم ذلك إلا رجلان ، قلت فإن دعا أربعة فاجتمع رجلان على قيمة ورجلان على قيمة ؟ قال : ينظر القاضي إلى أقرب التقويم إلى السداد .
قال محمد بن رشد : قوله إنه لا يقوم سرقة السارق إلا رجلان عدلان نحوه في المدونة ، ومعناه في الاختيار وما يستحب له أن يفعل ، لا انه

(16/234)


لا يجوز له إلا ذلك ، لأن كل ما يبتدي القاضي فيه السؤال فالواحد يجزي لأنه من باب الخبر لا من باب الشهادة كالرسول لتحليف المرأة والمترجم له عمن لا يفهم كلامه ، والمستنكه لمن استرب في سكره وما أشبه ذلك كثير ، فلو اكتفى الإمام في تقوم سرقة السارق بواحد لأجزاه . وأما إذا دعا رجلين فاختلفا في قيمتها فقوله إنه لا يقطع حتى يجتمع على أن قيمتها ما يجب فيه القطع رجلان بين لا يجب أن يختلف فيه ، إذ لا يصح أن يعمل قول أحدهما .
وأما إذا دعا رجلين فاختلفا في قيمتها فقوله إنه لا يقطع حتى يجتمع على أن قيمتها ما يجب فيه القطع رجلان بين لا يجب أن يختلف فيه ، إذ لا يصح أن يعمل قول أحدهما وقد خالفه الآخر ، إذ لا مزية لأحدهما على صاحبه .
وأما لو دعا أربعة فاختلفوا قال الاثنان منهم قيمتها ثلاثة دراهم ، وقال الاثنان قيمتها درهمان لوجب أن يقطع بشهادة الذين شهدا أن قيمتها ثلاثة دراهم لأنهما اثبتا بشهادتهما حكماً نفاه الآخران ، فكان من اثبت حكماً أولى ممن نفاه ومثل هذا في المدونة ، وقوله في هذه الرواية إنه إن دعا أربعة فاجتمع رجلان على قيمة ، ورجلان على قيمة إن القاضي ينظر إلى أقرب القيمة إلى السداد لا يعود على مسألة تقويم السرقة ، وإنما يعود على تقويم العبد في الحرية وما أشبه ذلك ، ونظر القاضي إلى أقرب القيمة إلى السداد هو أن يسأل من سواهم ، إذ قد اختلفوا عليه حتى يتبين له السداد من ذلك وذلك يبعد في تقويم السرقة لأن الاثنين قد أوجبا بشهادتهما حكماً وهو القطع فوجب أن يعمل قولهما ولا يلتفت إلى من خالفهما كالشهود إذ اختلفوا في شهادتهم ولا مزية لأحد الطائفتين على الأخرى فيما شهدت به ، غير أن إحدى الطائفتين أوجبت بشهادتها حكماً فإنه يؤخذ بشهادة الطائفة التي أوجبت الحكم منهما على المشهور في المذهب ، وقد قيل إنهما إذا تكافيا في العدالة أسقطنا ، فعلى هذا إذا دعا القاضي أربعة لتقويم السرقة فاختلفوا في تقويمها قومها الاثنان منهم بثلاثة دراهم والاثنان بدرهمين يسأل الإمام غيرهما ويترك قولهم إذ قد سقط باختلافهم وبالله التوفيق .

(16/235)


ومن كتاب يوصى لمكاتبه
قال وسألته عن العجمية تسرق فتوطأ ، فقال : على سارقها الحد والقطع ، وقال : إن كان محصناً رجم ولم يقطع لأن القتل يأتي على ذلك كله ، وإن كان بكراً قطع وأخذ حد الزنا منه مائة جلدة إن كان حراً ورواها أصبغ .
قال محمد بن رشد : قوله في العجيمة إن سارقها يقطع هو مثل ما في المدونة وغيرها من أن سارق العبد الكبير الأعجمي يقطع سارقه ، بخلاف العبد الكبير الفصيح ، لأن العبد الفصيح لا تتأتى سرقته ، لأنه لجهله وعجومته وقلة مبرزه في حكم البهيمة أو أدنى مرتبة منه ، وكذلك الصغير يقطع سارقه حراً كان أو عبداً وقال ابن الماجشون : لا يقطع سارق الصغير الحر إذ ليس بمال وأما وجوب حد الزنا على سارقها إذا وطئها فلا إشكال فيه ، لأن الله تعالى يقول : ( والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم ) الآية .
مسألة
وسألت ابن القاسم عما يسرق من الملاهي مثل المزمار والعود والدف والكبر وجميع الملاهي هل فيه قطع إذا كان قيمته ربع دينار ؟ قال : إذا كان قيمته ربع دينار بعد أن يكسر أو تكون فيه فضة يكون وزنها ربع دينار ففيها القطع إلا ما كان من الدف والكبر فإنه من سرقهما فإن كان في قيمته صحيحاً ما يكون فيه القطع قطع ، لأن الدف والكبر قد أرخص في اللعب بهما ، فكل ما رخص فيه ففيه قيمته صحيحاً إذا كان قيمته ربع دينار يقطع .

(16/236)


قال محمد بن رشد : قوله في هذه الرواية في الكبر إنه يقطع سارقه في قيمته صحيحاً لأنه قد رخص في اللعب به يريد في العرس والملاك خلاف قوله في سماع سحنون من جامع البيوع إن البيع يفسخ فيه ويؤدب أهله ، ولا اختلاف في ترخيص اللعب بالدف وهو الغربال في العرس والملاك ، واختلف قول ابن القاسم في الكبر فأجازه في رواية عيسى عنه ، وفي كتاب النكاح ، ولم يجزه في سماع سحنون من كتاب جامع البيوع ، وأجاز ابن حبيب المزهر وقد مضى تحصيل القول في هذه المسألة في رسم سلف من سماع عيسى من كتاب النكاح فلا معنى لإعادته .
مسألة
قلت فالكلب يسرق وفي عنقه قده ، وثمن القدة ربع دينار قال : إن كان ثمن القدة ربع دينار ففيه القطع .
قال محمد بن رشد : هذا بين على قياس قوله وروايته عن مالك في أن الكلب لا يجوز بيعه لما جاء من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب فحمله على عمومه في جميع الكلاب ما أذن منها في اتخاذه وما لم يؤذن ، وذهب سحنون إلى إجازة بيع الكلب المأذون في اتخاذه وأكل ثمنه ، وهو قول ابن نافع وابن كنانة وأكثر أهل العلم ، لأنهم جعلوا نهي النبي عليه السلام عن ثمن الكلب مخصصاً في الكلب الذي لم يؤذن في اتخاذه ، بدليل قوله عليه السلام : من اقتني كلباً لا يغني عنه زرعاً ولا ضرعاً نقص من عمله كل يوم قيراط ، والاقتناء لا يكون إلا بالاشتراء ، فعلى قول هؤلاء يقطع سارق الكلب المأذون في اتخاذه إذا كانت قيمته ربع دينار فصاعداً وقد

(16/237)


