التلقين في الفقة المالكي

كتاب الأيمان والنذور
الأيمان على ضربين يمين جائزة ويمين ممنوعة فالجائزة هي اليمين بالله تعالى وبجميع أسمائه كالرحمان والرحيم والسميع والعليم وغير ذلك من أسمائه وبصفات ذاته كعلمه وقدرته وعزته وكلامه وعهده وميثاقه وكفالته وأمانته والممنوعة الحلف بما عدا ذلك ثم هي بعد هذا على قسمين منها ما يصح رفعه فيسقط حكمه وهو القسم الأول الجائز ومنها ما لا يصح ذلك فيه وهو الحلف بغير الله وصفاته.
ورفع اليمين بوجهين: بالاستثناء وبالكفارة.

(1/96)


أما الاستثناء فإن يقرن بيمينه قوله إن شاء الله وإصلابها غير قاطع نأويا بها الاستنثاء فإن قطعها عنه أو أطلق لم تكن شيئا إلا أن يكون قطعها بغير اختيار من سعال أو عطاس أو ما أشبه ذلك.
وأما الكفارة فتذكر فيما بعد وأما النوع الآخر وهو ما لا يصح رفعه فضربان أحدهما لا يتعلق به حكم كقوله والنبي والكعبة وكقوله هو يهودي أو نصراني أو بربىء من الله أو من النبي أو من الإسلام أو أشرك بالله أو أكفر أو ما أشبه ذلك وكقوله لعمري أو عيشي أو عيشك كل هذا لا يتعلق به حكم ولا يتصور فيه رفع.

(1/97)


والآخر أن يكون يمينا بإيقاع شيء معين أو بنذر معين فيلزم به تنفيذ ما حلف به كالطلاق والعتاق والمشي وغيره من نذر الطاعات ولا يرفع شيئا من ذلك استثناء ولا كفارة.
والألفاظ التي يحلف بها في القسم الأول قسمان أحدهما تجريد الاسم المحلوف به كقوله والله لا فعلت والآخر زيادة عليه وهي ضربان زيادة متصلة وزيادة منفصلة.
والمتصلة هي الحروف نحو والله وبالله وتالله وايم الله ولعمر الله والمنفصلة هي الكلمة نحو أحلف وأشهد وأقسم فهذه إن قرنها بالله أو بصفات ذاته نطقا أو نية كانت أيمانا.
وإن أراد بها غير ذلك أو أعراها من نية لم تكن أيمانا يلزم بها حكم ولفظ ماضيها كمستقبلها وليس من الأيمان لا من ألفاظها ولا من معانيها تحريم محلل أو حظره كالمأكل والمشارب وغيرها إلا في الزوجة فإنه يكون طلاقا وفي العبد والأمة إن أراد به العتق لزمه وإن أراد التحريم من غير عتق لم يلزمه شئ.

(1/98)


فصل
والأيمان علي ثلاثة أوجه: لغو وغموس وعقد.
فاللغو والغموس لا كفارة فيهما والعقد هو الذي يتعلق به الكفارة.
واللغو هو أن يحلف علي شئ يظنه غلي ما حلف عليه ثم يتبين له خلافه وقيل: هو القول والله وبلي والله الجاري علي اللسان من غير قصد والغموس هو الكذب فهذا أعظم من أن تكون فيه كفارة.
والمنعقد هو اليمين على مترقب يمكن إتمامها وحلها كان متعلقها من فعله أو من غير فعله ثم لا بد فيه من أحد أمرين بر أو حنث فالبر الموافقة والحنث المخالفة.
والكفارة تجب بالحنث دون البر وصفة البر والحنث راجعة إلى لفظ اليمين فإن كانت اليمين على نفي فالحالف في الحال على بر وحنثه بإيقاع ما حلف على نفيه وإن كانت على إثبات كان في الحال على حنث وكان بره بالإيقاع ومجموع ذلك أربعة ألفاظ للنفي لفظان وهما لا فعلت وإن فعلت فالحالف بذلك على بر لأنه بالانتفاء ما حلف عليه موافق وللإثبات

(1/99)


لفظان وهما لأفعلن وإن لم أفعل فالحالف بذلك في الحال على الحنث لأنه بانتفاء ما حلف عليه مخالف وبره بأن يفعل إلا أن الكفارة لا تلزمه إلا أن ييئس من البر فيتحقق الحنث.
وتجب بالمخالفة سهوا أو عمدا أو خطأ أو قصدا إلا أن يكره على اليمين أو يكون أمرا مضطرا إليه لا يمكنه الانفكاك منه فلا يحنث في ذلك القدر دون ما زاد عليه كالحالف لا ألبس ثوبا هو لابسه ولا أدخل دارا هو فيها ولا أركب دابة هو عليها فيلزمه النزع في أول أوقات الإمكان فإن زاد على ذلك مع الإمكان حنث.
وأعداد الكفارة معتبرة بالأيمان دون متنأولها فإذا حلف يمينا واحدة على عدة أشياء حنث بفعل واحد منها ولزمته الكفارة بذلك ثم لا شيء عليه في باقيها وإن حلف على شيء واحد بأيمان عدة قاصدا بها الاستثناء دون التأكيد والتكرار فإذا حنث كان عليه من الكفارات بأعداد أيمانه.
فصل
ويعتبر في اليمين ثلاثة أشياء أولها النية فيحمل عليها إذا كانت مما يصلح أن يراد اللفظ بها كانت مطابقة له أو زائدة فيه أو ناقصة عنه بتقييد مطلقه أو بتخصيص عامه فإن عدم الحالف تحصيلها نظرا لسبب المثير لليمين ليعرف منه فإن عدم أجرى اللفظ على ما يقتضيه إطلاقه في عرف اللغة وعادة التخاطب دون عادة الفعل وذلك كالحالف لا آكل رؤوسا أو

