التلقين
في الفقة المالكي كتاب الصيام
مدخل
...
كتاب الصيام
الصوم الشرعي هو إمساك عن الأكل في جميع أجزاء
النهار بنية قبل الفجر أو معه إن أمكن فيما
عدا أزمان الحيض والنفاس وأيام الأعياد والذي
يجب الإمساك عنه في الصوم نوعان أحدهما إيصال
شيء إلى داخل البدن والآخر إخراج شيء عنه فأما
الذي يوصل إلى داخل البدن فما يصل إلى الحلق
مما يساغ ويقع الاغتذاء به أو لايساغ أو يتطعم
أو لا يتطعم وذلك كالطعام والشراب المغذين
وكالدراهم والحصى وببلعهما وسائر الجامدات
التي لا يتطعم ولا يساغ ولا يقع بها غذاء
ومثلها الكحل والدهن والشموم وغير ذلك من
المائعات والجامدات الواصلة إلى الحلق وصلت من
مدخل الطعام والشراب أومن غير مدخلها من
المنافذ كالعين والأنف والأذن وما ينحدر من
الدماغ بعد وصوله من بعض هذه المنافذ.
والنوع الآخر إيلاج الذكر في قبل أو دبر قارنه
أو إنزال أو لم يقارنه فأما ما يخرج من داخل
البدن فنوعان إنزال الماء الدافق عن تلذذ ولا
يحتاج أن نقول مما يمكن التحرز منه لأن ما لا
يمكن ذلك فيه لا يصح الإمساك عنه والنوع
(1/69)
الآخر عمد
الاستقاء وإجهاد النفس فيه.
فصل
فاما ما يفسد الصوم فثلاثة أنواع أحدها إعراؤه
مما اشترط فعله فيه من النية والإمساك من غير
مراعاة لصفة تركه من عمد أو سهو أو تفريط أو
عذر أو تقصر في اجتهاد وذلك كترك النية عمدا
أو سهوا أو خطأ أو حرم الإمساك عن شيء مما
ذكرناه عمدا أو سهوا أو خطا كالمجتهد في دخول
الليل أو طلوع الفجر يتبين له أنه أكل في
الوقت الذي كان يلزمه الإمساك فيه.
والنوع الثاني ما يكون عن غلبة وهو ينقسم إلى
ضربين ضرب منه لا يكون إلا كذلك فلا يصح وجوده
إلا مفسدا للصوم وذلك كالحيض والنفاس المانعين
من ابتدائه وقد يمنعان من استصحابه على وجه
والضرب الآخر يتصور وقوعه عن غلبة وعن اختيار
وذلك كالأكل والشرب وغيرهما مما عددناه فيصح
وقوعه اختيارا وعمدا.
وغلبته ضربان ضرب يكون غلبته تنافي الاختيار
وذلك كالمكره على الأكل فيأكل خوفا من القتل
أو من الضرب المهدد به وضرب يكون غلبته مبتدأة
بالإيقاع دون فعل من المكلف كإيجار الطعام
والشراب في الحلق
(1/70)
وكذرع القيء
ويقرب من الضربين سبق الماء إلى الحلق عند
المبالغة في الاستنشاق
والنوع الثالث لا يتصور وقوعه إلا عن اختياره
وقصد وهو فعل ما ينافي القربة وذلك نوعان
أحداهما الردة والآخر اعتقاد قطع النية وترك
استدامتها فهذا جميع ما يفسد الصوم.
فصل
فأما ما يتعلق على ذلك من الأحكام فأربعة أضرب
قضاء وكفارة وقطع متتابع وقطع نية وتفصيل ذلك
يذكر فيما بعد.
فصل
والصوم ضربان: واجب ونفل والنية مستحقة في
جميع أنواعهما يوقعها المكلف لكل يوم من كل
نوع من ليلة ويستديمها إلى آخره حكما وليس
عليه أن يستديم ذكرها فإن قطعها بطل صومه وأي
وقت نوى من الليل جاز ولا يضره أن نام بعدها
أو أكل أو جامع ذاكرا لها أو ساهيا عنها فإن
طلع الفجر ولم ينو لم يصح منه صوم ذلك اليوم
بنية يوقعها بعد الفجر وله في شهر رمضان أن
يجمعه بنية واحدة ما لم يقطعه فيلزمه استئناف
النية وجوز ذلك في شهري التتابع ولمن شأنه سرد
الصوم استحسانا والقياس منعه وصوم شهر رمضان
واجب مفروض على أعيان وللعلم بدخوله ثلاث طرق
رؤية الهلال أو الشهادة بها من رجلين عدلين
والجنس والعدد مستحقان والعدد فيه فلا يقبل
النساء ولا الواحد من الرجال فيه كانت السماء
مصحية أو مغيمة
(1/71)
وإكمال عدة
شعبان ثلاثين عند تعذر ما ذكرناه وليس من جهات
العلم بدخوله قول منجم أو حاسب.
