التنبيه على مبادئ التوجيه - قسم العبادات

كتاب الزكاة
(تعريف الزكاة)
[قال الفقيه الجليل الإمام مؤلفه رضي الله عنه] (1): الزكاة في اللغة: عبارة عن الزيادة والنماء. وفي الشريعة: عبارة عن [نقص] (2) مخصوص (3) بإخراج جزء من المال، لكن سمّتها الشريعة زكاة؛ إما لأنها تعود بنماء المال، وتركها يعود بنقصانه كما روي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ما خالطت الزكاة مالاً إلا فجعته" (4)، وإما لأنها منمية للأجور، وإما لأنها مكملة (5) للأخلاق بالتطهير عن رذيلة (6) البخل.

(حكمتها)
وشرعت إرفاقاً (7) للمساكين وشكراً لله تعالى. وإليه الإشارة بقوله تعالى:
__________
(1) ساقط من (ق) وفي (ر) بدون: الجليل الإمام.
(2) ساقط من (ر).
(3) في (ق) محسوس.
(4) في (ق) و (ت) محقته.
لم أقف على هذا الحديث بهذا اللفظ وقريباً منه ما أخرجه البيهقي في سننه 4/ 159 والبخاري في التاريخ الكبير 1/ 180 عن عائشة مرفوعًا: "ما خالطت الزكاة مالًا، إلا أهلكته" قال ابن مفلح في الفروع 2/ 480: فيه محمَّد بن عثمان بن صفوان ضعفه أبو حاتم ووثقه ابن حبّان.
(5) في (ر) مكرمة.
(6) في (ر) ردات.
(7) في (ت) إرقاً.

(2/775)


{وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} (1). وتطهرًا من رذيلة (2) البخل، وهو المراد بقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (3) الآية.

(حُكمها)
وكل ما دلّ على وجوب الصلاة دلّ على وجوب الزكاة، وهما قرينان في الكتاب (4) والسنَّة وإجماع الأمة، وباقترانها استدل الصديق رضي الله عنه على وجوب مقاتلة مانعي الزكاة.

(بعض حِكمها وأسرارها)
وقد عدلت الشريعة فيها بين أرباب المال والمساكين فلم تعلقها بغير النامي من المال. ولهذا تعلقت بثلاثة أنواع: النماء المحض، وهو النبات والمعدن. وما ينمو بطبعه، وهي الماشية. وما هو معد (5) للنماء، وهو العين؛ الذهب والفضة. وأسقطتها من العروض إلا أن يقصد بها التجارة فتكون راجعة إلى حكم العين (6)؛ لأنّ نماء هذا النوع (7) يصرفه في العروض، ولا شك أن ما هو نماء في نفسه لا يفتقر إلى ضرب الحول بل تجب الزكاة عند حصوله. وما ينمو بطبعه أو بالتحريك لا يحصل فيه كمال النماء المقصود إلا بعد أن يحول عليه الحوْل، ولهذا ضربت الشريعة الأحوال للعين والماشية، وأوجبت زكاة المعدن والنبات عند حصولها.
ثم لو أوجبت الزكاة في اليسير والكثير لم يتميز الآخذ عن المعطي، وأدى إلى الإجحاف بمالك اليسير، فقدّرت النصاب. ولا خلاف أنها مقدرة
__________
(1) الحديد: 7.
(2) في (ر) ردات.
(3) التوبة: 103.
(4) في (ت) فريضتان بالكتاب.
(5) في (ر) مستعد.
(6) في (ر) و (ت): حكم تصرفه العين.
(7) في (ر) العين.

(2/776)


في النبات والماشية، وكذلك عندنا هي مقدرة في سائر الأموال التي تتعلّق بها الزكاة.
ولا خلاف أن نصاب الورق مائتا درهم، وهذا لما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لَيسَ فِيما دُونَ خَمْسِ أَواقٍ مِنَ الوَرِق (1) صدَقةٌ" (2)، والأوقية مقدرة بأربعين درهماً.
وأما الذهب فنصابه عند جمهور الأمة عشرون دينارًا، وقد روي عنه - صلى الله عليه وسلم - حديث موافق لهذا التقدير لكن لم يثبت سنده، والمعوّل على تقدير (3) صرف الدينار بعشرة دراهم خالصة (4).
...

