التنبيه على مبادئ التوجيه - قسم العبادات

باب في أحكام صوم الأسير
ولا شك أنه [إذا كان مطلقاً] (1) فيبني على الرؤية أو (2) العدد كما قدمناه. فإن كان في مهواة لا يمكنه التوصل إلى الرؤية بني على العدد وأكمل كل شهر ثلاثين. فإن التبست عليه المشهور اجتهد وبنى على غلبة ظنه، وإن لم يغلب على ظنه شيء فأجراه اللخمي (3) على قولين: أحدهما: أنه يصوم سائر الشهور. والثاني: أنه يتحرى شهراً ليصومه (4). وهذا كما قدمناه فيمن التبست عليه دلائل القبلة. وكما اختلف في من نذر يوماً من الجمعة (5) ثم نسي عينه؛ فقيل: يتحرى يوماً فيصومه، وقيل: يصوم آخر يوم من الجمعة (6) حتى يكون قضى إن لم يكن هذا اليوم (7). وقيل يلزمه صوم الدهر (8) إن نذر يوماً (9) مؤبداً. فعلى هذا فلا بدّ أن يلزمه سائر الشهور.
فان تحرى شهراً، أو صام باجتهاده؛ فلا يخلو أن يتبين له أنه أخطأ
__________
(1) ساقط من (ر).
(2) في (ر) والعدد.
(3) في (ق) و (ت) المتأخرون.
(4) في (ق) فيصومه.
(5) يقصد يومًا من أيام الأسبوع.
(6) في (ر) يصوم يوماً من الأيام للجمعة، وفي (ت) يصوم آخر يوم الجمعة.
(7) انظر مواهب الجليل 2/ 453.
(8) بياض في (ر).
(9) في (ق) اليوم.

(2/733)


أو أصاب، أو يخفى عليه ذلك بعد خروجه إلى حيث يمكنه النظر. فإن تبين له الخطأ فإن أخطأ وصام (1) ما بعد رمضان أجزأه، وكان قضاء. وإن أخطأ بصوم ما كان قبله فلا يجزيه إلا أن تكون شهوراً عدَّة صام منها مثلًا عن ثلاثة شهور شعبان، وأما الشهر الآخر فلا خلاف في المذهب أنه يقضيه لأنه صام قبله. وأما الأول والثاني: ففي وجوب قضائهما قولان: المشهور وجوب القضاء. وقال (2) ابن الماجشون: لا يجب (3) ويكون الصوم الثاني والثالث قضاء عن الأول [والثاني] (4).
وهذا خلاف في وجوب تعيين الشهر بالنية. وقد قدمنا الخلاف في وجوب تعيين اليوم بعينه (5) في الصلاة. وذكرنا (6) أن ثمرة ذلك لو نسي صلاة لا يدري هل هي من السبت أو من الأحد مثلًا. فلا (7) شك أنه إذا تبيّن له أنه أصاب فلا شيء عليه، وإن أشكل عليه؛ فإن بقي على ما كان عليه في حال صومه من غير أن تظهر أمارة ريبة، فلا شيء عليه ويستصحب الإجزاء، هكذا قاله أبو الحسن. وإن بدت (8) له أمارة ريبة فهاهنا قولان: أحدهما: أنه يجب عليه القضاء حتى يستيقن ببراءة (9) ذمته فإن أصاب الشهر أو صام بعده قضى عنه. والثاني: نفي القضاء حتى يستيقن أنه صام قبله. وهذا على ما قدمناه من الخلاف في حكم من أيقن بالوضوء وشك في الحدث. وقد وقعت الروايتان مطلقاً، ولم يفصل قائلها بين ظهور ريبة وعدم ظهورها. وفصَّل أبو الحسن اللخمي كما قلناه. ولا شك أن وجهه
__________
(1) في (ق) يصوم.
(2) في (ت) و (ر) قال.
(3) في (ق) ولا يجب.
(4) ساقط من (ق) و (م).
(5) في (ق) بنيته.
(6) في (ق) ذكرنا.
(7) في (ت) و (ر) السبت مثلًا أو من الأحد ولا شك.
(8) في (ر) وإن أشكل عليه فإن بقي على ما كان عليه في حال صومه، وفي (ق) فلا شيء عليه ويستحب الإجزاء. هكذا قاله أبو الحسن اللخمي.
(9) في (ر) تبيّن له براءة.

