التاج والإكليل لمختصر خليل

 [كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ] [فَصْلٌ الْمُبَاحُ طَعَامٌ طَاهِرٌ]
ِ وَفِيهِ بَابَانِ الْأَوَّلُ فِي الِاخْتِيَارِ الثَّانِي فِي حَالِ الِاضْطِرَارِ (فَصْلٌ الْمُبَاحُ طَعَامٌ طَاهِرٌ) ابْنُ شَاسٍ: مَا لَا يَحْتَاجُ إلَى ذَكَاةٍ مِنْ جَمِيعِ الْأَطْعِمَةِ الْمُعْتَادَةِ فَأَكْلُهُ جَائِزٌ مَا لَمْ يَكُنْ نَجِسًا بِنَفْسِهِ أَوْ يُخَالِطْهُ نَجِسٌ. وَسَمِعَ الْقَرِينَانِ: لَا بَأْسَ بِشُرْبِ أَبْوَالِ الْإِبِلِ فِي الدَّوَاءِ وَكَذَلِكَ أَبْوَالُ الْأَنْعَامِ وَلَا خَيْرَ فِي أَبْوَالِ الْأُتُنِ وَأَبْوَالِ النَّاسِ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا كَمَا قَالَ وَقَاسَ مَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ سَائِرَ أَبْوَالِ، مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فِي الطَّهَارَةِ عَلَى أَبْوَالِ الْأَنْعَامِ، وَانْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَبَوْلٌ وَعَذِرَةٌ ".

(وَالْبَحْرِيُّ وَإِنْ مَيِّتًا)

(4/345)


مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الضَّفَادِعِ وَإِنْ مَاتَتْ لِأَنَّهَا مِنْ صَيْدِ الْمَاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَالْبَحْرِيُّ وَلَوْ طَالَتْ حَيَاتُهُ بِبَرٍّ ".

(وَطَيْرٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَمْ يَكْرَهْ مَالِكٌ أَكْلَ شَيْءٍ مِنْ الطَّيْرِ كُلِّهِ. الرُّخَامِ وَالْعِقْبَانِ وَالنُّسُورِ وَالْأَحْدِيَةِ وَالْغِرْبَانِ وَجَمِيعِ سِبَاعِ الطَّيْرِ وَغَيْرِ سِبَاعِهَا، مَا أَكَلَ الْجِيَفَ مِنْهَا وَمَا لَمْ يَأْكُلْهَا. وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْهُدْهُدِ وَالْخُطَّافِ وَرَوَى عَلِيٌّ كَرَاهَةَ أَكْلِ الْخُطَّافِ. ابْنُ رُشْدٍ: لِقِلَّةِ لَحْمِهَا مَعَ تَحَرُّمِهَا بِمَنْ عَشَّشَتْ عِنْدَهُ. وَخَرَّجَ أَبُو دَاوُد أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنْ الدَّوَابِّ: النَّمْلَةِ وَالنَّحْلَةِ وَالْهُدْهُدِ وَالصُّرَدِ» .

(وَلَوْ جَلَّالَةً) ابْنُ الْمَوَّازِ: لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الدَّجَاجِ الَّتِي تَأْكُلُ النَّتِنَ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْجَلَّالَةِ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ كَالطَّيْرِ الَّتِي تَأْكُلُ الْجِيَفَ.

(وَذَا مِخْلَبٍ) ابْنُ بَشِيرٍ:

(4/346)


الْمَذْهَبُ أَنَّ الطَّيْرَ كُلَّهُ مُبَاحٌ ذُو الْمِخْلَبِ وَغَيْرُهُ. (وَنَعَمٌ) اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَنَحْرُ إبِلٍ " (وَوَحْشٌ لَمْ يَفْتَرِسْ) ابْنُ عَرَفَةَ: غَيْرُ مُفْتَرِسِ الْوَحْشِ، أَمَّا الْخِنْزِيرُ فَحَرَامٌ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْيَرْبُوعِ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالْخُلْدُ. مَالِكٌ: وَالْوَبْرُ وَالْأَرْنَبُ وَالْقُنْفُوذُ وَالْيَرْبُوعُ وَالضَّبُّ وَالضَّرَابِيبُ (كَيَرْبُوعٍ) ابْنُ حَبِيبٍ: الْيَرْبُوعُ أَصْغَرُ مِنْ الْقِنْيَةِ فَقُدِّمَ قَوْلُ مَالِكٍ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ (وَخُلْدٍ) ابْنُ حَبِيبٍ: هُوَ فَأْرٌ أَعْمَى يَكُونُ بِالصَّحْرَاءِ وَالْأَجِنَّةُ تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُؤْكَلُ (وَوَبْرٍ) هُوَ دُوَيْبَّةٌ صَغِيرَةٌ أَصْغَرُ مِنْ السِّنَّوْرِ وَفَوْقَ الْيَرْبُوعِ تَقَدَّمَ قَوْلُ مَالِكٍ أَنَّهُ يُؤْكَلُ (وَأَرْنَبٍ) هُوَ دَابَّةٌ قَدْرَ الْهُدْهُدِ فِي أُذُنَيْهِ طُولٌ تَقَدَّمَ قَوْلُ مَالِكٍ أَنَّهُ يُؤْكَلُ (وَقُنْفُذٍ وَضَرْبُوبٍ) ابْنُ حَبِيبٍ: يُسَمَّى الضَّرْبُوبُ بِالْأَنْدَلُسِ الْمُلَوَّنَةَ. الصِّحَاحُ: وَهُوَ حَيَوَانٌ ذُو

(4/347)


شَوْكٍ كَالْقُنْفُذِ الْكَبِيرِ، تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ يُؤْكَلُ الْقُنْفُذُ وَالضَّرَابِيبُ.

(وَحَيَّةٍ أُمِنَ سُمُّهَا) الْبَاجِيُّ: لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْحَيَّةِ عَلَى وَجْهِ التَّدَاوِي. إذَا أُمِنَ أَذَاهَا (وَخَشَاشِ أَرْضٍ) اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَافْتَقَرَ نَحْوُ الْجَرَادِ

(4/348)


لَهَا ".

(وَعَصِيرٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: عَصِيرُ الْعِنَبِ وَنَقِيعُ الزَّبِيبِ وَجَمِيعُ الْأَنْبِذَةِ حَلَالٌ مَا لَمْ يُسْكِرْ، وَلَا أَجِدُ فِي قِيَامِ الْأَنْبِذَةِ قَدْرًا مِنْ تَوْقِيتِ وَقْتٍ أَوْ غَلَيَانٍ، وَكُنْت أَسْمَعُ أَنَّ الْمَطْبُوخَ إذَا ذَهَبَ ثُلُثَاهُ لَمْ يُكْرَهْ وَلَا أَرَى ذَلِكَ، وَلَكِنْ إنْ طُبِخَ حَتَّى لَا يُسْكِرَ كَثِيرُهُ حَلَّ. الْبَاجِيُّ: الْعَصِيرُ قَبْلَ أَنْ يَنِشَّ وَهُوَ حَارٌّ لَا خِلَافَ أَنَّهُ حَلَالٌ إلَّا أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ مَا يُغَيِّرُ حُكْمَهُ. أَبُو عُمَرَ قَالَ مَالِكٌ: لَا يُعْتَبَرُ الْغَلَيَانُ وَإِنْ قَلَّ إذَا كَانَ يُسْكِرُ.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: أَشْرَبُ الْعَصِيرَ حَتَّى يَغْلِيَ وَيُقْذَفَ بِالزَّبَدِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: إنْ أَتَتْ لَهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَقَدْ حَرُمَ.
وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: أَشْرَبُهُ يَوْمًا وَلَيْلَةً. وَهَذَا كُلُّهُ بِمَعْنًى مُتَقَارِبٍ يَجْمَعُهُ أَنْ يَكُونَ كَثِيرُهُ يُسْكِرُ.
وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ: لَا بَأْسَ بِشُرْبِ الْعَصِيرِ وَإِنْ عُصِرَ لِخَمْرٍ، وَأَكْرَهُ أَنْ يُعَالِجَ الْعَصِيرَ حَتَّى يُبْطِئَ هَدِيرَهُ وَغَلَيَانَهُ وَيَسْتَحِلَّهُ بِذَلِكَ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا كَمَا قَالَ إذْ لَيْسَ يَحْرُمُ الْعَصِيرُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ خَمْرًا إذْ لَا تُحَرِّمُ النِّيَّةُ الْحَلَالَ وَلَا تُحِلُّ الْحَرَامَ وَإِنَّمَا كُرِهَ مُعَالَجَةُ الْعَصِيرِ حَتَّى يُبْطِئَ هَدِيرَهُ وَغَلَيَانَهُ مَخَافَةَ الذَّرِيعَةِ إلَى اسْتِحْلَالِ الْحَرَامِ هَدَرَ الشَّرَابُ غَلَا.

(وَفُقَّاعٌ) مَنَعَ مَالِكٌ مِنْ شَرَابِ الْفُقَّاعِ وَأَجَازَهُ ابْنُ وَهْبٍ وَأَشْهَبُ

(4/350)


وَسَحْنُونٌ وَهُوَ شَرَابُ يُعْمَلُ مِنْ الشَّعِيرِ أَوْ مِنْ الْقَمْحِ.

(وَسُوبْيَا) ابْنُ شَاسٍ: وَشُرْبُ السُّوبِيَةِ حَلَالٌ مَا لَمْ تَدْخُلْهَا الشِّدَّةُ الْمُطْرِبَةُ فَتَحْرُمُ.

(وَعَقِيدٌ) ابْنُ شَاسٍ: شُرْبُ الْعَصِيرِ جَائِزٌ وَكَذَلِكَ الْعَقِيدُ الَّذِي ذَهَبَ مِنْهُ قُوَّةُ الْإِسْكَارِ. مُحَمَّدٌ: لَا أُحِبُّ فِي طَبْخِهِ ثُلُثَيْنِ وَنَحْوُهُمَا وَإِنَّمَا أَنْظُرُ إلَى السُّكْرِ.
قَالَ أَشْهَبُ: وَلَوْ ذَهَبَتْ تِسْعَةُ أَعْشَارِهِ.

(أُمِنَ سُكْرُهُ) لَوْ قَالَ: " سُكْرُهَا " لَرَجَعَ إلَى الْأَرْبَعَةِ فَقَدْ قَالَ الْبَاجِيُّ: الْعَصِيرُ قَبْلَ أَنْ يَنِشَّ حَلَالٌ إلَّا أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ مَا يُغَيِّرُ حُكْمَهُ.
وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: فِي السُّوبْيَا مَا لَمْ تَدْخُلْهَا الشِّدَّةُ الْمُطْرِبَةُ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْعَقِيدِ: إنَّمَا أَنْظُرُ إلَى السُّكْرِ وَأَنْظُرُ مُعَالَجَةَ الْعَصِيرِ حَتَّى يُبْطِئَ هَدِيرَهُ وَغَلَيَانَهُ يَسْتَحِلُّهُ بِذَلِكَ فِي آخِرِ سَمَاعٍ مِنْ جَامِعِ الْعُتْبِيَّةِ أَنَّ ابْنَ كِنَانَةَ كَرِهَهُ.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: كَرِهَ ذَلِكَ مَخَافَةَ الذَّرِيعَةِ إلَى اسْتِحْلَالِ الْحَرَامِ. وَقَالَ فِي صَدْرِ مُقَدِّمَاتِهِ: الْمَكْرُوهُ ضِدُّ الْمُسْتَحَبِّ وَهُوَ مَا كَانَ فِي تَرْكِهِ ثَوَابٌ وَلَمْ يَكُنْ فِي فِعْلِهِ عِقَابٌ وَهُوَ الْمُتَشَابِهُ.

(4/351)


(وَلِلضَّرُورَةِ مَا يَسُدُّ) اُنْظُرْ هَذَا فَإِنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَلَمْ يَعْزُهُ أَبُو عُمَرَ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ. وَنَصُّ الْمُوَطَّأِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَحْسَنِ مَا سَمِعْتُ فِي الرَّجُلِ يَضْطَرُّ إلَى الْمَيْتَةِ أَنَّهُ يَأْكُلُ مِنْهَا حَتَّى يَشْبَعَ وَيَتَزَوَّدَ مِنْهَا فَإِنْ وَجَدَ عَنْهَا غِنًى طَرَحَهَا. أَبُو عُمَرَ: حُجَّةُ مَالِكٍ أَنَّ الْمُضْطَرَّ لَيْسَ مِمَّنْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ الْمَيْتَةُ فَإِذَا كَانَتْ حَلَالًا لَهُ أَكَلَ مِنْهَا مَا شَاءَ حَتَّى يَجِدَ غَيْرَهَا فَتَحْرُمَ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا اقْتَصَرَ فِي الرِّسَالَةِ (غَيْرَ آدَمِيٍّ) الْبَاجِيُّ: لَا يَجُوزُ لِلْمُضْطَرِّ أَكْلُ لَحْمِ ابْنِ آدَمَ الْمَيِّتِ وَإِنْ خَافَ الْمَوْتَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ.

(وَخَمْرٍ إلَّا لِغُصَّةٍ) الْبَاجِيُّ: وَهَلْ لِمَنْ يَجُوزُ لَهُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ أَنْ يَشْرَبَ لِجُوعِهِ أَوْ عَطَشِهِ الْخَمْرَ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَشْرَبُهَا وَلَنْ تَزِيدَهُ إلَّا عَطَشًا.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَشْرَبُ الْمُضْطَرُّ الدَّمَ وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ وَيَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَلَا يَقْرَبُ ضَوَالَّ الْإِبِلِ وَقَالَهُ ابْنُ وَهْبٍ.
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مَنْ غَصَّ بِطَعَامٍ وَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّ لَهُ أَنْ يُجَوِّزَهُ بِالْخَمْرِ وَقَالَهُ أَبُو الْفَرْجِ، وَأَمَّا التَّدَاوِي بِهَا فَمَشْهُورُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِهَا وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا لِلضَّرُورَةِ فَالْفَرْقُ أَنَّ التَّدَاوِيَ لَا يُتَيَقَّنُ الْبُرْءُ بِهَا مِنْ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ. اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَرَمَادٌ نَجَسٌ ".

(وَقَدَّمَ الْمَيْتَةَ عَلَى خِنْزِيرٍ) الْبَاجِيُّ: إنْ وَجَدَ الْمُضْطَرُّ مَيْتَةً وَخِنْزِيرًا فَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنْ يَأْكُلَ الْمَيْتَةَ لِأَنَّ الْخِنْزِيرَ مَيْتَةٌ وَهُوَ لَا يُسْتَبَاحُ بِوَجْهٍ.

(وَصَيْدٍ لِمُحْرِمٍ) . الْبَاجِيُّ: مَنْ وَجَدَ مَيْتَةً وَصَيْدًا وَهُوَ

(4/353)


مُحْرِمٌ أَكَلَ الْمَيْتَةَ وَلَمْ يُذَكِّ الصَّيْدَ لِأَنَّ بِذَكَاتِهِ يَكُونُ مَيْتَةً (لَا لَحْمِهِ) ابْنُ شَاسٍ: لَحْمُ الصَّيْدِ لِلْمُحْرِمِ الْمُضْطَرِّ أَوْلَى مِنْ الْمَيْتَةِ لِأَنَّ تَحْرِيمَهُ خَاصٌّ.

