التنبيه
على مبادئ التوجيه - قسم العبادات باب في أحكام الغسل
(حكم غسل الميت)
والخلاف في وجوبه أو كونه سنة كالخلاف في الصلاة. وقد أمر رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- (2). وبين الأصوليين خلاف في أمره كما تقدم. والنظر فيه
__________
(1) في (ر) نظر.
(2) ومنه حديث أُم عَطِيَّةَ الأَنْصَارِيةِ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَت:
دَخَلَ عَلَينا رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -حِينَ تُوُفِّيَتْ
ابْنتُهُ فَقَالَ:"اغسِلنها ثَلَاثاً أو خَمساً أَو أكَثَرَ من ذلِكَ إن
رَأَيتُن ذَلِكَ بمَاء وَسِدْرِ وَاجْعَلْنَ في الآخِرَةِ كَافُوراً أَو
شَيئاً من كَافُور فَإِذَا فَرَغتنَّ فآذِنَّني" فَلَمَّا فَرَغنا آذناهُ
فَأَعْطَانا حِقْوَهُ فَقَالَ: "أَشعِرْنَها إِيَّاهُ -تَعْني إِزَارَةُ-".
أخرجه البخاري في الجنائز 1253 واللفظ له، ومسلم في الجنائز 939.
(2/676)
أيضًا ينحصر في ثلاثة فصول: أحدها: من
يغسل، والثاني: صفة الغسل، والثالث: من يستحقه.
فأما من يغسَّل؛ فإن كان ممن يصلى عليه يستحق الغسل على الجملة، ومن لا
يصلى عليه فإنه لا يغسل، سواء كان المانع للصلاة نقص أو كمال.
(موانع تغسيل الميت)
وقد تعرض معان تمنع من الغسل فينتقل إلى بدله إن أمكن. ومن المعاني أن يكون
الجسد مقطوعًا. وقد قدمنا الخلاف، هل يمنع ذلك من الصلاة كما يمنع من
الغسل، أو (1) يكون ذا علة تمنع من الغسل. ومنها أن يكون الميت ذكرًا وهو
مع نساء من ذوات محارمه [أو غيرهن؛ فإن كن من ذوات محارمه] (2) فهل يغسلنه
أو يقتصرن على التيمم؟ قولان. [وهما] (3) على الالتفات إلى تقابل مكروهين؛
إما ترك الغسل، وإما الاطلاع على ما لا يحل النظر إليه. فإن قلنا بالغسل
غسلنه من فوق الثوب، وقيل من تحته، وتستر عورته [وإن كن (4) غير ذوي محارمه
يممنه، مخافة أن يطلعن علي ما لا يحل النظر لهن إليه. هذا إن كان بالغاً.
وأما الصغير الذي لا حظ للنساء في مثله فيغسلنه. وما حده؟ قيل: إذا كان ممن
لا يمكنه الوطء. وقيل: إذا كان ممن لا يؤمر بستر عورته] (5). وكأن هذين
يرجعان إلى معنى واحد، وهو النظر إلى عدم الشهوة من النساء في رؤية جسده.
ومنها أن تكون المرأة مع رجال ليس معهم نساء من ذي محارمها ولا
__________
(1) في (ت) أو لا يمنع من الصلاة ومنها أن.
(2) ساقط من (ق).
(3) ساقط من (ر).
(4) في (ق) و (ر) كان.
(5) ساقط من (ت).
(2/677)
من غيرهن؛ فإن كانت مع ذوي محارمها [من
الرجال] (1) فهل يغسلونها أو ييممونها؟ ثلاثة أقوال: أحدها: وجوب الغسل،
والثاني: الانتقال إلى التيمم، والثالث: التفرقة بين أن تكون الحرمة من
النسب فيغسلونها، أو من الصهر فلا يغسلونها. والقولان على ما قدمنا أولاً.
وأما التفرقة فلأن النفس مجبولة على احترام ذوي الأنساب، والصهر مشبه بهم.
وإنما شبهته الشريعة لضرورة الاختلاط، فهو في هذا كالأجنبي.
وأما إن كانوا غير ذي محارمها ييممونها إلى الكوعين (2) في اليدين، لأن ما
عدا ذلك عورة.
وأما النساء فيممن الرجل [الأجنبي] (3) إلى المرافق، إذ ليس بعورة ولا موضع
يشتهى منه.
فإن كانت صغيرة جدًا فهل تكون كالكبيرة؟ في المذهب قولان: أحدهما: إنها
كالطفل الصغير في حق النساء يغسلها الرجال، والثاني: أنها تيمم كالكبيرة.
وهذا خلاف في شهادة؛ هل تتحرك دعاوى الشهوة [إلى من كان في هذا الحد؟] (4).
ولا يختلف فيمن كانت (5) في المهد مثلاً، إذ دواعي الشهوة لا تتحرك إليها.
وكذلك لو كانت فوق هذا المقدار باليسير. ولا يختلف فيمن كانت تطيق الوطء
أنها كالكبيرة.
...
فصل (صفة الغسل)
وأما صفة الغسل؛ فإنها صب الماء والتدلك على حكم غسل الجنابة.
__________
(1) ساقط من (ق) و (ر).
(2) في (ت) الكعبين.
(3) ساقط من (ر).
(4) في (ر) إلى مثل هذا.
