التنبيه على مبادئ التوجيه - قسم العبادات

باب في حكم الرُّعاف
والرعاف لا يخلو من قسمين: أحدهما: أن يعلم أن الدم لا ينقطع عنه، والثاني: أن يعلم أنه ينقطع:

(حكم من لا ينقطع عنه الدم)
فإن علم أنه لا ينقطع فهذا لا يخرج من الصلاة لرعافه لأن خروجه لا يفيد، ويتم الصلاة على حاله. وهل يجوز له الإيماء أم يجب عليه الركوع والسجود؟ فإن كان ركوعه وسجوده يضر به في جسده جاز له بلا خلاف. وإن كان ذلك لا يضر به في جسده، فهاهنا قولان: قيل يجوز له ذلك لئلا يلطخ ثيابه، وقيل لا يجوز له الانتقال إلى الإيماء إلا لمضرة جسم لا لتلطخ ثياب.

(حكم من ينقطع عنه الدم)
وأما القسم الثاني وهو أن يعلم أن الدم ينقطع، وفي معناه إذا شك في ذلك، فإنه لا يخلو أن يقطر الدم أو يسيل، أو لا يقطر أو لا يسيل (1). فإن لم يقطر ولم يسل فإنه يفتل الدم (2) ويمضي على صلاته. وإن قطر أو سال؛ فإن تلطخ له الكثير من جسده أو ثيابه قطع الصلاة، وإن لم يتلطخ به ذلك فهاهنا الأولى أن يقطع، فإن أحب التمادي على صلاته بأن يخرج ويغسل الدم عنه ثم يعود إلى الصلاة فله ذلك عند مالك، ولكن بشروط نذكرها: وهو أن المصلي لا يخلو أن يكون منفردًا أو في جماعة؛ فإن كان في جماعة فلا يخلو من أن يعقد من صلاة الجماعة ركعة أو لا يعقد ركعة. فإن كان في جماعة وعقد ركعة فلا خلاف في المذهب في أن له التمادي. وإن كان فذا، أو لم يعقد ركعة فهاهنا قولان: أحدهما: أنه يبني إن شاء،
__________
(1) في (ق) ولا يسيل وفي (م) ولا يقطر ولا يسيل.
(2) يفتل الدم: يصرفه. انظر المعجم الوسيط 2/ 673.

(1/326)


وهو ظاهر الكتاب (1). والثاني: أنه لا يبني. وسبب الخلاف هل التمادي لحرمة الصلاة أو لحرمة الجماعة؟ فإن قلنا إن ذلك لحرمة الصلاة بني هذا، وإن قلنا إن ذلك لحرمة الجماعة لم يبن هذا. وإذا أجزنا البناء فإنه يخرج ممسكاً لأنفه غير متكلم ولا ماش على نجاسة، فيغسل الدم في أقرب المواضع. فإن (2) تكلم عمداً بطلت صلاته إجماعاً، وإن تكلم سهواً ففي بطلان صلاته ثلاثة أقوال: أحدها: أنه بمنزلة من تكلم في صلاته [سهوا] (3)، والثاني: أنه تبطل (4) صلاته، والثالث: أنه إن تكلم في مسيره لم تبطل (5) وإن تكلم في عودته بطلت (6).
وإن مشى على نجاسة كان بمنزلة المتكلم على ما فصلناه في الصحة، لأن حكم الصلاة (7) مستدام. والبطلان (8) لأن الأثر ورد أنه يبني ما لم يتكلم.
والتفرقة فلأن السائر لغسل الدم ذاهب (9) عن الصلاة، فضعفت استدامة حكمها. والعائد قد غسل الدم وتهيأ للصلاة، فقويت الاستدامة.
وإن خرج (10) على أن يغسل الدم في موضع قريب فذهب إلى أبعد منه بطلت صلاته، لأنه زاد زيادة مستغنى عنها.
فإذا غسل الدم فهل يرجع إلى المسجد أو إلى [الإمام] (11) أو يصلي
__________
(1) المدونة 1/ 36.
(2) في (ر) وإن.
(3) في (ق) عمداً، وساقط من (ص) و (م) و (ت).
(4) في (ق) لا تبطل.
(5) في (ر) و (ص) بطلت.
(6) في (ر) و (ص) لم تبطل.
وما أثبته يتوافق مع ما ورد في مواهب الجليل للحطاب 1/ 483.
(7) في (م) الحكم في الصلاة.
(8) في (ص) والثالث البطلان وفي (م) علي البطلان.
(9) في (م) و (ر) ذاهبًا، وخرم في (ق).
(10) في (ق) فإن صدر، وفي (ر) و (ت) وإن تقرر.
(11) ساقط من (ص).

