التنبيه على مبادئ التوجيه - قسم العبادات

باب في أحكام التشهد والسلام
(بعض أحكام التشهد)
وقد قدمنا أن التشهد الأوسط سنة بلا خلاف عندنا. وذكرنا أن الآخر كذلك على المشهور، وما فيه من استقراء (2) الوجوب. ولا شك أنه لا يتعين فيه لفظ، لكن الأولى التعويل على ما ثبت به النقل من تشهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو معلوم فلا نطول بنقله. وقد أضاف إليه العلماء من الشهادة ما يعتقده أهل السنة. والمروي في الصلاة عن النبي-صلى الله عليه وسلم- ما حكاه ابن أبي زيد وغيره. وقد قدمنا أيضًا الخلاف في الصلاة على النبي-صلى الله عليه وسلم- هل هي من فروض الصلاة أو من سننها، وقد قدمنا أيضًا حكم من ترك التشهد وذلك في حق الإمام والفذ. فأما المأموم فإذا لم يتشهد حتى سلم إمامه [فمقتضى أهل المذهب أنه يسلم ويجزيه تشهد الإمام. وفي العتبية رواية ابن القاسم عن مالك رحمه الله أنه يتشهد بعد سلام إمامه ولا يدعو بعده ثم يسلم] (3) وهذا تدارك التشهد بعد سلام الإمام. وظاهره يقتضي وجوب التشهد عليه. وقد قدمنا متى يتدارك المأموم ما فاته به الإمام من الفروض. وعندنا في السلام قولان: هل يمنع من التدارك كعقد الركعة
__________
(1) ساقط من (ر).
(2) في (م) الاستقراء المشهور.
(3) في (ق) إمامه تشهد بعده ثم يسلم.

(2/607)


الثانية لأنه ركن أو لا يمنع لأن المانع في عقد الركعة الثانية مخالفة الإمام وهاهنا لا يخالف؟ وإذا وجد الخلاف في منع سلام الإمام من التدارك للفروض فأحرى أن يمنع التدارك في التشهد.
وقد قدمنا كراهية الدعاء قبل التشهد، وكذلك البسملة مكروهة عندنا أيضًا قبل التشهد. وإذا أكمل تشهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الجلسة الوسطى فهل يجوز الدعاء بعده كما يجوز في الجلسة الآخرة؟ في المذهب قولان: الكراهية، والجواز. فالكراهية إذ فيه تطويل لا سيما إن كان إماماً, والجواز لأن الصلاة مظنة الدعاء وقياساً على الجلوس الآخر.

(معنى التحية)
ويفتقر إلى تفسير لفظ التحية، والتحية تطلق على ثلاثة معان: السلام، والملك، والبقاء. وقد اختلف في معنى السلام فقيل هو: اسم من أسماء الله تعالى، وقيل: هو بمعنى السلامة. وإن قلنا بمعنى السلامة؛ فإن التحيات في التشهد قد يراد فيها الثلاثة معان التي ذكرناها، وإن قلنا اسم من أسماء الله تعالى كان المقصود بالتحية الملك والبقاء.
...

فصل (حكم السلام في الصلاة وصفته)
والسلام عندنا من فروض الصلاة وقد تقدم ذلك. والأصل في فرضيته قوله - صلى الله عليه وسلم -:وَتَحْليلُهَا التَّسْليمُ" (1) واستمرار العمل [به] (2). ولفظه متعين عندنا. وهل يجوز أن يؤتى به على جهة التنكير؟ المشهور من المذهب أنه لا يؤتى به إلا معرَّفا. والشاذ جواز تنكيره. وإذا نكره على المشهور فهل
__________
(1) الترمذي في الطهارة 3، وأبو داود في الطهارة 61، وابن ماجه في الطهارة 275، وأحمد في مسنده 1/ 123، والدارمي في الطهارة 687. وقال الترمذي: هذا حديث أصح شيء في هذا الباب وأحسن.
(2) ساقط من (ر).

(2/608)


يجزي من التحليل؟ قال ابن أبي زيد: لا يجزي. وقال ابن شبلون: يجزي. وفي المدونة: لا يجزي من السلام إلا السلام عليكم (1). وهذا يقتضي ما قاله ابن أبي زيد وقد تأول على أن القصد به تعيين السلام على الجملة تنبيها على خلاف أبي حنيفة القائل: إن كل فعل مضاد للصلاة ينوب مناب التسليم. ومقتضى المذهب تعيين لفظ السلام بالتعريف قياسًا على الإحرام.
وهل يسلم الإمام والفذ واحدة أو اثنتين؟ في المذهب قولان: المشهور من المذهب الاقتصار على واحدة. واحتج مالك رحمه الله بأن ذلك الذي اتصل به العمل من زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: وإنما أحدثت التسليمة الثانية في زمن بني هاشم. والشاذ أن الثانية مشروعة. وفي صحيح مسلم عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه "كان يسلم تسليمتين" (2). وهذا الأولى على مقتضى النظر لأن من حكى (3) الثانية زاد، ومن زاد أولى ممن نقص (4).
__________
(1) المدونة: 1/ 62.
(2) أخرجه مسلم في المساجد 581 ولفظه عَنْ أَبِي مَعْمَرِ أَنَّ أَمِيراً كَانَ بمَكَّةَ يُسَلَّمُ تَسْلِيمَتْينِ فَقَالَ عَبدُ الله أَنَّى عَلِقَها قَالَ الحَكَمُ في حَدِيثِهِ إِنَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -كَانَ يَفْعَلُهُ.
(3) في (ر) حكم.
(4) هذا الخلاف يدخل في إطار اختلاف التنوع والهيآت التي تكون كل صوره جائزة وللمكلف فعل ما شاء منها. وقد أشار إلى هذا ابن عبد البر فقال:
والقول عندي في التسليمة الواحدة وفي التسليمتين أن ذلك كله صحيح بنقل من لا يجوز عليهم السهو ولا الغلط في مثل ذلك، معمول به عملاً مستفيضاً بالحجاز التسليمة الواحدة. وبالعراق التسليمتان. وهذا مما يصح فيه الاحتجاج بالعمل لتواتر النقل كافة عن كافة في ذلك ومثله لا ينسى ولا مدخل فيه للوهم لأنه مما يتكرر به العمل في كل يوم مرات. فصح أن ذلك من المباح والسعة والتخيير، كالأذان وكالوضوء ثلاثًا واثنين وواحدة وكالاستجمار بحجرين وبثلاثة أحجار، من فعل شيئًا من ذلك فقد أحسن وحاد بوجه مباح من السنن. فسبق إلى أهل المدينة من ذلك التسليمة الواحدة فتوارثوها وغلبت عليهم وسبق إلى أهل العراق وما وراءها التسليمتان فجروا عليها. وكل جائز حسن لا يجوز أن يكون إلا توقيفاً ممن يجب التسليم له في شرع الدين وبالله التوفيق وأما رواية من روى عن مالك أن التسليمتين لم تكن إلا من زمن بني هاشم فإنما أراد ظهور ذلك بالمدينة، والله أعلم.
التمهيد لابن عبد البر: 16/ 190.

(2/609)


فإذا قلنا بالاقتصار على الواحدة فهيئة الإشارة بها أن يسلم قبالة وجهه ويتيامن قليلاً. ويقصد الإمام الخروج بها من الصلاة والسلام على الملائكة ومن معه من المقتدين. ويقصد الفذ الخروج من الصلاة والسلام على الملائكة. وأما المأموم فيسلم أولاً تسليمة يسير بها إلى يمينه. ثم اختلف (1) هل يبتدئ بعدها بالرد على الإمام أو السلام على من على يساره من الملائكة والمصلين. وإذا قلنا إنه يبتدىء بالرَّد على الإمام فلا يسلم عن يساره إلا أن يكون هناك أحد من المقتدين فيردّ عليه، وهذا راجع إلى النقل. ولا حرج في تخيير أحد الأمرين.
وإذا كان المأموم مسبوقاً فهل يرد على الإمام ومن على يساره بعد قضائه. قولان (2). وهما على النظر إلى مقصود السلام هل هو مجرد الرد، أو هو مشروع للصلاة؟ ولو ابتدأ المأموم (3) بالسلام مشيراً به إلى جهة يساره ثم تكلم (4) فهل تبطل صلاته أم لا؟ [في المذهب] (5) قولان، [وهما على النظر إلى قصده] (6)؛ فإن قصد بذلك التسليم (7) التحليل من الصلاة صحت لأنه إنما (8) خالف الهيئة، وإن قصد بها مجرد الرد لم تصح الصلاة لأنه تكلم قبل أن يتحلل.
وهل ينسحب حكم النية على السلام أو يفتقر إلى نية مجددة؟ (9) في المذهب قولان؛ فمن (10) سحبها رأى أن ركن النية متعلق (11) بسائر
__________
(1) في (ر) يختلف.
(2) في (ر) بعد ذهابهم في المذهب قولان، في (ت) بعد قضائه قولان.
(3) في (ر) الإمام.
(4) في (ق) كلم.
(5) ساقط من (ق) و (ر).
(6) ساقط من (ر).
(7) في (ق) بتلك التسمية.
(8) (ق) صلاته وإنما.
(9) في (ر) مجردة.
(10) في (ر) ومن.
(11) في (ت) رأى أن السلام ركن والنية متعلقة، وفي (ق) أنه ركن والنية منعقدة.

