التنبيه
على مبادئ التوجيه - قسم العبادات باب في أحكام التيمم
التيمم طهارة ترابية تتوجه (3) مع الاضطرار دون الاختيار. والنظر فيها
ينحصر في خمسة فصول: الأول: صفتها، والثاني: وقتها، ومن يباح له الانتقال
إليها، وبأي شيء يكون، ولماذا تفعل؟
(صفة التيمم)
فأما صفة التيمم فهي مسح الوجه (4) واليدين. واختلف المذهب هل
__________
(1) في (ت) التحديد.
أخرج أبو داود في الطهارة (158)، وابن ماجه في الطهارة (557) واللفظ له،
عَنْ أُبَيِّ بْنِ عِمَارَةَ وَكَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -
قَدْ صَلَّى في بَيْتِهِ القِبْلَتَينِ كِلْتَيهِمَا أَنَّهُ قَالَ
لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَمْسَحُ عَلَى الْخُفَينِ؟ قَالَ:
"نَعَمْ" قَالَ: يَوْمًا؟ قَالَ: "ويوْمَيْنِ" قَالَ: وَثَلَاثًا؟ حَتَّى
بَلَغَ سَبْعًا قَالَ لَهُ: "وَمَا بَدَا لَكَ". قَالَ أَبُو دَاوُد وَقَدْ
اخْتُلِفَ فِي إِسْنَادِهِ وَلَيْسَ هُوَ بِالْقَوِيِّ. وقال الشوكاني في
نيل الأوطار 1/ 229: قال أبو داود وقد اختلف في إسناده وليس بالقوي، وقال
البخاري نحوه، وقال الإمام أحمد رجاله لا يعرفون، وأخرجه الدارقطني وقال
هذا إسناد لا يثبت وفي إسناده ثلاثة مجاهيل (...) وقال ابن حبان لست أعتمد
على إسناد خبره، وقال ابن عبد البر لا يثبت وليس له إسناد قائم، وبالغ
الجوزقاني فذكره في الموضوعات. وقال المباركفوري في تحفة الأحوذي 1/ 270:
ونقل النووي في شرح المهذب اتفاق الأئمة على ضعفه.
(2) لم أقف على هذا الحديث عند مسلم وهو عند أبي داود في الطهارة عَنْ
خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:
"الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّينِ لِلْمُسَافِرِ ثَلَاَثَةُ أَيَّام
وَلِلْمُقِيم يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ"، وعند ابن ماجه في الطهارة (555) عَنْ
أَبي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا الطُّهُورُ عَلَى
الْخُفَّيْنِ؟ قَالَ: "لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ
وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيلَةٌ".
(3) في (ق) يتوجه.
(4) في (ت) مسحة للوجه.
(1/340)
يكتفي لهما بضربة واحدة يجعل يديه على
الأرض ثم يمسح وجهه ثم يديه أم يفتقر (1) إلى ضربة ثانية لمسح اليدين؟
والمشهور الافتقار إلى ذلك، والشاذ أنه لا يفتقر إلى ذلك.
وسبب الخلاف اختلاف الأحاديث؛ ففي أكثرها ضربة للوجه وضربة لليدين (2). وفي
بعضها الاقتصار على ضربة واحدة (3). وبين الأصوليين خلاف في قبول زيادة
العدل (4). وإذا قلنا فإنه لا يقتصر على واحدة فاقتصر؛ فثلاثة أقوال:
أحدها: أنه لا يعيد في وقت (5) ولا غيره، والثاني: أن يعيد في الوقت،
والثالث: أنه يعيد وإن خرج الوقت. وهذا طرد للقول بإيجاب الضربتين. وترك
الإعادة اختصاصها بالوقت مراعاة للخلاف. ولا خلاف أيضاً في إيعاب (6) جميع
الوجه بالمسح.
وأما اليدان فاختلف في المقدار الواجب منهما في التيمم؛ فقيل: إلى
المرفقين، وقيل: إلى الكوعين.
وسبب الخلاف هل يرد المطلق إلى المقيد فيجب المسح إلى المرفقين،
__________
(1) في (ق) يتنقل إلى.
(2) أخرج الحاكم في المستدرك (1/ 287) والطبراني في المعجم الكبير (12/
367)، والدارقطني في سننه (1/ 180) عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه
وسلم - قال: "التيمم ضربتان: ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين"، قال
الدارقطني: كذا رواه علي بن ظبيان مرفوعًا ووقفه يحيى بن القطان وهشيم
وغيرهما وهو الصواب. وقال الصنعاني في سبل السلام 1/ 96: صحح الأئمة وقفه.
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 1/ 262: رواه الطبراني في الكبير وفيه علي بن
ظبيان ضعفه يحيى بن معين فقال: كذاب خبيث وقال أبو علي النيسابوري: لا بأس
به.
(3) من ذلك ما خرجه البخاري في التيمم (347)، ومسلم في الحيض (368) واللفظ
له أن عماراً قال: "بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في
حَاجَةٍ فَأَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدِ الْمَاءَ فَتَمَرَّغْتُ في الصَّعِيدِ
كَمَا تَمَرَّغُ الدَّابَّةُ ثُمَّ أتيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم
- فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: "إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أن تَقُولَ
بيَدَيْكَ هَكَذَا" ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الأَرْضَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً
ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَالَ عَلَى اليَمِينِ وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ".
