التلقين في الفقة المالكي

كتاب الجنايات وموجباتها من قصاص ودية وما يتصل بذلك من أحكامها
القصاص واجب في القتل وما دونه من الجراح في الجملة ولوجوبه في القتل ثلاثة شروط:
أحدها: أن يكون دم المقتول غير ناقص عن دم القاتل بأن يكون مكافئا له أو زائدا عليه.
والثاني: أن يكون القتل عمدا محضا لا شبهة فيه.
والثالث: أن يكون القتل طارئا على من حياته معلومة متيقنة وتكافؤ الدماء يعتبر بأمرين:
أحدهما: مسأواة المقتول للقاتل في الحرمة أو زيادته عليه ونريد بالحرمة ما يرجع إلى الحرية والرق وأحكامهما.
والآخر: مسأواته له في الدين أو زيادته عليه ولا يراعى في القاتل أن يكون دمه مكافأ لدم المقتول أو ناقصا عنه وإنما يراعى ألا يزيد عليه.
وتفصيل هذه الجملة أن الحر لا يقتل بعبد ولا بمن بعضه رق ولا بمن فيه عقد من عقود العتق من مكاتب أو مدبر أو أم ولد أو معتق بعضه إلى أجل ويقتل كل هؤلاء بالحر.
ولا يقتل مسلم بكافر قصاصا ذميا كان أو معاهدا أو مستأمنا كتابيا أو غير كتابي ويقتل كل هؤلاء بالمسلم.

(2/182)


وكل ما لا يقتص لهم من الحر لنقصان حرمتهم بالرق فدماؤهم متكافئة يقتص بعضهم من بعض وإن رجح أحدهم علي الآخر بعقد من عقود العتق أو بحصول بعض الحرية ما لم يكن حرا كامل الحرية فيخرج حينئذ أن يكون دمه مكافئا لدم من قصر عنه.
وكل من لا يقتص له من مسلم لنقصان عنه من في الدين فيقتص بعضهم من بعض وإن اختلف مللهم وأحكامهم.
وإذا صادف القتل تكافؤ الدماء بين القاتل والمقتول لم يسقط القصاص بزواله من بعد كنصرانيين قتل أحدهما الآخر فأسلم القاتل قبل القصاص وكذلك العبدان.
وليس من شرط تكافؤ الدماء انتفاء القرابة ولا العصبية ولا تسأوي القاتل والمقتول في أعداد النفوس ولا في صفة الخلقة أو نوعها أو صحتها أو السن.
وبيان ذلك أن القصاص واجب بين الأقارب كوجوبه بين الأجانب يقتص للأعلى من الأدنى والأدنى من الأعلى وللمتسأويين فيها فيقتل الأخ بأخيه والعم بابن أخيه وابن الأخ بعمه والأب بابنه والجد بابن ابنه وابن الابن بجده والخال بابن أخته وابن الأخت بخاله وأحد الزوجين بالآخر إلا أنه يراعى في قتل الأب بابنه أن يكون القتل عمدا محضا لا شبهة فيه ولا احتمال كإضجاعه وذبحه وما أشبه ذلك.
فأما المحتمل لمحض العمد بأن يكون أراد أدبه أو ما أشبه ذلك مما لا يكون عذرا في الأجنبي فإنه يكون عذرا في حق الأب فيسقط به عنه القود وتجب الدية مغلظة في ماله والأم في ذلك كالأب وقيل يراعى في الجد مثل ذلك.