(5) في جميع النسخ: كان.
(2/678)
وهل يجرد [للغسل أو تستر العورة؟ وأما
النساء مع النساء والرجال مع الرجال ففي الاقتصار على ستر العورة، أو
التجريد قولان. وأما العكس] (1) إذا قلنا بالغسل كما تقدم، فلا يجرد. ويغسل
الرجل في الثوب، وكذلك المرأة. ويجافي الثوب عن أجسادهما، ويصب الماء لئلا
يلتصق بأجسادهما. وهذا فيما (2) قدمناه.
ولو كانت الزوجة تولت غسل زوجها، أو بالعكس لكشفت عن جسده. وهل تستر عورته؟
في المذهب قولان: أحدهما: الأمر بالستر, لأن النظر إنما كان مباحًا أولاً،
تبعًا (3) للوطء. والثاني: لا تؤمر به لأنه أبلغ في الإنقاء. ولو حرم النظر
لما جاز لواحد منهما غسل الآخر.
وأما غسل الرجال لأمثالهم والنساء لأمثالهن، فذهب مالك رحمه الله تعالى إلى
أن التجريد من الثياب مشروع في حق الرجال. وقد روي مثله عن الرسول عليه
السلام؛ وما ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - غسل في ثوبه فذلك من خصائصه.
ولأنه أبلغ في الإنقاء، وبه تحصل حقيقة الغسل. وتستر عورة المغسول. وقد
قدمنا الخلاف في العورة ما هي؟ ويجرد ما عدا ذلك. وهل تجعل خرقة على صدره؟
وقع في قول استحبابها، وهذا لئلا يطلع منه على ما يسوءه النظر إليه لو كان
حيا. واستحسنه بعض المتأخرين فيمن طال مرضه وانتهكته العلة. ويفضي الغاسل
بيده إلى عورته إن افتقر إلى ذلك، وإلا فيُمِرُّ على الموضع خرقة. وقال ابن
حبيب: لا يباشر عورته وإن احتاج إلى ذلك (4). وهذا لتقابل مكروهين. ولا
ينبغي أن يكثر حاضروا الغسل [لحرمة المغسول] (5).
وهل يستحب أن يتوضأ قبل الغسل؟ في المذهب قولان: المشهور
__________
(1) في (ت) للغسل وتستر العورة وأما النساء مع الرجال ففي الاقتصار على ستر
العورة والتجريد قولان وأما بالعكس.
(2) في (ر) في من.
(3) في (ق) أولا لابتغاء الوطء.
(4) النوادر والزيادات: 1/ 543.
(5) ساقط من (ر).
(2/679)
استحبابه، قياساً على غسل الجنابة. والشاذ
نفي استحبابه؛ لأن المقصود منه النظافة لسائر الجسد. وإذا قلنا باستحبابه
فهل يكرر بتكرار الغسلات؟ (1) قولان: أحدهما: أنه يكرر لأن الوضوء مستحب في
ابتداء الغسل، والتكرار مستحب، فيكرر الوضوء بتكرار الغسل. والثاني: أنه لا
يستحب, لأن المطلوب افتتاح الغسل به، وذلك يحصل بكونه في الأول. قال بعض
المتأخرين: وإذا قلنا إنه لا يكرر بتكرار الغسل (2) فيستحب تكراره في الأول
ثلاثا، وإذا قلنا بتكراره فإنه لا يكرر أولا، بل يتوضأ مرة واحدة في ابتداء
كل غسلة.
ولا تقلم أظفار الميت، ولا يزال شيء من شعره، إذ فيه تغيير لخلقته، ولا
حاجة إليه بعد الموت، [إلا أن يفعل هذا] (3) قبل موته لحاجته إليه، ليس
للموت على هذا.
واختلف المذهب في الغسل هل المقصود منه النظافة المحضة أو العبادة كغسل
الجنابة؟ وعلى هذا اختلف هل يغسل أولاً [بالماء القَراح (4) ثم فيما بعد
يزاد إلى الماء السدر والكافور، أم يجعل ذلك من الأول؟ وهل يغسل، (5) بماء
الورد أو الريحان، أم لا؟
واختلف في كراهية غسله بماء زمزم. وسبب الخلاف ما قدمناه من الحكم بنجاسته؛
فإن حكمنا بها كرهنا غسله لكراهية استعمال الماء في النجاسة. وأهل مكة
يحكون أن من استنجى به حدث به البأس. وإن حكمنا بطهارته أجزنا غسله به.
وعلى هذا القولان في نجاسة الثوب الذي يجف (6) فيه
__________
(1) في (ر) فهل تكرر تلك المواضع مع المغسولات.
(2) في (ت) وإذا قلنا إنه لا يجب تكرار مع الغسل.
(3) في (ر) ولا بأس بفعله.
(4) الماء القَرَاحُ- بالفتح- الذي لا يشوبه شيء. انظر مختار الصحاح ص:
220.
(5) ساقط من (ر).
(6) كذا في (ر) وفي (ق) يشف، وخرم في (ت)، وبتر في (م).