(1/100)


بيضا أو لا أسبح في نهر أو غدير فإن قصد معنى عاما وعبر عنه بلفظ خاص أو معنى خاصا وعبر عنه بلفظ عام حكم بنيته إذا قارنها عرف التخاطب كالحالف لا أشرب لفلان ماء يقصد قطع المن دون عين المحلوف عليه وقد قال ابن القاسم يؤخذ الناس في الطلاق بألفاظهم.
فصل
والكفارة أربعة أنواع إعتاق وإطعام وكسوة وصوم.
فالإطعام والكسوة والإعتاق مخير فيهما أيهما شاء أن يخرج جاز مع القدرة على ما معه ولا يجزئه الصوم مع القدرة على واحد منها والإطعام والكسوة لعشرة مساكين والعدد فيهما مستحق ولا يجوز النقصان منه ولا زيادة عليه وهو بالمدينة مد بالأصفر وبالأمصار وسط مع الشبع وهو رطلان بالبغدادي وشيء من الأدام والكسوة أقل ما تجزيء به الصلاة ولا يجوز صرفها إلا إلى الأحرار من المسلمين الفقراء ويعطي الصغير المتغذي بالطعام ما يعطي الكبير.
وأما الإعتاق فتحرير رقبة مؤمنة سليمة من العيوب والكبيرة أحب إلينا من الصغيرة وخالية من شركة أو عقد عتق أو استحقاقه ويجمعه خمسة شروط:
أحدها: أن تكون مؤمنة.
والثاني: أن تكون سليمة.
والثالث: أن تكون كلها ملكا للمكفر.
والرابع: ألا يكون فيها عقد من عقود العتق.
والخامس: ألا يستحق إعتاقها حين ملكها بجهة غير الكفارة من نذر أو قرابة.
وأما الصوم فثلاثة أيام يستحب متابعتها ويجزئ تفريقها وفي تقديم الكفارة ى الحنث روايتان ويستوي في ذلك أنواعها.

(1/101)


فصل
النذور على وجهين مطلق ومقيد فالمطلق ما استقل بنفسه عن شىء يتعلقبه به
والمقيد ما تعلق بما ذكرناه لقوله عقيب النذر إن شفى الله مرضى أوقدم غائبي فالأول يلزم أطلاقه والثاني عند وجود شرطه وسواء كان شرطه مباحا أو محظورا أو قربه أو معصية كان فعلا للنادر أو لغيره من العباد أو من الله تعالى.
والنذور نوعان: وجهين مجهول ومعلوم فالمجهول ما لا يتبين نوعه مثل أن يقول لله علي نذر ولا يبين ما هو فهذا فيه كفارة يمين.
والمعلوم ما يبين مخرجه لفظا أو نية ثم لا يعدوا ما يبين من ذلك أحد أربعة أنواع إما طاعة أو معصية أو مكروها أو مباحا ولا يلزم منها إلا الطاعة ويسقط ما عداها.
ولا نذر في غير الملك إلا بشريطته ولا اعتبار بخلاف الوجوه التي يقع النذور عليها من لجاج أو تبرم أو غضب أو غير ذلك ومن حلف بصدقة ماله كله أو نذره لزمه ثلثه يوم حلف لا يوم حنث ويلزم نذرالمشي

(1/102)


إلى بيت الله في حج أو عمرة معينا إن عينه أو مطلقا إن أطلقه ويلزم المشي في الحج إلى آخر طواف الإفاضة وفي العمرة إلى انقضاء السعي وإن ركب في بعضه لعذر عاد قابلا فلفق المشي وأهدى الا أن يكون من الكبر أو المرض بحيث لا يطيق الرجوع فيجزئه الهدى الا أن يكون الذي ركب يسيرا فيغنيه الهدي عن العودة.
ومن نذر المشي الى مسجد الرسول أو الأقصى لصلاة فيهما لزمه ومن نذر المشي الى مسجد الرسول أو الأقصى لصلاة فيهما لزمه ومن نذر ذبح ابنه في يمين أو على وجه القربة فدى عنه هديا وان نذره مجردا لم يلزمه ومن نذر هديا من مال غيره فلا شيء عليه ويلزمه نذر ماله فيهديه إن كان يهدي مثله أو يبيعه إن كان مما لا يهدي مثله ويصرف ثمنه في هدى.

(1/103)