(4) في (ق) و (ص) في قبول خبر الواحد إذا كان عدلاً.
(5) في (ت) الوقت.
(6) في (ق) إيجاب إيعاب.
(1/341)
أو يؤخذ بأوائل الأسماء فيجب إلى الكوعين؟
وإذا أمرناه بالمسح إلى المرفقين واقتصر على الكوعين؛ فثلاثة أقوال: أحدها:
الإعادة في الوقت، والثاني: لا إعادة في وقت ولا غيره، والثالث: الإعادة
وإن ذهب (1) الوقت. وهذا طرد إيجاب المسح إلى المرفقين. والأول مراعاة
للخلاف (2).
وهيأة المسح في الوجه لا تختلف. وأما اليدان فقال محمد بن عبد الحكم:
هيأتهما غير محصورة. وأراهم صفة التيمم فابتدأ بالكفين وعمَّ سائر اليدين.
وفي الكتاب (3) أنه ابتدأ باليسرى على اليمنى فيُمِرُّهَا من فوق الكعبين
إلى المرفقين ويُمِرُّهَا أيضاً من باطن المرفقين إلى الكوعين ويُمِرُّ
أيضاً اليمنى على اليسرى كذلك.
وقد اختلف الأشياخ هل مقتضى هذا أنه إذا وصل إلى الكوع اليمنى لم يكملها،
بل يجعل أصابع يده اليمنى على اليسرى، فإذا وصل إلى الكوع (4) اليسرى مسح
كفيه أحدهما: بالأخرى وخلل أصابعه؟ أو يمسح اليمنى حتى يكملها، ثم يمسح
اليسرى كذلك؟
وقد احتج الأولون بقوله: ويمرها أيضًا من باطن المرفقين إلى الكوعين. ووقف
(5) عند ذلك. واعتذر الآخرون عن هذا بأن مراده إلى آخر (6) الكوعين أنه جعل
ذلك غاية يقف عندها. قالوا: ولو اتبعنا الظاهر من غير هذا التأويل لوجب أن
يترك الكفين (7) من غير مسح؛ لأنه قال بعد قوله إلى الكوعين: ويمر أيضاً
اليمنى على اليسرى كذلك. والجمود على ظاهر قوله يقتضي مسح اليدين جميعاً
إلى الكوعين من غير أن يمسح
__________
(1) في (ص) وإن خرج.
(2) في (م) والأولى مراعاة للخلاف.
(3) المدونة 1/ 42.
(4) في (ق) و (م) و (ت) و (ص) كوع.
(5) في (ق) و (ت) ويوقف.
(6) في (ت) و (ص) إلى ناحية.
(7) في (ص) الكل وفي (ت) الكوعين.
(1/342)
الكفين، وهذا لم يقله أحد. وإنما يقول: إنه
لا يكمل مسح الأولى، ابن حبيب (1). لأنه يشترط (2) المسح بالتراب. والمشهور
أنه لا يشترط.
وإذا مسح على إحدى هذه الصفات فإنه يخلل أصابع يديه. وقد اشترط الشافعية
وضع اليدين على الأرض مضمومتي الأصابع في الضربة للوجه ومفتوحتِها (3) في
الضربة لليدين. وإنما راعوا المسح بالتراب. وإذا فتح أصابعه في الضربة
للوجه علق التراب ما بين الأصابع فيصير مسح ذلك الموضع بتراب قصد به الوجه.
وهذا لا يشترط على المشهور. وقد يلزم من مراعاة التراب اشتراطه. وإن كان في
الأصابع خاتم أزيل. هذا هو المنصوص من المذهب. وإن لم يزله لم يجزه التيمم.
وقال محمد بن مسلمة: إن ترك شيئًا (4) من أعضاء التيمم أجزأه. واستقرأ (5)
أبو الحسن اللخمي من هذا أنه إن لم ينزع الخاتم أجزأه (6).
...
[فصل (وقت التيمم)
أما وقت التيمم فالمشهور أنه لا يجوز قبل دخول وقت الصلاة؛ لأنه (7) لا
يجوز إلا بعد الطلب وفقد الماء، وذلك لا يجب إلا بعد دخول الوقت. والشاذ
جوازه بناء على أنه يرفع الحدث.
ومتى يجوز؟ على المشهور من المذهب فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه لا يتيمم
قبل دخول (8) الوقت، والثاني: أنه يتيمم اليائس من الماء وسط
__________
(1) انظر النوادر والزيادات 1/ 105.
(2) في (ق) وابن حبيب لا يشترط.
(3) في (ت) ومفترقيهما.
(4) في (ت) و (م) و (ق) يسيرا.
(5) في (ت) واستقرأه.
(6) التبصرة: 39.
(7) في (ت) و (م) وأنه.
(8) في (ر) آخر.
