التنبيه
على مبادئ التوجيه - قسم العبادات كتاب الاعتكاف
(تعريف الاعتكاف ومشروعيته)
وهو في اللغة: اللزوم مطلقاً، وفي الشرع: لزوم العبادات المختصة (1)
بالإنسان في الأماكن المختصة بالعبادات. وهو ثابت في شرعنا بقوله تعالى:
{وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (2). وقد كان في شرع من قبلنا،
دليله قوله تعالى: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ
وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} (3). وقد وقع لمالك رحمه الله ما ظاهره الكراهة
له، وعلل بأحد الوجهين: إما لأنه من الرهبانية التي نهت عنها الشريعة،
والظاهر بطلان هذا التعليل لما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه اعتكف
واعتكف جماعة من السلف. وإما لأنه عبادة شاقة قد يعجز عنها الداخل فيها
فيؤدي إلى قطعها وإبطالها بعد التزامها، فيلحقه الذم كما لحق مبتدع
الرهبانية، لقوله تعالى: {فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} (4).
فإذا تقررت هذه المقدمة قلنا بعدها: النظر في هذا الكتاب ينحصر في فصلين:
أحدهما: أركان الاعتكاف وشروطه. والثاني: مفسداته.
...
__________
(1) في (ر) العبادات المختص، وفي (ق) و (م) العبادة المختصة.
(2) البقرة: 187.
(3) الحج: 26.
(4) الحديد: 27.
(2/764)
فصل (في أركانه
وشروطه)
فأما أركانه وشروطه فنذكرها جملة، ثم نأخذ في تفصيلها. وهي بالقول الجلي
لزوم المعتكف (1) المسجد صائمًا مدمناً على العبادة ليله ونهاره، مشتغلاً
بكل عبادة، لا يتعلق (2) بغير نفسه.
وأما تفصيل هذا؛ فإن المعتكف يدخل المسجد وقد هيأ (3) أسباب معيشته وما
يفتقر إليه من اللباس إن كان قادرًا على ذلك. وإن كان عاجزًا فهل يجوز له
الاعتكاف ثم ينظر النظر اليسير في أسباب المعيشة وغسل ثيابه؟ في المذهب
قولان: أحدهما: إجازته للضرورة، والثاني: المنع لأنّ اشتغاله بما قلنا خروج
عن حقيقة الاعتكاف.
(مدة الاعتكاف)
وأكمل الاعتكاف في عشرة أيام والزيادة عليها خروج إلى حد الرهبانية وزيادة
على فعل الرسول عليه السلام. وقد يؤدي ذلك إلى العجز فيبطل الجميع. فإن فعل
ووفَّى به فلا حرج.
وهل يجوز اعتكاف يوم واحد؟ في المذهب قولان: الإجازة، لأنه -صلى الله عليه
وسلم- أمر بذلك عمر رضي الله عنه (4). والكراهية، اقتداءً بفعل الرسول عليه
السلام، ولم يعتكف أقل من عشرة أيام.
فإن نذر اعتكاف ليلة فهل يبطل نذره لأنه نذر ما لا يجوز (5) في
__________
(1) في (ر) و (ق) المكلف.
(2) في (ت) لا تتعلّق وفي (ر) لا تعلق.
(3) في (ر) وأحضر.
(4) أخرج البخاري في فرض الخمس 3144 واللفظ له، ومسلم في الأيمان 1656
"عَنْ نافِع أن عُمَرَ بْنَ الْخَطاب رَضِيَ الله عَنْهُ قالَ: يا رَسُولَ
اللهِ، إنَّه كانَ عَلَيَّ اعْتِكافُ يَوْمٍ في الْجاهِليَّةِ فأَمَرَهُ
أَن يَفِيَ بِهِ" الحديث.
(5) في (ت) ما لا يجزي، وفي (ق) لا يجزي.
(2/765)
الاعتكاف، إذ من شرطه الصوم، أو يصح ويلزمه
اعتكاف يوم وليلة لارتباط أحدهما بالآخر؟ في ذلك قولان.