(2/680)
ولا خلاف أن الغسلة الواحدة تجزي، لكن
يستحب التَّكَرار لقوله- صلى الله عليه وسلم - في ابنته "اغْسِلْنَهِا
ثَلاَثاً أَو خَمْساً أَوْ أَكثرَ مِنْ ذَلِكَ إِن رَأَيتُنَّ" الحديث (1)،
وكره مجاوزة السبع (2) والاقتصار على الواحدة. والأوتار مستحب (3). قال ابن
حبيب: يغسل أولاً بالماء القَراح، ثم يخلط في الثاني السدر إن وجد، فإن لم
يوجد فالغاسول، وفي الثلاثة الكافور. وهذا على رواية في الابتداء بالماء
القراح (4). وإن كرر غسل الميت فلم يحصل الإنقاء بالتكرار لأوساخه أو ما
يخرج منه، أعيد التكرار حتى يحصل الإنقاء.
...
فصل (من الأحق بتغسيل الميت)
والمقدم في غسل الميت الزوج والزوجة (5). وهل يقضى لهما بذلك؟ ثلاثة أقوال:
القضاء مطلقاً, لأنه حق لازم فيقضى به [له] (6). ونفي القضاء، ولعل هذا
لعدم فائدته الدنيوية. والقضاء به للزوج دون الزوجة، ولعل هذا لما روي من
بقاء الزوجية بينهما. قال هذا سحنون، وعلل بأن الزوج يحفظ زوجته حية وميتة،
بخلاف الزوجة في حق الزوج. وهذا إذا كانا حرين، فإن كانا عبدين أو أحدهما
فإن لم يأذن السيد له بالغسل لم يقض به, لأن منافع المملوك لا يتصرف فيها
إلا بإذن السيد. فإن أذن، فعلى القول بنفي القضاء في حق الحرين لا شك في
نفيه هاهنا، وعلى القول بثبوته هناك [فيكون هاهنا] (7) قولان: أحدهما:
إثباته قياساً على
__________
(1) أخرجه البخاري في الجنائز 1257، ومسلم في الجنائز 939.
(2) في (ر) الشفع.
(3) في (ق) والاثنان عندنا مستحب.
(4) النوادر والزيادات1/ 544.
(5) في (ر) ويقدم الزوج والزوجة.
(6) ساقط من (ق) و (ت).
(7) ساقط من (ق).
(2/681)
الحرمين، والثاني: نفيه لعدم ثبوته في
الأصل. وهذا إذا كان النكاح صحيحاً ولم تقع فرقة، وإن كان فاسداً وهو مما
يجب فسخه من غير تخيير أحد الزوجين فلا يغسل أحدهما الآخر إلا أن يثبت قبل
الموت ما يرفع فسخه. وإن كان الخيار لأحدهما؛ فالمنصوص وجوب الغسل. وخرجه
أبو الحسن اللخمي على الخلاف في فوات الخيار بالموت. فإن قلنا باستقرار
النكاح وفوات الاختيار بالموت غسل كل واحد منهما الآخر، فإن قلنا ببقاء
الخيار وصحت الزوجية نظر إلى ما يختاره الباقي منهما إن كان الخيار له، وإن
كان الخيار للميت فلا يغسله الباقي منهما.
وإن وقع الفسخ أو الطلاق البائن قبل الموت انتفى الغسل، وإن كان الطلاق
رجعياً فقولان: أحدهما: وجوب الغسل لبقاء حكم الزوجية. والثاني: نفيه لوقوع
التحريم بالواحدة ما لم تقع الرجعة. وعندنا قولان في [الخلوة] (1) بالمطلقة
طلاقاً رجعياً هل يجوز أم لا؟ وهذا ينخرط في سلكه.
وإذا لم يكن الزوج أو الزوجة موجودين أو امتنعا من الغسل فالغسل إلى
الأولياء إن أحبوه، وهو على الترتيب في الولاية. لكن المشروع أن يغسل
الرجال أمثالهم والنساء أمثالهن، فتكون الابنة وابنة الابن في حق المرأة
كالابن في حق الرجل. ويجري ذلك على ترتيب الأولياء كما قلنا في الصلاة.
وإذا كان الرجل مع النساء أو بالعكس [كما قدمناه] (2)، ومعهم ذمي من جنس
الميت؛ فهل يباح للذمي الغسل ويفعل بالميت ما قدمناه؟ في المذهب قولان.
وهما على الخلاف؛ هل المقصود العبادة فلا يغسله الذمي، أو النظافة فيغسله.
...
__________
(1) ساقط من (ر).
(2) ساقط من (ر).
(2/682)
باب في أحكام الكفن
والحنوط وما يتعلق به
ولا خلاف في وجوب ستر الميت. ولا يختص الوجوب بعورته كما يختص بالحي. وهذا
معلوم من دين الأمة [ضرورة] (1)، فقد نقل قولاً وفعلا.