(وَطَعَامِ غَيْرٍ إنْ لَمْ يَخَفْ الْقَطْعَ وَقَاتَلَ عَلَيْهِ) مِنْ الْمُوَطَّأِ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْمُضْطَرِّ إلَى الْمَيْتَةِ أَيَأْكُلُ مِنْهَا وَهُوَ يَجِدُ تَمْرًا لِقَوْمٍ أَوْ زَرْعًا أَوْ غَنَمًا بِمَكَانِهِ أَمْ لَا؟ قَالَ مَالِكٌ: إنْ ظَنَّ أَنَّ أَهْلَ تِلْكَ التَّمْرِ وَالزُّرُوعِ أَوْ الْغَنَمِ يُصَدِّقُونَهُ بِضَرُورَتِهِ حَتَّى لَا يُعَدَّ سَارِقًا فَتُقْطَعَ يَدُهُ رَأَيْتُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ أَيِّ ذَلِكَ وَجَدَ مَا يَرُدُّ جُوعَهُ وَلَا يَحْمِلُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، وَذَلِكَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ يَأْكُلَ الْمَيْتَةَ. وَإِنْ هُوَ خَشِيَ أَنْ لَا يُصَدِّقُوهُ وَأَنْ يَعُدُّوهُ سَارِقًا بِمَا أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ خَيْرٌ لَهُ عِنْدِي، وَلَهُ فِي أَكْلِ الْمَيْتَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ سَعَةٌ.
الْبَاجِيُّ: نَحْوُ هَذَا. رَوَى مُحَمَّدٌ: وَزَادَ إنْ كَانَ مَالُ الْغَيْرِ لَا قَطْعَ فِيهِ فَلْيَأْخُذْ مِنْهُ إنْ خَفِيَ لَهُ ذَلِكَ. الْبَاجِيُّ: فَشَرَطَ فِي التَّمْرِ الْمُعَلَّقِ أَنْ يَخْفَى لَهُ ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يُؤْذَى وَيُضْرَبَ إنْ عُلِمَ بِهِ وَلَمْ يُصَدَّقْ بِمَا يَدَّعِيهِ مِنْ الضَّرُورَةِ، وَشَرَطَ فِي تَمْرِ الْجَرِينِ وَغَنَمِ الْمُرَاحِ أَنْ يُصَدِّقُوهُ مَخَافَةَ أَنْ يُقْطَعَ إنْ لَمْ يُصَدِّقُوهُ وَلَمْ يُشْتَرَطْ أَنْ يَخْفَى لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ أَخْذَهُ عَلَى وَجْهِ التَّسَتُّرِ هُوَ الَّذِي يُقْطَعُ بِهِ فَإِنَّمَا يَجِبُ أَنْ يَأْخُذَهُ مُعْلَنًا إنْ عَلِمَ أَنَّهُمْ يُصَدِّقُونَهُ.
وَإِنَّمَا قَالَ فِي الْمَيْتَةِ يَشْبَعُ وَيَتَزَوَّدُ وَقَالَ فِي مَالِ غَيْرِهِ يَأْكُلُ مَا يَرُدُّ بِهِ جُوعَهُ وَلَا يَتَزَوَّدُ، لِأَنَّ مَالَ غَيْرِهِ هُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ لِحَقِّ اللَّهِ وَلِحَقِّ مَالِكِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَزِيدَ مِنْهُ، وَأَمَّا الْمَيْتَةُ فَهِيَ مَمْنُوعَةٌ لِحَقِّ اللَّهِ وَحْدَهُ، فَإِذَا اُسْتُبِيحَتْ لِلضَّرُورَةِ تَجَاوَزَتْ الرُّخْصَةُ فِيهَا مَوَاضِعَ الضَّرُورَةِ وَحُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ لَا تَتَجَاوَزُ مَوَاضِعَ الضَّرُورَةِ، وَإِذَا بَلَغَتْ الضَّرُورَةُ إلَى اسْتِبَاحَةِ الْمَيْتَةِ فَقَدْ لَزِمَ صَاحِبُ التَّمْرِ وَالزَّرْعِ مُوَاسَاتُهُ بِثَمَنٍ إنْ كَانَ عِنْدَهُ أَوْ بِغَيْرِ ثَمَنٍ إنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَجِدْ مَا لَا يُؤْكَلُ كَالثِّيَابِ وَالْعَيْنِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ، وَسَوَاءٌ وَجَدَ مَيْتَةً أَمْ لَا. وَقَدْ أَحْسَنَ ابْنُ حَبِيبٍ إيرَادَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَالَ: إنْ حَضَرَ صَاحِبُ الْمَالِ فَحَقٌّ عَلَيْهِ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي الْأَكْلِ، فَإِنْ مَنَعَهُ فَجَائِزٌ لِلَّذِي خَافَ الْمَوْتَ أَنْ يُقَاتِلَهُ حَتَّى يَصِلَ إلَى أَكْلِ مَا يَرُدُّ نَفْسَهُ.
الْبَاجِيُّ: يُرِيدُ أَنَّهُ يَدْعُوهُ أَوَّلًا إلَى أَنْ يَبِيعَهُ مِنْهُ بِثَمَنٍ فِي ذِمَّتِهِ، فَإِنْ أَبَى اسْتَطْعَمَهُ، فَإِنْ أَبَى أَعْلَمَهُ أَنَّهُ يُقَاتِلُهُ عَلَيْهِ، وَإِذَا أَكَلَ الْمُضْطَرُّ إلَى الْمَيْتَةِ مَالَ غَيْرِهِ فَقَالَ ابْنُ الْجَلَّابِ: يَضْمَنُ. أَبُو عَمْرٍو: قَالَ الْأَكْثَرُ: إنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَجِدُ التَّمْرَ سَاقِطًا لَا يَأْكُلُ مِنْهُ إلَّا إنْ عَلِمَ أَنَّ صَاحِبَهُ طَيِّبُ النَّفْسِ بِذَلِكَ أَوْ يَكُونُ مُحْتَاجًا قَالَ: وَلَا يَأْخُذُ مِنْ مَالِ الذِّمِّيِّ شَيْئًا.

(وَالْمُحَرَّمُ النَّجِسُ) تَقَدَّمَ قَبْلَ قَوْلِهِ: " الْمُبَاحُ طَعَامٌ

(4/354)


طَاهِرٌ (وَخِنْزِيرٌ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَوَحْشٌ " وَانْظُرْ خِنْزِيرَ الْمَاءِ. الْبَاجِيُّ: أَمَّا كَلْبُ الْبَحْرِ وَخِنْزِيرُهُ فَرَوَى ابْنُ شَعْبَانَ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَقَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ: - وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَمْ يَكُنْ مَالِكٌ يُجِيبُنَا فِي خِنْزِيرِ الْمَاءِ بِشَيْءٍ وَيَقُولُ: أَنْتُمْ تَقُولُونَ خِنْزِيرٌ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَنَا أَتَّقِيهِ وَلَوْ أَكَلَهُ رَجُلٌ لَمْ أَرَهُ حَرَامًا.

(وَبَغْلٌ وَفَرَسٌ وَحِمَارٌ وَلَوْ وَحْشِيًّا دُجِّنَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا تُؤْكَلُ الْبِغَالُ وَالْخَيْلُ وَالْحُمُرُ قَالَ: وَإِذَا

(4/355)


دُجِّنَ حِمَارُ وَحْشٍ وَصَارَ يَعْمَلُ عَلَيْهِ لَمْ يُؤْكَلْ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ. ابْنُ يُونُسَ: وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ فَلِأَنَّهُ لَمَّا تَأَنَّسَ وَصَارَ يُعْمَلُ عَلَيْهِ فَقَدْ صَارَ كَالْأَهْلِيِّ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ صَيْدٌ مُبَاحٌ أَكْلُهُ فَلَا يُخْرِجُهُ عَنْ ذَلِكَ التَّأَنُّسُ كَسَائِرِ الصَّيْدِ انْتَهَى. اُنْظُرْ إذَا اسْتَوْحَشَ الْأَهْلِيُّ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ.
وَقَالَ الْبَاجِيُّ: فِي كَرَاهَةِ أَكْلِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَحُرْمَتِهَا رِوَايَتَانِ، وَالْبِغَالُ مِثْلُهَا.
وَفِي التَّلْقِينِ: الْخَيْلُ مَكْرُوهَةٌ دُونَ كَرَاهِيَةِ السِّبَاعِ، وَمَا حَكَى الْمَازِرِيُّ خِلَافَ هَذَا، وَمَا عَزَا الْبَاجِيُّ لِمَالِكٍ فِي الْخَيْلِ إلَّا الْكَرَاهَةَ خَاصَّةً، وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ إبَاحَتُهَا.

(وَالْمَكْرُوهُ سَبُعٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا أُحِبُّ أَكْلَ السَّبُعِ وَلَا الثَّعْلَبِ وَلَا الذِّئْبِ وَلَا الْهِرِّ الْوَحْشِيِّ وَلَا الْإِنْسِيِّ وَلَا شَيْئًا مِنْ السِّبَاعِ.
وَقَالَ الْبَاجِيُّ: رَوَى الْعِرَاقِيُّونَ مِنْ الْمَالِكِيِّينَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ السِّبَاعَ أَكْلُهَا عَنْ الْكَرَاهَةِ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ وَلَا تَفْصِيلٍ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ.
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَمْ يَخْتَلِفْ الْمَدَنِيُّونَ فِي تَحْرِيمِ لُحُومِ السِّبَاعِ الْعَادِيَةِ: الْأَسَدُ وَالنَّمِرُ وَالذِّئْبُ وَالْكَلْبُ. فَأَمَّا غَيْرُ الْعَادِيَةِ كَالذِّئْبِ وَالثَّعْلَبِ وَالضَّبُعِ وَالْهِرِّ الْوَحْشِيِّ وَالْإِنْسِيِّ فَمَكْرُوهَةٌ دُونَ تَحْرِيمٍ قَالَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَنَحْوُ هَذَا فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ. اللَّخْمِيِّ: فِي حُرْمَةِ كُلِّ ذِي نَابٍ كَالْكَلْبِ وَالذِّئْبِ وَكَرَاهَتُهُمَا قَوْلَانِ.
وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: إدْخَالُ مَالِكٍ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي ثَعْلَبَةَ يَدُلُّ أَنَّ مَذْهَبَهُ فِي النَّهْيِ عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ نَهْيُ تَحْرِيمٍ، وَأَصْلُ النَّهْيِ أَنْ تَنْظُرَ إلَى مَا وَرَدَ مِنْهُ، فَمَا كَانَ مِنْهُ وَارِدًا عَلَى مَا فِي مِلْكِكَ فَهِيَ نَهْيُ أَدَبٍ وَإِرْشَادٍ كَالْأَكْلِ مِنْ رَأْسِ الصَّحْفَةِ وَالِاسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِينِ وَالْأَكْلِ بِالشِّمَالِ، وَمَا طَرَأَ عَلَى غَيْرِ مِلْكِك فَهُوَ عَلَى التَّحْرِيمِ كَالشِّغَارِ وَعَنْ قَلِيلِ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ وَاسْتِبَاحَةِ الْحَيَوَانِ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ. وَلَا حُجَّةَ لِمَنْ تَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ} [الأنعام: 145] الْآيَةُ. لِأَنَّ سُورَةَ الْأَنْعَامِ مَكِّيَّةٌ وَقَدْ نَزَلَ بَعْدَهَا نَهْيُ أَشْيَاءَ مُحَرَّمَاتٍ وَبِإِجْمَاعٍ أَنَّ

(4/356)


النَّهْيَ عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ إنَّمَا كَانَ مِنْ الْمَدِينَةِ. وَانْظُرْ قَوْلَ خَلِيلٍ: سَبُعٌ إنْ كَانَ عَنَى بِهِ الْأَسَدَ فَعَلَى مَا قَالَ الْبَاجِيُّ: إنَّهُ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ يَكُونُ مَكْرُوهًا، وَمُقْتَضَى مَا لِابْنِ حَبِيبٍ وَابْنِ الْمَوَّازِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ حَرَامٌ.

(وَضَبُعٌ وَثَعْلَبٌ) مُقْتَضَى مَا لِابْنِ حَبِيبٍ وَابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّ الضَّبُعَ وَالثَّعْلَبَ لَا يَخْتَلِفُ. مَالِكٌ: إنَّ أَكْلَهُمَا مَكْرُوهٌ لَا حَرَامٌ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَ الْبَاجِيِّ.

(وَذِئْبٌ) حُكْمُ الذِّئْبِ وَاللَّيْثِ وَالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ وَالْكَلْبِ كَحُكْمِ الْأَسَدِ كَمَا تَقَدَّمَ فَانْظُرْهُ (وَهِرٌّ وَإِنْ وَحْشِيًّا) تَقَدَّمَ أَيْضًا أَنَّ هَذَا حُكْمُهُ حُكْمُ الثَّعْلَبِ وَالدُّبِّ.

(وَفِيلٌ) ابْنُ عُمَرَ: كَرِهَ الْحَسَنُ وَغَيْرُهُ أَكْلَ الْفِيلِ لِأَنَّهُ ذُو نَابٍ، وَهُمْ لِلْأَسَدِ أَشَدُّ كَرَاهِيَةً وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ إنْ نُحِرَ اُنْتُفِعَ بِعَظْمِهِ وَجِلْدِهِ (وَكَلْبُ مَاءٍ وَخِنْزِيرُهُ) تَقَدَّمَ قَبْلَ قَوْلِهِ: " وَبَغْلٌ ".

(4/357)


(وَشَرَابُ خَلِيطَيْنِ) ابْنُ رُشْدٍ: ظَاهِرُ الْمُوَطَّأِ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ هَذَا تَعَبُّدٌ لَا لِعِلَّةٍ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَا عَلِمْتُ لَهَا وَجْهًا إلَى الْآنَ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ الْمُحَرَّمُ الْإِسْكَارَ فَدَعْهُ يَخْلِطُهُ بِمَا شَاءَ وَيَشْرَبُهُ فِي الْحَالِ، وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا الِاتِّبَاعُ حَتَّى إنِّي رَوَيْتُ فِي ذَلِكَ مَسْأَلَتَيْنِ غَرِيبَتَيْنِ: الْأُولَى أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ قَالَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُنْبَذَ الْبُسْرُ الْمُذَنَّبُ وَهُوَ الَّذِي بَدَا الْإِرْطَابُ فِي ذَنَبِهِ وَصَدَقَ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْخَلِيطَيْنِ.
الثَّانِيَةُ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الْحَكَمِ أَجْرَى النَّهْيَ فِي الْخَلِيطَيْنِ عَلَى عُمُومِهِ حَتَّى مَنَعَ مِنْهَا فِي شَرَابِ الطِّيبِ، وَهَذَا جُمُودٌ عَظِيمٌ عَلَى الْأَلْفَاظِ انْتَهَى. اُنْظُرْ قَوْلَهُ: " الْبُسْرُ الْمُذَنَّبُ " هُوَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ الْبَاجِيُّ: هُوَ كَالْبُسْرِ مَعَ التَّمْرِ.
وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ الْخَلِيطَيْنِ مِنْ طُرُقٍ ثَابِتَةٍ ثُمَّ قَالَ: وَرَدَّ أَبُو حَنِيفَةَ هَذِهِ الْآثَارَ

(4/359)


