التنبيه
على مبادئ التوجيه - قسم العبادات باب في ذكر فروض
الصلاة وسننها وفضائلها
(فروض الصلاة)
ولنذكر ما قال الناس في ذلك جملة ثم نأخذ في تفصيله. وأما الفروض فهي
قسمان: أحدهما: ما ليس من نفس الصلاة، والآخر: من نفسها؛ والذي ليس من نفس
الصلاة قسمان: قسم سابق، وقسم مقارن؛ فالسابق ثلاثة: طهارة الحدث، وطهارة
الخبث، وستر العورة. والمقارن ثلاثة: استقبال القبلة، والنية، وترتيب
الأداء. والذي هو من نفس الصلاة عشرة أشياء وهي: تكبيرة الإحرام، والقيام
لها، وقراءة أم القرآن، والقيام لها، والركوع، والرفع منه، والسجود، والرفع
منه، وقدر ما يوقع فيه [السلام] (1) من الجلسة الآخرة، والسلام.
(سنن الصلاة)
وسننها عشرة: وهي ماعدا تكبيرة الإحرام من التكبيرات، وقول الإمام سمع الله
لمن حمده، وقراءة السورة التي مع أم القرآن، والقيام لها، والجهر فيما يجهر
فيه، والإسرار فيما يسر فيه، والتشهد الوسط، والجلوس له. والزائد على مقدار
الفرض من الجلوس الآخر، والتشهد فيه. وفي
__________
(1) ساقط من (ر).
(1/397)
الطمأنينة، والصلاة على النبي - صلى الله
عليه وسلم - قولان: قيل هما من الفروض، وقيل: من السنن.
(فضائل الصلاة)
وفضائلها سبع: وهي رفع اليدين في الافتتاح، وترتيب القراءة بأن يطيل (1) في
الصبح، ويقصر في المغرب (2)، والظهر تلي الصبح، والعشاء الآخرة تليها،
والعصر تلي العشاء الآخرة، وقول المأموم آمين، وقوله ربنا ولك الحمد،
والتسبيح في الركوع، والدعاء في السجود، والقنوت.
وهذه الفروض والسنن والفضائل منها مجمع عليه، ومنها مختلف فيه؛ فأما
الطهارة من الحدث فقد تقدم أنها من المجمع عليه، وأما الطهارة من الخبث فقد
تقدم الخلاف في فرْضيتها. وأما ما عدا هاتين (3) فنبين حكمه عند أبوابه على
محاذاة (4) ترتيب الكتاب.
...
باب في أحكام التكبير
وقد قدمنا أن تكبيرة الإحرام فرض من فروض الصلاة وما عداها سنة (5) كما
يحكي جميع أهل المذهب. وقال أبو الوليد الباجي: مقتضى مسائلهم وجوب التكبير
جميعه. وإنما عول على أن السجود يجب عوضاً عن تركه (6). فمتى (7) ترك
السجود بطلت الصلاة على قول. وهذا يأتي بيانه في باب السهو إن شاء الله.
__________
(1) في (ص) بأن تطال وفي (ق) و (ت) يطال.
(2) في (ق) المغرب والعصر.
(3) في (ق) و (ص) و (ت) هاذين.
(4) في (ر) عادة.
(5) في (ص) مسنون.
(6) في (ص) تاركه.
(7) في (ر) فمن.
(1/398)
ولا خلاف في وجوب تكبيرة الإحرام في حق
الفذ والإمام. وأما المأموم ففي حمل الإمام لها عنه قولان: المشهور أنه لا
يحملها قياساً على الركوع والسجود. والشاذ أنه يحملها قياساً على القراءة.
(حكم العاجز عن لفظ التكبير)
وأما لفظ التكبير عندنا فمتعين لا يجزي غيره من الأذكار؛ لأنه الوارد به
والموضع موضع عبادة فيقتصر على ما ورد. ولا يجزي أن يؤتى من التكبير بلفظ
سوى اللفظ المعلوم ولا يعوض بـ "الأكبر" ولا بـ "الكبير" لما قلناه من وجوب
التعيين، هذا في حق القادر. وأما العاجز عن التكبير لامتناع (1) الكلام
عليه فلا شك أنه يدخل في الصلاة بالنية، وإن كان عجزه لأنه (2) لا يحسن
العربية ففي المذهب قولان: أحدهما: يعوض بلسانه الذي يحسنه؛ لأن المعنى هو
المطلوب في حقه. والثاني: أنه لا يعوض بلسانه الذي يحسنه جموداً على ما
ورد. ولا خلاف أنه لا يعوض عن القراءة بلسان غير عربي؛ لأن الإعجاز في
اللفظ العربي. لكن اختلفوا هل يعوض أذكاراً أم لا على قولين؟
وسبب (3) الخلاف ما ورد في بعض الطرق عنه - صلى الله عليه وسلم - في تعليم
الأعرابي الذي لم يحسن الصلاة فإنه أمره بالقراءة أو بذكر الله تعالى إن لم
يحسنها (4) ولم يرد ذلك في أكثر الطرق. وبين الأصوليين خلاف في زيادة العدل
هل تقبل أم لا؟
...