(اختصاص الشهيد بالدفن في ثيابه)
ويختص الشهيد بمواراته في الثياب التي مات فيها من غير زيادة عليها ولا نقص
منها، وهذا إذا كانت ساترة له جميع جسده، جارية على اللباس المعتاد. وإن
قصرت عن ستر الجسد زيد فيها ما يستره، وهذا لما ثبت من أن مصعب (2) بن عمير
استشهد يوم أحد وليس له إلا بردة (3) إن غطي بها رأسه بدت رجلاه (4)، فأمر
رسول-صلى الله عليه وسلم- أن يغطى رأسه ويجعل على ماعدا ذلك الإذخر
(5).واختلف هل يزال عنه الدرع والخفاف والقلنسوة والمنطقة (6)، في المذهب
قولان: أحدهما: إزالتها، والثاني: تركها. وقد قال النبي-صلى الله عليه وسلم
-"زملوهم بثيابهم (7) " فلهذا لم يختلف في اللباس المعتاد. والدرع؛ وإن سمي
ثوبا لغة فلا يسمى عرفا. وبين الأصوليين خلاف في تخصيص الألفاظ (8)
وتنزيلها على العرف. ومن يقول لا ينتزع عنه شيء يفهم من اللفظ دفنهم على
هيئتهم من غير نقص لزيهم، حتى يجيء يوم الحشر على الحالة التي استشهد
عليها، وهذا مفهوم من الحديث قطعا. ومن عول على اللفظ قال لا يدفن إلا في
الثياب خاصة.
__________
(1) ساقط من (ر).
(2) في (ق) سعيد.
(3) في (ق) نمرة.
(4) في (ر) عورته.
(5) الإذخرُ بكسر الهمزة حشيشة طيبة الرائحةِ تُسَقَفُ بها البُيُوت فوق
الخشبِ. انظر النهاية في غريب الحديث 1/ 33.
(6) المنطقة: الحزام.
(7) انظر المسند 5/ 431.
(8) في (ق) الأفعال.
(2/683)
وأما الخاتم فخرجه أبو الحسن اللخمي (1)
على الخلاف فيما قدمناه. والمنصوص أنه إن كان ذا فص ثمين نزع ولا يترك. وقد
يكون هذا بناء على أحد القولين في نزع ما عدا المعتاد. لكنه إذا كان ذا فص
ثمين نزع، ولا يختلف فيه للحاجة إلى ثمنه. وهذا الحكم يختص بالشهيد في قتال
العدو، ويجري حكمه على ما قدمناه في غسله والصلاة عليه، فينظر إلى موضع
موته وحالة موته كما تقدم من الخلاف والاتفاق.
(ما يفعل بمن مات محرمًا في الحج)
ولا يجري هذا الحكم (2) عندنا في المحرم بالحج، وإن كان ورد فيه حديث يقتضي
اختصاصه به، وقال-صلى الله عليه وسلم- في الذي وقصته ناقته فاندق عنقه: إنه
يبعث يوم القيامة ملبياً" (3) وأمر بدفنه على حاله. فإن أصحابنا قالوا هذه
من العلل المعينة، فيقتصر بها على ما وردت، ولا يتعدى بها (4). وأُلزِمُوا
هذا المعنى في الشهيد، فإن النبي-صلى الله عليه وسلم- علل أيضًا بعلة
معينة، فكان ينبغي أن يختص بقتلى أحد، وقال:"أنا شهيد (5) على هؤلاء" (6).
وجاوب أصحابنا
__________
(1) في (ر) رحمه الله.
(2) في (ق) الخلاف.
(3) خرج البخاري في الجنائز 1265 واللفظ له، ومسلم في الحج 1206 عَنْ ابْنِ
عَبَّاس رَضِيَ الله عَنْهُما قَالَ: بَينَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ
إِذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَوقَصَتْهُ أَوْ قَالَ فَأَوْقَصَتهُ قَالَ
النبيُّ-صلى الله عليه وسلم-"اغْسِلُوهُ بمَاء وَسِدْرِ وَكَفُنُوهُ. في
ثوبين وَلاَ تُحَنطُوهُ وَلاَ تُخَمرُوا رَأسَهُ فإنهُ يُبعَثُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ مُلبِّياً".
(4) قال الشوكان في هذه المسألة: وخالف في ذلك المالكية والحنفية وقالوا إن
قصة هذا الرجل واقعة عين لا عموم لها فتختص به وأجيب بأن الحديث ظاهر في أن
العلة هي كونه في النسك وهي عامة في كل محرم. والأصل أن كل ما ثبت لواحد في
زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثبت لغيره حتى يثبت التخصيص. وما أحسن
ما اعتذر به الداودي عن مالك فقال: إنه لم يبلغه الحديث. نيل الأوطار: 4/
76.
(5) في (ق) و (ت) الشهيد.
(6) أخرج البخاري في الجنائز 1343 عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ
الله عَنهُما قَالَ: كَانَ النبيُّ-صلى الله عليه وسلم- يَجْمَعُ بَيْنَ
الرَجُلَينِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ في ثَوْبِ وَاحِدٍ ثُمّ يَقُولُ:"أَيهُمْ
أَكَثَرُ أَخْذاً لِلْقُرْآنِ فإذا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدهماِ قَدَّمَهُ
في اللَّحْدِ" وَقَالَ: أنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلاَءِ يَومَ الْقِيَامَةِ
وَأَمرَ بِدَفْنِهِمْ فِي دِمَائِهِمْ وَلَمْ يُغسَّلُوا وَلَمْ يُصَلَّ
عَلَيْهِمْ.
(2/684)
عن ذلك بأن الأصل كان قصر الحكم عليهم لولا
اتصال عمل أهل المدينة وغيرهم، فأجري هذا الحكم في كل شهيد قتله العدو.
...
فصل (في كفن غير الشهيد)
وغير الشهيد يفتقر إلى كفن مخصوص، والنظر فيه من أين يكون ثمنه أو عينه.
وفي جنسه، وعدده وصفته.
