التلقين في الفقة المالكي

كتاب الطلاق وأقسامه ومايتصل به
مدخل
...
كتاب الطلاق وأقسامه وما يتصل به
الطلاق ضربان كامل وناقص فالكامل طلاق الحر وهو ثلاث والناقص طلاق العبد وهو طلقتان.
والطلاق معتبر بالرجال دون النساء فإن أعتق العبد قبل إيقاع شيء منه كمل له وإن أعتق وقد أوقع بعضه لم يكمل له وبقي له بحساب طلاق العبد ثم كل واحد من كل الطلاقين نوعان رجعي وبائن فالرجعي ما دون الثلاث للحر والواحدة للعبد.
والبائن ضربان بائن مطلق وبائن في مقابلة الرجعي.
فالبائن المطلق طلاق غير المدخول بها وطلاق العنين والخلع والفسوخ كلها بائنه كالفسخ بالردة والملك والرضاع وغير ذلك.
والبائن في مقابلة الرجعي هو طلاق المدخول بها من غير عوض وهي ثلاثة للحر واثنتان للعبد مجتمعا كان أو متفرقا والرجعة ثابتة في الرجعي وفي الثلاثة يحرم العقد فلا تحل بنكاح ولا بملك إلا بثلاثة شروط أحدها أن تنكح زوجا غيره نكاحا جائزا والثاني أن يطأها وطئا مباحا في غير حيض ولا إحرام ولا صوم ولا غير ذلك ونكاح المحلل باطل وهو الذي يتزوجها لا لغرض إلا قصده إحلالها لمطلقها ولا اعتبار بقصدها والثالث أن تبين منه بطلاق أو فسح أو موت.
وينقسم الطلاق من وجه آخر إلى ضربين طلاق السنة وطلاق بدعه ويتفرعان إلى قسم ثالث وهو أن يعري بوصفه عن واحد منهما.
فطلاق السنة هو الواقع على الوجه الذي أباح الشرع إيقاعه عليه والسنة والبدعة يرجعان إلى أمرين إلى الوقت والعدد.
ولطلاق السنة ستة شروط:
أحدها: أن تكون المطلقة ممن تحيض مثلها.
والثاني أن تكون طاهرا غير حائض ولا نفساء.

(1/124)


والثالث: أن تكون في طهر لم تمس فيه.
والرابع: أن يكون الطهر تاليا لحيض لم تطلق فيه.
والخامس: أن يطلق واحدة.
والسادس: أن تترك ولا يتبعها طلاقا ومتى انخرم بعض هذه الأوصاف خرج الطلاق عن السنة ثم قد يكون للبدعة وهو أن يكون في حيض أو طهر مس فيه ثم طلق أو اثنتين أو ثلاثا أو واحدة مبتدأة ثم يتبع بتمام الثلاث فكل ذلك البدعه.
وأما من يتسأوى أوقاتها في جواز طلاقها فثلاث الصغيرة واليائسة والحامل البين حملها فطلاق هؤلاء لا يوصف بأنه للسنة ولا للبدعة من حيث الوقت ويوصف بذلك من حيث العدد.
وطلاق الحائض والنفساء محرم ويلزم إن وقع ويجبر المطلق على الرجعة فيما كان منه رجعيا ثم ليس له أن يطلق إلا أن تطهر من الحيضه الثانيه التاليه للحيضة التي طلق فيها فإن طلق في الطهر الذي يلي الحيضة التي طلق فيها كره له ذلك ولم يجبر على الارتجاع إن غفل عنه فإن اطلع عليه أجبر ما بقي شيء من العدة وقيل إلى الطهر الثاني وفي طلاق غير المدخول بها حائضا خلاف.
والمستحاضة كالطاهر ولا يلزم طلاق غير مكلف من صبي أو مجنون أو نائم أو مبرسم أو هاد في غمرة المرض أو مكره يخاف شدة

(1/125)