(2/610)


الأركان، ومن لم يسحبها نظر إلى كونه قطع للصلاة. والنية إنما تنسحب على ما هو من الصلاة دون ما يقطعها (1).
والمشروع (2) للإمام التنحية عن موضعه عقيب السلام. وقد اختلف في عله ذلك فقيل: إنه موضع فضيلة، وإنما استحقها برتبة الإمامة فإذا انقطعت صار كالمعزول عنها، فعلى هذا يزول عن موضعه فلا بد. وقيل: ليراه من لا يسمع تسليمه فيعلم انقطاع الصلاة. فعلى هذا لو قام أو تزحزح عن موضعه بحيث ما ينظر أجزأه.
...

باب في صلاة الجمعة وأحكامها
(حكم صلاة الجمعة)
وهي واجبة بالكتاب والسنَّة وإجماع الأمة. فأما الكتاب فقوله تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} (3)، فأمر بالسعي ونهى عن البيع، وفي معناه كل شغل (4). وإذا قلنا إن الأمر على الوجوب فلا يفتقر إلى غير الآية. وإن لم نقل بذلك فقرينة الوجوب هاهنا الإجماع. وهذا إذا قلنا إن صلاة الجمعة صلاة قائمة بنفسها. وإن قلنا إنها عوض عن الظهر كان الدليل أيضًا على وجوبها ما ورد في وجوب الصلاة من الآي. وقد قال بعض العلماء إنها المراد (5) بالصلاة الوسطى.
وأما السنَّة فقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم -الأمر بها والمواظبة عليها، وفعله لها
__________
(1) في (ق) للصلاة والنية إنما تنسحب على ما هو من الصلاة ما لا يقطعها، وفي (ر) للصلاة وإنما انسحب على ما هو في الصلاة لا ما يقطعها.
(2) في (ر) أو المشروع.
(3) الجمعة 9.
(4) في (ت) مشغل، وفي (ق) مشتغل.
(5) في (ق) المرادة.

(2/611)


متواتر النقل. ويكاد قوله أن يكون متواتر المعنى. وقد ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم -توعد على تركها ثلاثًا بالطبع على القلب (1). وهذا مبالغة في تقرير الوجوب.
واجتمعت الأمة على وجوبها في الجماعة، والجمهور أنها واجبة على الأعيان لا على الكفاية، إذ ما ورد من الآي [والاخبار] (2) يقتضي ذلك، وهو مما شرع لإقامة أبهة (3) الإسلام وتمكينه في النفوس وتفخيم أمره. ولهذا شرع فيها البناء المخصوص والخطبة والجهر بالقراءة وإن كانت صلاتها نهارية.
وإذا تقرر ما قلناه فالنظر في هذا الباب ينحصر في ثلاثة أركان (4): أحدها: شروط وجوبها، والثاني: شروط أدائها، والثالث: صفة الأداء وحكم الأعذار المبيحة للتخلف عنها.
...

فصل (شروط الوجوب)
فأما الفصل الأول في شروط الوجوب فإن عددها ستة وهي: الإسلام، والعقل، والبلوغ، والذكورية، والحرية، والإقامة.
فأما الإسلام فنعده شرطًا في الوجوب إن قلنا إن الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة. وإن قلنا إنهم مخاطبون، عددناه في شروط الأداء. وهكذا
__________
(1) أخرج الترمذي في الجمعة 500 واللفظ له، وابن ماجه في إقامة الصلاة 1125، وأحمد في مسنده 3/ 332 عَنْ أَبِي الْجَعْدِ يَعْنِي الضَمْريَّ وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ فِيمَا زَعَمَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرو قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -:"مَن تَرَكَ الْجُمعَةَ ثَلاَثَ مرات تَهَاوُناً بِهَا طَبَعَ الله عَلَى قْلِبِه". قالَ أَبو عِيسَى: حَدِيثُ أَبِي الْجَعْدِ حَدِيثْ حَسَنٌ.
(2) ساقط من (ر).
(3) في سائر النسخ "أهبة" ولعل الصواب ما أثبته، بدليل أن صاحب التاج والإكليل نقل عن ابن بشير أثناء حديثه عن المصر الذي تقام فيه الجمعة العبارة التالية: "حصلت بجماعتهم إقامة أبهة الإسلام" انظر التاج والإكليل 2/ 159. وقد غيرت هذه اللفظة حيثما وجدت في الكتاب بهذا المعنى.
(4) في (ر) و (ت) فصول.

(2/612)


عدَّه القاضي أبو محمد [عبد الوهاب] (1). ولا خلاف في عدّ البلوغ شرطا في الوجوب. وأما العقل فإن قلنا: إن من ليس ببالغ غير عاقل، فيكتفى بلفظ العقل عن ذكر البلوغ. وإن قلنا: إنه قد يكون عاقلاً، فلا بدّ من ذكرهما. وبين الأصوليين خلاف في ذلك. وأما الذكورية فلا خلاف عندنا في عدها شرطاً في الوجوب. وأما الحرية فالمعروف من المذهب عدَّها شرطاً ولا تجب الجمعة عندنا على العبد. وقد قدمنا الخلاف في سقوطها عنهم في الأصل ووجوبها. وإنما سقطت لحق السيد. وذكرنا ما في المذهب من إمامة العبد في الجمعة. وفي مختصر ابن شعبان: أن المشهور من مذهب مالك رحمه الله سقوط الجمعة عن العبد. قال أبو الحسن اللخمي رحمه الله: يريد أنه اختلف قوله في ذلك (2). وفي مختصر ابن شعبان أنه قال: يؤمرون بها ويقامون إليها. ويحتمل أن يكون ذلك في وجوبها عليهم، [أو] (3) على جهة الندب. وقد قدمنا أن هذا الخلاف في دخول العبيد في خطاب الأحرار. وأما الإقامة فهي مشروطة في وجوب الجمعة، ولا نعلم في ذلك خلافاً. واستدل على سقوطها عن المسافر بأن الرسول عليه السلام وقف يوم الجمعة بعرفة فصلى صلاة المسافر ولم يصلِّ صلاة الجمعة (4). فإذا ثبت ذلك فهل يجزي المسافر إذا شهدها وتنوب له عن صلاة الظهر؟ في المذهب قولان: المشهور أنها تنوب عن ذلك قياسًا على نيابتها للعبد والمرأة، والشاذ أنها لا تنوب. وهذا على الخلاف هل دخل المسافر في ثبوت الوجوب ثم سقطت عنه لعذر السفر فإذا شهدها نابت له، أو لم يتوجه عليه الخطاب بها أصلاً؟ فينظر هاهنا هل هي صلاة قائمة بنفسها فلا تنوب، أو هي ظهر مقصورة؟ فيختلف في إجزائها عنه على الخلاف فيمن ترك السنن تعمدًا لأنه صلى ركعتين جهرية (5) والواجب عليه في الأصل أن يُسِرَّ.
__________
(1) ساقط من (ر).
(2) التبصرة ص: 124.
(3) ساقط من (ر).
(4) انظر تفصيل ذلك في زاد المعاد 2/ 234.
(5) في (ق) حضرية.

(2/613)


(حكم إمامة المسافر في صلاة الجمعة)
وإذا قلنا بصحة النيابة فهل تصح إمامته فيها إذا حضرها؟ ثلاثة أقوال:
أحدها: لا تصح بوجه ابتداء ولا استخلافاً. وهذا بناء على سقوطها أصلاً لكن نابت لأنها ظهر مقصورة. أو بناء على أنه لما خير في التزامها عدمه صار كالمتنفل مثلاً يؤم المفترض.
والثاني: تصح ابتداء واستخلافاً، وهذا بناء على أنه مخاطب بها، لكن سقطت لعذر السفر. فإذا شهدها والتزمها صار كالمقيم.
والثالث: أنها تصح إن استخلف بعد أن عقدها مع الإمام، ولا تصح قبل أن يعقدها, لأنه بعد الدخول وجب عليه إتمامها، وقبل الدخول مخير.

(حكم الوالي الأعظم يمر بقريه يوم الجمعة)
ولو مرَّ الوالي الأعظم بقرية تجب عليهم الجمعة وهو مسافر لكان له أن يجمع بهم لأن المولى على الصلاة في تلك القرية خليفته والنائب عنه فإذا حضر المستخلف فهو بالإمامة أولى. وإن كانت ممن لا تجب (1) فيها الجمعة لم يجمع بهم لأنه مسافر والقوم حاضرون والجمعة ساقطة عنهم. وإن جمع بهم فقولان: أحدهما: أنها لا تصح له ولا لهم، والثاني: أنها تصح له دونهم. قال الأشياخ: وهذا على الخلاف فيمن جهر في صلاته متعمداً هل تصح أم لا؟ لأن هذا الإمام مسافر، فصلاته ركعتان لكنها سرية وقد جهر. ويغلب على ظني أني رأيت في المنتخبة ليحيى بن عمر (2) قولاً
__________
(1) في (ق) لا تجب عليهم.
(2) هو يحيي بن عمر بن يوسف بن عامر .. أندلسي من أهل جيان وعداده في الافريقيين سكن القيروان واستوطن سوسة أخيرًا وبها قبره كنيته أبو زكرياء طلب العلم عند ابن حبيب وسمع من سحنون وغيره، إليه كانت الرحلة في وقته كان فقيهاً حافظًا للرأي ثقةً ضابطاً لكتبه له من المصنفات نحو أربعين جزأ، منها اختصار المستخرجة المسمى بالمنتخبة. توفي بسوسة في ذي الحجة سنة تسع وثمانين ومائتين وسنّه ست وسبعون سنة. الديباج المذهب ص: 351 وشجرة النور ص73 (97).