بِرَأْيِهِ وَقَالَ: لَا بَأْسَ بِشَرَابِ الْخَلِيطَيْنِ. وَنَحْوُ هَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَإِبْرَاهِيمَ.
وَقَالَ اللَّيْثُ: لَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يُخْلَطَ نَبِيذُ التَّمْرِ وَنَبِيذُ الزَّبِيبِ ثُمَّ يُشْرَبَانِ جَمِيعًا، وَإِنَّمَا نَهَى أَنْ يُنْبَذَا ثُمَّ يُشْرَبَا.
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا يَجُوزُ شَرَابُ الْخَلِيطَيْنِ يُنْبَذَانِ وَيُخْلَطَانِ عِنْدَ الشُّرْبِ نَهَى عَنْهُ مَالِكٌ إلَّا الْفُقَّاعَ فَقَالَ أَصْبَغُ: يُسْتَحَبُّ تَحْلِيَتُهُ بِالْعَسَلِ وَشُرْبُهُ بِاللَّبَنِ. الْبَاجِيُّ: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مَمْنُوعًا لِأَنَّ الْفُقَّاعَ مِنْ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُنْبَذُ مُفْرَدًا وَالْعَسَلُ يُنْبَذُ مُفْرَدًا، فَالْقِيَاسُ مَنْعُ جَمْعِهِمَا. وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْعَسَلِ يُطْرَحُ فِيهِ قِطْعَةُ الْعَجِينِ أَوْ الْحَرِيرَةِ.
وَأَمَّا خَلْطُ الْعَسَلِ بِاللَّبَنِ وَشُرْبِهِمَا فَلَا بَأْسَ بِهِ إنَّمَا هُوَ خَلْطُ مَشْرُوبَيْنِ كَشَرَابِ الْوَرْدِ وَشَرَابِ النَّيْلُوفَرِ. انْتَهَى مِنْ الْبَاجِيِّ.
قَالَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عَلَى هَذَا يَجُوزُ خَلْطُ الرُّبِّ وَالْخَلِّ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَنْتَهِي إلَى الْإِسْكَارِ انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ فِي مَعْنَى خَلْطِ شَرَابِ الطِّيبِ وَحَكَى اللَّخْمِيِّ أَيْضًا الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ.
وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ خَلْطِ شَرَابِ الْوَرْدِ وَالسَّكَنْجَبِينِ.
وَعَنْ مَالِكٍ: لَا خَيْرَ فِي الْخَلِيطَيْنِ لِلْخَلِّ. وَعَنْهُ أَيْضًا: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَمَنْ نَبَذَ الْخَلِيطَيْنِ فَقَدْ أَسَاءَ.
قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: وَيَجُوزُ شُرْبُهُ مَا لَمْ يُسْكِرْ.
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَلَا بَأْسَ بِمَا طُبِخَ بِالْعَصِيرِ مِنْ سَفَرْجَلٍ أَوْ غَيْرِهِ إذَا كَانَ يَوْمَ عُمِلَ بِهِ حَلَالًا يُرِيدُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ إلَّا الِانْتِبَاذَ بَلْ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِبْقَاءِ لِمَنْفَعَتِهِ وَدَفْعِ الْفَسَادِ عَنْهُ، وَلَا يَجُوزُ الْقَوْلُ بِمَعْنَى الْخَلِيطَيْنِ لِلْخَلِّ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي خَلْطِهِمَا لِلْخَلِّ غَرَضٌ مَقْصُودٌ مُبَاحٌ كَمَا فِي المري.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: فِي جَوَازِ خَلْطِ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ لِلْخَلِّ وَكَرَاهَتِهِ رِوَايَتَانِ، وَكَذَلِكَ فِي النُّضُوخِ مِنْ الْخَلِيطَيْنِ لِرَأْسِ الْمَرَّةِ رِوَايَتَانِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُنْتَبَذَ تَمْرٌ مَعَ زَبِيبٍ، وَلَا بُسْرٌ أَوْ زَهْوٌ مَعَ رُطَبٍ، وَلَا بُرٌّ مَعَ شَعِيرٍ أَوْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مَعَ تِينٍ أَوْ عَسَلٍ. الْبَاجِيُّ: ظَاهِرُ النَّهْيِ التَّحْرِيمُ وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ عَلَى الْكَرَاهَةِ.

(وَنَبِيذٌ بكدباء) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يُنْبَذُ فِي الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ لِئَلَّا يُعَجِّلَ مَا يُنْبَذُ فِيهِ فَكَرِهَ ذَلِكَ مَالِكٌ وَالتَّخْلِيلُ أَحَبُّ إلَيَّ وَبِهِ أَقُولُ وَإِذَا قُلْنَا بِالْمَنْعِ فَمَنْ اجْتَرَأَ عَلَى ذَلِكَ جَازَ أَنْ يَشْرَبَ النَّبِيذَ مَا لَمْ يُسْكِرْ كَتَخْلِيلِ الْخَمْرِ مَنْ اجْتَرَأَ وَخَلَّلَهَا لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ.
قَالَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَصَحُّ مَا قِيلَ فِي الْحَنْتَمِ أَنَّهُ مَا طُلِيَ مِنْ الْفَخَّارِ بِالْحَنْتَمِ وَهُوَ الزُّجَاجُ وَالدُّبَّاءُ الْقَرْعَةُ - بِسُكُونِ الرَّاءِ - وَالنَّقِيرُ الْمَنْقُورُ وَهُوَ جِذْعُ النَّخْلَةِ يُنْقَرُ. ابْنُ حَبِيبٍ: هُوَ مَا كَانَ

(4/360)


مِنْ عُودٍ ثُمَّ يُنْبَذُ فِيهِ، وَالْمُقَيَّرُ مَا طُلِيَ بِالْقَارِ وَهُوَ الزِّفْتُ.

(وَفِي كُرْهِ الْقِرْدِ) ابْنُ حَبِيبٍ: لَا يَحِلُّ لَحْمُ الْقِرْدِ. أَبُو عُمَرَ: لَا خِلَافَ فِي هَذَا وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ. الْبَاجِيُّ: الْأَظْهَرُ عِنْدِي مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ.

(وَالطِّينِ وَمَنْعِهِمَا قَوْلَانِ) ابْنُ شَاسٍ: كَرِهَ ابْنُ الْمَوَّازِ أَكْلُ الطِّينِ.
وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: أَكْلُهُ حَرَامٌ. اُنْظُرْ رَسْمَ الْبَزِّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ السُّلْطَانِ وَفِي بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ الْمَازِرِيِّ.

(4/361)


[بَابُ الضَّحَايَا] [أَرْكَانُ الضَّحَايَا وَأَحْكَامُهَا]
ابْنُ شَاسٍ: وَأَرْكَانُهَا ثَلَاثَةٌ: الذَّبِيحَةُ وَالْوَقْتُ وَالذَّابِحُ. وَأَحْكَامُ الضَّحَايَا قِسْمَانِ قَبْلَ الذَّبْحِ وَبَعْدَهُ (سُنَّ لِحُرٍّ غَيْرِ حَاجٍّ بِمِنًى ضَحِيَّةٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: الْأُضْحِيَّةُ سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ لَا يَنْبَغِي تَرْكُهَا لِقَادِرٍ عَلَيْهَا مِنْ أَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ إلَّا الْحَاجَّ فَلَيْسَتْ عَلَيْهِمْ أُضْحِيَّةٌ، وَإِنْ كَانَ مِنْ سُكَّانِ مِنًى وَمَنْ لَمْ يَشْهَدْ

(4/362)


الْمَوْسِمَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَغَيْرِهَا فَهُمْ فِي ضَحَايَاهُمْ. ابْنُ يُونُسَ: إنَّمَا لَمْ تَكُنْ عَلَى الْحَاجِّ لِأَنَّ مَا يُنْحَرُ بِمِنًى إنَّمَا هُوَ هَدْيٌ لِأَنَّهُ يُوقَفُ بِعَرَفَةَ، وَلِأَنَّ الْحُجَّاجَ لَمْ يُخَاطَبُوا بِصَلَاةِ الْعِيدِ لِأَجْلِ حَجِّهِمْ فَكَذَلِكَ فِي الْأُضْحِيَّةِ (لَا تُجْحِفُ) ابْنُ بَشِيرٍ: لَا يُؤْمَرُ بِهَا مَنْ تُجْحِفُ بِمَالِهِ.

(وَإِنْ يَتِيمًا) ابْنُ عَرَفَةَ: الصَّغِيرُ أَوْ الْأُنْثَى أَوْ الْمُسَافِرُ كَقَسِيمِهِ يَعْنِي بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَمْرِ بِالْأُضْحِيَّةِ. وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْيَتِيمِ يَكُونُ لَهُ ثَلَاثُونَ دِينَارًا، أَيُضَحِّي عَنْهُ وَلِيُّهُ بِالشَّاةِ بِالنِّصْفِ دِينَارٍ وَنَحْوِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ وَرِزْقُهُ عَلَى اللَّهِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا كَمَا قَالَ قَالَ: وَأَرَى التَّضْحِيَةَ بِنِصْفِ دِينَارٍ مِنْ ثَلَاثِينَ مِمَّا يَلْزَمُ الْوَصِيَّ أَنْ يَفْعَلَهُ وَيَصْدُقُ فِي ذَلِكَ كَمَا يَصْدُقُ فِي تَزْكِيَةِ مَالِهِ وَفِي النَّفَقَةِ عَلَيْهِ إذَا كَانَ فِي عِيَالِهِ. وَإِنْ كَانُوا إخْوَةً وَمَالُهُمْ فِي يَدِهِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ ضَحَّى عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِشَاةٍ شَاةٍ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْهُمْ مِنْ مَالِهِمْ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمْ بِشَاةٍ وَاحِدَةٍ، وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْهُمْ كُلِّهِمْ بِشَاةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ مَالِهِ إنْ كَانُوا فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُدْخِلَهُمْ فِي ضَحِيَّتِهِ إنْ كَانُوا فِي عِيَالِهِ إلَّا أَنْ يَكُونُوا مِنْ قَرَابَتِهِ.

(بِجَذَعِ ضَأْنٍ وَثَنِيِّ مَعْزٍ وَبَقَرٍ وَإِبِلٍ ذِي سَنَةٍ وَثَلَاثٍ وَخَمْسٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا تُجْزِئُ مَا دُونَ الثَّنِيِّ مِنْ سَائِرِ الْأَنْعَامِ فِي الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا إلَّا الضَّأْنُ وَحْدَهَا فَإِنَّ جَذَعَهَا يُجْزِئُ. ابْنُ حَبِيبٍ: الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ ابْنُ سَنَةٍ تَامَّةٍ.

(4/363)


أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقِيلَ: ابْنُ عَشْرَةِ أَشْهُرٍ، وَقِيلَ: ابْنُ ثَمَانِيَةٍ، وَقِيلَ: ابْنُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ. عَبْدُ الْوَهَّابِ: وَالثَّنِيُّ مِنْ الْمَعْزِ لَهُ سَنَةٌ وَدَخَلَ فِي الثَّانِيَةِ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَالثَّنِيُّ مِنْ الْبَقَرِ ابْنُ أَرْبَعِ سِنِينَ.
وَفِي الرِّسَالَةِ: مَا دَخَلَ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ.
وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: مَا لَهُ سَنَتَانِ وَدَخَلَ فِي الثَّالِثَةِ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَالثَّنِيُّ مِنْ الْإِبِلِ ابْنُ سِتِّ سِنِينَ. وَعِبَارَةُ ابْنِ عَرَفَةَ مَا أَتَمَّ خَمْسَ سِنِينَ وَدَخَلَ فِي السَّادِسَةِ.

(بِلَا شِرْكٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَذْهَبُ مَنْعُ الشَّرِكَةِ فِيهَا بِالْمِلْكِ (إلَّا فِي الْأَجْرِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ اشْتَرَى رَجُلٌ أُضْحِيَّةً بِمَالِ نَفْسِهِ وَذَبَحَهَا عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فَجَائِزٌ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرِكَةٍ فِي مِلْكِ اللَّحْمِ وَإِنَّمَا هِيَ شَرِكَةٌ فِي الثَّوَابِ وَالْبَرَكَةِ.

(وَإِنْ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ ضَحَّى بِشَاةٍ أَوْ بَعِيرٍ أَوْ بَقَرَةٍ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ أَجْزَأَهُمْ وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةِ أَنْفُسٍ.

(إنْ سَكَنَ مَعَهُ وَقَرُبَ لَهُ وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ وَإِنْ تَبَرُّعًا) الْبَاجِيُّ: مَنْ الَّذِي يُشْرِكُهُ فِي أُضْحِيَّتِهِ قَالَ مَالِكٌ: يَعْنِي بِأَهْلِ بَيْتِهِ أَهْلَ نَفَقَتِهِ قَلِيلًا كَانُوا أَوْ كَثِيرًا. زَادَ مُحَمَّدٌ عَنْ مَالِكٍ: وَوَلَدَهُ وَوَالِدَيْهِ الْفَقِيرَيْنِ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَلَهُ أَنْ

(4/364)


يُدْخِلَ فِي أُضْحِيَّتِهِ مَنْ بَلَغَ مِنْ وَلَدِهِ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا، وَأَخَاهُ وَابْنُ أَخِيهِ وَقَرِيبِهِ إذَا كَانُوا فِي نَفَقَتِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ فَأَبَاحَ ذَلِكَ بِثَلَاثَةِ أَسْبَابٍ: الْقَرَابَةُ وَالْمُسَاكَنَةُ وَالْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ. مُحَمَّدٌ: وَلَهُ أَنْ يُدْخِلَ زَوْجَتَهُ فِي أُضْحِيَّتِهِ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ آكَدُ مِنْ الْقَرَابَةِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21] قَالَ مَالِكٌ: وَلَيْسَ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْ زَوْجَتِهِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ.

(وَإِنْ جَمَّاءَ) . ابْنُ بَشِيرٍ: لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الْأُضْحِيَّةِ بِالْجَمَّاءِ وَهِيَ الَّتِي لَا قَرْنَ لَهَا. انْتَهَى. اُنْظُرْ إنْ كَانَ عَنَى بِهَذَا إذَا كَانَ ذَلِكَ لَهَا خِلْقَةً فَإِنَّ مُسْتَأْصَلَةَ الْقَرْنَيْنِ دُونَ إدْمَاءٍ اخْتَلَفَ ابْنُ حَبِيبٍ وَابْنُ الْمَوَّازِ فِي

(4/365)


جَوَازِ التَّضْحِيَةِ بِهَا مَنَعَ أَحَدُهُمَا وَأَجَازَ الْآخَرُ (وَمُقْعَدَةً لِشَحْمٍ) سَحْنُونَ: تُجْزِئُ الَّتِي أَقْعَدَهَا الشَّحْمُ.

(وَمَكْسُورَةَ قَرْنٍ لَا إنْ أَدْمَى) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يُجْزِئُ فِي الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا الْمَكْسُورَةُ الْقَرْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ يُدْمِي فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ مَرَضٌ.

(كَبَيِّنِ مَرَضٍ وَجَرَبٍ وَبَشَمٍ) . ابْنُ يُونُسَ: نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمَرِيضَةِ الْبَيِّنِ مَرَضُهَا، وَلِأَنَّ الْمَرَضَ يُفْسِدُ اللَّحْمَ وَيَضُرُّ بِمَنْ يَأْكُلُهُ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا تُجْزِئُ الْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا وَلَا الْحَمِرَةُ وَهِيَ الْبَشِمَةُ يُرِيدُ الَّذِي أَصَابَهَا التُّخَمَةُ مِنْ الْأَكْلِ لِأَنَّ ذَلِكَ مَرَضٌ بِهَا. قَالَ: وَكَذَلِكَ الْجَرِبَةُ إنْ كَانَ ذَلِكَ مَرَضًا لَهَا وَلَا تُجْزِئُ ذَاتُ الدَّبَرَةِ الْكَبِيرَةِ.

(وَجُنُونٍ) أَبُو عُمَرَ: لَا بَأْسَ بِالتَّوْلَاءِ إذَا كَانَتْ سَمِينَةً. الْجَوْهَرِيُّ: التَّوْلُ جُنُونٌ يُصِيبُ الشَّاةَ فَلَا تَتْبَعُ الْغَنَمَ وَتَسْتَدْبِرُ فِي مَرْتَعِهَا. الْبَاجِيُّ: الْجُنُونُ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ وَلَمْ أَجِدْ لِأَصْحَابِنَا نَصًّا فِيهِ.