__________
(1) في (ق) و (ص) و (ت) وأما العاجز فإن كان عجزه لامتناع.
(2) في (ر) و (ص) بأنه.
(3) في (ص) ومدار.
(4) يريد بذلك الحديث الذي أخرجه الترمذي في الصلاة 302 وفيه أن الرسول -
صلى الله عليه وسلم - قال للمسيء صلاته: "إِذَا قُمتَ إِلَى الصَّلَاةِ
فَتَوَضَّأ كَمَا أَمَرَكَ الله ثُم تَشَهَّدْ وَأَقِمْ فَإِنْ كَانَ
مَعَكَ قُرْآنٌ فَاقْرَأ وَإلاَّ فَاحمَدِ اللهَ وَكَبّرهُ وَهَلُلْهُ"
الحديث. وقال الترمذي: حَدِيثُ رِفَاعَةَ بنِ رَافِع حَدِيثٌ حَسَنٌ.
(1/399)
فصل (تكبيرة الإحرام
للمأموم)
وإذا قلنا بوجوب تكبيرة الإحرام في حق المأموم، فإن كبر للركوع [ناوياً
للإجزاء عن تكبيرة الإحرام] (1) صح له ذلك، وإن كبر ولم ينو فلا يخلو من أن
يعلم أنه لو عاد (2) إلى القيام أمكنه تكبيرة الإحرام وإدراك الإمام، أو
يعلم أنه لا يدركه؛ فإن علم أنه لا يدركه فهل يعود إليه؟ فيه قولان.
وسببهما هل يراعى الخلاف فلا يعود- لأن أحد قولي مالك أنه يجزيه- أو لا
يراعي فيعود.
وإذا قلنا إنه يعود فهل يسلم أم لا؟ قولان: وجوب السلام - وهو مقتضى الأخذ
بالمذهب- ومراعاة قول من اجتزى بالأول. وتركه هو بناء على ترك مراعاة
الخلاف بالجملة. وإذا قلنا إنه يتمادى ولا يعود أو قلنا بالتمادي لأنه خاف
فواتها مع الإمام فإنه يتم الصلاة ويعيد.
وهل الإتمام هو الواجب والإعادة احتياطاً أو بالعكس؟ للمتأخرين قولان.
وفائدة الخلاف لو بطلت الصلاة التي تمادى عليها وصحت الأخرى (3)، أو بطلت
المعادة وصحت التي تمادى عليها ففي الإجزاء بالصحيحة قولان (4). وهو على ما
قدمنا من كون الإعادة واجبة والتمادي أحتياط أو بالعكس.
وإن لم يكبر للركوع فعلى المشهور يقطع متى علم، وعلى رواية ابن وهب تجزيه
الصلاة. هذا في حق المأموم، وأما الإمام فلا يجزيه إلا تكبيرتان: أحدهما:
للإحرام، والثانية: للركوع، وهذا هو المعروف (5) من
__________
(1) ساقط من (ت).
(2) في (ت) أعاد وفي (ص) قام.
(3) في (ق) الإعادة.
(4) في (ق) خلاف.
(5) في (ص) و (ق) و (ت) المعرفة.
(1/400)
المذهب. وقال أبو الفرج: هذا على القول بأن
القراءة فرض في كل ركعة يريد (1)، وعلى القول بأنها ليست بفرض (2) في كل
ركعة (3) يكون الإمام والمأموم بمنزلة واحدة تجزيهما تكبيرة الركوع إذا قصد
بها تكبيرة الإحرام.
(حكم القيام لتكبيرة الإحرام)
وهل يجب القيام لتكبيرة الإحرام؟ (4) أما الفذ والإمام فيجب ذلك في حقهما،
وهذا يظهر على القول بأن قراءة أم القرآن عليهما فرض في كل ركعة. وأما
المأموم؛ ففي المذهب فيه قولان: فمذهب المدونة أنه لا يجب القيام في حقه
لتكبيرة الإحرام (5) لأن القيام يجب عنده للقراءة وهذا لا تجب القراءة في
حقه. وفي كتاب ابن المواز وجوب القيام لها قياساً على الإمام والفذ.
