التلقين
في الفقة المالكي الجزء الثاني
كتاب البيوع
...
كتاب البيوع
كل بيع فالأصل فيه الجوار إلا ما تعلق به ضرب
من ضروب المنع.
وفساد البيع يكون بوجوه:
منها: ما يرجع إلى المبيع.
ومنها: ما يرجع إلى الثمن.
ومنها: ما يرجع إلى المتعاقدين.
ومنها: ما يرجع إلى صفة العقد.
ومنها: ما يرجع إلى الحال التي وقع فيه العقد
وربما انفرد بعض هذه الأقسام بنفسه وربما
تداخلت أما ما يرجع إلى المبيع فبكونه مما لا
يصح بيعه وذلك كبيع الحر والخمر والخنزير في
حق المسلم وبيع النجاسات وما لا منفعة فيه
كخشاش الأرض والكلاب واختلف فيما يجوز
الانتفاع به منها.
(2/141)
وأما ما يرجع
إلى الثمن فبكونه مما لا تصح المعأوضة بجنسه
ويرجع ذلك إلى أنه لا يصح بيعه.
وأما ما يرجع إلى المتعاقدين فمثل أن يكونا أو
إحداهما ممن لا يصح عقده كالصغير والمجنون أو
غير عالم بالبيع أو محجور عليه والحجر يؤثر في
منع البيع تارة وفي وقفه أخرى وأما ما يرجع
إلى صفة العقد فضروب منها الربا ووجوهه ومنها
الغرر وأبوابه ومنها المزابنة والبيع والسلف
وغير ذلك مما نذكره مفصلا.
فصل
المبيعات ثلاثة أنواع عين حاضرة مرئية وعين
غائبة عن المتعاقدين فيجوز بيعها بالصفة ويجب
أن تحصر بالصفات المقصودة التي تختلف الأثمان
باختلافها وثقل الرغبة وتكثر لأجلها ولا يكتفي
بذكر الجنس والنوع فقط ولا يجوز بيعها بغير
صفة إلا أن يكون على رؤية متقدمة من وقت لا
تتغير في مثله إلى وقت العقد ولا خيار للمبتاع
إذا جاءت على الصفة أو على ما يعرف من الرؤية
إلا أن يشترطه وله الخيار إن جاءت على دون
الصفة وضمانها من البائع إلا أن يشترطه على
المشتري في ظاهر المذهب ويجوز النقد فيه بغير
شرط فإن كان بشرط فسد البيع إلا في المأمون
كالعقار ونحو ذلك كبيع الأعدال على البرنامج
فإنه جائز إذا تبين ما تضمنه برنامجه فإن وافق
الصفة لزم.
والنوع الثالث هو السلم في الذمة وهو جائز في
كل ما تحصره الصفة على ما نذكره.
فصل
والبيع جائز منجزا أو بشرط الخيار والخيار
يثبت في البيع بأمرين أحدهما بمقتضى العقد
والآخر بالشرط.
فالأول ضربان أحدهما أن يخرج المبيع على خلاف
ما دخل عليه وذلك بأن يخالف ما شرطه من الصفة
أو بأن يوجد به عيب.
والآخر مختلف فيه وهو ان تكون فيه مغابنة
خارجة عن حد ما يتغابن الناس بمثله فقيل أن
البيع لازم ولا خيار وقيل للمغبون الخيار إذا
دخل على بيع الناس المعتاد.
(2/142)
فأما خيار
الشرط فلا يثبت بمقتضى العقد وإنما يثبت
بالشرط وليس خيار المجلس من مقتضى العقد ومجرد
القول المطلق كاف في لزومه ويجوز شرط الخيار
لمن شرطه من المتعاقدين أولهما ثم لمن ثبت له
ان يمضي أو يفسخ ولا حد في مدته إلا قدر ما
يختبر المبيع في مثله وذلك يختلف باختلاف
أنواع المبيعات فإن عينا مدة تحتمل ذلك جاز
وإن أطلقا ضرب خيار المثل وإذا اختلفا في الرد
والإمضاء فالقول قول مختار الرد ويقوم الوارث
فيه مقام الموروث.
