التنبيه
على مبادئ التوجيه - قسم العبادات باب في أحكام النية في الصوم (2).
ولا خلاف [عندنا] (3) في وجوب النية للصائم وعدم الإجزاء مع غير قصدها (4)
إلا ما ذكره ابن الماجشون وأحمد بن المعذّل (5) في الصوم المتعيّن. وهذا
لأنّ الصوم عبادة محضة، وهو يقع عبادة وعادة. والنية للتمييز بين العبادات
والعادات. ثم لا خلاف أنه لا تجزي عندنا إلا أن تتقدم النية على سائر
أجزائه، فإن طلع الفجر ولم ينوِ لم يجزه في سائر أنواع الصيام إلا يوم
عاشوراء ففيه قولان: المشهور من المذهب أنه كالأول، وهذا لعموم قوله - صلى
الله عليه وسلم -: "لا صيام لمن لم يبيَّت الصيام من الليل" (6) على أنه قد
اختُلف في مقتضى هذا النفي. وتحقيقه مُحال على فنه من
__________
(1) في (ق) الخلاف على.
(2) في (ت) باب في حكم النية في الصيام، وفي (ق) باب في أحكام النية في
الصيام.
(3) ساقط من (ر).
(4) في (ت) مع عدمها وفي (ق) مع فقدها.
(5) هو: أحمد بن المعذل بن غيلان بن الحكم العبدي يكنى أبا الفضل بصري
وأصلهم من الكوفة فقيه متكلم من أصحاب عبد الملك بن الماجشون ومحمد بن
مسلمة كان ورعاً متبعاً للسنة، عليه تفقه جماعة من كبار المالكية كإسماعيل
القاضي ... توفي وقد قارب الأربعين سنة. الديباج المذهب ص: 30 شجرة النور
ص: 64 (50).
(6) أخرجه النسائي في الصيام 2334 واللفظ له، والدارمي في الصوم 1698عَنْ
حَفْصَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "مَنْ لَمْ
يُبَيِّتِ الصيَامَ مِنَ اللَّيلِ فَلا صِيامَ لَهُ".
وقال ابن حجر في فتح الباري 4/ 142: "واختلف في رفعه ووقفه ورجح الترمذي
والنسائي الموقوف بعد أن أطنب النسائي في تخريج طرقة وحكى الترمذي في العلل
عن البخاري ترجيح وقفه وعمل بظاهر الإسناد جماعة من الأئمة فصححوا الحديث
المذكور منهم ابن خزيمة وابن حبّان والحاكم وابن حزم وروى له الدارقطني
طريقاً آخر وقال: رجالها ثقات".
(2/747)
الأصول. والشاذ اختصاص يوم عاشوراء بصحة
الصوم وإن وقعت النية في النهار، لقوله - صلى الله عليه وسلم - يوم
عاشوراء: "أنا صائم فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر" (1). وظاهره يقتضي إباحة
الصيام لمن لم يبيِّته، ولعلَّه يحتمل هذا في المشهور (2) على بيان الحكم
في عدم الوجوب، ويكون معناه: فمن شاء أن يصم في عام ثان لا في هذا اليوم.
(محل النية)
وإذا ثبت اشتراط تقدّم النيّة. فلا خلاف عندنا أن محلّها الليل، ومتى عقدت
فيه أجزأت ولا يشترط مقارنتها للفجر بخلاف الصلاة والطهارة والحج، فإنا (3)
نشترط المقارنة والتقدم بالزمان اليسير على ما تقدّم تفصيله. والفرق بين
الصوم وبين سائر [هذه] (4) العبادات أن الغالب [مجيء] (5) أول زمن (6)
الصيام والناس (7) نيام. وفي تكليفهم المقارنة كبير مشقة عليهم، تُسقط
مثلها الشريعة.
(هل يجزي تبييت النية في أول رمضان علي سائره
أم لا؟)
لكن اختلف المذهب هل يجزي التبييت في أول رمضان على سائره، أو لا بدّ لكل
ليلة من التبييت؛ فالمشهور: الإجزاء. والشاذ اشتراط التبييت في كل (8)
ليلة، [لأن الليل زمان لا يصح صومه، فهو كالتابع للنهار] (9).
__________
(1) أخرجه البخاري في الصوم 203 واللفظ له، ومسلم في الصيام 1129.
(2) في (ر) يحمل هذا على المشهور.
(3) في (ر) وإنما.
(4) ساقط من (ر).
(5) ساقط من (ر).
(6) في (ر) و (ت) زمن أول.
(7) في (ق) والمكلفون.
(8) في (ر) التبييت لكل، وفي (ت) التبييت كل.
(9) ساقط من (ت) و (ق).
(2/748)
وسبب الخلاف النظر إلى تخلل الفطر، وهو
يقتضي منع اتصال العبادة، فيفتقر إلى التبييت كل ليلة. أو النظر إلى أن
الليل زمن لا يصح صومه، فهو كالتابع للنهار، أو في حكم العدم معه. أو النظر
إلى اتصال الصيام، أو التعويل على صوم جميع تلك الأيام.