(2/734)


بيّن؛ لأنه إذا لم يسترب فلا شك، وإنما الشك مع تعارض خاطرين: أحدهما: أنه يقتضي أمراً، والآخر: يقتضي ضده، ولا ترجيح لأحدهما على الآخر.
...

فصل (من اضطر للفطر هل يتمادى في الفطر أم لا؟)
وقد قدمنا حكم من أصبح مفطراً في رمضان لجهله باليوم أو لعذر أوجب الفطر. وهل [على المفطر] (1) إمساك بقيمة اليوم أوْ لا يلزمه؟ وأعطينا في ذلك قولًا كليًا. لكن اختلف المذهب فيمن اضطر إلى الفطر لغلبة عطش أو أمر بيِّن الضرر فأفطر (2) حتى ذهبت ضرورته، هل يجوز له التمادي على الفطر لأنه إنما أفطر للضرورة فأشبه (3) الحائض والمسافر؟ أو لا يجوز له، لأنه إنما أفطر لعذر وقد انصرف بعد فتنعقد (4) عليه حرمة اليوم. وهكذا يلاحظ الخلاف فيمن اضطر إلى أكل الميتة؛ هل يجوز له الشبع منها [والتزود] (5)، أو إنما يجوز له تناول [ما يمسك] (6) القوت؟
...

فصل (حكم الجنابة والحيض)
وجمهور الأمة على أن حدث الجنابة لا يناقض الصوم، وكذلك غيره من الأحداث. والدليل عليه قول عائشة رضي الله عنها فيما حكته عن
__________
(1) في (ت) يجب، وفي (ق) يلزم.
(2) في (ق) و (ت) أو أمر من الأمور فأفطر.
(3) في (ق) و (ت) لأنه لما أفطر للضرورة أشبه.
(4) في (ق) و (ر) فينعقد.
(5) ساقط من (ق).
(6) ساقط من (ر).

(2/735)


رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أنه كان يصبح جنبًا في رمضان من جماع من غير احتلام" (1).
وأما حدث الحيض بعد ارتفاع الدم فهل يناقض الصوم؟ لا يخلو من أن ينقطع الدم قبل الفجر بزمان يمكن فيه الغسل، أو بزمن لا يمكن فيه الغسل، فإن أمكن ففي المذهب قولان: أحدهما: أنه لا يناقضه، وهو المشهور قياساً على حدث الجنابة. والثاني: هو الشاذ، أنه يناقضه، ولا ينعقد الصوم إلا بعد الاغتسال قياسًا على الصلاة. وإن لم يمكن الاغتسال فقولان: المشهور صحة الصوم. والشاذ عدم الصحة. وهذا نظرًا إلى أن الصوم لا ينعقد إلا بعد المخاطبة [بالصلاة] (2)، وإذا لم يمكن الغسل فلا تخاطب (3) على نصوص المذهب. فإن اجتمعت (4) قلت: [المذهب على] (5) ثلاثة أقوال: أحدها: صحة الصوم وإن بقي حدث الحيض. والثاني: عدم الصحة. والثالث: التفرقة بين إمكان الغسل وعدم إمكانه.
وفي الكتاب فيمن أصبحت فشكَّت أَطَهُرت قبل الفجر أو بعده، فلتصم يومها ذلك وتقضيه. واستقرىء من (6) هذه المسألة فرعان: أحدهما: وجوب صوم يوم الشك للاحتياط ثم يقضي. وهذا كما قدمناه من استقراء أبي الحسن اللخمي وجوب الصوم (7) من أحد الأقوال في التي لا ينقطع
__________
(1) لم أقف عليه بهذا اللفظ، وقد أخرجه البخاري في الصوم 1932، ومسلم في الصيام 1109 واللفظ للبخاري عن أبي بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَحمَنِ قال: كُنْتُ أنا وَأبِي فَذهبتُ مَعَهُ حَتَّى دَخَلْنا عَلَى عَائشةَ رَضِي الله عنها قَالَت: أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - إِن كَانَ لَيُصبِحُ جُنُباً مِنْ جِمَاع غَيْرِ احتِلاَم ثم يَصُومُهُ ثُمَّ دَخَلْنا عَلَى أُم سَلَمَةَ فَقَالَت مِثلَ ذَلِكَ.
(2) ساقط من (ر).
(3) في (ر) ولا يخاطب.
(4) في (ر) فإذا جمعت.
(5) ساقط من (ق).
(6) في (ت) في.
(7) في (ق) القضاء.