الضرب وسواء أكره على إيقاعه أو على الإقرار به والسكران خارج من هؤلاء فيلزم طلاقه.
وعقد الطلاق والعتق بشرط التزويج والملك يلزم على وجه ولا يلزم على آخر والوجه الذي يلزم عليه أن يبقى لنفسه معه بعض الجنس وذلك بثلاثة أوجه:
أحدها: أن يعين صفة من الجنس من نسب أو خلقة أو ما أشبه ذلك.
والثاني: أن يعين بلدا بعينه.
والثالث: أن يضرب أجلا يبلغه عمره.
والوجه الذي لا يلزم عليه أن نعم الجنس كله فلا يبقى لنفسه شيئا منه والطلاق على ضربين معجل ومؤجل.
فالمعجل هو المطلق الذي لا يناط به شرط أو صفة يقف وقوعه على حصولهما والآخر ما يتعلق على ذلك ثم ما يتعلق به خمسة أضرب.
الأول: صفة أو شرط يتوصل إلى حصولهما.
والثاني: أجل لا بد أن يأتي أو صفة لا بد أن تأتي.
والرابع: صفة يجوز مجيئها وامتناعها فيعلق الطلاق على أحد الجائزين فيها على وجه الحلف مع كونها غائبا.
والخامس: صفة لا يقصدها العقلاء كالهزل.
فإما الأول فمثل أن يقول إن دخلت الدار أو كلمت زيدا أو قدم غائبي أو ما أشبه ذلك فهذا تعليق الطلاق بوصف صحيح يمكن أن يكون ويمكن ان لا يكون فيقف الطلاق عليه.
والثاني هو ما لابد أن يأتي فينجز الطلاق معه في الحال كمجيء الشهر أو موت زيد غير أن هذا النوع على ضربين منها ما يمكن بقاء الحالف إلى مجيئه فيلزم كالشهر والسنة ومنه ما يعلم أنه يبلغه كقوله خمسمائة سنة وما أشبه ذلك ففيه خلاف فقيل لا يلزم وقيل يلزم في الحال.
وأما إن صرح بتعليق الطلاق بعد موته كقوله أنت طالق إن مت أو إذا مت فلا يلزمه ويتخرج فيها وجه آخر أنه يلزمه من طريق الهزل.
وأما الثالث فهو ما يغلب مجيئه كقوله: إذا حضت أو طهرت أو وضعت حملك ففيه روايتان إحداهما التنجيز في الحال والآخر الوقوف على مجيئ الصفة.

(1/126)


وأما الرابع فهو قوله أنت طالق إن لم تكون حاملا أو إن لم تمطر السماء غدا أو إن لم تكن في هذه اللوزة توأم فالظاهر أن الطلاق يقع وإن وجد ما حلف عليه.
وأما الخامسة فهو صفات الهزل كقوله إن لم يكن هذا الإنسان إنسانا وإن لم تكن الساعة نهارا أو ما أشبه ذلك فيقع الطلاق لأنه هزل.
وأما تعليق الطلاق بالمشيئة فإنه ينقسم إلى ثلاثة اقسام هي داخلة فيما قدمناه.
أحدها: الاستثناء بمشيئة الله تعالى واشتراطها.
والآخر: اشتراط مشيئة زيد أو غيره.
والثالث: تعليقه بمشيئة من لا تصح مشيئته كالحجر والحمار والمجنون والطفل فأما مشيئة الله تعالى فإن الطلاق لا يقف عليها ويقع الطلاق في الحال سواء أطلق أو كان في يمين وهذا إذا أعاد الاستثناء إلى الطلاق فإن عاد إلى الفعل المحلوف عليه فيه خلاف وأما مشيئة زيد فإن الطلاق يقف عليها ولا يقع دون حصولها وأما مشيئة من لا تصح مشيئة كالشاة والبقر والحمار والحجر فعند ابن القاسم لا يلزمه الطلاق ويلزمه عند سحنون وغيره.
ويجوز استثناء العدد من الطلاق من غير اعتبار لكون الاستثناء اكثر من المبقي أو أقل ويلزمه المبقى وإن لم يبق شيئا كان رجوعا ولزم طلاقه وفي وقوع الطلاق بمجرد عقد القلب خلاف.

