التنبيه
على مبادئ التوجيه - قسم العبادات باب في أحكام الوتر
(حكم الوتر)
والمنصوص من المذهب أنه غير واجب، والدليل على ذلك قوله - صلى الله عليه
وسلم -: "خمس صلوات كتبهن الله على العباد في اليوم والليلة" (5)
__________
(1) البقرة آية 136. ومطلع الآية: (قولُواءَامَنَّا بِاللهِ).
(2) آل عمران: 64.
لم أقف عليه بهذا اللفظ إلا بلفظ قريب عند الحاكم في المستدرك على الصحيحين
1/ 450، وابن خزيمة في صحيحه 2/ 163. ولفظ الحاكم "عن ابن عباس قال: أكثر
ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في ركعتي الفجر قولوا آمنا
بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم إلى آخر الآية، وفي الركعة
الثانية: قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم إلى قوله
واشهد بأنا مسلمون". وقال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه".
(3) أخرج البخاري في الجمعة 994 واللفظ له، ومسلم في المسافرين 736 عن
عُرْوَة أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - كَانَ يُصَلِّي إِحدَى عَشرَةَ رَكْعَةَ كَانَتْ تِلكَ صَلَاتَهُ
تَعْنِي بِاللَيلِ فَيَسْجُدُ السَّجْدَةَ مِنْ ذَلِكَ قَدْرَ مَا يَقْرَأ
أَحَدُكُمُ خَمْسِينَ آية قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأسَهُ وَيَرْكَعُ
رَكعَتَينِ قَبْلَ صَلاَةِ الْفَجرِ ثم يَضْطَجِعُ عَلَى شِقِّهِ
الأَيْمَنِ حَتَّى يَأتيِهُ المُؤَذِّنُ لِلصَّلاَةِ.
(4) ساقط من (ر) و (ت).
(5) أخرجه ابن عبد البر في التمهيد بسنده 23/ 291.
(2/558)
الحديث، وقوله - صلى الله عليه وسلم -
للأعرابي وقد ذكر له فرض الخمس صلوات، فقال: "هَلْ عَلَيَّ غيرُهُنَّ؟
فقَال: لاَ إِلاَّ أَنْ تَطوَّعَ" (1) الحديث. وأيضاً فإن من خصائص الفرائض
الواجبات ألا تؤدى على الراحلة. ومن يخالفنا في هذه المسألة يجيز أداء
الوتر على الراحلة، فدل ذلك على إلحاقه بغير الفرائض. وفي المذهب لسحنون
أنه يجرم تاركه، ولأصبغ أنه يؤدب. فاستقرأ أبو الحسن اللخمي من هذا الوجوب
(2). فيحتمل ما قال، ويحتمل أن يريد أن من تركه متهاونا بعد معرفته أن
النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يواظب عليه دل تركه إياه على تهاونه وعلى
فساد حاله. وقد قال ابن خويز منداد في تارك السنن: إنه يفسق. ولا يظهر له
وجه إلا ما قلناه.
واختلف الأصوليون أيضًا هل يجب الأمر بالمعروف فيما طريقه الندب، أو يكون
الأمر بذلك مندوبا إليه ككون (3) الشيء في نفسه. ولعل أصبغ بني التأديب على
أحد القولين في وجوب الأمر بالمعروف، وإن كان المأمور به من قبل المندوبات.
(وقت الوتر)
وإذا تقررت هذه المقدمة قلنا: النظر في الوتر ينحصر في فصلين؛ أحدهما: في
أوقاته، والثاني: في صفاته. فأما وقته فأوله لا خلاف فيه، وهو إذا صليت
العشاء الآخرة في وقتها المشروع، احترازا من الجمع قبل الشفق. وأما آخر
وقته، فالاختيار منه ما لم يطلع الفجر. وهل يكون له وقت ضرورة وهو ما بعد
الطلوع إلى أن يصلي الصبح؟ في المذهب قولان؛ المشهور أنه يصلي الوتر ما لم
يصلي الصبح. والشاذ أنه لا يصليه بعد طلوع الفجر، وهذا لقوله - صلى الله
عليه وسلم -: "صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح فليصل ركعة توتر
له ما قد
__________
(1) أخرجه البخاري في الإيمان 46، ومسلم في الإيمان 11 واللفظ له.
(2) التبصرة ص: 107.
(3) في (ق) مندوبا ككوت، وفي (ق) مندوبا لكون.
(2/559)
صلى" (1). فظاهر الحديث حصر وقته على ما
قبل طلوع الفجر، لكن ثبت عن جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم أنهم قضوه
بعد طلوع الفجر وقبل صلاة الصبح. وبين الأصوليين خلاف في قول الصحابي هل هو
مما يعتمد عليه؟ وإذا قلنا بالاعتماد حملنا الحديث على ما هو الأولى، ولا
شك أن الأولى أن يؤدى قبل الفجر. وقد قال ابن الجهم (2): إن قضاء الوتر بعد
طلوع الفجر إنما هو على الخلاف في الزمان الذي هو بين طلوع الفجر وبين طلوع
الشمس؛ هل هو من الليل، أو من النهار، أو زمان (3) قائم بنفسه؟ وهذا إشارة
إلى أن قضاءه بعد طلوع الفجر يجري على (4) الخلاف الذي ذكرناه.
وإذا قلنا: إنه يصلي بعد الفجر ما لم يصل الصبح، فإن لم يصله حتى افتتح
الصبح (5)، فهل يتمادى أو يقطع؟ في كل واحد من الفذ، والإمام، والمأموم،
قولان: أحدهما: أنه يقطع، والثاني: أنه يتمادى على صلاته، وقد فات الوتر.
