التنبيه
على مبادئ التوجيه - قسم العبادات باب في أحكام
القراءة في الصلاة
والمعروف من المذهب وجوب القراءة في الصلاة. وقد وقع لابن زياد (3) ما يؤخذ
منه أنها لا تجب، لكن كلامه على صلاة من لم يقرأ. ويمكن (4) أن يحكم بالصحة
مراعاة للخلاف. وروي عن عمر رضي الله عنه أنه صلى فلم يقرأ، فقيل له في
ذلك، فسأل عن الركوع والسجود هل أكملت؟ فقيل له أكملت، فقال: لا بأس إذاً.
وقد تأول المالكية ذلك على أنه أعاد. وهذا بعيد؛ لأنه يبطل معنى سؤاله عن
الركوع والسجود. وتأوله الشافعية على أنه ترك الجهر ولم يترك القراءة جملة.
وهذا أقرب من التأويل الأول. وإذا قلنا بوجوب القراءة فهي (5) متعينة عندنا
فلا يقوم مقام أم القرآن غيرها.
(ذكر الخلاف في قراءة الفاتحة في الصلاة)
وهل تجب في كل ركعة (6)؟ ثلاثة أقوال: أحدها: أنها تجب في كل
__________
(1) في (ص) فرض.
(2) في (ص) لكنه.
(3) في (ت) وقد وقع بلغة لابن زياد.
هو: علي بن زياد أبو الحسن التونسي العبسي ثقة مأمون سمع من مالك والثوري
والليث بن سعد وغيرهم لم يكن بعصره في أفريقية مثله، سمع منه البهلول بن
راشد وشجرة وأسد بن الفرات وسحنون وغيرهم، روى عن مالك الموطأ وهو معلم
سحنون الفقه وكان سحنون لا يقدم عليه أحد من أهل أفريقية وكان أهل العلم
بالقيروان إذا اختلفوا في مسألة كتبوا بها إلى علي بن زياد ليعلمهم بالصواب
وكان خير أهل أفريقية في الضبط للعلم .. ومات علي بن زياد .. سنة ثلاث
وثمانين ومائة. انظر الديباج المذهب: ص: 192 وطبقات الفقهاء ص: 156 وشجرة
النور 60.
(4) في (ص) أن ما أمكن.
(5) في (ر) فصل.
(6) في (ر) الصلاة.
(1/407)
ركعة. والثاني: أنها تجب في ركعة واحدة.
والثالث: أنها تجب في الجل دون الكل؛ فأما تعينها على الجملة فلقوله - صلى
الله عليه وسلم -: "كل صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج غير تمام"
(1). وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقرَأ بِأُم
القُرْآنِ" (2). وبين الأصوليين خلاف في النفي هل يقتضي [الإجمال] (3)
ويقتضي نفي الصحة أو نفي الكمال (4) على أقوال بيِانها محال على موضعه. لكن
قوله: "لاَ صَلَاة" يحتمل أن يريد به جملة الصلاة فتكون القراءة (5) في كل
ركعة [واحدة] (6) لازمة (7). ويحتمل أن يريد الركعة الواحدة لأنها تسمى
صلاة. وأما القول بالإجزاء إذا قرأ في الجل؛ فهو بناء على أن الأتباع تقتضي
(8) حكم متبوعها لا حكم نفسها. وفي حديث جابر: "كل ركعة لم يقرأ فيها بأم
القرآن فلم يصليها إلا وراء الإمام" (9). فقد اختلف في رفعه إلى النبي -
صلى الله عليه وسلم - والصحيح إيقافه على جابر. وبين الأصوليين خلاف في قول
الصحابي هل هو حجة أم لا؟
__________
(1) أخرجه مسلم في الصلاة 395، والترمذي في التفسير2953 بلفظ قريب. ولم أقف
على هذا اللفظ إلا عند ابن عبد البر في التمهيد 20/ 196 غير مسند، ونيل
الأوطار 2/ 234 عزاه إلى البيهقي عن علي مرفوعاً، لكني لم أقف عليه عنده.