وإذا ترآى الناس الهلال فلم يروه فإن كانت
السماء مصحية جاز أن يصام الغد أي أنواع الصوم
كان ما عدا اعتقاد رمضان وجاز أن يفطر بدلا من
صومه وإن كانت السماء متغيبة وبات الناس على
الشك فالاختيار إمساكه وترك صومه والأكل فيه
من غير حظر كما يجوز مع الأصحاء ثم إن ثبت بعد
طلوع فجره أن الهلال رئى في أمسه فلا يخلو
المكلف من أحواله إما أن يكون أصبح نأويا
لصومه من رمضان قطعا أو على الشك لينظر فإن
ثبت من رمضان كان أداء وإلا كان تطوعا أو أن
يكون أصبح نأويا غير ذلك من أنواع الصوم أو
غير نأو لصوم اصلا فأما من نوى صومه عن رمضان
قطعا فإنه لا يجزئه وعليه قضاءه وأما من نواه
من غير فلا يخلو أن يكون نواه عن واجب في
الذمة أو عن واجب متعين أو عن تطوع فإن نواه
عن واجب في الذمة كالقضاء والكفارة والنذر غير
المعين فلا يجزئه عما كان نواه ولا ينقلب عن
رمضان وعليه قضاؤه لرمضان وإعادته عن ما كان
نواه من غيره وأما النأوي به واجبا متعينا
كنادر صوم يوم الخميس أو غد الليلة التي يقدم
فيها فلان أو غيره فيوافق ذلك اليوم تعين نذره
فإنه لا يجزئه عنه ولا عن فرض يومه وعليه
قضاؤه عن رمضان ولا قضاء عيله لفواته عن نذره.
وأما من أصبح غير نأو لصوم فلا يخلو أن يكون
أكل أو لم يأكل فإن كان أكل كف بقية يومه وإن
كان لم يأكل استدام الإمساك إلى انقضائه وعليه
في الحالين قضاؤه على ما ذكرناه.
وتعين النية واجب لكل صوم واجب فإن أطلق النية
لم يجزه فإن عينها عن نوع منه لم يخل أن يكون
في رمضان أو في غيره فإن كان في رمضان لم
يجزئه إلا أن يعينه عن الشهر نفسه فإن عين
غيره لم يجزه عن رمضان ولا عن ما نواه وإن كان
في غيره أجزأه عن ما عينه وإن جمع في بنيته
بين وجهين مما يصح صوم اليوم عليه كان كمن لم
ينو فلا يجزئه عن واحد منهما.
(1/72)
فصل
وإذا لم ير هلال رمضان ليلة الثلاثين من شعبان
ثم رؤى من الغد كان الغد يوم رؤيته سواء رؤى
قبل الزوال أو بعده ولم يكف الناس عن الأكل
هذا هو الظاهر من المذهب.
ويلزم المنفرد برؤية الهلال ما يلزم من شورك
في رؤيته من لزوم صومه ومنع فطره ووجوب
الكفارة بتعمد إفساده أو ترك صومه من غير
اعتبار بثبوته عند الإمام إلا أن عليه إعلامه
برؤيته إن كان ممن يرى أنه تقبل شهادته ويلزم
في الشهادة على هلال آخره ما يلزم في أوله فإن
رؤى ثبت كون الغد من شوال وإن لم ير كان من
رمضان ولزم صومه.
فإن ثبت رؤيته بعد الفجر أفطر الناس عند علمهم
بذلك أي وقت من اليوم وصلوا العيد إن كان قبل
الزوال وإن كان بعده لم يصلوا في بقية اليوم
ولا في غده.
فصل
الأيام على خمسة أضرب منها ما لايصح صومه بوجه
وهي يوما العيدين ومنها ما يصح صومه على وجه
مخصوص وهي أيام التشريق للمتمتع دون غيره
ومنها ما يصح أن يصام ويكره على وجه وهو
ثالثها ومنها مستحق العين لصوم مخصوص لا يصح
صومه عن غيره وهو زمان رمضان ومنها ما يصح
صومه على كل وجه من أنواع الصيام سوى رمضان
وهو ما عدا رمضان وأيام أعياد.