ويحكم بالإمضاء في كل تصرف يفعله المالك في
ملك لا يحتاج في اختيار المبيع إليه وذلك
كالوطء والاستمتاع بما دونه والإعتاق والتدبير
والكتابة وتزويج الأمة والعبد وغير ذلك مما في
معناه وتلفه من البائع إن كان في يده أو في يد
غيرهما ومن المشتري إن كان في يده وكان مما
يغاب عليه.
فصل
بيع الربا غير جائز والربا ضربان تفاضل ونساء
فالتفاضل على وجهين تفاضل في العين وتفاضل في
القيمة فالتفاضل في العين يحرم في جنسين
أحدهما الجنس الواحد من المقتات المدخر وما في
معناه مما يصلح للأقوات وذلك في المسميات
الأربع التي نص عليها الرسول عليه السلام وهي
الحنطة والشعير والتمر والملح ويلحق بها ما في
معناها كالأرز والدخن والذرة والسمسم والقطاني
كالفول واللوبيا والعدس والحمص وكذلك اللحوم
والألبان والخلول والزيوت وأثمار كالعنب
والزبيب والزيتون واختلف في التين ويلحق بها
العسل والسكر ولا يحرم التفاضل في الماء كله
ولا في رطب الفواكه التي لا تبقى كالتفاح
والبطيخ والرمان والكمثرى
(2/143)
والقثاء
والخيار والباذنجان وغير ذلك من الخضروات ولا
فيما يدخر من الفواكه للأدوية كالمشمش والإجاص
أو على وجه الخصوص والندور كالخوخ وغيره.
وكل مسمى مما يحرم التفاضل فيه فإنه صنف منفرد
بنفسه لا يضم إليه سوى أنواعه إلا الحنطة
والشعير والسلت فإنها كصنف واحد واختلف قوله
في القطنية واللحوم ثلاثة أصناف لحوم ذوات
الأربع من الانعام والوحش صنف ولحوم الطير
كلها صنف ولحوم دواب الماء صنف وقيل الجراد
صنف رابع والجنس الآخر مما يحرم التفاضل في
عينه هو الذهب والفضة على اختلاف صفاتها من
تبر ومضروب ومهمل ومصوغ فلا يجوز التفاضل في
الجنس الواحد منه بجنسه وما غيرته الصنعة من
المأكول صار كجنس آخر فيجوز التفاضل بينه وبين
ما بقى على صفته وذلك كالحنطة والدقيق والعجين
بخبزها واللحم النيئ بمطبوخه والرطب والتمر
والزبيب بخلها.
وأما التفاضل في المعنى فمثل صاع معقلي وصاع
دقل بصاعين برني لأن المعقلي أعلى من البرني
والدقل أدون منه والبرني وسط بينهما وكل ما
حرم التفاضل فيه جاز البيع فيه مع التماثل
والجهل بالتماثل في المنع كتحقق التفاضل.
(2/144)
فأما النساء
فهو على ضربين أحدهما معلل بتفاضل في جنس واحد
فكل جنس من أجناس المملوكات المتمولات فإن
التفاضل فيه حرام لا يجوز بوجه كان مما يحوز
التفاضل في نقده أو يحرم والجنسية المعتبرة
فيما لا يحرم التفاضل في نقده اختلاف الأغراض
والمنافع دون الخلق والألوان.
والضرب الآخر: المطعومات والنقود فلا يجوز
مطعوم بمطعوم نساء على وجه لا متفاضلا ولا
متماثلا لا من جنسه ولا من خلافه وكذلك النقود
لا يجوز ذهب بذهب ولا فضة بفضة ولا أحدهما
بالآخر نساء على الوجه الذي لا يجوز نقدا ولا
على خلافه.