(من أين يكون ثمن الكفن أو عينه؟)
فأما ثمنه أو عينه (1) ففي (2) حق الواحد من رأس ماله. هذا في المقدار
الواجب، وأما الزائد على الواجب فلا يقضى به مع مشاحة الورثة أو الغرماء،
إلا أن يوصي الميت مع فقد الدين المستغرق للتركة؛ فإن [فقد الدين المستغرق
للتركة] (3) وأوصى، كان الزائد على الواجب في ثلثه إلا أن يكون سرفاً، ففي
إنفاذه من الثلث قولان: أحدهما: أنه ينفذ، لملكه الثلث. والثاني: أنه لا
ينفذ، للنهي عن السرف.
فإن كفن ثم سرق كفنه بعد دفنه، فهل يعاد من رأس ماله كفن ثان مع التشاح؟ في
المذهب ثلاثة أقوال: أحدها: أنه يعاد. والثاني: أنه لا يعاد. والثالث: أنه
يعاد إن لم يقسموا التركة، ولا يعاد إن قسموا التركة. فالأول نظر إلى وجوب
الستر بالكفن، ولا تحصل الفائدة به إلا بعد وصوله إلى محله [وبقاء ستره]
(4). والثاني: نظر إلى أن الواجب قد أخرج أولاً، وهي جائحة طرأت على الميت
بعد أن استحق ما عدا الكفن (5). والثالث:
__________
(1) في (ق) وعينة.
(2) في (ق) فهي في حق.
(3) ساقط من (ق).
(4) غير واضح في (ت) و (ر).
(5) كذا في (ق) و (ت) و (ر)، وبتر في (م).
(2/685)
نظر إلى أن حقيقة الاستحقاق إنما تحصل
بالقسمة، فإن وجدت فلا ينزع الملك من أربابه. وإذا أعيد ثم وجد بعد الدفن
فهو موروث. وإن لم يعد فلا شك أنه يكفن به.
(على من يكون كفن الزوجة؟)
وهذا الذي قدمناه في حق جميع الموتى غير الزوجة، فإنه اختلف من أين تكفن
(1) على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه من مال الزوج، والثاني: أنه من مالها،
والثالث: كالأول إن كانت فقيرة، وكالثاني إن كانت مليئة.
وسبب الخلاف عده من اللباس المفتقر إليه، فيجب كوجوبه في الحياة. أو النظر
إلى انقطاع العصمة بالموت وانقطاع توابعها، فلا يجب. ورجح في القول الثالث
الوجوب بالفقر. ولعل الأصوب (2) في التعليل الالتفات إلى ما دخل عليه من
أول العقد. وقد علل بأن النفقة إنما وجبت معاوضة عن الاستمتاع، وكذلك
الكسوة، وقد انقطعت بانقطاع الاستمتاع. وهذا يروق لولا وجود القولين فيمن
وجبت نفقته من القرابة كالأب والابن ومن في معناهما هل يجب تكفينهم أم لا؟
وهذا نظر إلى حكم الكفن هل هو من بقايا الحياة فيكون كالكسوة الواجبة للحي،
أو ينقطع حكم الحياة لانقطاعها (3) فيسقط الكفن.
(على من يكون كفن الفقير؟)
فإن كان الميت لا مال له لم يجب كفنه على غيره كما قدمناه، ووجب أن يكون
(4) من بيت المال إن كان، أو على سائر المسلمين إن لم يكن. ويكون هذا من
فروض الكفاية.
__________
(1) في (ر) و (ق) يكون.
(2) في (ق) الأصل.
(3) في (ق) بانقطاعها.
(4) في (ق) ووجوب كفنه.
(2/686)
ولو كانت له ثياب يكفن فيها لكنها مرهونة؛
فمن هي بيده أولى بها لتعلق دينه بعينها. وإن كانت غير مرهونة وعليه من
الدين ما يستغرقها، فالكفن أولى بها. كما لا تباع كسوته [للغرماء] (1).
...
فصل (في جنس الكفن)
وأما جنس الكفن، فكل ملبوس جائز لباسه في حالة الحياة. وهل يجوز الكفن في
الحرير؟ ثلاثة أقوال: الجواز للرجال والنساء، والمنع لهم، والجواز للنساء
خاصة (2).
فالأول: نظر إلى انقطاع التكليف بالموت. والثاني: نظر إلى أنه زينة، وهو
ممنوع في [حق] (3) الرجال وجائز في [حق] (4) النساء للزينة، وقد انقطعت.
والثالث: حكم الكفن كحكم لباس الحياة, لأنه من توابعها.
...
فصل (عدد الكفن)
وأما عدده فله أقل وأكثر؛ فأقله ثوب ساتر لسائر الجسد، وأكثره سبعة أثواب،
والزيادة سرف. لكن لا (5) يظهر من المذهب أنه ممنوع بل مكروه. ولا يقتصر
على الأقل إلا مع الفقر، أو مع (6) وصية الميت بالاقتصار.
__________
(1) ساقط من (ق).
(2) في (ق) والمنع للرجال خاصة.
(3) ساقط من (ر).
(4) ساقط من (ر).
(5) في (ر) لكن يظهر.
(6) في (ق) منع.