(2/614)


ثالثاً أنها تجزيه وتجزيهم. فهذا مما ينظر فيه. فإن صح وظهرت صحته فهو إما بناء على أن الإمام وطنه حيث ما حل، وإما بناء على وجوب الجمعة في الأصل وإنما سقطت تخفيفاً عن المسافرين ومن في معناهم من القاطنين (1) بمكان (2) [لا يمكنهم مداومة إلزامه (3)، والاستغناء] (4) عن غيره.
...

فصل (الركن الثاني شروط الأداء)
وأما شروط الأداء فهي خمسة: إمام، وجماعة، وموضع الاستيطان، وجامع، وخطبة.

(الشرط الأول: الإمام)
فأما الإمام فقد قدمنا في الركن الأول حكم من تجب عليه الجمعة عندنا في الأصل، ومن لا تجب عليه، والخلاف في صحة إمامته، ويشترط فيها ما يشترط في الإمامة لسائر الصلوات. وليس من شروطه عندنا أعلى المشهور] (5) أن يكون إماماً تؤدى إليه الطاعة، أو مولىّ من قبل إمام. وقد قال مالك:"لله فروض في أرضه لا يسقطها، وليَهَا إمام، أو لم يَلِهَا، منها الجمعة" (6). ومذهب محمد بن مسلمة ويحيى بن عمر اشتراط الإمام الذي تؤدى إليه الطاعة. قال يحيي بن عمر (7): ويخاف جانبه. وقال محمد بن مسلمة: أو مولى من قبل الإمام.
__________
(1) في (ت) و (م) و (ق) القاطنون.
(2) في (ق) و (م) (ت) بمكة.
(3) في (ق) الثواب وفي (م) ابثوابة.
(4) خرم في (ت).
(5) ساقط من (ر).
(6) التاج والإكليل 2/ 173.
(7) في (ق) محمد بن عمر.

(2/615)


والأصل في هذا الخلاف فيها أو في ما يأتي بعدها أن الجمعة وقعت في ابتداء الإسلام في مصر بإمام تؤدى إليه الطاعة وخطبة وجامع. وهذا يحتمل أن يكون اتفاقًا، ويحتمل أن يكون مقصودا إليه. وقد اختلف في أفعاله - صلى الله عليه وسلم - هل تحمل على الوجوب إلا ما قام الدليل أنه ندب، أو تحمل على الندب إلا ما قام الدليل أنه واجب.

(الشرط الثاني: الجماعة)
وأما الجماعة فلا خلاف في اشتراطها على الجملة. وهل هي محدودة أم لا؟ في المذهب قولان: المشهور أنها غير محدودة بعدد، لكن لا يجزي منها اثنان ولا ثلاثة ولا أربعة وما في معنى ذلك. والشاذ أنها محدودة بعدد. وما هو؟ قولان: أحدهما: ثلاثون، وقد روي حديث في هذا التحديد (1) وإن لم تكن فيه شروط الصحة. والثاني: أنها خمسون (2)، وهذا تحديد على مقدار تتقرى بهم القرية ويمكنهم فيها مداومة الثوى (3)، ويستغنون عن غيرهم ويحصل بجماعتهم إقامة أبهة الإسلام في موضعهم.
وهل يشترط في الجماعة المشار إليها كونهم فيمن تلزمهم الجمعة وتنعقد بهم وإن كانوا لا تلزمهم ابتداء لكن تنوب لهم كالصبيان والعبيد ومن في معناهم من المسافرين؟ في المذهب قولان. وهما على ما قدمناه من
__________
(1) لم أقف على حديث يحدد العدد في الثلاثين، وهناك حديث ضعيف أيضًا يحدده في أربعين. انظر نور اللمعة في خصائص الجمعة ص:47.
(2) قال الشوكاني في نيل الأوطار 3/ 286: "من قال باشتراط الخمسين فمستنده ما أخرجه الطبراني في الكبير والدارقطني عن أبي أمامة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: "الجمعة على الخمسين رجلاً وليس على ما دون الخمسين جمعة" قال السيوطي: لكنه ضعيف ومع ضعفه فهو محتمل للتأويل لأن ظاهره أن هذا العدد شرط للوجوب لا شرط للصحة فلا يلزم من عدم وجوبها على ما دون الخمسين عدم صحتها منهم". ثم قال:"قال عبد الحق إنه لا يثبت في عدد الجمعة حديث، وكذلك قال السيوطي لم يثبت في شيء من الأحاديث تعيين عدد مخصوص".
(3) الثوى: الإقامة. انظر النهاية في غريب الحديث 1/ 230.

(2/616)


سقوطها عنهم في الأصل ولا تنعقد بهم، أو تجب عليهم (1) لكن سقطت للأعذار، وهذا في غير الصبيان. ولعلَّ الخلاف في الصبيان على ما قدمناه في تعلق (2) الوجوب عليهم بحسب حالهم، أو لأن المراعى وجود الجماعة في الجملة (3).
وهل يشترط بقاء الجماعة إلى إكمال الصلاة، أو يشترط انعقاد ركعة بهم؟ في المذهب قولان: المشهور اشتراط ذلك إلى الكمال, لأن شروط الصلاة إذا وجبت في الابتداء وجبت في الانتهاء كالطهارة وستر العورة واستقبال القبلة. والشاذ الاكتفاء بذلك في ركعة قياساً على المسبوق.

(الشرط الثالث: موضع الاستيطان)
وأما موضع الاستيطان فإنه شرط في الجمعة، وهل شرط ذلك الموضع أن يكون مصراً؟ في المذهب قولان: المشهور أنه لا يشترط ذلك، بل يجمع في القرى إذا كانت على الصفة المتقدمة من إمكان الثوى والاستغناء لمراعاة العدد كما تقدم آنفًا. وهذا الخلاف على ما قدمنا في الالتفات إلى إقامة الرسول عليه السلام.
وهل يحصل ذلك بالإقامة وإن لم يكن الاستيطان؟ حكى أبو الوليد الباجي قولين، ومثاله قرية خالية مرَّ بها جماعة تنعقد بهم الجمعة ونووا الإقامة شهرًا فهل يجمعون أم لا؟ قولان (4). وحكى عن ابن القاسم أنهم يجمعون. ولا شك أن المعروف من المذهب أنهم لا يجمعون.
وإذا صحَّ كون الموضع ممن تلزم أهله الجمعة، فهل يلزم ما قاربهم من القاطنين شهودها؟ أما من قرب حتى يكون ممن يسمع النداء غالبًا فيلزمه ذلك. وحَدَّه أهل المذهب بثلاثة أميال وما قاربها. ولا يلزم من بَعُد إلا أن
__________
(1) في (ق) و (ت) أو ثبوتها.
(2) في (ق) تعيين.
(3) في (ق) على الإطلاق.
(4) في (ر) على القولين.

(2/617)


يشاء شهودها فتجزيه عن ظهره. وهل يشترط هذا المقدار من المنار أو من سور المصر؟ وقع في المذهب قولان. وإذا كان المعول على سماع الأذان فينبغي أن يحال على الوجوب (1) ويراعى موضع المنار. ويظهر أن المقصود شهود من يشتمل عليه (2) حكم المصر، ويتكرر في حاجته حتى يكون كالساكن فيه. وهذا يحصل لمن كان على المقدار المذكور. ويراعى في ذلك بعده من السور لا من المنار.

(حكم السفر يوم الجمعة)
وهل يجوز للمخاطب بالجمعة أن ينشئ السفر قبل شهودها؟ أما ما لم يطلع الفجر من يوم الجمعة فذلك جائز له بلا خلاف. وأما إذا زالت الشمس فذلك ممنوع بلا خلاف في المذهب. وذكر أبو الحسن قولاً بالكراهية وعوَّل فيه على اختلاف الرواية كشأنه في الاستقراء من المحتملات. ويمكن تنزيل الرواية على ما قبل الزوال. وأما ما بين طلوع الفجر إلى الزوال فالمذهب على قولين: الكراهية، لما يفوته من فضيلة الجمعة، والجواز, لأنه حينئذ غير مخاطب. ولو أنشا السفر فحضر الوقت قبل أن يجاوز ثلاثة أميال فقال الباجي: مقتضى المذهب لزوم الجمعة؛ وفيه نظر لأنه رفض الإقامة وحصل له حكم السفر فعلاً ونية.
وعكس هذا أن يكون مسافراً فيقدم إلى وطنه فهل يلزمه شهود الجمعة؟ أما من لم يصل الظهر فإنه يؤمر بشهودها بلا خلاف [إذا أدرك منها ركعة] (3)، وأما من صلاَّها [ظهراً ثم دخل من سفره قبل صلاة الجمعة، فاختلف فيه على] (4) ثلاثة أقوال: أحدها: أنه يلزمه شهود الجمعة إذا أدرك منها ركعة. والثاني: أنه لا يلزمه، وقد أدَّى فرضه. والثالث: قول سحنون:
__________
(1) في (ت) الوجود.
(2) في (ق) أن المقصود حضور من ينتقل عليه.
(3) ساقط من (ر) و (ت).
(4) ساقط من (ر).