(2/736)


عنها الدم بعد عادتها هل تصوم وتقضي فيما بينها وبين (1) الخمسة عشر يوماً. وقد قدمنا في ذلك. والاستقراء من مسألة الشاكة هل طهرت قبل الفجر أضعف (2)، لأنها لا دم معها. والظاهر براءتها لعدم (3) الدم.
والفرع الثاني: أن الحائض لا يجب عليها تجديد النية للصوم؛ بل تكتفي بما تقدم في أول الشهر. وفي ذلك خلاف يأتي في باب النية [في الصوم] (4).
...

فصل (5) (حكم الجنون والنوم والإغماء)
ولا خلاف أن الجنون مناقض لانعقاد الصوم، لكن حكم القضاء قد قدمنا ما في المذهب فيه (6). ولا خلاف أن النوم لا يناقض الصوم. وأما الإغماء فإن كان بمرض استغرق جميع أجزاء النهار فلا خلاف في المذهب أنه يناقض الصوم، ولا ينعقد معه، قياسًا على الجنون. وإن كان بغير مرض فالمشهور أنه كالأول، والشاذ أنه كالنوم. وهو خلاف في شهادة؛ هل يستغرق الإغماء بغير مرض حتى يذهب العقل [جملة ويخرج] (7) عن حالة النوم بالكلية، أم لا؟ فإن كان الإغماء في اليسير من النهار؛ فإن سلم طرفه الأول فلا خلاف في المذهب أنه كالنوم وهذه (8) شهادة بأنه مع هذه الحالة لا يستغرق العقل، فإن كان في طرفه الأول حتى كان الإغماء [من] (9) قبل
__________
(1) في (ر): فيما بينهما قولان الخمسة.
(2) في (ق) أضعفت وفي (ت) لضعف.
(3) في (ر) وعدم.
(4) ساقط من (ر).
(5) في (ر) باب النية للصوم.
(6) في (ر) المذهب فيه ثلاثة أقوال ولا خلاف، وفي (ق) المذهب ثلاثة أقوال ولا خلاف، وخرم في (ت).
(7) في (ر) بغير مرض.
(8) في (ر) وهو.
(9) ساقط من (ق).

(2/737)


طلوع [الفجر] (1) ففي المذهب قولان: أحدهما: أنه لا يناقض، والثاني: أنه يناقض. فمن قال إنه لا يناقض قاسه على الكائن في آخر النهار (2). ومن قال إنه يناقض نظر إلى حالة الانعقاد، فمتى سلمت عد ما يطرأ بعدها كالنوم. وإن أتى الإغماء على شطر (3) النهار ففيه قولان: أحدهما: أنه لا يناقض [كالنوم] (4). والثاني: أنه يناقض [كالجنون] (5). وهو خلاف في شهادة هل يعم هذا المقدار أجزاء العقل حتى يكون كالجنون أو لا يعمّ، إلا أن يكون مستغرقاً لكل النهار. وفي الجل قولان أيضًا (6): وجوب القضاء، واستحبابه. وهما على ما قدمناه.
...