(مكان الاعتكاف)
فإن اعتكف دون العشرة وكان لا يتخلل اعتكافه جمعة جاز أن يعتكف في سائر
المساجد. فإن اعتكف عشرة أو دونها وكان يتخلل اعتكافه يوم جمعة فهل يجوز له
أن يعتكف في غير مسجد يجمع فيه؟ (1) في المذهب قولان: المشهور أنه لا يجوز،
والشاذ جوازه. وهو خلاف في الخروج إلى الجمعة هل هو مباح لأنه من العبادة
المتعلقة بنفس الإنسان، أو لا يجوز لأنه تصرف مستغنًى عنه بأن يعتكف في
موضع تجمع فيه الجمعة؟
فإن (2) اعتكف في غير الجامع ثم أتت الجمعة، أو ابتدأ الاعتكاف في غيره ثم
ظن أن الجمعة لا تأتيه فمرض أو حاضت المرأة ثم أتتهم الجمعة أُمروا بالخروج
إليها. وهل يبطل بذلك اعتكافهم أم لا؟ قولان: أحدهما: البطلان لأنه مخالف
[لحقيقة] (3) الاعتكاف، والثاني: الصحة لأنه أمر ضروري كحاجة الإنسان. وإذا
قلنا بصحة الاعتكاف فهل يعود إلى موضع اعتكافه أو يتم في الجامع؟ قولان:
أحدهما: العودة لأنه تعيَّن بالقصد والإتمام في الجامع [مخالفة لحقيقة
الاعتكاف. والثاني: الصحة والإتمام في الجامع] (4) لأنه مساوٍ للأول،
والرجوع عمل مستغنى عنه.
(حكم ابتداء الاعتكاف ونهايته)
ولا خلاف عندنا أن من دخل موضع اعتكافه بعد طلوع الفجر لا يعتد بذلك اليوم؛
لأنّ الاعتكاف لا يكون إلا بصوم، والصوم يفتقر إلى نية قبل الفجر. وإن دخل
قبل غروب الشمس اعتد باليوم. وإن دخل بعد الغروب
__________
(1) في (ق) تجمع فيه الجمعة.
(2) في (ق) وإن.
(3) ساقط من (ر).
(4) ساقط من (ر).
(2/766)
وقبل الفجر، فهل يعتد به أم لا؟ في المذهب
قولان: أحدهما: الاعتداد لأنّ المقصود (1) [دخوله في زمن يصح فيه عقد] (2)
الصوم وهو حاصل بذلك. والثاني: نفي الاعتداد به لأنّ المشروع فيها أن يجمع
بين الليل والنهار، ولا يصح استيفاء جميع أجزاء الليل (3) إلا أن يدخل قبل
الغروب.
هذا حكم ابتداء الاعتكاف، وأما نهايته؛ فإن اعتكف غير العشر الأواخر من
رمضان؛ فإن المذهب أجاز خروجه إذا غربت الشمس من آخر اعتكافه. ورأى أبو
الحسن اللخمي أنه لا يخرج إلا بعد طلوع الفجر. وعوّل على قول أبي سعيد
الخدري رضي الله عنه: فلما كانت (4) ليلة إحدى وعشرين وهي التي يخرج الرسول
عليه السلام في (5) صبيحتها من اعتكافه (6). ولعل أهل المذهب لم يعوّلوا
على هذا؛ لأنه ليس بإخبار عن قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -. ولعله
إنما قام تلك الليلة لالتماس (7) ليلة القدر. وقد قالوا إنه (8) المقصود
بالاعتكاف لأنّ (9) المعتكف مواظب على العبادة ولا
__________
(1) في (ق) الاعتداد به لأنّ المطلوب.
(2) ساقط من (ق) و (ر) و (ت).
(3) في (ر) النهار.
(4) في (ر) و (ت) كان.
(5) في (ر) و (ت) من.
(6) أخرجِ البخاري في الاعتكاف 2027 عَنْ أَبِي سعيد الْخُدرِيِّ رَضِيَ
الله عَنْهُ أَنَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَعتَكِفُ في
الْعَشْرِ الْأوْسَطِ منْ رَمَضانَ فاعْتَكَفَ عامًا حَتَّى إِذا كانَ
لَيلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَهِيَ الليْلَةُ التِي يخرُجُ مِنْ
صَبِيحَتِها مِنْ اعتِكافِهِ قالَ: "مَن كانَ اعتَكَفَ مَعي فَليَعْتَكِف
العَشرَ الأَوَاخِرَ" وَقَدْ أُرِيتُ هَذِهِ اللَّيلَةَ ثُمَّ أُنْسِيتُها
وَقَدْ رَأَيْتُنِي أَسْجُدُ في ماءٍ وَطِينٍ مِنْ صَبِيحَتِها
فالْتَمِسُوها في الْعَشْرِ الأَواخِرِ والتَمِسُوها في كُلِّ وِترٍ
فَمَطَرَت السَّماءُ تِلكَ اللَّيْلَةَ وَكانَ الْمَسجِدُ عَلَى عَرِيش
فَوكَفَ الْمسجِدُ فَبَصُرَتْ عَيْنايَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم
- جَبْهَتِهِ أَثَرُ الْماءِ والطِّينِ مِن صُبْحِ إِحدَى وَعِشرِينَ.