(2/618)


إنه إن صلاها وقد بقي بينه وبين موضعه ثلاثة أميال فأقل فإنه يلزمه شهود الجمعة، وإن كان فوق ذلك فلا يلزمه.
فنظر في الأول إلى كونه مخاطباً بالإدراكة للجمعة، وفي الثاني إلى وقوع الصلاة في السفر وقد أدَّى فرضه. ويلتفت في هذين إلى تعلق الوجوب بأول الوقت أو بآخره. ونظر في الثالث إلى قدر المسافة؛ فإن كانت مما لا يسقط شهود الجمعة لم يكتف بالصلاة الأولى، وبالعكس فيكتفي.

(الشرط الرابع: الجامع)
وأما الجامع فهو من شروط الأداء. وحكى أبو الوليد الباجي نفي الخلاف في ذلك إلا ما ذكره القزويني (1) عن أبي بكر الصالحين (2) من ذكر الخلاف في اشتراطه وأنكر هذه الحكاية، وذكر أن الصالحي هذا غير معروف. قال: وإنما عوَّل على ما في المدونة من حكايته ابن القاسم أن مالكًا رحمه الله قال مرة في صفة القرية التي يجمع فيها, إنها المتصلة البنيان التي فيها الأسواق، ومرة لم يذكر الأسواق (3). ولم يذكر في القولين المسجد، وذلك دليل على أنه غير مشروط وعول أبو الوليد الباجي على أن مقصده في هذه الرواية صفة القرية التي يجمع فيها، وهي من شروط الأداء. إلا أنه ذكر جميع الشروط، والجامع شرط [غير] (4) متعلق بصفة القرية. وإذا ثبت اشتراط الجامع فمن شرطه (5) البناء المخصوص. ويضاف
__________
(1) هو: أحمد بن زيد القزويني أبو سعيد تفقه بالأبهري وهو من كبار أصحابه، صنف في المذهب والخلاف وكان زاهدًا عالمًا بالحديث وقد سمع من أبي زيد المروزي .. وله كتاب المعتمد في الخلاف نحو مائة جزء وهو من أعذب كتب المالكية وله كتاب الالحاف في مسائل الخلاف الديباج المذهب ص: 35 والشجرة ص: 103 (264).
(2) قال ابن بشير عقبه: الصالحين هذا غير معروف.
(3) المدونة 1/ 152.
(4) ساقط من (ر).
(5) في (ق) فهل من شرطه.

(2/619)


إلى ذلك كونه مما يجمع فيه. وأما المساجد التي لا تؤدى فيها الجمعة فلا تكون شرطا في الأداء ولا تقام الجمعة فيها. ولو طرأ على الناس ما يمنعهم إقامة الجمعة في المسجد المعتاد فلا تجزيهم إقامتها في غيره من المساجد إلا أن يعولوا على إدامة الإقامة فيه فحينئذ يحصل له حكم الجامع المشروط في الجمعة.
ولا تؤدى في جامعين [في بلد واحد] (1) إلا أن يكون المصر كبيرًا [جداً بحيث يكون الجامع الواحد لا يسع الناس للصلاة، ويكون بينهم ثلاثة أميال] (2). فظاهر المذهب فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه كمصر صغير، والثاني: إجازة الإقامة في الجامعين، والثالث أنه إن كان ذا جانبين أو جوانب وبينهما نهر وما في معناه مما يتكلف فيه المشقة إذا قطع، جاز إقامتها في موضعين أو في مواضع بحسب الحاجة. وإن لم يكن كذلك فليس إلا كونه كالصغير. وهذا كله تجويز على غير احتياج إلى إقامتها في موضعين. فإن ظهرت ضرورة إلى ذلك جاز، وإلا منع. وإلى هذا ترجع الأقوال.
وإذا اشترطنا إقامتها في موضع واحد وكان بالقرب من المصر موضع فيه قوم مستوطنون، لهم حكم الاستقلال بأنفسهم، وأرادوا أن يجمعوا في موضعهم؛ فإن كان بين الموضعين ثلاثة أميال فأقل رجع إلى ما حكيناه في المصر الكبير، فإن قلنا باتحاد موضع الجمع لم (3) يجمعوا، وإن أجزنا الجمع في موضعين جمع هؤلاء.
وإن كانت المسافة أكثر من ذلك كان لهم أن يجمعوا في جامعهم. وكم مقدار هذه المسافة؟ ثلاثة أقوال: أحدها: ما فوق الثلاثة أميال، وهذا نظر إلى كون الجمعة (4) لا تلزمهم. والثاني: ستة أميال، وهذا نظر إلى أن
__________
(1) ساقط من (ر) و (ق).
(2) ساقط من (ق) و (ر).
(3) في (ر) و (ت) فلا يجمعوا.
(4) في (ر) الجمعة الأولى.

(2/620)


لكل مسجد مقداراً وهو كالحريم، فيلزم منه إتيان الجمعة وهو (1) ثلاثة أميال. فيحصل من تقدير ذلك للمسجدين (2) ستة أميال. والثالث: أنه البريد، وهو (3) التفات إلى حصول ما يشعر بانقطاع أحد المسجدين عن الآخر. وتحديد البريد تقريب [لذلك لا مسافة التحقيق.
وهل تجزئ الجمعة على ظهر المسجد؟ في المذهب قولان: المشهور عدم الإجزاء، إذ ذلك] (4) الموضع لا يحصل له البناء المخصوص. والشاذ الصحة، إذ حرمة أعلى المسجد كحرمة أسفله.
ولا شك في عدم الإجزاء في المواضع المنقطعة من المسجد إذا لم تتصل الصفوف. فإن اتصلت وضاق المسجد بأهله ولم تكن تلك المواضع محجورة بالملك صحت صلاة من صلى بها. وإذا لم يضق المسجد واتصلت الصفوف وكان الموضع قريبًا كالأفنية، ففي المذهب قولان: المشهور صحة الصلاة، والشاذ عدم صحتها. وهذا على الخلاف فيما قرب الشيء هل له حكمه أم لا؟ وإن كانت المواضع محجورة ففي المذهب قولان أيضًا: نفي الصحة، وهو المشهور, لأنها بالحجر منقطعة عن المسجد. والشاذ الحكم بالصحة، للقرب والاتصال. واحتج قائل ذلك بما ثبت من صلاة الجمعة في حجر أزواج النبي-صلى الله عليه وسلم-كعمرو وهي محجورة بالملك، ورأى في المشهور أن حكمها حكم المسجد، وعلى هذا بنيت.

(الشرط الخامس: الخطبة)
وأما الخطبة ففي كونها فرضاً قولان. فإن قلنا بفرضيتها كانت شرطاً في الأداء، وإن قلنا بنفي الفرضية كانت سنة وليست فرضاً. والخلاف في هذا على ما قدمناه من النظر إلى فعل الرسول عليه السلام. فإن قلنا بأنها
__________
(1) في (ق) وهذا.
(2) في (ق) المسجدين.
(3) في (ق) وهذا.
(4) ساقط من (ق).

(2/621)


شرط فهل تشترط فيها الطهارة الصغرى؟ قولان. وهما على ما قدمناه؛ فمن نفى الاشتراط عوَّل على أنها ذكر وقراءة فلا يشترط الوضوء لذلك، ومن أثبته عول (1) على أنها بدل عن الركعتين في الظهر، وقد احتج لفرضيتها بقوله تعالى: {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} (2). قال الناقلون: إنه قائم في الخطبة فذمهم على الهروب عنه - صلى الله عليه وسلم-في حال الخطبة. وذلك يدل على وجوبها ولا يستقل [من] (3) هذا دليل، إلا على أن (4) الهروب حينئذ غير جائز. وأما وجوب الخطبة فلا يظهر منه.
وهل من شرطها حضور الجماعة لها؟ قال القاضي أبو محمد وغيره من البغداديين: مقتضى المذهب اشتراطه مع عدم النص عليه. واستقرأه أبو الوليد الباجي من المدونة من قول مالك رحمه الله: ولا تجزئ الجمعة إلا بالجماعة والإمام يخطب (5). ولا شك أن مقتضى هذا اللفظ في اللسان ما قاله, لأن قوله: والإمام يخطب، معناه: الحال. فيكون بجماعة في حال خطبة الإمام. وهذا لو عوَّل عليه من كلام صاحب الشرع لكان له وجه. ولا يخفى أن ألفاظ المدونة لا يعول فيها على مثل هذا. على أن ظاهر المسألة من أولها يشهد بخلاف ما قال، ولأنه قال في الإمام يخطب فيهرب الناس عنه ولا يبقى معه إلا الواحد أو الاثنان وما لا عدد له من الجماعة وهو في خطبته أو بعد ما فرغ منها: أنهم إن لم يرجعوا إليه [فيصلي بهم (6) الجمعة، صلى ظهراً أربعاً. قال: لأن الجمعة لا تكون إلا بالجماعة والإمام يخطب. فظاهر هذا أنهم إن لم يرجعوا إليه] لم يصل بهم الجمعة. فهذا يشهد بأن الجماعة مشروطة في الصلاة لا في الخطبة، على أننا لا ننازعه في أن اللفظ محتمل لما قال.
__________
(1) في (ر) بناء.
(2) الجمعة 11.
(3) ساقط من (ق) و (ر) و (ت).
(4) في (ر) دليل لأن.
(5) في (ر) بخطبة.
(6) انظر المدونة 1/ 157.