وإن جمعت الثلاثة قلت: أربعة أقوال: أحدها: أنهم يقطعون، والثاني: أنهم لا
يقطعون، وقد فات الوتر، والثالث: أن الفذ والإمام يقطع والمأموم يتمادى،
والرابع: أن الفذ يقطع خاصة والإمام والمأموم لا يقطعون.
__________
(1) لم أقف عليه بهذا اللفظ، وهو عند البخاري في الجمعة 991 بلفظ عَنِ
ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
عَنْ صَلاَةِ اللَّيْلِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ عَلَيهِ السَّلاَم: "صَلاةُ
اللَّيلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإذَا خَشِيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ صَلَّى
رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى".
(2) هو: محمد أبو بكر بن أحمد بن محمد بن الجهم بن حبيش ويعرف بابن الوراق
المروزي، له أُنس بالحديث وألف كتباً جلة على مذهب مالك منها كتاب الرد على
محمد بن الحسن وكتاب بيان السنة خمسون كتاباً كتاب مسائل الخلاف والحجة
لمذهب مالك وشرح مختصر ابن عبد الحكم الصغير. توفي سنة تسع وعشرين
وثلاثمائة وقيل سنة ثلاث وثلاثين. الديباج المذهب: (ص) 243.
(3) في (ق) أو من زمان.
(4) في (ت) يجزي على هذا الخلاف.
(5) في (ر) الصلاة.
(2/560)
وسبب الخلاف ترجيح الأمر [بالوتر] (1)، وهو
إذا تمادى فاته. والأمر بالتمادي على العمل الذي هو فيه، وهو منهي عن قطعه.
ومن فرق بين الفذ ومن هو في جماعة فلِتَأَكُّدِ ما دخله من العمل بمزيد (2)
فضل الجماعة. ومن قصر التمادي على المأموم فلأنه تابع لغيره والإمام ليس
بتابع وهو في حكم الفذ. وأيضاً فإن الإمام إذا قطع أمكنه أن يصلي في جماعة
والمأموم لا يمكنه ذلك. وهذا الذي حكيناه من الخلاف فيما إذا عقد ركعة من
الصلاة أو لم يعقدها، في بعض الروايات التفرقة بين أن يعقد ركعة أم لا؟
وقد قدمنا الخلاف في تكبيرة الإحرام هل هي من الأركان التي يحافظ على
التمادى بسببها أم لا؟ وإن أكمل الصلاة فلا خلاف عندنا أن وقته فات ولا
يصليه بعد الصبح، إذ لا يؤدى شيء هناك من النوافل، وهو وتر لنافلة الليل،
وقد انقطع حكمها فلا يقضيه بعد ذلك؛ لأن القضاء- على الصحيح من مذاهب
الأصوليين- بأمر ثان، ولم يرد القضاء فيه. وإن اعترض هذا بما في المدونة من
جواز قضاء ركعتي الفجر بعد طلوع الشمس (3). فقد قال الأبهري: إن القضاء
هاهنا يجوز وإنما يصلي ركعتين، ولعل أجرهما ينوب عما فاته من أجر ركعتي (4)
الفجر. والوتر ركعة واحدة فلا يجوز أن يتنفل بركعة تنوب له عن ذلك. ولو صلى
الوتر ثم تنفل بعده قبل طلوع الفجر لكان في الأمر بإعادته قولان.
وسبب الخلاف حديثان: أحدهما: لما روي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:
"لاَ وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ" (5)، وهذا يقتضي نفي الإعادة. والثاني: قوله
- صلى الله عليه وسلم -:"صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى
ركعة توتر له ما قد
__________
(1) ساقط من (ر).
(2) في (ر) يريد.
(3) المدونة: 1/ 124.
(4) في (ق) ولعلهما ينوبان عما فاته من أجر ركعتي الفجر، وفي (ر) ولعل
إحداهما تنوب عما فاته من إحدى ركعتي.
(5) أخرجه الترمذي في الصلاة 470، والنسائي في قيام الليل 1679، وأبو داود
في الصلاة 1439. وقال الترمذي: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ".
(2/561)
صلى" (1)، وهذا يقتضي أن الوتر ينبغي أن
يكون آخر صلاته، فإذا صلى ثم تنفل أوتر ثانية ليكون آخر صلاته.
ولو صلى العشاء الآخرة ثم أوتر فذكر بعد وتره أنه صلى العشاء على غير وضوء
فأعادها لوجب عليه إعادة الوتر وإن صلاه على وضوء؛ لأن وقت الوتر بعد (2)
العشاء الآخرة، وهي إذا وقعت على غير وضوء كالعدم.
وإذا قلنا بجواز الوتر بعد طلوع الفجر ما لم يصل الصبح، فإن ذكر الوتر- وقد
ضاق وقت صلاة الصبح- فإن أمكن أن يؤدي ركعتي الفجر والوتر بشفعه وصلاة
الصبح جميعاً قبل طلوع الشمس فعل جميع ذلك، فإن لم يمكنه إلا ركعة من صلاة
[الصبح] (3) خاصة ترك الوتر وركعتي الفجر وصلى الفرض، وإن أمكنه أن يؤدي
ركعتي الفجر وركعة الوتر (4) من غير شفع وجميع صلاة [الصبح] (5) قبل طلوع
الشمس، فهل يركع بدل ركعتي الفجر ركعتي الشفع أم لا؟ لا يخلو أن يكون تنفل
بعد العشاء الآخرة أو لم (6) يتنفل؟ فإن كان لم يتنفل أسقط ركعتي الفجر
وصلى ركعتي الشفع وأوتر وصلى الصبح، فإن تنفل فهاهنا قولان: قيل يجزيه
الشفع وإن لم يكن متصلاً بالوتر فيركع ركعتي الفجر، وقيل: لا يجزيه إلا
متصلاً به فيركع بدلهما ركعتي الشفع.