فصل (زكاة العين)
وإذا تقرر [ما قدمنا] (5) قلنا بعده النظر في هذا الكتاب وهو زكاة العين، ينحصر في ركنين: أحدهما: أحكام النصاب والأحوال، والثاني: أحكام الفوائد والديون والتجارات وتميزها مع الاختلاط. وهذا الركن كأنه فرع للأول.

(نصاب العين)
ونبدأ بالنظر في نصاب العين وتفصيل أحكامه ثم نحاذي ترتيب الكتاب. وقد قدمنا مقدار نصاب العين وهو إن كان كاملًا لا نقص فيه وزناً ولا صفة وجبت الزكاة كما قدمناه ثم الزائد عليه يؤخذ منه بحسابه.
__________
(1) في (ر) و (ق) و (م) الفضة.
(2) أخرجه البخاري في الزكاة 1459، ومسلم في الزكاة 980 واللفظ له.
(3) في (ت) تقرر.
(4) في (ر) خاصة، وغير واضحة في (ت).
(5) ساقط من (ر).

(2/777)


(نصاب العين الناقصة إذا كان التعامل بالوزن)
ولا خلاف أن المأخوذ ربع العشر، وهو من العشرين دينار نصف دينار، ومن المائتي درهم خمسة دراهم، وما زاد على ذلك أخذ بحسابه.
وإن نقصت الدنانير والدراهم عن هذا المقدار فلا يخلو [من] (1) أن يكون التعامل بها بالوزن أو بالعدد؛ فإن كان التعامل بها بالوزن وكان النقص يؤثر في انحطاطها عن الحاصل بالكامل (2) لم يختلف في أن الزكاة غير واجبة. وإن كان لا يؤثر فإن كان النقص كثيرًا فلا خلاف أن الزكاة غير واجبة. وهذا القسم كأنه لا يتصور إذ لا يتعامل بالوزن ويكثر النقص ثم يتوصل بالناقصة إلى ما يتوصل إليه بالوازنة إلا أن ينظر إلى القيمة. ولا خلاف عندنا أنه لا تراعى القيمة في التقدير. وحكى الغزالي عن مالك رحمه الله مراعاتها، وأن الشافعي أطنب في الرد عليه، ولا يوجد ما قاله في المذهب وإنما رأى ما في الموطأ من أنها إذا نقصت وكانت تجوز بجواز الوازنة وجبت الزكاة، فظن أن النقص في المقدار والجودة (3) في الصفة، لأنها بارتفاع قيمتها تلحق بالوازنة. وهذا الذي ظنوه باطل قطعًا وليس هو مراد أهل المذهب، وإنما مرادهم (4) ما نفصله.
وإن قل النقص فلا يخلو من أن تتفق الموازين عليه (5) أو تختلف، فإن اتفقت عليه وهو يسير ففي المذهب قولان: أحدهما: وجوب الزكاة التفاتاً إلى حصول الأغراض بها كما تحصل بالكاملة، والثانى: سقوطها التفاتًا إلى النصاب المقدر (6) في الحديث. وهذا ناقص عنه. فكأنه في القول الأول لاحظ المعنى وفي القول الثاني لاحظ اللفظ وحمله على اتباع ما ورد.
__________
(1) ساقط من (ق) و (م).
(2) في (ق) الكاملة.
(3) في (ق) و (م) الجواز.
(4) في (ر) وهو مرادهم.
(5) في (ق) عليه الموازين.
(6) في (ر) و (ت) النص على المقدر.

