التنبيه على مبادئ التوجيه - قسم العبادات

باب في أحكام الأذان
(سبب ثبوت الأذان)
ولنقدم مقدمة في سبب ثبوته ثم نعقد أركانه؛ أما المقدمة فإن المسلمين لما كثروا وافتقروا إلى علم [على (1) أوقات الصلاة والدعاء إليها وتشاوروا فذكروا النار والناقوس، فذكروا مشابهة النصارى والمجوس، فافترقوا عن غير رأي مبرم. فرأى عبد الله بن زيد وهو بين المستيقظ والنائم كأن ملكاً نزل من السماء وفي يده ناقوس فقال عبد الله: تبعني (2) هذا. فقال الملك: وما تصنعون به؟ فقال نجعله علماً على أوقات الصلاة. فقال ألا تؤذنون؟ فقال: ما صفة الأذان؟ ثم أذن واستأخر قليلاً فأقام. فأتى عبد الله بن زيد النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره، فأمره أن يلقيه على بلال لأنه أندى (3) صوتاً. قال عبد الله: فاستأذنته أن أؤذن مرة واحدة، فأذنت بإذنه فجاء (4) عمر يجر رداءه فأخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه رأى كتلك (5) الرؤيا، ثم تتابع بضعة عشر من الصحابة يخبرونه بذلك (6)، فاستمر الأذان في الشريعة. وهذا وإن
__________
(1) ساقط من (ق).
(2) في (ت) ألا تبعني وفي (ق) ألا تبغيني.
(3) في (ق) اندأ منك.
جاء في النهاية في غريب الحديث 5/ 36: أندَى صوتاً أي أرفع وأعلى وقيل: أحسنُ وأعذب وقيل: أْبْعَدُ.
(4) في (ص) فخرج.
(5) في (ق) و (ر) كذلك.
(6) أخرجه أبو داود في الصلاة (499)، وابن ماجه في الأذان (706)، وأحمد في مسنده (4/ 43)، والدارمي في الصلاة (1187) بألفاظ تقاربة ولفظ أبي داود عن عَبْد اللهِ بْن زَيدِ قَالَ لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِالنَاقُوسِ يُعمَلُ ليُضْرَبَ بهِ لِلنَّاسِ لِجَمْعِ الصلاةِ طَافَ بِي وَأَنا نَائِمٌ رَجُلٌ يَحْمِلُ نَاقُوساً في يَدهِ فَقُلْتُ: يَا عَبْدَ اللهِ، أَتَبِيعُ النَّاقُوسَ قَالَ: وَمَا تَصْنَعُ بِهِ فَقُلْتُ نَدْعُو بِهِ إِلَى الصَّلاَةِ قَالَ أَفَلَا أَدُلُكَ عَلَى مَا هُوَ خَيرْ مِنْ ذَلِكَ، فَقُلْتُ لَهُ: بَلَى قَالَ: فَقَالَ: تَقُولُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ أشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلَّا اللهُ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إلا الله أشهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ الله أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ =

(1/386)


كان أصله رؤيا فإن إثبات الرسول - صلى الله عليه وسلم - له إما لأنه أوحي إليه بصحته، أو لأن اجتهاده أداه إلى ذلك (1) على خلاف الأصوليين هل له أن يحكم باجتهاده أم لا؟