ولفظ مسلم "عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَبِى - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: "مَن صلى صلاَة لَمْ يَقرَأ فِيهَا بِأُمً القُرْاَنِ فَهِي خِداج
ثَلَاثا غَير تَمَام".
(2) أخرجه البخاري في الأذان 756، ومسلم في الصلاة واللفظ له 394 عن عبادة
بن الصامت.
(3) ساقط من (ق).
(4) في (ص) هل يقتضي الإجمال أو نفي الكمال أو نفي الصحة.
(5) في (ت) الفاتحة.
(6) ساقط من (ق) و (ص).
(7) في (ق) لازمه و (ص) جازمه.
(8) في (ق) و (ص) و (ت) تعطى.
(9) لم أقف عليه بهذا اللفظ إلا بلقظ قريب عند الترمذي في الصلاة 313 ومالك
في الموطأ 188 عن جَابِر بن عَبْدِ اللهِ قال: "مَن صَلَّى رَكعَة لَمْ
يَقرَأ فِيهَا بِأُمَّ القُرْآنِ فَلَم يُصَلِّ إلاَّ أَنْ يَكُونَ وَرَاءَ
الْإِمَامِ". واللفظ للترمذي، وقَالَ: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ".
(1/408)
فإذا صلى وترك أم القرآن في جميع الصلاة
فقد قدمنا ما في ذلك من الخلاف وبطلانها على المشهور. وإن تركها في ثلاث
ركعات أيضاً من الرباعية فالمشهور أيضاً أنها لا تجزيه. وعلى القول
بالإجزاء بالأقل (1) تجزيه، وقد نص عليه علي بن زياد. وإن تركها في ركعتين
فلا شك على قول ابن زياد في الإجزاء. [وأما على] (2) المشهور، إن ذكر ذلك
بعد الإكمال أعاد بعد أن يسجد لسهوه قبل السلام. والسجود مراعاة لقول (3)
من يقول إنها تجزيه. وإن ذكر ذلك وهو في الصلاة فهل يلغي الركعتين اللتين
تركهما فيهما ويبني على ما قرأ فيه أو يتمادى ويعيد. في المذهب قولان؛
فالإلغاء بناء على فرضيتها في الكل أو الجل (4) وترك مراعاة الخلاف،
والتمادي والإعادة بناءً على مراعاة الخلاف. وإن تركها في ركعة من الصلاة
الرباعية ففي المذهب ثلاثة أقوال: أحدها: أنه يلغي تلك الركعة المتروكة
فيها. والثاني: يسجد لسهوه ويكتفي بصلاته. والثالث: أنه يسجد لسهوه ويعيد.
والسجود (5) نص عليه في كتاب ابن المواز. والإلغاء بناء على فرضيتها في كل
ركعة من غير مراعاة للخلاف. والاجتزاء بها بناء على فرضيتها في الجل.
والتمادي [والإعادة] (6) بناء على مراعاة الخلاف. لكن يحتمل أن يكون مذهبه
في هذا القول أنها تجزيه، ولكن يراعى قول من يقول بعدم الإجزاء فيؤمر
بالإعادة، أو يكون مذهبه أنها غير مجزية (7). لكن يتمادى مراعاة لقول من
يقول إنها مجزية (8).
(ثمرة الخلاف)
ويكون ثمرة الخلاف لو تبين له بطلان إحدى الصلاتين هل يكتفي
__________
(1) في (ق) بالأول.
(2) ساقط من (ت).
(3) في (ص) لخلاف.
(4) في (ص) و (ت) في الجل والكل.
(5) في (ت) ويعيد لسجود.
(6) ساقط من (ق).
(7) في (ق) مجزية عنه.
(8) في (ق) لقول من يرى ما تجزي عنه.