(وَهُزَالٍ) أَبُو عُمَرَ: الْمَهْزُولَةُ الَّتِي لَيْسَتْ بِغَايَةٍ فِي الْهُزَالِ تُجْزِئُ فِي الضَّحَايَا. ابْنُ عَرَفَةَ: لَا تُجْزِئُ الْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي. ابْنُ حَبِيبٍ: هِيَ الَّتِي لَا شَحْمَ لَهَا. عَبْدُ الْوَهَّابِ: وَلَا مُخَّ فِي عَظْمِهَا.

(وَعَرَجٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يَسِيرُ الْعَرَجِ غَيْرُ الْمَانِعِ لُحُوقَهَا بِالْغَنَمِ

(4/366)


خَفِيفٌ (وَعَوَرٍ) عَبْدُ الْوَهَّابِ: أَمَّا الْعَوَرُ فَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي مَنْعِ الْأُضْحِيَّةِ بِهَا. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِالْهَدَايَا وَالضَّحَايَا بِالْبَيَاضِ أَوْ غَيْرِهِ فِي الْعَيْنِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى النَّاظِرِ مِنْهُ شَيْءٌ.

(وَفَائِتِ جُزْءٍ غَيْرِ خُصْيَةٍ) الْبَاجِيُّ: إنْ كَانَ نَقْصُ الْخِلْقَةِ يُنْقِصُ مَنَافِعَهَا وَجِسْمَهَا وَلَا يَعُودُ بِمَنْفَعَةٍ فِي لَحْمِهَا فَهُوَ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ كَعَدَمِ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ. ابْنُ زَرْقُونٍ: إنَّمَا قَالَ لَا يَعُودُ بِمَنْفَعَةٍ تَحَرُّزًا مِنْ الْخُصَى الَّذِي يَعُودُ بِمَنْفَعَةٍ فِي لَحْمِهَا.

(وَصَمْعَاءَ جِدًّا) . الْبَاجِيُّ: وَأَمَّا الصَّكَّاءُ وَهِيَ الصَّغِيرَةُ الْأُذُنِ وَهِيَ الصَّمْعَاءُ فَتُجْزِئُ عِنْدَ مَالِكٍ، وَأَمَّا الَّتِي خُلِقَتْ بِغَيْرِ أُذُنَيْنِ وَهِيَ السَّكَّاءُ فَلَا خَيْرَ فِيهَا، وَعِنْدِي أَنَّهَا إنْ كَانَتْ الْأُذُنُ مِنْ الصِّغَرِ بِحَيْثُ تَقْبُحُ بِهِ الْخِلْقَةُ وَيَقَعُ بِهَا التَّشْوِيهُ فَلَا تُجْزِئُ.

(وَذِي أُمٍّ وَحْشِيَّةٍ) . الْبَاجِيُّ: لَوْ ضَرَبَتْ فَحَوْلُ الْبَقَرِ الْإِنْسِيَّةِ إنَاثَ الْبَقَرِ الْوَحْشِيَّةِ فَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ لَا يُضَحِّي بِهَا لِأَنَّ كُلَّ وَلَدٍ تَبَعٌ لِأُمِّهِ فِي الْجِنْسِ وَالْحُكْمِ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ فِي بَنِي آدَمَ. وَاخْتَلَفُوا إذَا ضَرَبَتْ فَحَوْلُ الْوَحْشِيَّةِ إنَاثَ الْإِنْسِيَّةِ وَاَلَّذِي أَقُولُ بِهِ إجَازَةُ ذَلِكَ.

(وَبَتْرَاءَ) . ابْنُ رُشْدٍ: لَا تُجْزِئُ الْبَتْرَاءُ وَهِيَ الَّتِي قُطِعَ مِنْ ذَنَبِهَا النِّصْفُ أَوْ الثُّلُثُ، قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَابْنُ وَهْبٍ.
وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: الثُّلُثُ يَسِيرٌ وَأَمَّا الرُّبْعُ فَيَسِيرٌ بِاتِّفَاقٍ.
وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: سِمَنُ الْغَنَمِ كُلِّهَا فِي تِلْكَ الْبِلَادِ فِي أَذْنَابِهَا وَلَذَّتُهَا فِي تِلْكَ الشُّحُومِ حَتَّى تَرَى الشَّاةَ لَا تَسْتَطِيعُ الْمَشْيَ لِعِظَمِ ذَنَبِهَا، فَلِهَذَا الْمَعْنَى رَاعَى الْعُلَمَاءُ الذَّنَبَ وَتَكَلَّمُوا عَلَيْهِ، وَأَمَّا بِلَادُنَا فَلَوْ كَانَ عَدَمُ الذَّنَبِ كُلِّهِ مَا أَثَّرَ إلَّا فِي الْجَمَالِ خَاصَّةً.

(وَبَكْمَاءَ وَبَخْرَاءَ) اللَّخْمِيِّ: لَا تُجْزِئُ الْبَكْمَاءُ وَيُتَّقَى نَتِنُ الْفَمِ (وَيَابِسَةِ ضَرْعٍ) فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: لَا خَيْرَ فِي

(4/367)


يَابِسَةِ الضَّرْعِ وَلَا بَأْسَ بِيَابِسَةِ بَعْضِهِ.

(مَشْقُوقَةِ أُذُنٍ) خَرَّجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَسْتَشْرِفَ الْعَيْنَ وَالْأُذُنَ وَلَا نُضَحِّيَ بِمُقَابَلَةٍ وَلَا مُدَابَرَةٍ وَلَا شَرْقَاءَ وَلَا خَرْقَاءَ» . أَبُو عُمَرَ: يُرِيدُ بِالْمُقَابَلَةِ مَا قُطِعَ طَرَفُ أُذُنِهَا، وَالْمُدَابِرَةُ مَا قُطِعَ مِنْ جَانِبَيْ الْأُذُنِ. الْبَاجِيُّ: الْمُدَابِرَةُ الَّتِي يُقْطَعُ مِنْ مُؤَخَّرِ أُذُنِهَا.
قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ لَا تَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ وَإِنَّمَا تَمْنَعُ الِاسْتِحْبَابَ. ابْنُ عَرَفَةَ: مَذْهَبُ الْجَلَّابِ وَابْنِ الْقَصَّارِ وَالْبَغْدَادِيِّينَ قَصْرُ مَنْعِ الْإِجْزَاءِ عَلَى الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَرْبَعَةٌ لَا تُجْزِئُ فِي الْأَضَاحِيِّ فَذَكَرَ الْعَوْرَاءَ وَالْعَرْجَاءَ وَالْمَرِيضَةَ وَالْعَجْفَاءَ» . ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْمَشْهُورُ لُحُوقُ بَيِّنِ الْعَيْبِ بِهَذِهِ الْأَرْبَعَةِ، وَهَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَقْدِيمِ الْقِيَاسِ عَلَى مَفْهُومِ الْعَدَدِ وَعَكْسِهِ.

(وَمَكْسُورَةِ سِنٍّ لِغَيْرِ إثْغَارٍ أَوْ كِبَرٍ) . مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِاَلَّتِي سَقَطَتْ أَسْنَانُهَا مِنْ كِبَرٍ وَهَرَمٍ أَوْ حَفًا، وَأَمَّا لِغَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ عَيْبٌ فَلَا يُضَحِّي بِهَا. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ كَانَ مِنْ ثَغَارٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يُضَحِّيَ بِمَا سَقَطَتْ لَهَا سِنٌّ وَاحِدَةٌ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهَا مِنْ كِبَرٍ. انْتَهَى نَقْلُ ابْنِ يُونُسَ.
وَنَقَلَ الْبَاجِيُّ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا: إنْ ذَهَبَ لَهَا سِنٌّ فَلَا يُضَحِّي بِهَا.

(وَذَاهِبَةِ ثُلُثِ ذَنَبٍ لَا أُذُنٍ) تَقَدَّمَ أَنَّ ابْنَ حَبِيبٍ وَابْنَ وَهْبٍ قَالَا: ثُلُثُ الذَّنَبِ كَثِيرٌ.
وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: ثُلُثُ الذَّنَبِ يَسِيرٌ.
وَقَالَ الْبَاجِيُّ: الصَّحِيحُ أَنَّ ذَهَابَ ثُلُثِ الْأُذُنِ فِي حَيِّزِ الْيَسِيرِ، وَذَهَابُ ثُلُثِ الذَّنَبِ فِي حَيِّزِ الْكَثِيرِ، لِأَنَّ الذَّنَبَ لَحْمٌ وَعَصَبٌ وَالْأُذُنَ طَرَفُ جِلْدٍ لَا يَكَادُ يَسْتَضِرُّ بِهِ لَكِنْ يُنْقِصُ الْجَمَالَ كَثِيرُهُ. وَعِنْدِي أَنَّ الشَّقَّ لَا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ مَبْلَغَ تَشْوِيهِ الْخِلْقَةِ، وَسُئِلَ السُّيُورِيُّ عَنْ قَصِيرَةِ الذَّنَبِ خِلْقَةً لَا يَعِيبُهَا

(4/368)


قَالَ: تُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ. ابْنُ قِدَاحٍ: وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ.

(مِنْ ذَبْحِ الْإِمَامِ لِآخِرِ الثَّالِثِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: الْأَيَّامُ الَّتِي يُضَحَّى فِيهَا يَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِهَا، وَإِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَقَدْ انْقَضَى الذَّبْحُ وَفَاتَ، وَلَا يُضَحَّى بِلَيْلٍ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَيَوْمُ النَّحْرِ هُوَ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَوَقْتُ الذَّبْحِ مِنْهُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ وَبَعْدَ ذَبْحِ الْإِمَامِ بِيَدِهِ، وَلَا يُرَاعَى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ ذَبْحُ الْإِمَامِ وَلَا غَيْرِهِ، وَلَكِنْ إذَا ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ وَحَلَّتْ الصَّلَاةُ جَازَ لَهُ الذَّبْحُ، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ الْفَجْرِ فِي هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ أَجْزَأَهُ. أَبُو عُمَرَ: نَصَّ مَالِكٌ أَنَّ الصُّبْحَ مِنْ النَّهَارِ، وَهُوَ الْحَقُّ.
وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: هُوَ مِنْ اللَّيْلِ (وَهَلْ هُوَ الْعَبَّاسِيُّ أَوْ إمَامُ الصَّلَاةِ قَوْلَانِ) . اللَّخْمِيِّ: الْمُعْتَبَرُ إمَامُ الطَّاعَةِ كَالْعَبَّاسِيِّ الْيَوْمَ أَوْ مَنْ أَقَامَهُ لِصَلَاةِ الْعِيدِ بِبَلَدِهِ أَوْ عَمَلُهُ عَلَى بَلَدٍ

(4/369)


مِنْ بُلْدَانِهِ. ابْنُ بَشِيرٍ: وَأَمَّا الْمُتَغَلِّبُونَ عَلَى الْبِلَادِ فَلَا يُنْظَرُ إلَى فِعْلِهِمْ وَنَحْوِهِ لِلَّخْمِيِّ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: فِي هَذَا نَظَرٌ لِنُصُوصِ الْمَذْهَبِ بِنُفُوذِ أَحْكَامِهِمْ وَأَحْكَامِ قُضَاتِهِمْ. ابْنُ عَرَفَةَ: يَرِدُ بِعَدَمِ إمْكَانِ غَيْرِ ذَلِكَ وَإِمْكَانِ الثَّانِي لِتَحَرِّي وَقْتِ الْإِمَامِ غَيْرِ الْمُتَغَلِّبِ كَمَا لَوْ كَانَ وَأَخَّرَ ذَبْحَهُ اخْتِيَارًا. ابْنُ رُشْدٍ: الْمُرَاعَى لِلْإِمَامِ الَّذِي يُصَلِّي صَلَاةَ الْعِيدِ بِالنَّاسِ إذَا كَانَ مُسْتَخْلَفًا عَلَى ذَلِكَ. ابْنُ عَرَفَةَ: صَرِيحُ نَصِّهَا مَعَ سَائِرِ الرِّوَايَاتِ بِأَقْرَبِ الْأَئِمَّةِ، وَكَوْنُ الْمُعْتَبَرِ إمَامَ بَلَدِ مَنْ ذَبَحَ عَنْ مُسَافِرٍ لَا إمَامَ بَلَدِ الْمُسَافِرِ ظَاهِرٌ فِي كَوْنِهِ إمَامَ الصَّلَاةِ لِامْتِنَاعِ تَعَدُّدِ إمَامِ الطَّاعَةِ. وَعَلَيْهِ لَا يُعْتَبَرُ ذَبْحُ إمَامِ صَلَاتِنَا لِأَنَّ إخْرَاجَ السُّلْطَانِ أُضْحِيَّتَهُ لِلذَّبْحِ بِالْمُصَلَّى دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ نِيَابَتِهِ إيَّاهُ فِي الِاقْتِدَاءِ بِذَبْحِهِ.

(وَلَا يُرَاعَى قَدْرُهُ فِي غَيْرِ الْأَوَّلِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ الْمَوَّازِ: لَا يُرَاعَى فِي

(4/370)


الثَّانِي وَالثَّالِثِ ذَبْحُ الْإِمَامِ وَلَوْ ذَبَحَ بَعْدَ الْفَجْرِ أَجْزَأَهُ (وَأَعَادَ سَابِقُهُ) . ابْنُ الْمَوَّازِ: مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الْإِمَامِ فَلَا أُضْحِيَّةَ لَهُ وَتَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ (إلَّا الْمُتَحَرِّي أَقْرَبَ إمَامٍ كَأَنْ لَمْ يُبْرِزْهَا وَتَوَانَى بِلَا عُذْرٍ قَدْرَهُ وَبِهِ انْتَظَرَ لِلزَّوَالِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَجْهُ الشَّأْنِ أَنْ يُخْرِجَ الْإِمَامُ أُضْحِيَّتَهُ إلَى الْمُصَلَّى فَيَذْبَحَهَا بِيَدِهِ ثُمَّ يَذْبَحَ النَّاسُ بَعْدَهُ.
قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَلَى النَّاسِ الِاقْتِدَاءُ بِهِ فَوَجَبَ أَنْ يُظْهِرَ أُضْحِيَّتَهُ لِيَصِلَ النَّاسُ إلَى الْعِلْمِ بِوَقْتِ ذَبْحِهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ تَحَرَّوْا ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ تَحَرَّوْا فَسَبَقُوهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ اجْتَهَدُوا كَالِاجْتِهَادِ فِي الْقِبْلَةِ مَعَ الْغَيْبَةِ. ابْنُ رُشْدٍ: لَمْ يُخْرِجْ الْإِمَامُ أُضْحِيَّتَهُ إلَى الْمُصَلَّى وَجَبَ عَلَى النَّاسِ أَنْ يُؤَخِّرُوا ذَبْحَ ضَحَايَاهُمْ إلَى قَدْرِ مَا يَبْلُغُ الْإِمَامُ فَيَذْبَحَ عِنْدَ وُصُولِهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ انْتِظَارُهُ إنْ تَرَاخَى فِي الذَّبْحِ بَعْدَ وُصُولِهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ، فَإِنْ أَخَّرَ الذَّبْحَ لِعُذْرٍ مِنْ اشْتِغَالٍ بِقِتَالِ عَدُوٍّ أَوْ غَيْرِهِ انْتَظَرُوهُ مَا لَمْ يَذْهَبْ وَقْتُ الصَّلَاةِ بِزَوَالِ الشَّمْسِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَلْيَتَحَرَّ أَهْلُ الْبَوَادِي وَمَنْ لَا إمَامَ لَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى صَلَاةَ أَقْرَبِ الْأَئِمَّةِ إلَيْهِمْ وَذَبْحُهُ فَيَذْبَحُونَ بَعْدَهُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ تَحَرَّوْا فَذَبَحُوا قَبْلَهُ أَجْزَاهُمْ.