(حكم الإقامة والأذان)
ولا خلاف في المذهب أن الإقامة سنة في حق الرجال، وأما الأذان فهل هو من السنن أو من فروض الكفاية؟ ووقع لمالك في الموطأ فإنما يجب الأذان في مساجد الجماعة، فحمله أبو محمد بن أبي زيد وغيره من المتأخرين من أهل المذهب على ظاهره في الوجوب. وتأوله القاضي أبو محمد عبد الوهاب على أن مراده وجوب السنن لا وجوب الفرائض. قال أبو الوليد الباجي: الأولى حمله على ظاهره.
ويجب الأذان على وجهين (2): أحدهما: [في مساجد الجماعات] (3)
لأنه شعار الإسلام، ويجب إظهار الشعار. وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يستمع فإن سمع أذانًا (4) أمسك وإلا أغار (5). والوجه الثاني: أنه عَلَمٌ على الأوقات في
__________
= حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ حَىَّ عَلَى الْفَلاَح حَىَّ عَلَى الفَلاَح الله أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لاَ إِلهَ إلاَّ الله قالَ: ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ قَالَ: وَتَقُولُ إِذَا أقَمْتَ الصَّلاَةَ اللهُ أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ أشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ الله أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ الله حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ حَىَّ عَلَى الْفَلاَح قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ قَدْ قَامَتْ الصَّلاَةُ اللهُ أكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لاَ إِلهَ إلا اللهُ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَتيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا رَأيْتُ فَقَالَ: "إنّهَا لَرُؤيَا حَقّ إِن شَاءَ اللهُ فَقُمْ مَعَ بِلاَلٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيتَ فَليُؤَذِّنْ بِهِ فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ" فَقُمْتُ مَعَ بِلَالِ فَجَعَلْتُ أُلقِيهِ عَلَيْهِ وُيؤَذِّنُ بِهِ، قَالَ: فَسَمِعَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ وَيَقُولُ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقَّ يَا رَسُولَ الله لَقَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ مَا رَأى فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "فَلِلَّهِ الْحَمْدُ".
(1) في (ق) اجتهاد إلى ذلك.
(2) في (ق) بالوجهين وفي (ص) للوجهين.
(3) ساقط من (ق) (و) (ت) (و) (ص).
(4) في (ت) الأذان.
(5) يدل عليه ما أخرجه البخاري في الجهاد 2944 واللفظ له، ومسلم في الصلاة 382 عن أنس قال: "كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا غَزَا قَوْماً لَمْ يُغِرْ حَتَّى يُصْبِحَ فَإِنْ سَمِعَ أذَاناً أَمسَكَ وَإنْ لَمْ يَسْمَعُ أَذَاناً أَغَارَ بَعْدَ مَا يُصْبحُ" الحديث.

(1/387)


مساجد الجماعات. ولا يجوز (1) إهمال الأوقات ولو تمادى أهل بلد على إهمالها لقوتلوا (2) عليها (3).

(أركان الأذان)
فإذا تقررت هذه المقدمة قلنا بعدها أحكامُ الأذان تنحصر في أربعة أركان: أحدها: صفته. والثاني: وقته. والثالث: من يؤمر به. والرابع: في صفة المؤذن.
فأما صفة الأذان فهي معلومة. لكن اختلف (4) في ثلاث مسائل: أحدها: هل يبتدئ بالتكبير بصوت مرتفع ثم يخفض الصوت يسيراً في التشهدين (5)، أو يبتدئ مخفض الصوت؟ للمتأخرين في ذلك قولان.
وسبب الخلاف الاعتماد على النقل. والصحيح الابتداء برفع الصوت وهو مقتضى النقل. لأن سبب الخفض في الشهادتين أن أبا محذورة كان في جاهليته كثير الأذى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي بعض الروايات أنه كان في الجاهلية إذا سمع الأذان يستهزئ به. فلما أسلم أمره - صلى الله عليه وسلم - بالأذان فخفض صوته بالشهادتين (6) حياء من قومه وما كانوا يعلمون منه في الوحدانية (7) والرسالة من الطعن قبل الإسلام (8). فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن يعود إلى الشهادتين رافعا صوته فعاد فرفع، فشرع ذلك في الأذان. وهذا يقتضي أنه كان الأذان في بدئه يُرفع الصوت به بالابتداء. وهذا لا يُنكِر أيضاً في الجاهلية (9)
__________
(1) فى (ق) ولا يجوز بلا الاتفاق.
(2) فى (ر) ولو تمالوا ... لقتلوا.
(3) فى (ر) عليه.
(4) فى (ق) (و) (ت) اختلف المذهب.
(5) فى (ص) الشهادين.
(6) فى (ت) بالتشهدين.
(7) فى (ر) الذين كان معهم يهزأ بالوحدانية.
(8) في (ت) من قومه الذين كان معهم يهزأ بالوحدانية والرسالة قبل الإسلام.
(9) فى (ق) (و) (ص) جاهليته.