(2/183)


وأما الأعداد فإن الجماعة تقتل بالواحد ويقتل الواحد بها إلا أن يكون القتل ثبت بقسامة فلا يقتل بها إلا واحد على ما نذكره.
وأما صفة الخلقة وغيرها فكالذكر والأنثى والأسود والأبيض والكبير والصغير والأعمى والبصير والأقطع والصحيح والمريض الذي لم يبلغ السياق كل هؤلاء يقتل بعضهم ببعض.
وأما تسأوي الديات وتفاضلها فلا عبرة به كالرجل والمرأة والكتابي والمجوسي فهذا جملة ما في تكافؤ الدماء.
فصل
وأما قتل العمد المراعى في وجوب القصاص فهو ما خالف الخطأ واختلف في أنواع القتل فقيل هو نوعان عمد محض وخطأ محض وقيل ثلاثة أنواع زيد فيه شبه العمد.
فأما العمد فيجمعه وصفان:
أحدهما: قصد إتلاف النفس.
والآخر: أن يكون بآله تقتل غالبا من محدد أو مثقل أو بإصابة المقاتل كعصر الأنثيين وشدة الضغط والخنق ويلحق بذلك الممسك لغيره على من يريد قتله عمدا عالما بذلك فيلزمه القود كالذابح.
وأما إن حصل أحدهما مع عدم الآخر مثل أن يقصد الضرب دون القتل فيحصل عنده القتل أو أن يقصد الإتلاف بما لا يقتل مثله غالبا فيتلف عنده النفس فذلك عند من يراعى شبه العمد عمد محض وعند من يراعى شبه عمد لا قصاص فيه.

(2/184)


فأما المكره لغيره فلا يخلو أن يكون ممن تلزم المكره طاعته كالسلطان والسيد لعبده فالقود في ذلك لازم لهما أو أن يكون ممن لا يلزمه ذلك فيقتل المباشر دون الآخر.
ولا يسقط القود في قتل العمد بأن يشارك في الدم من لا يقود عليه أو من لاقود عليه أو من لاقود بفعله كالكبير والصغير والعامد والمخطئ والعاقل والمجنون.
بل يجب القود في ذلك على من يلزمه إذا انفرد وإن سقط عن مشاركة والسكران كالصاحي في ما يلزم بقتل العمد من قود وغيره.
وأما علم حياة المقتول فلأن الجنين إذا سقط ميتا بضرب من ضرب أمه فلا قصاص فيه لأن حياته لم تكن معلومة.
فصل
وأما ما دون النفس فضربان قطع وجرح فالقطع معروف وهو إزالة عضو أو بعضه والجراح ضربان ضرب فيه القصاص وضرب لا قصاص فيه وجملتها إحدى عشرة:
أولها الدامية: وهي التي تدمي الجلد.
ثم الخارصة: وهي التي تشقه.
ثم السمحاق: وهي التي تكشفه.
ثم الباضعة: وهي تبضع اللحم.
ثم المتلاحمة: وهي التي تقطع اللحم في عدة مواضع.
ثم الملطأة: وهي التي يبقى بينها وبين انكشاف العظم ستر رقيق.
ثم الموضحة: وهي التي توضح عن العظم.
ثم الهاشمة وهي التي تهشم العظم.
ثم المنقلة: وهي التي يطير فراش العظم منها مع الدواء.

(2/185)


ثم المأمومة: وهي التي تخرق إلى أم الدماغ ويقال لها أيضا الأمة والجائغة وهي التي تصل إلى الجوف.
ويراعى في وجوب القود بكل ذلك أربعة شروط:
أحدها: تكافؤ الدماء ولا يخلو ذلك من ثلاثة أحوال أحدها أن يوجد التكافؤ من الطرفين كالحر يجرح الحر أو العبد يجرح العبد فهذا لا خلاف في وجوب القصاص فيه.
والثاني: أن يكون دم الجارح مكافئا لدم المجروح ودم المجروح غير مكافيء لدم الجارح فهذا لا قصاص فيه كالحر يقطع يد عبد والمسلم يقطع يد كافر.
والثالث: عكسه وهو أن يكون دم المجروح مكافئا لدم الجارح ودم الجارح غير مكافيء لدم المجروح كمسلم يقطع يده كافر وحر يقطع يده عبد فقيل في هذين لا قصاص فيه لأن المراعي التكافؤ من الطرفين وقيل يجب القصاص كالقتل وهذا أقيس والأول أظهر من المذهب.
والثاني: أن يكون الجرح لا يعظم الخطر فيه ولا يغلب الخوف منه على النفس كالموضحة فما قبلها فإن كان مما يغلب خوفه ويعظم خطره فلا قصاص فيه وفيه الدية حالة في مال الجاني وذلك كالمأمومة والجائفة والمنقلة على خلاف فيها خاصة.