(1/409)
بالأخرى (1) أو تكون الإعادة في الوقت أو
فيه وبعده؟ وعلى القول بالإلغاء هل يكون سجوده قبل السلام أو بعده؟ ينظر؛
فإن جلس بعد ركعتين صحيحتين قرأ فيهما بأم القرآن [وسورة] (2) فسجوده (3)
بعد السلام لأنه تمخضت له الزيادة بما ألقاه، وإن لم يحصل له الجلوس بعد
ركعتين صحيحتين [قرأ فيهما بأم القرآن] (4) فقد اجتمعت له الزيادة- وهي
الركعة الملغية والنقص وهو الجلوس- فيكون سجوده قبل السلام. فهذا أخصر ما
قيل [فيه] (5) من التطويل. وكل (6) هذا إذا لم يذكر ما ترك من القراءة حتى
ركع فرفع رأسه من الركوع. وإن لم يرفع رأسه فهل يعود إلى القيام ويقرأ؟
يجري على القولين في عقد الركعة [ما هو] (7)؟ هل هو وضع اليدين على
الركبتين فلا يعود؟ أو رفع الرأس فيعود؟
وأما إن لم يركع وذكر ذلك بعد ما قرأ السورة فإنه يعود ويقرأ أم القرآن.
وهل يعيد قراءة السورة [لوضعها في غير موضعها أو لا إعادة عليه لأنه قرأها؟
قولان. وإذا قلنا يعيد قراءتها هل يسجد أم لا؟ قولان أيضاً. قال سحنون:
يسجد لطول القيام (8). فإذا قلنا لا يعيدها فهل يسجد] (9) ويعد كالتارك
لقراءة السورة لوضعها في غير موضعها أو لا سجود عليه لأنه قد قرأها؟ قولان.
فإن ترك أم القرآن في ركعة من الصلاة الثنائية كالصبح وصلاة المسافر وصلاة
الجمعة، في المذهب قولان: أحدهما: أنه كالتارك لقراءتها في شطر
__________
(1) في (ق) و (ر) وبالإجزاء.
(2) ساقط من (ق) و (ص).
(3) في (ت) وسجد، وفي (ر) فسجود.
(4) ساقط من (ر) و (ق) و (ص).
(5) ساقط من (ت) و (ص) و (ق).
(6) في (ص) على.
(7) ساقط من (ص).
(8) في (ر) القيام أم لفواته؟ قولان.
(9) ساقط من (ر) و (ص).
(1/410)
الصلاة الرباعية لأن نسبة الواحدة من
الثانية كنسبة اثنتين إلى [اثنتين] (1) من الرباعية. والثاني: أنه كالتارك
لقراءتها في ركعة من الرباعية.
والاختلاف في هذا اختلاف في النظر إلى الركعة في نفسها، أو نسبتها إلى ما
معها من الركعات؛ فإن نظر إليها في نفسها فهي يسيرة (2) وإن نظر إليها
بالنسبة إلى ما معها فهي كثيرة (3).
...
فصل (فيمن ترك السورة في الركعتين الأوليين)
وأما السورة التي مع أم القرآن في الركعتين الأوليين فقد تقدم أنها من
السنن. وحكى أبو الحسن اللخمي عن المذهب قولين آخرين: أحدهما: أنها واجبة.
والثاني: أنها مستحبة (4). وهذا لا نجده في المذهب، وإنما عوَّل في الوجوب
على ما نذكره من إعادة الصلاة لتركها عمداً، وإن كان بعد الوقت. والاستحباب
على سقوط السجود في تركها. وتركها (5) لا يخلو من ثلاثة أقسام:
إما أن يكون عمداً؛ ففي المذهب ثلاثة أقوال: المشهور: صحة صلاته ولا سجود
عليه، بل يؤمر أن يستغفر لينوب (6) له ثواب الاستغفار على ما فاته من
تركها. والقول الثاني: أنه يعيد وإن خرج الوقت. وهذا بناءً على أن من ترك
السنن عامداً يجب عليه الإعادة أبداً. والقول الثالث: أنه يسجد قبل السلام
كالتارك لها ناسياً (7). وهذا لأنه يرى أن السجود ورد في
__________
(1) ساقط من (ر).
