التنبيه
على مبادئ التوجيه - قسم العبادات باب في صلاة العيدين
وما يتعلق بهما
(حكمها)
وهي سنة عندنا لا فرض كفاية. وقد قيل: إنها المراد بقوله: {فَصَلِّ
لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2)} (2)، وقوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى
(14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15)} (3). ولا يبعد أن يقال إنها
فرض على الكفاية، لأنها إظهار لشعائر الإسلام وإقامة أبهته. وإذا قيل إن
الأذان فرض لإظهار شعائر الإسلام، فكذلك تكون هذه, لأن المذهب كما قدمناه.
وإذا ثبت ذلك فمن يؤمر بها؟ أما من تلزمه الجمعة فلا خلاف أنهم مأمورون
بها. وأما من لا تلزمهم؛ ففي المذهب قولان: أحدهما: أنهم مأمورون بها لأنها
نافلة اليوم، والثاني: أنهم غير مأمورين بها لأن معناها لا يحصل إلا بالجمع
كالجمعة. وإذا قلنا بأنهم غير مأمورين بها فهل يستحب لهم فعلها أم يكره؟ في
المذهب قولان: أحدهما: استحبابه, لأن أقل أمورها أن تكون كالنافلة. وإنما
فيها زيادة تكبير. والثاني: أنه مكروه, لأنها صلاة معتبرة تحصل فائدتها مع
الجماعة لا للفذ، فيكره فعلها كما تمنع صلاة الجمعة إلا مع الجماعة.
والكراهية في هذه لأنها سنة، والمنع في ذلك لأنها فرض.
(مكان إقامتها)
وإذا توجه الأمر بها فهل تقام في المسجد أو في خارج البلد؟ أما
__________
(1) ساقط من (ر).
(2) الكوثر: 2.
(3) الأعلى: 14 و15.
(2/656)
سائر أهل الآفاق فسنتهم أن يقيموها (1)
خارج البلد إلا من ضرورة, لأنها أبهة [الإسلام ومحاسن الشريعة] (2). وأما
أهل مكة فيقيمونها في المسجد لئلا يخرجوا عن الحرم. والحرم أفضل من خارجه.
وسنتها أن تقام في موضع واحد من المصر، ولا تقام في موضعين ولا أكثر, لأن
المطلوب بها المباهاة وإظهار شرف الإسلام وقوة شوكته كالجمعة. وإذا خرج
الناس إليها فالمستحب لمن يدرك الصلاة بخروجه بعد طلوع الشمس ألا يخرج
قبلها. والمستحب للإمام أن يخرج لها بقدر ما إذا بلغ موضعها حلَّت الصلاة.
وإذا صليت خارج البلد فلا يتنفل قبلها ولا بعدها. وإن صليت في المسجد
فثلاثة أقوال: أحدها: منع التنفل، قياساً على المصلى. والثاني: جوازه, لأنه
محل النافلة. والثالث: جوازه بعد لا قبل، محاذرة من تطويل النافلة حتى يفوت
وقت الصلاة المستحب.
(بعض أحكام سنة صلاة العيدين)
ومن خرج بعد طلوع الشمس أكثر في طريقه تكبيراً يسمع نفسه ومن يليه، ليقتدى
به، فإن خرج قبل الطلوع فهل يكبر؟ ثلاثة أقوال: أحدها: أنه يكبر إن خرج قبل
صلاة الفجر, لأن المشروع التكبير في الطريق إليها. والثاني: أنه يكبر إذا
أسفر بعد لا قبله، اقتداء بأهل المشعر الحرام. والثالث: أنه لا يكبر إلا
بعد طلوع الشمس, لأنه الوارد عن السلف.
ويخرج الإمام من طريق ويرجع في ثان، وهكذا يستحب لغيره من الناس. وقد كان
الرسول-صلى الله عليه وسلم- يفعله (3)، وقيل في تأويل ذلك معان كثيرة:
__________
(1) غير واضح في (ر).
