التنبيه على مبادئ التوجيه - قسم العبادات

باب في أحكام الأوقات
(أوقات الصلاة من القرآن)
وقد أجملها الله سبحانه في كتابه وبينها على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - وأجمل تعالى ذكر الأوقات في ثلاثة مواضع؛ منها قوله تعالى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ} (2)، فقيل المراد به صلاة المغرب والعشاء (3)، {وَحِينَ تُصْبِحُونَ} (4) المراد به صلاة الصبح {وَعَشِيًّا} (5) المراد به صلاة العصر، {وَحِينَ تُظْهِرُونَ} المراد به صلاة الظهر. ومنها قوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} (6)، فقيل: تناولت (7) صلاة الصبح وهي طرف وصلاة المغرب
__________
(1) في (ت) ابن خويز منذاك.
هو: محمد أبو بكر بن خويز منداد تفقه على الأبهري وعنده شواذ عن مالك وله اختيارات كقوله إن خبر الواحد يوجب العلم ... ولم يكن بالجيد النظر ولا قوي الفقه .. وكان يجانب الكلام وينافر أهله حتى يؤدي ذلك إلى منافرة المتكلمين من أهل السنَّة ويحكم على الكل منهم بأنهم من أهل الأهواء الذين قال مالك في مناكحتهم وشهادتهم وإمامتهم وتنافرهم ما قال. الديباج المذهب ص: 268.
(2) الروم: 17.
(3) في (ص) قيل: هي صلاة المغرب وقيل: هي صلاة المغرب والعشاء.
(4) الروم: 17.
(5) الروم: 18.
(6) هود: 114.
(7) في (ت) تأويل.

(1/376)


وهي طرف لأنها تؤدى عند الطرف. وصلاة العشاء وهي المراد بالزلف من الليل، وقيل: الطرف الثاني الظهر والعصر. فتتناول على هذا أربع صلوات. وقيل الزلف من الليل يتناول المغرب والعشاء فتتناول الآية على هذا خمس صلوات. وقال تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} (1) (2)، فقيل المراد بالدلوك الظهر والعصر والمراد بغسق الليل العشاء الآخرة، وقيل: المراد به المغرب، وقرآن الفجر المراد به صلاة الصبح. وهذا الخلاف على خلاف بين الأصوليين في الأوامر هل تتعلق بوقت الكراهة عند إطلاقه أم لا؟

(أوقات الصلاة من السنة)
فهذا ما يتعلق بالأوقات من القرآن. وأما ما يتعلق بذلك من السنَّة فيخرج عن الحصر، لكن تلقت الأمة بالقبول الحديث المروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه صلى به جبريل عليه السلام عند البيت يومين، فبيّن في اليوم الأول أوائل الأوقات، وفي اليوم الثاني أواخرها إلا المغرب فإنه صلاها في اليومين في وقت واحد وذلك عند مغيب الشمس (3). وكذلك بيَّن (4) - صلى الله عليه وسلم - للسائل فصلى
__________
(1) ساقط من (ت).
(2) الإسراء: 78.
(3) أخرج الترمذي في الصلاة (149) واللفظ له، وأبو داود في الصلاة (393)، وأحمد (1/ 333) عن ابنِ عَبّاس أَنَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَمَّنِي جِبرِيلُ عَلَيهِ السلام عِنْدَ البَيتِ مَرَّتَينِ فَصَلي الظهرَ فِيِ الأُولَى مِنهُمَا حِينَ كَانَ الفَيءُ مِثلَ الشراكِ، ثُم صلى العَصرَ حِينَ كَانَ كُل شَئء مِثل ظِلِّهِ ثُمَّ صلى المَغرِبَ حِين وَجَبَت الشَّمْسُ وَأَفطَرَ الصَّائِمُ ثُمَّ صَلَّى العِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، ثُم صَلَّى الفَجرَ حِينَ بَرقَ الفَجْرُ وَحَرُمَ الطعَامُ عَلى الصَّائِم، وصَلَّى المَرَّةَ الثَّانِيَةَ الظُّهْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيءٍ مِثْلَهُ لِوَقتِ العَصْرِ بالأَمْسِ، ثُم صَلى العَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيءٍ مِثْلَيهِ ثُم صَلَّى المَغْرِبَ لِوَقْتِهِ الأَوَّلِ، ثُمَّ صَلَّى العِشَاءَ الآخِرَةَ حِينَ ذهَبَ ثلُثُ اللَّيْلِ، ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ حِينَ أَسْفَرَتْ الأَرْضُ ثُمَّ التَفَتَ إِلَيَّ جِبرِيلُ فَقَالَ: يَا مُحَمدُ هذا وَقتُ الأَنبِيَاءِ من قَبلكَ وَالوَقْتُ فِيمَا بَينَ هَذَيْنِ الوَقتَينِ". قَالَ الترمذي: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسِ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
(4) فسر.

