التنبيه
على مبادئ التوجيه - قسم العبادات باب زكاة الحلي وما
يتعلق به
(عدم وجوب الزكاة في الحلي المتخذ للباس
ووجوبها في المتخذ للتجارة والكراء)
وقد قدمنا وجوب الزكاة في العين: الذهب والفضة وأن ذلك لكونهما متهيئين
للنماء. وإذا صيغا فجوهرهما يقتضي وجوب الزكاة، وصورتهما تقتضي إسقاطها؛
لأنهما بالصياغة لحقا بالعروض. وقد غلب مالك رحمه الله في الحلي المباح
اتخاذه حكم الصورة فأسقط الزكاة، وهذا إذا اتخذ للباس ناجزًا أو متاخرًا؛
فإن اتخذ للتجارة فالإجماع على وجوب الزكاة؛ لأنها إذا وجبت في عروض
التجارة وأصلها عدم الوجوب فأحرى أن تجب في الحلي المتخذ للتجارة، إذ أصله
وجوب الزكاة.
فإن اتخذ للكراء ليصرف في معنى مقتضاه المعاوضة والحاصل فيه غير مربوح فيه،
كمن يتخذ ليصدقه امرأته، أو اتخذ لحاجة إن عرضت [فيباع فيها] (3)، ففي ذلك
قولان: أحدهما: وجوب الزكاة نظرًا إلى أصله، ولأنه لم يتخذ للقنية والثاني:
إسقاطها نظراً إلى أنه لم يتخذ للتجارة. هذا في غير المكري.
__________
(1) في (ق) بالقيمة.
(2) في (ر) لأنه قد زاد.
(3) ساقط من (ر) و (ق).
(2/786)
وأما ما اتخذه للكراء ففيه النماء وهو
يلحقه بما اتخذ للتجارة، وبقاء العين وهو يلحق بالمقتنى للباس، ففيه شبهة
من موجب ومسقط، وقد تقدم خلاف الأصوليين أيهما يغلب؟
ولا خلاف أن العروض لا تنتقل من القنية إلى التجارة بالنية. وأما الحلي
المباح ففيه قولان: أحدهما: أنه كالعروض، ولا تنتقل إلى التجارة إن كان
أصله القنية بمجرد النية. والثاني: أنه ينتقل، لأنّ النية فيه تعيده إلى
أصله. والأصل (1) في هذه وجوب الزكاة.
...
فصل (تمييز المصوغ المباح من غيره)
ولما كان المصوغ يتنوع فتجب الزكاة فيما لا يباح منه وتسقط فيما يباح، وجب
أن يبين المباح من غيره، وهو على قسمين: آنية وحلي.
فالآنية إن اتخذت للاستعمال فجمهور الأمة على تحريمها، وإنما يخالف داود
(2) في الأكل دون الشرب. وقوله باطل قطعًا. وإن اتخذت للزينة فالمذهب على
قولين: الجواز لأنّ الحديث وارد في الاستعمال، وعموم قوله تعالى: {قُلْ
مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ} (3) يقتضي الجواز، والمنع قياسًا على
الاستعمال.
وأما الحلي فهو مباح للنساء بلا خلاف وذلك فيما يلبسنه ويتعلق
__________
(1) في (ق) و (ت) فاصل جوهره.
(2) هو: داود بن علي بن خلف بن سليمان الأصبهاني ثم البغدادي أبو سليمان،
إمام أهل الظاهر ولد سنة مائتين وقيل سنة اثنتين ومائتين أخذ العلم عن
إسحاق وأبي ثور وكان زاهدًا متقللاً قال الشيخ أبو إسحاق في طبقاته: وكان
من المتعصبين للشافعي وصنف كتابين في فضائله والثناء عليه. قال: وانتهت
إليه رئاسة العلم ببغداد توفي في شهر رمضان سنة سبعين ومائتين". طبقات
الشافعية 2/ 77 - 78 (22).
(3) الأعراف: 32.