مضى هذا المعنى في كتاب الرطب باليابس من سماع ابن القاسم من كتاب الجنايات وفيما سواه من المواضع .
مسألة
قلت فإذا سرق النصراني من النصراني مزماراً أيقطع في قيمته صحيحاً أو مكسوراً ؟ قال : بل في قيمته مكسوراً .
قال محمد بن رشد : هذا بين على ما قاله لأن الله تعالى يقول : ( وأن أحكم بينهم بما أنزل الله ) فلا يقطع النصراني في سرقته من النصراني إلا فيما يقطع به المسلم في سرقته من النصراني أو المسلم ألا ترى أنه لو سرق منه خمراً أو خنزيراً لم يقطع فيه وإن كان ذلك مالاً لهم يحكم بغرمه على من استهلكه لهم على المشهور في المذهب وبالله التوفيق .
ومن كتاب أوصي أن ينفق على أمهات أولاده
قال : ومن سرق جلد ميته مدبوغاً إنه يقطع إذا بلغ ما يقطع فيه وقد قال ابن القاسم في غير هذا الكتاب إن كان فيه من صنعته ما تكون قيمته ثلاثة دراهم قطع وإلا لم يقطع .
قال محمد بن رشد : قوله إنه يقطع إذا بلغ ما يقطع فيه يدل على جواز بيعه وأنه يطهر بالدباغ طهارة تامة تجيز لبسه والصلاة به وبيعه إذ ضعف عنده الاختلاف في ذلك حتى لم يره شبهة يدرأ الحد عنه بها ، والقول الثاني الذي ذكره من غير هذا الكتاب أنه لا يقطع إلا أن تكون قيمة ما فيه من صنعة ثلاثة دراهم هو قوله في المدونة وفيه نظر ، لأن الصنعة مستهلكة

(16/238)


فيه لا يمكن أن تفصل منه فتهلك ، ألا ترى أنه لا يجيز على قوله وروايته عن مالك في أنه لا يطهر بالدباغ إلا للانتفاع به ببيعه أصلاً ولا بقيمة ما فيه من الصنعة فكان القياس على القول بأنه لا يباع ألا يقطع فيه على حال ، ولو قيل إنه لا يقطع على مذهب من يجيز بيعه مراعاة لقول من لا يجيز بيعه لكان لذلك وجه ويتحصل فيه على هذا ثلاثة أقوال وبالله التوفيق .
ومن كتاب أوصى
قال ابن القاسم في السفينة يركب فيها الجماعة كل إنسان منهم على متاعه قد أحرزه كله تحته فيسرق بعضهم من بعض قال زعم مالك أنه إن سرق منه وهو عليه قطع ، وإن قام فسرق منه وقد قام عنه فلا شيء عليه .
قال محمد بن رشد : السفينة مشتركة بين الركاب فيها ، فالحكم في السرقة منها حكم السرقة من صحن الدار المشتركة بين السكان فيها يحاص إن سرق بعض الركاب فيها من متاع بعض وهو على متاعه قطع وإن لم يخرج بما سرق عن السفينة وإن سرق وهو قد قام عن متاعه لم يقطع وإن خرج به عن السفينة ، وإن سرق أجنبي من السفينة شيئاً من متاع أحد وصاحب المتاع على متاع فأخذ قبل أن يخرج بما سرق قبل أن يخرج من السفينة قطع على اختلاف ، وإن كان سرقه وصاحب المتاع ليس على متاعه لم يقطع باتفاق ، وأما إن خرج بما سرق من السفينة فيقطع كان صاحب المتاع على

(16/239)


متاعه إذ سرقه أو لم يكن عليه ، وقد مضى بيان هذا في أول سماع ابن القاسم وطرف منه في رسم كتاب السرقة من سماع أشهب وبعض ذلك كله يبين بعضاً .
ومن كتاب أوله بع ولا نقصان عليك
وسئل عن سارق دخل بيت رجل فاتزر بإزار فأخذ في البيت والإزار عليه ثم أفلت من أيديهم فخرج من الدار والإزار عليه علم به أهل البيت أو لم يعلموا ، قال : لا قطع عليه إذا أخذ فأقلت من أيديهم علم أهل البيت أن الإزار عليه أو لم يعلموا فرواها محمد بن خالد عن ابن القاسم .
قال محمد بن رشد : هذا بين على ما قاله لأنه لم يخرج به على وجه السرقة ، وإنما خرج به مختلساً له ، فوجب ألا يقطع .
ومن كتاب أسلم وله بنون صغار
وسئل عن السارق يدخل بيت رجل فأكل من الطعام ما يكون ثمنه أكثر من ربع دينار فيؤخذ خارجاً من الدار ، فقال : لا قطع عليه ، وعليه العقوبة وغرم ما أكل .
قال محمد بن رشد : هذا بين على ما قاله ، لأن ما أكله في الحرز فقد استهلكه ولا منفعة له فيه إذا خرج به ، بخلاف الدينار يزدرده في الحرز ، هذا يقطع فيه إذا خرج به لأنه ليس بمستهلك له بازدراده إياه وبالله التوفيق .

(16/240)


مسألة
وسئل عن السارق يسرق بساطاً من بسط المسجد التي تطرح في رمضان ، فقال : إن كان عنده صاحبه حين سرقه قطع وإلا فلا قطع عليه لأنا سألنا مالكاً عن محارس الإسكندرية يعلق الناس سلاحهم ومتاعهم فيسرق من ذلك شيء ، فقال : إن كان صاحبه عنده حين سرقه قطع وإلا فلا قطع عليه ، وكذلك الحمام إذا سرق السارق منه شيئاً فإن كان عند المتاع الذي سرق حارس قطع وإلا فلا قطع عليه إلا أن يكون أخرجه من وراء الجدار فنقب الجدار حتى سرق المتاع فإن ذلك يقطع كان عند المتاع أحد أو لم يكن ، قلت أفترى المسجد حرزاً للبساط حتى يخرج ؟ قال : إذا احتمله من مكانه قطع وإن لم يخرج به من المسجد لأن المسجد ليس حرازاً لشيء .
قال محمد بن رشد : ساوى في هذه الرواية بين البساط الذي يطرحه الرجل في رمضان في المسجد ليصلي عليه ثم يأخذه وبين ثياب الذين يدخلون الحمام في أنه لا قطع على من سرق ذلك إلا أن يكون معها صاحبها أو يكون عليها حارس ، وقال في الحصير إنه إذا كان معه صاحبه فالقطع على من سرقه إذا احتمله من موضعه وأن لم يخرج به من المسجد ، وسكت في ذلك عن الحمام ، وفيه تفصيل قد مضى في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم ، وهو الفرق بين أن يدخل للسرقة أو ليتحمم ولم يحكم في هذه الرواية للحصير الذي يضعه الرجل في المسجد ليصلي عليه في رمضان ثم يأخذه بحكم حضور المسجد ، وقد قيل إنه يحكم له يحكمها فيدخل ذلك من الاختلاف ما يدخل في الفطرة توضع فيه فتسرق منه ، وقد مضى بيان هذا في أول رسم من سماع ابن القاسم ، وأما ما طرح في المسجد من البسط في رمضان ومن الحصر المحبسة عليه لترفع منه بعد رمضان فلا اختلاف في أن حكمها في السرقة حكم حصور المسجد الثابتة فيه في رمضان وغيره قد مضى

(16/241)


تحصيل الاختلاف في ذلك في أول رسم من سماع ابن القاسم وبالله التوفيق .
مسألة
قلت فالراعي يبعد بغنمه فيدركه الليل في موضع لم يكن لها المراح فيجمعها ثم يبيت فيسرق منها ، قال : على من سرق منها ما يجب فيه القطع القطع ، لأن ذلك مثل مراحها ، قال وحريسة الجبل كل شيء يسرح للرعي من بعير أو بقرة أو شاه أو غير ذلك من الدواب ليس على من سرق منها شيئاً القطع وإن كان أصحابها عندها .
قال محمد بن رشد : هذا بين على ما قاله لا اختلاف فيه للنص الوارد في ذلك عن النبي عليه السلام من قوله : لا قطع في ثمر معلق ولا في حريسة جبل فإذا آواه المراح أو الجرين فالقطع فيما يبلغ ثمن المجن ، ومبيت الراعي بماشيته إذا جمعها وبات عليها مراح لها في وجوب القطع على من سرق منها وإن لم يكن ذلك مراحها المعلوم لأنه بمنزلته في المعنى .
مسألة
وقال في حوانيت السوق التي تدخل بغير إذن ليس على من سرق منها شيئاً القطع .
قال محمد بن رشد : هذا بين على ما قاله ، لأن من سرق من موضع أذن له في دخوله فليس بسارق وإنما هو خائن .
ومن كتاب شهد على شهادة ميت
قال ابن القاسم قال مالك من سرق من رجل طعاماً فلقيه بغير