(1/127)


فصل في صيغ الطلاق
والفاظ الطلاق أربعة:
أحدها: صريح وهو ما تضمن ذكر الطلاق مثل قوله: أنت طالق أو أنت الطلاق أو مطلقة أو طلقتك أو ما أشبه ذلك.
وكنايات ظاهرة كقوله: أنت خلية أو برية وبتة وبائن وحرام وحبلك على غاربك فهذه جارية مجرى الصريح لا يقبل منه أنه لم يرد الطلاق وهي في المدخول بها ثلاث لا يقبل منه أنه أراد دونها إلا أن يكون على وجه الخلع ويقبل دعواه في غير المدخول بها وفي ألبتة خلاف قيل أنها ثلاث لا يقبل دعواه دونها بوجه.

(1/128)


وأما اعتدى فيقبل منه ما أراده من أعداد الطلاق وإن قال لم أرد طلاقا فإن كان قد تقدم كلام يجوز صرفه إليه قبل منه وإن كان ابتداء كان طلاقا.
وأما خليتك وفارقتك وسرحتك فدعواه ما دون الثلاث مختلف فيه والصحيح أنه لا يقبل منه. والثالث: هو الكناية المحتملة كقوله اذهبي وانطلقي وانصرفي وأغربي وما أشبه ذلك فيقبل منه ما يدعيه من أرادة الطلاق أو غيره أو الثلاث فدونها.
والرابع: هو الطلاق بغير الفاظه كقوله اسقي ماء أو أشبه ذلك ففي وقوع الطلاق به خلاف. وتبعيض الطلاق كتكميله وكذلك المطلقة بعضها جزءا أو عضوا.
وإذا كتب الطلاق بيده قاصدا التطليق به لزمه وإن كتبه مرويا لم يلزمه وإذا قال أنت طالق قبل قوله فيما أراد به فإن لم يرد شيئا كان واحدة.
ولا يهدم الزوج الثاني ما دون الثلاث وإذا شك في مراده بلفظ الطلاق وفي أعداده كان ثلاثا فإن خرجت من العدة وهو على شكه فأي وقت تزوجها ثم طلقها واحدة لم تحل له إلا بعد زوج وفي تحليلها له بعد ثلاث أنكحة خلاف وإذا حلف بالطلاق على شيء فطلقها ثم تزوجها عادت اليمين عليه ما بقى من الطلاق المحلوق به شيء.

(1/129)


والرجعة بوجهين بالقول وبالاستمتاع بالوطء فما دونه مع القصد به الارتجاع وفسخ النكاح ضربان بطلاق وبغير طلاق ويتصور فائدة الفرق في نقصان عدد الطلاق إذا عد طلاقا وفي تعليل الفرق روايتان:
إحداهما أن الطلاق معتبر فيما فيه خلاف ولا يعتبر فيما لا خلاف فيه.
والثانيه: اعتبار الغلبة وعدمها ففي الغلبة يكون الفسخ بغير طلاق كالرضاع والملك والرده وفي غير الغلبة وهي ما لو شاء الزوجان المقام مع الحال الموجبة للفسخ لكان لهما ذلك فإن الفسخ يكون بطلاق وذلك كالفسخ بالعنة وبإيلاء وبإعسار المهر والنفقة وخيار المعتقة وما أشبه ذلك.
ولا يقبل في الشهادة على الإطلاق إلا الرجال وإذا اختلفا في الزمان أو المكان وكانت الشهادة على قول لزم الطلاق وإن كانت على فعل في يمين حلف بها لم يلزمه دون أن يتفقا على صفته ولا يجب كمال المهر بالخلوة دون المسيس والقول قولها عند التداعي على ظاهر المذهب.
وإذا أعتقت الأمة تحت العبد فلها الخيار في أن تثبت معه أو تفارقه ولا خيار لها تحت الحر.
فصل
والخلع جائز
وهو طلاق وصفته أن يوقع الطلاق بعوض يأخذه من الزوجة أو مس يبذله عنها ثم له ثلاثة أحوال حال يحرم معها العوض وحال يكره وحال يباح ولا يكره.
فأما الحال التي يحرم معه فيرجع إلى أمرين: أحدهما: يرجع إليه والآخر: إلى العوض فأما الراجع إليه فأن يكون مضرا بها مؤذيا لها مسيئا إليها فتبذل له العوض للتخلص من ظلمه وتطلب الراحة من أذيته فهذا ينفذ طلاقه ويرد العوض.