(2/787)
بلباسهن كالأزرار أو ما في معناها. وأما ما
يتخذ لغير اللباس فهو في حكم الأواني المتقدم بيانها.
(حكم تحلية السيف والخاتم والمصحف)
وأجمعت الأمة على إباحة تحلية السيوف والخاتم والمصحف.
فأما السيف فلا خلاف في جواز تحليته بالفضة، وهل يجوز بالذهب؟ قولان:
أحدهما: الجواز قياسًا على الفضة؛ لأنه استقني للترهيب على العدو، وهو
بالذهب أشد إرهاباً. والثاني: المنع لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم - في
الذهب والحرير: "هذان حرام على ذكور أمتي، حلال لإناثها" (1).
وأما الخاتم فلا يجوز للرجال اتخاذه ولا جزء منه (2) بالذهب لعموم الحديث
المتقدم.
وأما المصحف فيجوز تحليته بالذهب والفضة.
وهل يلحق بالسيف جميع ما يتخذ (3) آلة للحرب؟ في المذهب ثلاثة أقوال:
أحدها: اختصاص السيف بالجواز دون غيره. والثاني: إلحاق آلة الحرب به.
والثالث: قصر الجواز على ما يطاعن به ويضرب به، دون ما يتقى به ويتخذ
للتحزم. والقولان بالإلحاق والقصر على الخلاف في الرخص، هل يقاس عليها؟
والقول الثالث فلأن حقيقة القياس رد الشيء إلى مثله، ومثل السيف ما يطعن به
ويضرب دون غيره.
وإذا تقرر هذا فكل ما يباح تسقط منه الزكاة، وكل ما يحرم تجب فيه
__________
(1) لم أقف عليه بهذا اللفظ، وقد أخرجه الترمذي في اللباس 1720، وابن ماجه
في اللباس 3595 ولفظ الترمذي: "عَنْ أَبي مُوسَى الأَشْعَرِي أَن رَسُولَ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ حُرِّمَ لِباسُ الْحَرِيرِ والذهَبِ
عَلَى ذُكُورِ أمتي وَأُحِل لِإناثِهِمْ" وقالَ هَذا حَدِيثٌ حَسَنٌ
صَحِيحٌ.
(2) في (ت) وأما الخاتم فيجوز اتخاذه من الفضة ولا خير منه، وفي (ق) و (م)
وأما الخاتم فلا يجوز للرجال اتخاذه ولا خير منه.
(3) في (ر) يتخول.
(2/788)
الزكاة لأنه مكسور شرعًا، وكلما اختلف فيه
فيجري على الخلاف، هل تجب فيه الزكاة أم لا؟
...
فصل (حكم زكاة الحلي المربوط بالجواهر)
وإن كان الحلي مربوطًا بشيء من الجواهر؛ فإن كان مما يمكن نزعه من غير
فساد، وكان مما تجب فيه الزكاة زكّي ما فيه من الذهب والفضة زكاة العين،
وما فيه من الحجارة زكاة العروض. فإن لم يمكن نزعه إلا بفساد فهاهنا ثلاثة
أقوال: أحدها: تغليب حكم الجواهر التي فيه، فيزكى زكاة العروض. والثاني:
مراعاة الأكثر، فيعطى الحكم. والثالث: إعطاء كل نوع حكم نفسه فيتحرى ما فيه
من العين فيزكى، وما فيه من الحجارة يجري على حكم العروض. وهذان القولان
على الخلاف في الأتباع هل تعطى حكم نفسها أو حكم متبوعاتها؟ وأما القول
الأول فغلب فيه أحكام الحجارة إلحاقًا لها بالعروض لمشابهته لها بالصورة
والاختلاط بالحجارة.
وفي الكتاب: روى ابن القاسم وعلي بن زياد وابن نافع: إذا اشترى [رجل] (1)
حلياً للتجارة أو ورثه فَحَبَسَهُ للبيع، كلما احتاج إليه باع، أو للتجارة
(2).