(1/327)


في موضع يمكنه (1) الصلاة فيه؟ فلا يخلو أن يعلم أن الإمام باق في الصلاة أو قد أكملها؛ فإن كان [علم] (2) أن الإمام باق في الصلاة عاد إلى حيث فارق الإمام، لأنه لا يجوز له أن يتم الصلاة فذا وقد ابتدأ الصلاة في جماعة. وإن علم أن الإمام فرغ من الصلاة فلا يخلو أن تكون جمعة أو غيرها؛ فإن كانت جمعة فهاهنا ثلاثة أقوال: المشهور: أنه يعود (3) إلى الجامع، والثاني: أنه يتم بموضعه، والثالث: أنه إن حال بينه وبين العودة حائل أجزأته الصلاة (4) في موضعه، وإن لم يحل بينه وبين العودة حائل عاد إلى الجامع. وهذا على الخلاف في شروط الجمعة هل تلزم (5) في جملتها أو في أوائلها.
وإن كانت غير جمعة فإنه لا يعود إلى الموضع الذي (6) فارق الإمام فيه، فإن عاد بطلت صلاته لأنها زيادة مستغنى عنها. وحكم الظن في إكمال الإمام أو عدم إكماله كحكم (7) العلم. [ولو اجتهد فأداه اجتهاده إلى أن الإمام قد أكمل ثم تبين له خلاف ما ظنه لَعُذرَ بذلك. وكذلك] (8) لو اجتهد فأداه اجتهاده إلى أن الإمام لم يكمل لَعُذرَ أيضاً. ولو اجتهد فخالف ما ظهر له بطلت (9) صلاته، لأنه يصير قد زاد في الصلاة عمداً إلا أن يتأول وجوب الرجوع فيختلف في ذلك على الخلاف في الجاهل هل هو كالعامد أو كالناسي؟
وما يصنعه إذا عاد إلى إصلاح الصلاة؟ أما (10) إن وجد الإمام لم
__________
(1) في (ص) يمكن وفي (م) و (ق) و (ت) تمكنه.
(2) ساقط من (ت) و (ص).
(3) في (ق) أنه يعيد في الجامع.
(4) في (ت) صلاته.
(5) في (ق) هل يلزمها.
(6) في (ر) و (ق) موضع.
(7) في (ق) و (ت) و (ص) حكم.
(8) ساقط من (ق).
(9) في (ت) و (ق) لبطلت.
(10) في (ق) وأما.

(1/328)


يفرغ فإنه يساويه في الفعل ويكون كالمسبوق، وإن وجد الإمام قد أكمل فإنه يبتدئ الصلاة على حكم نفسه فيعود إلى حيث فارق الصلاة.
فإن صلى بعض ركعة فهل يكملها أو يستأنفها؟ قولان.
وسبب الخلاف تقابل المكروهين: أحدهما: الزيادة في الصلاة من غير ضرورة، والثاني: التفرقة بين أجزاء الركعة. فإن راعينا الزيادة أكمل الركعة، وإن راعينا التفرقة ابتدأ. وعلى هذا الخلاف فيمن ذكر في تشهده سجدة لا يدري من أي الركعات (1)؛ فقال ابن القاسم: يسجد (2) سجدة ثم يقوم (3) فيأتي بركعة لئلا تكون السجدة من آخر ركعة (4). فإذا لم يصلها فرَّق بين أجزاء الركعة. وقال أشهب: يأتي بركعة من غير سجود لأنه إذا أتى بركعة اكتفى بها والسجدة زيادة مستغنى عنها.

...

فصل
وإذا رجع إلى تلافي (5) ما فاقه، فكيف يلافي ذلك؟ أما إن لم يفته (6) من أول الصلاة شيء فيبني، ولا شك أن ما أدرك أول صلاته.

(حكم من رعف في صلاة الجمعة)
وإذا رعف في صلاة الجمعة فإن عقد مع الإمام ركعة بسجدتيها ولم يعقد الثانية حتى رعف؛ فإنه إذا غسل الدم عنه قضى الثانية على نحو ما
__________
(1) في (ق) من أي ركعة.
(2) في (ر) فيسجد.
(3) في (ق) يعود.
(4) في (ت) الركعتين.
(5) في (ت) و (م) يلاقي وفي (ق) و (ص) رجع تلافي.
(6) في (ت) يفت له.

(1/329)


كان يصليها (1) مع الإمام فيقرأ فيها بأم القرآن وسورة، فإن نسي السورة سجد لسهوه قبل السلام، فإن نسي أم القرآن فقال في الكتاب يتمها (2) ويعيد ظهرًا أربعاً (3). والخلاف في هذه المسألة محال على كتاب الصلاة الأول.
وإن لم (4) يعقد مع الإمام ركعة حتى رعف وأجزنا (5) له البناء فإنه يعود بعد غسل الدم. فإن وجد الإمام وأدرك معه ركعة بسجدتيها، قام بعد سلام الإمام فأتى (6) بركعة على نحو ما فاتته (7).
ويستحب [له] (8) أن يقرأ فيها بسورة الجمعة بعد أم القرآن. وإن لم يدرك مع الإمام ركعة فهل يبني على ما يأتي به من الظهر على ذلك التكبير الذي كبره للجمعة؟ في المذهب قولان: أحدهما: أنه يبني على التكبير [الذي كبره] (9)، والثاني: أنه يسلم ثم يبتدئ (10). وسبب الخلاف هل الجمعة بدل من (11) الظهر، وأعداد الركعات غير مراعاة (12)، فيبني على الإحرام (13) المتقدم. أو الجمعة فرض قائم بنفسه وأعداد الركعات مراعاة (14) فيقطع ويبتدئ.