(هل يفتقر سارد الصوم إلى تبييت النية كل
ليلة؟)
وعلى هذا التعليل اختلف في من شأنه سرد الصوم، أو من نذر صوم يوم بعينه، هل
يفتقر إلى التبييت كل ليلة أو يكفيه التعويل من أوله؟ ولا شك على الشاذ من
المذهب أنه يفتقر إلى التبييت. وإنما هذا الخلاف على المشهور، فمن علَّل في
رمضان بوجوب اتصال الصيام أوجب التبييت في حق من شأنه سرد الصوم وفي حق
ناذر يوم بعينه، ومن علَّل بالتعويل على إدامة الصيام لم يوجبها في حق من
يسرد الصوم وأوجبها في حق الناذر ليوم بعينه، ومن عوَّل على التعويل (1)
على صوم الأيام أسقط التبييت عن جميع هؤلاء.
وفي المذهب في ذلك ثلاثة أقوال: أحدها: إيجاب التبييت إلا في رمضان كما
تقدم. والثاني: نفي إيجابها عن سارد الصوم وعن الناذر يومًا بعينه.
والثالث: إسقاطه عن الناذر (2) دون غيره.
ولو طرأ في رمضان ما أباح الفطر فهل يفتقر إلى [إعادة] (3) التبييت؟ في
المذهب قولان. وقد قدمنا مسألة الحائض تشك هل طهرت قبل الفجر أو بعده؟ وأن
الأشياخ أخذوا منها أن إعادة التبييت لا يلزم، لأنه إنما علَّل في المدونة
وجوب القضاء بأنها لا تدري أطهرت قبل الفجر أو بعده، ولم يلتفت إلى
النيَّة. وهذا الاستقراء ظاهر على أنه قد يُعلِّل [بعلَّة] (4) ثم يعوِّل
__________
(1) في (ق) ومن علل بالتعويل.
(2) في (ق) الصارد.
(3) ساقط من (ر).
(4) ساقط من (ر).
(2/749)
على غيرها. وهذا كما قدمناه في الإمام أن
يقرأ الإمام سورة فيها سجدة (1) في صلاة الفرض خيفة التخليط. ثم سئل عن
الفذ فكرهه أيضًا. والتخليط مأمون في حقه.
وسبب الخلاف في وجوب إعادة النية (2) النظر إلى التعويل على إدامة الصوم في
الأول ووجوبه. وما طرأ من الفطر غير مؤثر في النية الأولى، ولا يفتقر إلى
تبييت. أو النظر إلى تخلل زمان يصح (3) صومه [وفطره] (4)، فصار قاطعًا
للنية الأولى.
وقد فرق بعض المتأخرين بين الحائض وغيرها بوجهين: أحدهما: أنها معولة في
الغالب على وجود الحيض فتفطر فيه، ثم تعود إلى الصيام وكأنها قاصدة في
الأول إلى التبييت بعد انقطاع الحيض، بخلاف المريض والمسافر وهذا ظاهر في
المريض وأما المسافر فإن عوَّل من (5) أول رمضان في أول صومه على أنه
يسافر، فهو كالحائض.
والثاني: أنَّ زمن الحيض لا يصح صومه فأشبه الليل، بخلاف المسافر والمريض.
وإذا قلنا بصحة التبييت من الأول فإنما يجتزي بذلك ما لم يأت بما يناقض
نيته (6).
وإن أتى بما يناقض، وقصد إلى الفطر؛ فإن كان بعد انعقاد الصوم في أثناء
النهار فقولان: أحدهما: أن ذلك لا يضره، والثاني: أنه يبطل صومه. وهما على
الخلاف في الصوم، هل كل جزء منه قائم بنفسه أو أواخره مبنية على أوائله.
فإن قلنا إن كل جزء يعطى حكم نفسه أبطلنا الصوم. وإن قلنا إن أواخره مبنية
على أوائله اختلف في هذا على الخلاف في رفض العبادة
__________
(1) في (ر) و (ت): سورة السجدة.
(2) في (ر) النية التبييت وعدم وجوبه، وفي (ت): النية التبيت.
(3) في (ق) تخلل زمن لا يصح، وفي (ر) تحلل ما يصح.
(4) ساقط من (ق).
(5) في (ر) على.
(6) في (ر) تبييته.
(2/750)
هل يؤثر أم لا؟ وإن كان قصده إلى رفض النية
قبل الفجر فلا يصح صومه. وفي هذا نظر إذا قلنا إن جميع الشهر في حكم اليوم
[الواحد] (1)، فعلى هذا يختلف فيه وإن قصد إلى الرفض قبل الانعقاد وقبل
طلوع الفجر.
...
باب في أحكام الكفارة (2)
والنظر فيها ينحصر في فصلين: أحدهما: على من تجب، والثاني: في صفتها. فأما
الأول فقد تقدَّم [الكلام] (3) عليه، وأما الثاني فهي صغرى وكبرى. فالصغرى
مدٌّ عن كل يوم بمدِّ النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأما الكبرى فقد اختلف
المذهب في صفتها؛ فالمشهور: أنه ليس فيها إلا الإطعام. لكن اختلف المتأخرون
هل ذلك من باب الأولى ويجزئ غيره، أو من باب الأوجب فلا يجزئ غيره. والشاذ
أن يكون بالإطعام وغيره. وإذا قلنا بهذا فهل تتنوع بقدر (4) أنواع الموجب،
أو تكون على حدٍّ سواء. في المذهب قولان: والأشهر تساويهما وإن اختلف
الموجب. والشاذ أنها بالإطعام إن كانت بغير جماع، وعتق أو صيام (5) إن كانت
بالجماع. وإذا قلنا بالتساوي فهل هي على التخيير ككفارة الأيمان أو على
الترتيب ككفارة الظهار؟ في ذلك قولان. وإذا قلنا بالتخيير هل يبتدأ بالطعام
أولًا أو بالعتق؟ في ذلك قولان.