(1/130)


والآخر أن يكون العوض خمرا أو خنزيرا أو ما لا يصلح تملكه فإن الطلاق يلزمه ولا شيء له عليه. وأما الحال التي تكره فأن يقطع منها ما يعلم أنه تستضر به إلا أنه لا يلزمه ولا يمكنها المقام معه فيكره له.
وأما المباح فأن يكون إيثار الفرقة من قبلها أو باختيارها دون الزوج وطلاق الخلع بائن لا رجعة فيه ولا يلحقه إرداف إلا أن يكون متصلا به من غير تراخ فيكون كلفظ الواحد وله أن ينكحها في العدة ولا نفقة لها ولا توارث بينهما.

(1/131)


باب الحكمين
وإذا قبح ما بين الزوجين وظهر الشقاق فإن علم الإضرار من أحدهما أمر بإزالته وإن انغلق الأمر فيه بعث الحاكم حكمين ويختار أحدهما من أهل الرجل والآخر من أهل المرأة فقيهين عدلين ينظران ويجتهدان ويعملان على ما يريانه صلاحا للفريقين من إصلاح أو تفريق من غير اعتبار برضا الزوجين ولا بموافقة حاكم البلد أو مخالفته.
فصل
وللرجل أن يجعل إلى المرأة طلاقها وذلك على والجهين:
أحدهما: أن يوكلها.
والآخر أن يملكها ففي التوكيل له أن يرجع ما لم تطلق نفسها وفي التمليك ليس له ذلك إلا أن تبطل تملكها.
والتمليك على وجهين: تمليك تفويض وتمليك تخيير وهو الخيار على ما ذكره فأما تمليك التفويض فهو أن يقول قد ملكت أمرك أو أمرك بيدك أو طلاقك بيدك أو ما أشبه ذلك ثم لا يخلو حالها من خمسة أقسام أما أن تجيب بصريح يفهم عنها مرادها منه أو أن تجيب بلفظ مبهم يحتمل الإيقاع وغيره أو أن تفعل ما يدل على مرادها أو ان ترد فتقول قد اخترتك ولا حاجة لي إلى التمليك أو أن تمسك ولا يظهر منها جواب ولا ما يدل على مرادها.
فأما الأول فهو أن تجيب بصريح فإنه يعمل عليه ثم لا يخلو من أمرين: إما أن تطلق واحدة أو زيادة عليها ففي الواحدة لا مناكرة له فيها وفيما زاد عليها

(1/131)


له المناكرة وذلك بأربعة شروط:
أحدها: أن ينكر حين سماعه من غير سكوت ولا إمهال وإن سكت عن ذلك ثم أنكر من بعد لم يقبل منه.
والآخر: أن يقر بأنه أراد بتمليكه الطلاق وتكون مناكرته في عدده فإن نفى أن يكون أراد طلاقا لم يقبل منه ويقع ما أوقعته ثم إن ادعى بعد ذلك أنه أراد دون ما قضت به قبل منه عند مالك مع يمينه وقال غيره من أصحابه لا يقبل منه لاعترافه بأنه لم تكن له نية طلاق.
والثالث: أن يدعي أنه نوى واحدة أو اثنتين في حال تمليكه إياها فإن قال لم تكن لي نية لم تكن له مناكرة.
والرابع: أن يكون تمليكه طوعا فإن كان بشرط شرط عليه لم تكن له المناكرة.
فأما القسم الثاني وهو أن تجيب بلفظ مبهم كقولها قبلت أمري أو قبلت ما ملكتني أو قبلت بهما فإنها تسأل عن مرادها فإن قالت أردت البقاء على الزوجية قبل منها وبطل تمليكها وإن قالت أردت طلاقا قبل منها وكان علي ما تقدم وإن قالت أردت بالقبول تقبل ما ملكنيه دون رده وإسقاطه وتأخير إنجازه لأنظر وأرى قبل منها وأخذت الآن بالتخيير من إيقاع أو رد.
وأما الثالث: فهو أن تفعل ما يدل على مرادها مثل أن تنتقل وتنقل قماشها وتنفرد عنه ويظهر من فعلها ما يدل على سرورها بالبعد منه وزوال سلطانه عنها فيحمل ذلك منها على الطلاق ولا يقبل منها إن قالت لم أرده.