(16/242)


البلد الذي سرقه فيه فليس على السارق أن يعطيه إياه إلا بالبلد الذي سرقه منه فيه ، قال ابن القاسم قال مالك : إلا أن يتراضيا على مثل ما تراضيا عليه في السلف .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال ، وهو مما لا اختلاف فيه أنه ليس للمسروق منه إلا مثل طعامه في البلد الذي سرق منه وإنما اختلف إذا وجد طعامه بعينه في غير البلد الذي يسرقه منه على ثلاثة أقوال ، أحدها أنه ليس له إلا مثل طعامه في البلد الذي سرقه منه ، وهو قول ابن القاسم وروايته عن مالك في سماع سحنون من كتاب الغصب والثاني أنه مخير بين أن يأخذ طعامه وبين أن يضمنه مثله في البلد الذي سرقه منه فيه وهو قول أشهب في سماع أصبغ من كتاب الغصب والثالث الفر بين أن تكون البلد بعيداً أو قريباً وهو قول أصبغ ، وقد مضى القول على حكم العروض والحيوان في ذلك في السماعين من الكتاب المذكور فلا معنى لإعادته .
من كتاب أن امكنتني من حلق رأسك
وسألته عن السارق يدخل البيت فيأخذ ديناراً فيزدرده ثم يخرج من الدار ، قال عليه القطع لأنه خرج به وهو شيء يخرج به ويأخذه .
قال محمد بن رشد : هذا بين على ما قاله إذ ليس ازدراده إياه باستهلاك فهو بخلاف الطعام يأكله في الحرز وقد مضى هذا في رسم أسلم وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل عن الراعي يجمع غنمه ثم يسوقها وإيجابها إلى المراح

(16/243)


فيسوقها على الطريق قد أخرجها من الرعي فيسرق رجل منها شاة ، قال على من سرق منها ما يساوي ربع دينار القطع .
قال محمد بن رشد : وكذلك على قياس قوله لو سرق منها شيء في خروجه بها من مراحها إلى مسرحها وهي في الطريق قبل أن تصل إلى المسرح ، وقال ابن حبيب قال أصبغ ومن ساق غنمه من مراحلها إلى مسرحها فسرق منها أحد قبل أن تخرج من بيوت القرية إنه قطع ، وكذلك إذا ردها من مسرحها إلى مراحلها فإذا سرق منها بعد أن أدخلها القرية وخالطت البيوت وهو يسوقها فإنه يقطع وإن لم تدخل المراح ، وقول ابن القاسم اظهر من جهة المعنى ، وذلك أن القطع إنما سقط عن السارق فيها إذا كانت في مسرحها لأن الراعي لها لا يقدر على حفظها لتفرقها في المرعى فصارت مهملة في غير حرز ، فإذا جمعها وساقها في الطريق كان كونه معها سائقاً لها حرزاً لها كالمراح ، وقول اصبغ اظهر من جهة الاعتبار بالدليل ، لأن في قوله في الحديث فإذا آواها المراح فالقطع فيما يبلغ ثمن المجن دليل على أنه لا قطع فيها قبل أن يأويها المراح ، وقول ابن القاسم أولى بالصواب ، لأن القياس يقدم على الدليل ، إذ قد قيل إنه لا يجب الحكم بدليل الخطاب وبالله التوفيق .
مسألة
وقال إذا كان على النخل أو الزرع حظير فحصد الزرع أوجد الثمر فجمع في مكان واحد واغلق عليه الباب فعلى من سرق منه القطع وأما الذي لا قطع عليه فيه الذي يكون في الفحوص من غير حظير ولا باب يغلق ولا جرين فذلك الذي لا قطع عليه فيه .
قال محمد بن رشد : قوله إن الزرع أو الثمر إذا جمع أوجد وكان في حظير إن على سارقه القطع وأن ترك بموضعه لم حمل بعد إلى الجرين لا

(16/244)


اعرف فيه نص خلاف ، وقد ذكرنا في رسم المحرم أن الخلاف قد يدخل في ذلك في المسألة التي ذكرناها من كتاب محمد وقوله إنه إذا كان في الفحوص من غير حظير ولا باب يغلق ولا جرين فلا قطع فيه هو مثل ما تقدم في رسم المحرم من سماع ابن القاسم خلاف ما في رسم كتاب الحدود من سماع أشهب وقد ذكر ابن المواز الروايتين جميعاً ، واستحسن رواية ابن القاسم وذكر ابن حبيب الروايتين جميعاً وقال إن أصبع أخذ برواية ابن القاسم مثل ما استحسن ابن الموازن وقد ذكرنا فيما مضى من رسم المحرم أن من الناس من ذهب إلى أن ذلك ليس باختلاف من القول ، وأن ذلك إنما يرجع إلى الفرق بين أن يجمع الزرع إذا حصد بعضه إلى بعض ويربط على ما قاله في كتاب ابن المواز ، وبين أن يحصد ويترك في موضعه دون أن يجمع أو يربط وبالله التوفيق .
ومن سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم من كتاب العتق
قال عيسى وسألت ابن القاسم عن رجل سرق غزلاً فنسجه ثوباً أو سرق لبناً فعمل منه جبناً و سرق كتاناً فغزل منه ثوباً أو سرق حنطة فطحنها دقيقاً أو عجن منها خبزاً أو سرق بيضاً فأخرج منها فراخاً ، أو سرق جلوداً فصنع منها فروا يعرف ( أهل كل صنف من هذا بأعيانهم أو سرق فضة أو ذهباً فصاغ منها حلياً ، أو سرق حديداً فعمل منه سيفاً ، قال : أما الطعام فعليه مثله في جودته وصنفه إن كان يوجد وإلا فقيمته إلا أنه قد دخلني الشك من الدقيق الذي طحن من حنطة مسروقة أن تكون الدقيق له وقد ذكر فيه عن من مضى إلا أني أرى

(16/245)