وسبب الخلاف اختلاف ظواهر، [فَعُول في] (6) المشهور على قوله {وَعَلَى
الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} تعالى: (7)، وحمله على
الكفارة
__________
(1) ساقط من (ر).
(2) في (ت) و (م) الكفارات.
(3) ساقط من (ر).
(4) في (ر) بعد.
(5) في (ر) وصيام.
(6) في (م) فالقول.
(7) البقرة: 184.
(2/751)
الكبرى بتعمد الفطر. وقد قدمنا الخلاف في
معنى الآية.
ومن فرَّق بين الموجب (1) رأى أن الآية محمولة على الفطر بغير الجماع،
والأحاديث تقتضي الفطر بالجماع، ونظر أيضًا إلى أن الأشد والآثم [يجب على
الأشد في الارتكاب] (2) والجماع أشد والشهوة فيه أغلب، فكان الواجب عنه
أكبر (3) من الواجب عن غيره. ومن قال بالترتيب عوَّل على ما في بعض الطرق
من أنه - صلى الله عليه وسلم - سأل المستفتي له هل يستطيع إعتاق رقبة؟ فلما
أخبره بعدم قدرته على ذلك سأله عن استطاعته الصوم، فلما أخبره بالعجز عنه
سأله عن القدرة عن الإطعام. فهذا يقتضي الترتيب ككفارة الظهار، ولأنها
أيضًا تنوعت بأنواع الظهار ومقدرة (4) بقدرها فتجب المساواة بينهما.
ومن خيَّر فلما في بعض الطرق من التخيير، وكأن من يرى أن الأولى الابتداء
بالعتق يراعي مذهب المرتبين، ومن يرى الابتداء بالإطعام يراعي مذهب
المقتصرين عليه. هذا مبادئ سبب الخلاف بحسب ما يليق بهذا المجموع.
والإطعام [ستون مدًّا] (5) لستين مسكينًا كما في الظهار، وكذلك في الحديث
عنه - صلى الله عليه وسلم - (6). وهل تكون من عيش المكفِّر أو من غالب عيش
الناس
__________
(1) في (ر) الواجب.
(2) في (ر) يوجب الأشد في ارتكاب، وفي (م) عن الارتكاب.
(3) في (ق) أكثر.
(4) في (ر) وقدرة.
(5) ساقط من (ر).
(6) أخرج البخاري في الصوم 1936 واللفظ له، ومسلم في الصيام 1111 عن أبي
هُرَيْرَةَ رَضَي اللهُ عَنْهُ قالَ: بَينَما نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النبِي
- صلى الله عليه وسلم - إِذ جاءَهُ رَجُلٌ فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ،
هَلَكت، قالَ: "ما لَكَ؟ " قالَ: وَقَعْتُ عَلَى امرَأَتِي وَأَنا صائم
فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "هَل تَجدُ رَقَبَةً
تُعتِقُهَا؟ " قالَ: لاَ، قالَ: "فَهَل تَستَطِيعُ أَن تَصُومَ شَهرَينِ
متَتَابِعَيْنِ" قالَ: لاَ، فَقالَ: "فَهَل تَجدُ إِطعامَ سِتينَ
مِسكِينًا؟ " قالَ: لاَ، قالَ فَمَكَثَ النبي -صلى الله عليه وسلم-
فَبَيْنا نَحنُ عَلَى ذَلِكَ أُتِىَ النبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -
بِعَرَقٍ فِيها تَمْرٌ والعَرَقُ المِكتلُ قالَ: "أَينَ السَّائلُ؟ "
فَقالَ "أنا قالَ خُذها فَتَصدَّق بِه" فَقالَ الرَّجُلُ: أَعَلَى أَفْقَرَ
مِنِّي يا رَسُولَ اللهِ، فَوالله ما بَينَ لاَبَتَيها يُرِيدُ
الحَرَّتَينَ أَهلُ بيتٍ أَفْقَرُ من أَهلِ بَيتِي، فَضَحِكَ النبِي - صلى
الله عليه وسلم - حَتَّى بَدَتْ أَنْيابُهُ ثُمَّ قالَ "أطْعِمهُ أهلَكَ".
(2/752)
إن اختلف ذلك. قال أبو الحسن اللخمي: "يجري
على الخلاف في الكفارة في زكاة الفطر".
وأما الرقبة فيشترط فيها السلامة [والإيمان] (1) كما يشترط في سائر
الكفارات. وبيان ذلك يأتي في كتاب الإيمان والظهار.
...
فصل (تعدد الكفارة)
وعندنا أن الكفارة تتعدد بتعدد الأيام. وهل تتعدد بتعداد الانتهاك في اليوم
الواحد؟ أما إن انتهك قبل أن يكفِّر فلا خلاف أنها لا تتعدَّد، وأما إن
كفَّرَ ثم انتهك، فإن أكل أو شرب أو جامع فللمتأخرين قولان: أحدهما: إيجاب
كفارة ثانية وثالثة وإن أكثر الانتهاك تكررت (2) الكفارة. والثاني:
الاقتصار على كفارة واحدة وهو خلاف في عودة حرمة اليوم بإخراج الكفارة أو
نفي عودتها.