فصل (حكم من أفطر متأولاً)
ولا خلاف في وجوب الكفارة عندنا مع القصد إلى انتهاك حرمة الصوم. فإن أفطر متأولاً فإن قرب تأويله واستند إلى أمر موجود فلا كفارة عليه. وهذا كما مثله في الكتاب فيمن أفطر ناسياً فظن بطلان صومه فأفطر متعمداً، أو المرأة ترى الطهر ليلًا في رمضان فلم تغتسل فتظن أن من لم تغتسل ليلًا (7) فلا صوم لها فتأكل، والرجل يدخل من سفره ليلًا فيظن أنه لا صوم له إلا أن يدخل نهارا فيفطر. والعبد يخرج راعياً على مسيرة أميال فيظن أنه سفر يبيح له الفطر، فلا كفارة على جميع هؤلاء. وقال ابن القاسم: "وكلما رأيت مالكاً رحمه الله يُسأل عنه من هذا الوجه على التأويل
__________
(1) ساقط من (ت).
(2) في (ر) فأشبهه بالكائن في أجزاء النهار.
(3) في (ت) شرط.
(4) ساقط من (ر).
(5) ساقط من (ر).
(6) في (ق) أيضًا قولان.
(7) في (ت) قبل الفجر.

(2/738)


فلم أره يجعل فيه الكفارة" (1). وإن بعد تأويله ففي المذهب قولان: إيجاب الكفارة، والثاني: إسقاطها. وهذا كما قدمناه في من رأى الهلال وحده فردَّ الإمام شهادته فأفطر، ظانا أن الصوم لا يجب عليه. فإن إستند تأويله إلى سبب معقول (2) ففيه قولان: أحدهما: إيجاب الكفارة، وهو المشهور نظراً إلى الحال. والشاذ إسقاطها، نظراً إلى المآل. وهذا كمسألة المفطرة تعويلاً على أنه يوم حيضتها، وكالمفطر تعويلاً على أن اليوم تنوبه (3) فيه الحمى. وهو يلاحظ مسألة من الكلام وهو من بلغ فأهمل النظر والاستدلال به (4) عند بلوغه فاحتلم قبل إكمال أجزاء (5) النظر [لو أفتتحه] (6). واختلف القائلون بإيجاب النظر هل يحكم بعصيانه نظراً إلى حالة التفريط أو ينتفي العصيان نظراً إلى أنه لو بادر لما أغنى عنه ولم يصل إلى المقصود (7).
__________
(1) المدونة 1/ 209، والتاج والإكليل 2/ 433.
(2) في (ق) مفقود.
(3) في (ق) تأتيه.
(4) في (ق) و (ت) للاستدلال.
(5) في (ت) آخر النظر لو افتتحه.
(6) ساقط من (ق).
(7) كذا في (ق)، وفي (ت): "وهو يلاحظ مسألة من الكلام وهو من بلغ فأهمل النظر والاستدلال به عند بلوغه فاحترم قبل إكمال آخر النظر لو افتتحه. فاختلف القائلون بإيجاب النظر هل يحكمون بعصيانه نظراً إلى حالة التفريط أو بنفي العصيان نظرًا إلى أنه قد بادر وما أغنى عنه ولم يصل إلى المقصود".
وفي (ر) "وهو يلاحظ مسألة من علم الكلام وهو من بلغ فأهمل النظر والاستدلال عند بلوغه فاحترم قبل إكمال أجزاء النظر وافتتحه. واختلف القائلون بإيجاب النظر هل يكون بعصيانه نظرًا إلى حالة التفريط أو بنفى العصيان نظرًا إلى حالة التفريط إلى أنه إن بادر لما أغنى عنه لم يصل إليه المقصود".
وفي (م): "وهو يلاحظ مسألة من الكلام وهو من بلغ ... النظر والاستدلال عند بلوغه فأحرم قبل إكمال آخر النهار أو افتتاحه فاختلف القائلون بإيجاب النظر هل يحكمون بعصيانه نظرًا إلى حالة التفريط أو نفي العصيان نظرًا إلى أنه لو بارد لما أغنى عنه ولم يصل إلى المقصود".
وفي (ل): "وهذا يبنى على مسألة من الكلام وهي من بلغ فأهل للنظر والاستدلال عند بلوغه واحتلم قبل كمال شرع النظر واستبعاده من الفكرة فاختلف القائلون بإيجاب