(1/343)
الوقت، وغيره آخره (1)، والثالث: هو
المشهور فيه تفصيل (2)؛ وذلك أن فاقد (3) الماء أو فاقد القدرة على
استعماله لا يخلو من أن يكون عالماً باستدامة الفقد إلى أن يخرج الوقت، أو
ظانًا لاستدامته، أو عالماً بوجود القدرة في الوقت، أو ظاناً لذلك، أو
متردداً؛ فإن كان عالماً للفقد (4)، أو ظاناً له تيمم أول الوقت. وإن كان
عالماً بالوجود، أو ظاناً له تيمم آخره. وإن كان متردداً تيمم وسط الوقت.
فإن وجد الماء من أمرناه بالتيمم أول الوقت فلا إعادة عليه، وإن وجده من
أمرنا بالتيمم وسط [الوقت] (5)، [أو] (6) وجد القدرة على ذلك؛ فإن كان
الأصل عنده الوجود والفقد متردد فيه، أعاد في الوقت. وهذا كالعالم بموضع
الماء ويخاف أن لا يدركه في الوقت، وكالمريض يكون عنده الماء ولا يجد من
يناوله إياه ويتردد هل يجد في الوقت من يناوله أم لا؟ وإن كان الأصل عنده
الفقد والوجود متردد، كالمتردد هل بين يديه ماء يبلغه أم لا؟ فهذا لا إعادة
عليه.
وإن تيمم في أول الوقت من أمرناه بالتأخير إلى آخر الوقت؛ فأما العالم ففيه
قولان: أحدهما: أنه يعيد وإن خرج الوقت، والثاني: أنه لا يعيد إلا في
الوقت. ويمكن تخريج هذا على الخلاف في الوجوب هل يتعلق بأول الوقت أو هو
وجوب موسع؟ وأما الظان فإنه يعيد في الوقت فإن خرج الوقت فلا إعادة عليه]
(7).
...
__________
(1) في (ت) و (م) آخر الوقت.
(2) في (ت) و (ر) التفصيل.
(3) في (ص) أن فقد الماء وفي (ت) فقدان.
(4) في (ت) بالقدرة.
(5) ساقط من (ر) و (ق).
(6) ساقط من (ص).
(7) الفصل: كله ساقط من (ق).
(1/344)
فصل (في حكم المتيمم
يجد الماء)
والمتيمم يجد الماء لا يخلو من أن يكون الموجود منسيًا في رحله أو لم يتقدم
له به علم؛ فإن كان منسياً في رحله فلوجوده ثلاث صور: إحداها: أن يجده قبل
التلبس بالصلاة، والثاني: أن يجده في أثنانها، والثالث: أن يجده بعد
إكمالها؛ فإن وجده قبل التلبس بها (1) فلا شك أنه يجب عليه استعماله، وإن
وجده في أثنائها فقولان: أحدهما: أنه يقطع ثم يستعمله ويبدأ، لأنه مفرط
بنسيانه. والثاني: أنه يتم صلاته، لأنه فاقد للماء [فيعذر] (2)، والناسي لا
يلزمه التكليف.
وإن وجده بعد إكمال الصلاة ففي الإعادة ثلاثة أقوال: أحدها: سقوطها قياساً
على الناسي، والثاني: وجوبها وإن خرج الوقت بناء (3) على أنه غير معذور
بالتفريط (4)، وقياسًا على المُظاهِر ينسى رقبة في ملكه فيصوم أو يطعم، ثم
يعلم بها فإنه يجب عليه إعتاقها. والثالث: أنه يعيد في الوقت. والفرق بين
هذا وبين الرقبة أن الإعتاق غير مؤقت بوقت والصلاة مؤقتة (5). فإذا ذهب
الوقت فقد فات التلافي.
وإن لم يتقدم له بالماء علم؛ فإن وجده قبل التلبس بالصلاة فكما قلنا في
الناسي، وإن وجده في أثنائها لم يقطع على المنصوص في المذهب، لأنه غير
مفرط، وإن وجده بعد إكمالها فالأصل ألا إعادة إلا على ما قلناه (6) في
تفصيل المشهور.
...
__________
(1) في (ت) التلبس بالصلاة.
(2) ساقط من (م) و (ق) وفي (ص) فيعيد.
(3) في (ق) و (ت) و (م) و (ص) حملا.
(4) في (ر) و (ت) للتفريط.
(5) في (ص) مؤقتة بوقت.
(6) في (ت) و (م) و (ص) فالأصل الإعادة إلا على ما قلناه، وفي (ق) فالأصل
الإعادة على ما قلناه.
(1/345)
فصل (من يباح له
التيمم)
وأما من يباح له التيمم فحصره على سبيل الإجمال أنه كل من لزمته الصلاة
وتعذر عليه استعمال الماء بفقده، أو لفقده القدرة على استعماله.
وأما التفصيل؛ فإن المسافر والمريض إذا فقدا الماء فأجمعت الأمة على أن
لهما الانتقال إلى التيمم عوضاً عن الوضوء، وكذلك عند فقهاء الأمصار عوضاً
عن الطهارة الكبرى.
وأما الحاضر يفقد الماء ولا مرض به فهل يجوز له التيمم؟ لمالك قولان. وإذا
أجزنا له التيمم ففعل وصلى ثم وجد الماء بعد الوقت فهل يعيد أم لا؟ قولان
في المدونة.
