التنبيه على مبادئ التوجيه - قسم العبادات

باب في أحكام الناعس والغافل والزاحم (8)
وقد قدمنا أن المشروع متابعة (9) الإمام لا مسابقته ولا مقارنته. وذكرنا حكم المسابقة والمساواة في تكبيرة الإحرام، وحكمها فيما عدا ذلك من الأركان. والمتابعة (10) أن يفعل المأموم الأركان عقيب فعل الإمام. فإن لم يمكنه ذلك لأنه نعس نعاساً لا ينقض وضوءه أو زوحم أو غفل، فلا يخلو أن يطرأ له ذلك بعد أن عقد الركوع وعند أخذ الإمام في السجود، أو قبل
__________
(1) في (ر) التشهدين.
(2) في (ق) يسقط.
(3) في (ر) مسبحة.
(4) في (ر) محركة.
(5) ساقط من (ص).
(6) في (ت) وإنما هذه صفات وفي (ق) و (ص) وإنما هذه مهيئات.
(7) في (ق) و (ص) فيفعل.
(8) في (ص) المزاحم.
(9) في (ت) و (ق) مساواة.
(10) في (ق) و (ص) و (ت) والمساواة.

(1/418)


أن يعقد مع الإمام الركوع؛ فإن طرأ له بعد أن عقد الركوع فهاهنا يتبع الإمام في السجود ما لم يعقد الإمام الركعة الثانية.
وفي عقدها قولان: أحدهما: أنه رفع الرأس منها. والثاني: أنه وضع اليدين على الركبتين. وإن طرأ له ذلك قبل أن يعقد معه الركوع؛ فأما الناعس والغافل ففي تلافي ما فاته من الركوع ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه لا يتلافى بوجه، صحت له مع الإمام ركعة أو لم تصح. لأن المشروع أن يفعل عقيب الإمام، وهذا قد تأخر عنه. وانشغاله بتلافي ما مضى مخالفة عليه. وإنما يشتغل باتباعه فيما يأتي به.
والقول الثاني: أنه يتبعه، صحت له مع الإمام ركعة أم لا. وهذا بناء على أن المتابعة (1) إنما تلزم مع القدرة عليها. فإن (2) لم يتبعه فيصير زائداً في صلاته زيادة مستغنى عنها. وكأن هذين القولين مبنيان على تقابل مكروهين: أحدهما: مخالفة الإمام، والثاني: محاذرة زيادة مستغنى عنها.
والقول الثالث: أنه إن عقد مع الإمام ركعة بسجدتيها اتبعه لأنه بانعقادها تنسحب عليها حرمة الجماعة. وإن لم يعقد معه ركعة [بسجدتيها] (3) فلا يتبعه؛ لأن حرمة الجماعة غير حاصلة. وهذا مذهب الكتاب.
وإذا قلنا إنه يتبعه فإلى أي مكان؟ في المذهب قولان: أحدهما: ما لم يرفع رأسه من السجود. والثاني: ما لم يعقد (4) الركعة الثانية.
وسبب الخلاف هل القيام فرض في حق المأموم وإنما يسقط عنه إذا كان مسبوقاً للضرورة (5) فيتبعه هاهنا ما لم يرفع رأسه من السجود؟ أو القيام
__________
(1) في (ق) و (ص) و (ت) المساواة.
(2) في (ر) ولو.
(3) ساقط من (ق) و (ص) و (ت).
(4) في (ت) ما لم يرفع بعقد.
(5) في (ر) للضرورة عليه.

(1/419)


في حقه غير فرض للاتفاق على إدراك المسبوق فيتبعه هاهنا ما لم يعقد الركعة الثانية؟
وإذا قلنا إنه يتبعه ما لم يرفع رأسه من السجود فهل المراد بذلك السجدتان جميعاً أو السجدة الأولى؟ الظاهر من المذهب أنهما جميعاً. وقال بعض المتأخرين من الأندلسيين المراد السجدة الأولى؛ لأنه إذا رفع رأسه منها حال بينه وبين الاتباع فرض كامل وهو أحد السجدتين. وإذا قلنا إنه يتبعه ما لم يعقد الركعة الثانية فهل عقدها وضع اليدين على الركبتين أو رفع الرأس منها؟ قولان متقدمان (1).