(2/186)


والثالث: أن يكون مما تأتي فيه المماثلة فإن تعذرت لم يجب القود وذلك يكون بثلاثة شروط:
أحدها: يعود إلى الفعل كالشلل وما يضطرب من الكسر وكذهاب بعض البصر والسمع وقطع ما يمنع بعض الكلام من اللسان وما أشبه ذلك.
والثاني: يعود إلى فقد المحل كالأعمى يقلع عين بصير والأقطع يقطع يد الصحيح.
والثالث: يعود إلى عارض يمنعها مع إمكانها قبل حصولها وذلك كعفو بعض الأولياء فيتعذر القود بتعذر تمييز حقه ثم عدنا إلى أصل التقسيم فقلنا.
والرابع: ألا يتعقبه قتل المجروح أو غيره فيجب حينئذ القود في النفس وسقط حكم الجرح إلا أن يكون قصد التمثيل بالمقتول فيجرح ثم يقتل.
واختلف في الواجب بقتل العمد فقيل القصاص فقط ولا تجب الدية إلا بالتراضي وقيل يخير ولي الدم بين القود والدية.
ويجب القصاص في الحل والحرم وقع القتل فيه أو في غيره ولجأ إليه ولا يقاد من قطع أو جرح إلا بعد اندماله فإن اندمل واقفا على قدر الجناية لا زائدا عليها فالقصاص واجب وإن ترامى إلى زيادة عليه فلا يخلو أن يبلغ النفس أو ما دونها فإن بلغ دونها اقتص من عينه دون سرايته ثم لا يخلو اندمال القصاص أن يكون بقدر الجناية وسرايتها فإن كان ذلك فقد استوفى المقتص حقه أو يكون قاصرا عنها فللمجروح ما بينهما.
أو أن يكون زائدا عليها فالزائد هدر كانت النفس أو دونها.
وإن بلغت الجناية النفس فلا يخلو أن يكون ذلك في الحال أو بعد زمان فإن كان في الحال وجب القصاص في النفس وسقط حكم الجرح وإن كان بعد أيام وجب القتل بقسامة وكل هذا في العمد.
فأما إن كان أصل الجناية خطأ فلا قود فيها ولا في سرايتها وفيها الدية ومقدار ما يجب منها معتبر بالجرح ولا يخلو من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يندمل على موضع الجناية ففيه دية تلك الجناية أو الحكومة إن لم يكن فيها شيء مسمى.

(2/187)


والآخر أن يرى إلى زيادة فلا يخلو أن يكون إلى النفس أو دونها فإن كان إلى النفس فلا يخلو أن يكون في الحال أو بعدها فإن كان في الحال ففيه الدية بغير قسامة وإن كان بعد أيام ففيه الدية بقسامه وإن كانت السراية إلى ما دون النفس فلا يخلو أن يسري إلى ما يتفرع عن الجناية أو إلى أجنبي منها فالأول كالموضحة تصير منقلة ففيها دية منقلة والثاني كالموضحة تقضي إلى ذهاب البصر أو السمع ففيها ديتان دية الجناية ودية السراية.
والمماثلة في القصاص معتبرة في ثلاثة أشياء:
أحدها: في صفة الفعل كالجراح أو القطع.
والثاني: في الحل كاليمنى واليسرى والرأس وغيره.
والثالث: فيما يستوفى به القصاص وهو الآلة كالمحدد والمثقل والنار والتغريق وما أشبه ذلك إلا موضعين:
أحدهما: أن يكون بمعصية كاللواط أو ما في معناه فيقتصر به على السيف أو أن يكون الآلة معذبة كالعصى التي تحتاج إلى الإكثار من الضرب بها أو السكين الكالة فيعدل على ما هو أوحي ولا يراعى في ذلك الزمان ولا الحال إلا أن يعرض ما يوجب مراعاته وهو في ثلاثة أحوال:
أحدهما: أن يخاف على المقتص منه التلف بالقطع في شدة البرد أو ما أشبه.
والآخر" أن يكون مريضا يخاف تلفه فيؤخر إلى برئه
والثالث: أن تكون حاملا فتؤخر إلى وضعها.
فصل
والواجب بالقتل وما دونه من الجراح ثلاثة أشياء القصاص والدية والحكومة فالقصاص في العمد المحض على الشروط التي ذكرناها.