(7) في (ق) لإتمام.
(8) في (ق) إنما.
(9) في (ر) ولأن.
(2/767)
يتركها إلا مغلوباً (1). وإذا اعتكف في
زمان (2) يظن أن ليلة القدر فيه حصل له (3) التماسها بالعمل.
وإن كان الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان فهل يخرج عند غروب الشمس
قياسًا على الأول أو بعد طلوع الفجر؛ في المذهب قولان: البقاء إلى طلوع
الفجر؛ لأنه المروي عن الرسول عليه السلام. وإذا قلنا إنه يبقى إلى الطلوع
فهل على جهة الوجوب أو على جهة الندب؟ في المذهب قولان. وهما على الخلاف في
أفعاله - صلى الله عليه وسلم -، هل تحمل على الوجوب أو على الندب.
وثمرة الخلاف لو فعل بعد خروجه فعلاً يضاد الاعتكاف فهل يفسد اعتكافه
ويبتدئه من الأول أم لا؟ فإن أوجبنا الإقامة فسد اعتكافه وابتدأه من الأول،
وإن قلنا باستحبابه لم يفسد. وقيل إنه يفسد بنفس الخروج.
ومعنى قولنا: "إنه يخرج بعد طلوع الفجر"، أن يخرج إلى شهود العيد، فإذا
شهده رجع منه إلى أصله (4).
(اشتراط الصوم للاعتكاف)
ومن شروط الاعتكاف ألا يكون إلا بصوم، لكنه لا يختص الصوم به لأنه - صلى
الله عليه وسلم - اعتكف في رمضان. وقد استدل أصحابنا على اشتراط كونه في
صوم بقوله تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي
الْمَسَاجِدِ} (5). وهذا يقتضي تعلق الاعتكاف بالصوم لأنّ النهي عن
المباشرة إنما المقصود بها (6) في الآية منع الصيام. وهذا الاستدلال يفتقر
إلى مزيد نظر لسنا له الآن، لكن المعوَّل
__________
(1) في (ر) مطاوعة.
(2) في (ر) رمضان.
(3) في (ر) أو بحصل حصل التماسها.
(4) في (ت) أهله.
(5) البقرة: 187.
(6) في (ق) منها.
(2/768)
في ذلك على فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-
وفعل السلف. وهذا إذا كان الاعتكاف تطوعا، فإن نذره فلا يخلو أن ينذره
معلقاً بزمن [الصوم] (1) كمن نذر اعتكاف أيام من رمضان، أو أيام من صيام
واجب عليه لكفارة أو لنذر، فهذا كالأول. أو ينذره مطلقا. فهل يختص بصيام
(2) يكون له خصوصاً؟ في المذهب قولان: أحدهما: كالأول. وإنما يتعلق النذر
بالاعتكاف خاصة لا بصوم (3). لكنه لا يوقع إلا في الصوم. والثاني: اشتراط
صوم يختص به. ويرى هذا أن نذر الاعتكاف يتضمن نذر الصوم، فيلزمه صوم (4).
وهذا الذي قلناه من اشتراط الصوم إنما يلزم في الاعتكاف الذي لا يقصد به
الجوار. كالجوار في مكة، يلتزم البيت للنظر إليه (5) وذلك عبادة، ثم ينقلب
ليلًا إلى أهله، فهذا لا يلزمه (6) صوم. وكذلك إن لزم غير البيت من المساجد
فقصد التحرم (7) ببيت الله تعالى ولم يقصد الاعتكاف الشرعي. فهذا أيضًا لا
يلزمه فيه الصوم.