(وَالنَّهَارُ شَرْطٌ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يُضَحَّى بِلَيْلٍ (وَنُدِبَ إبْرَازُهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَجْهُ الشَّأْنِ أَنْ يُخْرِجَ الْإِمَامُ أُضْحِيَّتَهُ إلَى الْمُصَلَّى. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَلَوْ أَنَّ غَيْرَ الْإِمَامِ ذَبَحَ أُضْحِيَّتَهُ فِي الْمُصَلَّى بَعْدَ ذَبْحِ الْإِمَامِ جَازَ وَكَانَ صَوَابًا وَقَدْ فَعَلَهُ ابْنُ عُمَرَ. الْبَاجِيُّ: لِأَنَّهَا مِنْ الْقُرَبِ الْمَسْنُونَةِ الْعَامَّةِ فَالْأَفْضَلُ إظْهَارُهَا لِأَنَّ فِيهِ إحْيَاءَ سُنَّتِهَا وَقَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ.

(وَجَيِّدٌ وَسَالِمٌ) . ابْنُ بَشِيرٍ: صِفَةُ الْكَمَالِ فِي الْأُضْحِيَّةِ أَنْ تَكُونَ مِنْ أَعَلَا الْغَنَمِ سَالِمَةً مِنْ الْعُيُوبِ الْكَثِيرَةِ وَالْيَسِيرَةِ لِأَنَّهَا قُرْبَانٌ إلَى اللَّهِ وَقَدْ سُمِّيَتْ هَدَايَا. اللَّخْمِيِّ: يُسْتَحَبُّ اسْتِفْرَاهُهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107] وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ عَدَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ اسْتِحْبَابَهَا بِكَبْشٍ عَظِيمٍ سَمِينٍ فَحْلٍ أَقَرْنَ يَنْظُرُ فِي سَوَادٍ وَيَسْمَعُ فِيهِ وَيَشْرَبُ فِيهِ. زَادَ ابْنُ يُونُسَ: أَمْلَحَ وَهُوَ مَا كَانَ بَيَاضُهُ أَكْثَرَ مِنْ سَوَادِهِ.

(وَغَيْرُ خَرْقَاءَ وَشَرْقَاءَ وَمُقَابَلَةٌ وَمُدَابَرَةٌ) اُنْظُرْ النَّصَّ

(4/371)


بِهَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَمَشْقُوقَةِ أُذُنٍ " (وَسَمِينٌ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ حَبِيبٍ اسْتِحْبَابُ سَمِينٍ. عِيَاضٌ: الْجُمْهُورُ عَلَى جَوَازِ تَسْمِينِهَا. (وَذَكَرٌ) . الْبَاجِيُّ: فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ ذُكُورَ كُلِّ جِنْسٍ أَفْضَلُ مِنْ إنَاثِهِ.

(وَأَقْرَنُ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ حَبِيبٍ بِاسْتِحْبَابِ أَقْرَنَ (وَفَحْلٌ) ابْنُ حَبِيبٍ: الْفَحْلُ فِي الضَّحَايَا أَفْضَلُ مِنْ الْخَصِيِّ (إنْ لَمْ يَكُنْ الْخَصِيُّ أَسْمَنَ) ابْنُ حَبِيبٍ: سَمِينُ الْخَصِيِّ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ هَزِيلِ الْفَحْلِ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَمِنْ أَغْرَبِ الْخِلَافِ مَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْخَصِيَّ أَوْلَى مِنْ الْفَحْلِ لِأَنَّهُ أَسْمَنُ قُلْنَا لَيْسَ بِأَكْمَلَ.

(وَضَأْنٌ مُطْلَقًا ثُمَّ مَعْزٌ ثُمَّ هَلْ بَقَرٌ وَهُوَ الْأَظْهَرُ أَوْ إبِلٌ خِلَافٌ) قَالَ مَالِكٌ: فَحَوْلُ الضَّأْنِ فِي الضَّحَايَا أَفْضَلُ مِنْ إنَاثِهَا، وَإِنَاثُهَا أَفْضَلُ مِنْ فُحُولِ الْمَعْزِ، وَفُحُولُ الْمَعْزِ أَفْضَلُ مِنْ إنَاثِهَا. ابْنُ شَعْبَانَ: إنَاثُهَا أَفْضَلُ مِنْ ذُكُورِ الْإِبِلِ ثُمَّ ذُكُورُ الْبَقَرِ ثُمَّ إنَاثُهَا.
وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: الْبَقَرُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِبِلِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ. وَوَجَّهَ ابْنُ رُشْدٍ كِلَا الْقَوْلَيْنِ وَلَمْ يُرَجِّحْ قَوْلًا.

(وَتَرْكُ حَلْقٍ وَقَلْمٍ لِمُضَحٍّ عَشَرَ ذِي الْحِجَّةِ) الْبَاجِيُّ: عَنْ مَالِكٍ وَالْمَازِرِيِّ عَنْ رِوَايَةِ الْأَبْهَرِيِّ وَابْنِ الْقَصَّارِ. يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ إذَا رَأَى هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ أَنْ لَا يَقُصَّ شَيْئًا مِنْ شَعْرِهِ وَلَا يُقَلِّمَ أَظْفَارَهُ حَتَّى يُضَحِّيَ قَالَا: وَلَا يَحْرُمُ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ: يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْحَلْقُ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ.

(وَضَحِيَّةٌ عَلَى صَدَقَةٍ وَعِتْقٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: الصَّدَقَةُ بِثَمَنِهَا أَحَبُّ إلَى مَالِكٍ مِنْهَا أَمْ هِيَ أَحَبُّ إلَيْهِ قَالَ قَالَ مَالِكٌ: لَا أُحِبُّ تَرْكَهَا لِمَنْ قَدَرَ. ابْنُ حَبِيبٍ: هِيَ أَفْضَلُ مِنْ الْعِتْقِ.

(وَذَبْحُهَا بِيَدِهِ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَلِيَ ذَكَاةَ أُضْحِيَّتِهِ بِيَدِهِ. وَرَوَى مُحَمَّدٌ: لَا يَلِي ذَبْحَهَا غَيْرُ رَبِّهَا إلَّا لِضَرُورَةٍ أَوْ ضَعْفٍ. ابْنُ حَبِيبٍ: أَوْ كِبَرٍ أَوْ رَعْشَةٍ فَإِنْ أَمَرَ مُسْلِمًا غَيْرَهُ دُونَ عُذْرٍ فَبِئْسَ

(4/372)


مَا صَنَعَ. وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ: وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعِيدَ بِنَفْسِهِ صَاغِرًا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ: لِتَلِ الْمَرْأَةُ ذَبْحَ أُضْحِيَّتِهَا بِيَدِهَا أَحَبُّ إلَيَّ. وَكَانَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ يَأْمُرُ بَنَاتِهِ بِذَلِكَ انْتَهَى. وَمَا رَأَيْت مَنْ نَقَلَ خِلَافَ هَذَا إلَّا ابْنَ رُشْدٍ فَإِنَّهُ ارْتَضَى أَنْ لَا تَذْبَحَ الْمَرْأَةُ أُضْحِيَّتَهَا إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ.

(وَلِلْوَارِثِ إنْفَاذُهَا) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَذْهَبُ سَمَاعُ ابْنِ الْقَاسِمِ: مَنْ مَاتَ قَبْلَ ذَبْحِ أُضْحِيَّتِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِهَا بِيعَتْ لَهُ. وَسَمِعَ: إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ اُسْتُحِبَّ لِوَرَثَتِهِ ذَبْحُهَا عَنْهُ فَإِنْ شَحُّوا فَهِيَ مِنْ مَالِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّ أَصْلَ مَالِكٍ وَكُلِّ أَصْحَابِهِ إنَّمَا تَجِبُ بِالذَّبْحِ.
وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ.

(وَجَمْعُ أَكْلٍ وَصَدَقَةٍ) . ابْنُ حَبِيبٍ: يَنْبَغِي أَنْ يَأْكُلَ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ وَيُطْعِمَ كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ أَوَّلَ مَا يَأْكُلُ يَوْمَ النَّحْرِ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ. قَالَهُ عُثْمَانُ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ.
وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: يَأْكُلُ مِنْ كَبِدِهَا قَبْلَ أَنْ يَتَصَدَّقَ مِنْهَا.

(وَإِعْطَاءٌ بِلَا حَدٍّ) قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنْ لَيْسَ فِي الضَّحَايَا وَالنَّذْرِ وَالتَّطَوُّعِ قِسْمٌ مَوْصُوفٌ وَلَا حَدٌّ مَعْلُومٌ.

(وَالْيَوْمُ الْأَوَّلُ أَفْضَلُ وَهَلْ جَمِيعُهُ أَوْ إلَى الزَّوَالِ قَوْلَانِ) . ابْنُ الْمَوَّازِ: أَفْضَلُ الذَّبْحِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ

(4/373)


الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ مِنْهَا. ابْنُ يُونُسَ: وَأَنْكَرَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا قَوْلَ ابْنِ حَبِيبٍ إنَّهُ إذَا فَاتَهُ الذَّبْحُ أَوَّلَ يَوْمٍ إلَى الزَّوَالِ أَنَّهُ يُؤَخِّرُ إلَى ضُحَى الْيَوْمِ الثَّانِي، وَكَذَلِكَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي رِوَايَةُ ابْنِ الْمَوَّازِ وَاخْتِيَارُهُ أَحْسَنُ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ، وَهُوَ أَنَّ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ كُلَّهُ الذَّبْحُ فِيهِ أَفْضَلُ مِنْ الثَّانِي وَالثَّانِي أَفْضَلُ مِنْ الثَّالِثِ. وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ رُشْدٍ خِلَافًا أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ لِمَنْ لَمْ يُضَحِّ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ أَنْ يُؤَخِّرَ الذَّبْحَ إلَى ضُحَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ، وَحَكَى الْخِلَافَ فِيمَنْ فَاتَهُ الذَّبْحُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ إلَى الزَّوَالِ، هَلْ الْأَفْضَلُ أَنْ يُضَحِّيَ بَقِيَّةَ النَّهَارِ أَوْ يُؤَخِّرَ إلَى ضُحَى الْيَوْمِ الثَّانِي. (وَفِي أَفْضَلِيَّةِ أَوَّلِ الثَّالِثِ عَلَى آخِرِ الثَّانِي تَرَدُّدٌ) هَذَا صَحِيحٌ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ ابْنَ رُشْدٍ مَا ذَكَرَ خِلَافًا فِي أَفْضَلِيَّةِ أَوَّلِ الثَّالِثِ عَلَى آخِرِ الثَّانِي. وَتَقَدَّمَ أَنَّ ابْنَ يُونُسَ حَكَى الْخِلَافَ وَقَالَ: إنَّ رِوَايَةَ ابْنِ الْمَوَّازِ وَاخْتِيَارَهُ وَالْأَحْسَنُ الْمَعْرُوفُ أَنَّ الْيَوْمَ الثَّانِيَ كُلَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَيَبْقَى آخِرُ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ. فَمُقْتَضَى قَوْلِ خَلِيلٍ إنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ ضُحَى الْيَوْمِ الثَّانِي وَهُوَ الَّذِي رَشَّحَ ابْنُ يُونُسَ وَذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ الْقَوْلَيْنِ وَلَمْ يُرَجِّحْ مِنْهُمَا قَوْلًا فَقَوْلُ خَلِيلٍ بَيِّنٌ.

(وَذَبْحُ وَلَدٍ خَرَجَ قَبْلَ الذَّبْحِ) هَذِهِ إحْدَى أَرْبَعِ الْمَسَائِلِ الْمَمْحُوَّاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ: إذَا وَلَدَتْ الْأُضْحِيَّةُ فَحَسَنٌ أَنْ يَذْبَحَ وَلَدَهَا مَعَهَا وَإِنْ تَرَكَهُ لَمْ أَرَ أَنَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَاجِبًا لِأَنَّ عَلَيْهِ بَدَلَ أُمِّهِ إنْ هَلَكَتْ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: ثُمَّ عَرَضْتهَا عَلَيْهِ فَقَالَ: اُمْحُ وَاتْرُكْ مِنْهَا إنْ ذَبَحَهُ فَحَسَنٌ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا أَرَى ذَلِكَ عَلَيْهِ وَاجِبًا وَبَعْدَهُ جُزْءٌ. ابْنُ حَبِيبٍ: لَوْ وَجَدَ فِي بَطْنِ الْأُضْحِيَّةِ بَعْدَمَا ذَبَحَهَا جَنِينًا حَيًّا وَجَبَ عَلَيْهِ ذَبْحُهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ ذُكِّيَتْ وَهُوَ

(4/374)


بِبَطْنِهَا فَهُوَ كَلَحْمِهَا إنْ حَلَّ فَهُوَ كَلَحْمِهَا.

(وَكُرِهَ جَزُّ صُوفِهَا قَبْلَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يُجَزُّ صُوفُ الْأُضْحِيَّةِ قَبْلَ الذَّبْحِ.
قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: إلَّا فِي الْوَقْتِ الْبَعِيدِ الَّذِي يَنْبُتُ فِيهِ مِثْلُهُ قَبْلَ الذَّبْحِ. وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَهُ أَنْ يَجُزَّهُ بَعْدَ الذَّبْحِ قَالَ: فَإِنْ جَزَّهُ قَبْلَ الذَّبْحِ يُرِيدُ بِالْقُرْبِ ثُمَّ ذَبَحَهَا أَجْزَأَتْهُ وَقَدْ أَسَاءَ وَلَا يَبِيعُهُ وَلْيَنْتَفِعْ بِهِ.
قَالَ سَحْنُونَ: وَلَوْ بَاعَهُ لَمْ أَرَ بَأْسًا بِأَكْلِ ثَمَنِهِ إلَّا أَنْ يَجُزَّهُ بَعْدَ الذَّبْحِ فَلَا يَبِعْهُ (إنْ لَمْ يَنْبُتْ لِلذَّبْحِ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ إلَّا فِي الْوَقْتِ الْبَعِيدِ الَّذِي يَنْبُتُ فِيهِ مِثْلُهُ.

(وَلَمْ يَنْوِهِ حِينَ أَخَذَهَا) . ابْنُ عَرَفَةَ: فِي قَبُولِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ مَا وَقَعَ لِعَبْدِ الْحَمِيدِ مَنْ اشْتَرَى شَاةً وَنِيَّتُهُ جَزُّ صُوفِهَا لِيَنْتَفِعَ بِهِ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ جَازَ لَهُ وَلَوْ جَزَّهُ بَعْدَ ذَبْحِهَا نَظَرٌ، لِأَنَّهُ إنْ شَرَطَهُ قَبْلَ ذَبْحِهَا فَذَبَحَهَا بِبَيْتِهِ وَبَعْدَهُ مُنَاقِضٌ لِحُكْمِهَا فَيَبْطُلُ عَلَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ فِي الشَّرْطِ الْمُنَافِي لِلْعَقْدِ (وَبَيْعُهُ) تَقَدَّمَ نَصُّ السَّمَاعِ لَا بَيْعُهُ وَتَفْرِقَةٌ لِسَحْنُونٍ بَيْنَ أَنْ يَجُزَّهُ قَبْلَ الذَّبْحِ أَوْ بَعْدَهُ.

(وَشُرْبُ لَبَنٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِي لَبَنِ الْأُضْحِيَّةِ شَيْئًا إلَّا أَنَّهُ كَرِهَ لَبَنَ الْهَدْيِ. وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثٍ: لَا بَأْسَ بِالشُّرْبِ مِنْهَا بَعْدَ رِيِّ فَصِيلِهَا. وَرَأَى إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْأُضْحِيَّةِ وَلَدٌ أَنْ لَا يَشْرَبَهُ إلَّا أَنْ يَضُرَّ بِهَا فَيَحْلِبَهُ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ وَلَوْ أَكَلَهُ لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا، وَإِنَّمَا مَنَعْته أَنْ يَنْتَفِعَ بِلَبَنِهَا قَبْلَ ذَبْحِهَا كَمَا مَنَعَهُ مَالِكٌ أَنْ

(4/375)


يَجُزَّ صُوفَهَا قَبْلَ ذَبْحِهَا أَوْ يَنْتَفِعَ بِهِ.