(2/622)


ولا خلاف أن الخطبة إذا اشتملت على حمد الله تعالى [والثناء عليه] (1) والصلاة على نبيه عليه السلام وشيء من الوعظ ومن تلاوة القرآن أنها مجزية. ولا يوجد في المذهب نص على اشتراط خطبتين حتى لا يجوز دونهما. وحكى أبو الحسن اللخمي في ذلك قولين (2). وهذا لو ساعدته الروايات لكان له وجه, لأن الرسول عليه السلام خطب خطبتين، فيجري على ما قدمناه من الالتفات إلى أفعاله. وإن أتى منها بما لا بال له، مثل أن يقول الحمد لله وشبهَه فهل يجزي؟ قولان. والرجوع في ذلك إلى لسان العرب، ولا شك أن مثل هذا المقدار لا يسمى خطبة.

فصل (الركن الثالث: صفة الأداء، والأعذار المبيحة للتخلف عنها)
وأما الركن الثالث وهو صفة (3) الأداء وحكم الأعذار، فنذكر ما يفعل في الجمعة (4) من فاتحة أمرها إلى خاتمته.

(حكم الغسل يوم الجمعة)
أجمعت الأمة على أن الغسل والطيب مشروعان لها. وأن الغسل آكد من الطيب. وقد ثبت عنه- صلى الله عليه وسلم - أنه قال:"غُسْلُ الجمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلمِ" (5)، وفي بعض الطرق: "عَلَى كُلِّ مُسلِم" (6). وهذه الألفاظ صريحة في الوجوب. والمذهب كله على أنه سنة لا واجب. وحكى أبو الحسن اللخمي عن أبي جعفر (7)
__________
(1) في (ق) أنهم يرجعوا إليه ثم يصلي بهم.
(2) ساقط من (ر).
التبصرة ص:131
(3) في (ر) من.
(4) في (ت) ما يتعلق بالجمعة.
(5) البخاري في الجمعة 879، ومسلم في الجمعة 846، وأحمد في مسنده 3/ 60واللفظ له.
(6) البخاري في الجمعة 898، ومسلم في الجمعة 849.
(7) هو: أحمد بن نصر الداودي الأسدي أبو جعفر من أئمة المالكية بالمغرب كان بطرابلس وبها أملى كتابه في شرح الموطأ ثم انتقل إلى تلمسان وكان فقيهاً فاضلاً =

(2/623)


أنه حكى (1) اختلاف أصحابنا في غسل الجمعة فقال بعضهم: سنة مؤكدة لا يجوز تركها إلا بعذر، وقال بعضهم: مستحب. وعوَّل على أن المذهب مختلف في وجوبه، أخذا من حكاية أبي جعفر هذه (2). وليست صريحة في الوجوب كما ظنه، بل ظاهرها على غير الوجوب. وإنما يؤخذ من هذا أن المذهب على قولين: أحدهما: أن الغسل سنة، والثاني: مستحب. وهكذا قال أبو الحسن اللخمي في كتاب الطهارة. وقد يقال: إن ما حكاه أبو جعفر يقتضي الوجوب. وقوله: سنة، أي مما علم (3) وجوبه بالسنة، كقول سحنون (4) إن الوضوء من البول سنة، يريد: مما علم وجوبه بالسنة، وليس من قبل المندوبات. ولا شك أن ذلك محتمل، لكن الأظهر الأول. وإنما خرج فقهاء الأمصار عن ظواهر تلك (5) الألفاظ المتقدمة المقتضية للوجوب بما ثبت من قوله عليه السلام في الجمعة:"لَوِ اغْتَسَلْتُمْ" (6). وهذا لفظ يشعر بنفي الوجوب، إذ لا يقال في الواجب لو فعلت. ولقوله عليه السلام:"مَنْ تَوَضأَ لِلْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنعْمَتْ وَمَنِ اغْتَسَلَ فَالغُسْلُ أَفْضَلُ" (7). وهذا نص صريح في إسقاط الوجوب، وهو أيضاً يقصده القائل بالاستحباب. وبما ثبت من قول عمر رضي الله عنه للداخل وهو يخطب "أي ساعة هذه؟ فقال ما زدت على أن توضأت، فقال عمر رضي الله عنه:
__________
= متقناً مؤلفاً مجيداً، له حظ من اللسان والحديث والنظر، ألف كتابه النامي في شرح الموطأ والواعي في الفقه والنصحية في شرح البخاري والإيضاح في الرد على القدرية وغير ذلك، وكان درسه وحده لم يتفقه في أكثر علمه على إمام مشهور وإنما وصل بادراكه، حمل عنه أبو عبد الملك البوني وأبو بكر بن محمد بن أبي زيد توفى بتلمسان سنة ثنتين وأربعمائة. الديباج المذهب ص: 35 والشجرة ص: 110 (293).
(1) في (ق) ذكر.
(2) التبصرة ص: 123.
(3) في (ق) أي ما يعلم.
(4) في (ر) ابن سحنون.
(5) في (ر) عن ظواهر ألفاظ، وفي (ت) على ظواهر.
(6) البخاري في الجمعة 903 واللفظ له، ومسلم في الجمعة 847.
(7) أخرجه الدارمي في الصلاة 1540، وابن عبد البر في التمهيد 10/ 79 واللفظ له.

(2/624)


الوضوء أيضًا، وقد علمت أن الرسول عليه السلام أمر بالغسل" (1) ثم لم يأمره بالخروج ليغتسل. وكان ذلك والصحابة متوافرون ولم ينكر منهم أحد. وهذا عند بعض الأصوليين كالإجماع. واختلفوا في الداخل من هو؟ فقيل عثمان، وقيل غيره.
وإذا قلنا إن الغسل سنة فمتى يُفعل؟ لم يختلف المذهب أنه إذا اغتسل قبل الفجر أنه لا يجزيه، وإذا اغتسل [بعد الفجر] (2) ثم راح إلى الصلاة فلا خلاف أيضًا أنه يجزيه. وإن اغتسل بعد الفجر وأخر رواحه إلى الزوال فهل يجزيه أم لا؟ في المذهب قولان: نفي الإجزاء وهو المشهور، والشاذ إثباته. وهو خلاف في حال هل يزول الغسل في هذا المقدار من الزمان أم لا؟ وأراد أبو الحسن اللخمي أن يجعل المذهب على ثلاثة أقوال: [القولان اللذان تقدما] (3)،والثالث: أن الغسل لا يجزي إلا أن يتصل بالرواح إذا راح بعد الزوال لا في أول النهار (4).وهذا الذي قاله في الرواح لا يجزيه، وإنما أخذه من قول مالك: إن المشي إلى الجمعة لا ينبغي أن يكون أول النهار. وهذا الذي قلناه في الرواح إذا كانت مسافته إلى الجامع قريبة، فإن بعدت حتى يزول أثر الغسل فعلى المشهور من المذهب أنه يؤمر بإعادته، وعلى مذهب ابن وهب القائل بالإجزاء أنه بعد الفجر يجزيه.
واختلف هل يغلب على غسل الجمعة حكم النظافة فلا يفتقر إلى نية ويجزئ بالماء المضاف إلى الرياحين والطيب، وهذا هو الشاذ. أو يغلب
__________
(1) لم أقف عليه بهذا اللفظ، وقد أخرجه البخاري في الجمعة 882، والترمذي في الجمعة 494 واللفظ له عَنْ سَالِم عَنْ أَبِيهِ بَيْنَما عُمَرُ بن الْخَطَاب يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَبيِّ - صلى الله عليه وسلم -فَقَالَ: أَيَّةُ سَاعَةٍ هَذِهِ فَقَاَل مَا هُوَ إِلاَّ أنْ سَمِعتُ النِّدَاءَ وَمَا زِدْتُ عَلَى أَن تَوَضأْتُ قَالَ وَالْوُضُوءُ أَيْضاً وَقَدْ عَلِمْتَ أَنًّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -أَمَرَ بِالْغُسْلِ".
(2) ساقط من (ر) و (ت).
(3) ساقط من (ر).
(4) التبصرة ص: 124.

(2/625)


عليه حكم العبادة ويفتقر إلى النية ولا يجزي إلا بالماء المطهر (1)، وهذا هو المشهور. ولا شك أن المقصود الأول من هذا الغسل النظافة، لكنه مشروع وإن كان المكلف أنظف الناس بدناً وأطيبهم ريحاً. فالالتفات إلى أصله يقتضي تغليب النظافة وإلى استرساله إلى سائر المكلفين يقتضي [تغليب] (2) العبادة.