وإذا لزم الصوم كما قلنا فطرأ ما يمنع منه كالحيض والمرض؛ فأما الحائض فلا
شك أنها تفارق المسجد في زمان الحيض. فإن انقطع عنها الدم فاغتسلت في أثناء
النهار فهل يلزمها الرجوع إلى المسجد عند انقطاع الدم والاغتسال، وإن كانت
لا تصوم ذلك اليوم؟ وكذلك المريض يقدر على لزوم المسجد ولا (8) يمكنه
الصوم، أو يصح في بعض اليوم (9).
__________
(1) ساقط من (ق)، وفي (ت) صوم.
(2) في (ر) بصيام أو يكون.
(3) في (ر) ولا بصوم.
(4) في (ق) و (ت) فيشترط له صوم يختص به.
(5) في (ق): كالمجاورة في مكة يلتزم البيت للنظر إليها، وفي (ت) والجوار في
مكة يلزم البيت للنظر إليه، وفي (م) كالمجاورة في مكة إلزام للنذر إليها.
(6) في (ر) فهؤلاء يلزمه.
(7) في (ق) و (ر) يقصد التحريم.
(8) في (ر) فلا.
(9) في (ق) يصح بعض النهار.
(2/769)
وكذلك المعتكف في آخر رمضان يبقى عليه شيء
من اعتكافه حتى يجب عليه إتمامه في شوال، هل يجلس يوم العيد في المسجد؟ في
ذلك كله قولان: أحدهما: وجوب الجلوس في المسجد لأنه عبادة، فلا تسقط بسقوط
عبادة أخرى وهي الصوم. والثاني: أنه لا يلزمه ملازمة المسجد لأنّ ذلك الزمن
غير معتد به في (1) الاعتكاف، والإعتكاف (2) لا يكون إلا بصوم فتسقط
الملازمة في ذلك الزمن.
(هل يخرج المعتكف لصلاة العيد وغيره من
العبادات أم لا؟)
وإذا أوجبنا الملازمة يوم العيد هل يخرج إلى صلاة العيد أم لا؟ قولان.
والخروج مراعاة لقول من يقول لا يلزمه [اللزوم وإلا فصلاة] (3) العيد سنة.
فلا (4) ينبغي أن يخرج إليها مع وجود اللزوم والاعتكاف متصل. فيلزم المنوي
منه بالدخول فيه كما تلزم العبادة المتصلة بالدخول فيها.
ولو [نوى] (5) اعتكاف عشرة أيام مثلًا فدخل فيها لزمه إتمامها كما يلزم
إتمام الحج والركعتين من النافلة واليوم في صوم التطوع إذا دخل فيه. ولو
نوى صوم عشرة أيام لم يلزمه تمامها بالدخول في أولها لأنها غير متصلة بقطع
الليل. وقد قدمنا أن الاعتكاف عبارة عن لزوم العبادات التي تختص بالنفس،
ولا ينقطع عنها إلا مضطراً، ولا يخرج إلا لحاجة الإنسان أو لأخذ المعيشة عن
قرب إن افتقر إلى ذلك، ولا يترك ما هو فيه لعبادة تختص بالغير كتشييع
الجنازة أو عيادة المريض والحكومة بين الناس وأداء الشهادة إذا افتقر
أداؤها إلى الخروج واشتغال. فإن كان لا يفتقر إلى خروج وقلّ الاشتغال جاز.
واختلف المذهب في صلاة المعتكف على الجنازة في موضع اعتكافه،
__________
(1) في (ق) من.
(2) في (ر) غير معتد بالاعتكاف ولا يكون.
(3) في (ر) أو لأنّ صلاة.
(4) في (ر) و (ت) ولا.
(5) ساقط من (ر).
(2/770)
فأجيز لأنه من جنس الصلاة، وكره لأنها فرض
على الكفاية تتعلّق بالغير.
واختلف أيضًا في صعود المؤذن المنارة إذا كان معتكفاً. فأجيز لأنه ذكر،
ومنع لأنه غير متعلق بالنفس وله محل مخصوص يؤدى فيه.
...
فصل (مفسدات الاعتكاف)
وأما (1) مفسدات الاعتكاف، فكل ما يوجب الكفارة في الصيام يفسد الاعتكاف
بلا خلاف. وأما ما يقتضي القضاء فهو على قسمين: أكل وشرب وما في معناهما.