(1/388)


قول (1) "الله أكبر" وإنما يُنكر الوحدانية [والرسالة] (2).
المسألة الثانية: هل يثني قوله في أذان الصبح "الصلاة خير من النوم" قياساً على سائر ألفاظ الأذان، أو يفرده قياساً على قوله:"قد قامت الصلاة" لأنه تنبيه على معنى زائد على ألفاظ الأذان فأشبه الإخبار بقيام الصلاة؟ والمشهور تثنيته، ولابن وهب إفراده.
والمسألة الثالثه: هل يفرد قوله "قد قامت الصلاة" -وهو المشهور- أو يثني ذلك -وهو رواية المصريين عن مالك رحمه الله؟
وسبب الخلاف ما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه "أَمَرَ بِلَالاً أَنْ يَشْفَعَ الأذان وَيُوتِرَ الإِقَامَة" (3). وفي بعض الطرق ويوتر الإقامة. وبين الأصوليين خلاف في زيادة الراوي العدل هل تقبل أم لا؟
ولو أراد أن يؤذن فأخطأ فأقام فإنه يعيد. وإن أراد الإقامة فأخطأ فأذن؛ في المذهب قولان: أحدهما: أنه يعيد قياساً على الأول، والثاني: أنه لا يعيد. وهذا مراعاة لقول من يقول أن الإقامة مثناة.

...

فصل [وقت الأذان]
وأما (4) وقت الأذان فإنه عند دخول وقت (5) الصلاة. ولا يؤذن لصلاة قبل وقتها إلا الصبح. فعندنا يؤذن لها قبل وقتها لقوله - صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ بِلَالاً يُنَادِي
__________
(1) في (ت) (و) (ص) كون.
(2) ساقط من (ق) و (ر) و (ت).
(3) البخاري في الأذان 606، ومسلم في الصلاة 378، والحاكم في مستدركه 1/ 313، وابن حبان في صحيحه 4/ 568 واللفظ لهما، وقال الحاكم: "والشيخان لم يخرجا بهذه السياقة وهو صحيح على شرطهما".
(4) في (ر) فأما.
(5) في (ق) الوقت للصلاة وفي (ت) أوقات الصلوات.

(1/389)


بِلَيْلِ فَكُلُوا وَاشرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ (1) ابْنُ أُمْ مَكتُومِ" (2).
ومتى يجوز الأذان لها؟ في المذهب ثلاثة أقوال: أحدهما: إنما يؤذن لها في سدس الليل الآخر لأن المقصود التأهب لها، وذلك يحصل في هذا الوقت. والثاني: أن يؤذن لها بعد خروج الوقت (3) المختار للعشاء الآخرة. والقول الثالث: أنه يؤذن لها بعد صلاة العشاء الآخرة، وإن صليت في أول وقتها. والصحيح هو الأول، ولا يحصل الغرض من التأهب على هذين القولين. ولعلهما يتعلقان بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إِن بلاَلاً يُنَادِي بِلَيلٍ" ولم يعين، فكان الليل جميعه محلاً للأذان إلا أن تكون العشاء لم تصل فيمتنع لئلا يختلط أذان الصبح مع أذان العشاء، وهذا رأي الوقار (4). وألا يكون (5) وقت العشاء لم يخرج، إذ لا ينادى للصلاة في (6) وقت غيرها، وهذا رأي ابن حبيب (7).