عليه حنطة مثله والخبز عندي قوي بين ألا يكون عليه فيه إلا القمح الذي أخذ من قال وأما الغزل فعليه قيمته ، وأما الكتاب والحديد فعليه مثله ، لأن مالكاً قال لي في البيع الفاسد في الكتاب يرد مثله وما أشبه ذلك مما يوزن ، وقال لي في القطن مثله ، وهو رأيي ، والحديد كذلك ، لأن هذه الأصناف يوجد مثلها ، وإن الحيوان والثياب لا يوجد في شيء منها مثله ، وأما الفضة والذهب ففضة وذهب مثلها ولا يأخذها مصوغة .
قال محمد بن رشد : مذهب إبن القاسم في السارق أو الغاصب إذا أفات ما سرقه بعمله فيه أن ذلك إن كان مكيلاً أو موزوناً فسواء أخرج فيه شيئاً من ماله سوى العمل كالسويق يلته بسمن وما أشبه ذلك أو لم يخرج فيه من ماله شيئاً سوى العمل كالحديد يعمل منه سيوفاً والفضة والذهب يعمل منها حلياً وما أشبه ذلك ليس للمسروق منه إلا المثل فيما سرقه له إلا أن يكون العمل يسيراً مثل القمح يطحنه فاختلف في ذلك قوله ، مرة قال يأخذه مطحوناً ومرة قال ليس له إلا مثل قمحه .
وأما العروض فيفترق الأمر فيها عنده بين أن يخرج فيها شيئاً من ماله سوى العمل كالثوب يصبغه وما أشبه ذلك أولاً يخرج فيها شيئاً من ماله سوى العمل ، فأما ما أخرج فيه من ماله شيئاً سوى العمل فمرة قال هو فوت ليس لربه إلا قيمته ، ومرة قال هو مخير بين أن يدفع إليه قيمة الصبغ ويأخذ ثوبته ، وبين أن يلزمه قيمته يوم سرق منه ، وأما ما لم يخرج فيه شيئاً سوى العمل فإن كان يسير أخذه معمولاً كالرفو والخياطة في الثوب وإن كان كثيراً كالخشبة يعمل منها أبواباً أو توابيت وما أشبه ذلك فليس للمسروق منه إلا قيمتها ، والغزل عنده كالعرض وإن كان مما يوزن ، هذا قوله في هذه الرواية وفي تضمين الصناع من المدونة وقال غيره فيه إن عليه في الغزل مثله ، هذا تحصيل مذهب ابن القاسم في هذه المسألة ، وأشهب لا يفرق في هذا بين المكيل والموزن

(16/246)


وبين غيره من العروض ولا بين ما أخرج فهي ما ماله سوى العمل أو لم يخرج فيه سواه ، ويرى من حق المسروق منه والمغصوب أن يأخذ متاعه معمولاً ومصبوغاً وملتوتاً ولا شيء عليه في عمل السارق ولا في ما أخرج فيه من مال ، إذ قد افتات فيه ولا يقدر على نزعه منه ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليس لعرق ظالم حق " .
مسألة
وسألته عن سارق سرق عصفوراً أو زعفراناً وسرق ثياباً فصبغها بذلك ثم أخذ فقطعت يده ، وأخذ المتاع وأتى تائباً ، قال : إن كان له مال يوم قطع لزمته قيمة الثياب ووزن الزعفران والعصفر في جودته وحاله ، وإن لم يوجد له مال ووجد الثياب مصبغة نظر كم ثمن العصر والزعفران ؟ وكم قيمة الثياب ؟ فيتحاص صاحب الثياب وصاحب الزعفران على قدر ذلك .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة بينة لا إشكال فيها ولا التباس في شيء من معانيها ، إلا أنه إن كان له مال لزمه أن يغرم لصاحب الثياب قيمة ثيابه ولصاحب الزعفران مثل زعفرانه قطعت يده أو أتى تائباً فلم تقطع يده ، وإن لم يكن له مال سوى ذلك تحاص صاحب الزعفران وصاحب الثياب فيها على قدر قيمة ما لكل واحد منهما ، فإن قطع لم يكن لهما عليه شيء ، وإن أتى تائباً ولم يقطع اتبعاه ببقية حقوقهما ديناً ثابتاً في ذمته وبالله التوفيق .
مسألة
قلت له فرجل أتى إلى أرض قوم فضرب فيها طوباً بغير إذنهم أو عمل فيها قلالاً بغير إذنهم فأنكروا ذلك وقالوا تأخذ الطوب

(16/247)


والقلال أو حفر فيها بئراً بغير إذنهم ، قال أما البير فعليه ردها وله نقضها إلا أن يشاؤا أن يعطوه نقضها ملقى مطروحاً ، وليس له أن يأبى ذلك ، وهو قول مالك ، وأما القلال والطوب فلا أرى لهم عليه فيها شيئاً ، وأراه لمن عمله إلا أن تكون عليهم منه في أرضهم ضرر لما أحدث فيها فعليه أن يكنس ذلك لهم ، قال : وإن كان افسد أرضهم فساداً بيناً فعليه قيمة ما أفسد من الأرض .
قال محمد بن رشد : أما البئر فكما قال على المعتدي ردمها وله نقضها إلا أن يشاء رب الأرض أن يعطيه قيمة نقضه منقوضاً ويبقى البئر لنفسه على حالها فيكون ذلك له وأما إن أخذ المعتدي بردم البئر فليس له أخذ النقض بقيمته لأنه إذا نقض كان صاحبه أحق به ، وأما الذي عمل القلال والطوب في أرض الرجل فقوله إنه لا شيء عليه فيها فمعناه إذا لم يكن للتراب الذي عمل منه الطوب والقلال قيمة ، وأما إن كانت له قيمة فعلية قيمته مع كنس الأرض وإصلاحها وتعديلها وردها إلى ما كنت عليه أو غرم قيمة ما افسد فيها إن لم يمكن إصلاحه وبالله التوفيق .
مسألة
قال وسألته عن رجل سرق ولا يمين له ولا يسار هل يقطع رجله ؟ قال ابن القاسم يقطع رجله فإن عاد قطعت رجله الأخرى . قلت له فأيهما يبدأ ؟ قال أما أنا فأحب إلى أن يبدأ برجله اليسرى لأنه كانت تقطع أولاً يده اليمنى ثم رجله اليسرى لأنه من قول مالك قديماً في الرجل يسرق وهو أشد اليد اليمنى أنها تقطع رجله اليسرى واليمنى أخر القطع ثم رجع فقال أرى أن تقطع يده اليسرى وهو أحب قوله إلى .
قال محمد بن رشد : اتفق مالك وأصحابه فيما عملت على أن السارق

(16/248)


يقطع في السرقة يده اليمنى ثم رجله اليسرى ثم يده اليسرى ثم رجله اليمنى فإن سرق بعد ذلك ضرب وسجن وحبس ، وقد جاء عن النبي عليه السلام أنه يقتل بعد الرابعة وليس بالثابت ، ولم يقل به أحد من أصحاب مالك غير أبي مصعب ، وسواء كانت سرقاته من رجال شتى أو من رجل واحد أشياء شتى أو شيئاً واحداً سرقه من رجل واحد بعد أن عاد لحرزه إذا كانت سرقته الثانية بعد أن يقطع في الأولى ، وأما إذا سرق سرقات قبل أن يقطع فقطع في أحدهما فذلك القطع يجزي لكل سرقة تقدمت كان قد رفع فيها أو لم يرفع ، فإن سرق وهو أشل اليدين والرجلين ضرب وحبس ، وإن سرق وهو اشل اليدين جميعاً أو مقطوع أصابعهما أو أصبعين منكل يد فأكثر ، فاختلف هل تقطع رجله اليسرى أو اليمنى فقال ابن القاسم في هذه الرواية إنه يقطع رجله اليسرى لأنها كانت تقطع أولاً يده اليمنى ثم رجله اليسرى أو على ما اختاره من قول مالك في السارق يسرق وهو اشل اليد اليمنى إنه يقطع رجله اليسرى على ما كان يقوله أو لا ثم رجع إلى أن تقطع يده اليسرى ، فعلى قياس هذا القول إذا سرق السارق وهو أشل اليدين قطعت رجله اليمنى ، وظاهر قول ابن القاسم في هذه الرواية أن الذي اختاره من قول مالك في السارق يسرق وهو أشل اليد اليمنى أن تقطع رجله اليمنى على القول الذي رجع إليه مالك خلاف اختياره في المدونة ، وحكى ابن حبيب عنه قولاً ثالثاً وهي التفرقة بين أن تكون يده اليمنى شلاء أو مقطوعة في قصاص ، فإن كانت شلاء قطعت يده اليسرى وإن كانت قطعت في قصاص قطعت رجله اليسرى ، ولا فرق عند مالك بين أن تكون يده اليمنى شلاء أو مقطوعة في قصاص ، واختلف قوله في ذلك اختلافاً واحداً ، واختيار أصبغ أن تقطع يده اليسرى كانت اليمنى شلاء أو مقطوعة في قصاص على القول الذي رجع إليه مالك ، قال لا يقطع من السارق رجل ما دام له يد لقوله تعالى : ( فاقطعوا أيديهما )
وقد مضى في أول سماع عيسى