وسبب الخلاف في إجازة التيمم له خلاف الأصوليين في دليل الخطاب (1)؛ هل
يقال به أم لا؟ إذ قال الله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى
سَفَرٍ} (2)؛ فإن قلنا بدليل الخطاب لم يجز التيمم للحاضر الصحيح، وإن لم
نقل بدليل الخطاب أو قلنا به، ولكن (3) يحمل ما في الآية على أنه خرج على
الغالب وفهمنا قطعاً أن المقصود إدراك الوقت بالتيمم، فالتيمم بدل عن
الوضوء فأجزنا للحاضر أن يتيمم. وأما الإعادة وإن خرج (4) الوقت مع إجازة
التيمم فجواب من أشكل عليه الأمر وأخذ بالاحتياط فأمر بأداء الصلاة في
الوقت وقضائها بعده ليجمع بين القولين.
(حكم من فقد الماء والتراب)
وقد اختلف المذهب فيمن فقد الماء والتراب أو ما في معناه على
__________
(1) دليل الخطاب ويسمى مفهوم المخالفة وهو حيث يكون المسكوت عنه مخالفاً
للمذكور في الحكم إثباتًا ونفيًا فيثبت للمسكوت عنه نقيض حكم المنطوق به.
انظر إرشاد الفحول 303.
(2) المائدة: 6.
(3) في (ق) و (م) ولكنه.
(4) في (م) و (ق) بعد.
(1/346)
أربعة أقوال: أحدها: أنه لا يصلي، ولا
يعيد، والثاني: أنه يصلي ويعيد، والثالث: أنه يصلي ولا يعيد، والرابع: أنه
لا يصلي ويعيد.
وسبب الخلاف هل الطهارة شرط في الوجوب فيسقط الأمر بالصلاة ولا تجب
إعادتها، أو شرط في الأداء فيسقط الأمر بها وتجب إعادتها، أو ليس بشرط إلا
مع القدرة فيؤمر بها ولا يعيد؟ والإعادة مع الأمر بها جواب من (1) أشكل
عليه الأمر فاحتاط بأدائها في الوقت وقضائها بعده. وقد أجرى أبو إسحاق
التونسي (2) هذا الخلاف في الحاضر يفقد الماء إذا قلنا إنه ليس من أهل
التيمم.
(متى ينتقل المسافر إلى التيمم مع وجود الماء؟)
وينتقل المسافر إلى التيمم وإن وجد الماء وذلك بشروط منها: أن يخاف إن
استعمله من لصوص أو سباع، فهذا إذا خاف على نفسه. فإن خاف على ماله فقولان:
أحدهما: إجازة الانتقال قياساً على السفر لطلب الأرباح مع تجويز فقد الماء.
والثاني: أنه لا ينتقل. وهذا يرى أن ذهاب المال لا يقابل الصلاة بالتيمم،
وهو مذهب بعيد.
وأولى ما نزل على (3) عدم تيقن الخوف أو غلبة الظن؛ منها: أن يجد ويخاف-
متى استعمله- العطش على نفسه أو على حيوان معه [أو] (4) آدمي أو غيره. وهذا
يبيح التيمم بلا خلاف في المذهب.
__________
(1) في (ص) لمن.
(2) هو: أبو إسحاق إبراهيم بن حسن بن إسحاق التونسي. تفقه بأبي بكر بن عبد
الرحمن وأبي عمران الفاسي، ودرس الأصول على الأذري. كان جليلاً فاضلاً
عالماً إماماً. به تفقه جماعة من أهل إفريقية؛ عبد الحق وغيره، له شروح
حسنة وتعاليق مستعملة متنافس فيها على كتاب ابن المواز والمدونة. توفي
مبتدأ فتنة الأعراب بالقيروان التي وقعت سنة 441هـ. الديباج المذهب ص: 88،
89 والشجرة ص: 108 (285).
(3) في (ت) و (ر) بالتيمم وهو مذهب بعيد وأولى ما يدل على، وفي (ق) بالتيمم
وهذا ما يدل على.
(4) ساقط من (ر) و (ص) و (ت).
(1/347)
ومنها أن يجد الماء لكن بثمن خارج عن
المعتاد بما يجحف به لقلة دراهمه أو لكثرة الزيادة في الثمن. وقد قرر ابن
الجلاب التحديد المزيد بمقدار ثلث الثمن. ولا أصل لذلك. وقد يهون ثمن الماء
فيكون زيادة ثلاثة (1) أمثاله فأكثر ليس بمجحف. ولو وجد المسافر أو الحاضر
- إذا ألحقناه بالمسافر- الماء (2)، لكنه في موضع يفتقر إلى إخراجه. ومتى
اشتغل بإخراجه فإنه يفوت وقت الصلاة؛ فإنه يتيمم لأنه معدم في وقت الصلاة.
فإن كان بين يديه ولا يفتقر إلى إخراجه لكنه لو اشتغل باستعماله لفاته
الوقت؛ ففيه قولان: مذهب المغاربة يستعمله لأن الله تعالى قال: {فَلَمْ
تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} (3)، وهذا واجد. ومذهب البغداديين أنه
يتيمم. إلا أن المقصود قطعا إدراك الصلاة في الوقت ولولا هذا المقصود لما
أبيح التيمم، لأنه متى فقد الماء ولم يراعِ الوقت أُمهل حتى يجد الماء.