...

فصل (من يؤمر بالأذان)
وأما من يؤمر بالأذان فكل من يؤمر بالدعاء إلى الصلاة. وذلك يختص بالأئمة حيث كانوا، أو بمساجد الجماعة. وأما الفذ والجماعة
__________
(1) في (ص) حتى يؤذن.
(2) أخرجه البخاري في الأذان 620 عن عبد الله بن عمر.
(3) في (ق) أنه لا يؤذن لها خروج الوقت.
(4) هو: زكريا أبو يحي الوقار بن يحيى بن إبراهيم بن عبد الله مصري روى عن ابن القاسم وابن وهب وأشهب وغيرهم وكان مختصاً بابن وهب، قرأ القرآن على نافع المدني استوطن طرابلس كان فقيهاً صاحب عجائب، توفي سنة أربع وخمسين ومائتين بمصر وقيل سنة ثلاث وستين. الديباج المذهب ص: 118.
(5) في (ص) و (ت) وإلا أن يكون وفي (ق) أن يكون.
(6) في (ت) قبل وقتها وفي (ص) و (ق) في وقت آخر.
(7) النوادر والزيادات: 1/ 160.

(1/390)


المجتمعون بموضع ولا يريدون دعاء غيرهم إلى الصلاة فوقع في المذهب لفظان: أحدهما: أنهم إن أذنوا فحسن. والثاني: أنهم لا يؤذنون. فأراد (1) أبو الحسن اللخمي أن يجعل المذهب على قولين، (2) وليس كذلك. بل لا يؤمرون بالأذان كما يؤمر به الأئمة وفي مساجد الجماعات. فإن أذنوا فهو ذكر، والذكر لا ينهى عنه من أراده، لا سيما إذا كان (3) من جنس المشروع.

(استحباب الأذان للمسافر)
واستحب متأخرو أهل المذهب الأذان للمسافر وإن كان فذاً، لما روي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر أبا سعيد الخدري بالأذان إذا كان في غنمه أو باديته (4). ولما قاله سعيد بن المسيب (5) من أنه إذا أذن وأقام صلى خلفه أمثال الجبال من الملائكة (6). وهذا لا يمكن أن يقوله إلا على توقيف لأن القياس لا يتسلط على مثل هذا. وإذا صح ذلك صار الأذان في حق هذا دعاء إلى الجماعة وهم الملائكة.
...
__________
(1) في (ت) وأراد.
(2) التبصرة: ص 54.
(3) في (ر) كان بالأذان، وإذا كان.
(4) أخرج البخاري في الأذان 609 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمّن بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الْأَنْصَارِي ثُمَّ الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنهُ أخْبَرَهُ أَن أَبا سعيد الْخُدْرِيَّ قَالَ لَهُ: إِنَّي أَرَاكَ تُحبُّ الغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ فَإِذَا كنتَ في غَنَمِكَ أَوْ بَادِيَتِكَ فَأَذَّنْتَ بِالصَّلاَةِ فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالندَاءِ فَإِنهُ لاَ يَسمَعُ مَدَى صَوتِ المُؤَذنِ جِنٌّ وَلاَ إِنْسٌ وَلاَ شَيءٌ إلاَّ شَهِدَ لَهُ يَومَ الْقِيَامَةِ.
(5) هو: سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب أبو محمد القرشي المخزومي عالم أهل المدينة وسيد التابعين في زمانه، ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر رضي الله عنه وقيل لأربع مضين منها بالمدينة. توفي سنة 94 هـ. سير أعلام النبلاء ج: 4 ص:217.
(6) انظر مصنف عبد الرزاق 1/ 510.