(ما يفعل من شك في تكبيرة الإحرام)
وما يفعله من شك في تكبيرة الإحرام؟ أما الفذ فإن شك [قبل] (6) أن يركع كبر
(7) من غير سلام وأجزى. وإن ركع ففي قطعه وابتدائه قولان كالإمام. وأما
المأموم فلا يقطع. وقد تقدم حكمه إذا أيقن بترك [تكبيرة] (8) الإحرام. ولا
شك مع شكه في الإتيان بها أنه يتمادى ويعيد. وأما الإمام ففيه قولان:
أحدهما: أنه يتمادى ويعيد هو ومن خلفه إذا شكوا كشكه. والثاني: أنه يقطع
ويقطعون ولا يصح استخلافه هاهنا؛ لأنه إذا لم يكبر لا تجزيهم الصلاة.
وأيضاً فقد يمكن أن يكون كبر فيصير كالقاطع عمداً
__________
(1) في (ت) يزيد.
(2) في (ق) بأن أم القرآن ليست فردا.
(3) في (ق) في كل ركعة من الصلاة أو في جلها.
(4) في (ت) الإحرام أم لا.
(5) المدونة: 1/ 63.
(6) ساقط من (ص).
(7) في (ر) قطع.
(8) ساقط من (ق).
(1/401)
بخلاف استخلافه إذا ذكر أنه على غير طهارة
(1). وأبو الحسن اللخمي يجعل حكمه (2) كحكم الطهارة (3). وقد فرقوا في
الروايات بينهما، ولعل الفرق أن التكبيرة [ركن] (4) من نفس الصلاة والطهارة
لست كذلك. فإذا ترك التكبير فقد أسقط ركنا من الصلاة وهو الموجب (5)
لانعقادها. فإذا لم تنعقد في حقه فلا يصح الاقتداء به بخلاف إن سقط شرط لها
وهو يظن أنه لم يسقطه. على أن قياس الشك في التكبير هو قياس الشك في
الطهارة.
وبالجملة فقد فرقوا بين الطهارة وبين التكبير، والفرق ما ذكرت. وإذا سلم
الشاك ثم ذكر أنه كان كبر ففي إجزائه قولان: أحدهما: الحكم بالإجزاء. حكاه
ابن المواز عن مالك وأصحابه. وهذا لأنه ابتدأ الصلاة بنية جزمًا والحكم
للابتداء (6). والثاني: أنه لا يجزيه لأنه أتم الصلاة على تردد فتبطل ويجب
عليه ابتداء صلاة لا شك فيها.
...
فصل (حكم مسابقة الإمام ومساواته في تكبيرة
الإحرام)
ومن حكم الإمام أن يتقدم في تكبيرة الإحرام، فإن كبر المأموم من قبله فلا
تجزيه الصلاة عندنا. ومتى علم بذلك قطع وابتدأ. وهل يقطع بسلام؟ قولان:
مذهب الكتاب أنه يقطع بغير سلام (7) وهذا جواب من لا يراعي الخلاف (8).
وقال سحنون: يقطع بسلام. وهو جواب من يراعي
__________
(1) في (ت) وضوء.
(2) في (ق) و (ت) حكم هذا كحكم.
(3) التبصرة ص: 59.
(4) ساقط من كل النسخ.
(5) في (ص) من الواجب.
(6) في (ق) بنية إجزائها والحكم للابتداء.
(7) المدونة: 1/ 64.
(8) في (ق) يقطع بسلام وهذا جواب من يراعي الخلاف.
(1/402)
الخلاف. وألزمه أبو الحسن اللخمي أن يقول
بصحة صلاته لنفسه لو (1) تمادى على (2) ذلك الإحرام. وحكي عنه أنه قال: لا
تصح الصلاة. قال أبو الحسن: وهذا اختلاف قول، أو أنه بني على مذهب مالك؛
(3) يعني أنه يقطع بغير سلام. وهذا الذي قاله غير صحيح، وإنما مذهب سحنون
أن ذلك التكبير لا يجزي كما قاله جميع أهل المذهب. لكنه يقطعه بسلام، ليس
لأنه صحيح في نفسه ولكن مراعاة لمذهب الشافعي القائل بصحته.