(حكم الزاحم)
وأما الزاحم ففيه قولان: أحدهما: أنه معذور كالغافل والناعس، بل عذره أظهر إذ لا مبدأ (2) تفريط عنده. والثاني: أنه غير معذور فلا يتبعه بوجه. وهذا بناء على ما قدمناه من أن الحاضر العقل المتلقي للخطاب لا يتعذر الفعل عليه وهذا إشارة إلى جواز تكليف ما لا يطاق. وقد قدمنا الخلاف فيمن أهريق ماؤه، هل يكون بمنزلة الناسي أو بمنزلة العامد؟ وكذلك المفرق ناسياً إذا ذكر فطال طلبه للماء.
...

باب في صفة أداء الصلاة
ويؤمر المصلي بالخشوعِ باطناً وظاهراً، وإكمالِ (3) الأركان، وتحسينِ السنن (4) والفضائل، وملازمةِ الهيئات. على أن مالكاً كثيراً ما كان يهرب من التحديدات التي لم يشتهر كونها فضيلة أو سنة (5). ويحاذر أيضاً من ظهور
__________
(1) في (ت) القولان فالمتقدمان وفي (ق) و (ر) فالقولان المتقدمان.
(2) في (ق) و (ص) إذ لا مبادئ.
(3) في ص: بإكمال.
(4) في ص: الصلاة والفضائل.
(5) في (ر) وهبة.

(1/420)


الخشوع على الظاهر دون الباطن. ولهذا لم يحد أين يضع [المصلي] (1) بصره. وأنكر وضع اليدين إحداهما على الأخرى في القيام في الفرائض، وأجازه فيما إذا طال القيام في النوافل. ولم يحد في البداية عند الانحطاط إلى السجود حدّاً. وحكي في كتاب ابن حبيب أن ابن عمر كان يبتدئ (2) بوضع ركبتيه على الأرض ثم يديه (3). وفي المبسوط استحباب الابتداء باليدين قبل الركبتين. قال الأشياخ: وهو أقرب إلى الخشوع. وقد وقع في المذهب أيضاً خلاف؛ هل يستحب الاعتماد على اليدين عند القيام إلى الثانية والرابعة لأنه أقرب إلى الخشوع، أو لا يستحب ذلك إذ لا تحديد ثابت فيه يقتضي كراهية غيره. ومن التواضع وضع أعز الأعضاء على الأرض وهي الجبهة والأنف. وفي معنى الأرض كل ما تنبته مما لا يقصد به الترفه.
وقد اختلف في ثياب الكتان والقطن، هل يكره وضع الجبهة والكفين عليهما لأنهما خرجا بالصنعة عما تنبته الأرض، أو لا يكره ذلك التفاتاً إلى أصلهما؟ وقال المحققون من المتأخرين: إذا كان الأصل كراهية الرفاهية فكل ما فيه ترفه ولو كان مما تنبته الأرض كحصر السمان فإنه يكره، وكل ما لا ترفه فيه فإنه لا يكره. وإن كان مما لا تنبته الأرض كالصوف وما يصنع منه مما لا يخرج إلى ما يقصد به الترفه. وهذا إنما يكره في حق الوجه والكفين، وأما غيرهما من الأعضاء فيجوز أن يضعه على كل طاهر. والفرق أن الخشوع والتذلل يحصل بوضع الوجه واليدين على الأرض وما في معناها. وأما غير ذلك من الأعضاء فالرجلان مما لا خشوع (4) في وضعهما على الأرض. والركبتان مما شرع سترهما، وعلى هذه الأعضاء السجود. والأصل في هذا المعنى الذي قدمناه كون المسجد الحرام محصباً من غير حائل بين المصلي وبين الأرض. وقوله - صلى الله عليه وسلم -:"عفر وجهك (5) في
__________
(1) ساقط من (ص) و (ر).
(2) في (ر) يهتدي.
(3) النوادر والزيادات: 1/ 183.
(4) في (ر): لا خضوع.
(5) في (ت) جبهتك.

(1/421)


الأرض" (1). ويكره ستر اليدين بالكمين في السجود إلا أن تدعو إلى ذلك ضرورة من حر أو برد.
...