(1/391)


فصل (يقام للفوائت ولا يؤذن لها)
ولا يؤذن عندنا للفوائت لأن الجماعة غير مشروعة فيها، ولأن الأذان يزيدها فواتا. ولا يؤذن إلا للفرائض الوقتية. وأما الإقامة فإنها مشروعة لكل مصل صلاة فرض وقتية (1) أو فائتة، لكن حكمها في الجماعة آكد منها في الانفراد، وحكمها على الرجال آكد منه على النساء. وفي الكتاب في المرأة إن أقامت فحسن (2).
والفرق بين الأذان والإقامة أن الأذان إعلام بحضور وقت الصلاة، والإقامة إعلام للنفس للتأهب للصلاة. فلهذا اختص الأذان بما ذكرناه وشرعت الإقامة للجميع.
وإذا جمع الإمام الصلاتين فهل يؤذن لكل واحدة منهما؟ في المذهب في ذلك ثلاثة أقوال: أحدها: الأذان والإقامة لكل واحدة (3). والثاني: أن يكتفي بالأذان الأول والإقامة لكل صلاة. والثالث: أنه يستغني عن الأذان وتكفيه الإقامة.
وسببه اختلاف (4) الأحاديث في جمعه - صلى الله عليه وسلم - بعرفة، هل كان بأذانين وإقامتين؟ أو بأذان وإقامة؟ (5) [أو بإقامتين] (6). وروى ابن عمر (7) عنه أنه كان بإقامة واحدة للصلاتين جميعاً وبه أخذ (8).

...
__________
(1) في (ت) في وقتها.
(2) المدونة 1/ 59.
(3) في (ق) و (ص) لكل صلاة.
(4) في (ق) و (ت) و (ص) وهو على اختلاف الأحاديث.
(5) في (ص) و (ق) إقامتين.
(6) ساقط من (ق).
(7) هكذا في (ق) وفي (ص) أبو عمر، وفي (ت) و (ر) فإنها غير واضحة.
(8) مسلم في الحج 1288.

(1/392)


فصل (صفة المؤذن)
وأما صفة المؤذن فالمقتدى به في الأوقات يجب أن يكون ذا دين (1)، عارفاً بالأوقات. ومن كماله أن يكون بالغ (2) الصوت، حسنه؛ لأن الأذان لغة وشرعاً للإعلام، ومنه قوله تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} (3)، أي أعلمهم. وإذا كان المقصود الإعلام فالبالغ (4) بالصوت أكمل في ذلك، والنفوس مجبولة على الميل إلى حسن الصوت. فلذلك قلنا من كماله أن يكون حسناً.

(أمور ينبغي للمؤذن مراعاتها)
ويستحب للمؤذن أن يستقبل القبلة عند التكبير والتشهد (5). وأما دورانه ووضع أصبعيه في أذنيه فإن قصد بذلك المبالغة في الإبلاغ (6) فهو مشروع. ويكره التطريب المخرج عن باب الأذان إلى باب الأغاني. ولا يتكلم في أذانه إلا أن يضطر إلى الكلام بأن يخاف هلاكاً على نفسه (7) أو على غيره أو على ماله. فإن تكلم بنى إلا أن يطول الكلام (8) طولاً يخرج الأذان عن بابه.
وهل يرد السلام إشارة؟ قولان: المشهور أنه لا يرده. والشاذ أنه يرده كالمصلي. والفرق بينه وبين المصلي على المشهور أن المصلي ممنوع من الكلام فجاز له الانتقال إلى الإشارة، والمؤذن غير ممنوع كالمصلي، فلا
__________
(1) في (ق) و (ص) آمنا ذا دين.
(2) في (ر) بليغ.
(3) الحج: 27.
(4) في (ت) و (ص) البليغ وفي (ر) فالتبليغ.
(5) في (ر) و (ق) والتشهيد.
(6) في (ر) الاستماع.
(7) في (ق) الهلاك على نفسه وفي (ر) هلاك نفسه.
(8) في (ق) كلامه.