فصل
والمزابنة يجمعها بيع معلوم بمجهول من جنسه
كالرطب بالتمر والعنب بالزبيب ورطب كل ثمرة
بيابسها أو حب كالحنطة المبلولة بيابسها
والدقيق
(2/145)
بالعجين والحي
الذي يراد للحم كالكبير باللحم من جنسه
والمشوي بالنيئ والمالح بالطري والسمسم
بالشيرج وما أشبه ذلك وهذا فيما نقده الربا.
ومنها بيع مجهول بمجهول من جنسه كصبرة بصبرة
وجزاف بجزاف وثمرة نخلة بثمرة نخلة أخرى.
فأما فيما يجوز التفاضل في نقده فإن تحققت
الزيادة جاز وإن لم تتحقق دخله الحظر ويجوز
الرطب بالرطب متماثلا وكذلك اللبن باللبن
وقسمة اللحم والبيض على التحري جائز.
فصل
والأعيان المبيعة ضربان طعام وغير طعام فغير
طعام والشراب من سائر المبيعات من العروض
والعبيد والحيوان والعقار وما ينقل ويحول أو
لا ينقل ولا يحول فبيعه جائز قبل قبضه في
الجملة ما لم يعرض فيه ما يمنع منه.
وأما الطعام فلا يجوز فيما تعلق به حق توفية
من كيل أو وزن أو عدد أن يباع قبل قبضة أو
يعاوض عليه إلا أن يكون على غير وجه المعاوضة
كالهبة والصدقة أو على وجه المعروف كالقروض
والبدل فيجوز ثم لا يجوز لمن صار إليه ذلك أن
يعاوض عليه قبل قبضه ويجوز فيه إلا حالة
والشركة والتولية قبل قبضه وما أبيح منه جزافا
أو مصبرا فبيعه جائز قبل نقه إذا خلى البائع
بينه وبينه وكل مبيع هلك قبل قبضه فهو من
المشتري إن كان متعينا متميزا وإن كان مما يجب
فيه حق توفية فهو من البائع وبيع الطعام وسائر
المكيلات جزافا جائز في الغرائز وصبر على
الأرض وكذلك العروض المكيلة والموزونة كالجص
والنورة والقطن وغير ذلك.
(2/146)
ولا يجوز فيما
يعظم الغرر فيه كالعبيد والحيوان والثياب
والجواهر ومن شرط جواز بيع الجزاف تسأوى
المتعاقدين في الجهل بمقداره ولا يجوز مع علم
بائعه به ويكون للمشتري الخيار ولو دخل على
الرضى بذلك لم يجز ويجوز تصديق المشتري للبائع
في كيله إن كان بنقد ويكره في النساء.
فصل
بيع الثمار بعد بدو صلاحها جائز مطلقا وبشرط
التبقية والقطع وإطلاقها يقتضي التبقية فأما
قبل البدو فيجوز بشرط القطع ولا يجوز مطلقا
ولا بشرط التبقية وبدو الصلاح يختلف باختلاف
أنواعها ففي النخل باحمرار البسر أو اصفراره
وفي العنب بأن يسود أو تدور الحلأوة فيه وفي
الفواكه كلها والبقول بإطعامها وتمام بناتها
وكل صنف يعتبر طيبه بنفسه لا بغيره وبيع
المقاثي والمباطخ جائز يبدو صلاح أوله وإن لم
يظهر ما بعده وكذلك الأصول المغيبة في الأرض
كالبصل والجزر والفجل وكذلك الورد والياسمين
إذا انتفع به ويكون للمشتري إلى آخر إبانة
وكذلك الموز إذا ضرب فيه أجلا.