(1/132)


وأما الرابع: وهو أن ترد وتصرح باختيارها لزوجها فيقبل منها ويسقط تمليكها وتعود إلى ما كانت.
وأما الخامس: فهو أن تمسك عن جواب أو فعل يقوم مقامه حتى يفترقا أو يطول بهما المجلس طولا يخرج عن أن يكون ما يأتي به جوابا ففيه روايتان:
إحداهما: إبطال حقها من التملك والأخرى: بقاؤه وأخذها بموجبه من تطليق أورد فإن فعلت وإلا رفعت إلى الحاكم ليحكم عليها بسقوط التمليك واختلاف القول فيه لاختلاف ما بني عليه فعلى الأول يكون حكمه حكم العقود التي تبطل بتراخي الجواب وعلى الثانية حكمه حكم التمليكات كخيار العتق وفي طول المجلس بها أيضا خلاف بين أصحابنا.
وأما تمليك التخيير فهو على ضربين: تخيير مطلق وتخيير مقيد فأما المقيد فهو أن يخيرها في عدد بعينه من أعداد الطلاق فيقول لهل اختاريني أو اختاري طلقة أو طلقتين فليس لها أن تختار زيادة على ما جعل لها.
والمطلق هو التخيير في النفس وهو أن يقول لها اختاريني أو اختاري نفسك فهذا يقتضي اختيار ما تنقطع به العصمة وهو الثلاث وإن قالت اخترت واحدة أو اثنتين لم يكن ذلك لها وبطل خيارها فإن قالت اخترت نفسي كانت ثلاثا ولا يقبل منها إن يكون فسرته بما دونه.
فصل
والمولى مخاطب بأحد أمرين إما بالفيء أو بالطلاق.
والإيلاء الشرعي هو الذي يلزم فيه الوقف وهو أن يحلف بيمين يلزم بالحنث فيها حكم على ترك وطء زوجته أو ما يتضمن ترك الوطء زيادة على أربعة أشهر أو بمدة مؤثرة حرة كانت أو أمة مسلمة كانت أو كتابية فإن انحرم بعض ذلك لم يكن إيلاء يلزم به الوقف ويضرب له أجل أربعة أشهر من يوم حلف ويمكن منها فإن فاء فيها سقط عنه حكم الإيلاء وإن مضت ولم يفيء أوقف فإما

(1/133)