وأكثر الروايات (3) على أن عقيب هذا الكلام: وروى أشهب معهم فيمن اشترى
حليًا للتجارة وهو مربوط (4) بالحجارة ولا يستطاع نزعه فلا زكاة عليه [فيه]
(5) حتى يبيعه (6).
__________
(1) ساقط من (ق).
(2) في (ق) و (م) للتجارة وفي الكتاب زكاه.
المدونة 2/ 246.
(3) في (ت) الرواة.
(4) في (ر) مربوطة.
(5) ساقط من (ق) و (ت).
(6) المدونة 2/ 246 و 247.
(2/789)
فيفهم من هذا الكلام أن الحلي إذا كان
للقنية ولم يكن للتجارة فإنه يزكيه حين يبيعه، ولا خلاف أن سلع القنية ليست
كذلك. وفي رواية ابن وضاح (1) زيادة "زكاة" بين قوله "أو للتجارة" وبين
"وروى أشهب" (2).
وعلى هذه الرواية يكون الحكم بيّنًا؛ فتحمل رواية ابن القاسم وعلي بن زياد
وابن نافع على حلي غير مربوط بحجارة، وهو للتجارة فيزكى. ورواية أشهب (3)
على الحلي المربوط بالحجارة (4). وتكلم فيها على الشراء خاصة، ولا زكاة فيه
حينئذ إلا أن يبيعه على القول أنه كالعروض، إذا لم يستطع نزعه إلا بفساد.
ورواية الجماعة محمولة على الحلي غير المربوط. والجواب في رواية أشهب أنه
يزكيه كالعين. وهذا حكم الحلي [المربوط] (5) نظراً إلى أصله. وقد قدمنا
الخلاف في الحلي إذا كان للقنية هل ينتقل إلى التجارة بالنية بخلاف العروض
أو لا ينتقل؟
...
__________
(1) الإمام الحافظ محدث الأندلس أبو عبد الله محمَّد بن وضاح المرواني مولى
عبد الرحمن بن معاوية الداخل ولد سنة تسع وتسعين ومئة ارتحل إلى العراق
والشام ومصر وجمع فأوعى. كان عالماً بالحديث بصيرًا بطرقه وعلله كثير
الحكاية عن العباد ورعاً زاهدًا صبوراً على نشر العلم متعففاً نفع الله أهل
الأندلس به، ولا علم له بالعربية ولا بالفقه، توفي ابن وضاح في المحرم سنة
سبع وثمانين ومئتين" سير أعلام النبلاء 13/ 445 - 446 وشجرة النور 76
(116).
(2) هذا يبين أن النسخة التي اعتمدتها دار صادر في طبع المدونة هي من رواية
ابن وضاح، لأنّ اللفظة التي أشار إليها ابن بشير موجودة فيها، وهي قوله:
"للتجارة زكاة. وروى أشهب".
(3) في (ق) و (ت) أشهب معهم على.
(4) في (ق) و (م): بالحجارة ولا يظهر لإسقاط ما أثبته ابن وضاح معنى، إلّا
أن يقال رواية أشهب في الحلي المربوط بالحجارة.
(5) ساقط من (ق).
(2/790)
باب في أحكام نماء
المال والفوائد
ولا خلاف [عندنا] (1) أن الأولاد تزكى (2) على حول الأمهات، وسيأتي حكمها
في زكاة الماشية. وأما الأرباح فالمعروف من المذهب أنها كالأولاد تزكى على
حول الأصل، والشاذ أنها كالفوائد يستقبل بها حولاً من يوم الحصول. وهذا على
ما يقوله الأشياخ على الخلاف في المترقبات هل تعد حاصلة من يوم ترقبها أو
من يوم حصولها؟ والصحيح أن الأرباح مضافة إلى أصولها لأنّ العين إنما تعلقت
بها الزكاة لكونها معدة للنماء، ولا تنمى إلا بالأرباح، والأرباح أولى بأن
تجري فيها الزكاة لأنها في حكم ما يستخرج من المعدن وما يحصل من النبات.