(عقوبة من ظهر عليه الأفطار متعمداً)
وتجب العقوبة على من ظهر عليه الإفطار في رمضان متعمدًا. وإن جاء مستفتياً
[تائباً] (3) فأجراه أبو الحسن اللخمي على الخلاف في شاهد الزور إذا جاء
مستفتيًا. وفي عقوبته قولان. والظاهر هاهنا نفي العقوبة لأنّ الرسول - صلى
الله عليه وسلم - يعاقب المستفتي له في ذلك (4). وأيضاً، فإن شهادة الزور
أكبر من انتهاك حرمة الصوم لتعلقها بالغير (5)، ولأن الرسول عليه السلام
__________
(1) ساقط من (ر).
(2) في (ر) كثرت.
(3) ساقط من (م) و (ق) و (ر).
(4) يدلّ عليه الحديث السابق.
(5) في (ر) بالعين.
(2/753)
عدَّها من أكبر الكبائر ثم ردَّدَّ قوله: "ألا وقول الزور" حتى تمنىَّ
الحاضرون سكوته" (1).
وإذا وجبت العقوبة كان مصروفة إلى الاجتهاد بقدر جرأة الفاعل وعدم جرأته.
(وجوب الكفارة على السفيه)
وتجب الكفارة على كل مكلف وإن كان سفيهاً. ويكفر عنه وليُّه بالإطعام إن
قلنا إنه متعيِّن، أو يأمره بالصيام إن قلنا بأن الكفارة على التخيير. وأما
إن قلنا إنها على الترتيب فتجري على حكم كفارة الظهار. وفيها خلاف هل يجزي
على السفيه الصيام عنه وإن كان واجداً للرقبة، أو لا تجزيه إلا الرقبة؟
وبيانه يأتي في موضعه.
... باب في أحكام نذر
الصيام والتطوع
والأصل في النذر أنه إلزام من المكلَّف، فيحاذي فيه قصده وما نصَّ عليه.
وإن لم يقصد شيئًا (2)، وكان اللفظ محتملاً الأقل والأكثر فبأيهما يلزم؛ في
المذهب قولان: أحدهما: أنه يلزمه (3) الأكثر حتى ينصَّ على الأقل أو يقصد؛
لأنه عمَّر ذمته، ولا تبرأ إلا بالأكثر. والثاني: أنها تبرأ بالأقلِّ حتى
ينصَّ على الأكثر أو يقصده (4).
__________
(1) أخرج البخاري في الاستئذان 6273 واللفظ له، ومسلم في الإيمان 87 عَنْ
عَبدِ الرَّحمَنِ بن أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ قالَ: قالَ رَسُولُ الله
- صلى الله عليه وسلم -: "أَلاَ أُخبرُكُم بِأكبَرِ الكَبائِرِ؟ " قالُوا:
بَلَى يا رَسُولَ الله، قالَ: "الإشراكُ بالله وَعُقُوقُ الوالدين"
حدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدّثَنا بِشْرٌ مِثْلَهُ وَكانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ
فَقال: "أَلاَ وَقَولُ الزورِ" فَما زال يُكَرِّرُها حَتَّى قُلْنا: لَيتهُ
سَكَتَ.
(2) في (ت) يقصده، وفي (ق) يقصد، وفي (ر) يقصد شيء.
(3) في (ت) و (ر) يلزم.
(4) في (ر) يقصد.
(2/754)
هذا القانون في هذا الباب وإليه ترجع أكثر
مسائله، ومنها أنه لو نذر (1) صياماً ونصَّ على لزوم التتابع فيه أو قصده
فلا يختلف في لزوم ذلك، فإن نصَّ على عدم التتابع أو قصده فلا يختلف فيه
أنه لا يلزم.
وإن أتى بلفظ محتمل ولم يقصد شيئًا ففي المذهب ثلاثة أقوال: أحدها: أنه
يلزمه التتابع، ذكر أعواماً أو شهورًا جملة أو واحدًا [أو أيامًا. والثاني:
أنه لا يلزمه التتابع في الثلاث صور. والثالث: أنه إن ذكر أعوامًا أو
شهورًا جملة أو آحاداً] (2) لزمه التتابع. وبالعكس إن ذكر أيامًا فقولان في
اللزوم ونفيه، راجعان إلى الأصل المتقدم. وأما (3) التفرقة فلأن الأيام عند
هذا القائل يصح تواليها وعدم تواليها. والشهور والأعوام تقتضي ألفاظها
الموالاة. وهذا شهادة وحكم على اللغة والتحاكم إليها، [وكأن هذا القائل]
(4) يرى أنه كالنص على التتابع إذا ذكر شهرًا أو شهوراً أو أعواماً، أو
كالآتي بلفظ يقتضي ظاهره ذلك. فخرج عنده اللفظ عن أن يكون مستجملاً (5) لا
يقتضي شيئًا.
وينخرط في هذا السلك أن ينذر شهرًا ويبدأه (6) في أثناء الشهر لا في أوله،
ففيه قولان: أحدهما: أنه يجزيه تسعة وعشرين يوماً لأنها الأقل. والثاني:
أنه يلزمه (7) إكمال ثلاثين يوماً لأنه الأكمل. ومنه أيضًا أن ينذر نصف شهر
ففيه قولان (8): أحدهما: هل يبرأ بأربعة عشر يومًا، أو لا يبرأ إلا بخمسة
عشر يومًا.