وإن كان لو اشتغل بركعتي الشفع لم يمكنه أن يصلي من الصبح قبل طلوع الشمس
إلا ركعة واحدة، فهل يوتر بواحدة ويصل جميع صلاة الصبح
__________
(1) لم أقف عليه بهذا اللفظ، وهو عند البخاري في الجمعة 991 بلفظ عَنِ
ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
عَنْ صَلاَةِ اللَّيْلِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه عَلَيْهِ السَّلاَم:
"صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ
صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى".
(2) في (ق) لأن الوتر مقدم بعد.
(3) ساقط من (ر).
(4) في (ق) الوتر خاصة.
(5) ساقط من (ر).
(6) في (ر) ولم.
(2/562)
[قبل طلوع الشمس] (1)، أو يشفع ويوتر وإن
أدى الركعة الثانية بعد طلوع الشمس؟ في ذلك قولان. ويلتفت فيه إلى حكم من
أدرك ركعة من الصلاة قبل الطلوع أو قبل الغروب، هل يكون قاضياً أو مؤدياً؟
وقد قدمنا ما في ذلك. لكن أحد القولين هاهنا بأنه يشفع يدل على أن مؤخر
الصلاة إلى أن لا يبقى من الوقت إلا مقدار ركعة ليس بآثم، كما حكى أبو
الحسن اللخمي الاتفاق على ذلك. لأنه لو كان آثماً لما قدم عليه ركعتي
الشفع. وأعلى أمرهما أن يكونا سنة.
وإن لم يمكنه إلا ركعة الوتر وركعة من صلاة الصبح فهل يركع للوتر وإن أدى
الركعة الثانية من الصبح بعد طلوع الشمس؟ المنصوص أنه يركع الوتر. ويجري
على القول (2) بتأثيم مؤخر الصلاة إلى هذا الوقت أنه يسقط الوتر إذ لا
يلزمه أن يشتغل بسنة فيقع في ممنوع (3).
...
فصل (صفة الوتر)
وأما صفة الوتر؛ فمنه عدده. والمذهب كله على أنه ركعة واحدة قائمة بنفسها.
وأبو الحسن اللخمي حكى عن المذهب قولين: أحدهما: هذا، والثاني: أنه ثلاث
ركعات لا يفصل بينهما (4). ويعوِّل في ذلك على ألفاظ وقعت في المذهب مطلقة؛
أنه يوتر بثلاث ركعات. والمراد (5) أن الوتر لا يؤتى (6) به وحده، بل يشفع
قبله. ولو سئل عن الفصل بينه وبين الشفع لأمكن أن يجيب يالفصل كما وقع له
صريحاً.
__________
(1) ساقط من (ر).
(2) في (ت) و (ر) على القولين فعل القول.
(3) في (ق) في ممنوع في الفريضة.
(4) التبصرة ص:108.
(5) في (ق) و (م) ومراده.
(6) في (ق) لا يوتر.
(2/563)
وإذا ثبت أنه ركعة واحدة، فهل يكتفي به
المعذور (1) من غير تقديم نافلة بعد العشاء الآخرة؟ في ذلك قولان. ومثار
الخلاف، هل هي وتر للنفل المختص بالليل فيتقدم قبلها شفع ولا يجزي الاقتصار
عليها؟ وفي الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - "نهى عن البتر" (2)، وهي
الركعة الواحدة من غير شفع قبلها. أو هي وتر لصلاة العشاء الآخرة، فيكتفي
بها؟ وإنما يؤمر بالتنفل قبلها مع الاختيار.
وإذا قلنا بتقديم شفع فلا بد. فهل يلزم اتصاله بالوتر؟ أو يجوز وإن فرق
بينهما بالزمان الطويل؟ في المذهب قولان: أحدهما: لزوم الاتصال، لقوله -
صلى الله عليه وسلم -: "مَثْنَى مَثْنَى" الحديث (3)، فظاهر هذا، الأمرُ
بالاتصال. والقول الثاني جواز الانفصال؛ لأنها ركعة مستقلة بنفسها فأشبهت
صلاة المغرب التي هي وتر الفرائض. فلا يفتقر إلى تقدم شيء متصل بها.
وإذا كان من حكمها الشفع فهل يلزم أن يوتر بشفع يختص (4) بها، أو ينوب
منابه (5) كل نافلة؟ في المذهب قولان. والصحيح أنه مخير إن شاء
__________
(1) غير واضحة في (ر).
(2) لم أقف عليه بهذا اللفظ، وقريب منه ما أخرجه ابن عبد البر في التمهيد
13/ 254 عن أبي سعيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن البتيراء؛
أن يصلي الرجل ركعة واحدة يوتر بها. ثم قال ابن عبد البر في أحد الرواة:
"هو عثمان بن محمد بن أبي ربيعة بن عبد الرحمان، قال العقيلي: الغالب على
حديثه الوهم"، وقال الذهبي في ميزان الاعتدال 5/ 68: "قال ابن القطان: هذا
حديث شاذ لا يعرج على رواته"، وقال العجلوني في كشف الخفاء 1/ 330: "رواه
عبد الحق في الأحكام بسند فيه عثمان بن محمد بن ربيعة الغالب عليه الوهم
... وقال النووي في الخلاصة: حديث محمد بن كعب في النهي عن البتيراء مرسل
ضعيف"، وذكره الشوكاني في نيل الأوطار3/ 39 عن محمد بن كعب القرظي، وقال:
"قال العراقي: وهذا مرسل ضعيف"، وقال ابن حزم في المحلى3/ 48 "لم يصح عن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهي عن البتيراء".