(2) في (ق) كثيرة.
(3) في (ق) يسيرة.
(4) التبصرة ص: 62.
(5) في (ت) وتاركها.
(6) في (ق) ليست له ثواب، وفي (ر) ليتوب.
(7) في (ق) لما نساها.
(1/411)
الناسي تنبيهاً على أن العامد أحرى وأولى
أن يتدارك الترك بالسجود. وإما أْن يكون سهواً فالمشهور الأمر بالسجود قبل
السلام. وفي مختصر ابن شعبان: لا سجود عليه. ومنه أخذ أبو الحسن اللخمي
الاستحباب. ويحتمل أن يكون بناء على ما قاله [أولاً] (1) أو لأن السجود لم
يرد في ذلك، ولا يتعدى به ما ورد فيه. وهذا هو الظاهر، وهو قول [مالك] (2)
والشافعي. وإما أن يكون جهلاً. وفي الجاهل قولان: هل هو كالعامد أو
كالناسي؟ والمشهور أن قراءة غير أم القرآن في الركعتين الآخرتين لا تستحب.
ومن قرأ بغير أم القرآن فيهما لم يكن عليه السجود ولا غيره. ووقع لمحمد بن
عبد الحكم ما يقتضي استحباب القراءة. ولعله يرى أن الصلوات محل الأذكار،
والقراءة من أفضل الأذكار. وتكثيرها في الصلاة مأمور به ما لم يؤد إلى
التطويل المخرج للصلاة عن بابها.
...
فصل (هل يؤمن الإمام)
ويؤمر (3) الفذ والمأموم عند ختم أم القرآن بأن يقول: "آمين" بلا خلاف. وهل
يؤمن الإمام؟ في المذهب قولان: المشهور أنه لا يؤمن، والشاذ أنه يؤمن.
وسبب الخلاف اختلاف ظواهر [الآثار] (4). وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم -
أنه قال: "فإذا قال الإمام ولا الضالين فقولوا آمين" (5). وهذا يقتضي ظاهره
أن الإمام
__________
(1) ساقط من (ر) و (ت).
(2) ساقط من (ص) و (ق) و (ت).
(3) في (ت) ويؤمن.
(4) ساقط من (ق) و (ت).
(5) أخرجه البخاري في الأذان 782 واللفظ له، ومسلم في الصلاة 415 عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا
قَال الإِمَامُ: غيرِ المغضُوبِ علَيهِم وَلاَ الضَّالينَ، فَقُولُوا:
آمِينَ، فَإنَّهُ مَن وَافَقَ قَولُهْ قَولَ المَلَاِئكَةِ غُفِرَ لَه مَا
تَقَدمَ من ذَنْبِهِ".
(1/412)
لا يؤمِّن. وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم
- أنه قال: "إِذَا أَمَّنَ الأِمَامُ فَأمَّنُوا" (1). وظاهره أن الإمام
يؤمَّن. وقد تؤول الأول على أن المقصود به بيان محل تأمين المأموم. وأنه
بعد قول الإمام "ولا الضالين" لا بعد تأمين الإمام. فعلى هذا لا تكون فيه
حجة على أن الإمام لا يؤمن. وتؤول الثاني على أن معناه إذا بلغ الإمام
التأمين لا أنه يؤمن (2). والصحيح عند المتأخرين أن الإمام يؤمن لقول ابن
شهاب: "وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: آمِينَ"
(3). هذا وإن كان من المراسيل، فإن الصحيح عند الأصوليين القول بها لا سيما
مراسيل مثل ابن شهاب.
(ما يقول المصلي عند الرفع من الركوع)
وينخرط في سلك هذا الخلاف في قول: "رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ". ولمالك في
ذلك قولان. وقد روي أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يقول ذلك (4).