(حكم المريض الذي يخاف استعمال الماء)
وأما المريض فإن خاف من استعمال الماء تَلَفَ نفسِه فلا خلاف في المذهب أنه
لا يستعمله وينتقل إلى التيمم. وإن خاف زيادة مرض، فالمشهور أنه ينتقل.
والشاذ أنه لا ينتقل. وهذا لتقابل المكروهين. والصحيح انتقاله، لأن استعمال
الماء على هذه الصفة من الحرج الذي تسقطه الشريعة. وإذا بنينا على المشهور
فله استعمال التيمم متى خاف أحد أربعة أوجه: حدوث مرض، أو زيادته إن كان
مريضا، أو تأخير برء، أو إتلاف نفس.
ووجدان ما لا يقوم بجميع الطهارة كفقدان الجميع عند مالك.
...
__________
(1) في (ص) الزيادة في ثلاثة.
(2) في (ق) بالمسافر يفقد الماء.
(3) النساء: 43، والمائدة: 6.
(1/348)
فصل (في ما يتيمم
به)
وأما ما يتيمم به. فإن تيمم بتراب طاهر منبت غير منقول عن وجه الأرض إلى
الأواني فلا خلاف في الإجزاء. فإن لم يكن على الأرض تراب ففيه قولان:
المشهور أنه غير مشترط، والشاذ اشتراطه.
وقد اختلف أهل اللغة في الصعيد ما هو؟ فهل كل ما صعد على [وجه] (1) الأرض
ترابًا كان أو غيره إذا كان من أجزائها؟ وقيل: وإن لم يكن من أجزائها إذا
اتصل بها نباتاً أو سقوطاً معتاداً كالثلج (2) أو الجليد. وقيل: هو التراب.
واختلف في معنى قوله تعالى: {طَيِّبًا} (3) فقيل: منبِتاً. وقيل: طاهراً،
وهو الأظهر. لكن احتج من قال هو المنبت بقوله تعالى: {وَالْبَلَدُ
الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا
يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا} (4). وفي الحديث قوله - صلى الله عليه وسلم -:
"جُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِداً وَطَهُوراً" (5). وفي بعض الطرق
"وتربتها طهوراً" (6). وبين الأصوليين خَلاف في قبول زيادة العدل.
وإذا قلنا بأن التيمم على غير التراب جائز فهل يجوز مع وجود التراب ومع
فقده؟ في المذهب قولان: أحدهما: جوازه، وهو الأصح (7) على هذا المذهب.
والثاني: كراهيته، مراعاة للخلاف.
وعلى ما قلناه في الآية والأحاديث اختلف المذهب هل يشترط التراب
__________
(1) ساقط من (ر) و (ت) و (ص).
(2) في (ت) و (م) كالملح.
(3) النساء: 43، والمائدة: 6.
(4) الأعراف: 58.
(5) أخرجه البخاري في الصلاة 438، والترمذي في الصلاة 317 واللفظ له.
(6) أخرجه مسلم في المساجد (522) عن حذيفة قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم -:"فُضِّلْنَا عَلَى النَّاس بثَلاَثٍ: جُعِلَتْ
صُفُوفُنَا كَصُفُوفِ الْمَلَائكَةِ، وَجُعِلَتْ لَنَا الأَرْضُ كُلُّهَا
مَسْجِدًا، وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُوراً إِذَا لَمْ نَجِدْ
الْمَاءَ" وَذَكَرَ خَصْلَةً أُخْرَى.
(7) في (ر) و (ق) و (ص) الأصل.
(1/349)
كما قاله ابن شعبان؟ (1) أو يشترط وجه
الأرض [و] (2) ما كان من أجزائها أو [من غير أجزائها؟ أو يكون] (3) يجوز
التيمم بالخشب والحشيش والثلج والجليد (4) والحجر (5). وأما المعادن على
القول بأنا لا نشترط التراب فإذا خلت منه جاز التيمم بها ما دامت مصاحبة
لسطح الأرض. وكذلك الأحجار واليواقيت. فإن نقلت المعادن وصارت عقاقير أو
معدة للاستعمال واللباس خرجت عن حكم الصعيد.
(حكم التيمم بالملح)
وفي الملح ثلاثة أقوال: قال أبو الحسن ابن القصار (6): يتيمم به، وحكى
الباجي وغيره أنه لا يتيمم به، وفصل الباجي (7) بين المعدني فأجاز التيمم
به وبين المصنوع فمنع التيمم به فجعله كالثلج أو الماء بل اشترط فيه من
الصناعة. وهذا كما اختلف في حلوله في الماء هل يكون كقراره أو كالمائعات.
وإن نقل التراب لمن يتيمم به ففي جواز التيمم قولان: أجازه ابن القاسم في
كتاب محمد (8) لأنه من الصعيد، ومنعه ابن بكير. واحتج بقول
__________
(1) هو: أبو إسحاق محمد بن القاسم بن شعبان .. ويعرف بابن القرطبي كان أرأس
فقهاء المالكية بمصر في وقته وأحفظهم لمذهب مالك كان يلحن ولم يكن له بصر
بالعربية مع غزارة علمه، ألف عدة كتب في الفقه وغيره. توفي سنة خمس وخمسين
وثلاثمائة. الديباج المذهب ص: 248، 249، والشجرة ص: 80 (144).
