التنبيه على مبادئ التوجيه - قسم العبادات

باب في أحكام السهو
وهو وإن كثرت فروعه ودقت بعض مسائله فإنه يهون مع الالتفات إلى أصوله وقوانينه. وهو لا يخلو من أن يكون بزيادة أو نقصان. فإن كان بزيادة فلا يخلو أن تكون الزيادة كلاماً أو فعلاً، وإن كانت كلاماً فقد قدمنا أنها إن كثرت جداً أبطلت الصلاة، وإن كان ما دون ذلك أجزأ (1) عنه [عندنا] (2) السجود. وكنا قدمنا في الكتاب الأول حكم الكلام عمداً، وأنه يكون لغير [إصلاح] (3) الصلاة أو لإصلاحها (4)، وأحلنا حكم الذي يكون لاصلاحها على هذا الباب فلنبدأ به فنقول:

(حكم الإمام يسلم سهواً من الصلاة قبل كمالها)
من كان إماماً فسلم من صلاته قبل كمالها، فقال له بعض المقتدين: إنك لم تكمل صلاتك، فقال: بل أكملت، وسأل غير المتكلم أولاً، فأخبره أنه لم يكمل. فهل تصح هذه الصلاة أو تبطل؟ في المذهب ثلاثة أقوال: المشهور صحتها، والشاذ بطلانها. وقال سحنون: إن جرى ذلك في الصلاة الرباعية (5) بعد ركعتين صحت الصلاة، وإن كان من غير الرباعية أو ليس بعد الركعتين بطلت. ووجه المشهور الاعتماد على الحديث في أنه - صلى الله عليه وسلم - سلم من اثنتين فقال له ذو اليدين (6): أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله
__________
(1) في (ر) ذلك مراد أجزأ.
(2) ساقط من (ر) و (ت).
(3) ساقط في (ت).
(4) في (ر) ولإصلاحها.
(5) في (ت) في أول الصلاة الرباعية.
(6) اختلف في المراد بذي اليدين فقيل: هو عمير بن عبد عمرو بن نضلة الخزرجي، الذي استشهد ببدر. وقيل: هو الخرباق بن عمرو أبو العربان عاش بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - وحدث عنه. والراجح الثاني لأن الأول يعرف بذي الشمالين، وقد توفي في بدر، وأبو هريرة راوي الحديث لم يسلم إلا في خيبر. انظر فتح الباري 3/ 100، ونيل الأوطار 3/ 131.

(2/576)


فقال: "كل ذلك لم يكن"، فقال ذو اليدين: قد كان بعض ذلك. فسأل (1) الناس فأخبروه بصحة ما قال ذو اليدين ورجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى إكمال صلاته (2).
ووجه الشاذ إما لأن الحديث لا يحكم بصحته. وقد تكلم عليه أصحاب أبي حنيفة [من جهة] (3) أن الراوي أبو هريرة رضي الله عنه، ولهم في ذلك معان لسنا لها. وإما لأنه انفرد بنقله الآحاد. وإما لأن القياس مقدم عليه. وبين الأصوليين خلاف في تقديم القياس على خبر الآحاد. وإما لأن القصة جرت في (4) زمن يجوز فيه النسخ ولم يتكلم ذو اليدين إلا وهو يجوز النسخ فعذر بذلك. بخلاف من يطرأ له ذلك بعد تقرر الشرائع واستحالة النسخ. وعلى هذا عول (5) ابن كنانة (6) القائل ببطلان الصلاة، وأجاب ابن القاسم عن هذا بأن غير ذي اليدين من الصحابة تكلموا بعدما علموا بأن الصلاة لم تقصر.
وأما وجه قول سحنون، فهو أن القياس بطلان الصلاة، وقد وردت صحتها في صورة فيقتصر على ما وردت. ولا يجري (7) القياس فيما عداها.
__________
(1) في (ت) فسأل الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
(2) أخرج مسلم في المساجد 573 واللفظ له، والنسائي في السهو 1226 "عن أبي هُرَيْرَةَ قال صلَّى لَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلاَةَ العَصرِ فَسَلَّمَ فِي رَكعَتَيْنِ فَقَامَ ذُو اليَدَينِ فَقَالَ أَقُصرَتِ الصَّلاَةُ يَا رَسُولَ اللهِ أَمْ نَسِيتَ؟ فَقَالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "كُل ذلِكَ لَمْ يَكُن" فَقَالَ: قَدْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَقْبلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى النَاسِ فَقَالَ:"أَصَدَقَ ذو اليَدَينِ؟ " فَقَالُوا: نَعَم يَا رَسُولَ اللهِ، فَأتَمَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مَا بَقِيَ مِنَ الصلاةِ ثُمّ سَجَدَ سَجدَتَينِ وَهُوَ جَالِس بَعْدَ التَّسليِمِ".
(3) ساقط من (ر).
(4) في (ر) على.
(5) في (ر) قول.
(6) هو أبو عمرو عثمان بن كنانة من فقهاء المدينة أخذ عن مالك، وغلب عليه الرأي، وهو الذي قعد في مجلس مالك بعد وفاته. توفي بمكة سنة 186 هـ وقيل سنة 185 هـ ترتيب المدارك 3/ 21.
(7) في (ر) ويجري.

(2/577)


وإذا تكلمنا على حديث ذي اليدين فنستوفي ما يتعلق به بحسب هذا المجموع، وذلك أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - رجع إلى قول المخبرين فأتم. والمصلي إذا أخبره غيره أنه لم يتم فلا يخلو أن يخبره من معه في صلاة (1)، أو من ليس معه في صلاة؛ فإن أخبره من معه في صلاة فلا يخلو من أن يكون موقنا بخلاف ما قاله، أو موقناً بصحة ما قاله، أو شاكاً. فإن أيقن بخلاف ما قاله المخبر فإنه يرجع إلى يقينه ولا يلتفت إلى يقين المخبر، إلا أن يكثر (2) المخبرون جداً حتى يكونوا ممن يقع بهم العلم الضروري (3). فيعلم حينئذ أن يقينه ليس بصحيح، وإنما ظن أنه أيقن وليس كذلك.
وإن كان موقناً بصحة ما قاله رجع إليه، وكذلك إن شك. [وهذا إذا] (4) طرأ له الشك واليقين بصحة ما قالوه بعد أن سلم، وإلا فلو سلم على الشك هل أكمل أم لا، أو على اليقين بأنه لم يكمل، بطلت صلاته. ويحمل رجوع الرسول عليه السلام إلى المخبرين في قصة ذي اليدين على أنه شك بعد أن أخبروه، أو أيقن بصحة ما قالوه ولذلك سلم وقال: كل ذلك لم يكن.
وإن كان المخبرون ليسوا معه في صلاة فإن أيقن ببطلان ما قالوه لم يرجع إليه، فإن شك أو أيقن بصحة ما قالوه رجع إلى يقينه لا إلى خبر المخبر. [وهل يرجع إلى الخبر] (5) فيكون من باب الشهادة، وذلك (6) إذا لم يتصور له يقين ولا شك؟ في المذهب قولان: المشهور أنه لا يرجع إليه لأنه ليس معه في صلاة وإنما يرجع إلى من معه في صلاة لأنهم في حكم المصلي الواحد. والشاذ أنه يرجع إليه لأنه من باب الشهادة. وإذا حكمنا بالرجوع بعد أن سلم من اثنتين، فإن طال الأمر وكثر الفعل بطلت الصلاة
__________
(1) في (ت) و (ر) الصلاة.
(2) في (ر) يكون، وفي (م) يكثر قول.
(3) في (ت) العلم المتواتر والضروري.
(4) ساقط من (ر).
(5) ساقط من (ت) و (ق) و (م).
(6) في (ر) وكذلك.

(2/578)


واستأنفها على المشهور. وقيل: لا تبطل وإن طال (1). وإن قرب بني كما ما قدمناه.

(هل يفتقر في البناء إلى تكبيرة الأحرام)
وإذا حكمنا بأنه يبني فهل يفتقر إلى تكبيرة أم لا؟ أما إن كان قريباً جداً فلا يفتقر إلى تكبيرة بلا خلاف؛ لأن حكم التكبير الأول منسحب عليه. وإن بعد بعداً لا يقتضي بطلان الصلاة ففي أفتقاره إلى إحرام جديد قولان: أحدهما: أنه لا يفتقر إليه، لانسحاب حكم الإحرام للصلاة (2) عليه. والثاني: افتقاره إليه؛ لأن الصلاة تخللها فعل من غير جنسها فضعف حكم انسحاب الإحرام الأول، وصارت كالمستأنفة.
وإذا قلنا إنه يحرم فهل يأتي به قائماً أو جالساً؟ في المذهب قولان. والقيام قياس على الإحرام الأول، والجلوس لأنه على تلك الحالة فارق الصلاة فيرجع إليها.
فإذا قلنا إنه يحرم قائماً فهل يجلس بعد (3) القيام؟ في المذهب قولان: أحدهما: أنه يرجع إلى الجلوس ثم ينهض منه إلى إكمال الصلاة. والثاني: أنه لا يرجع إلى الجلوس، بل يتمادى على القيام. وهذا على الخلاف في الحركات إلى الأركان هل هي مقصودة فيرجع إلى الجلوس حتى ينهض في صلاة، أو غير مقصودة فيتمادى على القيام؟ وما ذكرنا من التقسيم في اليقين (4) والشك وأصل المذهب والمعول عليه وما يذكر (5) من القولين في رجوعه إلى العدد اليسير ممن خلفه، فإنما يتصور ذلك مع غلبة الظن.
__________
(1) في (ق) و (ت) لا تبطل ويبنى وإن طال.
(2) في (ر) نفي للصلاة
(3) في (ق) و (ت) بعد ذلك القيام.
(4) في (ر) واليقين.
(5) في (ر) نذكره، وفي (ت) وما يذكره.