(1/377)


في اليوم الأول في أول الوقت وفي الثاني في آخره (1).

(تفصيل أحكام الأوقات)
ولنرجع إلى تفصيل أحكام الأوقات فنقول هي على قسمين: وقت أداء ووقت قضاء؛ فوقت الأداء على قسمين: وقت اختيار ووقت اضطرار؛ فوقت الاختيار على أربعة أقسام: وقت فضيلة، ووقت إباحة، ووقت رخصة، ووقت سنة.

(وقت القضاء)
فأما وقت القضاء فهو بعد مضي الاختياري والضروري. وذلك في الظهر والعصر بعد مغيب الشمس (2). وفي المغرب والعشاء بعد طلوع الفجر. وفي الصبح بعد طلوع الشمس.

(الوقت الضروري)
وأما الوقت الضروري فهو في الظهر بعد مضي القامة الأولى في قول، وبعد مضيها ومضي مقدار أربع ركعات في قول ثان. وهو في العصر بعد مضي القامة الثانية في قول، وبعد اصفرار الشمس في قول ثان. وهو في المغرب بعد إكمال (3) أدائها في قول، وبعد مغيب الشفق في قول. وهو
__________
(1) أخرجه مسلمِ في المساجد (613) واللفظ له والترمذي في الصلاة (152) عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ بُرَيدةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ رَجُلاً سَأَلَهُ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَقَالَ لَهُ: "صَلِّ مَعَنَا هَذَينِ"- يَعْنِي اليَوْمَيْنِ- فَلَمَّا زَالَت الشَّمْسُ أَمَرَ بلاَلاً فَأذَّنَ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الظَّهْرَ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ العَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ المَغْرِبَ حِينَ غَابَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْفَجْرَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ، فَلَمَّا أَنْ كَانَ الْيَوْمُ الثَّانِي أَمَرَهُ فَأَبرَدَ بالظَّهْرِ فَأَبرَدَ بِهَا فَأَنْعَمَ أَنْ يُبْرِدَ بِهَا وَصَلَّى العَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَة أَخَّرَهَا فَوْقَ الّذِي كَانَ وَصَلَّى الْمَغْرِبَ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ وَصَلَّى الْعِشَاءَ بَعْدَمَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ وَصَلَّى الْفَجْرَ فَأسْفَرَ بِهَا، ثُمَّ قَالَ: " أَينَ السائِلُ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ" فَقَالَ الرَّجُلُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "وَقْتُ صَلَاِتكُمْ بَينَ مَا رَأَيتُم".
(2) في (ق) الشفق
(3) في (ص) إمكان أدائها وفي (ت) إمكانها.

(1/378)


في العشاء الآخرة بعد مضي ثلث الليل في قول، ونصفه في قول. وهو في الصبح بعد الإسفار (1) في قول، وفي قول لا وقت ضرورة (2) لها.

(وقت الرخصة)
وأما وقت الرخصة فهو وقت الجمع للمسافر وللمريض والأئمة في المساجد ليلة المطر.

(وقت السنة)
وأما وقت السنَّة فهو عند الزوال في حق الحاج بعرفة، فإنه يجمع حينئذ بين الظهر والعصر [وبعد مغيب الشفق بمزدلفة فإنه يجمع حينئذ بين المغرب والعشاء] (3). ولكل واحد من هذه الأوقات موضع من الكتاب يأتي بيانه فيه إن شاء الله تعالى.
...

فصل
(أوقات الاختيار والفضيلة)
(الوقت الاختياري لصلاة الظهر)
ولنبين وقت الاختيار ووقت الفضيلة منه. ولنبدأ بالظهر كما بدأ بها جبريل عليه السلام في صلاته بالنبي عليه السلام، ولهذا سميت الأولى. وأول وقتها زوال الشمس والزوال يعرف بأن يقيم الإنسان قائماً (4)، فإنه يكون ظله أول النهار مستطيلاً في جهة المغرب (5) ثم لا يزال ينقص
__________
(1) في (ت) الإسفرار.
(2) في (ص) إلا وقت ضرورة.
(3) ساقط من (ت).
(4) في (ت) و (ص) قائمًا ما كان.
(5) في (ق) المشرق.