(2/778)


فإن اختلفت الموازين وكانت في بعضها كاملة (1) وفي بعضها ناقصة فالمنصوص للبغداديين وجوب الزكاة تعويلًا على الكمال. ولا يبعد أن يجري، على قولين. وبين الأصوليين خلاف إذا اجتمع شيئان: أحدهما: موجب، والثاني: مسقط، هل يغلب الموجب أو بالعكس؟

(نصاب العين الناقصه إذا كان التعامل بالعمد)
فإن كان التعامل بالعدد فلا يخلو من أن ينقص في العدد أو ينقص في الوزن؛ فإن نقصت في العدد فلا خلاف في سقوط الزكاة، وإن نقصت في الوزن ولم تجز بجواز الوازنة فلا خلاف في سقوط الزكاة، وإن جازت بجواز الوازنة فثلاثة أقوال: أحدهما: وجوب الزكاة مراعاة للمعنى (2) كما قدمناه. والثاني: سقوطها نظرًا إلى ما ورد. والثالث: وجوبها مع النقص اليسير لا بالعكس (3). وهذا نظراً إلى أن اليسير في حكم المعفو عنه.

(نصاب العين الناقصة إذا كان النقص في الصفة)
وإن كان النقص في الصفة فلا يخلو من أن يكون أصلًا في المعدن (4) بأن يكون رديئًا أو فيه من الغش [يسير] (5). فإن كان (6) من أصل الخلقة وقد اصطلح الناس على التعامل به من غير التفات إلى ذلك النقص، أو يكون بإضافة غش إليه؛ فإن كان في أصل المعدن كما قدمنا فمقتضى المذهب إلحاقه بالكامل في الصفة، فإن كان مضافًا إليه فإن كان يسيرًا جدًا وقد مر الناس على ترك مراعاته كما يقال في الدنانير المرابطية فهو كالأول لا يلتفت إليه. فإن كان كثيرًا فالمذهب على قولين: أحدهما: الاحتساب بما فيه من الخالص وإطراح الغش، فإن كمل
__________
(1) في (ق) وازنة.
(2) في (ر) للعدد.
(3) في (ق) و (ت) وبالعكس.
(4) في (ق) في أصل المعدن.
(5) ساقط من (ر)، وفي (ت) يسيرًا.
(6) في (ت) و (ق) باق فيه.

(2/779)


من (1) الخالص مقدار النصاب وجبت الزكاة، وبالعكس إن لم يكمل. وهذا هو المشهور. والثاني: النظر إلى الأكثر فيجعل [الأقل] (2) تبعاً له؛ فإن كان الأكثر هو الخالص فيجعل الجميع في حكمه وبالعكس. وهذا على الخلاف في الأتباع هل تعطى حكم أنفسها أو حكم متبوعاتها. على أن هذا القول بعيد هاهنا لأنّ المقصود بالنصاب حصول الغنى به، وقد قدرته الشريعة. فإذا وجد الغش فلا شك أن الغنى (3) المطلوب شرعاً غير حاصل فكيف يقال إن الزكاة واجبة.
ومقتضى المذهب أيضًا أن المراعى في الوزن ما كان في الزمان الأول، ولو قيل إن الإجماع عليه لَمَا بَعُدَ (4). ووقع لابن حبيب ما يقتضي مراعاة أوزان كل بلد. وتعقبه أبو الوليد الباجي، وألزم عليه وجوب الزكاة متى اجتمع للإنسان عشرون رباعياً في قطر صقلية ومن كان مثلهم؛ لأنهم يعتدون هناك بالرباعي وبه يتعاملون. وهذا الذي ألزمه غير صحيح لأنّ أهل صقلية لا يعتدون بالرباعي بدل الدنانير، وإنما يجعلونه جزءًا من الدينار، لكنهم يتعاملون به على أنه جزء كما قلنا، ولا يقتضي أن يعتدوا به كاملًا.
...

فصل (هل يكمل بالقيمة النصاب)
وهل تراعى قيمة الذهب والفضة فيكمل بالقيمة النصاب وإن قصرت في الوزن؟ أما المكسور (5) فلا خلاف في المذهب أنه لا يُلتفت إلى قيمته بل إلى وزنه، وكذلك التبر (6) ...........................
__________
(1) في (ر) كان.
(2) ساقط من (ر).
(3) في (ت) و (ر) المعنى.
(4) في (ت) لما أبعد وفي (ر) لما يعد.
(5) في (ق) و (ر) المسكوك.
(6) في (ر) التبر والمسكوك.
"التبرُ ما كان من الذهب غير مضروب فإذا ضرب دنانير فهو عين ولا يقال تبر إلا للذهب وبعضهم يقوله للفضة أيضًا والتَّبَارُ بالفتح" مختار الصحاح 31.