(2/579)


وإذا التفت إلى أصل المذهب في أن المصلي لا يرجع إلى غلبة الظن وإنما يبني على يقينه، فهذا يرجع مع غلبة الظن إلى يقينه، واليقين أنه لم يكمل، فلا يختلف في ذلك. فالحق أن يقال إن أيقن بالإكمال لم يرجع (1) على التفصيل المتقدم، وإن شك أو غلب (2) على ظنه الإكمال بني على يقينه ورجع إلى قول المخبر هاهنا. وهو إنما يبني على أن الأصل عنده عدم الإكمال فيكمل.
وإذا طرأ (3) له الشك بعد أن سلم فهل يسأل من خلفه أم لا؟ في المذهب قولان: أحدهما: أنه لا يسأل بل يبني على طرح ما شك فيه والاعتماد على ما يتيقن. والثاني: أنه يسألهم فيستفيد منهم علماً. وهذا تعويل على سؤال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قصة ذي اليدين وحمل السؤال على حالة الشك.
وإذا قلنا إنه يرجع إلى المخبرين وإن كانوا ليسوا معه في صلاة فهل يكتفي في ذلك بخبر الواحد؟ فيكون بابه باب الإخبار، أولاً بد من مخبرَيْن فأكثر فيكون بابه باب الشهادة؟ في المذهب قولان.

(حكم الزيادة من جنس الصلاة)
ولنرجع (4) إلى أصل التقسيم ونقول: إن كانت الزيادة فعلاً فلا يخلو من أن تكون من جنس الصلاة أو من غير جنسها؛ فإن كانت من جنس الصلاة-[فإن قَلَّت] (5) - فلا تبطلها، وهذا كزيادة الركعة في الصلاة الرباعية. وإن كثرت فلا تخلو أن تكون صلاة رباعية أو ثنائية أو ثلاثية. فإن كانت رباعية فزاد فيها مثلها؛ فالمشهور من المذهب بطلان الصلاة بكثرة
__________
(1) في (ق) لم يكمل.
(2) في (ر) وغلب.
(3) في (ق) ظهر.
(4) في (ت) وترجع.
(5) ساقط من (ق).

(2/580)


الأفعال (1) وإلحاقها بأفعال غير مجانسة للصلاة، والشاذ صحة الصلاة. وهذا لأن المحاذرة فعل يشوش نظم الصلاة، وهذا ليس من ذلك القبيل. وإن كانت الزيادة مثل نصفها كمن يصلي الظهر مثلاً ست ركعات، فهاهنا قولان: أحدهما: بطلان الصلاة نظراً إلى كثرة الزيادة، والثاني: الصحة نظراً إلى أنه ليس بمشوش، وإنما المزيد يسيراً بالنسبة إلى عدد الركعات.
وإن كانت الصلاة ثنائية فزاد مثلها كمن يصلي الصبح أربع ركعات؛ فإن قلنا إنه إذا زاد في الرباعية مثلها لا تبطل، فأحرى هاهنا ألا تبطل [فإن قلنا إن تلك تبطل فهاهنا قولان: قيل تبطل كتلك، والثاني: أنها لا تبطل] (2). وهذا نظراً إلى قدر المزيد في نفسه، أو بالنسبة (3) إلى ما زاد عليه. ولو زاد في هذه ركعة ففيها أيضاً قولان: البطلان؛ لأنه زاد مثل نصف الصلاة. والثاني: أنها لا تبطل؛ لأن الزيادة يسيرة في نفسها.
وهل تكون الثلاثية كالرباعية أو كالثنائية؟ في المذهب قولان. فإن حكمنا في جميع هذه المسائل بصحة الصلاة فيكون عليه السجود بعد السلام؛ لأنها زيادة، وكل هذا إذا زاد سهواً، أما لو كانت الزيادة عمداً بطلت الصلاة ولو زاد مثلاً سجدة واحدة. وإن كانت جهلاً جرى على الخلاف في حكم الجاهل هل يلحق بالعامد أو بالناسي؟
وإن كانت من غير جنس الصلاة وفعلت عمداً، فقد قدمنا حكم الفعل في الصلاة إذا قصد إليه. وإن فعلت سهواً فقد قدمنا أيضاً أنها إن كثرت بطلت، وإن قلَّت أجزى عنها سجود السهو، وفي كتاب الصلاة الأول أنه إذا سلم من اثنتين فأكل أو شرب بطلت صلاته (4)، وفي هذا الكتاب إذا أكل في الصلاة أو شرب أن صلاته صحيحة ويجزيه سجود السهو (5).
__________
(1) في (ق) الزيادة.
(2) ساقط من (ق).
(3) في (ت) في نفسه لا قدره بالنسبة.
(4) المدونة: 1/ 105.
(5) المدونة: 1/ 135.

(2/581)


وقد اختلف الأشياخ هل هذا اختلاف قول أو بين المسألتين فرق؟ وإذا قلنا بالفرق فهاهنا طريقان: أحدهما: أن ما في الكتاب الأول حصل بعد السلام من الصلاة وكثر الفعل، وما في هذا الكتاب انفرد الأكل أو الشرب فقل (1)، والثاني (2): أن ما في [الكتاب] (3) الأول فعل كثير لأنه جمع بين الأكل والشرب [والسلام، وفي الكتاب الثاني إنما فعل أحدهما: فصار يسيراً، وبالجملة إن المسألة محل الإشكال] (4).
...

فصل (السهو بالنقصان)
وإن كان السهو بنقصان فلا يخلو من أن يكون نقص فريضة، أو سنة، أو فضيلة، أو هيئة. فإن نقص فريضة لم ينسب عنها إلا الإتيان بها، فإن فاته محلها من الركعة بطلت الركعة. وقد قدمنا حكم من نقص تكبيرة الأحرام أو أخل بأم القرآن. وإن أخل بالركوع أو السجود فإنه يتلافى ما أخل به، فإن لم يفعل بطلت الركعة التي أخل بذاك فيها.
ومتى يتلافى؟ [فإنه يلافي] (5) ما لم يعقد الركعة (6) التي بعد هذه التي أسقط منها. وما (7) عقدها؟ فيه قولان: أحدهما: وضع اليدين على الركبتين. والثاني: رفع الرأس منها. وقد تقدم.
وإن أخل بالركوع مثلاً من ركعة، والسجود من الركعة التي بعدها،
__________
(1) ساقط من (ت)، وفي (ر) فعل يسير.
(2) في (ت) والثاني من الطرق ما في الكتاب الأول فعل كثير.
(3) ساقط من (ر).
(4) ساقط من ر، وفي (ق) و (م): وما في الثاني فعل يسير لأنه فعل أحدهما.
(5) ساقط من (ق).
(6) في (ق) و (ت) الركعة الثانية التي.
(7) في (ر) ومتى.

(2/582)


فهل يجزيه ركوعه للثانية عن الركوع للأولى (1)؟ لا شك أنه لا يجزيه؛ لأنه أخلَّ بالترتيب. وإن أخل بالسجود من الأولى والركوع من الثانية فهل يجزيه سجود الثانية عن سجود [الاولى]؟ (2) المنصوص أنه لا يجزيه. ووقع لمحمد بن مسلمة فيمن نسي السجود من الرابعة (3) وسجد للسهو أن ذلك [السجود] (4) يجزيه عما أخل به من سجود الركعة. فأخذ من هذا أبو الحسن اللخمي أن السجود للركعة الثانية ينوب عن السجود للركعة الأولى (5). ورأيت من فرَّق بينهما [من الأشياخ] (6) وقال إن سجود السهو لم يقصد به (7) ركعة بعينها فيجزيه وإن كان ليس بفرض، بخلاف ما قصد به ركعة بعينها. [[وهذا القول غير صحيح.

...

[فصل] (8).
وفي المذهب قولان في الإمام والفذ يخلان بركن من الأولى أو من الثانية حتى يفوتهما (9) تلافيه فحجب عليهما قضاء تلك الركعة، هل يقضونها (10) بأم القرآن وسورة أو بأم القرآن خاصة؟ فقد قصدوا إلى أن تكون الركعة أولى [أو] (11) ثانية فعادت على قول أخيرة فكذلك يكون حكم
__________
(1) في (ر) و (ت) الأول.
(2) ساقط من (ر) وفي (ق) و (ت) الأول.
(3) في (ت) الرباعية.
(4) ساقط من (ق) وفي (ر) سجود.
(5) التبصرة ص: 112.
(6) ساقط من (ق) و (ر).
(7) في (ر) و (ت) بها.
(8) ساقط من (ر) و (م).
(9) في (ر) و (ت) يفوتهم.
(10) في (ر) يقرؤون فيها.
(11) ساقط من (م) و (ت).