(2/739)


فصل (حكم الحامل والمرضع)
وينخرط حكم الحامل والمرضع في سلك (1) المريض؛ فأما الحامل فمتى أدَّى صومها إلى الخوف على نفسها أو على ما في بطنها أفطرت، ويجب عليها الإفطار في كل حالة يجب على المريض، وقد قدمناه. وهل تكون عليها الفدية الصغرى؛ وهي مدّ لكل يوم؟ في المذهب أربعة أقوال: أحدها: نفي الوجوب، قياساً على المريض. والثاني: إيجابه، لأنّ النص ورد في المريض، وقد ورد عنه - صلى الله عليه وسلم - إيجاب الفدية على الحامل. والثالث: التفرقة بين أن تخاف على نفسها فتسقط الفدية لأنها مريضة، أو تخاف على ما في بطنها فتجب لأنها في هذه الحالة كالمرضع والمرضع لا يتعلق عليها (2). والرابع: تطعم إن احتاجت إلى الفطر قبل ستة أشهر، ولا تطعم إن احتاجت إليه بعد ستة أشهر، لتحقق حالة المرض بعد [ستة أشهر] (3).
فأما المرضع فإن شق عيها الصوم وأدَّى إلى حالة المرض؛ فإن قدرت، أو قدر من يلزمه إرضاع الصبي المولود على أن يستأجر له من تقوى (4) على الإرضاع والصيام، أو مرضعاً (5) حائضًا أو كتابية، وكان المولود يقبل غير أمه، وجب الاستئجار ولم يجز الفطر.
وإن لم يوجد من يستأجر [أو بما يستأجره] (6) أو لم يقبل غير أمه أفطرت الأم وأرضعته. وفي وجوب الفدية عليها قولان. وهي مطيقة في نفسها غير
__________
= النظر هل يحكمون بعصيانه نظراً إلى حالة التطويل في العمد وكثرة التفريط أو ينتفى العصيان نظرًا إلى أنه لو بادر ما أغنى عنه ولم يصل إلى المقصود".
(1) في (ر) مسألة.
(2) في (م) و (ر) كالمرض والمرض لا يتعلق بها، وفي (ق) كالمرضع والمرض لا يتعلق بها.
(3) في (ق) الستة.
(4) في (ر) تقوم.
(5) في (ر) ترضعها.
(6) ساقط من (ر).

(2/740)


مطيقة لضرورة (1) الولد؛ فمن نظر إلى حالتها أوجب الفدية، ومن نظر إلى حالة الولد أسقطها. وقد قدمنا الخلاف في قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} (2) هل هو محمول على القادر على الصوم، أو أنه كان يخير بين الصيام (3) والإطعام ثم نسخ، أو معناه يلزمونه وإن عجزوا عنه (4).
وعليه أيضًا القولان في المتعطش والشيخ الكبير. وبالجملة، كل من لا مرض به، ويُعلم من حالته أنه لا يمكنه إكمال صوم اليوم، هل تلزمه الفدية أم لا تلزمه؟
...

فصل (لا تصوم الزوجة تطوعاً إلا بإذن زوجها)
والنكاح معاوضة بين الزوجين، ملك به الزوج الانتفاع بالزوجة والاستمتاع، فليس لها أن تفعل ما يؤدي (5) إلى تعطيل ملكه إلا بإذنه. فلهذا لا تصوم تطوعاً إلا بإذنه، أو تعلم من حاله أنه لا يحتاج إليها في النهار. فإن صامت من غير إذنه فمقتضى المذهب أنه يجبرها على الفطر. وهكذا يكون العبد ليس له أن يصوم تطوعاً إلا بإذن سيده، وهذا إذا كان صومه يضر بسيده في عمله، وأما إن كان غير مضر فقد قالوا لا يمنعه.
وينبغي أن ينظر هل يضر ذلك في المال أو يضر في الحال؛ فإن كان يضر في المآل فله أن يمنعه، وليس للزوج ولا للسيد المنع من الصوم الواجب لتقديم حق [الله تعالى] (6) لأنه (7) على ذلك دخل.
__________
(1) في (ق) بضرورة.
(2) البقرة: 184.
(3) في (ت) وأنه كان مخير بين الصوم، وفي (ق) وإن كان مخير بين الصوم.
(4) في (ر) عن أدائها.
(5) في (ر) يؤتي.
(6) في الواجب.
(7) في (ق) و (ت) ولأنه.