فصل (حكم السجود على كور العمامة)
ويكره السجود على كور العمامة؛ وهو طاقتها. فإن سجد عليها فلا تبطل صلاته إلا أن تكثر الطاقة جداً بحيث تكون كالحائل بين الوجه وبين الأرض، فيصير كأنه أومأ، وفرضه السجود فتبطل صلاته.

...

فصل (في حكم من اعتمد على حائط أو عصا)
ومن صفة الأداء أن لا يعتمد (2) على حائط أو عصا في قيامه وجلوسه، فإن اعتمد على ذلك فإن كان اعتماده بحيث لو أزيل المعتمد عليه لسقط بطلت صلاته. لأنه لم يأت بحقيقة القيام ولا الجلوس. وإن كان بحيث لو أزيل لم يسقط صحت صلاته على كراهية (3) فيها. وهذا في حق من يفرض عليه القيام؛ وهو القادر عليه في صلاة (4) الفرض. وأما من يعجز عن القيام أو الجلوس إلا معتمداً ففرضه الاعتماد، وله الجلوس مع الاختيار في النافلة (5)، فأحرى أن يجوز له القيام معتمداً. لكن في المذهب قولان: هل يجوز له الاضطجاع في النافلة مع القدرة على الجلوس؟ فعلى
__________
(1) لم أقف عليه ولو مع اعتبار الفرق بين النسختين المخطوطتين.
(2) في (ق) يتكئ.
(3) في (ق) لا عن كراهة.
(4) في (ق) و (ص) والصلاة فرض.
(5) في (ق) النافلة مع القدرة على الجلوس إلا أن يقال إن النافلة محل الرخص، وهذا منه.

(1/422)


القول بجواز ذلك لا شك في جواز الاعتماد في الجلوس، وعلى القول بمنع الاضطجاع مع الاختيار قد يمنع الاعتماد في الجلوس. إلا أن يقال إن النافلة محل الرخص وهذا منه. وإنما الخلاف في جواز الاضطجاع، فيه (1) خلاف في وروده على ما سيأتي بيانه.
...

باب في أحكام المريض
وقد قدمنا تحديد الفروض جملةً وتفصيلاً، وذلك في حق القادر. وأما العاجز فقد ذكرنا حكمه في التكبير والقراءة، وأما غير ذلك من الأركان فإن عجز عن جميعها بالمرض أو ما في معناه، فلا يخلو من أن يقدر على حركة بعض أعضائه، كرأسه أو يديه أو حاجبه أو غير ذلك من الأعضاء، فهذا لا خلاف أنه يصلي، ويؤمر بما قدر على حركته. وإن عجز عن جميع الحركات ولم يبق له سوى النية بالقلب فهذه الصورة لا نص فيها في المذهب. وأوجب الشافعي عليه إيجاب القصد إلى الصلاة بقلبه لأن روح الصلاة القصد [وبه تتم] (2). فمقصودها حالة تحصل بالقلب.
وأسقط أبو حنيفة الصلاة عن من وصل إلى هذه الحالة. لأن الصلاة أقوال وأفعال، والنية قصد إلى التقرب بالأقوال والأفعال. فإذا عجز عن التقرب بها فلا مقصود هاهنا يتميز بالنية.
وقد طال بحثنا عن مقتضى المذهب في هذه المسألة. والذي عولنا عليه في المذاكرات موافقة مذهب الشافعي مع العجز عن نص يقتضيه في المذهب. فالمسالة في غاية الإشكال من [جهة أن التكليف لا يمكن إلا متمكناً ولا يقع التكليف إلا بممكن (3). ولكن] (4) الاحتياط مذهب الشافعي،
__________
(1) في (ر) و (ق) و (ت) فيهما.
(2) ساقط من (ق) و (ص).
(3) في (ر): متمعن.
(4) ساقط من (ت) و (ص).