(2/780)


والمسكوك (1) إن تصور فيهما زيادة قيمة.
وأما المصوغ فإن كانت الصياغة غير مباحة فلا تعتبر قيمتها أيضًا بلا خلاف. وإن كانت مباحة فظاهر المذهب على قولين: أحدهما: ترك اعتبار قيمتها إلحاقًا لذلك بالمسكوك، والثاني: اعتبارها لأنها كالسلعة المملوكة ويقدر على بيعها وتحصيل العوض عنها.
وإذا قلنا باعتبار القيمة فكيف صورة ذلك؟ المنصوص أنها كالعروض فإذا بيعت وجبت الزكاة حينئذ، ولا يكمل بها الأنصاب. ويتخرج في المذهب قول ثان أنه يكمل به النصاب قياسًا على ما قيل في الحلي تكون فيه الأحجار التي لا يقدر على تخليصها أنها تزكى زكاة العين على ما سيأتي بيانه إن شاء الله.
...

فصل (جمع الذهب والفضة في تكميل النصاب)
ولما (2) كان النقدان متفقين في حال (3) المقاصد وأنهما ثمن للمبيعات وقيم المتلفات، وهذا هو المقصد الأول [بهما] (4)، ولا يختلفان إلا من باب كثرة القيمة وقلتها وجب عندنا أن يجمعا في الزكاة فيكمل النصاب من أحدهما بالآخر. لكن المراعى في ذلك الوزن دون القيمة، ويقدر الدينار بعشرة دراهم. ووقع لأشهب أن (5) أوقية الدنانير أربعة (6) [دنانير] (7)، وإنما عوّل على أن صرف الدينار في حكم الزكاة بعشرة دراهم. وأوقية الدراهم
__________
(1) في (ق) والمكسور والمراد بالمسكوك هي الدراهم والدنانير المضروبة.
(2) في (ر) وإن.
(3) في (ر) جل.
(4) ساقط من (ر).
(5) في (ر) أن المراعات جمعه نظرًا إلى أن.
(6) في (م) أربعين.
(7) ساقط من (ق) و (م) و (ر).

(2/781)


على ما ورد في الحديث [في حكم الزكاة] (1) أربعون درهمًا، لكن قد قدمنا حكم مراعاة [قيمة] (2) الصياغة.

(حكم إخراج القيمة في الزكاة أو أحد النقدين عن الآخر)
وإذا وجب إكمال النصاب منهما فهل يخرج أحدهما عن الآخر في الزكاة؟ في المذهب ثلاثة أقوال: أحدها: الجواز، والثاني: المنع، والثالث: الجواز في إخراج الورق عن الذهب لا بالعكس (3).
والمعلوم من مذهبنا منع إخراج القيمة في الزكاة؛ فمن منع مطلقًا رأى أن إخراج أحدهما عن الآخر كإخراج القيمة في الزكاة، ومن أجاز مطلقًا رأى أنهما لو تساويا في إكمال النصاب كانا كالشيء الواحد لأنّ المطلوب منهما متفق كما تقدم. ومن فرق فلأن الورق أيسر على الأخذ في التصرف (4) بخلاف الذهب.
وإذا قلنا بجواز الإخراج فهل يراعى الصرف الأول؛ الدينار بعشرة دراهم، أو صرف وقت الإخراج؟ ثلاثة أقوال: أحدها: مراعاة الصرف الأول نظرًا إلى أنه كالشرع الثابت في الزكاة. والثاني: التعويل على صرف الوقت لأنّ النظر إلى تحصيل المقصود من المقدار الواجب، وهذا لا يحصل إلا بصرف الوقت. والثالث: النظر إلى صرف الوقت إلا أن يكون المخرج دون الصرف الأول، فيلزمه أن يخرج الصرف الأول، ومثاله أن يلزمه مثلًا نصف دينار فيريد أن يخرج عنه ورقًا. فإن (5) كان صرفه أكثر من خمسة دراهم أخرج مقدار الصرف، وإن كان أقل خُيّر بين أن يخرج خمسة أو [يخرج] (6) نصف دينار. وهذا أحتياط للزكاة فيعطى للمساكين الأكثر.
__________
(1) ساقط من (ر).
(2) ساقط من (ق).
(3) في (ر) أو بالعكس.
(4) في (ق) الصرف.
(5) في (ق) و (ت) فإن.
(6) ساقط من (ر).