(وَإِطْعَامُ كَافِرٍ وَهَلْ إنْ بَعَثَ لَهُ أَوْ وُلِدَ فِي عِيَالِهِ تَرَدُّدٌ) . ابْنُ الْمَوَّازِ: كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُطْعِمَ مِنْ لَحْمِ أُضْحِيَّتِهِ جَارَهُ النَّصْرَانِيَّ أَوْ الظِّئْرَ النَّصْرَانِيَّةَ عِنْدَهُ، وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ النَّصْرَانِيَّةِ تَكُونُ الظِّئْرَ لِلرَّجُلِ فَيُضَحِّي فَتُرِيدُ أَنْ تَأْخُذَ فَرْوَةَ أُضْحِيَّةِ ابْنِهَا فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ أَنْ تُوهَبَ لَهَا الْفَرْوَةُ وَتُطْعَمَ مِنْ اللَّحْمِ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَرَجَعَ مَالِكٌ فَقَالَ: لَا خَيْرَ فِيهِ وَالْأَوَّلُ أَحَبُّ قَوْلَيْهِ إلَيَّ. ابْنُ رُشْدٍ: اخْتِلَافُ قَوْلِ مَالِكٍ إنَّمَا مَعْنَاهُ إذَا لَمْ تَكُنْ فِي عِيَالِهِ، أَمَّا لَوْ كَانَتْ فِي عِيَالِهِ أَوْ غَشِيَتْهُمْ وَهُمْ يَأْكُلُونَ لَمْ يَكُنْ بَأْسٌ أَنْ تُطْعَمَ مِنْهُ دُونَ خِلَافٍ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ مُخَالَفَةٌ لِابْنِ حَبِيبٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: لَيْسَ كَذَلِكَ اُنْظُرْهُ فِيهِ. الطُّرْطُوشِيُّ: لَوْ أَقَامَ بِأُضْحِيَّتِهِ سُنَّةَ عُرْسِهِ أَجْزَأَتْهُ وَلَوْ عَقَّ بِهَا عَنْ وَلَدِهِ لَمْ تُجْزِهِ.

(وَالتَّغَالِي فِيهَا) سَمِعَ الْقَرِينَانِ: أَكْرَهُ التَّغَالِيَ فِي الضَّحِيَّةِ يَجِدَ بِعَشْرَةٍ فَيَشْتَرِي بِمِائَةٍ.

(4/376)


ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْمُبَاهَاةِ. ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُ اللَّخْمِيِّ خِلَافُ هَذَا، اُنْظُرْهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَجَيِّدٌ " وَعِنْدَ قَوْلِهِ: " وَإِفْرَازُهَا ". الْبَاجِيُّ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا ابْتَاعَ أُضْحِيَّةً يَأْمُرُ غُلَامَهُ بِحَمْلِهَا فِي السُّوقِ فَيَقُولُ هَذِهِ أُضْحِيَّةُ ابْنِ عُمَرَ. اللَّخْمِيِّ: يُسْتَحَبُّ اسْتِفْرَاهُهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَفْضَلُ الرِّقَابِ أَغْلَاهَا» وَنَقَلَ الْجَوْزِيُّ بِسَنَدِهِ لِبَعْضِ التَّابِعِينَ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُمَاكِسُ فِي ثَمَنِ الْأُضْحِيَّةِ. وَيَقُولُ: يُمَاكَسُ فِي شَيْءٍ وَيُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ.

(وَفِعْلُهَا عَنْ مَيِّتٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُضَحَّى عَمَّنْ فِي الْبَطْنِ. ابْنُ الْمَوَّازِ:

(4/377)


وَقَالَهُ ابْنُ عُمَرَ وَلَيْسَ الْعَمَلُ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْ أَبَوَيْهِ وَقَدْ مَاتَا وَلَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ (كَعَتِيرَةٍ) ابْنُ يُونُسَ: الْعَتِيرَةُ الطَّعَامُ الَّذِي يُبْعَثُ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ.
قَالَ مَالِكٌ: أَكْرَهُ أَنْ يُرْسِلَ لِمَنَاحَةٍ. اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَتَهْيِئَةُ طَعَامٍ لِأَهْلِهِ ".

(4/378)


(وَإِبْدَالُهَا بِدُونٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ اشْتَرَى أُضْحِيَّةً وَأَرَادَ أَنْ يُبْدِلَهَا قَالَ مَالِكٌ: لَا يُبْدِلُهَا إلَّا بِخَيْرٍ مِنْهَا. فَإِنْ بَاعَهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ لَمْ يَجِدْ بِالثَّمَنِ شَاةً فَلْيَزِدْ مِنْ عِنْدِهِ حَتَّى يَشْتَرِيَ مِثْلَهَا. ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ بَاعَهَا وَاشْتَرَى بِدُونِ الثَّمَنِ مِثْلَهَا أَوْ خَيْرًا مِنْهَا أَوْ دُونَهَا فَلْيَتَصَدَّقْ بِمَا اسْتَفْضَلَ مِنْهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ أَبْدَلَهَا بِدُونِهَا فَلْيَتَصَدَّقْ بِمَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ فَإِنْ شَحَّ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا صَنَعَ بِالْفَضْلِ مَا شَاءَ، وَكَذَلِكَ قَالَ مَنْ لَقِيت مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ.

(وَإِنْ لِاخْتِلَاطٍ قَبْلَ الذَّبْحِ) سُئِلَ سَحْنُونَ عَنْ رَفِيقَيْنِ

(4/379)


اشْتَرَكَا فِي شِرَاءِ شَاتَيْنِ لِلْأُضْحِيَّةِ فَيَقْتَسِمَانِهِمَا: فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي السَّمَانَةِ فَلَا بَأْسَ وَإِنْ لَمْ يَسْتَوِيَا كَرِهْت ذَلِكَ لِآخِذِ الدَّنِيَّةِ إلَّا أَنَّهَا تُجْزِئُهُ. ابْنُ رُشْدٍ: الَّذِي يَنْبَغِي لَهُمَا ابْتِدَاءً أَنْ لَا يَتَقَاوَمَا إلَّا لِسِمَنٍ وَيَبِيعَا الْأَدْنَى وَيَشْتَرِي الَّذِي خَرَجَ عَنْ الْأَسْمَنِ مِنْ الَّذِي ضَحَّى بِهِ رَفِيقُهُ وَإِنْ زَادَ عَلَى الثَّمَنِ مِنْ مَالِهِ.

(وَجَازَ أَخْذُ الْعِوَضِ إنْ اخْتَلَطَتْ بَعْدَهُ عَلَى الْأَحْسَنِ) الَّذِي لِابْنِ يُونُسَ: إذَا اخْتَلَطَتْ أُضْحِيَتَا رَجُلَيْنِ بَعْدَ ذَبْحِهِمَا فَإِنَّهُمَا يُجَزِّئَانِهِمَا وَلَا يَأْكُلَانِ لَحْمَهُمَا وَلِيَتَصَدَّقَا بِهِ. ابْنُ يُونُسَ: إنَّمَا أَجْزَأْنَاهُمَا لِأَنَّهُمَا بِالذَّبْحِ وَجَبَتَا أُضْحِيَّةً فَلَا يَقْدَحُ اخْتِلَاطُهُمَا فِي الْإِجْزَاءِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَأْكُلَا لَحْمَهُمَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ قَدْ يَأْكُلُ لَحْمَ شَاةِ صَاحِبِهِ فَيَصِيرُ بَيْعًا لِلَحْمِ أُضْحِيَّتِهِ بِلَحْمِ أُضْحِيَّةِ صَاحِبِهِ.
وَفَارَقَ ذَلِكَ اقْتِسَامَ الْوَرَثَةِ لِلَحْمِ أُضْحِيَّةٍ وَرِثُوهَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ وَرِثَ مِنْهَا جُزْءًا مَعْلُومًا ثُلُثًا أَوْ رُبْعًا فَيَأْخُذُهُ مِنْهَا وَهُوَ تَمْيِيزُ حَقٍّ هَاهُنَا لَا بَيْعٌ انْتَهَى. فَيَظْهَرُ مِنْ خَلِيلٍ أَنَّهُ لَمْ يَعْنِ بِالِاخْتِلَاطِ هَذَا وَإِنَّمَا عَنِيَ مَنْ تَلِفَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ عِنْدَ صَانِعٍ أَوْ غَاصِبٍ أَوْ مُتَعَدٍّ. فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ سُرِقَتْ رُءُوسُ أَضَاحِيِّهِ فِي الْفُرْنِ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ لَا يُغَرِّمَهُ شَيْئًا وَكَأَنَّهُ رَآهُ بَيْعًا.
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ: لَهُ أَخْذُ الْقِيمَةِ وَيَصْنَعُ بِهَا مَا شَاءَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَ ثَوْبَهُ فَغَصَبَهُ غَاصِبٌ أَنَّ لَهُ أَخْذَ قِيمَتِهِ، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ اللَّحْمِ الْمُسْتَهْلَكِ مَا شَاءَ مِنْ طَعَامٍ أَوْ حَيَوَانٍ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ؟ انْتَهَى نَصُّ الْبَاجِيِّ.
وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: لَوْ اخْتَلَطَتْ أُضْحِيَّةٌ أَوْ جُزْءٌ مِنْهَا بِغَيْرِهَا فَفِي إبَاحَةِ أَخْذِ الْعِوَضِ قَوْلَانِ انْتَهَى. اُنْظُرْ قَوْلَ الْبَاجِيِّ: لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ اللَّحْمِ الْمُسْتَهْلَكِ مَا شَاءَ مِنْ طَعَامٍ أَوْ حَيَوَانٍ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ.
وَحُكِيَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ: مَنْ أَتْلَفَ لَك طَعَامًا لَا يُعْرَفُ كَيْلُهُ، فَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى إتْلَافِهِ جَازَ أَنْ يَأْخُذَ بِقِيمَتِهِ طَعَامًا وَلَوْ غَابَ عَلَيْهِ اتَّهَمَ أَنَّهُ أَمْسَكَهُ وَدَفَعَ فِيهِ طَعَامًا، وَسَوَاءٌ تَلِفَ بِانْتِفَاعِ الْمُتَعَدِّي أَوْ غَيْرِهِ، وَكَانَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: عَلَى هَذَا إذَا تَبَدَّلَ لِلْإِنْسَانِ فِي الْفُرْنِ قِدْرٌ أَوْ خُبْزٌ لَا يَأْخُذُ عِوَضَهُ طَعَامًا وَلَا غُرْمَ قِيمَتِهِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ أَنَّ خُبْزَهُ قَدْ أُكِلَ. قَالَ: وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ قَرِينَةُ الْحَالِ تَقُومُ مَقَامَ الْبَيِّنَةِ كَمِثْلِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَعْدَ يَوْمٍ وَالْمَخْبِزُ دَيْنٌ، فَإِذَا كَانَ هَذَا فَإِنْ كَانَ خُبْزًا وَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ عِوَضَهُ خُبْزَ صَاحِبِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِالْقِيمَةِ فَعَلَى مَا لِلْبَاجِيِّ لَا يَأْخُذُ مِنْ هَذَا الْخُبْزِ، إلَّا مَا لَا يَشُكُّ أَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ خُبْزِهِ.
وَقَالَ الْبَاجِيُّ:

(4/380)


غَاصِبُ الطَّعَامِ يَغْرَمُ مِثْلَهُ صِفَةً وَقَدْرًا، فَإِنْ كَانَ جُزَافًا جُهِلَ كَيْلُهُ غَرِمَ قِيمَتَهُ يَوْمَ غَصَبَهُ، وَاخْتُلِفَ إنْ قَالَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ أَغْرَمُهُ مِنْ الْكَيْلِ مَا لَا يَشُكُّ أَنَّهُ كَانَ فِيهِ وَإِنَّ لَهُ ذَلِكَ أَحْسَنَ انْتَهَى.
وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ رُشْدٍ خِلَافًا فِي أَنَّ لَهُ أَنْ يُصَالِحَ الْغَاصِبَ عَلَى مَا لَا يَشُكُّ أَنَّهُ أَقَلُّ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْقِدْرِ فَإِذَا قُلْنَا: إنَّ اللَّحْمَ الْمَطْبُوخَ وَإِنْ تَنَوَّعَ عَلَى مَا طُبِخَ بِهِ يَكُونُ جِنْسًا وَاحِدًا فَيَكُونُ كَالْخُبْزِ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ اللَّحْمِ مَا لَا يَشُكُّ أَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ لَحْمِ قِدْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِهَذَا فَلَا بُدَّ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى الْقِيمَةِ، فَإِذَا تَعَيَّنَتْ الْقِيمَةُ أَخَذَ بِهَا لَحْمَ هَذَا الْقِدْرِ وَيَزِيدُهُ صَاحِبُهَا مَا بَقِيَ مِنْ الْقِيمَةِ.
قَالَ الْبَاجِيُّ: الطَّعَامُ الْمُسْتَهْلَكُ الَّذِي لَا يُعْلَمُ قَدْرُهُ أَنَّهُ يُقَوَّمُ قَالَ: فَإِذَا أُلْزِمَ الْقِيمَةَ بِحُكْمٍ أَوْ صُلْحٍ فَقَالَ أَشْهَبُ: لَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ بِتِلْكَ الْقِيمَةِ كَيْلًا مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ الطَّعَامِ

(4/382)


الْمُسْتَهْلَكِ.
وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إذَا غَصَبَهُ صُبْرَةً لَا يَعْلَمُ كَيْلَهَا فَصَالَحَهُ عَلَى قِيمَةٍ اتَّفَقَا عَلَيْهَا أَوْ حُكِمَ عَلَيْهِ بِهَا فَجَائِزٌ أَنْ يُصَالِحَهُ عَلَى مَا شَاءَ مِنْ الطَّعَامِ مِنْ صِنْفِ طَعَامِ الصُّبْرَةِ الَّتِي اغْتَصَبَهَا أَوْ مِنْ غَيْرِ صِنْفِهَا وَعَلَى مَا شَاءَ مِنْ الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ، أَوْ عَلَى دَنَانِيرَ إنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ الَّتِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ دَرَاهِمَ، أَوْ دَرَاهِمَ إنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ دَنَانِيرَ يُعَجِّلُ ذَلِكَ كُلُّهُ وَلَا يُؤَخِّرُ مِنْهُ شَيْئًا انْتَهَى. وَانْظُرْ نَقْلَ ابْنِ سَلْمُونَ: إذَا أَفْسَدَ الزَّرْعَ أَخْضَرَ قَالَ: لَا يَأْخُذُ فِي قِيمَتِهِ طَعَامًا، فَإِنْ أَخْلَفَ كَانَتْ الْخِلْفَةُ لِدَافِعِ الْقِيمَةِ. بِخِلَافِ خِلْفَةِ الْقَصِيلِ، وَانْظُرْ فِي الصُّلْحِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَجَازَ عَنْ دَيْنٍ ".

(وَصَحَّ إنَابَةٌ) تَقَدَّمَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَنُدِبَ ذَبْحُهَا بِيَدِهِ " (بِلَفْظٍ) ابْنُ بَشِيرٍ: الِاسْتِنَابَةُ تَحْصُلُ بِاللَّفْظِ أَوْ بِعَادَةٍ تَقُومُ مَقَامَهُ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُعْتَادُ يَتَوَلَّى ذَلِكَ قَرِيبًا أَوْ أَجْنَبِيًّا. هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ.

(إنْ أَسْلَمَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ أَمَرَ أَنْ يَذْبَحَ أُضْحِيَّته ذِمِّيًّا لَمْ تُجْزِهِ.