__________
(1) في (ر) نوى.
(2) ساقط من (ر).
(3) في (ر) ولأن.
(4) في (ر) بل.
(5) في (ت) مسجلاً وفي (ق) سجلاً وفي (م) مستحيلًا.
(6) في (ر) شهوراً وينذره، وفي (ت) و (م) شهرًا ومبداه.
(7) في (ق) لا يجزيه إلا.
(8) في (ق) القولان.
(2/755)
وكذلك [اختلف] (1) لو حلف ألا يفعل فعلاً
إلى (2) نصف شهر؛ ففيه القولان كما تقدم. ومن هذا الأسلوب أيضًا أن ينذر
سنة بعينها، فهل يلزمه أن يقضي الأيام التي لا يصح صومها؟ في ذلك قولان.
ولو نصَّ على القضاء أو قصده لم يختلف فيه، [ولو نصَّ على [نفي] (3) القضاء
أو قصده لم يختلف فيه أيضًا] (4)، وإنما الكلام على نفي النص والقصد إليه،
وكلامنا (5) على قضاء يومي العيدين. وأما اليومان اللذان بعد يوم النحر
فحكمهما الفطر على المشهور من المذهب. وقد قدمنا ما فيهما من الخلاف. وأما
اليوم الرابع من يوم النحر فيصومه هذا، على المشهور من المذهب، فقد قدَّمنا
ما فيها من الخلاف أيضًا.
فإذا (6) قلنا إنه يقضي من الأيام التي يفطر فيها، فهل يلزمه قضاء شهر
رمضان أيضًا لأنه يصومه لغير النذر؟ للمتأخرين فيه قولان: أحدهما: أنه لا
يلزمه القضاء؛ لأنه نذر أن يصوم وقد صام. والثاني: لزومه (7).
وكل ما رأيت من الخلاف بين الأقل والأكثر فهو جار على هذا الأسلوب الذي
ذكرناه، وعليه يجري حكم (8) الأيمان [في ذلك] (9) هل يبدأ فيها بالإقل أو
بالأكثر؟ في المذهب في ذلك قولان. وسيأتي بيانه في [كتاب] (10) النذور إن
شاء الله.
...
__________
(1) ساقط من (ق) و (م) و (ت).
(2) هكذا في (ت) وفي (ر) ألا يحلف فعلًا إلا نصف.
(3) ساقط من (م).
(4) ساقط من (ر).
(5) في (ت) والقصد وكلامنا وفي (ر) والقصد في كلامنا.
(6) في (ق) وإذا.
(7) في (ق) "أنه يلزمه القضاء؛ لأنه صامه لغير نذر فأشبه ما أفطره من
النذر". وقد حصل في (ق) تقديم وتأخير بين القولين.
(8) في (ق) تجري أحكام.
(9) ساقط من (ق).
(10) ساقط من (م) وفي (ر) و (ت) باب.
(2/756)
فصل (كراهية النذر)
وكرِه مالك رحمه الله توقيت منذور من صيام أو غيره، وهذا إن كان لأمر يرجوه
المكلَّف أو يخافه، ففي الحديث النهي عن ذلك. وقال - صلى الله عليه وسلم -:
"إنما يستخرج ذلك من البخيل" (1) معناه: أن هذه الأشياء تكون كالمعاوضة،
وأن المكلَّف إذا فعل منها فعلًا استحق أن يعاوض (2) عنها بمطلوبه. والله
تعالى يجلُّ عن الأعواض والانتفاع بالعبادات. وإن كان النذر لغير ذلك
فكراهيته لئلا يأتي وقت العبادة في زمان يشق على الإنسان أداؤها فيه،
فيأتيها مسخطًا أو مكرهًا، فيكون حينئذ إلى العقوبة أقرب منها إلى المثوبة
(3). لكن من نذر [من ذلك] (4) شيئًا فعليه الوفاء بنذره لقوله - صلى الله
عليه وسلم -: "من نذر أن يطيع الله فليطعه" (5). وهذا إذا نذر ما يكون طاعة
ويصح انعقاده. ومثاله في الصوم أن ينذر صيام يوم قدوم فلان فيقدم ليلًا،
فإنه [يصح صيامه] (6) صبيحة تلك الليلة. وإن قدم نهارًا فلا يصح انعقاد
الصوم لذلك اليوم عندنا. وهل عليه قضاؤه؟ في المذهب قولان، وهما على الخلاف
في القصد هل يتعلق باليوم بعينه فلا يكون عليه القضاء، أو يتعلق بوجوب صوم
يوم شكرًا لله تعالى؟ فإن صحَّ صوم يوم القدوم صامه، وإلا صام يومًا مكانه.
ولو قدم في الأيام الممنوع صومها كيومي العيدين؛ فالمنصوص نفي القضاء.
وخرَّجه أبو الحسن اللخمي على الخلاف، وهو بيِّن على ما علَّلناه.
__________
(1) لم أقف عليه بهذا اللفظ، وقد أخرجه البخاري في الأيمان والنذور 6694،
ومسلم في النذر 1640 واللفظ له عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيّ -
صلى الله عليه وسلم - قالَ: "إن النَّذْرَ لاَ يُقَرّبُ من ابن آدم شَيئًا
لَمْ يَكُن الله قَدَّرَهُ لَهُ وَلَكِنْ النَّذرُ يُوافِقُ القَدَر
فَيُخرَجُ بذَلِكَ من البَخِيلِ ما لَمْ يَكُن البَخِيلُ يُرِيدُ أن
يُخرِجَ".