(1/379)


وينقبض (1) إلى أن يقف في جهة (2) دبر القبلة، مائلاً إلى المشرق وقوفاً تدركه الأبصار (3) فإذا وقف على مقدار لا ينقص (4) بعده كان ذلك وسط النهار واستوت الشمس في كبد السماء، فإذا زاد على مكان وقوفه زيادة تظهر للبصر (5) فحينئذ كان الزوال ودخل وقت الظهر. وفيه صلى جبريل عليه السلام بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في اليوم الأول. ثم لا يزال الظل يستطيل إلى جهة المشرق فيقاس من الموضع الذي وقف عليه فإذا كانت الزيادة على مقدار القائم فحينئذ خرج (6) وقت الظهر المختار ودخل وقت العصر.

(الوقت الاختياري لصلاة العصر)
فإذا صارت الزيادة مثلي القائم فهاهنا قولان: أحدهما: أن ذلك آخر وقت العصر المختار (7). والثاني: أن آخر وقتها ما لم تصفر الشمس على الجدران والأراضي.

(الوقت الاختياري لصلاة المغرب)
ووقت المغرب إذ غاب قرص (8) الشمس في موضع لا جبال فيه. وأما موضع تغرب فيه خلف جبال فينظر إلى جهة المشرق؛ فإذا طلعت الظلمة كان دليلاً على مغيب الشمس. ثم اختلف المذهب هل يمتد وقتها كامتداد أوقات الصلوات أم ليس لها إلا وقت واحد؟ فإذا قلنا بامتداده فإنه يمتد إلى مغيب الشفق.
__________
(1) في (ت) و (ق) ينقص وفي (ص) يتقلص.
(2) في (ق) و (ت) يدركه الناظر في (ق) في جهة المغرب دبر.
(3) في (ق) و (ت) يدركه الناظر.
(4) في (ت) لا نقص.
(5) في (ص) قد خرج وفي (ق) فإذا كان مكان وقوفه زيادة تظهر في النظر.
(6) في (ص) قد خرج.
(7) في (ت) أحدهما: أنه خرج وقت الظهر المختار ودخل وقت العصر أن ذلك آخر وقت العصر المختار.
(8) في (ت) إذا غربت قرس وفي (ر) إذا غابت قرسة.

(1/380)


وما الشفق؟ المشهور المعروف من المذهب أن الشفق الذي يدخل لغروبه وقت العشاء الآخرة هو الحمرة. وعند ابن شعبان عن مالك أن أكثر جوابه في الشفق أنه الحمرة. وعنه أيضاً في سماع ابن القاسم أنه أرجو أن تكون الحمرة والبياض الذي (1) لا شك فيه. وأخذ أبو الحسن اللخمي من هذا قولاً ثانياً أن الشفق هو البياض (2) كما يقوله أبو حنيفة. ويحتمل أن يكون كما قال، ويحتمل أيضاً أن يريد ابن شعبان عن مالك أن أكثر جوابه على التصميم من غير مراعاة الخلاف، ولا تردد أنه الحمرة. وقد يراعي الخلاف ويتردد كما في سماع ابن القاسم.
واختلف في آخر وقت العشاء؛ فقيل إذا ذهب ثلث الليلِ الأولُ، وقيل إذا ذهب نصفه.

(الوقت الاختياري لصلاة الصبح)
ووقت الصبح إذا طلع الفجر الثاني وهو الفجر الصادق- والأول وهو (3) ذنب السرحان- وإنما سمي بذلك لأنه يظهر (4) مستطيلا تأنس الأبصار به ثم يظهر أنه قد غاب، وليس كذلك؛ بل هو أول ما يطلع من نور الشمس إذا قرب دنوها (5) من الأفق ثم إذا زاد الدنو كثر الضوء واستطال في الأفق، فسمي هذا المستطيل الفجر الصادق، وبه (6) يتعلق حكم الإمساك عن الطعام (7) وحكم الصلاة. والأول لا يتعلق عليه حكم. واختلف في آخر وقت الصبح؛ فقيل الإسفار الأعلى وهو قبل طلوع الشمس. وقيل آخر وقتها طلوعها (8).
__________
(1) في (ت) والذي.
(2) التبصرة ص: 50.
(3) في (ص) وهو الفجر أيضاً الصادق دون الأول وهو ذنب السرحان.
(4) في (ق) لأنه لا يظهر.
(5) في (ق) ذنوباً.
(6) في (ق) و (ت) و (ص) وعليه.
(7) في (ص) الصيام.
(8) في (ص) و (ت) وقيل: آخره طلوع الشمس.