(2) ساقط من (ر) و (ص).
(3) ساقط من (ر) و (ص) وفي (م) و (ت) غير أجزائها.
(4) في (ص) الجمد.
(5) في (ق) الحت وفي (م) الملح.
(6) في (ر) و (ق) ابن القابسي.
(7) في (ص) الشافعي.
(8) يقصد بكتاب محمد: الموازية لمحمد بن المواز الإسكندراني (ت) 269، وقد
اعتمد المالكية هذا الكتاب لزمن طويل. إلا أنه اختفى على أنظار الدارسين في
هذا العصر، ولعل كتاب النوادر والزيادت لابن أبي زيد القيرواني احتفظ بجل
الكتاب. انظر ترتيب المدارك 4/ 164 ومباحث في المذهب المالكي ص 72.
(1/350)
النبي - صلى الله عليه وسلم -: "جُعِلَتْ
لِيَ الأَرْضُ مَسْجِداً وَطَهُوراً". ولا يكون ذلك إلا بمباشرتها بالكف.
...
فصل (لأي شيء يكون التيمم؟)
وأما لأي شيء يكون؟ فإذا تعينت الصلاة جاز التيمم لها (1)، وهذا يختص بصلاة
الفرض ويعم كل من ذكرنا أنه من أهل التيمم اتفاقًا. وعلى قول من أجازه وإن
لم يتعين فلا يجوز التيمم لها إلا المسافر الفاقد للماء يصير من أهل التيمم
فإنه يتيمم لكل ما يفتقر إلى طهارة.
وهل يتيمم من فقد الماء لصلاة الجمعة حذراً من فواتها؟ في المذهب قولان:
أحدهما: أنه لا يتيمم، قاله أشهب. وهذا لأنه يراها بدلاً من الظهر فإن (2)
لم يمكن أداؤها بشرطها انتقل إلى الأصل. والثاني: أنه يتيمم، حكاه ابن
القصار وأبو جعفر الأبهري (3). وهذا لأنها صلاة قائمة بنفسها، وفي المذهب
قولان في ذلك.
وفي جوازه للسنن في حق الحاضر قولان: مذهب الكتاب أنه لا يجوز، على المشهور
في المذهب. والشاذ أنه يجوز، قاله ابن سحنون (4). ولعل هذا لأنه مطلوب
بالصلاة ومطالب بتحصيل (5) الأجر فيستوي أن يكون مطلوبًا بها جزماً أو
ندباً.
__________
(1) في (م) و (ق) عليها.
(2) في (ق) و (م) فإذا لم يكن.
(3) هو: أبو بكر محمد بن عبد الله بن صالح الأبهري، سكن بغداد. وكان إمام
أصحابه في وقته وانتهت إليه الرياسة في مذهب مالك. جمع بين القراءات وعلو
الإسناد والفقه الجيد. شرح المختصرين الكبير والصغير لابن عبد الحكم وانتشر
عنه مذهب مالك في البلاد. كان القيم برأي مالك في العراق في وقته معظّمًا
عند سائر العلماء ... الديباج المذهب ص: 255 - 256، والشجية 91 (204).
(4) في (ق) سحنون.
(5) في (م) و (ت) و (ص) وطالب لتحصيل.
(1/351)
وأما صلاة الجنازة فإن لم يتعين الوجوب جرت
على القولين، والمشهور (1) أنه لا يتيمم لها لأنها وإن قلنا بفرضيتها على
الكفاية فإذا لم تتعين لحقت في عدم التعين بالسنن. وإن تعينت فحكى ابن
القصار أن القياس يوجب جواز التيمم. قال: ويحتمل أن يقال لا يجوز (2) لأن
من الناس من يجوز الصلاة على القبر، وقد روي ذلك عن مالك. فيدفن الميت، ثم
إذا وجد الماء توضأ وصلى على القبر.
...
فصل (هل يصلى بالتيمم أكثر من فرض)
وقد تقدم الخلاف في التيمم هل يرفع الحدث أم لا؟ والاتفاق على توجه (3)
الطلب؛ ولهذا يقول أهل المذهب إذا تيمم لاستباحة فرض فلا يصلي به فرضاً
غيره، لأنه يتوجه عليه الطلب للثانية (4). فبعد الفقد يلزمه التيمم ثانية،
وإن اتحد وقت الفرضين بأن يكونا مجموعين أو كانت فروضا فائتة؛ ففي المذهب
قولان: المشهور أنه لا يجمع بينهما بناء على أن التيمم لا يرفع الحدث،
والشاذ أنه يجمع بينهما، وهي قولة لمالك، وهو بناء على أنه يرفعه.
فإن أمرناه بأن يجمع فجمع فهل يعيد الثانية؟ ثلاثة أقوال: أحدها: الإعادة
في الوقت، قاله مالك في كتاب محمد. وقال ثانية (5): يعيد أبدًا. وقال أصبغ
(6): إن كانتا مشتركتي الوقت كالظهر والعصر، وكالمغرب
__________
(1) في (ت) و (م) المشهور.
(2) في (ق) ويحتمل أن لا يصلي.
(3) في (ت) ثبوت وفي (ق) في موجب.