وإنما تخيل من قال بالاستقبال إن صح على أنه لا يكاد [يوجد] (3) نماء أن
الأرباح حاصلة يوم نضوضها (4) وهي ليست جزءًا من المال، فأشبهت الفوائد.
وإذا تقرر أن الأرباح مزكاة على حول الأصول (5) فهل تضاف إلى يوم ملك المال
وتُعدّ كأنها موجودة في ذلك الوقت، أو إلى يوم تحريك المال والشراء به، أو
إلى يوم الحصول فيعتبر هل جميع النصاب باق في يده؟ في المذهب ثلاثة أقوال:
مذهب المغيرة وهو غير المذكور في المدونة أنها
__________
(1) ساقط من (ق).
(2) في (ر) و (ت) مزكاة.
(3) ساقط من (ر).
(4) في (ر) الشراء.
النضوض: من نض ينض نضوضًا، والنَّضُّ: الدّرهم الصامِتُ. والناضُّ من
المَتاع: ما تحوَّل ورِقًا أَو عينًا. قال الأَصمعي: اسم الدراهم والدنانير
عند أَهل الحجاز وإِنما يسمونه ناضًّا إِذا تحوَّلَ عينًا بعد ما كان
مَتاعًا لأَنه يقال: ما نَضَّ بيدي منه شيء. وهو ما ظهر وحصل من ماله. ومنه
الخبر: خذ صدقة ما نَضَّ من أَمْوالهم أَي: ما ظهر وحَصَل من أَثمان
أَمْتِعَتهم وغيرها. وفي حديث عمرِ رضي الله عنه: كان يأخذ الزَّكاة من
ناضٍّ المالِ وهو ما كان ذهبًا أَو فِضَّة، عينًا أَو ورِقاً. انظر لسان
العرب 7/ 237.
(5) في (ق) الأصل.
(2/791)
كالموجودة يوم ملك الأصل، ومذهب ابن القاسم
أنها كالموجودة يوم الشراء، ومذهب أشهب أنها يعتبر وجودها عند الحصول.
وعلى هذا اختلف في مسألة من حال عليه الحول وعنده عشرة دنانير فأنفق منها
خمسة ثم اشترى بخمسة سلعة فباعها بخمسة عشر، واشتراها قبل الإنفاق. فمذهب
المغيرة وجوب الزكاة إن تقدم الشراء أو بالعكس (1)، ومذهب ابن القاسم وجوب
الزكاة إن تقدم الشراء لا بالعكس (2)، وهو على ما قلناه. ومذهب أشهب يعتبر
الوجود عند الحصول (3).
وهذه المسألة فيها قياس العكس للمغيرة؛ لأنه قال في الكتاب: فكما لا يحسب
ما أنفق قبل الحول فكذلك لا يترك أن يحسب ما أنفق بعد الحول قبل الشراء أو
بعده. فاستعمل الشيء وعكسه قبل الحول وقاس عليه مثله بعد الحول (4)، وهذا
هو حقيقة قياس العكس (5) عند الأصوليين. وبينهم خلاف في قبوله.
وقد ذكرنا ما قيل في مسألة كتاب الصيام هناك أنها قياس عكس، وبيَّنا أن ذلك
ليس بصحيح، وإنما هناك قياس طرْد. وإنما قاس فيها الغوارب على الطوالع، فظن
من لا تحقيق عنده أنه قياس عكس لما كان الغارب ضد الطالع وعكسه، وليس كذلك.
وإنما حقيقة قياس العكس هذا (6) الذي ذكره المغيرة، وهو كما قال أصحابنا في
الرد على أبي حنيفة في قوله: إن القيء لا ينقض الوضوء، بأن يقولوا: كل ما
لا ينقض الطهارة قليله، فلا ينقض كثيره، أصله الدم وعكسه البول. وإنما هذا
لأنّ أبا حنيفة
__________
(1) في (ر) إن تقدم الإنفاق على الشراء.