(2/687)
ووقع لسحنون أنه إذا أوصى بثوب فزاد بعض
الورثة ثيابا فلا ضمان عليه إن كان في المال محمل. وهذا يشعر بأن الاقتصار
[على ثوب واحد] (1) منهي عنه. فإن أوصى به؛ فإن لم ينعت (2) وصيته، وكان له
أكثر من ثوب، لم يقتصر عليه وإن استغرق الدين ماله. قال (3) في شرح ابن
مزين: ويكفن مع الوجود في ثلاثة أثواب وإن نازع الغرماء. وقاس ذلك على
كسوته التي لا تباع (4). وينبغي أن يختلف في ذلك حال الناس كما يختلف حالهم
في حال (5) الحياة. وإذا لم ينقص من الثلاثة [للغرماء] (6) فأحرى ألا ينقص
لحق الورثة. وكذلك قال في الرواية: إن طلب الغرماء تكفينه في خشن الثياب لم
يمكنوا من ذلك. وهذا ينبغي أن يختلف في [حق الموتى] (7) كما أشرنا إليه في
العدد.
...
فصل (صفة الكفن)
فأما [صفة] (8) الكفن؛ فأفضله البياض من الكتان والقطن، وبذلك أمر رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- في الحياة والموت، وذكر أن البياض [من الكتان
والقطن] (9) أحب اللباس إلى الله سبحانه. وإن كفن في غير البياض فجائز، إلا
المعصفر (10)
__________
(1) ساقط من (ر).
(2) في (ر) يغير.
(3) في (ت) قاله.
(4) في (ق) لا تباع للغرماء.
(5) في (ق) حكم.
(6) ساقط من (ر).
(7) في (ت) حكم الكفن، وفي (ر) حق الورثة.
(8) ساقط من (ت).
(9) ساقط من (ر).
(10) عصفر: العُصْفُر نبات سُلافَتُه الجرْيالُ، وهي معربة. قال ابن سيده:
العُصْفُر هذا الذي يصبغ به، منه رِيفِيٌّ، ومنه بَرِّيٌّ وكلاهما نبتٌ
بأَرض العرب. وقد عَصْفَرْت الثوب فتَعَصْفَر. والمعصفر المسبوغ. انظر لسان
العرب: 4/ 581.
(2/688)
[ففي المذهب النهي عنه بخلاف المصبوغ
بالورس (1) والزعفران. قال: والفرق أن المعصفر] (2) زينة، وليس محلها.
وأجازه في قول ثان قياسًا على سائر الألوان. وكره السواد لجهة التفاؤل.
وهل يجعل في كفن الميت القميص والعمامة؟ لا خلاف أنه لا يحرم ولا يجب.
واختلف في الأول على قولين. وسببهما ما روي أنه - صلى الله عليه وسلم -
كُفِّنَ في ثلاثة أثواب بيض سحولية (3) ليس فيها قميص ولا عمامة. قيل:
معناه ليس فيها معدود، بل كان القميص والعمامة زائدين على هذا العدد. وقيل:
ليس فيها موجود. وعلى ذكر الثلاث (4) فالإيتار عندنا مستحب. ولكن إن لم
يوجد إلا اثنان فهما أفضل من الواحد, لأنهما أكمل ستراً. والثلاثة أفضل من
الأربعة، لكونهما وتراً. وعلى هذا الترتيب يكون الحكم فيما بعد ذلك.
...
فصل (الحنوط وما يتعلق به)
والحنوط مأمور به، ولا ينتهي إلى رتبة الوجوب. ويجوز بكل طيب طاهر؛
كالكافور. وهو المقدم, لأنه أحنط (5) من العنبر والمسك وإن كان خارجاً من
حيوان، فقد انقلبت (6) أعراضه. ولا خلاف عندنا في طهارته،
__________
(1) قال أبو بكر الرازي: "ورس الوَرْس بوزن الفلس نبت أصفر يكون باليمن
تتخذ منه الغُمرة للوجه تقول منه أَوْرَسَ المكان فهو وَارِسٌ ولا يقال
مُوْرِسٌ وهو من النوادر ووَرَّسَ الثوب تَوْرِيساً صبغه بالورس" مختار
الصحاح:298.
(2) ساقط من (ق).
(3) سحولية من السحل وهو الثوب الأبيض من الكرسف من ثياب اليمن. ويقال سحول
موضع باليمن، وهي تنسب إليه. انظر المصدر السابق: ص: 289.
(4) في (ق): وعلى هذا الثلاثة الأثواب عندنا مستحب، وفي (ر) وعلى ذكر
الثلاثة والإثنان مستحب.
(5) في (ق) أحفض.
(6) في (ت) انتقلت.
(2/689)
وإن اختلف فيما أصله النجاسة إن انقلبت
أعراضه، كما قدمنا في كتاب الطهارة. ولعل هذا الالتفات (1) إلى أن الأصل في
النجاسة ما يستقذر. وبهذا تزال (2) المستقذرات.
والعنبر وإن كان روث الدابة البحرية كما يقال فهو طاهر عندنا.
ومحل الحنوط مواضع السجود وهي المقدمة، (3) ومغابن البدن، ومرافقه كالآباط
والأفخاذ وفي ما معنى ذلك مما يدق جلده ويكون محلاً للأوساخ، والحواس
كالعين والأنف والفم والأذنين، وسائر الفخذين (4). ويجعل بينه وبين
الأكفان، ولا يجعل على ظاهر الكفن, لأنها زينة، ولا معنى لها هاهنا.