(2) بياض في (ر)، وساقط من (ق).
(3) أخرجه الترمذي في الجمعة 541، وأبو داود في الصلاة 1156 واللفظ له،
وابن ماجه في إقامة الصلاة 1299 عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ الله صلى
الله عليه وسلم -أَخَذَ يَوْمَ الْعِيدِ في طَرِيقٍ ثُمَّ رَجَعَ في
طَرِيقٍ آخَرَ.
(2/657)
منها أنه يقصد التهيب للكفار، ومنها أنه
يقصد مساواة الطريقين فلا فضل سيره فيهما، ومنها أنه يقصد التصدق على أهل
الموضعين، ومنها أنه كان -صلى الله عليه وسلم - يسأل في طريقه عن الشرائع
فأراد حصول العلم إلى أهل الطريقين، إلى غير ذلك من التأويلات التي في معنى
هذا. ويحتمل أن يقصد أحدها أو جميعها.
والمستحب في هذه والاستسقاء والجمعة أن يمضي ماشياً، لأنه قاصد إلى الله
تعالى. فإذا عاد، فله أن يركب. وإذا وصل وحلَّت الصلاه بدأ بها قبل الخطبة،
وهي السنة. وإنما بدأ بالخطبة بنو أمية لمعان قصدوها لسنا لذكرها. وقد
أنكرها أبو سعيد الخدري (1) على مروان (2) والقصة مشهورة (3).
والمستحب أن يأتي الصلاة (4) إذا طلعت الشمس وابيضت، ولا ينبغي
__________
(1) هو: الصحابي الجليل أبو سعيد الخدري الإمام المجاهد مفتي المدينة سعد
بن مالك بن سنان .. استشهد أبوه مالك يوم أحد، وشهد أبو سعيد الخندق وبيعة
الرضوان، حدث عنه ابن عمر وجابر وأنس وجماعة من أقرانه .. وخلق كثير وعن
عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه قال عرضت يوم أحد على النبي-صلى الله عليه
وسلم- وأنا ابن ثلاث عشرة فجعل أبي يأخذ بيدي ويقول: يا رسول الله إنه عبل
العظام وجعل نبي الله يصعد في النظر ويصوبه ثم قال: رده فردني .. توفي بعد
سنة سبعين" سير أعلام النبلاء 3/ 168 - 173.
(2) هو: مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية أتخذه سيدنا عثمان كاتباً له،
واتخذه معاوية والياً على المدينة، وعزله عبد الله بن الزبير ولما اعتزل
معاوية بن يزيد الحكم دعا لنفسه، وأسس الدولة المروانية توفي سنة 56 هـ
الأعلام 7/ 207.
(3) أخرج البخاري في الجمعة 956 عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخْدرِيِّ قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللهِ يَخْرُجُ يَومَ الْفِطْرِ وَالأَضْحَى إلَى المُصَلَّى
فَأَوَّلُ شَىْءٍ يَبدَأ بِهِ الصلاَة ثم يَصَرِفُ فَيَقُومُ مُقَابِلَ
النَّاسِ وَالنَّاسُ جُلوسٌ عَلَى صُفوفِهمْ فَيَعِظُهُمْ وُيوصِيهم
وَيَأمُرُهُمْ فَإنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَقْطَعَ بَعْثاً قَطَعَهُ أَوْ
يَأمُرَ بِشَىْء أَمَرَ بهِ ثُمَّ يَنصَرِفُ، قالَ أَبو سعيد فَلَمْ يَزَلِ
النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى خَرَجْتُ مَعَ مَروَانَ وَهُوَ أمِيرُ
المَدِينَةِ في أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ فَلمَّا أَتَيْنَا المُصَلَّى أذَا
مِنْبَرْ بَنَاهُ كَثِيرُ بن الصَّلتِ فَإذا مروَانُ يُرِيدُ أَنْ
يَرْتقِيَهُ قَبْلَ أن يُصَليَ فَجَبذْتُ بثَوبِهِ فَجَبَذَنِي فَارتَفَعَ
فَخَطَبَ قبِلَ الصَّلاةِ فَقلت لَهُ غيرتُم وَاللهِ فَقالَ أبا سَعِيدٍ:
قَدْ ذَهَبَ مَا تَعَلْمُ فَقلت: مَا أَعلَمُ وَاللهِ خَيْرٌ مِمَّا لاَ
أَعلم، فَقَالَ: إِن الناسَ لَمْ يَكُونُوا يَجلِسُون لَنا بَعْدَ
الصَّلاَةِ فَجَعَلْتُهَا قَبْلَ الصَّلاة.