(1/393)


يجوز ابتداء السلام عليه لأنه بين أن يترك الرد فيأثم أو يتكلم رداً فيفسد (1) نظم الأذان، فإذا تعدى المسلم فسلم عليه قوبل على عدوانه بترك الرد عليه.
ولا يؤذن جالساً لأن المقصود الإبلاغ، وهو غير كامل من الجالس. ويؤذن راكبًا. ولا يقيم إلا نازلاً لئلا يفرق بين الإقامة والصلاة بالنزول، إلا أن يكون ممن يصلي على الراحلة للضرورة فيقيم على راحلته.
وهل يجوز أذان الجنب والصبي؟ في المذهب قولان: الكراهية، والجواز؛ فأما الكراهية فلأن المؤذن داع إلى صلاة وهذان ليسا ممن يستحق الدعاء إليها. والجواز لأنه ذكر وهذان من أهله.
وأعداد المؤذنين بحسب سعة الوقت وضيقه. ولهذا نأمر في المغرب بأن يجتمع جميعهم في أذان واحد.

(هل يجوز أخذ الإجارة على الأذان)
وهل يجوز أخذ الإجارة على الأذان؟ في المذهب قولان: المشهور جوازه، والشاذ كراهيته؛ فالجواز لما يتكلف من مراعاة الأوقات، والكراهية لأنه ذكر. وكذلك أمره - صلى الله عليه وسلم - بأن يتخذ مؤذناً لا يتخذ (2) على أذانه الأجرة (3).
ولا تجوز الإجارة على صلاة الفرض على المشهور من المذهب.
__________
(1) في (ق) فيسقط.
(2) في (ق) و (ص) لا يبتغي.
(3) يشير إلى الحديث الذي أخرجه الترمذي في الصلاة 209 واللفظ له، والنسائي في الأذان 672، وأبو داود في الصلاة 531، وابن ماجه في الأذان 714 عَن عُثْمانَ بْن أَبي العَاص قَالَ: "إنَ مِنْ آخرِ ما عَهِدَ إِلَيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ اتخَّذْ مُؤَذناً لاَ يَأخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجراً" قَالَ الترمذي: "حَدِيثُ عُثمَانَ حَدِيث حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهلِ العِلمِ كَرِهُوا أَنْ يَأخُذَ المُؤَذِّنُ عَلَى الأَذَانِ أَجْراً وَاستَحَبُّوا لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يَحْتَسِبَ في أَذَانِهِ".

(1/394)


لكن تجوز الإجارة على الأذان والصلاة جميعاً فتكون الصلاة بالأجرة على حكم التبع.
واختلف المتأخرون لو طرأ عليه ما يمنعه الإمامة هل يسقط نصيبها من الأجرة أو لا يسقط؟ وهو على الخلاف في الأتباع هل لها قسط من الثمن أم لا؟

فصل (في حكاية الأذان)
ويؤمر سامع الأذان بحكايته، لكن اختلف في منتهى ما يحكي السامع؛ فالمشهور أنه إلى آخر التشهدين (1). وهل يكرر التشهدين لتكرار المؤذن، أو يكرر إذا تكرر الأذان؟ في ذلك قولان: [أحدهما: التَّكرار في جميع ألفاظه، وبه تحصل الحكاية كما (2) يفعل المؤذنون، والقول الثاني: أنه يكفيه حكايته إلى التشهدين. وكذلك الخلاف في المذهب أيضاً هل يحكي جماعة من المؤذنين أو يكفيه واحد؟ فيه قولان في المذهب. ينشأ (3) على مسألة أصولية وهي أن الألف واللام هل للجنس أو للعهد؟ في ذلك قولان] (4)، وقد مر عليه الكلام في سؤر الكلاب. والشاذ أنه يحكيه إلى آخر الأذان لما روى عمر عن النبي (5) من وصفه لما يحكيه السامع إلى أن يبلغ "فقال السامع لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه دخل الجنة"، ويعوض عن الحيعلتين بالحوقلتين (6). وإنما ذلك لأن سائر ألفاظ الأذان ذكر وهو يفيد
__________
(1) في (ص) و (ر) الشهادتين.
(2) في (ت) وكما.
(3) في (ر) ينني.
(4) ساقط من (ق) و (ص).
(5) في (ر) و (ت) لما روي عنه.
(6) أخرج مسلم في الصلاة 385 واللفظ له، وأبو داود في الصلاة 527 عن عُمَرَ بْنِ الخَطابِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذَا قَالَ المُؤَذنُ اللهُ أكَبَرُ اللهُ أكَبَرُ فَقَالَ أَحَدُكُمْ =