(2/741)


وهل له المنع في تعجيل القضاء؟ وهذا مما تردد فيه المتأخرون هل له ذلك لما كان تعجيل القضاء لا يجب، أو ليس له ذلك للمحاذرة من أن يحرم (1) أو يعجز عن القضاء حتى يدخل عليه شهر آخر فيكون مفرطاً (2). وسنذكر الخلاف في من صح من الأيام ما يمكن له فيه القضاء، ثم توالى عليه المرض حتى دخل عليه شهر آخر، هل يكون مفرطاً أم لا؟
...

باب في أحكام القضاء
ولا خلاف أنه لا يجب على الفور. والأصل في ذلك ما أخبرت به عائشة رضي الله عنها عن نفسها أنها كانت تؤخر قضاء رمضان إذا أفطرت فيه فما تقضيه إلا في شعبان لشغلها بالرسول - صلى الله عليه وسلم - (3). فإن بادر المكلف فقد سلمت ذمته وبرئ، وإن أخر ثم أمكنه القضاء قبل دخول رمضان الثاني فقضى فلا فدية عليه، وإذا كان معذوراً بالمرض أو السفر جميع السنَّة فلا فدية عليه، وإن صحَّ عند تعين (4) القضاء فلم يقضه وهو في شعبان فعليه الفدية بلا خلاف عندنا، وإن زال عذره في أثناء السنَّة ومرض أو سافر عند تعين القضاء فلم يقضه ففي وجوب الفدية عليه قولان للمتأخرين. وهما على الخلاف فيما وجب وجوباً مُوسعاً هل يتعلق الإثم بفواته إذا أمكن الإتيان به قبل تعيين (5) فعله للأصوليين (6) في ذلك قولان.
__________
(1) في (ق) للمخالفة أن يحترم.
(2) في (ر) مفروضاً وفي (ت) مفطراً.
(3) أخرج البخاري في الصوم 1950، ومسلم في الصيام 1146 واللفظ له عنِ عائشة رضي الله عنها قالت: "كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ فَما أَستَطِيعُ أَن أقضِيَهُ إِلا في شَعْبَانَ الشُغْلُ من رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -أَو بِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -.
(4) في (ق) و (ت) تعيين.
(5) في (ر) تغير.
(6) في (ر) و (ت) وللأصوليين.

(2/742)


وإذا وجبت الفدية فمتى يؤمر بإخراجها؟ قولان في المذهب: أحدهما: عند تقرر (1) القضاء واستقراره في الذمة (2) لأنه سبب الوجوب. الثاني: عند الأخذ في القضاء بعد رمضان الثاني، [إذ] (3) حينئذ وجب القضاء فتجب الفدية متابعة له. وإذا وجبت (4) الفدية فأوصى بها كانت مبداة. لكن (5) النظر في حكم التبدية محال يأتي في كتاب الوصايا. وإذا لم [تجب فأوصى بها لم تكن] (6) مبداة.
لكن اختلف إذا اجتمع على المكلَّف صوم عن تمتع وما في معناه وقضاء رمضان ولم يتعين زمن القضاء؛ هل يبدأ بالصوم عن التمتع، أو بالصوم للقضاء، فالتبدية بالتمتع (7) لأنه مأمور بتعجيله في أيام الحج. فإذا فاته، أمِرَ بالمبادرة إليه وتبدية قضاء رمضان؛ لأنه بدل عما هو أكبر من صوم المتمتع.
...