ولا يجوز شراء الكتان إذا استثنى البائع حبه
ولا القرط واستثنى برسيمه إلا حال يبسه ولا
يجوز بيع الحنطة في سنبلها ويجوز بيع السنبل
على حدته ويجوز بيع الجوز والباقلا في قشره
الأعلى ومن باع أصل نخل
(2/147)
وفيها ثمر
مؤبرة فالثمر للبائع إلا أن يشترطه المبتاع
فإن كان غير مؤبرة فهو للمبتاع بالعقد من غير
شرط فإن كان بعضه مؤبرا وبعضه غير مؤبر فإن
كانا متسأويين فالمؤبر للبائع وغير المؤبر
للمشتري.
فإن كانا متزايدين فقيل هما كالمتسأويين وقيل
الأقل تبع الأكثر وفي سائر الشجر بانعقاد
الثمر ويبسها يجري مجرى الإبار في النخل
والزرع الصغير إذا لم يظهر إذا بيعت الأرض
وسكت عنه فقيل للبائع وقيل للمبتاع وبيع
الثمار على رؤوس النخل جائز فإن استثنى بعضها
فعلى وجهين إن كان جزافا جاز على الإطلاق في
القليل والكثير وإن كان كيلا جاز في الثلث
فدونه.
واستثناء الجلد والسواقط في الشاة المبيعة
جائز حيث تقل قيمتها ويخف خطرها ولا يجوز إذا
كان لقيمتها بال.
فصل
والعرية جائزة وهي هبة ثمرة نخلة أو نخلات ولا
يجوز لمن أعريها بيعها حتى يبدو صلاحها ثم له
بيعها لمن شاء بالذهب والورق ومن معريها خاصة
بخرصها تمرا وذلك بثلاثة شروط:
أحدها: أن يدفعها إليه عند الجذاذ فإن شرط
أنها حالة لم يجز.
والثاني: أن يكون في خمسة أوسق فدون فإن زاد
على ذلك لم يجز.
والثالث: أنه مقصور على معريها دون غيره وهي
في كل ثمرة تيبس وتدخر.
(2/148)
فصل
والجوائح موضوع إذا أتت على ثلث مكيلة الثمرة
فصاعدا ولا توضع فيما قصر عنه وتكون من
مشتريها وذلك مع الحاجة إلى تبقيتها في رؤوس
النخل والشجر والبرد والثلج والريح والجراد
والعفن والترتيب كل ذلك جائحة واختلف في
العسكر والصحيح في البقول أنها كالثمرة.
فصل
وقد بينا تحريم التفاضل في الجنس الواحد من
الذهب والفضة بجنسه وأن اختلاف الصفات غير
مؤثر في ذلك.
والتقابض في بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة
وفي أحد الجنسين بالآخر مستحق عقيب العقد ولا
يجوز فيه نظرة ولا حمالة ولا حوالة فإن تراخى
القبض على العقد أفسده وإن كانا في المجلس ولا
يراعى في ذلك التفرق فإن تقابضا فوجد أحدهما
رديئا أو زائفا فأراد رده بطل الصرف وله أن
يمسكه ولا يبطل العقد.
ويجوز اقتضاء الذهب من الورق والورث من الذهب
إذا حلا وتطارحا صرفا ولا يجوز في الذهب
بالذهب ولا الفضة بالفضة أن يكون مع أحدهما
غيره قليلا كان أو كثيرا.
وكذلك كل جنس فيه الربا فلا يجوز إذا بيع
بجنسه أن يكون مع الجنسين أو مع أحدهما غيره
كان ذلك الغير مما فيه الربا أو مما لا ربا
فيه ولا يجوز دينار ذهب عال ودينار دون
بدينارين ويجوز وسط بدل الدينار الناقص
بالوازن على وجه المعروف والرفق يدا بيد.
(2/149)
وتجوز المراطلة
وهي الذهب بالذهب متماثلة في الميزان بغير
صنجة ولا يجوز أن ينضم إلى الصرف عقد بيع إلا
في يسير يكون تبعا مثل أن يعجز عن ثمن الدينار
نصف درهم فيدفع إليه عرضا بقيمته.