(16/249)


الاختلاف إذا أخطا الإمام أو القاطع على السارق فقطع شماله هل يجتزي بذلك أو لا يجتزي به فيكون على المخطئ عليه الدية في ماله ويقطع يمينه ، والاختلاف أيضاً على القول بأنه يجتزي بذلك إن سرق بعد ذلك هل تقطع رجله اليسرى أو اليمنى حتى يكون من خلاف فلا معنى لإعادة ذلك .
مسألة
وسئل عن أقر بسرقة هل يقطع بغير تعيين حراً كان أو مملوكاً ؟ وما حد التعيين في ذلك وإن كان إقراره من بعد ضرب ، قال : إن جاء تأيباً مستهلاً رأيت أن يقام عليه الحد إلا أن ينزع قبل أن يقطع ويسأل كيف سرق ، فإن كان في إقراره ما يوجب القطع قطع ، فربما أقر الرجل بالسرقة ولا قطع فيها ، وأما بعد أن يؤخذ فإني لا أرى أن يقطع إلا بتعيين ، قال والحر والعبد في ذلك سواء ، والآخر قول مالك فيما أعلم .
قال محمد بن رشد : قوله في هذه الرواية إنه إذا أتي تأئباً مستهلاً يقطع بغير تعيين يبين ما مضى من قول مالك في رسم كتب السرقة من سماع أشهب ، وقد مضى الكلام على ذلك هناك مستوفى فلا معنى لإعادته .
مسألة
وسألته عن عبد مملوك أوصي له بعتق ، فسرق بعد ما مات سيده وقبل أن يقوم متى يقوم أيوم أوصى له ؟ أم يوم مات سيده ؟ أو يوم يرجع إلى القيمة ؟ قال : إنما يقوم يوم يرفع إلى القيمة وينظر فيه .
قال محمد بن رشد : هذا بين على ما قاله ولا اختلاف فيه لأن المالك لو تلف قبل أن ينظر فيه لم يعتق من العبد إلا ثلثه وبالله التوفيق .

(16/250)


مسألة
وقد سئل عن الرجل يدعي قبله السرقة فيصالح على الإنكار لها ثم يأتي رجل فيقر أنه الذي سرقها ، قال : إن ثبت على إقراره قطع ثم إن كان ملياً أخذ منه المدعي قبله الأول ما صالح به واخذ المسروق منه تمام قيمة سرقته ، وإن كان عديماً لم يكن عليه شيء ولم يكن للمصالح الأول أن يرجع على الذي صالحه بما أعطاه لقول المقر الآخر ، وإن كان عديماً فرجع عن إقراره قبل القطع درء عنه القطع واتبعه المصالح بما صالح به واتبعه المسروق منه بتمام قيمة سرقته وإن أقر بها على الضرب وعينها ثم أنكر فلا قطع عليه .
قال محمد بن رشد : قوله إن ثبت على إقراره قطع يدل على أنه إن رجع لم يقطع ، وفي ذلك اختلاف قيل أنه لا يقبل رجوعه إلا أن يقوم إنما أقررت لوجه كذا وكذا ، والقولان في المدونة وقوله في آخر المسألة وإن أقر بها على الضرب وعينها ثم أنكر فلا قطع عليه .
قال محمد بن رشد : قوله إن ثبت على إقراره قطع يدل على أنه إن رجع عنه لم يقطع ، وفي ذلك اختلاف ، قيل أنه لا يقبل رجوعه يدل على أنه يقطع إذا عين على الضرب ، وفي ذلك اختلاف ، وأما قوله إنه لا يقطع إذا أنكر فلا اختلاف فيه ، والأصل في هذا أنه في الموضع الذي يقطع باختلاف يقبل رجوعه فيه باتفاق وفي الموضع الذي يقطع فيه باتفاق يقبل رجوعه فيه على اختلاف وقد مضى تحصيل القول في هذا في رسم كتاب الحدود من سماع أشهب وبالله التوفيق .

(16/251)


من سماع سحنون وسؤاله ابن القاسم
قال سحنون : قلت لابن القاسم أرأيت إذا كان في الدار المحجور عن الناس بئر يستقي منه الاشراك فينسى بعض الأشراك على البئر توراً أو قدحاً أو شيئاً فيسرقه رجل من الأجنبيين فأخرجه من الدار ؟ قال : يقطع ، وكذلك لو نشر في الدار ثوباً نشره بعض الأشراك فسرقه أجنبي قطع ، وأما ما سرقه الأشراك مما ينشر في الدار فليس عليهم قطع ، لأن ذلك الموضع مباح لهم .
قال محمد بن رشد : قوله فيما نسيه بعض الاشراك في هذا الدار أو نشره فسرقه سارق إنه يقطع إذا أخرجه من الدار ليس بأمر متفق عليه ، قد قيل إنه لا يقطع ، وكذلك اختلف أيضاً إذا سرق أجنبي من بيت من بيوت سكان الدار فأخذ في الدار قبل أن يخرج منها وقد مضى تحصيل القول في هذه المسألة في أول رسم من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته .
مسألة
قلت فالرجل تكون له الدار يكون ساكناً في بعضها وله في بعض حوانيت وليس معه في الدار غيرها وهي محجورة عن الناس فأضاف ضيفاً في بعض الحوانيت وبقية الحوانيت مغلقة فيها متاع قد أحرزه فيسرق الضيف من بعض تلك الحوانيت ، قال لا يقطع وإن لم يكن فيها نازلاً .
قال محمد بن رشد : المعنى في هذه المسألة أنها حوانيت تفضي إلى الدار بأبواب فيما بينها وبينها فأضاف ضيفاً في حانوت منها وبقية الحوانيت مغلقة دونه فسرق منها ، فقوله إنه لا يقطع وإن لم يكن نازلاً فيها هو مثل قوله في المدونة في الذي أضاف الضيف وأدخله داره فسرق من بعض

(16/252)


منازل الدار التي قد كان خزن فيها متاعه وأقفل عليه أنه لا قطع عليه لأنه خائن وليس بسارق وفي ذلك اختلاف قد قيل إنه يقطع إذا أخرج المتاع من حرزه وصار بيده وإن لم يخرج به من الدار ، وهو قول سحنون ، لأنه أشبه عنده الشركاء في ساحة الدار إذا سرق أحدهم من بيت صاحبه شيئاً فخرج بما سرق إلى ساحة الدار ، وحكى عبد الحق في المسألة قولاً ثالثاً تأوله على ما في المدونة وقال إنه قول مالك في كتاب ابن الموازن وهو أنه لا يقطع حتى يخرج به من جميع الدار وهو بعيد ، إذ قد مضى في المدونة وكتاب ابن المواز على أنه خائن وليس بسارق ، ولا يقطع الخائن على حال .
من سماع محمد بن خالد بن ابن القاسم
قال وسألته عن العبد يسرق من مال ابنه الحر هل عليه قطع ؟ قال : لا ، قلت له فسرق من مال ابنه العبد ؟ قال : يدرأ عنه الحد وفي ذلك أن مال العبد للعبد حتى ينتزعه سيده .
قال محمد بن رشد : هذا ما لا اختلاف أحفظه فيه في المذهب لقول النبي عليه السلام : " أنت ومالك لأبيك " والحدود تدرأ بالشبهات فكما لا يحد إذا وطئ أمته ، لا يقطع إذا سرق ماله ، ومما يتعلق بهذه المسألة سرقة العبد من مال ابن سيده ، وقد مضى الكلام على ذلك في رسم سعد في الطلاق من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته ، وأجاز عبد الله بن عبد الحكم نكاح الرجل أمة ابنه إذا وقع ولم يفسخه ، ولم يتابعه على ذلك أحد من أصحاب مالك وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل عن الرجل يقر بالسرقة فيعينها ، والتعيين الإظهار لها هل عليه قطع أن أنكر بعد ذلك ؟ فقال إن كان أقر بها وعينها عند غير