(2/583)


السجود. [وإن قصد به ركعة بعينها]] (1) ينوب مناب ما أخل به] (2) من الفروض في الركعة التي قبلها (3).
وفي المذهب أيضاً قولان فيمن ظن أنه قد أكمل صلاته فأتى بركعتين نافلة، [ثم ذكر أنه لم يصل الفريضة] (4) إلا ركعتين، فقيل: تجزيه هاتان الركعتان عما بقي عليه من صلاته، وقيل: لا تجزيه. وكذلك لو تعمد أن يأتي بركعتين نافلتين، وقد علم أنه قد أخل بركعتين من الفريضة، فقيل: حكم النية منسحب (5) في جميع هذا، فيجزيه عن الفريضة. وقيل: لا يجزيه؛ لأن النية إنما تنسحب ما لم يأت بنقيضها، [وإلا إذا أتى بنقيضها] (6) بطل حكم الانسحاب (7).
...

فصل (الشك في النقصان حكمه كحكم تيقن وقوعه)
وحكم الشك في النقصان كحكم تيقن وقوعه. فإذا شك هل أخل بركن وجب عليه الإتيان به، كما يجب على من تيقن أنه أخل به. وهذا إذا لم يكن موسوساً. وأما الموسوس فإنه يبني على أول خاطر به، كما سبق في الشك في الحدث وغيره. ولو ذكر في الركعة الرابعة أنه أخل بسجدة، أو شك هل أخل بها، ولم يدر محلها. هاهنا قولان: أحدهما: أنه يأتي بسجدة لئلا تكون من هذه الركعة، ثم يأتي بركعة لئلا تكون من ركعة غيرها. والثاني: أنه يأتي بركعة خاصة تجزيه عما أخل به كيف تقدر أمره.
__________
(1) ساقط من (ق).
(2) خرم في (ت).
(3) كذا في جميع النسخ.
(4) في (ق) و (ت) وقد علم أنه قد أخل بركعتين من الفريضة.
(5) في (ر) مستحب.
(6) ساقط من (ر) و (ت).
(7) في (ر) الاستحباب.

(2/584)


وسبب الخلاف تقابل المكروهين: أحدهما: التفرقة بين أجزاء الركعة، والثاني: الزيادة في الصلاة. فمن راعى حكم التفرقة قال: يأتي بسجدة، ومن راعى حكم الزيادة قال تسقط السجدة ويأتي بركعة خاصة.
ولو سلم من الصلاة ثم ذكر سجدة من الركعة الآخرة فهل يكون السلام حائلاً بينه وبين التلاقي؟ في المذهب قولان: أحدهما: أنه حائل (1) فيقوم فيأتي بركعة، والثاني: أنه لا يكون حائلاً فيأتي بسجدة وتجزيه. فمن التفت إلى كونه ركنا قائماً بنفسه عدَّه حائلاً، ومن التفت إلى كونه قصيراً لم يعده حائلاً.
هذا حكم الإخلال بالأركان على الجملة، وبقي منها حكم الإخلال بالسلام. ومتى أخلَّ به ولم يطل الأمر سلم وأجزأه، وإن طال فقد قدمنا القولين هل تبطل الصلاة؟ وهو المشهور، أو لا تبطل؟ وهو الشاذ.

...

فصل (حكم من أخل بالسنن)
وإن أخلَّ بالسنن فإن كان عامداً ففي بطلان صلاته قولان، وقد تقدما. وإن قلنا بالصحة فهل يسجد؟ قولان: المشهور أنه لا يسجد؛ لأن السجود إنما ورد في السهو. والشاذ أنه يسجد؛ لأنه إذا سجد للسهو ولا أثر له فيه فأحرى أن يتلافى في العمد بالسجود.
وإن أخلَّ بها سهواً فإن كانت فعلاً فلا خلاف في أنه مأمور بالسجود، وإن كانت قولاً فقولان: المشهور أنه مأمور بالسجود كالفعل، والشاذ أنه لا سجود عليه. فمن استعمل القياس أمر بالسجود، ومن لم يستعمله رأى أن السجود إنما ورد في نقص الفعل دون القول (2). فإن قلنا بالسجود فأين
__________
(1) في (ق) أنه يكون حائلاً.
(2) في (ق) إنما هو في الفعل دون القول.

(2/585)


محله؟ قولان: أنه قبل السلام كنقص (1) الأفعال. والشاذ أنه بعده لضعف الأمر به فأخَّر لئلا تكون الزيادة في الصلاة. وهذا ما لم تقل الأقوال، فإن قلت كالتكبير ونحوها ففي الأمر بالسجود قولان: المشهور نفيه ليسارة المتروك، والشاذ إثباته حكماً له بإلحاقه بالسنن في الحكم. ولا شك على ما قدمناه أن من سها عن الجلسة الوسطى سجد قبل السلام لاشتماله على أقوال وأفعال.
ومتى يحصل تاركاً له؟ أَما إن نسي فنهض، فإن لم يفارق الأرض فإنه يعود إليه ولا سجود على المشهور، وقيل يسجد. وهذا بناء على الأمر بالسجود وإن قلَّ الفعل.
وإن استقلى قائماً فلا خلاف في المذهب أنه لا يعود إلى الجلوس. وقد تقرر السجود في ذمته.
وإن كان بين الجلوس والقيام فهل يرجع إلى الجلوس أو يتمادى [على القيام] (2)؟ قولان: أحدهما: أنه يرجع لسبق (3) الجلوس ولم يحصَّل رتبة الفريضة وهي القيام (4) والثاني: أنه يتمادى إلى القيام؛ لأنه فرض وقد (5) أخذ في الحركة إليه.
فإن رجع بعد القيام فلا يخلو رجوعه من ثلاثة أقسام: إما أن يكون عامداً ففي بطلان صلاته قولان: أحدهما: [أنها] (6) لا تبطل صلاته، وهذا مراعاة لقوله من يقول إنه يرجع. والثاني: الحكم بالبطلان؛ لأنه وجب عليه التمادي على (7) القيام ورجع إلى الجلوس وقد فات محله، [فكأنه زاد في
__________
(1) في (ر) كبعض.
(2) ساقط من (ر).
(3) في (ت) سنة، وفي (ر) لسبب.
(4) في (ر) إذا لم يحصل في رتبة.
(5) في (ر) وهو.
(6) في (ر) أنه يرجع.
(7) في (ر) إلى.

(2/586)


صلاته متعمداً. وإن رجع سهواً فلا تبطل صلاته بلا خلاف] (1). فإن رجع جهلاً، يجري (2) على الخلاف في حكم الجاهل هل هو كالناسي أو كالعامد؟ (3). ويتصور السهو هاهنا بأن يذهل عن حقيقة الأمر أو يظن أنه قام من الجلسة الآخرة.
[فإذا رجع] (4) وحكمنا بصحة صلاته فمتى يكون سجوده؟ قولان: أحدهما: يسجد قبل السلام؛ لأن الجلوس فات محله ورجوعه لا يتلافاه، فهي زيادة محضة. والثاني (5) أنه بعد السلام، وهذا بناء على أن الجلوس الذي عاد إليه يسد مسد الأولى (6).
وإن أخل بالفضائل أو الهيأة فلا سجود عليه، وتجزيه الصلاة لضعف أمر المتروك.

(قاعدة المذهب في الزيادة والنقصان)
هذا حكم السهو في الزيادة والنقصان، وقاعدة المذهب أن السجود للزيادة بعد السلام والنقصان قبله، إلا ما قدمناه في ترك الأقوال. وفي المجموعة (7) لمالك رحمه الله ما يشير إلى أن هذه التراتيب ليست بمتعينة، بل يجوز أن تخالف فيؤتي بالجميع قبل السلام أو بعد السلام. والأصل المعول عليه في المشهور أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حديث ذي اليدين سجد بعد السلام، وقد زاد خامسة فسجد أيضاً بعد السلام (8). وقد قام أيضاً من اثنتين
__________
(1) ساقط من (ر).
(2) في (ق) فيتخرج.
(3) ساقط من (ر) أو كالعامد فإن رجع سهواً صحت صلاته.
(4) ساقط من (ر).
(5) في (ق) زيادة ونقصان والثاني.
(6) في (ق) الأول وهي زيادة محضة.
(7) سبق الحديث عن هذا الكتاب في الدراسة.
(8) أخرجه البخاري في الصلاة 404 واللفظ له، ومسلم في المساجد 572 عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ:"صَلِّى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الظُّهْرَ خَمساً فَقَالُوا: أَزِيدَ فِي الصَّلاَةِ؟ قَالَ: "وَماَ ذَاكَ؟ " قَالُوا صَلَّيْتَ خَمساً فَثَنَى رجْلَيْهِ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ".