(2/782)


وإذا أراد أن يخرج من الجنس فإن كان المزكى مسكوكًا ووجب فيه مقدار دينار (1) كامل أخرجه من [الجنس] (2) فإن وجب بعض الدينار فهاهنا [لا يمكن من] (3) كسره إن كان التعامل بالدينار الكامل.
وأما إن كان التعامل ببعض الدينار كما يتعامل في بعض البلاد بالرباعية، فإن وجد منها مقدار كامل أخرجه. وإن لم يكن إلا بفضة فهل يجوز كسره؟ في المذهب قولان، مع الاتفاق أنه لا يجوز كسر الدينار الكامل. والإجازة في حق البعض؛ لأنه لما كان غير كامل فهي قطع فلا يفعل فيها (4) أكثر مما هي عليه، والمنع لأنّ تلك الأبعاض مسكوكة فأشبهت الدينار الكامل.
وإن كان التعامل بالكامل كما قلنا ووجب البعض هل يلزم إخراج قيمة السكة إن أخرج ذهباً؟ في المذهب قولان. والذي عند ابن حبيب أنه لا يلزمه ذلك لأنّ السكة غير مراعاة في إكمال النصاب بهذا، وكذلك لا تراعى هاهنا. ورأى أبو الحسن القابسي مراعاة السكة، فلا يجوز أن يعطى عنده للمساكين قطعة ذهب غير مسكوكة؛ لأنهم كالشركاء للمزكي. والمذهب مختلف في هذا الأصل؛ هل المساكين كالشركاء بمضي الحول، أو ليس كالشركاء؛ وإنما يجب على المكلف في ذمته مقدارٌ، متى أوصله إليهم سقط من ذمته. لكنه إنما يتعلق بالذمة يحوال (5) العين الذي في يده. وإن أخرج ورقاً أخرج قيمته مسكوكاً بلا خلاف عندنا.
وإن كان المزكى مصوغاً فله أن يخرج عنه قطعة ذهب، لكن كسر المصوغ جائز. وإن أراد أن يخرج قيمته ورقاً فإن كانت الصياغة آنية فهي
__________
(1) في (ت) كامل.
(2) ساقط من (ق) و (ت).
(3) ساقط من (ر).
(4) في (ق) بها.
(5) في (ت) لحول وهي غير واضحة في (ر).

(2/783)