(4) في (ص) الثاني.
(5) في (ت) وله قول ثاني.
(6) هو: أصبغ بن الفرج بن سعيد بن نافع مولى عبد العزيز بن مروان يكنى أبا
عبد الله. رحل إلى المدينة ليسمع من مالك فدخلها يوم مات. وصحب ابن القاسم
وابن وهب =
(1/352)
والعشاء الآخرة أعاد الآخرة [في الوقت. وإن
كانتا غير مشتركتي الوقت كالصبح والظهر أعاد الآخرة] (1). وإن خرج الوقت
فالإعادة بعد الوقت على نفي مراعاة الخلاف، والتخصيص بالوقت مراعاة له،
والتفرقة لأن الطلب يتوجب إذا افترق وقتهما. ولم يختلف المذهب أنهما لا
يجتمعان.
ومعلوم أنه لا يصلي الفريضة بتيمم النافلة، هذا على القول أنه لا يرفع
الحدث. أما على القول بأنه يرفعه فيلزم أن يصلي بذلك الفرض إلا أن يقال
يتوجه الطلب للفرض فلا نظر إذا لم يتوجه في حق العاجز. وكذلك (2) لو تيمم
للفريضة فصلى قبلها نافلة للزمته الإعادة للفريضة لتوجه الطلب، فإن صلى
بتيممه الفريضة فله أن يصلي به النافلة (3)، لأن النوافل في حكم التبع
للفرائض (4) فينسحب عليها حكمها.
...
فصل (هل تصلى السنن بتيمم الفرض؟)
فإن تيمم لصلاة الصبح، فهل له أن يصلي بذلك التيمم ركعتي الفجر المشهور أنه
لا يجوز له لما قدمناه من توجيه (5) الطلب. وروى يحيى بن يحيى (6) عن مالك
إجازته استحبابا. وهذا لأنه رآها في حكم التبع، وهي
__________
= وأشهب وسمع منهم، كان كاتب ابن وهب وأخص الناس به روى عنه البخاري وغيره
وعليه تفقه ابن المواز وابن حبيب له تآليف حسان. توفي سنة خمس وعشرين
ومائتين وقيل سنة أربع ومولده بعد الخمسين ومائة. الديباج المذهب ص: 97
وطبقات الفقهاء ص: 158.
(1) ساقط من (ق) و (م).
(2) في (ت) ولذلك.
(3) في (ق) النافلة بعد.
(4) في (ص) و (ق) للفرائض والجبران.
(5) في (ص) و (ق) توجه.
(6) في (ت) و (ق) يحيى بن عمر، وفي (ص) يحيى بن محمد.
وهو: يحيى بن يحيى بن كثير بن وسلاس يكنى أبا محمد .. من مصمودة طنجة .. =
(1/353)
بدل من (1) الأخيرتين من الرباعية. وهل له
أن يصلي السنن كالوتر بما صلى به الفرض؟ فالمشهور من المذهب جوازه، واستحب
سحنون إعادة التيمم للوتر (2)، وهذا لتأكيده.
(هل توطأ الحائض إذا انقطع دمها وتيممت؟)
وعلى الخلاف في رفع التيمم للحديث اختلف هل يجوز وطئ الحائض إذا انقطع دمها
وتيممت؟ فالمشهور منعه، والشاذ جوازه.
(حكم إمامة المتيمم بالمتوضئين)
وكذلك الخلاف في إمامة المتيمم بالمتوضئين؛ فالمشهور كراهيته، والشاذ
جوازه.
...
فصل (في مسائل متفرقة من أحكام التيمم)
وحكم التيمم في وجوب النية حكم الوضوء لكنه، [لا]، (3) يقصد بالتيمم على
المشهور إلا استباحة الصلاة دون رفع الحدث. وعلى الشاذ: له أن يقصد رفع
الحدث. وقد قدمنا أن مذهب المدونة فيمن تيمم للحدث الأصغر ولم (4) يذكر أنه
جنب لا يجزيه. وقيل: يجزيه، وهذا لاتحاد
__________
= سمع يحيى مالكاً والليث وجلة أصحاب مالك. وكانت له رحلتان من الأندلس،
سمع في الأولى من مالك والليث وابن وهب واقتصر في الأخرى على ابن القاسم،
وبه تفقه. قدم الأندلس بعلم كثير فعادت فتيا الأندلس بعد عيسى بن دينار إلى
رأيه. وبيحيى وبعيسى انتشر مذهب مالك. وكان مالك يعجبه سمت يحيى وعقله
وسماه العاقل. توفي سنة أربع وثلاثين ومائتين. الديباج المذهب ص: 350، 351،
والشجرة 63 (46).
(1) في (ق) وهو يدل على أن.
(2) انظر النوادر والزيادات 1/ 18.
(3) ساقط من (م) و (ق).
(4) فى (ص) و (م) ثم.
(1/354)
الفعل. وإذا نفينا الإجزاء فصلى، فمقتضى
الكتاب الإعادة. وهكذا نص عليه في مختصر ابن عبد الحكم. وقيل: يعيد في
الوقت مراعاة للخلاف.