(1/423)


والرجوع إلى براءة الذمة هو مقتضى مذهب أبي حنيفة. ولا يبعد أن يختلف المذهب في هذه المسألة [وإن وجد فيها نص] (1).
وإن قدر على بعض الأركان دون بعض أتى بالمقدور عليه وسقط عنه المعجوز عنه. لكن اختلف الأشياخ في من قدر على القيام فإن ركع وسجد لم يقدر على النهوض إلى القيام في باقي الركعات، وإن أومأ استمر على القيام؛ فقال بعضهم: يركع ويسجد ويسقط عنه القيام في باقي الصلاة؛ لأن الركوع والسجود فرض وله حق السبق في الحال، فلا يسقطه (2) القيام. وفيه خلاف هل هو فرض لنفسه أو للقراءة. وفي القراءة خلاف هل هي فرض أم لا؟
وقال بعضهم: بل يكمل صلاته إيماء لأنه يأتي بالبدل عن الركوع والسجود وهو الإيماء، والقيام لا بدل عنه, لأن الجلوس حالة من أحوال الصلاة، وليس من جنس القيام بسبيل. وعلى هذا الرأي يركع ويسجد في الركعة الآخرة لأنه لا يجب عليه القيام فيعود إليه.
ولو قدر على القيام والجلوس ولم يقدر على الركوع والسجود جملة؛ فإنه يومئ للركوع والسجود. وكيف صفة إيمائه؟ قال الأشياخ: يومئ للسجدة الأولى (3) من القيام وللسجدة الثانية من الجلوس إن أمكنه ذلك. وهذا لأنه يخر إلى السجدة الأولى من قيام، فيفعل في الإيماء ما كان يفعله في السجود. وهل عليه أن يبلغ في الإيماء منتهى وسعه؟ ظاهر المذهب على قولين: أحدهما: أنه ليس عليه ذلك. وأخذ من قوله في الكتاب: ويجعل إيماؤه للسجود أخفض منه للركوع (4) والثاني: عليه استيفاء ما في وسعه. وأجرى أبو الحسن اللخمي هذا الخلاف على الخلاف في الحركة إلى الأركان. وهل هي مقصودة أم لا؟ وفي ذلك نظر لأن المطلوب هاهنا
__________
(1) ساقط من (ر) و (ق) و (ص).
(2) في (ر) يسقط.
(3) في (ر) بسجود الأول وفي (ق) بالسجد الأول.
(4) المدونة 1/ 77.

(1/424)


إيماء يكون (1) عوضاً عما عجز عنه. وقد عجز عن كمال السجود فيطالب بكمال الإيماء. وكماله هو المعنى المفروض كنفس السجود، وليس هو في حق هذا كالحركة إلى الأركان، بل هو الركن في نفسه. والذي في الكتاب إنما ذكر فيه أن يفرق فيه بين الإيماء للركوع وبين الإيماء للسجود. فيمكن أن يريد أنه يبلغ وسعه في إيمائه إلى السجود ويقصر عن ذلك في الركوع للفرق بين الركعتين مما كان في المنزلة [لو كان صحيحاً] (2).
...

فصل (في المريض يصلي حسب ما تيسر له)
ويصلي المريض بحسب ما يمكنه ويتدرج في إسقاط الفروض والسنن والفضائل بحسب ما تدعو الضرورة إلى إسقاطها. فإن قدر على القيام لكن عجز عن تطويل القراءة (3) في الصبح والظهر مثلاً، فيصلي بأم القرآن وسورة [من] (4) القصار (5) أو بأم القرآن خاصة. فإن عجز عن كمال القيام بأم القرآن (6)، فهاهنا مقتضى الروايات أنه ينتقل إلى الجلوس. وهذا ظاهر على القول بأن قراءة أم القرآن فرض في كل ركعة. وأما على القول بأنها فرض في ركعة واحدة فإنه ينبغي أن يقوم بمقدار ما يمكنه إلا في ركعة (7) واحدة فإنه يجلس ليأتي بأم القرآن.
لكن اختلف المذهب هل القيام مقصود لنفسه وعليه يتخرج ما قلناه، أو هو مقصود للقراءة فإذا لم يمكن (8) الإتيان بها سقط؟ وهكذا يجري الأمر
__________
(1) في (ق) و (ص) و (ت): إنما يكون.
(2) ساقط من (ق) و (ص).
(3) في (ت) القيام.
(4) ساقط من (ر).
(5) في (ص) والسور القصار.
(6) في (ر) عن القيام لكمال أم القرآن.
(7) في (ت) إلا في مقدار ركعة واحدة.
(8) في (ق) لم يكن.