(16/253)


السلطان فهو يقطع إذا بلغ ثمنها ما يجب فيه القطع ، فإن أقر بها على الضرب وعينها ثم أنكر فلا قطع عليه .
قال محمد بن رشد : قوله إن كان أقر بها وعينها عند غير السلطان فهو يقطع إذا بلغ ثمنها ما يجب فيه القطع كلام خرج على السؤال فلا يقام منه دليل على أنه إذا اقر بالسرقة دون أن يرفع إلى السلطان أنه لا يقطع إلا أن يعين أن الاختلاف في أنه يقطع وإن لم يعين على ما قاله في رسم العتق من سماع عيسى قبل هذا ، وقد مضى الكلام على قوله فإن أقر بها على الضرب وعينها ثم أنكر فلا قطع عليه في آخر رسم العتق من سماع عيسى فلا معنى لإعادته .
مسألة
وسألته عن الرجل يجعل ثوبه قريباً منه وهو في المسجد ثم يقوم فيصلي فيختله رجل فيسرق الثوب هل عليه قطع ؟ قال : نعم ، قلت له فمتى يجب عليه القطع إذا هو قبضه أم حتى يتوجه به ؟ فقال ابن القاسم : إذا هو قبضه ، قال ابن القاسم ولو لم أر عليه القطع إذا قبضه حتى يتوجه به إذاً لا يكون عليه القطع حتى يخرجه من المسجد .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال وهو مما لا اختلاف فيه ، لأن المسجد مباح لجميع الناس ليس بحرز للثوب الذي جعله صاحبه قريباً منه ، وإنما حرزه كون صاحبه حارساً له فوجب إذا سرقه منه وصار بيده وبان به عنه وهو لا يشعر أن تقطع يده وإن لم يتوجه به ولا خرج من المسجد كما قاله في المدونة .

(16/254)


من سماع أصبغ بن الفرج من ابن القاسم من كتاب القضاء
قال أصبغ وسمعته في الذي يسرق حريسة الجبل فينضيها وتهزل عنده إن صاحبها إن أحب أن يضمنه إياها يوم أخذها فذلك له وإلا فليس له إلا دابته يأخذها ، قال وأما السارق إذا أصابها ذلك عنده وقد سرقها غير حريسة فإنه يقطع ، فإن كان له مال فإن شاء صاحبها أخذها وإن شاء ضمنه القيمة أيضاً ، وإن لم يكن له مال فليس له إلا دابته ولا يتبع بشيء ولا يلزمه القيمة وإن كان نقصها من قبله وعمله ، لأنه لو سرق ثياباً فلبسها فأبلاها أو طعاماً فأكله ثم قطع فيه ولم يكن له مال لم يتبع بشيء ، قال أصبغ : والأولى في الحريسة إن لم يكن له مال يتبع به لأنه لا يقطع فيه فهى خيانة وله تفسير .
قال محمد بن رشد : قوله في حريسة الجبل إذا أنضاها فهزلت عنده إنه بالخيار بين أن يتضمنه قيمتها يوم أخذها أو يأخذها ولا شيء له صحيح على ما قاله ، لأن حريسة الجبل لا قطع فيها ، فحكم السارق لها حكم الغاصب في اليسر والعدم ، وكذلك سارق غير الحريسة إذا لم يقطع لمعنى درئ عنه به القطع ، فقول أصبغ في سارق الحريسة إن لم يكن له مال يتبع به لأنه لا يقطع فيه تفسير لقول ابن القاسم ، وأما قوله إنها خيانة وله تفسير ، فالتفسير الذي أراد أن نقصانها بالهزال عنده من غير فعله ، فإن كان حدث بها الهزال عنده من غير فعله فربها مخير بين أن يضمنه قيمتها يوم سرقها أو يأخذها مهزولة كما هي ، وإن كان هو أهزلها فربها مخير بين أن يضمنه قيمتها يوم سرقها وبين أن يأخذها وما نقص الهزال منها ، وسحنون

(16/255)


يساوى بين الوجهين في أنه ليس له إلا أن يضمنه قيمتها يوم سرقها أو يأخذها مهزولة كما هي ، والقولان قائمان من المدونة لابن القاسم ، وأما إذا سرق الدابة غير حريسة فقطع فيها وقد هزلت عنده وهو عديم فليس لصاحبها إلا أن يأخذها مهزولة كما هي ولا شيء له في هزالها ، وبالله التوفيق .
ومن كتاب الحدود
قال اصبغ : وسئل عمن سرق من مقثاة : إنه لا قطع عليه حتى يأويله جرينه وهو موضعه الذي يجمع فيه ليحمل بعد ، وقاله أصبغ وهو قبل ذلك كالتمر المعلق وحريسة الجبل .
قال محمد بن رشد : هذا بين على ما قاله ، لأن الموضع الذي يجعل فيه ليحمل منه بمنزلة الجرين فيما له جرين وبالله التوفيق .
مسألة
وقال في الرجل يرى السارق يسرق متاعه فيأتي بشاهدين لينظرا إليه ويشهدا عليه بسرقته فينظر أن إليه ورب المتاع معهم لو أراد أن يمنعه منعه ، قال : ليس عليه قطع ، ونحن نقول إنه قول مالك ، قال اصبغ ، أرى عليه القطع .
قال محمد بن رشد : قول أصبغ أظهر لأنه أخذ المتاع مستسراً به لا يعلم أن أحداً يراه لا رب المتاع ولا غيره ، كنم زنى والشهود ينظرون إليه ولو شاؤا أن يمنعوه وهو لا يعلم أن الحد عليه واجب بشهادتهم ، ووجه قول ابن القاسم وما حكاه أنه من قول مالك هو أنه رآه من ناحية المختلس لما أخذ

(16/256)


المتاع من صاحبه وهو ينظر إليه ، وليس بمنزلة المختلس على الحقيقة إذ لم يعلم هو بنظر صاحب المتاع إليه .
مسألة
وسئل عن دار نسي صاحبها أن يغلقها فتبيت مفتوحة فدخل سارق فسرق متاعاً في الدار ، قال : يقطع ، واحتج فقال قد تكون النهار مفتوحة ولكن ليس الدار التي تدخل بإذن وبغير إذن في ذلك سواء .
قال محمد بن رشد : هذا بين على ما قاله لأن دار الرجل حرز لما فيها وإن تركت مفتوحة إذ ليس لأحد أن يدخلها إلا بإذن وإن كانت مفتوحة ، بخلاف الدار التي تدخل بغير إذن كما قال ، وهي الفنادق تلك التي لا تكون بابها حرزاً لما في ساحتها إلا إذا كان مقفولاً فمن فتح بابها بالليل أو حين يغلق فيه بالنهار فسرق منها قطع ، فإذا فتح بابها وترك مفتوحاً لم يكن على من سرق منها قطع .
مسألة
وسمعته يقول في الرجل يغتسل في عسكر له قصير فألقى ثوبه عليه وكان بعضه مدلي إلى خارج فجاء سارق فجبذه من الطريق فقال يقطع : وهذا أبين من الأول .
قال محمد بن رشد : قد قال في المدونة في هذا إنه لا يقطع إذا كان بعضه خارجاً من الدار ، ولكلا القولين وجه من النظر ، فوجه قوله إنه يقطع هوان العسكر من الدار ، فوجب أن يكون حرزاً لما عليه كالمحمل الذي هو حرز لما فيه من المتاع ، ووجه القول أنه لا يقطع هو أن الرجل لما القي ثوبه على الحائط مدلي إلى الطريق فقد أخرجه من الحرز وفارق ما في