(2) في (ق) يعرض.
(3) في (ر) و (ق) التوبة.
(4) ساقط من (ق).
(5) أخرجه البخاري في الأيمان والنذور 6696.
(6) في (ر) يصوم.
(2/757)
(من نذر يوماً بعينه فنسيه)
ومن مواقع (1) الخلاف في النذور أن ينذر يومًا بعينه ثم ينساه؛ ففي المذهب
ثلاثة أقوال: أحدها: أنه يصوم يومًا من أيام الجمعة كائن ما كان، وهذا
نظراً إلى أن المقصود يومًا (2) وهي متساوية. والثاني: أنه يصوم سائر
الأيام؛ لأنه عيَّن يوماً وجهله، فلا يتحصل له إلا بصوم جميع الأيام. وكان
هذين القولين جاريان على ما تقدم في براءة الذمة بالأقل أو بالأكثر.
والثالث: أنه يصوم آخر يوم [من الجمعة] (3)، فيجعله قضاء إن لم يكن هو.
وهذا نظرًا إلى المقصود (4)، لكنه راعى التعيين.
...
فصل (ما يقطع التتابع)
وقد قدمنا الخلاف في صيام أيام التشريق لمن نذرها أو قضى فيها رمضان، وذلك
الخلاف جار في صومها عن الكفارات. وإذا كانت الكفارة مما يلزم تتابعها فلا
تبتدئ في أول ذي الحجة ولا في أول ذي القعدة، للعلم بأن التتابع سينقطع.
فإن (5) ابتدأت قصدًا، فلا شك في قطع التتابع ووجوب الابتداء. وإن ابتدأ
قبل ذلك فطرأ مرض أو عذر اقتضى الإفطار حتى [رجع إلى الصيام] (6) في ذي
الحجة وتخلل يوم النحر (7) فهل ينقطع بذلك التتابع؟ في المذهب [قولان، وهما
على
__________
(1) في (ق) مواضع.
(2) كذا في جميع النسخ. ولعل الصواب: "يوم".
(3) ساقط من (م) و (ق).
(4) في (ق) إلى أن المقصود يوم.
(5) في (ق) و (ت) وإن.
(6) في (ر) وقع الصيام.
(7) في (ق) و (ت) تخلل يوم الفطر.
(2/758)
الخلاف في الإفطار لعذر النسيان أو غيره هل
ينقطع به التتابع أم لا؟ في المذهب] (1) ثلاثة أقوال: انقطاعه، وعدم
انقطاعه، والتفرقة بين أن يقع (2) الإفطار [مع القصد، ظاناً] (3) أن الزمان
ليس بزمان الصوم، فينقطع (4) التتابع. [أو يقع النسيان مع العلم بأن الزمان
زمان الصوم، فلا ينقطع التتابع] (5).
ويمكن تخريج هذا على الخلاف في الصيام والنذر، هل بابه من أبواب المأمورات
فلا يفترق عمده من نسيانه، أو من باب المنهيات فيفترق كما قدمناه في كتاب
الطهارة؛ وأما التفرقة فلأن ناسي العدد أو جاهل الزمن معه ضرب من التفريط،
فلا يصح عذره.
...
[فصل] (6) (حكم من أفطر في صوم نذر)
ومن أفطر في صوم نذرة فإن كان عمدًا (7) [عصى ووجب] (8) عليه القضاء، وإن
كان نسيانًا أو لعذر؛ فإن كان النذر غير معيَّن وجب القضاء، وإن كان
معيَّنا فأربعة أقوال: أحدها: وجوب القضاء مطلقًا قياسًا على رمضان، ولأن
في ذمَّته صومًا لم يوف به. والثاني: نفي القضاء، وهو بناءٌ على أن بابه
باب المنهيات. والثالث: إيجاب القضاء في النسيان ونفيه في الحيض والمرض؛
لأنّ الناسي معه ضرب من التفريط. والرابع: النظر إلى
__________
(1) ساقط من (ر) و (ق).
(2) في (ق) يقطع.
(3) في (ت) ظنًا مع القصد.
(4) في (م) و (ق) الصوم فيقطع، وفي (ر) صوم فقطع، وفي (ت) فلا يقطع.
(5) ساقط من (ت).
(6) ساقط من (ت).
(7) في (ر) من غير عذر.
(8) في (ق) وجب.
(2/759)
أن المقصود هل هذا اليوم لمعنى فيه فلا يجب
القضاء، أو إنما المقصود [صوم] (1) يوم فيجب القضاء.
...
فصل (إجازة مالك صوم الأبد)
والتطوع بالصوم لا شك أنه مشروع. وأجاز مالك رحمه الله وأصحابه صوم الأبد.
وحكى أبو الحسن اللخمي عن غير واحد منعه، وليس كما قال، [بل مذهب] (2)
فقهاء الأمصار جوازه. وإنما حكى البغداديون الخلاف عن أهل الظاهر (3). وما
ورد في الحديث من النهي عن صيام الأبد (4) محمول عند المجيزين على أشخاص
مُعيَّنين عَلِم - صلى الله عليه وسلم - من أحوالهم العجز عنه، أو لحوق
المضرة بهم.