(2) في (ت) وبالعكس.
(3) ساقط من (ر) و (ق).
(4) المدونة: 1/ 243.
(5) في (ر) للمغيرة؛ لأنه قال قبل الشراء أو بعده واستعمل الشيء من حققة
قياس عكس قبل الحلول، وقاس عليه مثله فيما بعد الحول وهذا من حقيقة قياس
العكس.
(6) في (ق) هو.
(2/792)
يقول: إن اليسير من القيء لا ينقض الطهارة
ولا ينقضها (1) الكثير منه. وهو متفق معنا على أن البول يستوي قليله وكثيره
في النقض، والدم يستوي قليله وكثيره في عدم النقض، فألزمه أصحابنا استواء
قليل القيء وكثيره في عدم النقض (2).
فكذلك ألزم المغيرة أن يستوي الإنفاق بعد (3) الحول قبل الشراء أو بعده في
إيجاب (4) الزكاة، كما يستوي الإنفاق قبل الحول قبل الشراء أو بعده في
إسقاط الزكاة.
...
فصل (حكم من تسلّف مالًا فتاجر به فربح)
وإذا تقرر أن حكم الأرباح حكم الأصول فإنما ذلك إذا اشترى بمال يملكه ونقده
(5). فإن تسلف مالاً وليس عنده عوضه (6) فنقده في سلعة ثم باعها فربح فهل
يستقبل به حولاً أو يعد كالمالك له من يوم الشراء؟ في المذهب ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه يستقبل به حولاً؛ [كان الذهب كله مسلوفاً] (7)، أو كان يملك
بعضه وتسلف البعض. لكنه إنما يستقبل الحول بما يقابل الذي تسلف، وأما ما
يقابل ملكه فيزكيه على حول أصله إن كمل به النصاب. والقول الثاني: أنه يضيف
ربح السلف إلى يوم الشراء. والقول الثالث: أنه إن نقد شيئاً من عنده زكى
جميع الربح على حول يوم الشراء، وإن لم ينقد
__________
(1) في (ر) ولا ينقضه.
(2) في (ر) النقض كاستواء في ذلك واستواء البول في نقضه.
(3) في (ر) قبل.
(4) في (ر) إسقاط.
(5) في (ر) ونقد.
(6) في (ت) عروضه.
(7) في (ق) كان الذهب كله مستوفاً وفي (ر) ويعد كالمالك له من يوم الشراء.
(2/793)
من عنده شيئًا استقبل بالربح حولًا. وهذا
يقتضي خلافًا في الأرباح هل تعد حاصلة يوم (1) الشراء أو يوم الحصول إذا
كانت مسندة إلى ذمة لا إلى [مال الزكاة] (2)، [وكأن من أسقط الزكاة رأى]
(3) أن الربح لا يزكى إلا أن يستند إلى ملك فيعد كأنه نما عنه ويشبه
الولادة، ومن أوجبها رأى أن الذمة كالملك الحقيقي فأسند الربح إليها، ومن
فرق بين أن ينقد شيئًا من عنده أو لا ينقد راعى الإسناد إلى مال على الجملة
(4)، فمتى وجد أضيف إليه الربح فإذا فقد لم يوجد ما يضاف إليه فاستقبل به
حولاً.
ومن (5) اشترى على مال يملكه لكنه لم ينقد وإنما اشترى بدين فثلاثة أقوال:
أحدها: أن الربح مضاف إلى يوم ملك الأصل وإن لم ينقده. والثاني: أنه يضاف
إلى يوم الشراء. والثالث: أنه يستقبل به حولًا. ولا شك أن من قال في
المسألة الأولى بوجوب الزكاة فالوجوب عنده في هذه [المسألة] (6) أوْلى،
وأما من قال هناك بالاستقبال فتختلف أقواله في هذه المسألة الثانية، لأنه
إنما اشترى على مال وإن لم ينقده، فمن عد استعداده للنقد كالنقد أوجب (7)
الزكاة، ومن نظر إلى أنه مشترٍ بديْن ولم يعدّ الاستعداد للنقد كالمنقود،
فيختلف قوله هاهنا هل يضاف إلى يوم الشراء أو إلى يوم الحصول.