(وَلَوْ لَمْ يُصَلِّ) ابْنُ بَشِيرٍ: لَا يُسْتَنَابُ تَارِكُ الصَّلَاةِ اللَّخْمِيِّ: فَإِنْ اسْتَنَابَهُ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُعِيدَ.

(4/383)


(أَوْ نَوَى عَنْ نَفْسِهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ نَوَاهَا الْمَأْمُورُ عَنْ نَفْسِهِ فَسَمِعَ الْقَرِينَانِ تُجْزِئُ عَنْ رَبِّهَا وَصَوَّبَهُ ابْنُ رُشْدٍ فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ نِيَّةُ رَبِّهَا كَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا يُوَضِّئُهُ فَالنِّيَّةُ فِي ذَلِكَ نِيَّةُ الْآمِرِ الْمُوَضَّأِ لَا نِيَّةُ الْمَأْمُورِ الْمُوَضِّئِ. وَرَدَّهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ.
وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: لَوْ أَمَرَ رَبُّهَا رَجُلًا يَذْبَحُهَا لَهُ فَذَبَحَهَا عَنْ نَفْسِهِ لَأَجْزَأَتْ عَنْ صَاحِبِهَا، وَقَدْ اشْتَرَى ابْنُ عُمَرَ شَاةً مِنْ رَاعٍ فَأَنْزَلَهَا مِنْ الْجَبَلِ وَأَمَرَهُ بِذَبْحِهَا فَذَبَحَهَا وَقَالَ الرَّاعِي: اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: رَبُّك أَعْلَمُ مِمَّنْ أَنْزَلَهَا مِنْ الْجَبَلِ اللَّخْمِيِّ: وَهَذَا أَحْسَنُ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الذَّابِحِ نِيَّةُ الذَّكَاةِ لَا غَيْرَ ذَلِكَ النِّيَّةِ فِي الْقُرْبَةِ إلَى رَبِّهَا.

(أَوْ بِعَادَةٍ كَقَرِيبٍ إلَّا فَتَرَدُّدٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ ذَبَحَ أُضْحِيَّتَك بِغَيْرِ أَمْرِك فَأَمَّا وَلَدُك أَوْ بَعْضُ عِيَالِك فَمَنْ فَعَلَهُ لِيَكْفِيَك مُؤْنَتَهَا فَذَلِكَ مُجْزِئٌ عَنْك، وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ فَلَا يُجْزِئُك.
قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ إنْ ذَبَحَهَا صَدِيقُهُ إذَا وَثِقَ بِهِ أَنَّهُ ذَبَحَهَا عَنْهُ. انْتَهَى جَمِيعُ مَا نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ.
وَقَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِصَدِيقِهِ الَّذِي يَقُومُ بِأَمْرِهِ وَقَدْ فَوَّضَ إلَيْهِ أَمْرَهُ حَتَّى يُصَدِّقَهُ أَنَّهُ لَمْ يَذْبَحْهَا عَنْ نَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ أَرَادَ غَيْرَ الْمُفَوِّضِ إلَيْهِ وَإِنَّمَا ذَبَحَهَا عَنْهُ بِمُجَرَّدِ الصَّدَقَةِ فَالظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ لَوْ شَاءَ أَنْ يَضْمَنَهُ ضَمَّنَهُ انْتَهَى. وَلِلَّخْمِيِّ أَيْضًا تَفْصِيلٌ آخَرُ اُنْظُرْهُ فِيهِ، وَلَوْلَا لَفْظُ خَلِيلٍ لَاكْتَفَيْت بِنَقْلِ ابْنِ يُونُسَ.

(لَا إنْ غَلِطَ فَلَا تُجْزِئُ عَنْ أَحَدِهِمَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ ذَبَحْت أُضْحِيَّةً صَاحِبِك وَذَبَحَ هُوَ أُضْحِيَّتَك غَلَطًا لَمْ تُجْزِ وَاحِدًا مِنْكُمَا وَيَضْمَنُ كُلُّ وَاحِدٍ

(4/384)


لِصَاحِبِهِ الْقِيمَةَ. ابْنُ رُشْدٍ: فَإِذَا غَرِمَ الْقِيمَةَ وَلَمْ يَأْخُذْهَا مَذْبُوحَةً فَالْأَصَحُّ قَوْلُ أَشْهَبَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهَا تُجْزِئُ أُضْحِيَّةً لِذَابِحِهَا كَمَا لَوْ أَعْتَقَ رَقَبَةً عَنْ ظِهَارٍ عَلَيْهِ فَاسْتُحِقَّتْ فَأَجَازَ بِهَا الْبَيْعَ وَأَخْذَ الثَّمَنِ. وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ عَنْهُ انْتَهَى. فَيَظْهَرُ مِنْ خَلِيلٍ أَنَّهُ بَنَى عَلَى رِوَايَةِ عِيسَى.
وَفِي النُّكَتِ: لَوْ غَصَبَ شَاةً وَضَحَّى بِهَا وَأَخَذَ رَبُّهَا مِنْهُ الْقِيمَةَ أَنَّهَا تُجْزِئُهُ أُضْحِيَّةً. ابْنُ يُونُسَ: وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّهَا لَا تُجْزِئُ عَنْهُ إذَا غَرِمَ قِيمَتَهَا مِنْ كُتُبِ الْمَجَالِسِ الَّتِي لَمْ تُدَبَّرْ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ تُجْزِئَ أُضْحِيَّةً عَنْ ذَابِحِهَا إذَا اخْتَارَ رَبُّهَا أَخْذَ الْقِيمَةِ كَعَبْدٍ أَعْتَقَهُ عَنْ ظِهَارِهِ فَشَهِدَ الْمُعْتِقُ بَعْدَ ذَلِكَ بِشَهَادَاتٍ وَطَلَّقَ وَنَكَحَ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ فَأَجَازَ رَبُّهُ عِتْقَهُ فَإِنَّهُ يُجْزِئُ مُعْتِقَهُ وَتَنْفُذُ شَهَادَتُهُ الَّتِي كَانَ شَهِدَ بِهَا وَجَمِيعُ أَحْكَامِهِ، وَإِنْ نَقَضَهُ سَقَطَتْ تِلْكَ الشَّهَادَاتُ وَأُمُورُهُ وَرَجَعَتْ إلَى أُمُورِ الْعَبِيدِ، وَانْظُرْ لِصَاحِبِ الْأُضْحِيَّةِ أَنْ لَا يُغَرِّمَهُ الْقِيمَةَ وَيَأْخُذَهَا مَذْبُوحَةً، وَعَلَى هَذَا قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لَهُ أَنْ يَبِيعَ ذَلِكَ اللَّحْمَ وَلَا حُرْمَةَ لَهُ.

(وَمُنِعَ الْبَيْعُ وَإِنْ ذَبَحَ قَبْلَ الْإِمَامِ) ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ: مَنْ اشْتَرَى أُضْحِيَّةً فَقَامَ عَلَيْهِ غَرِيمُهُ فَلَهُ بَيْعُهَا عَلَيْهِ فِي دَيْنِهِ، وَلَوْ ضَحَّى بِهَا لَمْ تُبَعْ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: قِيلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ: فَجِلْدُ الْأُضْحِيَّةِ وَصُوفُهَا وَشَعْرُهَا، هَلْ يَشْتَرِي بِهِ مَتَاعًا لِلْبَيْتِ أَوْ يَبِيعُهُ؟ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَشْتَرِي بِهِ شَيْئًا وَلَا يَبِيعُهُ وَلَا يُبَدِّلُ جِلْدَهَا بِمِثْلِهِ وَلَا بِخِلَافِهِ وَلَكِنْ يَتَصَدَّقُ أَوْ يَنْتَفِعُ بِهِ. قَالَ: وَلَا يُعْطَى الْجَزَّارُ عَلَى جَزْرِهِ الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا وَالنُّسُكَ مِنْ لُحُومِهَا وَلَا جُلُودِهَا شَيْئًا وَكَذَلِكَ خَطْمُهَا وَجِلَالُهَا. الْبَاجِيُّ: وَهَلْ يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ لَحْمِ الشَّاةِ الَّتِي ذَبَحَهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ؟ ابْنُ زَرْقُونٍ: لَمْ يَذْكُرْ الْبَاجِيُّ فِي ذَلِكَ شَيْئًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْحَدِيثِ «هِيَ خَيْرُ نُسُكٍ» فَسَمَّاهَا نُسُكًا.

(أَوْ تَعَيَّبَتْ حَالَ

(4/385)


الذَّبْحِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ أَضْجَعَ أُضْحِيَّتَهُ لِلذَّبْحِ فَاضْطَرَبَتْ وَانْكَسَرَتْ رِجْلُهَا أَوْ أَصَابَتْ السِّكِّينُ عَيْنَهَا فَفَقَأَتْهَا لَمْ تُجْزِهِ وَلَكِنْ لَا يَبِيعُ لَحْمَهَا لِأَنَّهُ قَصَدَ بِهِ النُّسُكَ (أَوْ قَبْلَهُ) اُنْظُرْ هَذَا لَيْسَ كَالتَّعْيِيبِ حَالَ الذَّبْحِ لِأَنَّهُ إنَّمَا مَنَعَ مِنْ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِالذَّبْحِ النُّسُكَ، وَمُقْتَضَى مَا يَتَقَرَّرُ أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ إذَا تَعَيَّبَتْ قَبْلَ الذَّبْحِ فَهِيَ مَالٌ مِنْ مَالِهِ. وَقَدْ قَالَ بَعْدَ هَذَا فَلَا تُجْزِئُ إنْ تَعَيَّبَتْ قَبْلَهُ وَصَنَعَ بِهَا مَا شَاءَ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ اشْتَرَى أُضْحِيَّةً سَلِيمَةً فَعَجَفَتْ عِنْدَهُ أَوْ أَصَابَهَا عَوَرٌ لَمْ يُجْزِهِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ ضَلَّتْ أُضْحِيَّتُهُ وَلَمْ يُبْدِلْهَا ثُمَّ وَجَدَهَا بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ فَلْيَصْنَعْ بِهَا مَا شَاءَ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى أُضْحِيَّةً فَحَبَسَهَا حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ فَهَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ وَقَدْ أَتَمَّ حِينَ لَمْ يُضَحِّ. انْتَهَى مِنْ الْمُدَوَّنَةِ. وَانْظُرْ قَوْلَ إسْمَاعِيلَ الْقَاضِي فِيمَنْ اشْتَرَى أُضْحِيَّةً فَقَالَ بِلِسَانِهِ قَدْ أَوْجَبْتهَا إنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ بَدَلُهَا وَلَا يَضُرُّهَا عَيْبٌ دَخَلَهَا.
قَالَ ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ قَدْ أَوْجَبَهَا بِالنِّيَّةِ وَالْقَوْلِ قَالَ: وَلَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ مَالِكٍ خِلَافُهُ.

(أَوْ ذَبَحَ مَعِيبًا جَهْلًا) سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الضَّحِيَّةِ إذَا ذُبِحَتْ فَوُجِدَ جَوْفُهَا فَاسِدًا تُجْزِئُهُ قَالَ: إنَّ الْمَرِيضَةَ مِنْ الضَّحَايَا لَا تَجُوزُ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا كَمَا قَالَ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ مِمَّا يَسْتَوِي الْبَائِعُ وَالْمُبْتَاعُ فِي الْجَهْلِ بِمَعْرِفَتِهِ، وَلَا يَبِيعُ مِنْ لَحْمِهَا شَيْئًا لِأَنَّهُ إنَّمَا ذَبَحَهَا عَلَى أَنَّهَا نُسُكٌ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْوَاضِحَةِ.

(وَالْإِجَارَةُ) هُنَا مَسْأَلَتَانِ: أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَلَى سَلْخِهَا بِشَيْءٍ مِنْ لَحْمِهَا وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا مَمْنُوعٌ وَهُوَ بَيْعٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يُعْطَى الْجَزَّارُ مِنْ لَحْمِهَا. الْمَسْأَلَةُ الْأُخْرَى إجَارَةُ جِلْدِهَا قَالَ سَحْنُونَ: تَجُوزُ إجَارَةُ جِلْدِ الْأُضْحِيَّةِ وَجِلْدُ الْمَيْتَةِ بَعْدَ دَبْغِهِ.
قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: لَمْ يَذْكُرْ الشَّيْخُ الْبَاجِيُّ وَلَا الصَّقَلِّيُّ خِلَافَهُ وَحَكَاهُ ابْنُ شَاسٍ بَعْدَ أَنْ قَالَ: إنَّ الْمَذْهَبَ لَا تَجُوزُ إجَارَتُهُ.

(وَالْبَدَلُ) تَقَدَّمَ قَوْلُ مَالِكٍ: لَا يُبْدِلُ جِلْدَهَا بِمِثْلِهِ (إلَّا لِمُتَصَدَّقٍ عَلَيْهِ) مِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: لَا يُتَصَدَّقُ بِجِلْدِ الْأُضْحِيَّةِ أَوْ لَحْمِهَا عَلَى مَنْ يُعْلَمُ أَنَّهُ يَبِيعُهُ، وَمَنْ

(4/386)


تَصَدَّقَ عَلَيْهِ فَلَا يَبِيعُهُ وَلَا يُبْدِلُهُ بِمِثْلِهِ مِنْ جِلْدِ أُضْحِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا. قَالَهُ مَالِكٌ، وَلَمْ يَنْقُلْ ابْنُ يُونُسَ خِلَافَ هَذَا، وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الرَّجُلُ يَهَبُ لِجَارِيَتِهِ جِلْدَ أُضْحِيَّتِهِ لَا تَبِيعُهُ. ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّهَا أَمَتُهُ وَلَهُ انْتِزَاعُ مَالِهَا فَإِذَا بَاعَتْهُ فَكَأَنَّهُ هُوَ الْبَائِعُ، وَلَوْ وَهَبَ الْجِلْدَ لِمِسْكِينٍ لَجَازَ لِلْمِسْكِينِ أَنْ يَبِيعَهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي اللَّحْمِ الَّذِي تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ «هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ» .
وَنَقَلَ اللَّخْمِيِّ الْمَنْعُ لِلْكِتَابِ ابْنُ الْمَوَّازِ وَالْجَوَازُ لِأَصْبَغَ قَالَ: وَهُوَ أَحْسَنُ وَرَجَّحَهُ بِحَدِيثِ بَرِيرَةَ قَائِلًا: لَوْ كَانَتْ الصَّدَقَةُ بَعْدَ انْتِقَالِهَا إلَى الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ عَلَى الْحُكْمِ الْأَوَّلِ لَمْ تَحِلَّ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. .

(وَفُسِخَتْ) رَوَى سَحْنُونَ: مَنْ بَاعَ جِلْدَ أُضْحِيَّتِهِ أَوْ شَيْئًا مِنْ لَحْمِهَا أَوْ صُوفِهَا فَإِنْ أَدْرَكَ فَسَخَ وَإِلَّا فَلْيَجْعَلْ ثَمَنَ الْجُلُودِ فِي مَاعُونِهِ أَوْ فِي طَعَامِهِ وَثَمَنُ اللَّحْمِ يَشْتَرِي بِهِ طَعَامًا يَأْكُلُهُ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: مَنْ بَاعَ جِلْدَ أُضْحِيَّتِهِ فَلْيَصْنَعْ بِثَمَنِهِ مَا شَاءَ. ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ بَاعَهُ جَهْلًا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالثَّمَنِ وَلْيَتَصَدَّقْ بِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ بَاعَهُ عَبْدُهُ أَوْ بَعْضُ أَهْلِهِ. انْتَهَى نَقْلُ ابْنِ يُونُسَ.