(16/257)


المحمل ، لأن الراكب على البعير أو الحاز له حرز له ولما عليه من سرج أو إكاف أو محمل ، وقد مضى هذا المعنى في رسم كتاب السرقة من سماع أشهب .
مسألة
قال ابن القاسم في سارق سرق لرجل متاعاً فتعلق به يريد به السلطان ، فطلب إليه السارق أن يصالحه قبل أن يبلغ السلطان فصالحه وخلى سبيله ثم هاجت بين السارق وبين صاحب المتاع بعد ذلك منازعة فرفعه إلى السلطان ، قال : يقطع يد السارق في قول مالك ، فأما ما كان صالحه عليه فإن كان صالحه على إلا يرفعه إلى السلطان فأرى للسارق أن يرجع عليه بما صالحه به فيأخذه ، وإن كان إنما صالحه على متاعه الذي سرق له فلست أرى أن يرجع بشيء .
قال محمد بن رشد : هذا بين على ما قاله ، لأن القطع في السرقة حق لله تعالى ، ولا يجوز العفو عنه ولا الشفاعة فيه عند الإمام إذا انتهي إليه بالصلح على ترك رفع السارق إلى الإمام لا يجوز ويجب الرجوع بما صولح به على ذلك ، بخلاف الصلح على المتاع المسروق وبالله التوفيق .
من سماع أبي زيد من ابن القاسم
وسئل ابن القاسم عن السارق يخبب الدابة بالعلف فتخرج إليه أو يخبب الباز فيجيبه من نحرزه أنه يقطع في جميع ذلك ، قال أشهب مثله ، قيل لأشهب فالمراطن إذا راطن العبد بلسانه أيقطع ؟ قال : لا يقطع ، قلت فإن دعا صبياً صغيراً فخرج إليه ثم صار به ؟ قال : يقطع أيضاً .

(16/258)


قال محمد بن رشد : المسؤول في قوله قلت فإن دعا صبياً صغيراً فخرج إليه ابن القاسم ، لأن السؤال معطوف على سؤاله عن الذي يخيب الدابة بالعلف فتخرج إليه ، وقول أشهب فيما بين ذلك ساقط عند ابن لبابة ، وساوى ابن القاسم بين أن يدعو الصبي فيخرج إليه أو يخيب الدابة بالعلف فتخرج من حرزها إليه ، ومساواته بينهما صحيحة إذ لا فرق بينهما في المعنى ، فيدخل الاختلاف في الذي يخبب الدابة بالعف فتخرج إليه من حرزها ، إذ قد مضى في رسم كتاب السرقة من سماع أِشهب عن مالك أنه لا يقطع خلاف قول ابن القاسم وأشهب وفرق أشهب على ما وقع من قوله ههنا في غير رواية ابن لبابة بين الذي يخبب الدابة بالعلف وبين الذي يراطن العبد بلسانه ، فرأي على مخبب الدابة بالعلف فتخرج إليه القطع ولم ير ذلك على الذي يراطن العبد بلسانه فيخرج إليه ، وكذلك الصبي على قياس قوله إذا دعاه فخرج إليه من حرزه لا يقطع ، والفرق على قوله بين الدابة تخرج إليه بإشارته عليها بالعلف وبين الذي يراطن العبد بلسانه أو يدعو الصبي هو أن العبد والصبي لهما عقل ومبرز فهما مكتسبان لخروجهما إذا خرجا باختيارهما ، ولو شاءا لم يخرجا ، والدابة لا عقل لها ولا مبرز تكون به مكتسبة لخروجها ، ولو كان الصبي ابن سنة أو سنة ونصف ونحوها لكان كالبهيمة إذا دعاه فخرج إليه أو أراه الشيء يعجبه فخرج إليه يقطع عند ابن القاسم وأشهب خلاف قول مالك في رواية أشهب ، والصبي الذي له عقل ويمكن أن يخدع فهو كالعجمي الذي يخدع فيهما عند ابن القاسم ، قاله ههنا في الصبي ، وقاله في رسم يوصي من سماع عيسى في العجيمة ، ولا يقطع عند أشهب على ما قاله ههنا في الصبي ، ولا اختلاف في الصبي الصغير الذي لا يعقل إذا دخل إليه فأخرجه من حرزه أنه يقطع إن كان عبداً وكذلك إن كان حراً إلا عند ابن الماجشون فلا يقطع إذ ليس بمال يمتول وبالله التوفيق .

(16/259)


مسألة
قال ابن القاسم : من قال رأيت فلاناً سرق ساجاً وقال الآخر أشهد أنه سرق رداء قال لا يقطع حتى يشهدا جميعاً على ثوب واحد أنه سرقه ، وإن قال سرق بكرة وقال الشاهد الآخر اشهد أنه سرق عشية وهو ثوب واحد اجتمعا عليه أنه لا يقطع .
قال محمد بن رشد : هذا بين على ما قاله ، ولا اختلاف فيه عندي إذ لم يجتمع الشاهدان على سرقة الساج ولا على سرقة الرداء ولا على السرقة بكرة ولا على السرقة عشية فسقط القطع بشهادتهما على المشهود عليه بالسرقة وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل عمن سرق فراشاً لا يساوي ثلاثة دراهم وفيه نفقة قال عليه القطع علم السارق بالنفقة التي فيه أو لم يعلم بها وكذلك الوسادة والمرفقة ، قيل له فسرق عصا محفورة فيها النفقة ؟ قال لا قطع عليه ، قيل فخشية محفورة فيها النفقة ؟ قال : لا قطع عليه ، وكذلك الحجر ، وروايته في معنى قوله ، كأنه يرى أن كل من سرق شيئاً مما لا يرفع في مثله نفقة وفيه نفقة ألا قطع عليه .
قال محمد بن رشد : هذا مثل قوله في المدونة سواء ، والأصل في هذا أن ما يشبه أن يسترفع فيه الذهب مثل الفراش والوساد والقميص وشبه ذلك فعليه القطع فيما وجد فيه من الذهب وإن لم يعلم به حين سرقه ، والمعنى في ذلك أنه لا يصدق أنه لم يعلم به ، ويأتي على قول أصبغ في نوازله من كتاب النذور في الذي يحلف ألا يأخذ من فلان درهما فأخذ منه قميصاً وفيه درهم وهو لا يعلم ثم علم بالدرهم فرده على صاحبه أنه لا شيء عليه ألا يقطع السارق إذا سرق قميصاً أو فراشاً لا يساوي ثلاثة دراهم وفيه نفقة لأنه إذا لم

(16/260)