...
فصل (حمل الميت وتشييعه)
واختلف المذهب هل في حمل الميت رتبة (5) تستحب؟ المشهور لا رتبة (6) في
ذلك. والشاذ استحباب الحمل من الجوانب الأربع، وقد نقل (7) عن بعض السلف.
واختلف هل الأفضل في تشييع الجنازة المتقدم عليها، أو التأخير؟ على ثلاثة
أقوال: أحدها: أن الأولى المتقدم. والثاني: بالعكس، وهما شاذان. والثالث:
هو المشهور، أن المشاة يتقدمون والركبان يتأخرون. وعلل
__________
(1) في (ق) الاتفاق.
(2) في (ر) وهكذا مما يزال.
(3) في (ت) السجود وسائر الجسد.
(4) في (ت) وما بين الفخذين، وفي (ق) وسائر الجسدين.
(5) في (ر) زينة.
(6) في (ر) لا زينة.
(7) في (ق) قيل.
(2/690)
استحباب التقدم بأنهم كالشفعاء، والتأخير
لتحصيل الاعتبار. والتفرقة بين الراكب وغيره؛ بأن الراكب مخطئ في ركوبه،
ولم يستحق رتبة الشفاعة، فأمر (1) بالتأخير، هذا حكام الرجال.
وأما النساء فمأمورات بالتأخير على الإطلاق. ومتى خيف من خروجهن الفتنة
منعن، وإن لم يخف من ذلك وكانت من القواعد جاز خروجهن مطلقًا، فإن يكنَّ
كذلك كره خروجهن إلا على القريب جدًا كالأب والزوج والابن ومن في معناهم.
وإذا لم يحضر الجنازة إلا النساء صلين عليها. وهل أفراداً أو تؤمهن واحدة
منهن؟ [جرى] (2) على القول (3) في جواز إمامة المرأة للنساء.
وإذا قلنا بصلاتهن أفراداً؛ فهل يصلين واحدة واحدة ولا (4) يصلين في وقت
واحد؟ قولان للمتأخرين. وظاهر المدونة [يقتضي] (5) أنهن يصلين واحدة بعد
واحدة في غير (6) اجتماعهن (7).
...
فصل (حكم بقر بطن الأم الميتة إذا رجيت حياة
الولد)
وإذا رجيت حياة الولد بإخراجه من بطن أمه الميتة، فهل يبقر بطنها أم لا؟
ففي المذهب قولان. وسبهما تقابل مكروهين: أحدهما: انتهاك حرمة الميت،
والثاني: إماتة من ترجى حياته. وهكذا الخلاف في الإنسان يحصل في جوفه
__________
(1) في (ت) وأمرناه، وفي (ر) وأمر.
(2) ساقط من (ر) و (ق).
(3) في (ر) القولين.
(4) في (ق) أو لا يصلين، وفي (ر) ويصلين.
(5) ساقط من (ق).
(6) في (ق) في غير ما.
(7) انظر المدونة 1/ 189.
(2/691)
شيء من الدنانير أو جوهر له ثمن، هل يستخرج
أم لا؟ وهذا إذا كان له من أين يؤديه، وإلا فلا ينبغي أن يختلف في وجوب
استخراجه. وفي المبسوط: إن قدر أن يستخرج الولد من حيث يخرج في الحياة بقر
(1) عليه. قال أبو الحسن اللخمي: وهذا لا يمكن. وما قلناه في البقر على
المال إذا علمت يقيناً أو ببينة. فإن شهد به شاهد واحد، فإن أبا عمران
أجراه على الخلاف في وجوب القصاص من الجراح بالشاهد الواحد. ووقع لابن
القصار أن المضطر إلى أكل الميتة لا يجد إلا لحم الآدمي لا يأكله (2) وإن
خاف التلف. فاعترضه بعض الأشياخ. وهو يجري على الخلاف [في البقر على الجنين
والشق.
...
فصل (صفة حفر القبر)
ويجوز في صفة حفر القبر اللحد والشق] (3)؛ وهو مساواة اتساع أعلاه لأسفله
(4). واللحد هو الحفر في أحد الجانبين للقبر من أسفله. واللحد أفضل, لأنه
صفة قبر النبي-صلى الله عليه وسلم-.
وقد كان صاحبان (5)؛ أحدهما: يلحد، وآخر: يشق، فلما توفي رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- اتفق الصحابة على أن يحفر له السابق منهما، فسبق الذي
يلحد. ففعل كل واحد منهما ما (6) يختص به يدل على الجواز, لأنه لا يكاد
يخفى هذا من حالهما على الرسول-صلى الله عليه وسلم-. وما اختار الله له لا
شك أنه الأفضل. لكن قد لا يتفق اللحد في كل تربة (7)، فإن اتفق فهو أفضل.
__________
(1) في (ت) و (ق) فعل.
(2) في (ر) يأكله.
(3) ساقط من (ر).
(4) في (ق) أسفله لأعلاه.
(5) هكذا في (ق) و (ت) و (ر).
(6) في (ق) منهما شيئًا يختص به.
(7) في (ر) قرية.