(1/425)


إن قلنا إن القراءة فرض في الجل فيختلف في الأقل على حسب ما بيناه (1).
ولو عجز عن القيام إلا متوكئاً ففرضه (2) التوكؤ. فإن جلس أعاد أبداً ولو عجز عن الجلوس إلا مستنداً ففرضه الاستناد. فإن اضطجع أعاد أبداً (3).
وفي الكتاب لا يستند بحائض ولا جنب (4)، فإن فعل أعاد في الوقت. واختلف في علة ذلك. فقال أبو محمد بن أبي زيد إنما هذا إذا (5) كان في ثيابهما وأبدانهما نجاسة. وعلى هذا لا فرق بين الحائض والجنب وغيرهما. وقال القاضي أبو محمد عبد الوهاب: إنما ذلك لأنهما معينات للمصلي. فيستحب أن يكون المعين على أكمل الأحوال، كما يؤمر حامل الجنازة بأن يتوضأ ليكون على (6) أكمل الأحوال. وألزم على هذا ألا يستند إلا إلى متوضئ. والظاهر أنه خص الجنب والحائض بالكراهية لمخالفتهم حالة (7) المصلي. فإن استند بهما فقد صار مرتكباً لنهي الكراهية. فيتلافى (8) ارتكابه لذلك بأن يعيد في الوقت استحباباً. وأجاز أشهب الاستناد إلى الحائض والجنب. وعلى طريقة (9) أبي محمد ابن أبي زيد لا يعد خلافاً لأن معنى الإجازة إذا لم تكن معهما نجاسة، وعلى الطريقة الأخرى يكون خلافاً.
__________
(1) في (ق) ولا على حساب ما قلناه.
(2) في (ت) لكان فرصة.
(3) في (ر) أبدا ولو عجز عن الجلوس.
(4) المدونة: 1/ 77.
(5) في (ت) إنما كره هذا إذا.
(6) في (ق) كحامل الجنازة فإنه يلقي الوضوء وقد ألزم على.
(7) في (ق) و (ص) و (ت) لبعدهما عن حال.
(8) في (ر) فيبتلا في ارتكابه.
(9) في (ت) والجنب على قول ابن مسلمة أن المؤمن لا يجلس وأما على طريقة، وفي (ر) والجنب فعلى طريقة.

(1/426)


(كيف يستلقي المريض في صلاته)
وإن لم يقدر إلا على الاستلقاء بالأرض فيصلي مستلقياً. وكيف صفته؟ فيه قولان: فقيل يبدأ بجنبه الأيمن تعويلاً على قوله تعالى: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} (1)، وحمل الذكر هاهنا على الصلاة، وقياساً على الدفن. وقيل يبدأ بالاستلقاء على الظهر ويجعل رجليه مما يلي القبلة حتى لو أقيم لكان مستقبلاً. وهذا لأنه يشير برأسه ويديه. وبهذه الصورة تحصل الإشارة إلى القبلة. ويحمل قائل هذا الذكر (2) [في الآية] (3) على أنه في غير الصلاة لقوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} (4)، وظاهره ذكر بعد انقضاء الصلاة.
وإذا قلنا إنه يبتدئ بالجانب الأيمن فإن لم يستطع فهل يصلي مستلقياً على ظهره لما قلنا من حصول الإشارة إلى القبلة أو على الجانب الأيسر لاشتمال الآية في أحد التأويلين عليه؟ في ذلك قولان.
ومتى افتتح الصلاة على صورة الكمال فطرأ له العجز أو بالعكس أتم على حسب ما عادت إليه حالته بلا خلاف عندنا. وإن عجز عن استقبال القبلة بنفسه حُوِّلَ إليها، فإن عجز عن تحويله سقط حكم الاستقبال في حقه كالمسايف. وفي الكتاب إذا صلى إلى غير القبلة أعاد ما دام في الوقت بمنزلة الصحيح (5). فأما من صلى (6) وهو قادر على التحويل أو التحول فينبغي أن يعيد أبداً. وأما من لم يقدر على ذلك لفقد من يحوله فينبغي أن يختلف في إعادته كما اختلف في [إعادة] (7) المريض يعدم من يناوله الماء فيتيمم ويصلي ثم يجد من يناوله. وقد مر الخلاف في ذلك.
__________
(1) النساء:103.
(2) في (ص) المذهب.
(3) ساقط من (م).
(4) النساء:103.
(5) المدونة: 1/ 76.
(6) في (ت) صحا.
(7) ساقط من (ر) و (ص) و (ت).