__________
(1) ساقط من (ر).
(2) في (ق) ومذهب.
(3) في (ت) البغداديون عن أهل الظاهر منعه.
(4) من ذلك ما روي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه قال: بلغ النبي
-صلى الله عليه وسلم- أني أسرد الصوم وأصلي الليل. فإما أرسل إلي وإما
لقيته، فقال: "ألم أخبر أنك تصوم ولا تفطر وتصلي ولا تنام؟ فصم وأفطر وقم
ونم، فإن لعينك عليك حظًا وإن لنفسك وأهلك عليك حظًا". قال إني لأقوى لذلك.
قال: "فصم صيام داود عليه السلام" قال: وكيف؟ قال: "كان يصوم يومًا ويفطر
يومًا ولا يفر إذا لاقى". قال: من لي بهذه يا نبي الله؟ قال: عطاء لا أدري
كيف ذكر صيام الأبد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا صيام من صام الأبد
مرتين". "صحيح البخاري ج: 2 ص: 698). وما روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه
قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- يسألون عن
عبادة النبي -صلى الله عليه وسلم- فلما أخبروا كأنهم تقالوها. فقالوا: وأين
نحن من النبي -صلى الله عليه وسلم- قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما
تأخر قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدًا وقال آخر: أنا أصوم الدهر
ولا أفطر وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا. فجاء رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- فقال: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا أما والله إني لأخشاكم
لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي
فليس مني". (صحيح البخاري ج: 5 ص: 1949).
(2/760)
(ما يستحب صيامه)
ومما ورد في الشريعة التحضيض (1) على صيام يوم عرفة. وثبت عنه - صلى الله
عليه وسلم - أنه قال فيه: "يُكَفِّرُ السنَتَينِ (2) الماضِية
والمستقبَلَة" (3). ويليه في الفضل يوم عاشوراء، وثبت عنه - صلى الله عليه
وسلم - أنه كصوم سنة (4). ويلحق به صوم يوم التروية. ومن المرغب فيه صوم
الأشهر الحرم (5) وشعبان؛ فإنه كان - صلى الله عليه وسلم - يكثر الصيام فيه
(6)، وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - الترغيب في صوم ستة أيام من شوال (7)
وهي ما بعد يوم الفطر وأنه كصيام الدهر، وهذا لأنّ الحسنة بعشر (8)
أمثالها. فيحصل بصيام رمضان وبصيام هذه الستة الأيام ثلاث مائة وستون يوما.
وقد كره مالك صيامها، وهذا على رأيه في كراهية التحديد، لا سيما فيما يلحقه
الجاهل بالفرائض. وأجاز مطرِّف صيامها.
__________
(1) في (ر) و (ت) تحضيض.
(2) في (ت) سنتين.
(3) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 2/ 150 واللفظ له، وأحمد في مسنده 5/
296.
(4) وهو الحديث السابق تخريجه.
(5) أخرج ابن ماجه في الصيام 1741، والطبراني في الكبير 22/ 358 عَنْ أَبي
مُجِيبة الباهِلِي عَنْ أَبِيهِ أَو عَنْ عَمّهِ قالَ: أتيتُ النَبِي - صلى
الله عليه وسلم - فَقُلْتُ: يا نَبِيَّ الله أنا الرَّجُلُ الّذِي أتيتُكَ
عامَ الأوَّلِ قالَ: "فَما لِي أَرَى جِسمَكَ ناحِلاً" قالَ: يا رَسُولَ
الله ما أَكَلْتُ طَعاماً بالنَهارِ ما أَكلتُهُ إلا بالليلِ، قالَ: "مَن
أَمَرَكَ أن تُعَذبَ نَفسَك" قُلتُ: يا رَسُولَ الله، إِني أَقْوَى قالَ:
"صُم شهرَ الصَّبرِ وَيومًا بَعده" قُلتُ: إِنِّي أَقوَى، قالَ: "صُم
شَهْرَ الصبر وَيَومَينِ بَعدَهُ" قُلْتُ: إِنِّي أَقوَى قالَ: "صُم شَهْرَ
الصَّبر وَثَلاَثةَ أَيام بَعْدَهُ وَصُم أشهُرَ الحُرُم".
والأشهر الحرم أربعة هي ذو القعدَة وذو الحجة والمحرم ورجب، ثلاثة سرد
وواحد فرد. انظر مختار الصحاح 56.
(6) أخرج البخاري في الصوم 1970 عن عائِشَةَ رَضِيَ الله عَنها قالَتْ:
"لَمْ يَكُن النَبِي - صلى الله عليه وسلم - يَصومُ شَهرًا أَكثَرَ مِنْ
شَعبانَ فَإنَهُ كانَ يَصومُ شَعبانَ كُلّهُ" الحديث.
(7) أخرج مسلم في الصيام 1164 واللفظ له، والترمذي في الصوم 759 عَنْ أَبِي
أيوب الأَنصارِي رَضِيَ الله عَنْهُ: أَنَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه
وسلم - قالَ: "مَن صامَ رَمَضانَ ثُمَّ أَتبَعَهُ سِتًا من شَوَّالٍ كانَ
كَصِيامِ الدَّهرِ".
(8) في (ت) و (ر) بعشرة.