ومن باع بنقد أو اقتراض ثم بطل التعامل به لم
يكن له عليه غيره إن وجد وإلا فقيمته إن فقد.
ومن اقترض ذهبا وقدره بقيمته فضة أو اقترض فضة
وقدرها بقيمتها ذهبا لم يجز ولزمه دفع مثل ما
قبض.
والتفاضل في الفلوس إذا حصل التعامل بها ممنوع
وهو في الحقيقة منع كراهة لا نص التحريم وشراء
تراب المعادن من الذهب والفضة جائز من الجنس
بخلافه وشراء تراب الصاغة غير جائز.
فصل
يجمع بيع الغرر ثلاثة أوصاف.
أحدهما: تعذر التسليم غالبا.
والثاني: الجهل
والثالث: الخطر والقمار.
فأما ما يرجع إلى تعذر التسليم فكالآبق
والضالة والشارد والمغصوب والطير في الهواء
والسمك في الماء وبيع الأجنة واستثنائها وحبل
الحبلة وهو نتاج ما تنتج الناقة
(2/150)
والمضامين وهي
ما في ظهور الفحول.
وأما ما يرجع إلى الجهل فيتنوع فمنه الجهل
بجنس المبيع كقوله بعتك ما في كمي أو ما في
صندوقي أو في يدي ومنه ما يرجع إلى الجهل
بصفاته كقولك بعتك ثوبا في بيتي أو فرسا في
أصطبلي ومنه الجهل بالثمن في جنسه أو مقداره
أو أجله مثل أن يقول بعتك بما يخرج به سعر
اليوم أو بما يبيع به فلان متاعه أو بما يحكم
به زيد ومنه البيعتان في بيعه وهو قوله بعتك
هذا الثوب بعشرة نقدا أو بخمسة عشر إلى أجل
على أنه قد وجب بأحد الثمنين ومنه بيع اللحم
في جلده والحنطة في تبنها ومنه شرط الخيار
الممتد والأجل المجهول نحو قدوم زيد وموت فلان
وما أشبه ذلك.
وأما الخطر فبيع مالا ترجى سلامته كالمريض في
السياق وما لا يدري أيسلم أم يتلف ولا ظاهر
ولا أمارة تغلب على الظن معهما سلامته كبيع
الثمرة قبل دو صلاحها.
وأما القمار فكبيع الملامسة وهو أن يلمس الرجل
الثوب فيلزمه البيع بلمسه ولم يبينه.
وبيع المنابذة وهو أن ينبذ أحدهما ثوبا إلى
الآخر وينبذ الآخر ثوبه إليه فيجب البيع بذلك
ومنه بيع الحصاة وصفته أن تكون بيده حصاة
فيقول إذا
(2/151)
سقطت من يدي
فقد وجب البيع وقيل تكون ثياب عدة فيقول على
أيهما سقطت عليه الحصاة فقد وجب البيع ومنه
المزابنة وقد ذكرناها وهذه كلها بيوع الجاهلية
وكثير منها يتداخل فيجتمع الجهل وتعذر التسليم
كالآبق والشارد فإن انضم إلى ذلك جهل بالثمن
أو بالأجل تأكد الغرر لكثرة أسبابه.
فصل
وأما ما يرجع إلى الحال فبيع الإنسان على بيع
أخيه إذا ركن إليه وقرب اتفاقهما فإن العقد
يفسخ على نحو ما ذكرناه في النكاح ومنه بيع
النجش وهو أن يزيد التاجر في ثمن السلعة ليغر
غيره لا لحاجة منه إليها ومنه تلقى السلع قبل
أن تورد للأسواق فهذا ممنوع إلا أنه لا يفسخ
ويخير بقية أهل السوق في ان يشاركوا من ابتاع
بالتلقي أو يتركوا له ومنه بيع الحاضر للبادي
ومنه البيع يوم الجمعة بعد النداء من تلزمها
أو أحدهما فرض الجمعة فيفسخ إن وقع.