(1/395)


الحاكي، وأما قول المؤذن "حي على الصلاة حي على الفلاح" فمعنى ذلك هلموا إلى الصلاة هلموا إلى الفلاح فلا يفيد الحاكي قولها فيما بينه وبين نفسه، فيعوض عن ذلك بأن يقول كلاماً يناسب قول المؤذن ويكون جوابًا له بأن يبرأ من الحول والقوة على إتيان الصلاة والفلاح إلا بحول الله تعالى وقوته.

(هل يحكي الأذان من كان في الصلاة)
وهل يحكي الأذان من كان في صلاة؟ في المذهب ثلاثة أقوال: أحدها: أنه لا يحكيه (1) في الفرض ولا في النفل. والثاني: أنه يحكيه فيهما. والثالث: أنه يحكيه في النفل دون الفرض (2)، وهو المشهور. وهاهنا عبادتان: إحداهما ما هو فيه من الصلاة، والثانية [ما أمر به من حكاية قول] (3) المؤذن؛ فمن غلب حكم الصلاة، قال لا يحكي، ومن التفت إلى أنه ذكر- والصلاة محل الأذكار- قال يحكيه (4)، ومن فرق فلتأكيد الفرض وخفة الأمر في النفل.
وإذا قلنا يحكيه في الصلاة فإنما يبلغ إلى آخر التشهدين. ولو قال في الصلاة حي على الفلاح (5) فإنها تبطل، وهذا إذا كان عامداً وأما الناسي فلا تبطل. والجاهل يجري على القولين (6) في الجهل هل حكمه هو حكم
__________
= الله أَكبَرُ الله أَكْبَرُ ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ الله قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إلاَّ الله ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَن مُحَمَّداً رَسُولُ الله قالَ أَشهَدُ أن مُحَمداً رَسُولُ اللهِ ثُمَّ قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ قَالَ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ باللهِ ثُمَّ قَالَ حَيَّ عَلَى الفَلاَح قَالَ لاَ حَوْلَ وَلا قُوّةَ إِلاَّ باللهِ ثُمَّ قَالَ الله أَكَبَرُ اللْهُ أَكَبَرُ قَالَ اللهُ أكَبَرُ الله أَكَبَرُ ثُمَّ قَالَ لاَ إِلَهَ إلاَّ الله قالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ من قَلْبِهِ دَخَلَ الجَنَّةَ".
(1) في (ق) لا يحاكيه.
(2) في (ر) الفرض دون النفل.
(3) ساقط من (ر).
(4) في (ر) فلا يحكيه.
(5) في (ص) حي على الصلاة وفي و (ق) و (ت) حي على الفلاح حي على الصلاة.
(6) في (ص) الخلاف.

(1/396)


العمد أم حكم النسيان؟ ولاشك أن من أمر بالأذان فتركه لا تبطل صلاته.
وأما من أمر بالإقامة فتركها فإن كان سهواً لم تبطل صلاته. وأما العامد ففيه قولان: المشهور أنها لا تبطل، والشاذ أنها تبطل، وهو على الخلاف في تارك السنن متعمداً هل يعد عابثاً فتبطل عبادته أم لا يعد كذلك؛ لأنه غير مأثوم في الترك فلا تبطل؟
...