وعلى هذا اختلف على قولين فيمن اشترى بديْن ولا يملك ما ينقد فباع بربح هل
يضاف الربح إلى يوم الحصول أو إلى يوم الشراء؟
وبقيت مسائل تلحق بهذا الباب لكن تعلقها بباب الفوائد أشبه فنؤخر الكلام
عليها إلى باب الفوائد.
...
__________
(1) في (ق) من يوم.
(2) في (ق) ملك.
(3) ساقط من (ر).
(4) في (ر) بالجملة.
(5) في (ر) و (ق) فإن.
(6) ساقط من (ق) و (ر).
(7) في (ر) فمن راعى استعداده للنقد كنقده أوجب.
(2/794)
فصل (حكم من ضاع
ماله أو بعضه بعد الحول)
ولا خلاف أن الزكاة لا تجب قبل حلول الحول، فمن ضاع ماله أو بعضه حتى قصر
عن النصاب قبل حلول الحول لم يتعلق بذمته شيء. فإن ضاع بعد حلول الحول وبعد
إمكان الأداء تعلقت الزكاة بذمته، وإن ضاع بعد حلول الحول وقبل إمكان
الأداء ففي تعلقها بالذمة قولان: المشهور أنها (1) لا تتعلّق، والشاذ أنها
تتعلّق.
وهو على الخلاف في إمكان الأداء هل هو شرط في الوجوب أم لا؟ وإذا قلنا إنها
تتعلّق فإنما تتعلّق هاهنا بالقدر الباقي فيجب ربع عشره خاصة، ويلتفت في
هذا إلى الخلاف في كون المساكين كالشركاء في المال بقدر الزكاة أو ليس
بالشركاء، وقد تقدم ذلك.
ولو حال الحول على نصاب فلم يؤدِّ زكاته حتى اشترى به سلعة فربح فيها فإنه
يؤدي على العام الأول (2) على مقدار النصاب، فيؤدي مثلًا عن عشرين دينارًا
نصف دينار وكان اشترى [بها] (3) سلعة فباعها مثلًا بأربعين ديناراً (4)،
فإن كان عنده من العروض ما يقابل النصف الدينار الذي وجب عليه في الزكاة
زكى على العام (5) الثاني وعن أربعين، فإن لم يكن عنده فالمنصوص أنه لا
يزكي للعام الثاني إلا عن تسعة وثلاثين ونصف، ويجري على الخلاف في الدين
الواجب في الزكاة، هل يسقط الزكاة أم لا؟ وسيأتي بيانه في موضعه [إن شاء
الله] (6). قال ابن عبد الحكم يستقبل بالربح حولًا (7)
__________
(1) في (ر) أنه.
(2) في (ق) عن المال.
(3) ساقط من (ت) وفي (ر) به.
(4) في (ق) و (ت) فيندر.
(5) في (ر) للعام.
(6) ساقط من (ر).
(7) في (ق) حولًا كاملًا.
(2/795)
من يوم حصوله، ومنها (1) أخذ القول بأن
الربح كالفائدة (2)
...
فصل (حكم زكاة العبد)
والعبد لا يملك ملكًا حقيقياً لأنّ للسيد انتزاع ما بيده، فلهذا نقول لا
زكاة عليه فيما بيديه ولا على السيد؛ لأنه لم يملك ملكًا أيضًا وإنما ملك
أن يملك.
وهكذا نقول في المديان لا يزكي لأنه يُملك عليه انتزاع ما في يده وهذا يختص
في حق المديان (3) بزكاة العين. ولا يسقط الدين زكاة الحرث والماشية على ما
سيأتي بيانه في حكم الدين.