(3) سبق تخريجه.
(4) في (ت) بالشفع مختصاً.
(5) في (ق) مناب.
(2/564)
أتى بشفع مختص (1) بها إذ كان - صلى الله
عليه وسلم - يفعل ذلك. وإن شاء أتى بها بعد نافلة غير مختصة لقوله - صلى
الله عليه وسلم -: "صلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى" الحديث.
وهل يجوز له أن يوتر بركعة افتتحها بنية الشفع أو يشفع ركعة (2) افتتحها
بنية الوتر؟ في المذهب قولان. وهما على ما قدمناه من الخلاف في أعداد
الركعات هل تراعى في ابتداء الصلاة.
ومن شك هل هو في الركعة الأولى من الشفع أو في الثانية، فإن كان سالم
الخاطر بني على يقينه وأتى بركعة ثانية وسجد بعد السلام، وقام وأتى بركعة
الوتر. وإن كان موسوَساً بني على أول خاطره كما قدمناه في كتاب الطهارة.
ويأتي في باب السهو.
وإن شك هل هو في ثانية الشفع أو في الوتر سجد بعد السلام وبنى على أنها
ثانية الشفع. واختلف في علة سجوده على ثلاثة أقوال: أحدها: أن السجود (3)
لإمكان الزيادة، وأنه لم يسلم بين الشفع والوتر. والثاني: أن السجود أتى به
ليكون شافعاً لركعة الوتر، إن كانت هي التي هو فيها، لئلا يؤتى بالوتر
بعدها مكرراً فيكون شفعاً. والثالث: أن السجود على أحد الأقوال في الشاك
أنه يسجد بعد السلام. وسيأتي تمامه.
ومن صفات الوتر القراءة، واختلف المذهب هل يقتصر بمعين زائد عن أم القرآن؟
فقيل يختص بالإخلاص والمعوذتين. وقيل لا يختص. والصحيح اختصاصه بثلاث سور.
ويحمل (4) القول الثاني على كراهية التحديد، من غير أن يثبت في الشريعة
كونه فرضاً أو سنة. وهذا شأن مالك رحمه الله في مثل هذا.
وهل يختص الشفع بقراءة أم لا؟ إن قلنا إن الوتر لا يختص بشفع
__________
(1) في (ر) و (ت) خصوص مختص.
(2) في (ت) بركعة.
(3) في (ر) سجوده.
(4) في (ر) ومحل.
(2/565)
معين، فلا شك أنه لا يختص. وإن قلنا إنه
يختص بشفع معين فالأولى أن يقرأ في الشفع بعد أم القرآن بـ {سَبِّحِ اسْمَ
رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)}. وإن
اقتصر في الوتر على أم القرآن؛ فإن فعله ساهياً سجد لسهوه قبل السلام، وإن
فعله عامداً فعلى القولين فيمن ترك السنن متعمداً هل تبطل صلاته أم لا؟
ولو زاد في الوتر ركعة ناسياً لكان في بطلان وتره قولان، بمنزلة من قرأ في
صلاته مثلها. لكن الركعة يسيرة إن أعتبرت في نفسها، وكثيرة (1) إن إعتبرت
بالنسبة إلى ركعة الوتر، إذ هي مثلها. وقد قدمنا ذلك في تارك أم القرآن في
ركعة من الصبح.
وحكم الوتر الجهر بالقراءة إن كان منفرداً، فإن كان مع جماعة، فإنه يصلي
سراً لئلا يخلط عليهم. وإن أسرَّ ناسياً سجد لسهوه قبل السلام، وإن كان
عامداً فقولان: أحدهما: صحة الوتر، والثاني: بطلانه، قاله الإبياني. وهو
بناء على بطلان صلاة من ترك السنَّة متعمداً.
...
باب في قضاء [الصلاة المنسية] (2).
والأصل في قضائها الكتاب والسنَّة؛ والإجماع.
أما الكتاب فقوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (3) الآية، وإن
احتملت فقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من نام عن صلاة أو
نسيها فليصلها إذا ذكرها" (4)، فإن الله تعالى: يقول: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ
لِذِكْرِي} ". [وهذا يقتضي
__________
(1) في (ر) ويسيرة.
(2) في (ر) المنسيات، وفي (م) فصل في قضاء الصلاة المنسية.
(3) طه:14.
(4) لم أقف عليه بهذا اللفظ, وقد أخرجه مسلم في المساجد 684، والدارمي في
الصلاة 1229. ولفظ مسلم "عن أنس بن مَالِك قَالَ: قَالَ نَبِيُّ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ نَسِيَ صَلاَةً أَوْ نَامَ عَنْهَا
فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا".
(2/566)
أن المراد بالآية إذا ذكرتك إياها، وقيل في
تأويل الآية: إن معناها أقم الصلاة لتذكرني فيها، وقيل؛ لنذكرك بها. وقراءة
ابن شهاب: {أقم الصلاة للذكرى} (1) يحتمل هذه الأوجه] (2).
وأما السنَّة فمنها الحديث المتقدم آنفاً. وقد ثبت عنه - صلى الله عليه
وسلم - أنه نام عن صلاة الصبح ثم قضاها بعد طلوع الشمس (3).