فاء وإما طلق ولا يلزمه طلاق بنفس مضى الأجل وهذا إذا قصد الحلف على ترك الوطء.
فإما إن حلف على غيره مما يمنع الوطء إلا بعد بره أو فعل موجبة فإنه يصير موليا بالحكم ويضرب له الأجل حين يحكم عليه ومن ترك الوطء مضارا وعرف ذلك منه وطالبت به المرأة كان حكمه حكم المولي بيمين وأجله حين الحكم.
فصل
والظهار محرم وقول زور ومنكر وحقيقتة تشبيه محللة له بنكاح أو ملك بمحرمة عليه تحريما مؤبدا بنسب أو رضاع أو صهر والشبيه على أربعة أضرب تشبيه جملة بجملة كقوله أنت علي كأمي وتشبيه جملة ببعض كقوله أنت علي كظهر أمي وتشبيه بعض جملة بجملة كقوله فرجك علي كأمي وتشبيه بعض ببعض مثل أن يشبه بعض زوجته ببعض أمه وفي التشبيه بمحرمة عليه على غير التأبيد خلاف قيل هو ظهار وقيل هو طلاق.
ويحرم بالظهار الوطء وجميع أنواع الاستمتاع.
ولا تجب الكفارة فيه إلا بالعود وهو العزم على الوطء والكفارة ثلاثة أنواع مرتبة إعتاق ثم صيام ثم إطعامز
فالإعتاق تحرير رقبة مؤمنة سليمة من العيوب والصوم صيام شهرين متتابعين والإطعام أن يطعم ستين مسكينا مسكيننا مدا لكل مسكين بمد هشام.
ولا يجوز أن يطأ قبل التكفير ولا في خلال الكفارة ويكفر العبد بما سوى الإعتاق.
فصل
واللعان بين كل زوجين حرين أو عبدين عدلين أو فاسقين وهو موضوع لشيئين رفع النسب وسقوط حد في القذف ويجب بثلاثة أوجه:
أحدها: أن يدعي أنه رأي امرأته زنت ويصف ذلك كما يصف الشهود على الزنا وفي اللعان بمجرد قذفها خلاف ومن شروط الالتعان بغير الرؤية ألا يطأ بعدها.
والثاني: أن يستبري ثم لا يطأ حتى يظهر الحمل:
والثالث أن يقول لم أطأها أصلا.

(1/134)


ويتعلق باللعان أربعة أحكام سقوط الحد ونفي السبب وقطع النكاح وتأبيد التحريم فأما سقوط الحد عن الزوج فمتعلق بإلتعانه وحده وكذلك نفي النسب وأما سقوط الحد عن المرأة فمتعلق بإلتعانها وأما الفرقة فمتعلقة بإلتعانهما معا.
وتأبيد التحريم يتبع الفرقة وهي واقفة بنفس فراغهما من اللعان من غير حاجة إلى حكم حاكم. ويلتعن في النكاح الفاسد ولا يرتفع التحريم بإكذابه نفسه.
وصفة اللعان أن يشهد الرجل أربع شهادات بالله لقد زنت ولقد رآها تزنى على الصفة المشترطة ويخمس بأن يقول والإ فلعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ثم تلتعن هي فتشهد أربع شهادات بالله بنقيض ما شهد به وتخمس بأن تقول والإ فغضب الله عليها إن كان من الصادقين.
فإن استلحق النسب بعد الالتعان حد ولحق به الولد ويلاعن الأخرس منها بما يفهم عنه من اشارة أو كتابه ويلاعن الأعمى في نفي النسب وفي القذف خلاف وإذا تصادقا على نفي النسب أو الزنا ففي الاكتفاء بذلك من اللعان خلاف.

(1/135)


باب العدة والاستبراء وما يتعلق بهما
يوجب العدة شيئان طلاق وما في معناه من فسخ والآخر الموت والعدة في غير الموت لا تكون إلا في مدخول بها وأنواع العدة ثلاثة أضرب أقراء ووضع حمل وشهور ثم هي على ضربين منها ما يشترط فيه الطلاق والموت وهو وضع الحمل ومنها ما يشتركان في جنسه دون تعينه وهو الإقراء والشهور على ما نبين تفصيله.
والإقراء ثلاثة هي الأطهار وإذا طلقت في آخر الطهر مخاصت عقيب الطلاق بجزء من الطهر كان ذلك قرءا كاملا وتحل المطلقة بالدخول في دم الحيض الثالثه وعقدة الإمة قرءان وتحل بالدخول في دم الحيض الثانيه وأما وضع الحمل فيستوي فيه جميع المعتدات من الحرائر والإماء المسلمات والكتابيات وفي الأسباب الموجبة له من الطلاق والفسخ والشبهة والموت.