فأما زمان الحيض والنفاس فإن امتناع الصوم فيه
ليس براجع إلى عينه وإنما يرجع إلى الصفة يكون
المكلف عليها فيمتنع فيه ويصح في غيره.
فصل
ولا يفسد الصوم ذرع قيء ولا حجامة وأنما كرهت
خوف التغرير ولا إصباح على جنابة في الليل
وانقطاع دم حيض أو نفاس إذا نوى
(1/73)
الصيام قبل
الفجر وتأخر الغسل ولا ركوب مأثم لا يخرجه عن
اعتقاد وجوبه ومضيه على نيته أو إمساكه
كالغيبة والقذف ولا يكره للصائم السواك في أي
أوقات اليوم كان إلا ما يرجع إلى نوع ما يستاك
به دون الوقت كالرطب المتطعم خيفة وصول طعمه
إلى الحلق ويكره له ذوق قدر ومحو مداد ومضغ
علك فإن سلم من وصول شيء من ذلك إلى الحلق فلا
شيء عليه.
فصل
والأحكام المتعلقة بإفساد الصوم أربعة وقد
ذكرناها وهي القضاء والكفارة وقطع التتابع
وقطع النية فأما القضاء فيختلف بحسب اختلاف
أنواع الصوم ووجوه إفساده ولا يخلو الصوم
المتروك أو المفسد من ثلاثة أقسام أما أن يكون
واجبا متعينا أو واجبا غير متعين أو تطوعا
والواجب المتعين ضربان ضرب متعين بتعين من
الله تعالى وهو رمضان وقضاؤه ما بينه وبين
رمضان ثان ومتعين بتعيين المكلف كنذر صوم يوم
بعينه يتكرر أولا يتكرر واليوم الذي يقدم فيه
فلان وما أشبه ذلك. فأما رمضان فيلزم قضاؤه
بإفساده أو تركه على أي وجه كان جملة بغير
تفصيل إلا على المنفذ الذي لا يستطيع صومه إلا
بخوف التلف وأما المتعين سوى رمضان فيلزم
قضاؤه مع عدم العذر في فطره ولا يلزم مع العذر
الفاطر بالمرض والإكراه والإغماء والحيض
والنفاس فإن لم يفعل لزمه قضاؤه وليس منه
السفر.
وأما الواجب غير المتعين كالقضاؤه والكفارة
والنذر المطلق فحكمه حكم رمضان نفسه وفي وجوب
القضاء بما يوجب قضاءه بغير تفصيل.
وأما التطوع فواجب على الداخل فيه اتمامه وليس
له قطعة إلا عذر ومع الأعذار التي ذكرناها لا
يلزم قضاؤه ويلزم مع عدمها وفي السفر الطاريء
عليه والمبتدأ فيه روايتان.
فصل
فأما الكفارة فضربان: كبرى وصغرى فأما الكبرى
فلا تجب إلا في رمضان دون غيره من أنواع الصوم
وتجب بالخروج عن صومه على وجه الهتك من كل
معتقد لوجوبه من رجل أو امرأة لكل يوم كفارة
ولا يسقطها عن يوم وجوبها في آخر من غير
أعتبار بالأنواع التي يخرج عن الصوم بها من
أكل أو اجماع أو غيره ولا بالوجه الذي يخرج عن
الصوم من اعتقاد تركه أو بعد عقدة بقطع
(1/74)
نية أو إمساك
ولا بطروء عذر بعد ذلك أو عدمه كمعتمد الفطر
بمرض أو تحيض أو يسافر أو يجن.
فصل
والكفارة الكبرى لثلاثة أنواع إعتاق رقبة
كاملة غير ملفقة مؤمنة محررة وتحريرها أن
يبتديء إعتاقها من غير أن يكون مستحقا بوجه
سابق والصوم هو صوم شهرين متتابعين والإطعام
هو لستين مسكينا مدا بمد النبي صلي الله عليه
وسلم وهي على التخيير دون الترتيب.
وأما الصغرى فهي إطعام مد عن كل يوم ولا تجب
إلا على مؤخر قضاء رمضان إلى مجييء آخر من غير
عذر دون مؤخرة لعذر متصل.