فلا يُفسد (2) الاعتكافَ نسيانُهما (3) وإن أوجب القضاء عندنا. وقبلة
ومباشرة وما في معناهما تبطل الاعتكاف عندنا على أيّ حال وقعت؛ في ليل أو
نهار، لقوله تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي
الْمَسَاجِدِ} (4). والمقصود بهذه الآية عند أصحابنا مقدمات النكاح. ولا شك
أنَّ النهي عن أواخره تضمنته الآية من باب أولى.
ويناقض الاعتكاف زوال العقل بأي وجه كان، لكنه إن كان سببه مكتسب كالسكر،
أفسده جملة وبدأ من أوله. وإن كان سببه من الله تعالى كالإغماء والجنون،
كان كالمرض يجب قضاء الزمن الذي فقد فيه عقله على ما نفصلّه فيما بعد.
وأما المعاصي التي لا تفسد الصيام ولا تفقد العقل؛ فالصغائر منها لا تبطل
الاعتكاف، وفي الكبائر منها قولان: رأي المغاربة أنها لا تبطله، قياسًا على
الصوم. ورأي البغداديين أنها تبطله؛ لأنها مناقضة لمعنى الاعتكاف.
[وتنازعًا] (5) قوله في الكتاب: "وإن سكر ليلًا فصحَّ عقله قبل الفجر فسد
__________
(1) في (ر) و (ت) فأما.
(2) في (ت) معناهما يبطل.
(3) في (ر) و (ت) و (ق) نسيانه.
(4) البقرة: 187.
(5) ساقط من (ر).
(2/771)
اعتكافه"، هل ذلك لأنه أتى بسبب يفقد به
عقله فعطل زمنًا من الاعتكاف، أو لأنه أتى بكبيرة؟ وقول ابن شهاب وعطاء أو
يحدث (1) ذنبًا مما نهي عنه. وهذا يساعد (2) رأي البغداديين.
واختلف في خروجه مضطراً لما يتعيَّن عليه من حق الله تعالى كالجهاد، أو في
حق آدمي كالسجن في دين، هل يبطل اعتكافه لأنه قاطع لاتصاله كقطع الصلاة
بفعل يضادها (3)، أو لا يبطل لأنه لضرورة كالمرض والحيض؟
وهذا إذا لم يقصد بالاعتكاف هروبا من حق وجب عليه، وإن قصد ذلك بطل
اعتكافه، ولا يختلف فيه.
وإذا بطل الاعتكاف وجب القضاء على الإطلاق، وإن طرأ ما يقطع الاتصال ولا
يفسده (4) كالمرض والحيض.
فكل موضع يجب فيه قضاء الصيام [يجب فيه قضاء الاعتكاف، [وكل موضع لا يجب
فيه قضاء الصيام] (5)، أو يختلف فيه كالنذر المعيَّن يمرض فيه أو تحيض
المرأة فيختلف في قضاء الاعتكاف] (6) كما اختُلف في قضاء الصوم.
(جواز عقد النكاح للمعتكف)
و [أجازوا] (7) للمعتكف أن يعقد النكاح ويتطيب بخلاف المحرم. والفرق أن
المعتكف في موضع لا يخالط فيه النساء ولا يرى من يفتنه،
__________
(1) في (ر) ابن شهاب وعصى أو حدث، وفي (ت) ابن شهاب: وإن عصى أو أحدث.
(2) في (ق) و (ت) يساعده.
(3) في (ر) لفعل يضادها، وفي (ت) بفعل ما يضادها.
(4) في (ق): فلا يفسده.
(5) [يجب فيه ... قضاء الصيام] ساقط من (ت).
(6) ساقط من (ر).
(7) ساقط من (ر).
(2/772)
فيكفيه الاحتراز بموضعه. والمحرم في موضع
متعرض لمخالطة (1) النساء، فنهي عن عقد النكاح ودواعيه من الطيب وما في
معناه.
...
فصل (المقصود بالاعتكاف إحياء ليلة القدر)
والمقصود بالاعتكاف إحياء ليلة القدر وإصابتها بالعمل. وقد كان النبي -صلى
الله عليه وسلم- يعتكف العشر الأواسط من رمضان، ثم أُعلم أن مطلوبه في
الأواخر فاعتكف (2) في العشر الأواخر (3).