وأما الإجماع فقد اجتمعت الأمة على وجوب قضاء المنسية من الصلوات إذا كانت
خمساً فدون. ومذهب فقهاء الأمصار وجوب القضاء وإن زادت على الخمس قياساً
على المجمع عليه ووجوب قضاء ما تعمد تركه؛ لأنهم رأوا أن الآية تقتضي
العموم [في العمد] (4) وغيره إذا حملناها على موافقة ما ورد في الحديث من
التأويل، ولأن القضاء إذا ثبت في
__________
(1) في (ق) إن الصلاة لذكري.
وقد ورد ذكر قراءة ابن شهاب عقب الحديث الذي أخرجه أبو داود في الصلاة 435
عَنْ أَبي هُرَيرَة وفيه أن رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ:
"من نَسِي صلاة فَليُصَلهَا إذَا ذَكَرَهَا فإنَّ الله تَعَالى قال أَقِم
الصلاة لِلذِّكْرَى". وهو قوله: قَالَ يُونُسُ وَكَانَ ابْنُ شِهَاب
يَقرَؤُهَا كَذَلِكَ.
(2) في (ر) و (ت) فبين دفع الاحتمال بحديثه إذا ذكرتك إياها. وفي تأويل
الآية إن معناها أقم الصلاة لذكري فيها، وقيل لتذكرك بها، وقراعة ابن شهاب
أقم الصلاة للذكرى تحتمل.
(3) أخرج مسلم في المساجد. 680 عَنْ أبَي هُرَيرَةَ أن رسُول اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - حِينَ قَفَلَ مِنْ غَزْوَةِ خَيْبَرَ سَارَ لَيْلَهُ
حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْكَرَى عَرَّس وَقَالَ لِبِلاَل اكْلأَ لَنَا
اللَّيْلَ فَصَلَّى بِلاَلْ مَا قُدَّرَ لَهُ وَنَامَ رَسُول للهِ - صلى
الله عليه وسلم - وَأَصْحَابُهُ فَلَمَّا تَقَارَبَ الفَجْرُ اسْتَنَدَ
بِلَالْ إِلى رَاحِلَتِهِ مُوّاجِهَ الْفَجْرِ فَغَلَبَتْ بِلَالاً
عَينَاهُ وَهُوَ مُسْتَنِدٌ إِلَى رَاحِلَتِهِ فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلاَ بلاَلْ ولاَ أَحَدْ مَنْ أَصْحَابهِ
حَتَّى ضَرَبَتهُمُ الشَّمْسُ فَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم
- أَوَّلَهُمُ اسْتِيقَاظاً فَفَزعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
فَقَالَ أَيْ بِلَالُ فَقْالَ بِلاَلٌ أَخَذَ بِنَفْسِي الَّذِي أَخَذَ-
بأَبِي أَنْتَ وَأمِّي يَا رَسُولَ اللهِ- بِنَفْسِكَ قَالَ اقْتَادُوا
فَاقْتَادُوا رَوَاحِلَهُمْ شَيْئاْ ثُمَّ تَوَضَّأَ رَسُولُ للهِ - صلى
الله عليه وسلم - وَأَمَرَ بِلاَلاً فَأَقَامَ الصَّلاَة فَصَلَّى بِهِمُ
الصُّبْحَ فَلَمَّا قَضَى الصَّلاةَ قَالَ: "مَنْ نَسِي الصَّلاَةَ
فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا فَإنَّ اللهَ قالَ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ
لِذِكْرِي} ".
(4) ساقط من (ر).
(2/567)
المنسية والتي نام عنها - وإن كان الإثم
ساقطاً- فأحرى أن يجب في المتعمد تركها بثبوت الإثم في الترك [عامداً] (1).
واقتصاره في الحديث على ذكر المنسيات والتي نام عنها من باب التنبيه
بالأدنى على الأعلى.
وإذا ثبتت هذه المقدمة فإن النظر في هذا الباب ينحصر في ثلاثة فصول: أحدها:
أوقات القضاء، والثاني: لزوم الترتيب، والثالث: حكم المنسيات في ترتيب
بعضها على بعض. وإذا اعترى الشك في أيامها وأعيانها وأعدادها (2).
(أوقات قضاء المنسيات)
فأما أوقات المنسيات فهي متى ذكرت من ليل أو نهار، وإن بدا حاجب الشمس أو
غرب بعضها. وهذا لقوله عليه السلام: "فليصلها إذا ذكرها" (3)، فإن ذلك
الوقت وقتها، وهو يقتضي عموم سائر الأوقات.
...
فصل (حكم الترتيب في القضاء بين المنسية
والوقتية)
وأما لزوم الترتيب الذي يحكيه البغداديون من أهل المذهب ففيه قولان:
أحدهما: أن الترتيب بين المنسية وبين الوقتية واجب، والثاني: أنه مستحب.
وتحقيق المذهب في هذا يؤخذ مما نقوله في التفصيل. وهو أن الذاكر للصلاة
المنسية لا يخلو أن يذكرها قبل التلبس بالوقتية أو بعده؛ فإن ذكرها قبل
التلبس بالوقتية فلا يخلو أن تكون كثيرة جداً أو يسيرة جداً أو متوسطة بين
ذلك، فإن كانت كثيرة جداً بدأ بالوقتية، ولا يلزمه (4) الاشتغال بقضاء هذه
الكثيرة في فور واحد. وهذا كالخمسة عشرة صلاة فصاعداً.
__________
(1) ساقط من (ق) و (ر) و (م).
(2) كذا في جميع النسخ.
(3) سبق تخريجه.
(4) لأنه لا يلزمه.
(2/568)
وقال محمد بن مسلمة: يبدأ بالمنسية وإن
كانت كثيرة مثل (1) صلاة شهرين. فهذا يقتضي وجوب الترتيب، ويلزم عنده أداء
هذا المقدار في فور واحد.