(2/587)


فسجد قبل السلام. وهذا كالنقص بمقتضى المشهور. وأيضاً فإن النقص ينبغي أن يؤتى بعوضه في نفس الصلاة ليسد مسده، والزيادة لم تؤثر في الصلاة تأثيراً يجب (1) تلافيه إلا بالاستغفار أو ما يرغم الشيطان، فكان السجود لذلك (2) بعد السلام.

(حكم اجتماع النقص والزيادة)
فإن اجتمع النقص والزيادة غُلِّب المتأكَّد منهما، وهو النقص، فيسجد قبل السلام. وإنما أخر سجود السهو ولم يؤت به عقيب سببه لإمكان أن يتكرر السهو، فيكفي عن جميعه سجدتان. وهذا في سجود النقص، وأما في سجود الزيادة فمحله بعد الصلاة، فمن ضرورته التأخير.
...

فصل (هل يتشهد ويحرم لسجود السهو)
وهل يتشهد لسجود السهو؟ أما اللتان بعد السلام فلا خلاف أنه يتشهد لهما لأنهما مستقلتان بنفسهما، وأما اللتان قبل السلام ففي التشهد لهما قولان: أحدهما: الأمر به، إذ المشروع أن السلام لا يكون عقيب السجود (3). والثاني: نفيه، إذ لا يكون تشهدان في جلوس واحد.
وهل يحرم لهما؟ أما اللتان قبل السلام فحكم الصلاة منسحب عليهما فلا يحرم لهما وإنما يكبر للخفض وللرفع. لكن إذا نسي إيقاعهما قبل السلام فذكر بعد السلام من غير طول فلا يحرم لهما. وإن طال طولا لا يفسد الصلاة جرى على حكم الإحرام على ما قدمناه في الرجوع إلى إكمال الصلاة. وأما اللتان بعد السلام ففي الإحرام لهما قولان: أحدهما: أنه لا
__________
(1) في (ت) بحيث.
(2) في (ر) له.
(3) في (ق) عقيب سجود، وفي (ر) إلا عقيب التشهد.

(2/588)


يحرم قياساً على سجود التلاوة، والثاني: أنه يحرم لأن السلام فيهما مشروع عنده. وإذا ثبت الأمر بالسلام منهما وجب أن يؤمر بالإحرام.
وكيف صورة السلام؟ فيه قولان: أحدهما: أنه كالسلام من الصلاة في السر والجهر، والثاني: أن المشروع في ذلك السر. فمن قاسها على الصلاة قال بالأول، ومن قاسها على صلاة الجنازة أيضاً قال بالثاني. والجامع [بينهما] (1) أن كل واحد منهما جزء من الصلاة [قال ينبني] (2) على أنه [قد] (3) اختلف في صلاة الجنازة أيضاً هل المشروع الإسرار بالسلام (4)، أو يكون كالسلام من الصلاة؟ والرجوع في ذلك إلى الإتباع.
فإن قدم اللتين بعد السلام فسجدهما قبل السلام فهل تبطل صلاته؟ أما إن كان ناسياً فلا تبطل (5)، وإن كان عامداً ففي ذلك قولان. وهما على مراعاة الخلاف. فمن راعى الخلاف نفى البطلان، ومن لم يراع أثبته.
وإن أخر اللتين قبل السلام فسجدهما بعد السلام؛ فإن كان ناسياً صحت صلاته، وإن كان عامداً أجري على القولين في الإبطال والصحة. وهذا الموضع أولى بالصحة.

(حكم من نسي أن يسجد لسجود السهو)
ولو نسي أن يسجد سجود السهو فلم يسجده حتى طال الأمر؛ فأما اللتان بعد السلام فيسجدهما متى ما ذكر، وأما اللتان قبله فهل تبطل الصلاة
__________
(1) ساقط من (ر).
(2) كذا في (ر)، وفي (ق) و (م) و (ت) قال يسر.
(3) ساقط من (ر).
(4) في (ر) بالصلاة.
(5) قارن كلام الفقهاء مع ما يروى عن الفراء اللغوي ت:207. لما سأله محمد بن الحسن عن رجل سها في سجدتي السهو، فقال: لا شيء عليه، قال: ولم قال: لأن أصحابنا قالوا: المصغر لا يصغر، فقال: ما رأيت أن امرأة تلد مثلك. البداية والنهاية 10/ 261.

(2/589)


لتركها متى طال (1) الأمر؟ في المذهب خمسة أقوال: أحدها: أنها تبطل، وهو المشهور. والثاني: أنها لا تبطل، وهو الشاذ. والثالث: أنها تبطل إن كان السجود واجبًا عن نقص فعل، ولا تبطل إن كان عن نقص قول. والرابع: أنها تبطل لنقص الجلوس الأوسط وأم القرآن من ركعة واحدة، ولا تبطل إن كان من نقص غير ذلك. والخامس: أنها تبطل إن كان النقص في القول أو في الفعل، إلا أن تكون التكبيرتان وما في معناهما من قول: "سمع الله لمن حمده".
فأما القولان بالبطلان ونفيه فبناء على أن السجود واجب لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمر به فتبطل الصلاة لتركه. أو على أنه ليس بواجب لأنه بدل على غير واجب فلا تبطل الصلاة لتركه. وهذاالذي قلناه من كون المبدل (2) غير واجب هو أصل المذهب وقاعدته. وانفرد أبو الوليد الباجي فرأى أن القول بالبطلان يقتضي أن المبدل عنه واجب، ورأى أن الصلاة على ثلاثة أضرب؛ منها إن كان لا يجزيه عنها إلا الإتيان بها ونفي ما قدمنا من الفروض. ومنها واجبات ينوب عنها السجود، وهذه التي عددناها آنفاً. ومنها فضائل هيئة لا تجبر. وهذا قياس على الحج فإنه على هذه الثلاثة الأقسام.
وأما الأقوال الأخيرة فمبناها على تأكيد المتروك وعدم تأكده، فتأكد عند قوم لكونه فعلاً، وعند قوم لهذا أو بالخلاف في فرضيته كأم القرآن (3) في ركعة، وعند قوم بهاذين (4)، وبكثرة الأقوال.

(حكم من ذكر سجود السهو من صلاة وهو في صلاة ثانية)
ومن (5) ذكر سجود السهو من صلاة وهو في صلاة ثانية؛ فإن كان من
__________
(1) في (ق) حتى يطول الأمر.
(2) في (ق) البدل.
(3) في (ت) أو بالخلاف في فريضة أم القرآن.
(4) في (ق) بهذا.
(5) في (ق) و (ت) ومتى.

(2/590)


زيادة تمادى على صلاته فإذا انتهى سجدهما. فإن كانتا من نقص يجري حكم بطلان هذه الصلاة التي هو فيها والرجوع إلى الأول على ما قدمناه من الخلاف في بطلان الصلاة بترك السجدتين اللتين من النقص. وقد استوفينا حكم السهو في الزيادة والنقصان على قدر هذا المجموع. وقد شذَّت مسائل ونحن نستوفيها فنتبع مسائل الكتاب.
...

فصل (فيمن شك في صلاته ولم يدر أصلى ثلاثاً أم أربعاً)
ومن شك في صلاته فلم يدر أثلاثًا أم أربعًا، فلا يخلو من أن يكون شكه موسوساً أو سالم الخاطر؛ فإن كان موسوساً بني على أول خاطريه، فإن سبق إلى نفسه أنه أكمل بني على ذلك، فإن سبق إلى نفسه أنه لم يكمل أتى بما شك فيه، وهذا لأنه في الخاطر الأول مساو (1) للعقلاء وفيما بعد ذلك مخالف لهم. والتزامه البناء على اليقين مع كثرة وساوسه، قد يؤدي إلى الحرج وقد لا يحصل له يقين. فإذا سبق إلى نفسه الإكمال فبنى عليه فهل يسجد أم لا؟ قولان: قيل لا سجود عليه, لأنه سقط عند البناء على اليقين للحرج فسقوط السجود بالحرج أولى. وقيل عليه السجود إذ لا مشقة عليه في سجدتين.
ومتى يسجد إن أمرناه [بالسجود؟] (2) قولان: أحدهما: أنه يسجد قبل السلام لأنه سجود (3) للنقص. والثاني: بعد لأن هذا النقص (4) مطرح، وإنما السجدتان ترغيماً للشيطان.
وإن كان سالم الخاطر فلا خلاف عندنا أنه يطرح المشكوك فيه ويبني على حصول المتيقن. فإذا شك هل صلى ثلاثًا أم أربعًا؟ فاليقين إنما حصل
__________
(1) في (ر) و (ت) متساوياً.
(2) ساقط من (ر) و (ق).
(3) في (ت) مجوز.
(4) في (ق) السجود.