(4) في (ق) يؤتي بالصلاة.
(2/658)
تأخيرها عن ذلك. ويقطع الناس التكبير بخروج
الإمام. واختلف المتأخرون هل بخروجه في محل العبد ماضياً إلى الصلاة، أو
بعد حلوله في محل صلاته؟ وقد قدمنا الخلاف في قطع النافلة يوم الجمعة، وهذا
نحوه.
وإذا استوى الإمام في محله الذي يصلي فيه افتتح الصلاة كما يفتتح سائر
الصلوات, فيكبر (1) في الأولى سبعاً بتكبيرة الإحرام، والثانية ستاً
بتكبيرة القيام، ويوالي بين التكبير بحسب ما يكبر المقتدون به، ثم يقرأ في
الأولى بـ (سبح) ونحوها، وفي الثانية بـ (الشمس وضحاها)، بعد قراءة أم
الكتاب (2) فيهما. وقد روي عن الرسول عليه السلام أنه كان يقرأ بذلك (3)
وروي عنه أنه كان يقرأ في الأولى بعد أم القرآن بـ (ق)، وفي الثانية بـ
(اقتربت الساعة) (4). ولا بأس [بذلك إن لم يخش] (5) التطويل.
فإن لم يكبر حتى قرأ، فإن ذكر [قبل أن يركع] (6) أعاد التكبير. وهل يعيد
القراءة؟ في المذهب قولان. وقد تقدما، وإذا أعاد التكبير، فهل يسجد أم لا؟
قولان. فإن لم يذكر حتى ركع ولم يرفع رأسه، جرى على الخلاف في عقد الركعة
ما هو؟ وإن رفع رأسه تمادى، وجرى سجوده على الخلاف في ترك الأقوال قبل
السلام، ويكبر المقتدون به.
فإن أتى المسبوق (7) بعد أن أكمل التكبير، فهل التكبير في حال قراءة
__________
(1) في (ق) ثم يكبر.
(2) في (ق) بعد فراغ أم القرآن.
(3) لم أقف على أي حديث إلا ما أخرجه مسلم في الجمعة 878 وغيره أنه كان
يقرأ بـ (سبح) و (هل أتاك) فعَنِ النُّعَمَانِ بْنِ بَشِير قَاَلَ كَاَنَ
رَسْولُ اللهِ- صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي الْعِيديْنِ وَفِي
الجمُعة بسِّبحِ اسْمَ رَبِّكّ الأعْلَى وهَلْ أَتَاكَ حَديِثُ الغَاشِيةِ.
(4) أخرج مسلم في صلاة العيدين 891 واللفظ له، والترمذي في الجمعة 534 عَنْ
عُبَيْدِ اللهِ بن عَبْدِ اللهِ أُن عمَر بنَ الخطاب سَألُ أبا واقِدِ
اللَّيْثيِّ مَا كَاَنَ يَقْرأُ بِه رَسَولُ الله - صلى الله عليه وسلم -
فِي الأضْحَى وَالفِطر فَقَال كان يقرأُ فِيهما بِـ {ق وَالْقُرْآنِ
الْمَجِيدِ (1)} و {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1)}.
(5) ساقط من (ر).
(6) ساقط من (ر) و (ق).
(7) في (ت) آت.