وإن كانت يسيرة جداً بدأها ما لم يخف فوات وقت الحاضرة الاختياري
[والضروري] (2). وإن خاف فواته فهاهنا قولان: المشهور الابتداء بالفائتة
وإن فات وقت الحاضرة. وهذا يشعر بوجوب الترتيب في هذا المقدار. والشاذ
الابتداء بالحاضرة. وهذا يشعر بأن الترتيب مستحب فيؤمر به ما لم يخف ذوات
الحاضرة. ولأشهب قول ثالث أنه مخير بين الابتداء بالمنسية أو بالوقتية.
وهذا لتقابل حق (3) الترتيب وحق الوقت.
وكم عدد اليسير؟ أما الأربعة فدون فلا خلاف في كونها يسيرة، وأما الستة فلا
خلاف في كونها كثيرة، وأما الخمس ففيها قولان: أحدهما: إلحاقها بالكثيرة؛
لأنها صلاة يوم كامل. والثاني: إلحاقها باليسيرة، إذ لا تكرر فيها.
وأما المتوسطة مقدار عشر صلوات، فإنه يبدأ بها ما لم يخف فوات وقت الحاضرة.
وهل يراعي فوات وقتها الاختياري أو الضروري؟ في المذهب قولان. وهذا يشعر
باستحباب الترتيب لكن قدمنا الخلاف في مؤخر الصلاة إلى الوقت الضروري، هل
يتعلق به الإثم أم لا؟ وهذا في التأخير إلى الاصفرار. فمن علق الإثم راعى
فوات الوقت الاختياري. ومن لم يعلقه (4) راعى فوات الوقت الضروري.
(حكم من ذكر صلاة بعد التلبس بأخرى)
وإذا ذكرها بعد التلبس بالصلاة فلا يخلو إما أن يكون مما لا يجب تقديمها
على الوقتية أو مما يجب؟ فإن لم يجب تقديمها فلا تأثير للمذكورة
__________
(1) في (ر) وإن كان مثل، وفي (ق) وإن كانت مثلاً.
(2) ساقط من (ر) و (ت).
(3) في (ت) وجوب.
(4) في (ق) يعلق الإثم.
(2/569)
في الصلاة التي هو فيها، فإن كانت مما يجب
تقديمها فلا يخلو الذاكر لذلك من أن يكون مأموماً، أو فذاً، [أو إماماً]
(1).
فإن كان مأموماً تمادى على أتباع إمامه ولم يقطع، وهل تبطل عليه هذه الصلاة
التي تمادى فيها؟ في المذهب قولان جاريان على الخلاف في الترتيب هل يجب أو
يستحب؟
وإن كان فذاً فلا يخلو أن يكون قبل الركوع أو بعده (2)، فإن كان قبل الركوع
(3) فقولان: أحدهما: أنه يقطع، والثاني: أنه يتم ركعتين نافلة. وهذا على
الخلاف في تكبيرة الإحرام، هل هي ركن يحافظ على ثبوته أم لا؟ وإن لم يرفع
رأسه كان على الخلاف في عقد الركعة ما هو؟ فإن قلنا وضع اليدين على
الركبتين أتم ركعتين نافلة، وأن قلنا رفع الرأس كان بمنزلة من لم يركع، وإن
صلى ركعتين جعلهما نافلة وقطع، وإن صلى ثالثة فقولان: أحدهما: أنه يتمادى
إلى أربع ثم يصلي المنسية ويعيد التي كان فيها، والثاني: أنه يقطع من
الثلاث. وهذا الخلاف في وجوب الترتيب؛ فمن أوجبه ورأى أن تحقيق أثره ألا
يتم الصلاة المذكورة فيها أمر بالقطع، ومن لم يوجبه أو راعى الخلاف أمر
بالتمادي. وأذا أمرنا بالتمادي هل يجب عليه إعادة الصلاة التي كان فيها أو
يستحب؟ قولان. وهما على وجوب الترتيب واستحبابه.
وإن كان إماماً فهل يقطع أو يتمادى؟ قولان. وهما على ما قدمناه من وجوب
الترتيب. وإذا قلنا بالقطع فهل يلزم ذلك من خلفه أو له أن يستخلف من يتم
بهم وتصح لهم؟ قولان. فمن التفت إلى وجوب القطع ولم يراع الخلاف قال
بالاستخلاف قياساً على الحدث، ومن راعى الخلاف أمرهم بالقطع لأنه يصير
كالمتعمد في الإبطال عند من (4) أوجب التمادي.
__________
(1) ساقط من (ر).
(2) في (ر) و (ت) أن يركع أو بعد أن ركع.
(3) في (ر) و (ت) أن يركع.
(4) في (ر) عن من.
(2/570)
وإذا قلنا بالتمادي فهل يعيد واجباً أو
استحباباً؟ قولان. وهما على ما قدمنا في حكم الترتيب.
وإذا أعاد فهل يلزم المقتدين (1) الإعادة؟ قولان. وهما على الخلاف في تعلق
صلاة المأموم بصلاة الإمام. وهذا الذي قلنا جار فيما كان [من] (2) صلاة
اليوم أو مما فاته وقته. قال ابن حبيب: أما لو كانت صلاة اليوم كمن يذكر
الظهر مثلاً في يومه وهو في العصر فإنه يقطع ولو كان وراء الإمام فينصرف
وأن كان على وتر. وعلل ذلك بأن التمادي يفوت صلاة يومه وهي مستحقة الترتيب.
والوقتية (3) بخلاف المنسية فإنها وأن استحقت الترتيب فإنها لا تستحق
الوقت. ورأى في المشهور أن التمادي يلزم لمتابعة الإمام ولأنه دخل بوجه
جائز.