(2/591)


بالثلاث والرابعة لا يقين بها، فعليه أن يأتي بها. ومتى يكون سجوده؟ المشهور أنه بعد السلام لأنه بين أمرين، إما عدم الزيادة، وإما وجودها. ولا نقص بوجه. والشاذ أنه قبل السلام، وهذا لما روي في الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - قال في مثل هذا:"أن يسجد سجدتين قبل أن يسلم" (1)، وقد تأول ذلك على أنه أشار إلى سجود الصلاة، أو على أنه أشار إلى السلام من السجدتين. والتأويلان بعيدان، ولا معنى لتخصيص الأمر بسجود الصلاة، لأن ذلك معلوم من الشريعة (2).والسجود لا يكون إلا قبل السلام منه فلا معنى لهذا التأويل إلا على بعد ولسنا له. ويحتمل أن يقال هذا نقص معنوي في حال المصلي فقدر كنقص للفعل أو القول، فكان السجود فيه قبل السلام.

(عدم وجوب اتباع الإمام إذا قام للركعة الخامسة)
وإذا قام إلى الخامسة (3) فإنه يرجع متى ذكر بلا خلاف ويسجد بعد السلام عندنا. وإن كان إماماً فاختلف حال المقتدين به، فجلس قوم ولم يتبعوه، واتبعه آخرون لكن منهم من اتبعه سهواً، ومنهم من اتبعه عمداً. أما من جلس فصلاته صحيحة وكذلك من اتبعه سهواً وأما من اتبعه عمداً فإن علم أنه لا يجوز له اتباعه بطلت صلاته. فإن جهل فظن أنه يلزمه اتباعه ففي بطلان صلاته قولان. وهما على الخلاف في الجاهل هل هو كالعامد أو كالناسي؟
ولو قال الإمام إنما قمت لأني نسيت من إحدى الركعات الأولى سجدة مثلاً؛ فأما من جلس فلا يخلو من أن يوقن بصحة صلاتهم وصلاة إمامهم، وما قال من (4) إسقاط السجدة باطل، أو يوقنوا بصحة صلاتهم دون صلاة إمامهم، أو يشكوا؛ فإن أيقنوا بصحة صلاتهم وصلاة إمامهم لم
__________
(1) أخرجه أبو داود في الصلاة 1028،والبيهقي في سننه الكبرى واللفظ له 2/ 339.
(2) في (ر) من الشريعة في السجدتين، وأما التأويلان بعيدان.
(3) في (ت) و (ق) قام الإنسان إلى خامسة.
(4) في (ت) وإن من قال وفي (م) وإن ما قال من إسقاط.

(2/592)


يلزمهم اتباعه وكانت صلاتهم صحيحة. فإن (1) كانوا ممن يقع بخبرهم العلم الضروري وجب على الإمام اتباعهم، ويرجع إليهم ولا يعول على يقينه. وإن كان عنده أنه أيقن بإسقاط السجدة، فإن يقينه هاهنا محال. وإن كان من لايقع العلم بخبرهم بني على ما تيقنه على ما قدمناه.
وإن أيقنوا بصحة صلاتهم دون صلاة إمامهم فهل يلزمهم اتباعه فيما يقضيه ويكون ما أتوا به من السعير مغن عنهم؟ في المذهب قولان: أحدهما: اكتفاؤهم بصحة صلاتهم لأنهم إنما يلزمهم الاقتداء ما دام مكملاً لصلاتهم، فإن أخلَّ وأكملوا اقتدوا (2) بأنفسهم. والثاني: أن جميعهم في حكم المصلي الواحد وهم تبع لإمامهم؛ فإذا أخلَّ تعدى الإخلال إليهم. وإن شكوا في صلاتهم وصلاة إمامهم لزمهم اتباعه ثم النظر في بطلان صلاتهم وصحتها فكل موضع لا يلزم فيه اتباع الإمام تصح فيه صلاتهم، وكل موضع يلزمهم فيه اتباعه فالمنصوص أنه لا تصح صلاتهم. وقال أبو الحسن اللخمي: تصح صلاتهم لأنهم معذورون في ترك الإتباع (3). وقد يجري الخلاف في هذه المسألة على ما قدمناه (4) في حكم المتبعين (5) في الخامسة على جهة التأويل هل تصح [صلاتهم] (6) أم لا؟
وأما من اتبعه عمداً، فإن علم بإسقاطه واتبعه على ذلك فلا شك في صحة صلاته. ومتى لم يعلم بإسقاطه [واتبعه على ذلك، فإن شك] (7) أو قصد إلى العمد في الاتباع فيجري على الخلاف فيمن تعمد زيادة في صلاته فانكشف وجوب تلك الزيادة عليه لإخلاله بشيء مما تقدم، وفي ذلك قولان.
__________
(1) في (ر) إن.
(2) في (ت) اعتدوا.
(3) التبصرة ص:113.
(4) في (ت) على ثلاثة أوجه في حكم المتبعين في الخامسة.
(5) في (ق) وحكم المقتدين.
(6) ساقط من (ر).
(7) ساقط من (ق) و (ت).

(2/593)


أما من اتبعه سهواً فتصح صلاته، وهل يلزمه قضاء ركعة متى لزمه حكم ما أسقطه الإمام من السجود؟ في ذلك قولان: أحدهما: أن هذه الركعة التى اتبع فيها الإمام سهواً تنوب له عما يلزمه من القضاء. والثاني: أنه لا تنوب له. وهو على الخلاف فيمن ظن أنه أكمل فأتى بركعتين نافلتين، فذكر أيضًا أنه إنما صلى ركعتين في نيابة هذه النافلة عما وجب عليه، قولان وقد تقدما.
وإذا وجب على الإمام الإتيان بهذه الخامسة لأنه أسقط سجودها (1) كما قال، وكان من المقتدين مسبوق فاتبعه، هل تنوب له عن ركعة مما سبق به؟ قولان: أحدهما: أنه لا تنوب، فهذا بناء على أن الإمام في هذه (2) الركعة قاض. والثاني: أنه تنوب له، وهذا بناء على أنه يكون بانياً فهي آخر صلاته، فتجزي المسبوق لأنه واجب عليه الاقتداء به فيها.
...

فصل (صفة العود إلى تلافي الركوع والسجود إذا نسيهما)
وقد قدمنا حكم من نسي الركوع والسجود، ومتى يعود إلى تلافيهما، ومتى لا يعود. نذكر هاهنا صفة عوده. فإن نسي الركوع فهل يعود إلى القيام، أو يعود إلى حال الركوع؟ في المذهب قولان. وهما على الخلاف في الحركات إلى الأركان هل هي مقصودة فيعود إلى القيام حتى يركع منه، أو غير مقصودة فيعود إلى حال الركوع؟
ولو نسي السجود فأين يعود؟ في المذهب قولان: قيل إلى القيام حتى ينحط منه إلى السجود كما كان يفعل لو لم ينسه، وقيل إلى حالة السجود. وهما على ما قدمناه من الخلاف في الحركة إلى الأركان هل هي مقصودة
__________
(1) في (ق) و (ت) سجدة.
(2) في (ق) إلا ما يكون في هذه المسألة قاضياً.

(2/594)


أم لا؟ ومن هذا القبيل أن ينسى السجدة الثانية فهل يعود إلى الجلوس حتى ينحط (1) منه إلى السجود؟ قولان. وهما على ما تقدم.
وإذا قلنا في ناسي الركوع إنه يرجع إلى القيام، فهل يؤمر بالقراءة؟ لا خلاف أنه لا يؤمر بها على جهة الوجوب لأنه قد أكملها. وهل يستحب له؟ في المذهب قولان: الاستحباب، وهذا يتخرج من الخلاف بأن يأتي بالركعة من أولها. ونفي الاستحباب لما قلناه من تقدم القراءة.
...

فصل (فيمن نسي التشهد الآخر)
وقد تقدم أن التشهد الآخر سنة، وهذا هو المعروف من المذهب. وفي المبسوط: من تركه حتى انتقض وضوءه بطلت صلاته. ولم يفصل هل تركه ساهيًا أو عامدًا. فإن كان مراده العامد، فهو على أحد القولين فيمن ترك السنن عامداً هل تبطل صلاته أم لا؟ فإن حملناه (2) على إطلاقه فهو قول ثان في أن التشهد الآخر فرض، وإذا قلنا إنه سنة فهل يسجد تاركه؟ قولان. وهما على ما قدمناه في ترك الأقوال. لكن هذا إنما يؤمر بالسجود إذا أسقطه جملة، وأما لو أتى باليسير من الذكر لم يلزمه السجود. وإذا قلنا إنه فرض فإنه يعود إليه.
وهل يعود بتكبير؟ (3) يجري على ما تقدم في العودة إلى إصلاح الفرض (4). وهل تبطل صلاته مع الطول؟ يجري على ما قدمناه من القولين. ولو نسي السلام لكان الحكم في الرجوع إليه على ما قدمناه في الرجوع إلى إصلاح الصلاة من لزوم الإحرام وعدمه.
__________
(1) في (ق) حتى ينهض.
(2) في (ت) من ترك السنن متعمداً أنها تبطل صلاته وإن حملنا على إطلاقه.
(3) في (ر) فهل يكبر.
(4) في (ق) الفروض.

(2/595)


وهل يحرم (1) قائماً أم لا؟ وهل يعود (2) مع الطول أم لا؟
...