(2/692)
(حكم البناء على
القبور)
وليست القبور موضع زينة ولا مباهاة [ولهذا] (1) ينهى عن بنيانها على وجه
يقتضي المباهاة. والظاهر أنه يحرم مع هذا القصد. ووقع لمحمد بن عبد الحكم
فيمن أوصى أن يبنى على قبره (2) أنه تبطل وصيته. [وقال لا تجوز وصيته.
وظاهر هذا التحريم، (3)، وإلا لو كان مكروهاً لنفذت وصيته. ونهي عنها
[ابتداء] (4).
وأما البناء الذي لا يخرج إلى حد المباهاة؛ فإن كان قصد به تمييز الموضع
حتى ينفرد بحيازته، فجائز. وإن كان القصد به تمييز القبر عن غيره، فحكى أبو
الحسن اللخمي عن المذهب قولين: الكراهية، وأخذها من إطلاقه (5) في المدونة
(6). والثاني: الجواز، وهو في غير المدونة. والظاهر (7) أنه متى قصد ذلك لا
يكره، وإنما كره في المدونة البناء الذي لا يقصد به العلامة، وإلا فكيف
يكره ما يعرف الإنسان به قبر وليه ويميز به القبر حتى يحترم ولا يحفر عليه
إن احتيج إلى قبر ثان.
(حكم الدفن في الموضع المملوك)
وموضع القبر إن كان مملوكاً لغير الدفن فلا يجوز دفن غير المالك فيه، إلا
بإذنه كسائر أملاكه. وإن ملكه مالكه للدفن فهو حبس (8). فإن حفر قبر في
الموضع المملوك ملكًا أصلياً فدفن فيه غير من حفر [له] (9) وأراد
__________
(1) ساقط من (ق).
(2) في (ت) على قبره بيتا.
(3) ساقط من (ق).
(4) ساقط من (ر).
(5) في (ر) قوله.
(6) المدونة: 1/ 189.
(7) في (ر) وظاهره.
(8) في (ر) أحسن.
(9) ساقط من (ر).
(2/693)
ذلك المالك إخراجه فله ذلك؛ لأنه لا يستحق
الدفن إلا بإذنه. وعليه أشد ضررا في بقاء (1) ذلك المدفون في ذلك الموضع.
وإن كان فيها (2) ملك للدفن؛ فللمتأخرين في ذلك ثلاثة أقوال بعد اتفاقهم
على أنه لا يخرج: أحدها: أنه على من يستحق القيام على المدفون حفر قبر ثان.
والثاني: أن عليه قيمة الحفر. والثالث: أن عليه الأقل (3) منها؛ والقيمة هي
أصل المذهب، والحفر كأنه قضاء بالمثل، ولكن لما كان القصد تحصيل موضع الدفن
وتقاربت القيمة والحفر قضي فيها بالمثل كما قضي في المذهب بالمثل في الجلد
(4) المستثنى (5) في البوادي وحيث لأكثره ثمن له (6). والحكم بالأقل (7)
نظراً إلى المقصود لمن أتلف عليه (8) حفر قبر ثان، ويحصل ذلك بغرامة الأقل
(9). ورأى أبو الحسن اللخمي أن يكون عليه الأكثر لتعديه، والظالم أحق أن
يحمل عليه.
(حكم دفن السقط)
واختلف المذهب في جواز دفن السقط (10) في الدور؛ وفي الكتاب المنع، وأجيز
(11) في غيره.
فالمنع لأنه ليس بميت يحترم، ولا يساقط الحرمة جملة. وقد
__________
(1) كذا في (ر)، وفي (ت) أشد ضرراً في دفنه في أرض الغير على وجه الغضب،
وفي (ق) أشد ضرراً في بقاء.
(2) (ت) كان فيما.
(3) في (ر) الأولى.
(4) في (ق) اللحد.
(5) في (ت) المشترى.
(6) كذا في النسخ التي وقفت عليها.
(7) في (ر) الأول.
(8) (ر) أتلفت إليه.
(9) في (ر) الأول.
(10) في (ر) السقوط.
(11) المدونة:1/ 179.
(2/694)
يؤدي (1) دفنه إلى انتهاك حرمته (2)،وبيع
الدار، وتصرف الأملاك فيتمادى به المالك بعد، وليس ممن تجب مراعاته (3) حتى
يكون موضعه حبسا كسائر الموتى.
والجواز، قياساً على الميت؛ فإن دفن الميت في دار ثم بيعت ولم يعلم المشتري
بموضع القبر، فالذي نص عليه في الرواية أن المشتري بالخيار في القبول
والرد، كالعيوب الكثيرة. واعترضه أبو محمد عبد الحق، ورأى أن العيب يسير،
ومقتضاه في الدور الرجوع بقيمته. والذي في الرواية صحيح لأنه (4) عيب لازم
لا يمكن إزالته، فهو لهذا المعنى كثير. فإن كان المدفون سقط فهل يكون عيباً
فيه؟ قولان. وهما منزولان على الخلاف في جواز دفنه في الدور.
وقد أتينا على الغرض من [هذا] (5) الكتاب، ولا يشذ عما حصرنا (6) إلا مسائل
أتينا على أصولها ونبهنا على محصولها.
__________
(1) في (ت) ولا يؤدي.
(2) في (ر) حرمتها.
(3) في (ت) نزاعاته.
(4) في (ر) أنه.
(5) ساقط من (ر).
(6) في (ق) عرضا، وغير واضحة في (ر).
(2/695)
|