ولا تجب أيضا على من أفطر في رمضان لعذر يسوغ
له الفطر من أجل نفسه أو من أجل غيره سوى أنها
تستحب للمرضع والهرم وأما قطع التتابع فهو أن
يفطر لغير عذر أولعذر يمكنه دفعه كالسفر وأما
ما لايمكنه دفعه من سهو أو مرض أو خطأ عد أو
حيض أو نفاس فله البناء معه وأما قطع النية
فهو إفساد الصوم أو تركه على الأطلاق لغذر أو
لغير عذر أو بحصول الوجه الذي يسقط معه
الانحتام وأن أثر الصوم معه كالسفر والمرض ولا
يقطع استدامتها وإنما يقطع استصحاب ابتدائها.
فصل
وكل مسافر يجوز له قصر الصلاة فيه فإن انحتام
صوم رمضان ساقط عنه في ذلك السفر وهو مخير بين
صومه فيه أو فطره وقضائه وصومه أفضل ولا ينحتم
عليه إلا بأن يقيم بعزيمته في موضع لا أهل له
به أربعة أيام بلياليها.
فإن أقام هذا القدر أو طول مدة الشهر غير عازم
على هذه المدة أو عازم على ما دونها فإنه على
أصل التخيير والأعذار التي يسوغ معها الفطر في
رمضان ضربان منها ما يجب الكف عن الطعام
بزواله في بقية اليوم ومنها ما لا يجب ذلك فيه
ويعتبر بأن تكون إباحة الفطر مطلقة مع العلم
بكون اليوم من الشهر أو بشرط عدمه ففي الأولى
لا يلزمه الكف كالمسافر والمريض والمرضع يموت
ولدها والثاني يلزمه كالناسي ومخطيء الوقت أو
العدة.
(1/75)
باب الاعتكاف
الاعتكاف قربة ومن نوافل الخير ويلزم بالنذر
ومعناه في الشرع ملازمة المسجد بنية تخصه مع
صوم وأما لغيره والمرأة والرجل سواء فيه.
ولا يجوز للمعتكف الخروج من المسجد إلا لأربعة
أمور:
أحدها: حاجة الإنسان
والثاني: طرؤ حيض أو نفاس
والثالث: شراء طعام إن اضطر إليه
والرابع: مرض لا يمكنه المقام معه ويلزمه من
حكم الاعتكاف في حال خروجه ما يلزمه في حال
مقامه فإذا زال عذره عاد إلى المسجد حين زواله
ولا يجوز له الخروج لغير ما ذكرناه من عيادة
مريض أو صلاة على جنازة وإن كانت لأهله ولا
غيرها من الصلوات ولا كتبه علما أو غير ذلك
ولا ان يشترط أن له ذلك حين دخوله والمساجد
كلها سواء إلا لمريد اعتكاف أيام تتخللها
الجمعة فينبغي له أن يعتكف في الجامع دون غيره
لئلا يفسد اعتكافه لخروجه لصلاة الجمعة أو
يترك به فرضها ويجتنب المعتكف الوطء وجميع
أنواع المباشرة والاستمتاع من القبلة واللمس
وذلك كله مفسد للاعتكاف إن وقع فيه.
وكذلك ركوب شيء من الكبائر كشرب الخمر أو
القذف وله أن يتطيب أو يعقد النكاح لنفسه
ولغيره وليل المعتكف ونهاره سواء فيما يلزمه
ويجتنبه الإ الصوم وينبغي له التشاغل بالذكر
والعبادة والصلاة والدعاء وقراءة القرآن دون
التصدي لغير ذلك من أفعال القرب كالانتصاب
للأقراء وتدريس العلم والمشي لعيادة مريض أو
صلاة على جنازة إلا أن يقرب ذلك من موضعه أو
تكلم في يسير مما يسأل عنه من العلم ويختار له
أن يدخل إلى معتكفه قبل غروب الشمس من ليلة
اليوم الذي هو مبتدأ اعتكافه.
والاختيار فيه إلا ينقص عن عشرة أيام وأقله
يوم وليلة وفي حقيقة الواجب أن يدخل قبل طلوع
الفجر بما يأمن معه أن يطلع قبل دخوله ويخرج
(1/76)
عقيب مغيب
الشمس فإن وافق اعتكافه آخر شهر رمضان استحب
له ألا ينصرف إلى بيته إلا بعد شهود العيد وإن
تخلف يوم الفطر زمان اعتكافه شهده ثم عاد إلى
معتكفه كزمن الليل والاعتكاف مقتض بإطلاقه
التتابع بخلاف نذر مطلق الصوم فمن قطع تتابعه
عمدا أو جهلا أو يتفريط استأنفه وإن كان لعذر
بني عليه إن شاء الله.
(1/77)
|