فصل (حمل الإمام لسهو المأموم)
ولا خلاف أن الإمام يحمل سهو المأموم، ولهذا يلزمه (3) حكم سهو الإمام ولو لم يسه معه أو لم يحضر سهوه بأن يكون مسبوقاً.
والمسبوق يسجد سجود إمامه إن كان قبل السلام، وأما إن كان بعد السلام فلا يسجد معه. وخيَّره مالك في المدونة أن يجلس حتى يسلم إمامه من سجدتي السهو، أو يقوم عند سلامه من الصلاة. واستحب ابن القاسم أن يقوم, لأن الصلاة قد انقضت بسلامه منها (4).
وإذا سجد معه [لأن السجود] (5) قبل السلام، ثم سها المأموم فيما يقضيه فهل يلزمه السجود لسهوه أم لا؟ في المذهب قولان: أحدهما: أنه لا يلزمه فيما يقضيه لأنه تنسحب عليه أحكام الإمام، والثاني: أن يسجد لأنه منفرد. ولعلَّ هذا يجري على الخلاف فيما يأتي به هل يكون فيه قاضيًا فيكون حكم الإمام منسحبا عليه، أو بانيا فيكون كالمنفرد؟ وإذا كانت سجدتا الإمام بعد السلام ولم يسجدهما معه ثم سها المأموم سهواً بزيادة، فإن سجدتين تجزيان عنه. وإن سها بنقص فالمنصوص من المذهب أنه يسجد بعد السلام تغليبا لحكم الإمام. وإذا قلنا إن له حكم المنفرد فيما يقضيه وجب عليه أن يسجد قبل, لأنه قد اجتمع عليه زيادة وهي ما لزمه من حكم الإمام، ونقص وهو ما طرأ له في نفسه.
...
__________
(1) في (ت) وهل يرجع.
(2) في (ر) وهل تبطل.
(3) في (ق) ولهذا يلزم المأموم حكم، وفي (م) ولهذا يلزم المأموم في حكم.
(4) المدونة:1/ 139.
(5) ساقط من (م).

(2/596)


فصل (حكم من لم يذكر السجود القبلي حتى دخل في صلاة أخرى)
وقد تقدم حكم من ترك السجود قبل السلام فلم يذكر حتى دخل في صلاة [أخرى] (1)، فإن ذلك يجري على الخلاف فيمن ترك السجود [قبل] (2) هل تبطل صلاته أم لا؟ وإذا قلنا الإبطال كان بمنزلة من ذكر [صلاة في صلاة. وإذا قلنا بعدم الإبطال كان بمنزلة من ذكر] (3) بعض الصلاة وهو متلبس بصلاة أخرى. وإذا كان كذلك فلا يخلو أن تكون الصلاتان فرضاً أو نفلاً، أو إحداهما نفلاً والأخرى فرضاً. فإن كانتا جميعًا فرضاً، فإن لم يطل في الثانية رجع إلى إصلاح الأولى. ومأخذ الطول في ذلك أربعة أقوال: أحدها: أنه يعتبر بما يعد طولاً، فإن أطال القراءة بطلت الأولى. والثاني: أنه معتبر بعقد الركعة من الصلاة الثانية. وأما عقد الركعة يجري على القولين المتقدمين. والثالث: أنه يرجع وإن عقد ركعة وأتمها إذا اختصرها، وهذا كله يرجع إلى القول الأول. والرابع (4): أنه يعود إلى إصلاح الصلاة الأولى ولو عقد ثلاث ركعات مثلاً. وهذا القول الآخر- بناء على ما قدمناه من الطول- لا يمنع من إصلاح الصلاة التي أخلَّ منها بشيء. والثلاثة المتقدمة متقاربة المعنى، وإنما مقصودها أنه إذا طال لم يرجع إلى الأولى لبطلانها. فهل (5) يبتدئ بها [أم لا؟ يجري على ما تقدم في ذاكر صلاة في صلاة] (6). وإن لم يطل بني على ما تقدم له منها. واختلفوا في مقدار الطول كما قدمنا.
__________
(1) ساقط من (ر).
(2) ساقط من (ق) و (ت).
(3) ساقط من (ق) و (ت).
(4) في (ت) كأنه يرجع إلى القول الأول والرابع، وفي (ق) كأنه يرجع إلى القولين الأولين والقول الرابع.
(5) في (ت) و (ق) بل يبتدىء.
(6) ساقط من (ق) و (ت).

(2/597)


وإن ذكر ذلك من نافلة وهو في نافلة؟ فإن طال تمادى على نافلته، وإن لم يطل فهل يرجع إلى الأولى أو يتمادى على هذه؟ قولان: أحدهما: أنه يرجع لوجوب الأولى بالدخول فيها وهي كالفرض. والثاني: أنه لا يرجع لأن هذه الثانية تنوب عنها.
وإن ذكر ذلك من فرض وهو في نافلة؟ فقولان منصوصان: أحدهما: أنه بالإحرام للنافلة بطلت الأولى. والثاني: عكسه، وأنه يرجع إلى إصلاح الأولى ولو صلى ست ركعات مثلاً، فرأى في الأول أن النافلة مضادة للفريضة، وأذا أحرم فيها بطلت الفريضة. ورأى في القول الثاني أنه يرجع إلى إصلاح الفريضة وإن طال وبنى على القول الشاذ.
وإن ذكر ذلك من نافلة وهو في فريضة؛ فإن كان بعد أن طال تمادى على فريضته وقد بطلت النافلة، وإن كان لم يطل فهل يرجع إلى النافلة؟ قولان: أحدهما: أنه يرجع للزومها بالدخول فيها، والثاني: أنه يتمادى على فريضته لتأكيدها بالفرضية. وقد قدمنا فيمن صلى النافلة أربعاً هل يكون سجوده قبل السلام أو بعده؟ وكذلك الخلاف أيضًا فيمن صلاها خامسة. فمن نظر إلى أنه نقص السلام من الركعتين أو الجلوس إذا لم يأت به جعله قبل. ومن عوَّل على مذهب نفسه ورأى أن كل ما أتى به بعد الركعتين زيادة قال: يسجد بعد السلام.
وقد استوفينا كثيرًا من أحكام السهو ولا يشذ عنه إلا نوادر الصور. ومن حقق الأصول التي قدمنا لم يشذ عنه شيء من هذا الباب.
...

باب في أحكام الاستخلاف
وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه "ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم فتقدم أبو بكر رضي الله عنه وصلى بالناس، فوصل النبي-صلى الله عليه وسلم-وهو في الصلاة، وتأخر أبو بكر، وأشار إليه النبي-صلى الله عليه وسلم- أن أثبت مكانك، فلم يثبت"

(2/598)


الحديث كما ورد (1). وجعل هذا أصلاً في أن الإمام له أن يستخلف إذا طرأ عليه ما يمنعه الإتمام. وهذا من خصائص الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذ له من الفضل ما لا نسبة بينه وبين أبي بكر رضي الله عنه. فكان التقدم (2) بين يديه لا يصح، فصار أبو بكر مضطرًا إلى التأخر كالإمام إذا طرأ عليه ما يمنعه من إتمام الصلاة. وهذا إما أن يكون أبو بكر اعتقده، وإما أن يكون لأن الأولى ذلك لا الأوجب، إذ ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه صلى مقتدياً بعبد الرحمن بن عوف (3) وقد اختلف الناس في صلاته - صلى الله عليه وسلم - في مرضه هل كان أبو بكر رضي الله عنه هو الإمام؟ أو خرج عن الإمامة فصار النبي-صلى الله عليه وسلم- هو الإمام (4)؟ فتكون هذه
__________
(1) أخرجه البخاري في الأذان 684 واللفظ له، ومسلم في الصلاة 421 عَنْ سَهْلِ بن سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّ رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم- ذَهَبَ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْن عَوْفٍ ليُصْلِحَ بَيْنَهُمْ فَحَانَتِ الصَّلاَةُ فَجَاءَ المُؤَذِّن إلَى أَبِىِ بَكْرِ فَقَالَ: أتُصَلِّي للنَّاسِ فَأقِيمَ قَالَ: نَعَمْ فَصَلَّى أَبُو بَكْر فَجَاءَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -وَالنَّاسُ فِي الصَّلاةِ حَتَّى وَقَفَ في الصَّفِّ فَصَفَّقَ النَّاسُ وَكَّانَ أَبو بَكْرِ لاَ يَلْتَفِتُ فِي صَلاَتِهِ فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ التَصْفِيقَ الْتَفَتَ فَرَأَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَشَارَ إلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أنِ امْكُثْ مَكَانَكَ فَرَفَعَ أبو بَكْرِ رَضِي الله عَنْه يَديْهِ فَحَمِدَ اللهَ عَلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ رَسُوِلُ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ اسْتَأخَرَ أَبُو بَكْرِحَتَّى اسْتَوَى في الصف وَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللِه - صلى الله عليه وسلم- فَصَلَّى فَلَمَّا انْصَرَفَ قالَ يَا أَبَا بَكْرٍ مَا مَنَعَكَ أنْ تَثبُتَ إِذْ أَمَرْتُكَ فَقَالَ أَبو بَكْر مَا كَانَ لاِبْنِ أَبي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بّيْنَ يَدَيْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا لِي رَأَيتُكمْ أكْثرْتُمُ التَّصْفِيقَ مَنْ رَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلاتِهِ فلْيُسَبِّحْ فَإنَّهُ إذَا سَبَّحَ الْتُفِتَ إلَيْهِ وإِنَمَّا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ.
(2) في (ت) التقديم.
(3) في حديث المغيرة بن شعبة الطويل الذي أخرجه مسلم في الصلاة 274 واللفظ له، والنسائي في الطهارة 82 قوله: "فَأقْبَلْتُ مَعَهُ أي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-حَتَّى نَجِدُ النَّاسَ قَدْ قَدَّمُوا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ عَوْفٍ فصلَّى لَهُمْ فَأدْرَكَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-إِحْدَى الرَّكعَتَين فَصَلَّى مَعَ النَّاسِ الرَّكْعَةَ الآخِرَةَ فَلمَّا سَلَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ قَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم-يُتِمُّ صَلاَتَهُ فَأَفْزَعَ ذَلِكَ الْمُسلِمِينَ فأَكَثَرُوا التَّسبْيِحَ فَلمَّا قَضَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم-صَلاتَهُ أَقْبَلَ عَليهِمْ ثُمَّ قَالَ أحْسَنتُمْ أَوْ قَالَ قَدْ أَصَبْتُمْ يَغْبِطهُمْ أَنْ صَلَّوُا الصَّلاَةَ لِوَقْتِهَا".
(4) أخرج البخاري في الأذان 664 واللفظ له، ومسلم في الصلاه 418 عن عائشة قَالَتْ لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -مّرَضَهُ الّذِي مَاتَ فِيهِ فحَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَأذِّنَ فَقَالَ مُرُوا أبَا بَكْر فلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ فَقِيل لَهُ إنَّ أَبا بَكْر رَجُلٌ أَسِيفٌ إذاَ قَاَمَ في مَقَامِكَ لَمْ يَسْتطِعْ أنْ يُصَلِّيَ بالنَّاسِ وَأَعَادَ فَأعَادُوا لَهُ فَأعَادَ الثَّالِثَةَ فَقَاَلَ إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ =

(2/599)


القصة والقصة (1) الأولى سواء.
ومن جهة المعنى إن الإمام استحق رتبة المتقدم، فإذا طرأ عليه ما يمنعه التمادي (2) كان له أن يستخلف من ينوب عنه. والمقتدون قد دخلوا على الصلاة (3) في جماعة، وإن لم تحصل لهم بالإمام الأول صح تحصيلها بإمام غيره.
فإذا تقرر هذا قلنا (4) أحكام هذا الباب تنحصر في ثلاثة فصول: أحدها: من يجوز استخلافه؛ والثاني: ما يفعله المستخلف؛ والثالث: حكم قضاء المستخلف إذا كان مسبوقاً [ببعض الصلاة] (5) من المقتدين.
...

فصل (من يجوز استخلافه؟)
فأما من يجوز استخلافه؟ فكل من صحت إمامته ابتداء جاز أن يستخلف، وذلك (6) إن انسحب عليه حكم الإمام قبل أن يطرأ على الإمام ما يمنعه التمادي (7). [وهذا احتراز من أن يكون إنسانًا مسبوقاً فيُحرِم بعد أن طرأ على الإمام ما يمنعه التمادي] (8)، فهذا لا يجوز استخلافه لأنه لم
__________
= يُوسُفَ مُرُوا أَبا بَكرِ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاس فَخَرَجَ أَبُو بَكْر فَصَلَّى فَوَجَدَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ نَفسِهِ خِفَّةَ فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ كأَنَّي أنْظُرُ رِجْلَيْهِ تَخُطَّانِ مِنَ الْوَجَع فَأَرَادَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَتأَخَّرَ فَأوْمَأَ إِلَيهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ مَكَانَكَ ثُمَّ أُتيَ بِهِ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِه".
(1) في (ت) و (ق) القضية والقضية.
(2) في (ق) الإتمام.
(3) في (ق) على إكمال الصلاة.
(4) في (ق) و (ت) قلنا بعده.
(5) ساقط من (ر)، وفي (ق) إن كان مسبوقاً ببعض الصلاة وقضى من كان من المقتدين.
(6) في (ر) وكذلك.
(7) في (ق) ما يقتضي الاستخلاف وفي (ت) ما يمنعه الإمامة.
(8) ساقط من (ر).

(2/600)


ينسحب عليه حكم الإمام. فإذا استخلفه صار المقتدون به كأنهم أحرموا قبل إمامهم. وينخرط في سلكه أن يسبقه الإمام بالركوع ثم يدخل معه فيطرأ على الإمام ما يمنعه التمادي، فلا يجوز استخلافه لأن هذا السجود الذي يأتي به في ابتداء أمره لا يعتد به. والمقتدون يعتدون به فيصير كالمتنفل بالمفترض. والمشهور من المذهب لا يجزيهم، وقيل يجزيهم. وقد قدمنا ما فيه من الخلاف المستقرى، ويمكن تخريج هذا عليه.

(كيف يتم الاستخلاف؟)
والطارئ على الإمام إما أن يمنعه الإمامة خاصة، أو يمنعه التمادي على الصلاة جملة. والمانع من الإمامة هو تقصيره عن فرض من الفروض، كمن عجز عن القيام مثلاً. والمانع من التمادي جملة هو غلبة الحدث، أو الرعاف. فيؤمر حينئذ بأن يستخلف. والأولى أن يستخلف بالإشارة، وإن تكلم لم تصح صلاته وصح استخلافه, لأنه بالطارئ قد خرج عن أن يكون إمامًا. والأولى أن يستخلف من يقرب من موضعه منه، لئلا يكون المستخلف إن حل في (1) محل الإمام يعمل عملاً كثيراً في الصلاة. فإن استخلف من بَعُدَ، أتم الصلاة في موضعه.
ولو طرأ على الإمام ما يقتضي الاستخلاف وهو في حالة الركوع أو حالة السجود، فهل يستخلف على تلك الحالة أو بعد أن يرفع رأسه؟ في المذهب قولان. وإذا قلنا إنه يستخلف بعد الرفع فإنه يرفع غير مكبر لئلا يرفعوا برفعه فيكونون مقتدين به (2)، وهو ممن لا يصح الاقتداء به في هذه الحالة. ولو فعل (3) فاقتدوا به لجرى على الخلاف في الحركة إلى الأركان، هل هي مقصودة فتبطل صلاتهم، أو غير مقصودة فلا تبطل؟
__________
(1) في (ت) قبل أن يحل محل، وفي (ر) أن يحل محل.
(2) في (م) فيكونوا مقتدين به، وفي (ت) فيكونون مقتدون به.
(3) في (ت) و (ق) رفع.

(2/601)


(ما الحكم إذا لم يستخلف الإمام؟)
فإن خرج الإمام ولم يستخلف، أمروا بأن يستخلفوا من يُتِم بهم، فإن لم يفعلوا وأتموا وحداناً فلا يخلو أن تكون الجمعة أو غيرها؛ فإن كانت جمعة بطلت الصلاة على المشهور سواء عقدوا مع الإمام ركعة أم لا، ولا تبطل على الشاذ وأن عقدوا ركعة. وهذا على الخلاف في أحكام الجمعة وشروطها؛ هل يلزم في جميع أجزاء الصلاة، أو يجزي حصولها في ركعة منها؟ وسيأتي هنا مستوعباً (1) إن شاء الله.
[وإن كانت غير الجمعة فالمنصوص صحة صلاتهم، وقد أساءوا. وكذلك إن استخلف قوم واحداً منهم، فأتم الباقون أو واحد من الجماعة وحداناً تصح صلاتهم على المشهور. وقال محمد بن عبد الحكم: من لزمه أن يتم صلاته في جماعة فأتم فذا بطلت صلاته] (2).وقد أخذ من هذا أبو الوليد الباجي وأبو الحسن اللخمي بطلان صلاتهم إذا لم يستخلفوا بإمام، وبطلان صلاة من أتم فذاً (3). ويحتمل أن يريد من يخرج عن إمامة الإمام الأول والمستخلف بعد أن أقتدوا به. وأنما أراد التشبيه على قول الشافعية أن للمأموم الخروج عن الاقتداء. فإذا احتمل ذلك لم يلزم [منه] (4) الاستقراء.

(ما الحكم إذا استخلف الإمام إنساناً فتقدم غيره؟)
ولو استخلف الإمام إنساناً فتقدم غيره فأم فاقتدى به من استخلف الإمام لصحت الصلاة على المنصوص في المذهب. وهذا يدل على أن المستخلف لا تصح له رتبة الإمام بنفس الاستخلاف حتى يقبله ويفعل بعض الفعل. وقد سئل ابن القاسم عن هذه المسألة في المدونة فأخبر أنه لم
__________
(1) في (ر) و (م) مستوفياً، وفي (ق) مستوفي.
(2) ساقط من (م).
(3) التبصرة ص: 122.
(4) ساقط من (ر).