ولا خلاف عندنا أن العبد لا تجب عليه زكاة في كل ما في يده [وهذا لأنّ
الانتزاع يتوجه في كل ما في يده] (4)، ويجري مجراه كل من كان فيه بقية رق.
وإن أعتق استقبل بما في يديه من الناض حولًا، وكذلك الماشية على ما سيأتي
بيانه.
وأما زكاة الثمار فالخلاف [فيها] (5) عندنا هل تجب بالطيب، أو باليبس، أو
بالجذاذ؛ فإن أعتق قبل الطيب وجبت عليه الزكاة، وإن أعتق قبل الجذاذ لم تجب
عليه، وإن أعتق فيما بين ذلك فعلى الخلاف، وسيأتي بيان هذه. الأقوال
وتوجيهها في كتاب الزكاة الثاني.
...
__________
(1) في (ق) منه.
(2) في (ق) كالفوائد.
الذي في حاشية الدسوقي 1/ 461: "قال ابن عبد الحكم إنه يستقبل بالربح حولًا
كالفائدة سواء كان يملك أصله أو لا بأن تسلفه فإن كان الأصل أقل من نصاب
استأنف بالجميع حولًا وإن كان نصاباً زكاه ولا يزكي ربحه إلا إذا تم له
حول".
(3) في (ر) يده زكاة العين وهذا يختص ما في يديه.
(4) ساقط من (ر).
(5) ساقط من (ت) و (ر).
(2/796)
فصل (حكم زكاة مال
الصبي والمفقود والأسير)
ومذهبنا تغليب إرفاق المساكين في الزكاة، فلهذا نقول بوجوبها على [كل] (1)
من ملك ملكًا حقيقيًا كان مكلفاً أو غير مكلف كالصبيان والمجانين، وهذا لا
خلاف فيه عندنا (2) في سائر أنواع الزكاة.
وقال أبو الحسن اللخمي: أما الحرث والماشية فلا يختلف في وجوب الزكاة فيهما
عليهم؛ لأنهما ناميان بأنفسهما. وأما العين فإن كان ممن يتولاه ويتجر به
وجبت الزكاة بلا خلاف أيضًا، وإن كان لا يتجر به جرى على الخلاف في المال
المعجوز عن تنميته (3). وهذا الذي قاله غير صحيح لأنّ المال هاهنا مهيأ
للنماء، وإنما العجز من قبل المالك. ولا خلاف أن من كان من المكلفين عاجزاً
عن التنمية أنه تجب عليه الزكاة، وهذا الإجماع عليه. وإنما الخلاف إذا لم
يقدر على المال حتى يعدم فيه التهيؤ للنماء على ما سيأتي بيانه.
وقد قالوا في مال المفقود والأسير أن الناض منه لا يزكى لإمكان سقوط الزكاة
منه بدين أو غيره، ويزكى الحرث والماشية. وعلل أبو الحسن اللخمي سقوطه
لإمكان موت المالك، (4) وهذه العلة يجب طردها في الجميع لأنه لا يعلم
الوارث بعينه ولا مقدار ما يرث حتى تجب فيه الزكاة أو تسقط. وإنما علل في
الرواية [بما ذكرناه من إمكان] (5) سقوط الزكاة في العين.
وقد قال الأشياخ إن الوصي يحترز في إخراج الزكاة من خلاف أبي حنيفة فإن خفي
[له] (6) وأمن من المطالبة أخرج من غير مطالبة الحاكم (7).
__________
(1) ساقط من (ق).
(2) في (ر) عندنا فيه.
(3) التبصرة لوحة: 56.
(4) التبصرة لوحة: 56.
(5) ساقط من (ر).
(6) ساقط من (ر) و (ت) و (م).
(7) (ق) حاكم.
(2/797)
وإن حاذر المطالبة فمذهب المخالف يرجع إلى الحاكم وعولوا على قوله في
المدونة في الوصي يجد في التركة خمرًا أنه يرفع أمرها إلى الحاكم حتى يتولى
كسرها وهذا محاذرة من مذهب المجيز تخليلها (1).
... |