وإن تساوى الإمام والمأموم في تكبيرة الإحرام ففي صحة صلاته في المذهب
قولان. والقول بالصحة قياساً على سائر أركان الصلاة، فإنه لو ساواه فيها لم
يقل أحد من أهل المذهب ببطلان صلاته. والبطلان هو الصحيح؛ لأن حكم الإمامة
يقتضي التقدم. فإذا كبرا معاً لم يحصل التميز الذي يوجبه حكم الإمامة. على
أن المساواة في سائر الأركان إنما لم تفسد به الصلاة لأنهم سحبوا حكم السبق
في التكبير على سائر (4) الأركان، وإلا فالقياس يقتضي نفي الصحة.
ولو سبق المأموم الإمام في الأركان كالركوع والسجود، فإن المنصوص في المذهب
أمر المأموم بالعودة إلى ما فعله قبل إمامه حتى يكون فاعلاً بعده. فإن لم
يفعل (5) فالمنصوص صحة (6) الصلاة، وهذا مما ألزمت فيه بعض الأشياخ (7)،
البطلان. لأنه لم يحصل الاقتداء به في الأركان، فالتزموه على القول بأن
الحركة إلى الأركان مقصودة. قال: وعلى
__________
(1) في (ق) ولو.
(2) في (ص) ولى ذلك.
(3) التبصرة ص: 59.
(4) في (ت) لأنهم في حكم المسبق على تكبيرة الإحرام فانبنى عليها سائر.
(5) في (ص) و (ق) و (ت) يعد.
(6) في (ق) بطلان وخرم في (ص) و (م). والصواب ما أثبته لأنه قال بعده وهو
المنصوص في الروايات.
(7) في (ت) أشياخي.
(1/403)
القول بأن [الحركة إلى الأركان] (1) غير
مقصودة تصح الصلاة. وهو معنى ما وقع في الروايات (2).
...
فصل (ما قيل في رفع اليدين في الصلاة)
واختلف في رفع اليدين في الصلاة على خمسة أقوال: فقيل: لا يرفع في تكبيرة
الإحرام ولا في غيرها. وهذا في مختصر ابن شعبان. وتأوله بعض الأشياخ على
المدونة لقوله: وكان رفع اليدين عند مالك ضعيف (3). لكنه قد نص على ضعفه في
غير تكبيرة الإحرام. والقول الثاني: أنه يرفع في تكبيرة الإحرام خاصة.
والقول الثالث: أنه يرفع فيها، وفي الرفع من الركوع. والرابع: أنه يرفع
فيهما وفي القيام إلى الثالثة (4). والخامس: أنه يرفع في ذلك وفي الانحطاط
إلى الركوع. وقد وردت أحاديث تقتضي هذه الأقوال.
وقد قدمنا أن الرفع من الفضائل. وسببه إما تأهب (5) لما يقدم عليه من
الصلاة ورهبة، وإما نبذ للدنيا على ما نذكره في صفة الرفع. فيمكن أنه - صلى
الله عليه وسلم - كان يرفع بحسب ما يكون عليه من الأحوال من رغبة أو رهبة،
أو ما يخطر بباله من نبذ الدنيا وطرحها. وهذا (6) خير ما تأولت عليه هذه
الأحاديث الواردة المختلفة في صفة الرفع.
__________
(1) ساقط من (ر).
(2) في (ق) الكتاب.
(3) المدونة: 1/ 68.
(4) في (ق) الثانية.
(5) في (ص) تهيئاً وفي (ت) تهيب وفي (ق) تنبيهاً.
(6) في (ق) "حين رهب أو خطر بباله طرح الدنيا ونبذها رفع وإلا اكتفى
بالتكبير وهذا". وفي (ر) "وطرحها رفع وإلا اكتفى بالتكبيرة وهذا"، وفي (ص)
"فإن رعب أو خطر بباله طرح الدنيا ونبذها رفع وإلا اكتفى بتكبيرة وهذا".
(1/404)
(ما ورد في صفه
الرفع)
وإذا قلنا بالرفع ففي صفته قولان: أحدهما: أنه يبسط يديه فيجعل ظهورهما مما
يلي السماء وبطونهما مما يلي الأرض، وهذه صفة الراهب. والثاني: أنه يرفعهما
منتصبتين فيجعل أصابعهما مما يلي السماء (1)، وهذه صفة النابذ للدنيا وراء
ظهره. واستحسن هذه الصفة المتأخرون؛ لأنه يمكن بها الجمع بين الأحاديث
الواردة على منتهى الرفع. وقد اختلف المذهب في منتهاه على قولين: أحدهما:
إلى الصدر، والثاني: إلى المنكبين (2). فقد روي عنه - صلى الله عليه وسلم
-: "أنه كان يرفع يديه حذو صدره" (3). وروي "حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ" (4).