(2/188)


والدية في أربعة مواضع:
أحدها: الخطأ المحض
والثاني: العمد المحض إذا تعذر القود.
والثالث: في فعل الأب بابنه مما لا قصاص فيه ويلحق بذلك شبه العمد عند من أثبته.
والرابع: فيما لا قود فيه من جراح العمد ومثله من الجناية على النفس المضمونة بالدية وذلك في موضعين:
أحدهما: ابتداء والآخر إسقاطها بعد وجوبها.
فالابتداء كالمسلم يقتل الكافر وجرح المنقلة والمأمومة والجائفة والثاني عفو بعض الأولياء في العمد الذي فيه القصاص أو الدية ثلاثة أنواع إبل وذهب وفضة ويؤخذ كل نوع منها من أهله الذي يكون غالب أموالهم لا يؤخذ سوى هذه.
وأماالدية الخطأ ففي النفس مائة من الإبل أخماس خمس بنات مخاض "وخمس بنات لبون" وخمس بنون اللبون وخمس حقاق وخمس جذاع وهي من الذهب ألف دينار ومن الورث أثنا عشر ألف درهم.
وأما دية العمد المحض فهي من الإبل أرباع ينقص منها عن الخطأ بنو اللبون وهما في الذهب والورق متسأويان.
وأما دية شبه العمد أو مثل فعل المدلجى بابنه فإنها مغلظة وهي في الإبل ثلاثة أنواع: ثلاثة حقة وثلاثون جذعة وأربعون خليفة وهي الحوامل وفي تغليظها على غير أهل الإبل روايتان:
إحداهما: نفية.
والأخرى: إثباته وفي كيفية تغليظها إذا أثبتناه روايتان:
إحداهما أنها تؤخذ قيمة الإبل المغلظة بلغت ما بلغت إلا أن تنقص عن دية الذهب أو الورق.
وتغلظ في الجروح والأخرى أنه ينظر قدر ما بين دية الخطأ والتغليظ فيجعل جزءا زائدا على دية الذهب والورق.
وتغلظ في الجرح كالقتل إذا كان مما فيه القود وتحمل العاقلة دية الخطأ وتحمل مما دون النفس ما بلغ الثلث فصاعدا وما دون ذلك ففي مال الجاني.

(2/189)