(استحباب التبكير للجمعة)
وقد ثبت عنه عليه السلام أنه قال: "من راح إلى الجمعة في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنه" الحديث كما ورد (3). واختلف المذهب هل أراد الساعة السادسة (4) فيكون الرواح من أول النهار؟ أو هي ساعة قدرها الشرع عقيب الزوال؟ وهذا هو المشهور من المذهب. والأول قول ابن حبيب. ولفظ الرواح يقتضي القول المشهور لأن المشي (5) قبل الزوال لا يسمى رواحاً. وقوله:"الساعة الأولى" يقتضي قول ابن حبيب. ولا بد من التجويز في أحد اللفظين. وقد احتج فيها للمشهور بأن قول ابن حبيب يقتضي أن تكون الصلاة قبل الزوال لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم -جعل آخر الرواح الساعة السادسة؛ قال:"إذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر" والساعة السادسة هي قبل الزوال لا بعده. وهذا الذي قلناه في الرواح بعد الزوال جاز في
__________
(1) في (ر) و (ت) و (م) الطاهر.
(2) ساقط من (ت).
(3) لم أقف عليه بهذا اللفظ، وقد أخرجه البخاري في الجمعة 881، ومسلم في الجمعة 850 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِى الله عَنْه أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -قَالَ: "مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأنَمَا قَرَّبَ بَدَنَةَ وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعةِ الثَّانِيَة فَكَأَنَمَا قَرَّبَ بَقَرَةً وَمَنْ رَاَحَ فِي السَّاعِةِ الثَّالِثَةِ فَكَأنَمَا قَرَّبَ كَبْشاً وَمَنْ رَاَحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابعةِ فَكَأَنَّمَا قّرَّب دَجَاجَةً وَمَنْ رَاَحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَمَا قَرَّبَ بَيضْةً فإِذَا خَرَجَ الإِمامُ حَضَرَتِ المَلائِكَةُ يَسْتِمُعونَ الذكْرَ".
(4) في (ق) الساعات المعلومات، وفي (ت) الساعة المعلومة، وفي (م) الساعة المعلومات.
(5) في (ر) المصلي.

(2/626)


حق من يمكنه إدراك الجمعة إذا راح حينئذ. وأما من لا يمكنه إلا بالرواح قبل ذلك، فيجب عليه الرواح متى علم أنه لو أخر لفاتته الجمعة.
ولا تفوت عندنا إلا بأن يرفع الإمام رأسه من الركعة الثانية، ولكن لا يجوز لكل الناس التراخي إلى هذا المقدار. ولا بدّ من افتتاح الصلاة بجماعة تنعقد بهم الجمعة وقد قدمنا حكم اشتراط الجماعة في حضور الخطبة.

(تحريم البيع وقت تعين السعي للجمعة)
وإذا تعين السعي حرم البيع وما في معناه من الاشتغال على كل من تجب عليه الجمعة. فإن وقع البيع حينئذ هل يقضي أو يفسخ؟ في المذهب قولان، وهما على الخلاف في النهي هل يدل على فساد المنهي عنه أم لا؟ وإذا قلنا يفسخ [فإن فات] (1) فهل يمضي بالثمن أو تكون فيه القيمة؟ في المذهب قولان. ومضيه بالثمن إذ لا فساد في ثمنه ولا مثمونه، وإنما يرجع إلى القيمة لأنها عوض من عينه، فالرجوع إلى ما تراضوا به من الثمن أولى من مضيه بالقيمة, لأنه متى أمضيناه بالثمن [كانا متممين العقد] (2) الفاسد. والقيمة جعلتها الشريعة عوضا من ردّ العين. وإذا قلنا: إن فيه القيمة فمتى تكون؟ قولان: أحدهما: وقت القبض، وإن وقع في وقت يحرم فيه البيع ويقدر جواز البيع حينئذ. والثاني: أنه بعد انقضاء الصلاة، إذ لا قيمة شرعية في وقت النداء إلى انقضاء الصلاة.
وثمرة هذا الخلاف لو اختلفت الأسواق فيما بين الوقتين.
وهل تنزل سائر العقود كالنكاح والصلح والخلع وما في معنى ذلك منزلة البيع في التحريم؟ لا شك في نزولها منزلته لأنها مشغلة، والمفهوم من الآية قطعًا تحريم المشغلات، وذكر البيع لأنه السبب الذي نزلت فيه الآية وهو الشغل في الأكثر.
__________
(1) ساقط من (ر).
(2) ساقط من (ر) وفي (ق) متممين على العقد.

(2/627)


ولكن اختلف في فسخ هذه العقود على القول بفسخ البيع على قولين: أحدهما: أنه يفسخ قياساً على البيع، والثاني: لا يفسخ لأنها مشبهة به، والمشبه بالشيء دونه في المرتبة. قال الأشياخ: هكذا يجري الأمر في الصلوات وغيرها من العبادات إذا تعيَّن وقتها واشتغل عنها ببيع أو غيره. وهذا فيه نظر, لأن الشريعة شأنها الالتفات إلى الكليات وحماية الذرائع ومنع المشغلات وهذا يظهر في الجمعة. وأما ما سواها فصوره نادرة. والصور النادرة لا يعلق (1) عليها مثل هذه العقوبات كفسخ البيع وما في معناه. قال الأشياخ أيضًا: ومما ينخرط في مثل البيع الشرب من السقاء بعد النداء إذا كان بثمن، وإن لم يدفع إليه الثمن في الحال. وهذا الذي قالوه ظاهر ما لم تدع إلى الشرب ضرورة.

(النداء للجمعة)
وللجمعة نداء وهو المشروع في زمان الرسول عليه السلام، وهو عند جلوس الإمام على المنبر. ولما كثرت العمارة في أحوال المدينة أمر عثمان رضي الله عنه بالنداء عند الزوال ليأخذ الناس في الأهبة إلى الصلاة والسعي إليها. والأحكام تتعلق بالنداء الثاني لا بالأول. وإذا خرج الإمام فلا خلاف أن [المشروع له] (2) يسلم على الناس عند خروجه من المقصورة. وإذا صعد على المنبر فهل يسوغ له أن يسلم على الناس؟ في المذهب قولان: المشهور: أنه لا يسلم لاشتغاله بما هو أهم مما صرف إليه. والثاني: أنه يسلم لأنه بموضع يبصره من لا يبصره أولاً، ويسلم على الجميع ثم يجلس.
ولا خلاف في الجلوس الأول في خطبة الجمعة، وأما غير ذلك من الخطب كالاستسقاء والعيدين ففيها قولان: أحدهما: الأمر بالجلوس قياساً على الجمعة. والثاني: نفيه؛ لأن الجمعة إنما جلس في أول الخطبة انتظاراً للفراغ من الأذان، وهاهنا لا أذان ينتظره. لكن الجلوس أولى إذ به تسكن
__________
(1) في (ر) يعلق.
(2) ساقط من (ر).

(2/628)


حواس الخطيب (1) ويمكنه المقصود من الوقار (2).

(حكم النافلة وتحية المسجد بعد صعود الخطيب المنبر)
ولا خلاف عندنا أن النافلة تمنع بصعود الخطيب على المنبر، وفي المذهب قولان: هل تمنع بخروجه من موضعه قاصد إلى الصعود، فلا شك أن امتناعها قبل أخذه في الخطبة حماية للذريعة. والظاهر أن (3) الحماية للذريعة لا تتعدى إلى خروجه، وإنما يمكن أن يتعلق على صعود المنبر. فإذا صلى فصل النافلة في الوقت الذي ذكرنا أنه ممنوع فهل يقطع أو يتمادى؟ في المذهب قولان، وهما على مراعاة الخلاف؛ فمن لم يراعه أمر بالقطع، ومن راعاه أمر بالتمادي. وقد كان الشيخ أبو القاسم السيوري [رحمه الله] (4) يقول (5) إن الأولى جواز الركوع لداخل المسجد (6) وإن كان الإمام في الخطبة، لما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم -أنه [أمر] (7) الداخل وهو يخطب بالركوع (8)،وما ذكره أصحابنا من أن الداخل [كان صعلوكاً وهو رجل] (9) فقير رث الهيئة فأراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-أن يبصر (10) حاله فيتصدق عليه [يرده ما وقع في بعض الطرق من قوله عليه السلام: "إذا جاء أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس وإن كان الإمام يخطب", لكن هذا لم [يقطع
__________
(1) هكذا في (ت) وهو غير واضح في (ر).
(2) في (ق) من القرار، وفي (ت) منه من الوقار.
(3) في (ت) من.
(4) ساقط من (ر).
(5) في (ق) و (ر) يرى.
(6) في (ر) في داخل المسجد، وفي (ت) بداخل المسجد.
(7) ساقط من (ر).
(8) أخرج البخاري في الجمعة 930 واللفظ له، ومسلم في الجمعة 875 عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: جَاءَ رَجُل وَالنَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ النَّاسَ يَومَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: "أَصَلَّيتَ يَا فُلاَنُ؟ " قَالَ: لاَ، قَالَ:"قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيِن".
(9) ساقط من (ق).
(10) في (ق) ينظر.