فإن كانت الصلاة التي هو فيها نافلة وذكر صلاة لا يخلو من أن يكون عقد
[ركعة] (4) من التي هو فيها أم لا. وإن عقد ركعة أضاف إليها أخرى وسلم، وإن
لم يعقد ركعة فقولان: أحدهما: القطع، والثاني: أنه يضيف إليها ثانية. وهما
على الخلاف المتقدم في المحافظة على الإحرام (5).
وقد أحلنا في باب إعادة الصلاة في جماعة بيان حكم من أقيمت عليه الصلاة وهو
في صلاة أخرى على هذا الباب. واختلف المذهب في ذلك على قولين: أحدهما: أنه
يتمادى على التي هو فيها ولا يقطعها، فإذا أكملها مخففا نظر؛ فإن بقي من
صلاة الإمام شيئاً دخل معه وإلا صلى لنفسه، وهذا هو الشاذ. والثاني: أن
الصلاة التي أقيمت (6) تؤثر في التي هو فيها. ويختلف في صفة التأثير على
قولين: أحدهما: أنه يريد من أقيمت
__________
(1) في (ق) المقتدين به.
(2) ساقط من (ر).
(3) في (ر) و (ت) والوقت.
(4) ساقط من (ق) و (ت).
(5) في (ق) تكبيرة الإحرام.
(6) في (ت) أقيمت عليه.
(2/571)
عليه الصلاة التي هو فيها، وقد تقدم بيانه.
والثاني: أنه يتمادى على التي هو فيها ما لم يخف فوات جملة الصلاة مع
الإمام. فأما الخلاف في التأثير وعدمه فلتقابل مخالفة الإمام بأن يكون في
صلاة وهو في صلاة أخرى لوجوب التمادي- على ما افتتحه- واستحقاق الترتيب،
وكونه يدخل مع الإمام فيما لا يعتد به. والثاني: بالتمادي (1) ما لم يخف
فوات صلاة الإمام مراعاة لقول من يقول يتمادى جملة. والقطع إذا خاف ذوات
ركعة مع الإمام بتقديم وجوب اتباع الإمام وقد قدّمنا أن ذكر صلوات كثيرة لا
يؤثر ذكرها في الصلاة التي هو فيها، فلو ذكر صلوات كثيرة فقضاها حتى لم يبق
منها إلا اليسير فنسي فدخل في صلاة وقتية لكان بمنزلة من ذكر صلوات يسيرة،
لأن ما قضاه كأنه أوقعه في وقته، وكأنه ليس في ذمته إلا ما بقي. وهكذا يكون
حكمه لو ذكر هذا الباقي اليسير وهو في ضيق من وقت الصلاة الحاضرة لابتدأ
بالمنسية على المشهور.
(حكم من ذكر صلاة منسية وهو في الجمعة)
ولو ذكر صلاة منسية وهو في الجمعة فالمنصوص أنه إن طمع بإدراك ركعة من
الجمعة بعد قضاء المنسية قطع وقضى ثم عاد إلى الجمعة، فإن لم يطمع تمادى،
فإذا أكمل الجمعة صلَّى المنسيَّة خاصة.
وهذا يجري فيه الخلاف على ما قدَّمنا التنبيه عليه (2). فإن قلنا بأن
الترتيب واجب فينبغي أن يتمادى لحق الإمام ثم يعيد الجمعة بعد قضاء
المنسية، ويعيدها ظهراً أربعاً. ويلتفت في الإعادة أيضاً إلى الخلاف في
الجمعة؛ هل هي صلاة قائمة بنفسها أو بدل عن الظهر؟ فإن قلنا إنها صلاة
قائمة بنفسها فيقوى نفي الإعادة، وإن قلنا هي بدل عن الظهر فيقوى وجوب
الإعادة. وقد تقدم الخلاف فيمن صلى الجمعة [بنجاسة] (3) ناسياً ثم علم
__________
(1) في (ق) و (ت) لا يعتد به والتأثير والتمادي.
(2) في (ر) وهذا يجري فيه خلاف ما قدمناه، وفي (ق) وهذا يجري فيه من الخلاف
ما قدمنا من التنبيه.
(3) ساقط من (ر).
(2/572)
في الوقت هل يعيد ظهراً أربعاً أم لا؟ وإذا
صلَّى الوقتية ثم ذكر المنسيَّة فصلاَّها فإنه يعيد الوقتية ما بقي من
وقتها شيء. وهل يُراعي في ذلك وقت الاختيار أو وقت الضرورة؟ في المذهب
قولان. [وهما] (1) على الالتفات إلى وجوب الترتيب، فيعيد ما لم تفت جملة
الوقت، واستحبابه فيعيد ما لم يفت الوقت الاختياري.
...