والاعتبار بثلث دية المجروح وقيل غيره وتنجم الدية الكاملة على العاقلة في ثلاث سنين وما دونها مختلف فيه قيل حالة وقيل منجمة والعاقلة العصبة الأقرب فالأقرب فيدخل فيهاالأب والابن ومن بعدت عنه قبيلته أخذ من أقرب القبائل إليها وإن عجزت ضم إليها الأقرب فالأقرب ومن لا عاقلة له ففي بيت المال.
واختلف في جراح العمد الذي لا قود فيه أوفى مثل فعل الأب بابنه فقيل في مال الجاني حالة وقيل على العاقلة حالة.
ومن قتل نفسه فدمه هدر ولا تحمله عاقلة ولا غيرها.
فصل
والدية تختلف باختلاف حرمة المقتول ودينه فدية المسلم الذكر هي الدية الكاملة وقد بيناها ودية المرأة المسلمة نصفها ودية الكتابي الذكر كدية المرأة ودية إناثهم نصف دية ذكورهم ودية المجوسي ثمانمائة درهم ودية إناثهم على النصف من دية ذكورهم.
وفي أعضائهم وجراحهم بقدرها من دياتهم كالمسلمين وذلك يفصل فيا بعد.
وليس في شيء من الجراح دية إلا في أربع وهي الموضحة ففيها نصف عشر الدية وهي خمس من الإبل والمنقلة ففيها عشر ونصف عشر الدية وهي خمس عشر من الإبل والمأمومة والجائفة ففي كل واحدة منهما ثلث دية وما سوى ذلك من الجراح ففيه حكومة وكل زوج من البدن ففيه دية كاملة وفي الفرد منه نصف الدية وذلك العينان والشفتان واليدان والرجلان وثديا المرأة وإليتاها.
وفي أشراف الأذنين خلاف.
قيل: الدية وقيل حكومة وتجب الدية في العينين بذهاب البصر وفي ذهابه من إحدهما نصف الدية إلا من الأعور ففي عينه الدية كاملة وفي ذهاب بعض البصر بحسابه.
واختباره بأن يعرف نهاية ما ينظر بعينه الصحيحة فتسد ثم ينظر نهاية ما ينظر به من العين المصابة ثم يقاس إحداهما بالأخرى وإذا عرف قدر النقص كان فيه بحسابه.
وفي ذهاب السمع الدية وفيه من أحد الجهتين نصف الدية وفي نقصه ومن إحداهما أو كلتيهما بحسابه واختبار ذلك بأن يصاح به من الجهة السليمة

(2/190)


فإذا سمع بعد الصياح عنه ثم صاح به إلى أن ينتهي سماعه فإذا عرف ذلك صيح به من الجهة الأخرى فإذا انتهى موضع سماعه قيس سماعه بالجهة السليمة فإذا عرف قدر النقص كان فيه بحسابه.
وتجب الدية في اليدين قطعت من المنكب أو من المرافق أو الكوع أو قطعت الأصابع فقط ولو قطعت الأصابع وحدها كان فيها ما في القطع من المنكب ثم قطع بعد ذلك ففيه الحكومة وكذلك الرجلان قطعهما من الفخذين كقطع أصابعهما ثم قطع بعد ذلك ففيه حكومة وفي كل أصبع من أصابع اليد أو الرجل عشر من الإبل وفي كل أنملة ثلاثة أباعر وثلث ألا في الإبهام ففي كل أنملة خمسة أباعر لأنهما أنملتان وفي قطع بعض الأصابع بحساب الأنمله.
وتجب الدية في الثدي بإبطال مخرج اللبن ثم بعد ذلك حكومة وفي العقل الدية وفي الشم إذا ذهب بقطع الأنف أو بعضه الدية وفي قطع الأنف مستوعبا من أصل المارن ومن العظم دية كاملة ذهب الشم أو بقى.
وفي ذهاب أحدهما بعد الآخر دية كاملة وفي ذهابهما في ضربة واحدة دية واحدة وفي قطع بعض الأنف بحسابه من المارن.
وفي كسر الصلب الدية وفي اللسان الدية فأما قطع بعضه فإن منع جملة الكلام ففيه الدية وفي منع بعضه بحسابه وفي الذكر الدية وفي الأنثيين الدية وذلك إذا قطعا معا في ضربة واحدة وفي قطع أحدهما بعد اندمال الآخر حكومة فإذا كان في قطع واحد ففيه روايتان:
واقل ما تجب فيه الدية قطع الخشفة وفي بعضها بحسابه ثم باق الذكر حكومة.
وفي كل واحد من الأسنان والأضراس خمس من الإبل وتتم دية السن بإسودادها ثم في قطعها بعد إسودادها دية أيضا وكل ما فيه جمال منفرد عن منفعة أصل ففيه حكومة كالحاجبين وذهاب شعر اللحية وشعر الرأس وثدي الرجل وأليته.
وصفة الحكومة أن يقوم المجني عليه لو كان عبدا سليما ثم يقوم مع الجناية فما نقص من قيمته جعل جزاء من ديته بالغا ما بلغ.
وفي لسان الأخرس وذكر الخصي واليد واليد الشلاء حكومة.