وكذلك حكم الموالاة والترتيب في التيمم كحكمها (1) في الوضوء. وفي المدونة
فيمن نكَّس تيممه وصلى، تجزيه صلاته ويعيد التيمم لما يستقبل (2). وهذا مما
يسأل عنه فيقال: أليس يعيد التيمم؛ لأنه يتيمم لكل صلاة فما معنى أمره
بإعادته ها هنا؟ والجواب إن مراده استحباب الإعادة إذا أراد أن يصلي به
نافلة. وفي المدونة في اليائس من الماء يتيمم في أول الوقت ثم يجد الماء
قال: لا إعادة عليه (3). وقال الأشياخ: معناه أنه وجد ماء غير الذي أيس (4)
منه، وإلا لو وجده بعينه لأعاد (5)؛ لأنه ظن فأخطأ. وفي المذهب قولان في
رفع الخطأ بالاجتهاد، وهو على خلاف بين الأصوليين في تصويب المجتهدين.
وقال في الكتاب في المريض والخائف والمسافر يتيممون في وسط الوقت (6). قال
ابن عبدوس (7) وغيره: معناه وقت الاختيار (8). وقال فيمن غربت عليه (9)
الشمس إن طمع أن يدرك الماء قبل مغيب الشفق مضى
_________
(1) في (ص) و (ت) و (م) و (ق) حكمها.
(2) في (ص) يستيقن. المدونة 1/ 44.
(3) المدونة 1/ 45.
(4) في (ص) و (ت) يئس.
(5) في (م) لا إعادة عليه
(6) المدونة 1/ 42.
(7) هو: محمد بن إبراهيم بن عبدوس بن بشير، من كبار أصحاب سحنون وأئمة وقته
وهو رابع المحمديين الذين اجتمعوا في عصر واحد من أئمة مذهب مالك، لم يجتمع
في زمان مثلهم؛ اثنان مصريان: ابن عبد الحكم، وابن المواز، واثنان قرويان:
ابن عبدوس وابن سحنون. ولم يكن في أصحاب سحنون أفقه من ابنه وابن عبدوس.
توفي سنة ستين ومائتين وقيل إحدى وستين الديباج المذهب ص: 237، 238، وشجرة
النور ص: 70 (82).
(8) انظر النوادر والزيادات 1/ 115.
(9) في (ر) و (ص) غابت له.
(1/355)
إليه (1). وهذا يؤخذ منه أن وقت المغرب
ممتد إلى مغيب الشفق. وفي المذهب في ذلك قولان. وقد يقال: إنه قال ذلك
مراعاة للخلاف، إذ أحد القولين أن الحاضر لا يتيمم (2)، وهذا حاضر. على أن
المذهب اختلف هل من شرط السفر المبيح للتيمم كونه مما تقصر فيه الصلاة، أو
ليس من شرطه ذلك؟
وقوله في الكتاب: وقد كان ابن مسعود يقول غير هذا ثم رجع إلى أنه يغتسل.
فاختلف الأشياخ ما مراده بذلك فقيل: كان ابن مسعود يقول: إنه إذا وجد الماء
لا يغتسل لأن تيممه يرفع الحدث ثم رجع إلى أنه يغتسل. وقيل: إن مراده أن
ابن مسعود يقول: يغتسل ويعيد الصلاة، ثم رجع إلى أنه يغتسل فقط، فلا إعادة
عليه (3).
وقوله في الكتاب: لا يعيد الجنب الصلاة إذا وجد الماء. قال أبو الحسن ابن
القابسي: هذا إن لم يكن في بدنه نجاسة، وإلا لو كانت لأعاد في الوقت. وقال
أبو بكر ابن اللباد (4): وإن لم تكن في بدنه نجاسة لكنه أجنب من وطئ في
الفرج فإن فرجه ينجس من بلة فرج المرأة. وهذا عندنا فيه قولان: أحدهما:
الحكم بنجاسته لأن النجاسة تمر عليه، والثاني: أنه غير نجس لأنه ولوج لا
يتعلق به نجاسة.
وقوله في المدونة: [ولا بأس]، (5) في الطين الخضخاض (6) يخفف
__________
(1) في (ق) و (م) و (ص) الشفق أخر حتى يدركه.
(2) في (ت) و (ق) للحاضر أن يتيمم.
(3) في (ص) والإعادة عليه.
(4) هو: أبو بكر محمد بن اللباد بن محمد بن وشاح .. من أصحاب يحيى بن عمر
وبه تفقه، وأخذ عن غيره. تفقه به أبو محمد بن أبي زيد وغيره. لم تكن له
رحلة ولا حج كان عنده حفظ كثير وجمع للكتب وحظ وافر من الفقه. امتحن وسجن
وضرب ثلاث عصي. توفي سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة. الديباج المذهب: 1/ 249،
250 وشجرة النور ص: 84 (163).
(5) ساقط من (ر) و (ق) و (ت).
(6) جاء في لسان العرب 7/ 144: مكانٌ خَضِيضٌ وخُضاخِضٌ: مَبْلولٌ بالماءِ،
وقيل: هو =
(1/356)
وضع يديه عليه (1). قال ابن حبيب: ثم يرفع يديه ويخففهما لينثر (2) ما فيه
من الأذى خيفة أن يتعلق (3) بوجهه، ويفعل في الضربة لليدين كذلك.
... |