فصل (بأي صلاة يبدأ في قضاء المنسيات)
وإذا ذكر صلوات منسية فلا خلاف أنه مأمور بترتيبها (2) الأولى فالأولى، لكن
اختلف في الأمر هل هو واجب أو ندب، وبأي صلاة يبدأ؟ في المذهب قولان:
أحدهما: أنه يبدأ بصلاة الظهر؛ لأنها التي ابتدأ بها جبريل عليه السلام
بالرسول عليه السلام، وبهذا سميت الأولى. والثاني: أنه يبدأ بالصبح؛ لأنها
صلاة أول اليوم. وهذا على الخلاف في الزمن الذي بين طلوع الفجر وبين طلوع
الشمس هل هو من الليل أو من النهار؟ فإن قلنا إنه من الليل بدأ بالظهر، وإن
قلنا إنه من النهار بدأ بالصبح. ثم يرتب الأولى فالأولى. فإن شك في عدد
الصلوات أو في أيامها أو في أعيانها. فقد أطال الناس الأنفاس في هذا الباب
وصوَّروا من شوَّاذ النوازل ما يفتقر إلى ذكر دقيق الحساب. ونحن نذكر
مبادئه بحسب ما يليق بهذا المجموع فنقول:
اختلف المذهب هل يلزم تعيين الأيام في الصلوات أو لا يلزم ذلك، وإنما يلزم
القصد إلى صلاة الوقت من غير التفات إلى اليوم. وقد قدمنا أيضاً الخلاف في
القصد هل هو مُباح أو مأمور به؟ وهل الأمر واجب أو ندب؟ فإذا تقرر ذلك
قلنا: من نسي صلاتين من يومين ظهراً أو عصراً
__________
(1) ساقط من (ر).
(2) في (ق) بترتيبها في القضاء.
(2/573)
مثلاً، وشك أيتهما قبل صاحبتها؟ فلا يخلو
أن يذكر يومين بأعيانها، أو لا يذكر اليومين. وإن ذكر اليومين فشك مثلاً هل
الظهر من السبت والعصر من الأحد، أو بالعكس؟ فهاهنا قولان: أحدهما: أنه
يصلي أربع صلوات: الظهر للسبت ثم العصر للأحد، ثم الظهر للأحد ثم العصر
للسبت. وهذا بناء على مراعاة الأيام. والقول الثاني: أنه يصلي ظهراً بين
عصرين، أو عصراً بين ظهرين. وهذا على القول بأن الأيام لا تُراعى.
وإن لم يذكر الأيام بأعيانها فهذا لا خلاف فيه أنه يصلي ظهراً بين عصرين أو
عصراً بين ظهرين، فيحصل (1) بذلك الترتيب، لأن العصر إن كانت (2) هي
السابقة فقد صلَّى بعدها الظهر، وإن كانت هي المتأخرة فقد صلَّى قبلها
الظهر.
(حكم من ذكر صلاة لا يدري يومها)
ولو ذكر صلاة لا يدري يومها بعينه (3) لاكتفى بصلاة واحدة بلا خلاف. كان شك
هل هي من السبت مثلاً أو من الخميس؟ فهاهنا قولان: أحدهما: أنه يصلي ظهرين
ينوي بكل واحدة [منهما يوماً من المشكوك فيهما، ويبدأ بالأولى من اليومين.
والثاني] (4) أنه يصلي ظهراً واحداً يوماً ولا يضيفها إلى يوم معيّن.
(حكم من ذكر صلاة لا يدري أهي حضرية أم سفرية)
ولو ذكر صلاة يوم ونسي هل هي من حضر أو سفر؛ فعلى القول بأنه مُخيَّر بين
القصر والإتمام له أن يُصلي صلاة يوم حضرية ويكتفي بها، وكذلك على القول
بأن القصر مستحب. لكن الأولى هاهنا أن يُصلي كل يوم صلاة. وأما على القول
بأن القصر فرض أو سنة، فيصلي صلاة يوم
__________
(1) في (ت) فيحصل له.
(2) في (ت) وإن كانت.
(3) في (ت) لا يدري يوماً بعينه، وفي (ر) لا يدري ما هو معينة.
(4) ساقط من (ر).
(2/574)
حضرية وصلاة يوم سفرية، ولا يعيد الصبح ولا
المغرب لتساوي أمرهما في الحضر والسفر.
ولو ذكر ظهراً أو عصراً ولم يذكر كونهما حضريتين أو سفريتين لجرى حكم
إعادتهما على ما قدمناه. فإن شك في يومهما وشك في تقدم إحداهما على الأخرى،
أو شك هل هما حضريتان أو سفريتان (1) أو إحداهما حضرية أو سفرية؟ فإنه
يُصلي ست صلوات. لكن اختلفوا في صورة ترتيبها؛ هل يصلي ظهراً أربعاً حضرية
ثم هي سفرية، ثم عصراً حضرية ثم هي سفرية، ثم ظهراً حضرية وسفرية.
وإن بدأ بالعصر فعل فيها ما فعل بالظهر، أو تكون صورة ترتيبها أن يصلي
ظهراً حضرية ثم عصراً سفرية ثم ظهراً سفرية ثم عصراً حضرية ثم ظهراً حضرية
ثم عصراً سفرية. فتقع له صلاة سفر بين صلاتي حضر وبالعكس. وهذا كلّه طلباً
لتحصيل الترتيب، وهو لازم على القول بوجوبها.
وأما على القول باستحبابها فإن تكثير الصلوات إنما هو من باب الأولى فيكتفي
على القول بالتخيير بصلاتين ظهراً وعصراً حضريتين. وعلى القول بأن القصر
فرض أو سنة فأربع صلوات؛ ظهراً حضرية وسفرية وعصراً كذلك.
ولو ذكر صلاة يوم وليلة ويعلم أن أحدهما قبل الأخرى، ولا يدري اليوم قبل
الليلة أو بالعكس؛ فإنه يصلي صلاة زمان منهما بين صلاة زمانين لتحصيل
الترتيب. وهل يبدأ بصلاة الصبح في اليوم أو بصلاة الظهر؟ في المذهب قولان.
وقد قدّمناهما.
ولنقتصر على هذا المقدار من ترديد (2) هذه المسائل، فإن الخروج عنه اشتغال
بعلم الحساب ولسنا له.
...
__________
(1) في (ق) و (ر) و (م) حضريتين أو سفريتين، وخرم في (ت).
(2) في (ر) تزييل.
(2/575)
|