فصل
وبيع الأعمى وشراؤه جائز والتسعير على أهل
الأسواق غير جائز ومن زاد في سعر أخرج من سوق
المسلمين إلا أن يلحق بالناس.
(2/152)
والحكرة ممنوعة
إذا أضرت بأهل البلد في كل ما بهم حاجة إليه
من طعام أو غيره ولا تمنع إذا لم تعد بالضيق
والضرر.
ومن جلب طعاما خلى بينه وبينه ولم يجبر على
بيعه.
وبيع العربان على وجهين أحدهما ممنوع وهو أن
يشتري سلعة بثمن معلوم أو يكثرى دابة بأجرة
معلومة ويعربن شيئا على أنه إن رضي كان ذلك
العربون من الثمن أو الأجرة وإن كره لم يعد
إليه فهذا من أكل المال بالباطل.
والآخر جائز وهو الاحتساب له به إذا أمضى ورده
عليه إذا كره فذلك جائز والدين بالدين ممنوع
إذا كان من الطرفين.
والوضع على التعجيل ممنوع وهو أن يكون له عليه
كراء حنطة جيدة إلى سنة فيعطيه قبل الأجل دون
صفته فلا يجوز لأنه وضع الصفة التي له ليتعجل
القبض وما كان خارجا عن أصله للرفق والمعروف
فلا يقاس عليه.
والإقالة والشركة والتولية في بيع الطعام
مستثناة من بيع الرطب بالتمر والسلم مستثنى من
بيع ما ليس عندك.
وإذا باع ملك غيره أو اشترى له لم يبطل ووقف
على إذنه.
وإذا كان للنصراني عبد نصراني فأسلم بيع عليه
وإذا اشترى نصراني عبدا مسلما لم يجز وفسخ
العقد وقيل: يصح ويجبر على بيع.
فصل
ومن ابتاع سلعة على السلامة فظهر بها عيب يوجب
الرد فهو بالخيار بين أن يرد ويرجع بالثمن شاء
البائع أو أبى أو يمسك ولا شيء له من أرش ولا
غيره
(2/153)
إلا أن يبذل له
البائع الأرش هو ما لا يمكن الرد ولا يلزم بذل
الأرش ولا أخذه إلا بالتراضي مادام رد العين
ممكنا فإن فات ذلك لم يكن له إلا الأرش والفوت
هو ما لا يمكن معه أما للتلف في المبيع كالموت
والزمانة والهرم الذي لا يبقى معه انتفاع به
أو لتلف الملك كالعتق والتدبير والاستيلاد
والكتابة وفى بيعه خلاف والصحيح أنه فوت يوجب
الأرض والإباق فوت.
وحدوث عيب عند المشتري ليس بفوت يمنع الرد وهو
بالخيار إن شاء رده وما نقصه العيب عنده وإن
شاء تمسك به أخذ الأرش إلا أن يكون البائع دلس
بالعيب فيكون للمشتري رده من غير أن يؤخذ بما
نقصه إلا أن يكون بتصرفه فيه قد أتلفه بوجه لا
يتصرف الناس بمثله فليس له إلا الأرش وكذلك إن
تلف العبد من العيب الذي دلس به البائع لم
يضمنه المشتري ورجع بالثمن ووطء الثيب لا يمنع
الرد ولا يوجب على المشتري شيئا ووطء البكر
عيب يردها وما نقص وإذا رضى المبتاع بالعيب لم
يكن له رده به وكذلك إن تصرف في المبيع أو
استعمله
(2/154)
بعد علمه
بالعيب كان ذلك رضا منه به ولم يكن له الرد إن
تصرف مضطرا ففيه روايتان.