(2/191)


فصل
وتجب بالجناية على العبد قيمته لا دية وهي في مال الجاني أو في ذمته دون عاقلته ففي نفسه قيمته وقت قتله بالغة ما بلغت وفيما دون ذلك من أعضائه وجراحاته ما نقص من قيمته إلا في الشجاج الأربع وهي الموضحة والمنقلة والمأمومة والجائفة ففي كل واحد منهما من قيمته بحساب ما في الحر من ديته.
وإذا جنى العبد فقتل حرا أو عبدا فولي الجاني بالخيار إن شاء أسلمه فصار ملكا للمجني عليه وإن كانت قيمته أضعاف أرش الجناية وإن شاء افتداه بأرش الجناية.
ويضمن السائق والقائد والراكب إلاأن تكون الجناية بغير صنع منهم وما تلف بمعدن أو بئر بهيمة لم يفرط صاحبها في حفظها فذلك هدر فلا شيء فيه.
فصل
والحكم بالقسامة واجب وهو على ضربين في عمد وفي الخطأ وإذا ثبت الدعوى ففي العمد القود وفي الخطأ الدية وللحكم بها شروط:

(2/192)


أحدها: أن يدعي الدم على من لايعرف قاتله ببينة ولا بإقرار من يدعي عليه فأما إن علم ببينة أو بالإقرار بعد الدعوى عليه فإنه يقتل بغير قسامة.
والثاني: أن يكون المقتول حرا مسلما وإن كان عبدا مسلما أو ذميا فلا قسامة فيه.
والثالث: أن يكون في قتل فإن كان في جرح فلا قسامة.
والرابع: أن يكون للأولياء لوث يقوي دعواهم واللوث أشياء منها الشاهد الواحد العدل على رؤية القتل وفي شهادة من لا نعلم عدالته أو العدل يرى المقتول يتشحط في دمه والمتهم نحوه أو قربه وعليه آثار القتل خلاف.
ومنها أن يقول المقتول في العمد دمي عند فلان وفي كون ذلك لوثا في الخطأ روايتان وفي شهادة النساء والعبيد خلاف ثم عدنا إلى أصل التقسيم فقلنا:
والخامس: أن يتفق الأولياء على ثبوت القتل في العمد فإن اختلفوا فلا قسامة فأما في الخطأ إذا ادعاه بعضهم ولم يدعه الباقون فقال مالك إن المدعين يقسمون ويأخذون حقوقهم من الدية.
والسادس: في العمد أن يكون ولاة الدم اثنين فصاعدا فإن كان واحدا لم يقسم إلا أن يعينه عمن عصبته من يحلف معه وإن لم تكن له ولاية كالابن يستعين بعمومته وأما في الخطأ فيقسم الواحد.
والسابع أن يكون الأولياء في العمد رجالا عقلاء بالغين فإن لم يكن إلا نساء فلا قسامة.

(2/193)