وفي كتاب مسلم عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول إذا رفع رأسه من
الركوع يقول: "سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً
مباركاً فيه ملئ السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد أهل الثناء
والمجد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد"
(5). وما وقع لمالك من كراهية أن يقول المصلي: "حمداً كثيراً طيباً مباركاً
فيه" (6). فإنما كرهه لئلا يعتقد أنه من فروض الصلاة أو من فضائلها. وما
ورد لابن شعبان من أن
__________
(1) أخرجه البخاري في الأذان 780، ومسلم في الصلاة 410 عن أبي هريرة.
(2) في (ت) لا أنه لا يؤمن.
(3) البخاري في الأذان 780.
(4) البخاري في الأذان 689.
(5) لمِ أقف عليه بهذا اللفظ، ولفظ مسلم في الصلاة 471 حَدَّثَنَا شُعبَةُ
عَنِ الْحَكم قَالَه غَلبَ عَلَى الكُوفَةِ رَجُلٌ قَدْ سَمَّاهُ زَمَنَ
ابْن الأَشْعَثِ فَأَمَرَ أَبا عُبَيد بن عبدِ اللهِ أَنْ يُصَلِّيَ
بِالنَاسِ فَكَانَ يُصَلِّي فَإِذَا رَفَعَ رَأسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَامَ
قَدْرَ مَا أَقُولُ: اللهُمَّ رَّبَنا لَكَ الحَمْدُ مِلءُ السَّمَاوَاتِ
وَمِلءُ الأَرضِ وَمِلءُ مَا شِئتَ من شيء بعدُ أَهلَ الثناءِ وَالمَجدِ
لاَ مَانِع لِمَا أَعطَيْتَ وَلاَ مُعطِي لِمَا مَنَعتَ وَلاَ ينْفَعُ ذَا
الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ.
(6) في (ق) مباركا ثبت.
(1/413)
قائل ذلك تبطل صلاته لا معنى له، لما ثبت
عنه - صلى الله عليه وسلم - من الثناء، على قائل ذلك. وهل يقول المأموم
والفذ والإمام على أحد القولين: "ربنا لك الحمد"، أو "ربنا ولك الحمد"
بزيادة الواو، أو هو مخيّر في ذلك؟ واختلفت الروايات عن مالك في ذلك أيهما
المستحب؟ فاستحب في رواية ابن القاسم زيادة الواو، وفي رواية إسقاطها. وهو
على الخلاف في معنى قول الإمام: سمع الله لمن حمده؛ هل هو دعاء فيكون
المستحب إضافة الواو لأن معنى ذلك: اللهم استجيب لنا ولك الحمد على
استجابتك، [أو كأنه خبر] (1) فكانه يقول الله سامع لمن حمده فلا يضاف
الواو؛ لأن معنى ذلك مجرد التحميد من غير دعاء ولا حمد على الاستجابة (2).
...
باب في حكم من جاء والإمام راكع
والمطلوب في حق هذا إدراك الركعة والوصول إلى الصف. وقد اختلف المذهب إذا
لم يمكنه الإتيان بهما أيهما الأوْلى؟ فقيل إدراك الركعة هو المقدم، فيركع
حيث انتهى. وقيل: إدراك الصف هو المقدم، فلا يركع إلا أن يدرك الصف. وإذا
أمرناه بالركوع فهل يدب إلى الصف؟ أما إن بعد فلا يدب إليه، وأما إن قرب دب
إليه.
ومتى يفعل ذلك هل في حالة الركوع أو بعد رفع رأسه منه؟ فيه قولان: أحدهما:
أنه يدب راكعاً كي (3) لا يرفع الإمام رأسه وهو غير مستو في الصف. والثاني:
أنه يدب بعد رفع رأسه؛ لأن فعل ذلك راكعاً مما يشق، وقد يشوش المشي على
حالة الركوع.
وما حدّ القرب في المذهب روايتان (4): إحداهما: أنه الصفان.
__________
(1) ساقط من (ر) و (ق).
(2) في (ق) الاستحباب.
(3) في (ص) و (ق) و (ت) لئلا.
(4) في (ق) قولان.