وإن ابتاع رجلان عبدا فوجدا به عيبا فأراد
أحدهما الرد والآخر الإمساك ففيه روايتان
إحداهما أن لمن شاء منهما الرد أن يرده
والأخرى أن عليهما الرد.
وإذا نما المبيع عند المشتري ثم أراد رده بعيب
فلا يخلو النماء أن يكون منفعة أو غلة أو عينا
فإن كان منفعة أو غلة كان له رده ولا يلزمه
شيء لأجله لأن له الخراج بالضمان وإن كان عينا
فلا يخلو أن يكون ولادة أو نتاجا أو غيره ففي
الولادة والنتاج يردهما مع الأمهات وأما غير
ذلك فيختلف.
فأما ثمرة النخل فلا يردها مع الأصل إذا حدثت
عنده فإن كان ابتاع الأصل وفيه ثمر فإن كانت
لم تؤبر لم يردها وإن كانت مأبورة ففيها خلاف
وكذلك في صوف الغنم فأما الألبان والسمون فلا
يرد شيئا منها.
ولا يجوز لبائع السلعة المعيبة أن يكتم عيبها
لأن ذلك غش.
ولا يقبل دعوى المبتاع أن بالسلعة عيبا دون أن
يبينه بالمشاهدة إن كان مشاهدا أو بالبينة إن
كان غير مشاهد ثم لا يخلو أن يكون مما لا يحدث
عند المشتري أو أن يكون مما يعلم أنه لم يكن
عند البائع والقول في الموضعين قول من قوى
سببه منهما مع يمينه أو أن يكون محتملا فالقول
قول البائع مع يمينه إلا أن ينكل فيحلف
المشتري.
والعيوب الموجبة للرد هي ما أثرت نقصا في
المبيع أو في الثمن أو في التصرف أو خوفا في
العاقبة ومن ذلك نقصان الأعضاء كالعمى والعور
والقطع والضلع الزمانة والخصى والإفضاء ونقصان
الأحكام كالجنون والجذام والبرص والتعسر
والزعر وبياض الشعر والإباق والزنا والبخر
والسرقة والزوج والولد في العبد والأمة والحمل
والدين.
ومن هذه العيوب ما يعم ومنها ما يخص الرائعة
المنتخذة للوطء وذلك بحسب ما يعلم في العادة
وزواله قبل الرد مسقط للرد إلا ان يكون مما
تبقى علاقته كالزوجة والزوج والاستدامة في سفه
وما أشبه ذلك أو مما لا يؤمن عوده.
وعهدة الثلاث لازمة في الرقيق ثم عهدة السنة
بعدها من الأدواء الثلاثة الجنون والجذام
والبرص في كل بلد جرت عادتهم باشتراطها أو
استأنفوها ولا يلزم في الموضع التي لم
يتعارفوها إلا بأن يستأنفوا اشتراطها.
(2/155)
ويجوز البيع
بشرط البراءة في الرقيق دون غيره ويبرأ من كل
عيب لم يعلمه ولا يبرأ مما علمه فكتمه.
والعبد يملك ملكا ناقصا ينتزعه سيده إذا شاء
وماله في البيع لسيده وفي العتق يتبع العبد
إلا أن يستثنيه السيد وفي هبته والوصية
وإسلامه بجنايته خلاف.
ولا يجوز التفرقة بين الأم وولدها الصغير في
البيع وحدها ويجوز في الأدب والتصرية عيب وإذا
علم المبتاع بعد أن حلبها فله الخيار في
إمساكها أو ردها مع صاع من تمر وإذا فات
المبيع في البيع الفاسد ضمنه المبتاع بالقيمة
يوم القبض وبالمثل فيما له مثل ورد الثمن عليه
وإن تلف في يد البائع فتلفه منه.