(1/427)


(صفة جلوس المريض)
وإذا قدر المريض على الجلوس ولم يقدر على التخيير (1) في صفته صلى بحسب ما يمكنه. فإن قدر على التخيير؛ فالمشهور من المذهب فيه وفي المتنفل جالساً أنه يتربع في موضع القيام. وعوَّل في ذلك على فعل ابن عمر. وقد كان يتربع، وهو كثير الاقتداء بأفعال الرسول - صلى الله عليه وسلم -. وحكى محمد بن عبد الحكم أن الأولى أن يجلس في موضع القيام كجلوسه في موضع الجلوس، واستحبه (2) المتأخرون؛ لأنه أقرب إلى التواضع والمتربع مخالف لصفة المتواضع. وقد قيل: إن ابن عمر إنما كان يجلس كذلك لعلة كانت برجله تمنعه من التربع. لكن هذا الذي حكاه محمد بن عبد الحكم لا يحصل به الفرق بين جلوس القيام وجلوس التشهد.
وحكى الشافعي في الاختيار في الجلوس ثلاثة أوجه: أحدها: ما حكاه ابن عبد الحكم. والثاني: أنه يجلس ويضم ركبتيه إلى صدره كالمحتبي. والثالث: أنه يجلس ضاماً لركبته اليمنى إلى صدره وثانياً لركبته اليسرى، كالجالس بين يدي أستاذه.
وبالجملة فالمقصود صفة تفرق بينهما وبين الجلوس للتشهد وتكون صفة تقتضي التواضع، ومتى خولفت لم تبطل الصلاة بلا خلاف (3).
...

فصل (إذا تعذر عليه السجود)
وإذا امتنع [السجود] (4) لعلة بالوجه، فإن المشروع (5) الإيماء كما
__________
(1) في (م) التخير.
والمقصود بذلك أن يختار أحسن الصفات.
(2) في (ق) واستحسنه.
(3) في (ق) و (ت) بلا خلاف في المذهب وفي (ص) بخلاف.
(4) ساقط من (م) و (ت).
(5) في (ت) و (م) فالوجه المشروع.

(1/428)


قدمناه. فإن أبدل الإيماء بأن رفع إلى وجهه شيئاً، ففي الكتاب لا إعادة عليه (1). وقال أشهب: إنما ذلك إذا أومأ، فإن لم يومئ أعاد أبداً. وقد قدمنا هل يجب عليه كمال ما في وسعه من الإيماء أم لا؟
...

فصل
وهذا حكمه إذا كان لم يدخل المرض على نفسه، فإن أدخله بأن قدح (2) الماء من عينه حتى صار يصلي مستلقياً؛ ففي المذهب قولان: أحدهما: صحة صلاته ولا إعادة عليه، قاله أشهب وغيره من أهل المذهب، كالمسافر يطلب الأرباح لأنه يسافر طلباً لنماء المال وشق المفازات فينتقل إلى التيمم، فأحرى أن يجوز له الانتقال إلى الإيماء لطلب الصحة للجسم.
ومذهب المدونة يعيد (3) أبداً. ولعل هذا بناءً على أن الرخص لا يقاس عليها. وعلل بأن القادح لا يوقن (4) بالبرء، والعادة جارية بذلك غالباً. فكأنه انتقل عن الكمال إلى أمر متردد في نجحه وعدم نجحه، بخلاف الأسفار في طلب الأرباح فإن الغالب وجودها. وقائل هذا الأمر لم يقف على حقيقة الأمر في القدح. والغالب وجود المنفعة به. والدواء فيه أظهر نجحاً من غيره فأحرى أن يجوز له أن ينتقل إلى الإيماء ليطلب الصحة. ومذهب المدونة أنه يعيد أبداً. وهل هذا بناء منه على أن الرخص لا يقاس عليها أو بناء منه على أنه لا ينجح في طلب المقصود، وأن العادة عنده جارية بذلك فلا يجوز له أن ينتقل إلى الإيماء وكذلك التيمم؟
...
__________
(1) المدونة: 1/ 78.
(2) في (ص) قد.
(3) في (ر) أن يعيد.
(4) المدونة: 1/ 78.

(1/429)