(1/414)
والثانية: أنه ثلاثة صفوف. وظنه أبو الحسن
خلافاً، وليس كذلك؛ بل المقصود جواز الندب إذا كان قريباً، والاثنان (1) من
الثلاثة قريب، ولا أصل للتحديد إلا ما يعد قريباً.
...
باب في أحكام الركوع والسجود والجلوس.
وقد قدمنا الخلاف في الطمأنينة في أركان الصلاة هل هي فرض أو سنة. وسبب
الخلاف تعارض قوله تعالى: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} (2). وقوله - صلى الله
عليه وسلم - للأعرابي: "ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً
واجلس حتى تطمئن جالساً فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك" (3). وبين الأصوليين
خلاف في الألفاظ هل تطلق على أوائل الأسماء أو على أواخرها؛ فإن قلنا
بانطلاقها على أواخر الأسماء كانت الآية والحديث متفقين. وإن قلنا
بانطلاقها على الأوائل فيجزي أقل (4) ما يقع عليه اسم ركوع بظاهر الآية
ويعارضها نص الخبر، وهو من أخبار الآحاد. وبين الأصوليين خلاف في المقدم
منها.
وكذلك الخلاف في الاعتدال في الرفع من الركوع والسجود هل يجب أم لا على
هذا؟
وإذا قلنا بوجوب الطمأنينة فما مقدارها؟ هو أن تستقر الأعضاء في أماكنها
وتسكن (5). وإذا حصل ذلك وزاد المكلف عليه فهل تعد الزيادة
__________
(1) في (ق) الإتيان.
(2) الحج: 77.
(3) لم أقف عليه بهذا اللفظ، والذي عند البخاري في الأذان 757 عَنْ أَبِي
هُرَيرَةَ مرفوعاً وفيه: "ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعاً ثُمَّ
ارْفَعِ حَتى تَعْدِلَ قَائِماً ثُمَّ اسجُد حَتى تَطمئِنَّ سَاجِداً ثُمَّ
ارْفَعْ حَتَّى تَطمَئِنْ جَالِساً وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاِتكَ
كُلَّهَا".
(4) في (ت) أول.
(5) زيادة في (ر) غير واضحة.
(1/415)
فرضاً لأنها من جنس الفرض ولا فاصل أو تعد
نفلاً لأن الفرض ما لا يسوغ تركه؟ وهذا مما لو تركه لم يأثم في ذلك، قولان.
وهذا النظر في المقدار المجزي من الركوع والسجود والاعتدال منهما.
ويسجد على الأنف والجبهة جميعاً، فإن اقتصر على أحدهما ففي المذهب ثلاثة
أقوال: أحدها: أنه لا يجزي إلا السجود عليهما جميعاً لقوله - صلى الله عليه
وسلم -: "أُمِرْتُ أَن أَسجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ" (1). فذكر الجبهة،
وأشار إلى الأنف. والثاني: إجزاء أحدهما عن الآخر. والثالث: إجزاء الجبهة
عن الأنف دون الأنف عن الجبهة. والقولان مبنيان على أن الأمر هل ينطلق على
المندوب؟ وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أُمِرْتُ" يحتمل أن يريد [أمرت]
(2) ندباً، والذمم على البراءة فلا تعمر إلا بيقين (3). لكن التفرقة لأن
الوجه (4) على الجملة به تحصل حقيقة السجود. وفي الحديث: "عفر وجهك (5) في
التراب" (6). وتخصيص الجبهة يدل على أن السجود على الأنف غير واجب.
وأما مقدار الكمال في الركوع والسجود فهي (7) في الركوع انتصاب الظهر بعد
انحنائه ومساواة الرأس حتى لو مُدَّ خيط مستقيم على الظهر والرأس لمُدَّ.
ووضع اليدين على الركبتين. وهو في السجود أن يسجد على الرجلين والركبتين
والكفين والأنف والجبهة، ويفرج بين بطنه وفخذيه، ويجافي بضبعيه وهما عضداه
ومرفقاه عن جنبيه. ومن أهل المذهب من لا يستحب التفريج للمرأة لأن تركه لها
(8) أستر بخلاف الرجال.