فصل
والبيع جائز مسأومة ومرابحة فالمسأومة أن
يبيعها بما يتقرر بينه وبين المبتاع من الثمن
من غير أن يخبره برأس ماله والمرابحة أن يذكر
رأس ماله ويتقرر الربح بينهما إما مجملا كقوله
شراء هذه السلعة عشرون دينارا فيربحه دينارا
أو نصفه وإما مفصلا كقوله قد ابتعتها منك على
أن أربحك في كل عشرة دينارا أو اثنين.
ويحتاج في بيع المرابحة إلى بيان ما ينضم إلى
السلعة فيكون له قسط من رأس المال والربح أو
من رأس المال وحده وذلك على ضربين:
أحدهما: أن ينضم إلى السلعة ماله تأثير في
عينها أو ينضم إليها ما لا تأثير له في عينها.
فالأول: كالقصارة والخياطة والصبغ والطرز.
والثاني: مثل الطي والشد والسمسرة والدلالة
وكراء حمل المتاع وما أشبه ذلك.
(2/156)
ولا يخلو
البائع إذا أخبر برأس مال المتاع أن يخبر بما
لزمه من هذه التوابع ويشترط ضمه إلى رأس المال
أن يكون له قسط من الربح أو أن يسكت عن اشتراط
ضم هذه التوابع إلى رأس المال وعن اشتراط ربح
لها ففي الأول له شرطه وفي الثاني يضم إلى رأس
المال منها ماله عين قائمة في المتاع ويكون له
قسط من الربح ولا يضم إليه مالا تأثير له في
عين المتاع مما يمكن توليه بنفسه لا في رأس
المال ولا في ربحه وما لا يمكن توليه بنفسه
مثل كراء المتاع ونقله من بلد إلى بلد
والسمسرة فيما جرت العادة بأنه لا يباع إلا
بوسيط فيضم ما لزمه عليه إلى رأس المال ولا
يكون له قسط في الربح.
وإذا اختلفا المتبايعان فلا يخلو اختلافهما أن
يكون فيما يؤدي إلى فساد العقد أو إلى نفي
لزومه أو إلى سقوط بعض حقوقه فإن كان
اختلافهما فيما يؤدي إلى فساد العقد مثل أن
يقول بعتك هذه السلعة ولم ترها ولم أصفها لك
أو بثمن إلى أجل مجهول أو ما أشبه ذلك ويدعى
الآخر أنه قد رآها أو وصفها له وأن الأجل في
الثمن معلوم فالقول قول مدعي الصحة الصحة
منهما مع يمينه وإن كان اختلافهما فيما ينفي
اللزوم مثل أن يدعى أحدهما أنه شرط الخيار
لنفسه وينكر الآخر ذلك فالقول قول من ينكر
وعلى مدعى اشتراطه البينة.
وإن كان ذلك في حق من حقوق العقد فإن كان في
عين الثمن أو جنسه تخالفا وتفاسخا وإن كان في
مقداره فالأظهر من المذهب أنه إن كان قبل
القبض تخالفا وتفاسخا.
وإن كان بعده فالقول قول المشتري مع يمينه وإن
كان الاختلاف في قبض الثمن رجع إلى العرف في
موضعهما وحلف من شهد له العرف منهما فإن لم
يكن عرف فالقول قول البائع مع يمينه.
فصل: في استبراء الأمة
ولا يجوز لمن وطء أمة ثم أراد بيعها أن يبيعها
إلا أن يستبرئها بحيضة ولا يجوز للمشتري أن
يطأها حتى يستبرئها إلا أن يكون عالما ببراءة
رحمها فلا يلزمه ذلك ويجوز أن يتفق هو والبائع
على استبراء واحد فإن باعها قبل أن يستبرئها
ووطئها المبتاع قبل أن يستبرئها فأتت بولد
لأكثر من ستة أشهر من وطء الأول والثاني دعى
له القافة فلحق بمن يلحقونه به منهما وإن أتت
به لأقل من ستة أشهر من وطء الثاني ولستة من
وطء الأول فهو للأول دون الثاني ولا يحكم
بالقافة في ولد الزوجة.
(2/157)
|