(2/629)


به] (1) في بعض الطرق (2) وبين الأصوليين خلاف في انفراد العدل بالزيادة هل تقبل أم لا؟

(حكم الكلام بعد افتتاح الخطبة)
ولا يمنع الكلام بصعود الإمام على المنبر حتى يفتح الخطبة، فإذا افتتحها حرم الكلام إلا أن يكون مجاوبة للإمام. والأصل في ذلك قوله- صلى الله عليه وسلم -:" إذا قال أحدكم لصاحبه أنصت والإمام يخطب فقد لغا" (3).وهذه مبالغة في منع الكلام, لأن المراد بالإنصات أمر بالمعروف، فإذا عُدَّ لغواً فأحرى أن يعد غيره من الكلام لغواً.
وإذا تقرر ذلك قلنا بعده: لا يخلو أن يتكلم الإنسان في حال الخطبة بالقرآن والذكر أو بغيرهما؛ فإن كان كلامه قرآناً أو ذكرًا وطال فإنه ممنوع لأن فيه اشتغال عن الإنصات للخطبة، وإن لم يطل فإنه جائز، والأولى تركه [خوفاً من أن يستدرجه إلى ما هو أكثر ويشغله ذلك عن الخطبة. وهذا إذا أسر به] (4) ,وإن جهر فقولان: الكراهية, لأن فيه اشتغالاً عن السماع واشتغالاً بغيره. والجواز، ليسارته وهو من جنس المسموع. وإن كان كلامه بغير هذين فإنه ممنوع على كل الأحوال.
وينسحب حكم المنع على حالة جلوس الإمام بين الخطبتين، إذ لو أبحنا (5) الكلام حينئذ لأمكن تماديه إلى قيام حال الإمام إلى الخطبة الثانية. فإذا لغا الإمام بسب (6) أحد وذكر ما لا يجوز ذكره له، فهل يحرم الكلام
__________
(1) في (ق) يقع.
(2) في (ق) في كل الطرق.
(3) لم أقف عليه بهذا اللفظ، وقد أخرجه البخاري في الجمعة 934، ومسلم في الجمعة 851، والنسائي في الجمعة 1401 واللفظ له عَنْ أَبِي هريرَةَ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ يَومَ الْجُمُعَةِ وَالإِمَامُ يَخطُبُ أنصِتْ فَقَد لَغَا".
(4) ساقط من (ر) و (ق).
(5) في (ر) أجزنا.
(6) في (ق) و (ر) و (ت): بسبب.

(2/630)


حماية للذريعة، أو يجوز لأنه أخذ فيما لا يلزم (1) استماعه؟ في المذهب قولان. ويلزم من لا يسمع الخطبة من الصمت ما يلزم سامعها لانسحاب حكم السماع عليه. فإن تكلم أحد فلا يأمره من سمعه بالصمت نطقاً. وفيه ورد الحديث. وله أن يشير إليه بذلك.
ويستحب للإمام في حال خطبته أن يتوكأ على قوس أو عصا وما في معنا ذلك. وبه استمر العمل. وفيه شغل عن العبث باليدين. ويخطب قائمًا وإن جلس عصى (2).
وقد قدمنا ما يجزئ من الخطبة. ولا تقع الخطبة قبل الزوال، فإن فعل كان كمن لم يخطب. وقد قدمنا القولين هل هي فرض أو سنة فيجري إجزاء الصلاة بعد الخطبة قبل الزوال على ما تقدم من ذلك؟ ولا تقدم الصلاة عن الخطبة، فإن فعل كان أيضاً كمن لم يخطب.
ولو أكمل الخطبة ثم وصله كتاب عزله قبل الصلاة فهل يعيد المولى الخطبة؟ أو يجتزي بما تقدم؟ في المذهب قولان. خرجه (3) أصحابنا على الخلاف في النسخ متى يكون؛ هل وقت النزول والحصول، أو وقت البلاغ (4)؟ فإن قلنا: إن النسخ وقت النزول أعاد الخطبة، وإن قلنا: إنه وقت البلوغ لم يعد. وإذا حققنا هذا التعليل وقلنا بطرده لزم إعادة الصلاة وإن أكملها على القول بأن النسخ من وقت النزول. وإنما حقيقة الأمر في هذه المسألة أن يجري على كون الخطبة كالجزء من الصلاة فلا يصح أن يخطب إمامًا ويصلي غيره إلا عند الضرورة التي توجب الاستخلاف، أو يقال إن الخطبة ذكر منفصل عن الصلاة فكيفما حصل أجزى. وإذا قلنا بإعادة الخطبة فلم يعدها حتى صلى؛ فإن لم يراع الخلاف كان بمنزلة من صلى بغير خطبة، ولو راعينا الخلاف صحت الصلاة.
__________
(1) في (ر) يجوز.
(2) في (ت) فماض، وفي (م) فكما مر، وغير واضحة في (ق).
(3) في (ق) ويخرجه، وفي (ت) وخرجه.
(4) في (ر) البلوغ.

(2/631)


وإذا أكمل الإمام الخطبة وأقيمت الصلاة لم يحرم الكلام حينئذ عندنا، لأن منعه من حين الخطبة لاشتغاله عن الاستماع.

(عدد ركعات الجمعة)
ومعلوم أن صلاة الجمعة ركعتان، فإن صليت أربعاً فإن كان عمداً فلا شك في بطلانها، وإن كان سهواً جرى على القولين فيمن زاد على الصلاة الثنائية مثلها. وإن تصور أن يكون جاهلاً جرى على القولين في الجاهل؛ هل حكمه حكم الناسي، أو حكم العامد؟

(ما يقرأ في الجمعة وحكم الإسرار به)
والقراءة فيها جهراً، فإن أسر جرى على ما قدمناه في حكم من أسر في الصلاة الجهرية. واستحب أن يقرأ فيها في الركعة الأولى (سورة الجمعة) بعد (فاتحة الكتاب) لما فيها من أحكام الجمعة، فإن لم يفعل فلا شيء عليه. وأما الركعة الثانية فاستحب مالك رحمه الله مرة: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1)}، ومرة (سورة الأعلى). وحكي أن قوما يقرأون (سورة المنافقين). وقد روي ذلك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (1). وبالجملة لا تحديد (2) في ذلك.
__________
(1) أخرج مسلم في الجمعة 878 واللفظ له، وأبو داود في الجمعة 1123، وابن ماجه في الجمعة كَتَبَ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْس إِلَى النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيِر أَيَّ شَيْءٍ قَرَأَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ الْجُمُعَةِ سِوَى سُورَةِ الجْمُعَةِ فَقَالَ: كَانَ يَقْرَأُ هَل أَتَاكَ.
وأخرج مسلم في الجمعة 878 واللفظ له، والترمذي في الجمعة 533 عَنِ النُّعَمَانِ بْنِ بَشِير قَالَ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم- يَقْرَأُ في الْعِيدَيْنِ وَفِي الْجُمُعَةِ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى وَهَلْ آَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ قَالَ وإِذَا اجْتَمَعَ الْعِيدُ وَالْجُمُعَةُ في يَوْمٍ وَاحِدٍ يَقْرأُ بِهِما أَيْضاً فِي الصَّلاَتَيْنِ.
وأخرج مسلم في الجمعة 877 واللفظ له، والترمذي في الجمعة 519 عَنِ ابْن أَبِي رَافِع قَالَ اسْتَخْلَفَ مَرْوَانُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَلَى الْمَدِينَةِ وَخَرَجَ إِلَى مَكَّةَ فَصَلَّى لَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ الجُمُعَة فَقَرَأَ بَعْدَ سُورَةِ الْجُمُعَةِ في الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ إِذا جَاءَك الْمُنَافِقُونَ قَالَ فَأدْرَكْتُ أبَا هُرَيْرَةَ حِيِنَ انْصَرَفَ فَقُلْتُ لَهُ إِنَّكَ قَرَأتَ بسُورَتَيْنِ كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَقْرَأُ بِهِمَا بِالكُوفَةِ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ إِنِّي سَمِعتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -يَقْرَأُ بِهِما يَومَ الْجُمُعَةِ.
(2) في (ر) لا تحذير.

(2/632)


(وقت الجمعة)
وأول وقت الجمعة عند فقهاء الأمصار إذا زالت الشمس. وما روي أن الصحابة كانوا يقيلون قائلة الضحى بعد صلاة الجمعة (1) لا يقتضي أنها تؤدى قبل الزوال. بل معناه أنهم كانوا يؤخرون القائلة المعتادة في سائر الأيام حتى يأتون بها بعد صلاة الجمعة.
والمستحب أن تصلى بعد الزوال من غير تأخير اقتداء بالرسول عليه السلام. فإذا اشتد الحرّ فهل يبرد بها كسائر الأيام؟ في المذهب قولان.
وسبب الخلاف النظر إلى فعله عليه السلام، ولم يرو أنه كان يبرد. والنظر إلى عموم قوله-صلى الله عليه وسلم -: "إِذا اشتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْردُوا بِالصَّلاَةِ فَإِنَّ شِدَّةَ الحَرِّ من فَيْح جَهَنَّم" (2). واختلف في آخر وقتها التي تفوت لفواتها على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه الوقت المختار للظهر، والثاني: آخر وقت الضرورة للظهر, والثالث: أنه ما لم يبق بعد كمالها أربع ركعات للعصر. ومرَّ بنا على ما قدمناه من الالتفات إلى فعل الرسول عليه السلام. ولا شك أنه لم يأت بها بعد القامة [أو] (3) قياساً على الظهر في سائر الأيام. وهو يرجع أيضًا إلى الخلاف؛ هل هي صلاة مستقلة بنفسها، أو بدل عن الظهر. وأما النظر إلى بقاء أربع ركعات للعصر، فيكاد أن (4) يكون لا وجه له إلا أن يقال هي صلاة تفتقر إلى خطبة وجماعة (5)، وفي ذلك بعض التطويل. وإذا أخرت عن هذا المقدار لم يكن أداؤها على هيأتها المشروعة.
والمستحب إيجاز الخطبة واختصارها وإكمال الصلاة، وفي الحديث
__________
(1) أخرج مالك في وقوت الصلاة 13 عَنْ مَالِك عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكِ عَنْ أَبِيهِ أنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أَرَى طِنْفِسَةً لِعَقِيلِ بْن أبِي طَالِب يَومَ الْجُمُعَةِ تُطِرَحُ إِلَى جِدَارِ الْمَسْجِدِ الْغَرْبِيِّ فَإِذَا غَشِيَ الطِّنفِسَةَ كُلَّهَا ظِلَّ الْجِدَارِ خرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَصَلَّى الْجُمُعَةَ قَالَ مَالِكٌ ثُمَّ نَرْجِعُ بَعْدَ صَلاَةِ الْجُمُعَةِ فَنَقِيلُ قَائِلَةَ الضحَاءِ.
(2) البخاري في مواقيت الصلاة 537، ومسلم في المساجد 615.
(3) ساقط من (ر).
(4) في (ر) أن لا.
(5) في (ر) خطبته وجماعة، وفي (ت) الخطبة والجماعة.