(2/761)
(كراهية إفراد
الجمعة بالصوم)
ومما وقع النهي عنه في الحديث إفراد يوم الجمعة بالصوم، لئلا يعظم كتعظيم
(1) اليهود للسبت، وأجازه مالك. قال الداودي (2) وإنما أجاز إفراده بالصوم
لأنه لم يبلغه الحديث. يريد أنه لو بلغه لنهى عنه.
ومما ثبت الترغيب فيه صوم ثلاثة أيام من كل شهر. وقد قدمنا أن بعض المفسرين
يقول هي المراد بقوله تعالى: {أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} (3). وإنما رغب في
صيامها لما قلنا من الحسنة بعشر (4) أمثالها. فيحصل من ذلك صيام الأبد. لكن
اختلف في أي الأيام يتعيَّن (5) الصوم؛ فروت عائشة رضي الله عنها عنه - صلى
الله عليه وسلم -: "أنه كان لا يعيِّن من الشهر يومًا بعينه" (6)، وروى عنه
أبو الدرداء أنه حضَّه (7) على الأيام البيض، وهي الثالث عشر والرابع عشر
والخامس عشر (8). وكان أبو الدرداء رضي الله عنه يصوم الأول والحادي عشر
والواحد والعشرين. واستحب أبو الحسن القابسي أن يصوم من أول الشهر للمبادرة
(9) إلى الأعمال خشية القواطع (10). وهذه الآثار تقتضي نفي التعين.
__________
(1) في (ر) يوم تعظيم، وفي (ت) يومًا كتعظيم.
(2) في (ر) الراوي.
والداودي هو: أبو جعفر وقد سبقت ترجمته.
(3) البقرة: 184.
(4) في (ت) و (ر) بعشرة.
(5) في (ق) يتعلق.
(6) أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الصيام 1160 عن معاذة العدوية "أنها سألت
عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
يصوم من كل شهر ثلاثة أيام قالت: نعم، فقلت: لها من أي أيام الشهر كان يصوم
قالت: لم يكن يبالي من أي أيام الشهر يصوم".
(7) في (ق) خصه.
(8) أخرجه مسلم في المسافرين 722 واللفظ له، وأبو داود في الصلاة 1433 عَن
أَبِي الدرداءِ قالَ: أَوصانِي حبيبي - صلى الله عليه وسلم - بثَلاثٍ لَن
أَدَعَهُنَّ ما عِشتُ بِصِيامِ ثَلاثَةِ أيام من كُل شَهرِ وَصَلاةِ
الضُحَى وَبأَنْ لاَ أَنامَ حتَى أُوتِرَ.
(9) في (ق) لمن صام فيَ أول الشهر المبادرة.
(10) في (ق) الموانع.
(2/762)
فصل (في قيام رمضان)
وقد تقدم أن قيام رمضان من الفضائل. والانفراد به في البيوت أفضل لأنه أسلم
للنية، إلا لمن صحَّت نيَّته، أو إذا كان الانفراد يؤدي إلى تعطيل القيام
في المساجد. ولا يلزم القيام بجميع القرآن، لكنه الأولى مع القدرة عليه.
ولا يترك من يستكمله ويصلي وراء غيره إلا أن يكون في ذلك الغير معنى من
الصلاح، أو ما في معناه ليس في المستكمل. ويجوز أن يقوم من المصحف إذا
استمر على القراءة فيه، لا أن ينظر فيه (1) عندما يشكل عليه لأنّ في هذا
شغلًا كثيراً.
وليس في أعداد الركعات شيء (2) مؤقت لا يجوز غيره. [وقد روي: إحدى عشر ركعة
كقيام النبي -صلى الله عليه وسلم-، وروي ثلاثة وعشرون، وروي تسعة وثلاثون.
وهذا الذي استحب مالك] (3). وبالجملة ليس فيها (4) توقيت كما قدمناه. وإذا
كثرت الركعات قلَّت القراءة، وبالعكس. وما يتعلق بالقنوت وغير ذلك من
الأحكام قد تقدم في كتاب الصلاة.
__________
(1) في (ق) و (ت) و (م) ولا يصح أن يقرأ في المصحف إذا استمر على القراءة
فيه إلا أن ينظر. وفي (ر) و (ل) ويجوز ...
ولعل الصواب ما أثبته لتطابقه مع ما هو موجود في المدونة وغيرها من كتب
المالكية. جاء في المدونة 1/ 224: "قال مالك: لا بأس أن يؤم الإمام بالناس
في المصحف في رمضان في النافلة. قال ابن القاسم: وكره ذلك في الفريضة ابن
وهب عن ابن شهاب قال: كان خيارنا يقرؤون في المصاحف في رمضان، وإن ذكوان
غلام عائشة كان يؤمها في المصحف في رمضان. وقال مالك والليث مثله."، وقال
أبو عبد الله العبدري في التاج والإكليل 2/ 73:"أجاز مالك أن يؤم الإمام
بالناس في المصحف في قيام رمضان وكره ذلك في صلاة الفرض". ومن المدونة
أيضًا إن ابتدأ النافلة بغير مصحف منشور فلا ينبغي إذا شك في حرف أن ينظر
فيه ولكن يتم صلاته ثم ينظر".
(2) في جميع النسخ "شيئًا".
(3) في (ر) وهذا الذي ذكره رحمه الله.
(4) في (ق) فيه.
(2/763)
|