وإذا حصل اللوث بدئ بأولياء الدم فحلفوا خمسين يمينا تردد الأيمان عليهم فإن زادوا على الخمسين فقيل يكفي خمسون وقيل يحلف كل واحد يمينا واحدة ولهم أن يستعينوا من عصبته الميت بمن يحلف معهم وإن لم تكن له ولاية معهم في الدم ويكمل كسر اليمين على من عليه أكثرها.
ونكول المستعان بهم غير مؤثر إذا بقي من ولاة الدم اثنان فصاعدا فإن نكل بعض ولاة الدم فللباقين أن يحلفوا ويأخذوا حقوقهم من الدية وقيل: ترد اليمان علي المعي عليه وإن نكل لزمته الدية في ماله وقيل: يحبس إلي أن يحلف.
وإذا عفي بعض الولياء بعد القسامة إلا واحد ويضرب من بقي مائة ويحبس سنة وتقسم الدية بين الورثة كسائر التركة علي أي أنواع القتل وجبت.
ودية الجنين موروثة والجنة خمسة أنواع:
جنين حرة ففيه غرة أو أو وليدة تقوم بعشر دية أمة وهي خمسون دينارا أو ستمائة درهم.
وجنين كتابية حرة من زوجها المسلم ففيه نصف عشر دية أبيه مثل ما في جنين الحرة المسلمة.
وجنين حرة كافرة من زوجها الكافر ففيه ديتها إن ارتفعوا إلينا.
وجنين أمة من سيدها الميلم الحر ففيه مثل ما في جنين الحرة.
وجنين أمة من غير سيدها ففيه عشر قيمتها وهذا كله إذا انفصل منها ميتا فإن انفصل صارخا ثم مات ففيه الدية بكمالها ولو ماتت الأم ثم خرج الجنين ميتا بعد موتها لم يكن فيه شيء.

(2/194)


فصل
وتجب الكفارة في قتل الخطأ دون غيره كان القتل بانفراد أو اشتراك إذا كان المقتول مؤمنا حرا وهي إعتاق وصيام فالإعتاق تحرير رقبة مؤمنة والصيام صوم شهرين متتابعين.
فصل
والردة محبطة للعمل بنفسها من غير وقوف على موت المرتد ويستتاب ثلاثة فإن تاب قبل منه وإن أبى قتل وكان ماله فيئا غير موروث ملكه قبل الردة أو بعدها ولا يلزمه إن تاب قضاء شيء مما ترك من صلاة أو صوم أو غير ذلك من حقوق الله تعالى وعليه استئناف الحج.
والزنديق الذي يسر الكفر ويظهر الإسلام يقتل ولا تقبل توبته.
ولا يعترض الكافر إذا انتقل إلى ملة أخرى من ملل الكفر مما لو كان عليه في الابتداء لأقر عليه.
ولا تقبل توبة الساحر ويقتل إن عمله بنفسه.
وإذا فاءت الفئة الباغية لم تتبع بما استهلكت من مال أو دم وكذلك لو نصب المرتدون رأيه في الحرب وقاتلوا ثم تابوا بعد أن قاتلوا وأتلفوا أموالا ومن قتل من الفئة الباغية غسل وصلى عليه.
ويقام على المحارب إذا أخذ قبل التوبة حد الحرابة وهو القتل أو الصلب أو قطع اليد والرجل من خلاف أو النفي والحبس وذلك موكول إلى اجتهاد الحاكم على ما يراه أردع له ولأمثاله.

(2/195)


ويسقط عنه إن جاء تائبا قبل القدرة عليه حقوق الله ويؤخذ بحقوق الآدميين ويقتل فيها المسلم بكافر والحر بالعبد ولا يراعى تكافؤ الدماء.
وصفة المحارب هو القاطع للطريق المخيف للسبيل الشاهر للسلاح المقاتل على المال برا أو بحرا وحكم اللص حكمه.
ولا عفو في الحرابة لولي الدم وللمطلوب ماله أن يمانع عنه فإن آل إلى قتل من يطلبه فهو هدر وإن قتل المطلوب فأجره على الله وللرجل أن يدفع عن نفسه ما يصول عليه من إنسان أو بهيمة ولا ضمان عليه فيما يئول أمره إليه وفي تضمين الطبيب ما أتى على يده مما لم يقصده روايتان:
ومن حفر بئرا في موضع ليس له حفرها فيه ضمن ما أصيب بها وكذلك ممسك الكلب العقور وواقف الدابة بحيث لا يجوز له أن يقفها فيه.
ويضمن أرباب المواشي ما أفسدته في الليل دون النهار.

(2/196)