وأين يضع يديه في سجوده؟ لم يحد مالك في ذلك حدّاً. وروي عن
__________
(1) أخرجه البخاري في الأذان 812، ومسلم في الصلاة 490عن ابن عباس.
(2) ساقظ من (ر).
(3) في (ق) و (ص) بالأقل.
(4) في (ت) بين الأنف والجبهة، وفي (ر) بين الأنف والوجه لأن الوجه.
(5) في (ت) و (ص) جبهتك.
(6) لم أقف عليه ولو مع اعتبار الفرق بين النسخ المخطوطة.
(7) في (ص) و (ق) فهو.
(8) في (ق) تركه للمرأة.
(1/416)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان
يسجد بين كفيه، واستحب ذلك المتأخرون من أهل المذهب.
...
فصل (في هيئة الجلوس)
وهيئة الجلوس (1) عندنا على صفة واحدة في الجلسة الوسطى والآخرة وبين
السجدتين. وهو التورك فيفضي بإليتيه إلى الأرض وينصب رجله اليمنى ويجعل
باطن إبهامها (2) مما يلي الأرض، ويثني اليسرى، ويضع يديه على ركبتيه. أما
في جلوسه بين السجدتين فيضعهما مبسوطتين. وأما في جلوسه للتشهدين فيبسط
اليسرى ويقبض اليمنى. وصورة ما يفعل أن يقبض ثلاثة أصابع وهي الوسطى
والخنصر وما بينهما، ويبسط المسبحة، ويجعل جانبها مما يلي السماء، ويمد
الإبهام على الوسطى، وهذا كالعاقد (3) ثلاثة [وعشرين] (4). وهل يشير
بالمسبحة أو يمدها غير محرك لها؟ في المذهب ثلاثة أقوال: أحدهما: أنه يشير
بها. فقيل المراد بذلك طرد الشياطين وقمعها. وهذا أيضاً تحقيق معناه أنه
يقرر (5) على نفسه
__________
(1) في (ر) السجود.
(2) في (ر) بهمها.
(3) يقصد حساب العقود وهو: عبارة عن إشارات بالأصابع تدل كل واحدة منها على
عدد معين وقد وضعت لتسهيل التواصل بين الناس، خاصة التجار منهم، سيما عند
استعجام كل من المتبايعين لسان الآخر. وكان هذا العلم يستعمله الصحابة رضي
الله عنهم كما وقع في الحديث في كيفية وضع اليد على الفخذ في التشهد وفيه
أنه عقد خمسا وخمسين وأراد بذلك هيئة وضع الاصابع لأن هيئة عقد خمس وخمسين
في علم العقود هي عقد اصابع اليد غير السبابة والابهام وتحليق الابهام معها
وهذا الشكل في العلم المذكور قال على العدد المرقوم.
انظر أبجد العلوم 2/ 243 وكشف الظنون 1/ 664.
(4) ساقط من (ص).
(5) في (ر) يفرق.
(1/417)
ما يذكر من التشهد (1). ويذكرها بالتقصير عن معاني ما يذكره ويمنعها أيضاً
من الغفلة عن ذلك. والقول الثاني: أنه [يبسط (2) مسبحته (3) غير محرك (4)
لها. قيل المراد بذلك الإشارة إلى الوحدانية. والقول الثالث: أنه] (5)
يبسطها موحداً إلى أن يبلغ قوله: "أشهد أن لا إله إلا الله" فيشير بأصبعه
مقرراً على نفسه جميع ما يلزمه الإيمان به. وهذا كله لا ينبغي أن يعد
خلافاً، وإنما يعد هيئات (6). وهي عنوان على ما في الباطن فيعتقد (7)
الإنسان منها بقدر ما يكون في باطنه في تلك الحالة من التقرير على النفس،
والإشارة إلى التوحيد أو تنبيه النفس على الغفلة عن الذكر.
... |