على قسمين كما نبينه فيما بعد (1) محرمة ومختلف فيهاة فالمحرمة في حكم المكسورة (2)، ولا تراعى قيمة صياغتها.
وإن كانت حلياً فللمتأخرين قولان: أحدهما: أن الصياغة كالعروض يقومها المدير (3) ويتركها غيره إلى أوان البيع فيزكيها إذا باع، والثاني: أن الصياغة متابعة للعين، وهذا على ما قلناه في إعطاء الأتباع حكم متبوعاتها أو حكم أنفسها.
وإذا قلنا إنها تتبع العين فهل يزكي قيمة الصياغة إن أخرج ورقاً أو يزكي قيمة الذهب مكسورًا؟ قال أبو القاسم بن الكاتب وغيره: يزكي قيمة الواجب عليه مصوغًا. وقال أبو عمران وغيره: يزكي قيمة الواجب مكسورًا. وقد كثرت مناظرتهم في هذه المسألة حتى ألف بعضهم على بعض.
ونكتة ما عول عليه كل واحد منهم نذكره؛ وذلك أن ابن الكاتب ومن قال بقوله قاسوا المسألة على حكم جزاء الصيد، إذ المكلف مخير فيه بين أن يُخرج المثل من النَّعم أو عَدل الصيد طعاماً، فإن اختار المثل أخرجه، وإن اختار إخراج الطعام فإنما يقدر الأصل لا المثل، فكذلك هاهنا هو مخير بين أن يخرج قطعة ذهب [أو قيمتها دراهم، فإن أخرج قطعة الذهب
__________
(1) في (ر) تعد وفي (ق) يعد.
(2) في (ر) المسكوكة.
(3) في المذهب المالكي التجار على قسمين: متربص ويعرف كذلك بالمحتكر، ومدير، فالمتربص هو الذي يشتري السلع وينتظر بها الأسواق، فربما أقامت السلع عنده سنين؛ فهذا عنده لا زكاة عليه، إلا أن يبيع السلعة فيزكيها لعام واحد. وحجته أن الزكاة شرعت في الأموال النامية، فإذا زكى السلعة كل عام- وقد تكون كاسدة- نقصت عن ثمن شرائها. وأما المدير وهو الذي يبيع السلع في أثناء الحول فلا تستقر بيده سلعة فهذا يزكى في السنة الجميع يجعل لنفسه شهرًا معلومًا يحسب ما بيده من السلع والعين والدين الذي على المليء الثقة ويزكي الجميع، هذا إذا كان ينض في يده في أثناء السنة ولو درهم فان لم يكن يبيع بعين أصلًا فلا زكاة عليه.

(2/784)


أجزأه، وإن أخرج القيمة رجع إلى الأصل وأخرج، (1) قيمة المصوغ.
وأبو عمران ومن قال بقوله التفتوا إلى المسألة في نفسها فقالوا: لا يخلو أن يكون للمساكين حق في الصياغة، فلا يجوز للمكلف أن يعطي مما وجب عليه ذهباً غير مصوغ، أو يكون لا حق لهم فيها فيجوز، وإذا اتفقا على جواز إعطاء الذهب غير المصوغ فكذلك يلزم أن يعطي القيمة إذا تبيّن بما قلناه أن لا حق للمساكين في الصياغة وهذا هو الأصل (2) في المسألة. ولا مناسبة بين جزاء الصيد وبين هذه المسألة؛ لأنّ الواجب هناك أحد شيئين؛ يعني إذا اختار المثل أو الطعام وكل (3) واحد منهما أصل فيقدر كل واحد منهما بالأصل، وهاهنا القيمة إنما تجب عن الواجب في الذمة، والواجب إخراجه. فإذا جاز إخراج غير مصوغ فكذلك ينبغي أن تجزي قيمته.

(حكم اختلاف السكك)
وإذا اختلفت السكك فكان يملك نوعاً منها فأراد أن يخرج من نوع آخر؛ فإذا اتفقت في السلامة من الغش أو في مقدار الغش إن (4) كانت غير سالمة فلا شك في الجواز. فإن اختلفت (5) فأراد إخراج الأدنى عن الأجود؛ فإن أخرج من الأدنى عن وزن (6) الواجب عليه فلا شك في المنع، [لأنه أخرج دون ما يجب عليه. وإذا أخرج قيمة الواجب فللمتأخرين قولان: أحدهما: الجواز، والثاني: المنع] (7). وهذا على ما قدمناه من الخلاف هل
__________
(1) ساقط من (ر).
(2) في (ق) الأخير وفي (ت) الأول.
(3) في (ر) ولكل.
(4) في (ر) أو.
(5) في (ر) اختلفت أو يكون لا حق لهم فيها فيجوز وإذا اتفق على جواز إعطاء الذهب غير المصوغ.
(6) في (ق) دون وزن.
(7) ساقط من (ر).

(2/785)


المساكين شركاء في المقدار الواجب فلا يخرج القيمة (1) لأنه يكون ربًا (2). وإنما يجب لهم في ذمته مقدار معلوم، فله أن يعطيهم من أي الأنواع شاء. ولا شك أنه إن أراد أن يعطي الأجود عن الأدنى وأخرج مقدار الوزن فيجزيه، لأنه سلم من الربا وأعطى الأفضل، وإن أراد أن يخرج بالقيمة فيجزي على القولين.
...