يحنث في ذلك فأخرى ألا يقطع فيه ، لأن الحدود تدرأ بالشبهات ، ولا اختلاف في أنه لا يقطع فيما وجد من الذهب فيما لا يشبه أن يسترفع في مثله الذهب مثل العصا والحجر وشبههم ، ولا في أنه لا يقطع في ما العرف فيه أن تسترفع فيه الأذهاب وإن قال لم أعلم أن في ذلك ذهباً ولا قصدت سرقته لم يصدق في ذلك .
مسألة
وسئل عن وال جمع شيئاً من الزكاة ليقسمه بين المسلمين فأدخله بينه وأغلق عليه ثم خالفه عبده ففتح الباب فسرق شيئاً من ذلك ، فقال : عليه القطع ، وينبغي أن مالكاً قضى به ، وكان ذلك العبد ليس بأتمنه مولاه على ذلك البيت ولا يدخله ، ولو كان يأتمنه ويدخله ويأتمنه على فتحه ثم سرق لم يقطع .
قال محمد بن رشد : هذا صحيح على قياس قوله في المدونة وقول مالك في الموطأ في الرجل أو خادمه يسرق من مال زوجته من بيت حجرته عليهم أنهما يقطعان ، وكذلك لو سرقت المرأة أو خادمها من مال الزوج من بيت قد حجره عليهم ، خلاف قول مالك في كتاب ابن المواز أنه لا قطع في ذلك ، لأنه رأى ذلك خيانة ولم يرها سرقة كما قال ابن القاسم في المدونة في الضيف والفرق عنده بين الضيف والزوجين يسرق كل واحد منهم من بيت يحجر عليه أن الإذن في الزوجين محكوم به ، فأشبه السكان المتحاجرين في السكنى في دار واحدة ، وإذن الضيف ليس بمحكوم به وإنما هو ائتمان منه باختياره وبالله التوفيق .
مسألة
وقال في ثلاثة نفر يدخلون بيت رجل فسرقوا ما يجب فيه

(16/261)


القطع فأخذوا وقطعوا وكان أحدهم مليئاً ، قال يغرم المليء قيمة ما سرقوا كلهم .
قال محمد بن رشد : هذا كم قال ، لأنهم إذا سرقوا معاً فهم كالمحاربين كل وأحد منهم ضامن بجميع ما سرقوا جميعاً ، ولا اختلاف في هذا احفظه ، وقال في رجل دخل مع غلامي بيتي فسرق وقال لا قطع عليهما ، وغرم ما سرقا على الحر ، وليس على غلامه شيء منه .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال ، ومثله في المدونة ، والمعنى في ذلك أن العبد قد ادخله دار مولاه الذي هو غير محجور عليه ، فصار بذلك مأذوناً له في دخول الدار ، فسقط عنه القطع ، ووجب عليه غرم جميع السرقة لاشتراكه مع العبد فيها ، لأن السارقين معاً كل واحد منهما ضامن لجميع السرقة ، وكذلك إذا سرق الرجل مال ابنه مع أجنبي يسقط القطع عن الأجنبي ، ويكون كل واحد منهما ضامناً لجميع السرقة ، وكذلك إذا سرق الرجل مال ابنه مع رجل أجنبي يسقط القطع على الأجنبي ، ويكون كل واحد منهما ضامناً لجميع السرقة يؤخذ بها المليء منهما عن المعدم ، وأما إذا سرق رجل وصبين أو مجنون سرقة قيمتها ثلاثة دراهم فإن القطع واجب على الرجل قاله في المدونة وغيرها وبالله التوفيق .
مسألة
قال ابن وهب في الراعي إذا أدركه الليل ولا يبلغ مراحه فيبيت على غنمه وقد جمعها إليه ثم سرق رجل منها شيئاً ، قال يقطع من سرق منها شيئاً ، وقال ابن القاسم مثله ، وقال أيضاً في القت يحمل إلى الجرين فيمسى عليه الليل فينزل ويبين عليه إنه يقطع من سرق شيئاً من ذلك .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة بينة وقد تقدمت في رسم أسلم من

(16/262)


سماع عيسى ومضى هنالك توجيهها فلا معنى لإعادته .
مسألة
وقال فيمن دخل بيت رجل فأخذ ثوباً فاتزر به ثم أخذ في البيت فانفلت منهم وخرج بالإزار وهم لا يعلمون به أنه عليه ، قال : لا قطع عليه .
قال محمد بن رشد : قد تقدمت هذه المسألة في رسم بع ولا نقصان عليك من سماع عيسى ، وهي صحيحة لأنه لم يخرج بالإزار على وجه السرقة إذا أخذوه به قبل أن يخرج من الحرز ، وإنما خرج به على وجه الاختلاس ، ولا قطع على المختلس .
مسألة
وقال في السارق يدخل البيت في ليلة عشر مرات ، وكل ذلك يخرج بقيمة درهم أو درهمين إنه لا قطع حتى يخرج في مرة واحدة ثلاثة دراهم فيقطع .
قال محمد بن رشد : قد مضت هذه المسألة والكلام عليها مستوفى في رسم كتاب السرقة من سماع أشهب فلا معنى لإعادته .
مسألة
وقال ابن القاسم في عبيد الخمس يسرقون من الخمس إنهم يقطعون ، وإن سرق عبيد الفيء شيئاً إنهم يقطعون أيضاً مثل المسألة الأولى سواء .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال أن ليسوا بملك لرجل معين فيكونون في سرقتهم بمنزلة العبد يسرق من مال سيده وبالله التوفيق .

(16/263)


مسألة
وقال في رجل ضرب خباه في قرط وربط دوابه عليها لا يحولها من موضعها فيسرق رجل منها دابة ، قال : لا قطع عليه فيها .
قال محمد بن رشد : قد تقدمت هذه المسألة والكلام عليها في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته .
مسألة
وقال في السارق يسرق من الإمام إنه يحكم عليه في القطع ولا يحكم عليه في السرقة ورواها ابن عبد الحكم عن مالك .
قال محمد بن رشد : هذا بين على ما قاله ابن القاسم في هذه الرواية ورواه ابن وهب عن مالك ، لأن القطع حد من حدود الله وحق من حقوقه واجب على الإمام الحكم به ، ولا تهمة عليه في ذلك إذ لا ينجر إليه به منفعة ، وأما السرقة فلا يحكم بها لنفسه عليه ، إذ لا يجوز حكمه لنفسه كما لا يجوز شهادته لها ، فإذا شهد الشهود عليه عنده بالسرقة منه وهو منكر للسرقة ومدع للمتاع أنه ماله وعجز عن المدفع في الشهود الذين شهدوا عليه حكم عليه بقطع يده وترك المال له ، إلا أن يقر له به فيأخذه منه ، وذهب الطحاوي إلى أنه لا يحكم عليه الإمام بالحد فيما سرق من ماله أو من مال من لا تجوز شهادته له إلا أن يقر بذلك على نفسه ، قال وإنما قطع أبو بكر الصديق إلا قطع الذي سرق عقد أسماء زوجته من أجل أنه اعترف بذلك وإن كان في

(16/264)


حديث مالك فاعترف به الأقطع أو شهد عليه به ، ففي غيره من الأحاديث أنه اعترف به من غير شك وهو الصواب ، وإن كان النبي عليه السلام قد قطع أيدي النفر الذين قتلوا الراعي واستاقوا الذود إلى أرض الشرك وأرجلهم واعينهم و واللقلاح إنما كانت له ، لا من الصدقة ، بدليل قوله في الحديث : اللهم عطش من عطش آل محمد ، فليس ذلك لأحد بعده لأن ما كان يفعله صلوات الله عليه فبأمر الله كان يفعله ، فالحاكم به على من يفعل ذلك به وهو الله عز وجل ، والقائم به بأمره هو رسوله فإليه أن يفعل ذلك بالبينات والإقرارات جميعاً ، بخلاف من سواء ، هذا معنى قوله مختصراً ، والصحيح ما ذهب إليه مالك على ما بيناه من وجه قوله ، وبالله التوفيق .

(16/265)