واختُلف في العشر الأواخر، وسنذكر خلاف الناس فيها. وشذ بعضهم فقال إنها
كانت في زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ثم رفعت. وهذا غير صحيح؛ لأنّ
النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بالتماسها، وأخبر أن أمته أنها اعطيتها لما
[تقلص من] (4) أعمارها حتى تنوب لها منابة طول أعمار الأمم الماضية. وهذا
يدلّ على بقائها لأمته.
ودونه في الشذوذ من قال إنها في جميع السنة. ويردّه قوله
__________
(1) في (ر) لمخاطبة.
(2) في (ق) فاعتكفها.
(3) أخرج مسلم في صحيحه في كتاب الصيام 1167 عن أبي سعيد الخدري رضي الله
عنه قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اعتكف العشر الأول من رمضان
ثم اعتكف العشر الأوسط في قبة تركية على سدتها حصير قال: فأخذ الحصير بيده
فنحاها في ناحية القبة ثم أطلع رأسه فكلم الناس فدنوا منه فقال إني اعتكفت
العشر الأول ألتمس هذه الليلة ثم اعتكفت العشر الأوسط ثم أتيت فقيل لي إنها
في العشر الأواخر فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف فاعتكف الناس معه قال وإني
أريتها ليلة وتر وأني أسجد صبيحتها في طين وماء فأصبح من ليلة إحدى وعشرين
وقد قام إلى الصبح فمطرت السماء فوكف المسجد فأبصرت الطين والماء فخرج حين
فرغ من صلاة الصبح وجبينه وروثة أنفه فيهما الطين والماء وإذا هي ليلة إحدى
وعشرين من العشر الأواخر.
(4) في (ر) قصر.
(2/773)
تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ
الْقَدْرِ (1)} (1)، والقرآن أنزل جميعه إلى السماء الدنيا في رمضان. وهذا
يقتضي أن ليلة القدر فيه (2).
ودونه في الشذوذ من قال إنها في جميع الشهر، ويردّه أمره - صلى الله عليه
وسلم - بالتماسها في العشر الأواخر.
ودونه في الشذوذ من قال إنها في جميع العشر الأواخر ويردّه أيضًا أمره -
صلى الله عليه وسلم - بالتماسها في الأوتار. [واختلفا القائلون بأنها في
الأوتار] (3) هل تتعينّ لها ليلة أم لا؟ فقيل تتعين. واختلف القائلون بذلك
على أعداد [أوتار] (4) العشر الأواخر؛ فقيل لا تتعين، وهو مذهب جمهور
المتأخرين. واختلف هؤلاء؛ هل تنتقل في المشهور أو لا تنتقل، بل تكون في
ليلة معيَّنة لكنها مجهولة عندنا. وفي الجهل بها فائدة كبرى (5) لئلا يتكل
المكلف عليها فيترك العمل، فإذا طلبت في زمن يظن كونها فيه حصّلها وحصّل
غيرها. وقد روي في الحديث الأمر بالتماسها في التاسعة والسابعة والخامسة
(6). فاختلف هل المقصود ظاهر هذا اللفظ، أو لتسع بقين، أو لسبع بقين، أو
لخمس بقين. فيكون المقصود ليلة إحدى وعشرين، أو ليلة ثلاث وعشرين، أو ليلة
خمس وعشرين، وهو قول مالك في الكتاب. والصحيح فيها، وفي الصلاة الوسطى، وفي
الساعة التي في يوم الجمعة أنها مجهولة عند المكلفين لفائدة كبرى، وهي كثرة
الأعمال كما قدمناه. وقد نجز عرضنا من الاعتكاف.
__________
(1) القدر: 1.
(2) في (ق) و (ت) منه.
(3) ساقط من (ر).
(4) ساقط من (ق).
(5) في (ر) كثيرة.
(6) أخرج البخاري في التراويح 2021 عَنْ ابن عَبَّاس رَضيَ الله عَنهُما
أَنَّ النَبِى - صلى الله عليه وسلم - قالَ "التَمِسُوها في العَشرِ
الأواخِرِ من رَمَضانَ لَيلةَ القَدْرِ في تاسِعَةٍ تَبقَى في سَابِعَةٍ
تَبقَى في خامِسَةٍ تَبقى".
(2/774)
|