(2/659)
الإمام؟ قولان: أحدهما: أنه يكبر في حال
قراءة الإمام، إذ لا (1) مخالفة للإمام في ذلك، وإن لم يفعل فاته التكبير.
والثاني: أنه لا يكبر بل يشتغل بالسماع، قياسًا على ما يفوته من أفعال
الإمام وأقواله، فإنه لا يشتغل بتلافيها. وإن أدركه في التشهد كبر وجلس
(2). فإذا قام بعد سلام الإمام، فهل يكبر ستًا لأنه كبّر للإحرام، أو سبعًا
لأنّ المشروع في [غير] (3) صلاة العيد أن يقوم بتكبير؟ في المذهب قولان.
فإذا أكمل الصلاة صعد الإمام على المنبر إن كان هناك منبر. والأولى في
الاستسقاء أن يخطب على الأرض لقصد الذلة والخضوع. ولا بأس في العيدين
باتخاذ المنابر كما فعله عثمان رضي الله عنه (4) , لأن المقصود فيها إقامة
أبهة الإسلام. ويفتتح الخطبة بالتكبير. وهل هو محصور؟ لا خلاف أنه لا يلزم
حصره، لكن في المستحب منه قولان: قيل لا عدد له، وقيل بل عدده سبع. ثم يكبر
في أثناء خطبته. وهل يكبر الناس بتكبيره أم لا؟ قولان: أحدهما: أنهم يكبرون
كما يفعلون في دبر الصلوات في أيام التشريق. والثاني: أنهم لا يكبرون، بل
يشتغلون بالسماع كخطبة الجمعة. وتكون الخطبة بعد حمد الله والصلاة على نبيه
مشتملة على تعليم أحكام العيد، وما يشرع فيه من واجب ومستحب.
وإن خطب قبل الصلاة استحب له الإعادة. فإن لم يعد أجزأ وبئس ما صنع في تركه
السنة.
وإن زالت الشمس ولم يصل العيد فلا تقضى غدًا, لأن القضاء يفتقر إلى أمر ثان
على الصحيح عند الأصوليين، ولم يرد. وأيضاً قياسًا على صلاة الجمعة إذا ذهب
وقتها.
...
__________
(1) في (ت) و (ق) يكبر إذ لا كبير مخالفة، وفي (ر): يكبر إذ لا مخالفة.
(2) في (ق) التشهد جلس.
(3) ساقط من (ر).
(4) انظر فتح الباري 2/ 449.
(2/660)
فصل (مشروعية
التكبير في أيام التشريق)
والتكبير مشروع في أيام التشريق، وهي أيام النحر. أما لأهل منى ففي سائر
الأوقات. وأما لغيرهم فمشروع دبر الصلوات. وفي جوازه في سائر الأوقات
قولان: المشهور: أنه غير مشروع، لاستمرار العمل في ذلك. والثاني: أنه
مشروع، اقتداء بأهل منى. ولا خلاف عندنا أن أوله صلاة الظهر [يوم النحر]
(1). واختلف في آخره؛ فقيل: صلاة الصبح من اليوم الرابع من يوم النحر.
وقيل: صلاة الظهر. وهذا راجع إلى النقل، وقد استمر العمل في المدينة
[بالأول] (2). وإذا نسي صلاة من أيام التشريق فذكرها، فهل يكبر بعدها أم
لا؟ قولان: أحدهما: أنه يكبر على حسب ما كان (3) يؤديها. والثاني: أنه لا
يكبر، إذ أوان التكبير فات.
وصفة التكبير إن شاء أن يقول الله أكبر، ثلاثًا. وإن شاء أضاف إلى ذلك
التهليل والتحميد، فكل ذلك لا يمنع (4)، ولم ترد سنة بتحديده. ولنحل الصلاة
بعرفة على كتاب الحج.
__________
(1) ساقط من (ر).
(2) ساقط من (ر).
(3) في (ر) ما يكون.
(4) في (ر) واسع فيه.
(2/661)
|