(2/602)


يسمع من مالك فيها شيئاً ولم يُجِب. والحكم ظاهر إذا لم يقبل المستخلف ما أسند إليه. والظاهر أنه إذا قبل (1) استحق رتبة الإمام وإن لم يفعل شيئاً. ولعلَّ [مجمل] (2) ما قدمناه من الرواية على أنه لم يفعل فاستدل على عدم قبوله بكونه اقتدى بالمتقدم من ذات نفسه.
...

فصل (ما يفعله المستخلف؟)
وأما حكم المستخلف فيما يفعل، فإنه متم لصلاة الإمام، فعليه أن يصليها من حيث انقطعت (3). فإن كان الإمام لم يقرأ افتتح القراءة، وإن قرأ أتم من حيث وصل إن كانت صلاة جهر. وإن كانت صلاة سر ففي العتبية أنه يبتدئ القراءة، وعللَّ بإمكان سهوه عنها. ولعل التعليل [المحقق] (4) كونه لا يعلم مكانا انقطعت القراءة منه، ولو علم لكانت كالجهرية. وإن ركع ولم يرفع تقدم راكعا (5) وكذلك السجود والجلوس.
وإن كان مسبوقاً أتم صلاته على حكم إمامه، فقرأ بما كان يقرأ الإمام وجلس حيث كان يجلس، ولم يبن علي حكم نفسه حتى يتم ما بقي من صلاة الإمام على ما كان يتمها الإمام. وبالجملة فهو وكيل على فعل الإمام [فيحاذي فعله ولا يخرج عنه بوجه] (6).
...
__________
(1) في (ر) أقبل،
(2) ساقط من (ر).
(3) في (ق) انقطع.
(4) ساقط من (ر).
(5) في (ق) ثم رفع.
(6) ساقط من (ر).

(2/603)


فصل (حكم قضاء المستخلف إذا كان مسبوقاً ببعض صلاة المقتدين)
وأما حكم [المسبوق من] (1) المقتدين والمستخلف إن كان مسبوقا، فإن المسبوق يقضي بعد إتمام (2) هذا المستخلف. وهل يقضي بعد سلامه من جملة صلاته وإن كان مسبوقا؟ أو بعد إكمال صلاة الإمام؟ في المذهب قولان: أحدهما: أن المستخلف إذا أكمل صلاة الإمام أشار إلى المقتدين أن اجلسوا، فإذا أكمل صلاته قاموا (3) لأنفسهم. والثاني: أنهم يقومون إذا أكمل صلاة الإمام.
وسبب الخلاف أنهم لا يقضون إلا بعد تمام صلاة إمامهم، وقد حصل لهذا الثاني رتبة الإمامة، فهل يكون حكمه في كل الأحوال كحكم الإمام الأول فكأنه هو، فإذا أتم صلاته صار كالمقتدين فيقضون عند قضائه؟ أو تراعى حالته في نفسه لحصول الرتبة فلا يقضون إلا بعد تمام صلاته؟ فهذا مثار الخلاف.
وإذا قلنا إنهم يقضون معه ولا يقتدون به لأنه إنما يقضي ما فاته من صلاة الإمام فحكمه أن يكون فيما يقضيه فذاً، فإذا اقتدوا به فهل يجزيه أم لا؟ في المذهب قولان: أحدهما: نفي الإجزاء، وهذا لما قدمناه من وجوب كونه فيما يقضيه فذاً (4). والثاني: الإجزاء، وهذا بناء على أنه فيما يأتي به بَانٍ ,ومراعاة لحصول الرتبة له ومساواتهم له بما يأتي به في النية.
وإن كان المستخلف مسبوقاً دون المقتدين أو دون بعضهم، فإنه إذا أكمل صلاة الإمام وقام للقضاء سلموا وانصرفوا. وهذا تغليب لحكم الإمام، وكأنه هو الموجود إلى آخر صلاته. وهذا قياس على أحد القولين
__________
(1) ساقط من (ر).
(2) في (ق) سلام وفي (ت) بعد إكماله صلاة الإمام سلام.
(3) في (ق) و (ت) قاموا فاقضوا.
(4) في (ت) كما قدمناه في وجوبه فيما يقضي حكم الفرد.

(2/604)


في صلاة الخوف. والمشهور في هذه أنهم لا يسلمون إلا بعد قضائه، وهذا مراعاة لحكم نفسه.

(هل يجوز لإمام أن، يرجع للإمامة بعد زوال العذر؟)
ولو ناب الإمام ما أوجب الاستخلاف واستخلف ثم ذهب. فإن زال عذره ثم تمادى فأخرج المستخلف وأتم هو الصلاة. فقد اختلف المذهب في هذه الصورة هل تبطل الصلاة لأنّ الإمام قد يعزل باستخلافه، فإذا عاد صار كأن الإمام استخلفه بغير موجب فتبطل الصلاة. أو تصح لأن المستخلف وكيل الإمام فإذا عاد انعزل الوكيل ورجع الأمر إلى موكله؟
وقد احتج لهذا القول بما قدمناه من خروج أبي بكر وتقدم النبي-صلى الله عليه وسلم-. وقد اختلف هل ذلك من خصائصه أو متعد إلى غيره؟ وعليه يتخرج هذا الخلاف.
...

فصل (إذا ذكر الإمام الأول أنه أسقط من الصلاة ما يوجب بطلانها)
وإذا استخلف مسبوقاً فأكمل الصلاة التي استخلفه عليها فلما أكملها أتى الإمام الأول فذكر أنه أسقط من الأولى أو من الثانية ما يوجب بطلانها كالركوع والسجود، فأما المستخلف فلا علم عنده من صحة قوله، وأما غيره من المأمومين فلا يخلو من ثلاثة أقسام: أما إن تيقنوا سلامة صلاتهم وصلاة إمامهم فلا يلزمهم إتباعه فيما يقوله، وإما أن يشكو في سلامة صلاتهم وصلاته، ومثله أن يتيقنوا الآن بصحة قوله فيلزمهم التدارك، وإما إن تيقنوا سلامة صلاتهم دون صلاة إمامهم فقد قدمنا القولين في لزوم التدارك له. وإذا لزمهم التدارك فإنهم يتبعون المستخلف فيما يأتي به من إصلاح صلاة الإمام.
وهل يكون فيما يأتي به من ذلك قاضياً فيقرأ بأم القرآن وسورة، أو

(2/605)


بانياً فيقرأ بأم القرآن خاصة؟ وقد قدمنا القولين في ذلك وهما منصوصان هاهنا.
ومتى يكون سجوده؟ لا شك أنه يسجد قبل السلام لأنه أتى بالجلوس في غير موضعه، فكأنه لم يجلس فقد حصل نقص الجلوس. ومتى يكون سجوده هل بعد إكمال صلاة الإمام، أو بعد إكمال صلاة نفسه؟ في ذلك قولان. وهما على ما قدمناه من تغليب حكم الإمام، أو النظر إلى حصول الإمامة له.
...

فصل (في المسبوق يقوم للقضاء ظاناً أن إمامه أكمل)
وإذا قام المسبوق إلى القضاء ظاناً أن إمامه أكمل وسلم وانكشف الغيب (1) أنه لم يكمل. فإن كان إمامه لم يسلم رجع إلى صلاته (2) وطرح ما فعله، وإن لم يشعر حتى سلم فلا خلاف أنه يطرح ما فعله ويبتدئ الآن في القضاء. وهل يلزمه سجود أم لا؟ قولان: أحدهما: أنه يلزمه لما فعله من القضاء قبل سلام إمامه. والثاني: أنه لا يلزمه سجود. وهذا تغليب لانسحاب حكم الإمام عليه. وإذا قلنا إنه يلزمه السجود فأين محله؟ قولان: أحدهما: أنه قبل السلام، وعلَّل بأنه نقص النهضة التي حقه أن يأتي بها بعد سلام الإمام. والثاني: أنه بعد السلام إذا (3) زاد في صلاته زيادة قد ألغاها.
وإذا تقرر هذا رجعنا إلى ما نحن بسبيله من مسائل الاستخلاف فقلنا: لو استخلف الإمام مسبوقاً فقام للقضاء، ثم أتى الإمام فأخبره أنه أسقط من صلاته شيئاً يلزمه تلافيه، فإن كان موجب استخلافه [طريان ما أفسد صلاته اعتد هذا المستخلف بما فعله وقضى ما أسقط الإمام على نحو ما قدمناه،
__________
(1) في (ت) الغيب له.
(2) في (ق) الجلوس.
(3) في (ق) لأنه، وفي (ت) إن.

(2/606)


وإن كان موجب استخلافه رعافاً] (1) فإن قطع الإمام صلاته فتعمد الكلام أو ما في معناه فهو بمنزلة ما قدمناه من اعتداد المسبوق بما فعله، وإن كان لم يقطع صلاته فإن أتى بعد أن طال المستخلف طولا يفوت الإمام به التلافي فإنه يقتدي بما فعله، وإن كان لم يطل لم يعتد بما فعله ورجع إلى تلافي ما يقضيه الإمام، فإذا أتى به رجع إلى قضاء ما سبق به.
...