(1/135)


ولا تنقضي العدة الإ بوضع جميعه وسواء كان علقة أو مضغة من غير مراعاة لتمام الخلق أو لتخطيطه فأما العدة بالشهور ففي الطلاق والفسخ بثلاثة أشهر فإن ابتدأت من أول الشهر فعلى ما يكون عليه من تمام أو نقصان وإن ابتدأت من بعضه كمل أوله بالحساب فتجلس بقيته من يوم وجبت العدة وجبت العدة ثم تعتد الشهرين بعده ثم تتم باقي الأول بالعدد المكمل وإن طلقت في بعض يوم حسبت العدة من ذلك الوقت إليه وقيل تلغيه وتحسبه من غده وهذا النوع من الاعتداد في المدخول بها المطيقة للوطء إلا أنها لم تحض لصغر أو ليأس منه من كبر ويستوي فيه الإماء والحرائر المسلمات والكوافر.
وأما عدة الوفاة لغير الحامل فللحرة أربعة أشهر وعشر ليال صغيرة كانت أو كبيرة مدخولة بها أو غير مدخول بها لا يفترقان إلا في الحاجة إلى الحيض

(1/136)


فالمدخول بها لا بد لها من حيضة أما في أثناء العدة أو بعدها إلى غالب مدة الحمل وغير المدخول بها لا تحتاج إلى حيض.
وعدة الأمة شهران وخمس ليال وفي عدة الكتابية من الوفاة روايتان:
إحداهما: أنها كالمسلمة.
والأخرى: استبرأ رحمها.
والمرتابة هي التي ترتفع حيضتها من غير إيياس ولا يخلو ذلك أن يكون لعارض يعلم بالعادة تأثيره في رفعه كالرضاع والمرض أو لغير عارض فإن كان لرضاع فلا يبرئها إلا الحيض طال بها الوقت أم قصر وفي المرض خلاف.
وأما إن كان لغير عارض معلوم فإنها تنتظر تسعة أشهر فإن حاضت في خلالها حسبت ما مضى قرءا ثم تنتظر القرء الثاني فإن حاضت وإلا انتظرت تمام تسعة أشهر فإن مضت تسعة أشهر ولم تحض اعتدت بثلاثة أشهر فيكون الكل سنة.
فإن حاضت قبل انقضاء السنة ولو بساعة استقبلت الحيض فإن مضت السنة انقضت عدتها ولا تنظر إلى حيضتها بعدها ولو بساعة.
وفي عدة المستحاضة من الطلاق روايتان إحداهما سنة والآخر العمل على التمييز.
وفي الوفاة روايتان: إحداهما تسعة أشهر والأخرى أربعة أشهر وعشرا كغير المستحاضه وعدة أم الولد من وفاة سيدها حيضة أو ثلاثة أشهر إن كانت يائسة والحيضة استبراء في الحقيقة لا عدة وإذا مات عن الرجعية انتقلت إلى عدة الوفاة والبائن تمضي على عدتها.
والمعتقة في العدة تمضي في عدتها ولا تنتقل إلى عدة الحرة إلا أن يموت عنها بعد أن تعتق من طلاق رجعي فتنتقل إلى عدة الوفاة وكل رجعة تهدم العدة إلا رجعة المولى والمعسر بالنفقة فإنهما يقفان على الفيء واليسار وإذا تزوجت في العدة ووطئها الثاني ففي تداخل العدتين روايتان ولا إحداد على مطلقة والإحداد على كل زوجة مات زوجها عنها.
والإحداد هو الامتناع من الزينة والحلي كله والطيب ولباس المصبغ ومن الكحل والحناء والامتشاط بما يختمر في الرأس الإ للضرورة.
ولا إحداد على ملك اليمين ولا يجوز لمعتدة من وفاة أو طلاق أن تنتقل عن بيتها الذي كانت فيه حتى تنقضي عدتها الإ من ضرورة.