(2/633)


أن ذلك [من فقه الإمام] (1).

(الأعذار المبيحة للتخلف عن الجمعة)
وقد قدمنا حكم شروط الوجوب والأداء ولا شك أنها متى تعذرت (2) أو أحدها: سقطت الجمعة. وقد تسقط لغير ذلك من الأعذار. ويجمعها الخوف (3) على النفس أو على المال أو الاشتغال بما يتوجه (4) الاشتغال به. ومثال الخوف على النفس أن يخاف في سعيه أو حضوره من غاصب ولصوص وما في معناهم. ومتى تحقق الخوف على نفسه بذلك سقطت الجمعة عنه بإجماع. وكذلك إن خاف منهم على ماله أو مال غيره. وإما الاشتغال بما يتوجه عليه كاشتغاله بالقيام على مريض يقرب منه ويحاذر أن يموت في غيبته.
وقد اختلف في مسائل هل [تنتهض] (5) عذرا أم لا؟ منها مسألة العروس، تأتي الجمعةُ وهو في أسبوعه؛ فالمشهور من المذهب أنه يخرج إليها، والشاذ إسقاطها عنه. وأراد أبو الحسمن اللخمي أن يجعل القول بالسقوط على القول بأن الجمعة فرض على الكفاية لا على الأعيان (6). وهذا لا يقوله أحد من أهل المذهب، وإنما يقوله أهل الظاهر وبعض
__________
(1) في (ر) من فقهاء الأمصار.
وقد أخرج مسلم في الجمعه 869 قَالَ أبُو وَائِل: خَطَبَنَا عَمَّارٌ فَأَوْجَزَ وَأَبْلَغَ فَلَمَّا نَزَلَ قُلْنَا: يَا أبَا اليَقظْانِ، لَقَدْ أَبْلَغْتَ وَأَوْجَزْتَ فَلوْ كُنْتَ تنفَّسْتَ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ-صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ:"إِنَّ طُولَ صَلاةَ الرّجُلِ وَقِصَرَ خُطبَتِهِ مَئنَّة مِنْ فِقْهِهِ فَأطِيلُوا الصَّلاةَ وَاقْصُرُوا الْخُطبَةَ وَإنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْراً". والمئنة العلامة والدليل، قال أبو عبيد: يعني أن هذا مما يُعرف به فقه الرجل ويستدل به عليه، وكذلك كل شيء دلّك على شيء فهو مئنة له. انظر الغريب لابن سلام 4/ 61.
(2) في (ق) فقدت.
(3) في (ق) مثل الخوف.
(4) في (ت) يتوجه عليه.
(5) بياض في (ر).
(6) التبصره ص:125.

(2/634)


أصحاب الشافعي، وجمهور الأمة على خلافه. والخلاف في التخلف على مقابلة لزوم حق المرأة ولزوم فرض الجمعة.
ومنها: إذا اشتدّ المطر وكثر الوحل هل تسقط الجمعة لذلك أم لا؟ قولان. وهما على خلاف في حال؛ فإن أكثر ذلك وبعدت الطريق حتى يكون السعي إليها حرجاً سقطت، وإن كان الأمر بالعكس لم تسقط.
ومنها: اتفاق العيد والجمعة. واختلف هل للإمام أن يأذن لمن شهد العيد ممن بعدت داره عن محل الجمعة وإن كانت تلزمه فيكتفي بشهود العيد. والمشهور أنه لا يأذن في ذلك ولا ينتفع بإذنه [إن فعل. والشاذ] (1) صحة إذنه. وقد أذن عثمان بن عفان رضي الله عنه لأهل العوالى في التخلف (2). وهو أيضًا خلاف في حال هل يؤدي رجوعهم إلى أمكنتهم ثم عودتهم إلى الجمعة إلى مشقة أم لا؟
ومنها: أن يقيم الحاج بمكة مدة يحصل بها حكم إتمام الصلاة فتأتي الجمعة يوم التروية؛ ففيه قولان: المشهور وجوب شهود الجمعة، والشاذ أنه يخرج فيصلي ظهراً. وهو خلاف في مقابلة الجمعة بما أمروا به من المناسك. فإن لم يقم (3) ما يوجب إتمام الصلاة، فلا خلاف أنه لا يلزمه شهود الجمعة.
ووقع لسحنون فيمن خاف إن شهد الجمعة أن يحبس في دين عليه إنه لا يسقط عنه شهود الجمعة، وسواء كان مليئاً بالدين أو فقيراً (4). واعترض أبو الحسن اللخمي قوله في الفقير (5). ولعلَّ سحنون [إنما] (6) تكلم على
__________
(1) ساقط من (ر).
(2) أخرجه البخاري في الأضاحي 5573 وفيه: قَاَلَ أَبُو عُبَيْدٍ ثُمَّ شَهِدْتُ الْعِيدّ مَعَ عُثمَانَ بْنِ عَفَّانَ فكَانَ ذَلِكَ يّوْمَ الْجُمُعَةِ فَصَلَّى قّبْلَ الْخُطبَةِ ثُمَّ خَطَبَ فَقَالّ: يّا أيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ هَذا يَوْمٌ قَدِ اجْتَمَعَ لَكمْ فِيِهِ عِيدّانِ فَمَنْ أحَبَّ أَنْ يَنْتَظِرَ الْجُمُعَةَ مِنْ أَهْلِ الْعَوّالِي فَلْيَنْتَظِرْ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرْجِعَ فقَدْ أذِنْتُ لَهُ.
(3) في (ق) لم يحصل.
(4) في (ق) و (ت) أو معسرًا.
(5) التبصرة ص: 125.
(6) ساقط من (ر).

(2/635)


صورة ولم يظهر (1) فقره فيها، وإذا ظهر ترك. أو على صورة يتوجه عليه الحبس لأنه مظهر للفقر. وأما لو تحقق فقره وعلم أنه لو ظهر تحققه لم يترك فلا شك في سقوط الجمعة عنه, لأن هذا من الضرر البيَّن.
وألحقوا بالأعذار أن يفقد الأعمى قائداً ولا شك أنه إن لم يمكنه السعي إلا بمن يقوده أو كان عليه في الانفراد مشقة كبيرة فتسقط عنه الجمعة.

(حكم من فاتتهم الجمعة)
وأما إذا فاتت صلاة الجمعة فهل لمن فاتتهم أن يجمعوا ظهراً؟ إن شئت قلت المذهب على ثلاثة أقوال: أحدها: أنهم يجمعون مطلقًا لإدراك فضل الجماعة. والثاني: أنهم لا يجمعون حماية للذريعة لئلا يتخلف أهل البدع فيظهرون أعذارًا ثم يجمعون لأنفسهم. والثالث: أنهم يجمعون إن ظهر العذر، ولا يجمعون إن لم يظهر العذر. لأنهم متى ظهر لم يكن في ذلك تطرقاً لأهل البدع.
وإن شئت قلت إن لم يظهر العذر فقولان: [المشهور أنهم لا يجمعون، والشاذ أنهم (2) يجمعون. وإن ظهر العذر فقولان] (3): المشهور هاهنا عكس المشهور الأول.

(حكم من صلى الجمعة ظهرًا قبل إقامتها)
وإذا صلَّى الظهر من تجب عليهم الجمعة قبل إقامتها فقولان: المشهور من المذهب بطلان صلاته ووجوب الإعادة، والشاذ الاكتفاء بها. ويمكن إجراء هذا على الخلاف في النهي؛ هل يدل على (4) فساد المنهي
__________
(1) في (ق) إنما في صورة يظهر.
(2) في (ت) إن ظهر العذر فقولان المشهور أنهم يجمعون والشاذ أنهم لا يجمعون.
(3) ساقط من (ر).
(4) في (ق) هذا على.

(2/636)


عنه، أو على الخلاف في صلاة الجمعة هل هي عوض عن الظهر. فإذا رجع إلى الأصل أجزأه؟ أو هي صلاة قائمة بنفسها فإذا أدَّى الظهر قبل فوات الجمعة كان مصليًا لغير ما وجب عليه؟ وقد نجز (1) غرضنا من أحكام الجمعة بقدر هذا المجموع، ولعل ما قدمنا يأتي على مسائلها تصريحًا وتلويحًا. وبالله التوفيق.
...