(1/381)


واختلف أيضاً في الظهر هل يشارك العصر بمقدار أربع ركعات من القامة الثانية أولاً يشاركها؟ ففي المذهب في ذلك قولان. كذلك اختلف في مشاركة المغرب للعشاء الآخرة في مقدار ثلاث ركعات بعد (1) مغيب الشفق. وهذا على القول بأن وقتها ممتد. فيتحصل من هذا أن أول الأوقات لا خلاف فيه إلا ما زاد (2) أبو الحسن اللخمي في العشاء الآخرة. ولا خلاف أيضاً أن أوقاتها (3) المختارة ممتدة إلا المغرب، ففي امتدادها (4) قولان. وآخر أوقات الصلاة كلها فيه قولان.
وسبب الخلاف اختلاف في آثار واعتبار؛ وأما الآثار فمنها صلاة جبريل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقتضي أن الظهر تشارك العصر لأنه قال: "وصلى بي الظهر في اليوم الثاني حين صار ظل كل شيء مثله كوقت (5) العصر بالأمس" (6). ويقتضي أن آخر وقت العصر آخر القامة الثانية؛ لأنه قال: "فصلى بي العصر في اليوم الثاني حين صار ظل كل شيء مثليه". ويقتضي أن المغرب لا يمتد وقتها؛ لأنه صلى به المغرب في اليومين حين غابت الشمس. ويقتضي أن آخر وقت العشاء ثلث الليل؛ لأنه حينئذ صلى به في اليوم الثاني. ويقتضي أن آخر وقت صلاة الصبح الإسفار؛ لأنه صلى به في اليوم الثاني حين أسفر. ومنها حديث عبد الله بن عمرو بن العاص (7). وهو يقتضي عدم الاشتراك بين الظهر والعصر لأنه قال في وقت الظهر ما لم
__________
(1) في (ق) قبل.
(2) في (ق) و (م) و (ت) و (ص) أراد.
(3) في (ص) أن أول أوقاتها.
(4) في (ص) و (ق) و (ت) امتداد وقتها.
(5) في (ص) و (ت): لوقت.
(6) سبق تخريجه.
(7) أخرج مسلم في المساجد (612)، والنسائي في المواقيت (522)، وأحمد في مسنده (2/ 223) واللفظ له عَنْ عَبدِ اللهِ بنِ عَمرو قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "وَقْتُ صَلاَةِ الظهرِ مَا لَم يَحْضُرِ العَصْرُ وَوَقتُ صَلَاةِ العَصر مَا لَمْ تَصفَرَّ الشْمسُ ووَقتُ صَلاَةِ المغرِب مَا لم يَسقُطْ نُورُ الشَّفَقِ وَوَقْتُ صَلاَةِ العِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ وَوَقْتُ صَلاَةِ الفَجْرِ مَا لَمْ تَطلُعِ الشَّمْسُ".

(1/382)


يحضر وقت العصر، وقال في العصر ما لم تصفر الشمس. ويقتضي امتداد وقت المغرب لأنه قال في وقتها ما لم يسقط نور الشفق. ويقتضي امتداد وقت العشاء الآخرة إلى نصف الليل لأنه بذلك حدّه. ويقتضي امتداد وقت الصبح إلى طلوع الشمس لأنه بذلك حدّه أيضاً.
وأما الخلاف في الشفق ما هو؟ فإن الشفق ينطلق على الحمرة والبياض. وقد ورد في الشريعة تعليق صلاة العشاء الآخرة بمغيب الشفق. وبين الأصوليين خلاف؛ هل يؤخذ بأوائل الأسماء فيحمل الأمر هاهنا على الحمرة، أو بآخرها فيحمل على البياض؟
وأما الاعتبار فمن ينفي الاشتراك بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء يقيس على نفيه ماعدا ذلك من الصلوات، ومن يثبته فلما ثبت من الجمع بين هذه الصلوات بعرفة والمزدلفة وفي الأعذار كالسفر والمرض. ولولا إشراك الأوقات لم يجمع بينهما كما لم يجمع بين الصبح والظهر و [لا] (1) العصر والمغرب و [لا] (2) العشاء والصبح.

...

فصل (وقت الفضيلة لكل صلاة)
وأما وقت (3) الفضيلة [فهو] (4) في الظهر بعد مضي ربع القامة هذا في حق الجماعة؛ لأن هذه الصلاة تدرك الناس في القائلة والاشتغال. فكان تأخيرها من المصلحة ليتأهب الناس لها ويدرك جماعتها الجمهور.
وأما الفذ ففي وقت الفضيلة (5) له قولان: أحدهما: كالجماعة، طرداً
__________
(1) ساقط من (ر).
(2) سافط من (ر).
(3) في (ق) أوقات.
(4) ساقط من (ر)، وفي (ق) وهي، وفي (ت) فهي.
(5) في (ص) الصلاة.