فصل (زمن القضاء)
وكل زمن يخير الإنسان في صومه أو فطره؛ فإنه يصح أن يكون محلاً للقضاء. واحترزنا بقولنا "يُخيَّر" من صوم [يوم] (8) العيدين، فإن الفطر فيهما واجب. وأما الثلاثة الأيام التي بعد يوم النحر ففيها خلاف نذكره؛ وذلك أن اليومين يصح صومهما للمتمتع. وهل يصومهما من نذرهما [لا يخلو أن
__________
(1) في (ر) و (ت) تعذر.
(2) في (ر) واستقراؤها في المدونة.
(3) ساقط من (ر).
(4) في (ر) أوجب.
(5) في (ر) لأن.
(6) ساقط من (ر).
(7) ما أثبته من (ل)، وفي (ت) وتبدية المتمتع، وفي (ق) ولفدية التمتع، وفي (ر) أو بالتبدية المتمتع.
(8) ساقط من (ر).

(2/743)


ينذرهما بعينهما أو تبعاً (1) للشهر أو تبعاً للسنة؛ فإن نذرهما بعينهما ففي المذهب قولان: المشهور أنه لا يصومهما قياسًا على يوم العيد. والشاذ يصومهما قياسًا على المتمتع. وكذلك القولان أيضًا في ناذر ذي الحجة وناذر السنة. والقول أنه يصومهما [هاهنا شاذ جدًا] (2)، وأما اليوم الرابع من يوم النحر؛ ففي صيامه على النذر قولان: المشهور [جواز] (3) صومه، لأنه ليس محلاً للنحر عندنا. ولا يتناوله قوله - صلى الله عليه وسلم -: في أيام [النحر] أنها أيام أكل وشرب [وتبعل] (4). والشاذ أنه لا يصومه، لأنه ملحق باللذين قبله في حكم الرمي بالجمار. وكذلك الخلاف في هذه الثلاثة الأيام هل يصومها من وجبت عليه الكفارة فافتتح الصيام قبل العيد وكان معذوراً حتى لا يبطل تتابعه؟
وهل يصح القضاء في هذه الثلاثة أيام؟ في المذهب ثلاثة أقوال: أحدها: أنه لا يصح، والثاني: أنه يصح، والثالث: التفرقة فيصح في اليوم الرابع، ولا يصح في اليومين اللذين قبله. ومعرفة سبب الخلاف يؤخذ مما تقدم.

(حكم تتابع القضاء)
ولا يجب تتابع القضاء عندنا بل يستحب. والأصل في هذا أن القضاء إنما ثبت من غير شرط التتابع فيه، فلا تعمر الذمة بتتابعه إلا أن يثبت ما
__________
(1) في (ر) تتابعا، وفي (ت) تابعا.
(2) ساقط من (ر).
(3) ساقط من (ق).
(4) ساقط من (ق) و (ت).
لم أقف عليه بهذا اللفظ، وقد أخرجه مسلم في الصيام 1141 عن نبيشة الهذلي، والدارقطني في سننه 2/ 212 عن عبد الله بن حذافة السهمي، وابن أبي شيبة في مصنفه 3/ 394 واللفظ له عن عمر بن خلدة الأنصاري عن أمه قالت: "بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليًا أيام التشريق ينادي أنها أيام أكل وشرب وبعال". قال أبو عبيد في الغريب 1/ 182: "البعال النكاح وملاعبةُ الرجلِ أهلَه".

(2/744)