...
__________
(1) في (ر) و (ق) يقضيها.
(2) في (ر) يتمادى.
(3) المدونة 1/ 37.
(4) في (ص) ولو لم.
(5) في (ص) و (م) أجزنا وفي (ق) فأجزنا.
(6) في (ر) فإنه بعد سلام الإمام يقوم فيأتي.
(7) في (ت) فإنه.
(8) ساقط من (ت) و (ق) و (ص).
(9) ساقط من (ق).
(10) في (م) تم يبتدىء في التكبير.
(11) في (ق) و (ص) عن.
(12) في (ر) غير مراع.
(13) في (ق) غير مراعات للإحرام المتقدم.
(14) في (ر) مراعى.

(1/330)


فصل (في اجتماع البناء والقضاء)
وإذا اجتمع البناء والقضاء فبأيهما يبدأ؟ في المذهب قولان: أحدهما: الابتداء بالقضاء لأنه أول الصلاة، وإنما يمنعه من الابتداء (1) به لئلا يخالف الإمام فإذا انقضى (2) حكم الإمام ابتدأ به. [والثاني] (3): الابتداء (4) بالبناء استصحابا لحكم الإمام وكأنه باق. ويتصور ذلك بأن يفوت الراعف (5) أول الصلاة ثم يرعف فيفوته آخرها. ولذلك ثلاث صور. أحدهما: أن يفوته من الصلاة الرباعية الركعة الأولى والركعة الآخرة ويدرك الوسطيين، فهاهنا قولان: أحدهما: أنه إذا غسل الدم صلى ركعة يقرأ فيها بأم القرآن وسورة، ثم يقوم فيصلي ركعة بأم القرآن. خاصة. والثاني: أنه يبتدئ بالتي بأم (6) القرآن خاصة. والصورة الثانية: أن تفوته الأولى والآخرتان ويدرك التالية فيختلف هل يبتدئ إذا غسل الدم عنه بالركعة الأولى أم بالآخرتين على نحو ما تقدم (7). والصورة الثالثة: أن تفوته الأوليان والآخرة ويدرك الثالثة فيختلف هل يبتدئ بالأوليين أم بالآخرة؟ فإن قلنا إنه يبتدئ بالأوليين فإنه يصلي ركعة يقرأ فيها بأم القرآن وسورة ثم يجلس ثم يقوم فيصلي ركعة بأم القرآن وسورة أيضاً. ثم يقوم فيصلي ركعة بأم القرآن خاصة، وكملت صلاته؛ فيكون قاضياً في القراءة بانياً في الجلوس، وإن قلنا إنه يبتدئ بالآخرة فإنه يصلي ركعة بأم القرآن خاصة ويجلس ثم يقوم فيأتي بركعتين بأم القرآن وسورة في كل واحدة منهما.
ولا خلاف في الصورة الأولى والثالثة أن الحكم فيهما ما ذكرناه
__________
(1) في (ص) بالابتداء.
(2) في (ق) فإذا ذهب.
(3) ساقط من (ر) و (ق) و (ت).
(4) في (ر) ويبتدئ.
(5) في (ق) و (ت) و (ص) للراعف.
(6) في (ص) بالتي تلي أم.
(7) في (ص) على نحوها ما قلناه.

(1/331)


[... في الصورة الأولى] (1). وأما الصورة الثانية (2) فعلى القول بالابتداء بالقضاء لا تفريع، وعلى القول بالابتداء بالبناء فهل تصير صلاته كلها جلوسا أم لا؟ فيه قولان: أحدهما: أنه يقوم فيأتي بركعة بأم القرآن خاصة ثم يجلس لأنها ثانية صلاة نفسه (3)، ثم يقوم بعد ذلك فيأتي بركعة بأم القرآن وحدها (4)، ثم يجلس لأنها آخر صلاة الإمام، وقد كان الإمام يجلس في هذا الموضع، وأيضاً فإنه يقوم منها إلى القضاء ولا يقوم إليه إلا من الجلوس. والقول الثاني: إنه لا يجلس اعتباراً بحكم نفسه والإمام غير حاضر فيراعى حكمه. ويتصور هذا التنزيل في مسألتين: إحداهما: الحاضر يدرك من صلاة المسافر الركعة الثانية فيجتمع عليه القضاء والبناء فيختلف بأيهما يبدأ. وهل يبني في الجلوس على حكم نفسه أو لا يقوم للقضاء إلا من الجلوس؟ فيه قولان.
والمسألة الثانية: الإمام يصلي صلاة الخوف في الحضر فيدرك إنسان الركعة الثانية، فإنه يجتمع قضاء وبناء فيختلف فيه على نحو ما قلناه.

...