وروي عنه "حذو أذنيه" (5). وقد جمع بين هذه الأحاديث مالك رحمه الله فقال:
يكون الكوع حذو الصدر وطرف الكف حذو المنكبين والأصابع حذو الأذنين. وهذا
إنما يعم على القول بأن الرفع صفته نصب الكفين كما تقدم.
...
__________
(1) في الأرض.
(2) في (ص) و (ق) الكتفين.
(3) لم أقف على هذا الحديث. وقد أورده صاحب التاج والإكليل 1/ 536 على أنه
نص سماع أشهب، وذكره ابن جزي في القوانين الفقهية ص:43 قولاً، بصيغة
التمريض.
(4) أخرج البخاري في الأذان 735 واللفظ له، ومسلم في الصلاة 390 عَنْ
سالِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه
وسلم - كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنكِبَيهِ إذَا افْتَتَحَ الصلاَةَ
وَإِذَا كبرَّ لِلرُّكُوع وإذَا رَفَعَ رَأسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ
رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ أَيضاً وَقَاَلَ: "سَمِعَ الله لِمَن حَمِدَهُ رَبنا
وَلَكَ الحمدُ" وَكَانَ لاَ يَفعَلُ ذلِكَ في السُّجُودِ
(5) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 22/ 39، والبيهقي في سننه الكبرى 2/
25 وقال عقبه: "يزيد بن أبي زياد غير قوي" (يعني الراوي).
قال ابن عبد البر في التمهيد 9/ 229: "اختلفت الآثار عن النبي - صلى الله
عليه وسلم - وعن الصحابة ومن بعدهم في كيفية رفع اليدين في الصلاة؛ فروي
عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يرفع يديه مداً فوق أذنيه مع رأسه،
وروي عنه أنه كان يرفع يديه حذو أذنيه، وروي عنه أنه كان يرفعهما إلى صدره.
وكلها آثار محفوظة مشهورة وأثبت شيء في ذلك عند أهل العلم بالحديث حديث ابن
عمر هذا وفيه الرفع حذو المنكبين وعليه جمهور الفقهاء بالأمصار وأهل
الحديث".
(1/405)
فصل (ماذا يفعل بعد
التكبير)
وإذا كبر فما يفعل؟ (1) المشهور من المذهب كراهية الدعاء وغير ذلك من
الأذكار بين التكبير وأم القرآن، وكذلك لا يقرأ {رَبَّنَا لَا تُزِغْ
قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} (2)، ولا يقول: "سُبحَانَكَ
اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ تَبَارَكَ اسمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلاَ إِلهَ
غيرُك" (3)، ولا يقرأ {بسم الله الرحمن الرحيم} في الفريضة سراً ولا جهراً.
وقد رويت أحاديث تقتضي الفصل بين التكبير والقراءة ببعض هذه، فأنكرها مالك
خيفة أن يُظن وجوب قراءتها (4) كما تجب قراءة الفاتحة (5).
لما (6) روي عنه [من] (7) أنه كان يقول بعضها. وقوله (8) في المبسوط إن من
جهر بالبسملة (9) لا شيء عليه، ليس بخلاف كما ظنه أبو الحسن اللخمي، بل نهى
في المبسوط (10) حرصاً على النفوس من أن تعتقد ذلك
__________
(1) في (ق) يصنع.
(2) آل عمران: 8.
(3) الترمذي في الصلاة 242، والنسائي في الافتتاح 899 واللفظ له.
(4) في (ص) قولها.
(5) من ذلك ما روي عن أبي هريرة أنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - يسكت بين التكبير وبين القراءة إسكاتة قال: أحسبه قال: هنية فقلت:
بأبي وأمي يا رسول الله إسكاتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: "أقول
اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من
الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج
والبرد". صحيح البخاري: 1/ 259.
وقد قال البراذعي في سبب عدم أخذ مالك بهذه الأحاديث؛ إنه لم يكن يعرفها.
التهذيب 1/ 232. بينما ابن رشد أرجع ذلك إلى الاختلاف في صحة الأحاديث، أو
مخالفتها لعمل أهل المدينة بداية المجتهد 1/ 235.
(6) في (ر) و (ت) وما.
(7) ساقط من (ص).
(8) في (ر) وله.
(9) في (م) ظنه بالتسمية.
(10) في (ر) المشهور.
(1/406)
فرضاً (1)، ولم ير بأساً على قائله لأنه (2) ذكر والصلاة محل الأذكار.
... |