يقتضيه. وما يقوله أهل المذهب من أن كل صوم في القرآن ينقص (1) عن الشهر فلا يجب تتابعه، وما أكمل فيه الشهر وجب تتابعه، فإنما هو على التقريب وليس ذلك علة في وجوب التتابع وعدم وجوبه. وإنما وجب التتابع في ما كان شهرًا أو شهرين للنص على وجوب التتابع. ويرجع إلى الاحتراز [بالتخيير] (2) بين الصوم والفطر فيما يجب صومه ولا يصح (3) فيه القضاء، وهذا كَرَمَضان ثانٍ. ولو نوى به القضاء عن الأول [فالمذهب على ثلاثة أقوال: الإجزاء عن هذا، ويكون أداء. والإجزاء عن الأول] (4)، ويكون قضاء. وقد تؤولا جميعًا على المدونة؛ لأنه قال: ويكون عليه قضاء رمضان الآخر، ويروى بكسر الخاء، فيكون معناه: الإجزاء عن القضاء. ويُروى بفتحها، ويكون معناه (5): الإجزاء عن الأداء. وقيل لا يجزي عن واحد منهما. وخرَّج الباجي قولين بالإجزاء عن الأول والثاني، على خلاف في المذهب؛ هل تجزي نية القضاء عن نية الأداء، أو عكسه [عدم الخلاف هل يجزيه نية الأداء عن نية القضاء] (6). ومثله الأسير يصوم شهرًا، ثم يتبيَّن له أنه صام شعبان. وقد قدمنا الخلاف في ذلك. والذي يعول عليه في هذا. أما في مسألة الأسير فما قدمناه.
وأما مسألة القضاء؛ فإن هذا قاصداً إلى الصوم مع العلم بوجوب صوم هذا الشهر عليه؛ فمن قال بالإجزاء على الأداء رأى أن حقيقة النية قد حصلت (7)، وحكم بأن الصوم للقضاء حكم بخلاف الشريعة وهو مردود.
ومن قال بالإجزاء عن القضاء أعطاه حكم قصده وراعى حكم النية،
__________
(1) في (ق) مقصور.
(2) ساقط من (ر).
(3) في (ر) ولا يجب.
(4) ساقط من (ر).
(5) في (ر) معه.
(6) ساقط من (ق) و (ت).
(7) في (ت) حبطت.

(2/745)


ولا صوم إلا بها عندنا فيجزيه عن القضاء، وإن أخطأ (1) بتأخير الأداء.
وأما من نفى الإجزاء فلأنه رأى تعيين الشهر يقتضي صومه عن الأداء. والقصد [وقع] (2) بخلاف ذلك وحصل التنافي بين العلم بوجوب (3) الأداء والقصد إلى القضاء. ومتى حصل التنافي [بين العلم بوجوب الأداء والقصد إلى القضاء] (4) بطل.
وخرَّج أبو الحسن اللخمي على هذا الخلاف فيما لو قصد أن يصوم رمضان عن نذر أو عن كفارة ظهار أو غيرهما. والمنصوص في هذا عدم الإجزاء على الجميع. ولعل هذا لا يجري فيه الخلاف لبعد ما بين الوجوب هاهنا، بخلاف ما إذا قصد ما هو من جنس واحد.
...

فصل (كيف يقضي الشهر كاملا من عوّل على التتابع)
ولا خلاف أن من أفطر في رمضان أيامًا لا يجب عليه إلَّا عدتها، فإن أفطر جميع الشهر وابتدأ القضاء متفرقاً أو في أثناء شهر ثان؛ فلا يجب عليه إلا عدد الأيام. فإن ابتدأ القضاء في شهر شوال وعوَّل على المتابعة من أوله، فإن كان كعدد الأول فلا شك في الإجزاء، وإن كان هذا الثاني أكمل فهل يجب عليه صيام جميعه؟ [وهل يكتفي به إذا نقص؟] (5) في المذهب قولان: أحدهما: أنه يراعي عدد الأيام ولا حكم للشهر، لقوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (6). والثاني: أنه يراعي حكم الشهر؛ لأنه ليس في
__________
(1) في (ق) عصى.
(2) ساقط من (ر).
(3) في (ت) التنافي بحصول العلم بوجوب، وفي (ق) التنافي بحصول العلم بين وجوب.
(4) ساقط من (ق) و (ت).
(5) في (ر) و (ق) أو أنقص فإن كان نقص فهل يكتفي به.
(6) البقرة: 185.

(2/746)


ذمته إلا شهر. ويلتفت هذا الخلاف (1) في القضاء، هل يجب بالأمر الأول فيكون عليه عدد الأيام، أو بأمر ثانٍ فيراعي الشهر.
...