(1/383)


لهذه القاعدة الكلية. والثاني: أنه يختص بأول الوقت، لفقدان العلة في التأخير. والمبادرة إلى أداء العبادات أفضل لقوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} (1)، وقوله - صلى الله عليه وسلم - وقد سئل عن أفضل الأعمال فقال: "الصلاة لِأَوَّلِ وَقْتِهَا" (2).
وهو في العصر بعد تحقيق دخول الوقت. ولا خلاف فيه في المذهب (3) ويستوي في ذلك الفذ والجماعة؛ لأن هذه الصلاة تأتي على الناس وهم متأهبون لها.
وهو في المغرب عند سقوط الشمس ومغيبها عن الأبصار. ولا خلاف بين أهل السنَّة في ذلك.
واختلف في وقت الفضيلة في العشاء الآخرة؛ فقيل هو أول الوقت لما ذكرناه من الظواهر. وقيل آخره لما ورد (4) عنه - صلى الله عليه وسلم - لقوله: "لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَخَرْتُ [صَلاَةَ الْعِشَاءِ] (5) إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ" الحديث (6).

(معنى الإسفار بالفجر)
وهو في الصبح أول الوقت إذا تحقق دخوله ولم توجد ريبة. ولا شك في الامتناع من الأداء مع وجود الريبة. وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَإِنهُ
__________
(1) آل عمران: 133.
(2) أخرجه الترمذي في الصلاة (170)، وأبو داود في الصلاة (426)، وأحمد في مسنده (6/ 374) واللفظ للترمذي وأحمد.
(3) في (ق) وقال أشهب يستحب تأخيرها لعصر الذراع من القامة الثانية.
(4) في (ص) إلى آخر لما روى.
(5) ساقط من جميع النسخ.
(6) أخرجه الترمذي في الصلاة 167، وابن ماجه في الصلاة 691 واللفظ له، وأحمد في مسنده 2/ 250، كلهم عن أبي هريرة. وقَالَ الترمذي حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَهُوَ الذِي اخْتَارَهُ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْم مِنْ أَصْحَاب النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَالتَّابِعيِنَ وَغَيْرِهِمْ: رَأَوْا تَأخِيِرَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ وَبِهِ يَقُولُ أحْمَدُ وإِسْحاقُ.

(1/384)


أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ" (1). وإنما أراد الإسفار بمعنى الكشف والوضوح. ومنه أسفرت المرأة أي أبدت عن وجهها (2) وكشفت عنه النقاب. وهي صلاة يؤذن لها قبل وقتها ليأتي أول الوقت والناس متأهبون لها. وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يصليها فينصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس (3).

...

فصل (معنى الإبراد بالظهر)
وإذا اشتد الحر [كان] (4) الأولى الإبراد بالظهر؛ وهو أن يُؤَخَّرَ (5) ربع القامة. وهل ينتهي تأخيرها بذلك (6) إلى آخر الوقت أو إلى وسطه، في المذهب قولان. وهما خلاف في حال؛ فمن البلاد ما يُفتقر فيه إلى التأخير لآخر وقتها لشدة حرها، ومنها ما لا يفتقر فيه إلى ذلك، فكذلك اختلف في الإبراد بالعصر وهو خلاف في حال (7) أيضاً على حسب شدة (8) الحر وخفته.
...
__________
(1) أخرجه الترمذي في الصلاة 154 واللفظ له، والنسائي في المواقيت 548، وأحمد في مسنده 4/ 142، وابن حبان في صحيحه 4/ 357 كلهم عن رافع بن خديج. وقَالَ الترمذي: حَدِيثُ رَافِعِ بْنِ خَدِيج حَدِيث حَسَن صَحِيحٌ.
(2) في (ر) المرأة عن وجهها أي أبدته، وفي (ت) المرأة إذا أبدت وجهها.
(3) أخرج البخاري في الأذان (867) واللفظ له، ومسلم في المساجد (645) "عَنْ عَائشَةَ قَالَتْ: إِنْ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيُصَلِّي الصُّبْحَ فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ مُتَلَفِّعَاتٍ بمُرُوطِهِنَّ مَا يُعْرَفْنَ مِنْ الغَلَسِ".
(4) ساقط من (ر).
(5) في (ر) و (ت) يؤخر عن، و (ق) تؤخر.
(6) في (ر) و (ص) لذلك وفي (ق) بذلك الوقت أو إلى وسطه.
(7) في (ت) و (ق) الحال.
(8) في (ص) حر البلاد.

(1/385)