(1/137)


فصل
وللرجعية النفقة والسكنى حاملا أو حائلا حتى تنقضي عدتها وللمبتوتة السكنى ولا نفقة لها إلا أن تكون حاملا ولا نفقة للملاعنة حاملا كانت أو حائلا ولا للمعتدة من وفاة ولها السكنى إن كانت الدار للميت يملك رقبتها أو سكناها.
وعلى المرأة إرضاع ولدها ما دامت زوجة لأبيه الإأن يكون مثلها لا ترضع إما لشرف أو علو قدر أو لسقم أو قلة لبن فيكون على الأب أن يسترضع له من ماله وليس ذلك عليه إذا طلقت إلا بأجره والمتوفي عنها إذا وضعت فرضاعها من مال الصبي.
فصل
وعلى الرجل نفقة ولده الصغير إذا كان فقيرا وإذا بلغ الابن سقطت نفقته إلا أن يكون مجنونا أو زمنا لا مال له فإن وجوب النفقة مستدام على الأب ولا تسقط نفقة البنت وإن بلغت حتى يدخل بها زوجها ولا نفقة على الأم لولدها وعلى الولد الموسر أن ينفق على أبويه المعسرين ولا نفقة لجد ولا لجدة ولا عليهما لولد ولدهما ولا على سوى من ذكرنا من الأقارب.
وإذا طلق امرأته فالحضانة للأم فإن تزوجت ودخل بها زوجها انقطع حقها من الحضانة وانتقل إلى أمها إن كانت لا زوج لها إلا أن يكون زوجها جد الطفل ثم بعد الجدة إلى الخاله فإن لم يوجد من جهة الأم أحد انتقلت إلى جهة الأب أمة وأخته.
والحضانة للغلام إلى البلوغ وللجارية إلى أن تنكح ويدخل بها زوجها وليس للأب أن يسافر بولده الصغير إلا أن يكون خروج انتقال.

(1/138)


فصل
ومن ملك أمة حاملا لم يكن له وطئها ولا التلذذ بها حتى تضع فإن كانت حائلا فحتى تحيض حيضة أو يمر بها ثلاثة أشهر إن كانت ممن لا تحيض أو تسعة أشهر إن ارتابت وإن كانت معتدة فحتى تخرج من عدتها وليس عليه استبراء فيمن لا يوطء مثلها ولا فيمن يعلم براءة رحمها ولا يجوز لمن وطء أمة أن يبيعها قبل أن يستبرئها ولا يجوز للمشتري أيضا وطئها حتى يستبرئها وإن اتفقا على استبراء واحد جاز.

(1/139)


باب الرضاع
والرضاع يوجب التحريم وينشر حرمة بين المرضع والمرضعة وبين زوجها الذي له اللبن وللتحريم الرضاع ستة شروط:
أحدها: وصول اللبن من المرضعة إلى حلق الرضيع أو جوفه من أي المنافذ كان من فم أو سعوط كان بإرضاع أو وجور قليلا أو كثيرا.
والثاني: ان يكون من أنثى بكرا كانت أو ثيبا موطوءة أو غير موطوءة فأما لو در لبن فأرضع به طفلا لم يحرم به تحريم الرضاع.
والثالث: أن ذلك مقصور على الأدميات لو ارتضع طفلان من لبن بهيمة لم يثبت بينهما إخوة الرضاع.
والرابع: أن يكون في الحولين أو زيادة عليها بالأيام اليسيرة دون ما زاد على ذلك.

(1/139)


والخامس: أن يكون المرضع محتاجا إلى اللبن فاما لو فصل قبل الحولين واستغنى بالطعام مدة بينة ثم أرضع لم يحرم وإن كان في الحولين.
والسادس: أن يكون إما منفردا بنفسه وإما مختلطا بما لم يستهلك فيه فأما إن خاطها ما أستهلك فيه من طبيخ أو دواء أو غير ذلك فلا يحرم عند أصحابنا وليس من شرطه أن تكون المرضعة حية ويحرم لبن الفحل كالذى له امرأتان ترضع إحداهما صبيا والأخرى صبيه وتسافر المراة مع مرضعها وكل من حرم بالولادة حرم بالرضاع.
تم الجزء الأول ويليه الجزء الثاني
وأوله كتاب البيوع

(1/140)