(وَتَصَدَّقَ بِالْعِوَضِ فِي الْفَوْتِ إنْ لَمْ يَتَوَلَّ غَيْرٌ بِلَا إذْنٍ وَصُرِفَ فِيمَا لَا يَلْزَمُهُ) أَمَّا إنْ بَاعَ الْإِنْسَانُ شَيْئًا مِنْ أُضْحِيَّتِهِ وَفَاتَ فَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ عَلَيْهِ صَدَقَةَ ثَمَنِهِ.
وَقَالَ سَحْنُونَ: يَجْعَلُ ثَمَنَ الْجِلْدِ فِي مَاعُونٍ وَثَمَنَ اللَّحْمِ فِي طَعَامٍ يَأْكُلُهُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا إنْ بَاعَ فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ فَهُوَ الْبَائِعُ هَكَذَا قَالَ أَصْبَغُ قَالَ: وَعَلَيْهِ إخْرَاجُ الثَّمَنِ وَالصَّدَقَةِ بِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: لَا إشْكَالَ إذَا أَذِنَ لَهُمْ أَنَّ عَلَيْهِ إخْرَاجَ الثَّمَنِ مِنْ مَالِهِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُمْ وَفَاتَ الْبَيْعُ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى رَدِّهِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ اسْتَنْفَقُوا الثَّمَنَ. وَمَعْنَاهُ عِنْدِي إنْ اسْتَنْفَقُوهُ فِيمَا لَهُ عَنْهُ غِنًى، وَأَمَّا إنْ اسْتَنْفَقُوهُ فِيمَا لَا بُدَّ لَهُ عَنْهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ مَالِهِ وَيَتَصَدَّقَ بِهِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ أَنْ يَجِدَهُ قَائِمًا بِعَيْنِهِ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ أَنْفَقَهُ إذْ قَدْ وَفَّى بِهِ مَالُهُ انْتَهَى.
وَمَا نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ وَلَا نَقْلَ ابْنِ عَرَفَةَ أَيْضًا هَذَا.

(كَأَرْشِ عَيْبٍ لَا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ) سَمِعَ أَصْبَغُ ابْنَ الْقَاسِمِ:

(4/387)


الضَّحِيَّةُ يُوجَدُ بِهَا الْعَيْبُ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ بَعْدَمَا ذُبِحَتْ فَيَأْخُذُ قِيمَتَهُ يَصْنَعُ بِهَا مَا شَاءَ وَأُبْدِلَ مَكَانَهَا إنْ كَانَ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ، وَإِنْ فَاتَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يُضَحِّ وَالْأَرْشُ لَهُ يَصْنَعُ بِهِ مَا شَاءَ قَالَ: وَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ مِمَّا تَجُوزُ بِهِ الضَّحِيَّةُ تَصَدَّقَ بِمَا يَأْخُذُ مِنْ قِيمَتِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا صَحِيحٌ لَا أَعْلَمُ فِيهِ نَصَّ خِلَافٍ.

(وَإِنَّمَا تَجِبُ بِالنَّذْرِ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ يُونُسَ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ قَوْلِ مَالِكٍ. اُنْظُرْ قَبْلَ قَوْلِهِ: " أَوْ ذَبَحَ مَعِيبًا " (وَالذَّبْحِ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ: الْمَشْهُورُ إنَّمَا يَجِبُ بِالذَّبْحِ (فَلَا تُجْزِئُ إنْ تَعَيَّبَتْ قَبْلَهُ وَصَنَعَ بِهَا مَا شَاءَ) هَذَا صَحِيحٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ قَبْلَ هَذَا أَوْ قَبْلَهُ وَقَدْ كَانَ اللَّائِقُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ النَّقْلُ هُنَا إلَّا أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَلْتَفِتُ لِقَوْلِهِ هُنَا فَانْظُرْ أَنْتَ مَا مَعْنَى قَوْلِهِ هُنَاكَ أَوْ قَبْلَهُ (كَحَبْسِهَا حَتَّى فَاتَ الْوَقْتُ إلَّا أَنَّ هَذَا آثِمٌ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا: لَوْ اشْتَرَى أُضْحِيَّةً فَحَبَسَهَا حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ فَهُوَ وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ وَقَدْ

(4/388)


أَثِمَ. (وَلِلْوَارِثِ الْقَسْمُ وَلَوْ ذُبِحَتْ) أَمَّا قَبْلَ الذَّبْحِ فَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: مَنْ اشْتَرَى أُضْحِيَّةً وَمَاتَ قَبْلَ ذَبْحِهَا فَإِنَّهَا تُورَثُ، وَاسْتَحَبَّ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنْ يَذْبَحَهَا عَنْهُ الْوَرَثَةُ وَلَا يَلْزَمُهُمْ ذَلِكَ. اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَنُدِبَ إنْفَاذُهَا ".
وَأَمَّا بَعْدَ الذَّبْحِ فَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا مَاتَ وَقَدْ ذَبَحَ أُضْحِيَّتَهُ كَانَتْ لِأَهْلِهِ يَأْكُلُونَهَا وَلَمْ تُبَعْ. ابْنُ رُشْدٍ: يُرِيدُ وَيَأْكُلُونَهَا عَلَى نَحْوِ مَا كَانُوا يَأْكُلُونَهَا لَوْ لَمْ يَمُتْ. وَرَثَةً كَانُوا أَوْ غَيْرَ وَرَثَةٍ. وَهَذَا أَظْهَرُ مِمَّا يَأْتِي فِي هَذَا السَّمَاعِ وَفِي سَمَاعِ عِيسَى إذْ لَا يَقْسِمُ الْوَرَثَةُ إلَّا مَا تَكُونُ فِيهِ الْوَصِيَّةُ وَالدَّيْنُ لِلْوَارِثِ.
وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ: إنْ مَاتَ فِي دَيْنِهِ لِأَنَّهُ نُسُكٌ وَكُلُّ نُسُكٍ سُمِّيَ لِلَّهِ فَلَا يُبَاعُ لِغَرِيمٍ وَلَا لِغَيْرِهِ وَلَا يَقْتَسِمُهُ الْوَرَثَةُ عَلَى الْمِيرَاثِ فَيَصِيرُ بَيْعًا.
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَهُمْ أَنْ يَقْتَسِمُوهَا لِأَنَّهُمْ يَرِثُونَ مَا كَانَ لَهُ ثُمَّ يُنْهُونَ عَنْ بَيْعِ أَنْصِبَائِهِمْ. وَكَذَا فَسَّرَهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ، وَانْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَجَازَ أَخْذُ الْعِوَضِ " (لَا بَيْعٌ بَعْدَهُ فِي دَيْنٍ) تَقَدَّمَ قَوْلُ مَالِكٍ: إنْ مَاتَ عَنْ لَحْمِ أُضْحِيَّتِهِ لَا تُبَاعُ فِي دَيْنِهِ.

[الْعَقِيقَة]
(وَنُدِبَ ذَبْحُ وَاحِدَةٍ تُجْزِئُ ضَحِيَّةً فِي سَابِعِ الْوِلَادَةِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْعَقِيقَةُ مَا تَقَرَّبَ بِذَكَاتِهِ مِنْ جَذَعِ ضَأْنٍ أَوْ ثَنِيِّ سَائِرِ الْأَنْعَامِ سَلِيمَيْنِ مِنْ عَيْبٍ مَشْرُوطًا بِكَوْنِهِ فِي نَهَارِ سَابِعِ وِلَادَةِ آدَمِيٍّ حَيٍّ. وَفِي حُكْمِهَا عِبَارَاتٌ سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَقَعُ فِي قَلْبِي أَنَّهَا شَرِيعَةُ الْإِسْلَامِ. وَلَمْ يَحْكِ الْمَازِرِيُّ غَيْرَ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ. وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ كَانُوا يَكْرَهُونَ تَرْكَهَا. قَالَ: وَلَيْسَتْ كَوُجُوبِ الْأُضْحِيَّةِ. الْبَاجِيُّ: وَمُقْتَضَى قَوْلِ مَالِكٍ: إنَّهَا مِنْ مَالِ الْأَبِ لَا مِنْ مَالِ الِابْنِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: " يَعُقُّ عَنْ الْيَتِيمِ مِنْ مَالِهِ " أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ قَرِيبًا غَيْرَ الْأَبِ.
وَقَالَ الْبَاجِيُّ: مَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهُ يَعُقُّ عَنْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ بِشَاةٍ شَاةٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَعُقُّ عَنْ الْغُلَامِ بِشَاتَيْنِ. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَإِنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدَانِ فِي بَطْنٍ عَقَّ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ

(4/389)


بِشَاةٍ. ابْنُ رُشْدٍ: ظَاهِرُ سَمَاعِ أَشْهَبَ أَنَّ الْبَقَرَ تُجْزِئُ أَيْضًا فِي ذَلِكَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ قِيَاسًا عَلَى الضَّحَايَا.

(تُجْزِئُ ضَحِيَّةً) ابْنُ حَبِيبٍ: سِنُّهَا وَاجْتِنَابُ عُيُوبِهَا وَمَنْعُ بَيْعِ شَيْءٍ مِنْهَا مِثْلُ الْأُضْحِيَّةِ الْحُكْمُ وَاحِدٌ (فِي سَابِعِ الْوِلَادَةِ) ابْنُ بَشِيرٍ: سُنَّةُ ذَبْحِهَا فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ مِنْ الْوِلَادَةِ وَهَذَا إذَا وُلِدَ قَبْلَ الْفَجْرِ.

(نَهَارًا) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَجْهُ ذَبْحِ الْعَقَائِقِ ضَحْوَةً. ابْنُ رُشْدٍ: وَمَنْ ذَبَحَهَا لَيْلًا لَمْ تُجْزِهِ، وَأَمَّا إنْ ذَبَحَهَا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَبَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: يُجْزِئُهُ وَهُوَ أَظْهَرُ.
وَفِي الْمَبْسُوطِ: لَا تُجْزِئُهُ وَهُوَ ظَاهِرُ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ (وَأُلْغِيَ يَوْمُهَا إنْ سُبِقَ بِالْفَجْرِ) ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ إنْ وُلِدَ بَعْدَ الْفَجْرِ أُلْغِيَ ذَلِكَ الْيَوْمُ وَحُسِبَ لَهُ سَبْعَةُ أَيَّامٍ مِنْ الْيَوْمِ الَّذِي بَعْدَهُ، وَإِنْ وُلِدَ قَبْلَ الْفَجْرِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِاللَّيْلِ حُسِبَ لَهُ ذَلِكَ الْيَوْمُ.

(وَالتَّصَدُّقُ بِزِنَةِ شَعْرِهِ) فِي الْمُوَطَّأِ: وَزَنَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَعْرَ حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ وَزَيْنَبَ وَأُمِّ كُلْثُومٍ وَتَصَدَّقَتْ بِزِنَةِ ذَلِكَ فِضَّةً. أَبُو عُمَرَ: أَهْلُ الْعِلْمِ يَسْتَحِبُّونَ مَا فَعَلَتْهُ فَاطِمَةُ مِنْ ذَلِكَ مَعَ الْعَقِيقَةِ أَوْ دُونَهَا وَيَرَوْنَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ لَا يَعُقُّ عَنْ وَلَدِهِ لِقِلَّةِ ذَاتِ يَدِهِ.
وَقَالَ عَطَاءٌ: يَبْدَأ بِالْحَلْقِ قَبْلَ الذَّبْحِ. الْبَاجِيُّ: التَّصَدُّقُ بِوَزْنِ الشَّعْرِ حَسَنٌ وَعَمَلُ بِرٍّ، ثُمَّ تَأَوَّلَ

(4/390)


الْبَاجِيُّ قَوْلَ مَالِكٍ مَا ذَلِكَ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ.
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَحْلِقَ يَوْمَ سَابِعِهِ. الْجَلَّابُ: وَهُوَ مَعْنَى الْحَدِيثِ: «وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى» «وَأَذَّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أُذُنِ الْحَسَنِ حِينَ وُلِدَ» . وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ وَقَالَ: إنَّهُ صَحِيحُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ: فَصَارَ ذَلِكَ سُنَّةً قَالَ: وَقَدْ فَعَلْت ذَلِكَ بِأَوْلَادِي وَاَللَّهُ يَهَبُ

(4/391)


الْهَدْيَ.

(وَجَازَ كَسْرُ عَظْمِهَا) فِي الْمُوَطَّأِ: الْعَقِيقَةُ بِمَنْزِلَةِ الضَّحَايَا وَتُكْسَرُ عِظَامُهَا وَلَا يُمَسُّ الصَّبِيُّ بِشَيْءٍ مِنْ دَمِهَا. عَبْدُ الْوَهَّابِ: لَيْسَ كَسْرُ عِظَامِهَا بِمَسْنُونٍ إنَّمَا هُوَ جَائِزٌ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ وَعَطَاءٌ وَابْنُ جُرَيْجٍ: لَا يُكْسَرُ لَهَا عَظْمٌ وَرُوِيَ فِي الْحَدِيثِ: «مَنْ وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ أَذَّنَ فِي أُذُنِهِ الْيُمْنَى وَأَقَامَ فِي أُذُنِهِ الْيُسْرَى رُفِعَتْ عَنْهُ أُمُّ الصِّبْيَانِ» .

(وَكُرِهَ عَمَلُهَا وَلِيمَةً) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: تُطْبَخُ الْعَقِيقَةُ وَيَأْكُلُ مِنْهَا أَهْلُ الْبَيْتِ وَيُطْعِمُ الْجِيرَانَ، وَأَمَّا الدُّعَاءُ إلَيْهَا فَإِنِّي أَكْرَهُ الْفَخُورَ. وَزَادَ فِي سَمَاعِ الْقَرِينَيْنِ: إنْ أَرَادُوا صَنِيعًا صَنَعُوا مِنْ

(4/393)


غَيْرِهَا وَدَعَوْا إلَيْهِ النَّاسَ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَدْعُو إلَى الْوِلَادَةِ وَإِلَى خِتَانِ الذُّكُورِ.

(وَلَطْخُهُ بِدَمِهَا) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُوَطَّأِ: لَا يَمَسُّ الصَّبِيَّ شَيْءٌ مِنْ دَمِهَا. ابْنُ يُونُسَ: كَانَتْ الْجَاهِلِيَّةُ يَجْعَلُونَ فِي رَأْسِ الْمَوْلُودِ مِنْ دَمِ الْعَقِيقَةِ فَلِذَلِكَ نَهَى مَالِكٌ عَنْهُ.

(وَخِتَانُهُ يَوْمَهَا) كَرِهَ مَالِكٌ الْخِتَانَ يَوْمَ يُولَدُ الصَّبِيُّ وَفِي يَوْمِ سَابِعِهِ وَقَالَ: هُوَ مِنْ فِعْلِ الْيَهُودِ. وَكَانَ لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ لَعَلَّهُ يَخَافُ عَلَى الصَّبِيِّ قَالَ: وَحَدُّ الْخِتَانِ مِنْ سَبْعِ سِنِينَ إلَى عَشْرَةٍ انْتَهَى. اُنْظُرْ لَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الْخِتَانِ وَهُوَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَاجِبٌ وَعِنْدَ مَالِكٍ سُنَّةٌ.

وَقَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَى أَنْ يَؤُمَّ الْأَغْلَفُ.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: فَإِنْ أَمَّ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ مَأْمُومِيهِ. وَإِذَا

(4/394)


أَسْلَمَ الْكَبِيرُ وَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الْخِتَانِ فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَهُ تَرْكُهُ. وَقَالَ سَحْنُونَ: لَا يُتْرَكُ انْتَهَى.
وَانْظُرْ مَنْ وُلِدَ مَخْتُونًا فَقَالَ: تَمُرُّ الْمُوسَى عَلَيْهِ فَإِنْ بَقِيَ مَا يُقْطَعُ قُطِعَ قَالَ: وَقِيلَ: إنَّهُ قَدْ كَفَى الْمُؤْنَةَ
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ.

(4/395)