التنبيه على مبادئ التوجيه - قسم العبادات

باب في زكاة الدين وزكاة الفوئد
(تعريف الدين وحكم زكاته)
ونحن نفرد كل واحد منهما بالكلام على أحكامه، ثم نذكر حكم اختلاطها؛ فأما الدين فهو عبارة عن كل ما يخرج (1) عن يد المالك إلى ذمة، فلا يزكيه (2) ما دام في تلك الذمة حتى يقبضه بعد عام فأكثر، فإن قبضه وكان نصابًا أو مضافًا إلى مال عنده قد جمعه وأتاه (3) الحول فكمل به النصاب فيزكيه زكاة واحدة. وقد قدمنا الخلاف إذا زكاه قبل قبضه [وقد مر عليه الحول. وقد ذكرنا أن سبب الخلاف هل وجبت الزكاة فيه قبل قبضه] (4)، وإنما لم يخاطب بتعجيلها خيفة أن لا يقبضه أو يكون كعروض التجارة لا تجب الزكاة فيه إلا بعد القبض. وعلى هذا الأسلوب اختلف لو قبض منه عشرة لا يملك غيرها، ثم قبض عشرة أخرى هل يكون حول الجميع من يوم قبض الآخرة أو يكون حول كل واحدة منها من يوم قبضها؟ والمشهور أن حول الجميع من يوم قبض الآخرة، وهذا بناءً على أن الزكاة غير واجبة إلا بعد القبض. والشاذ أن حول كل واحدة [من] (5) يوم قبضها، وهذا (6) بناء على أن الزكاة واجبة. لكن لا يؤمر بتعجيلها خيفة [ألا يقتضي، فإذا اقتضى تبيين أنه كان مخاطبًا بها، فيبقى كل مال على [حول أصله] (7).
وعليه أيضًا الخلاف لو اقتضى عشرة فضاعت، ثم اقتضى عشرة
__________
(1) في (ق) كل مال خرج.
(2) في (ر) فيزكيه.
(3) في (ر) و (ت) وإياه.
(4) ساقط من (ت).
(5) ساقط من (ت).
(6) في (ر) وهي.
(7) في (م) حوله.

(2/808)


أخرى هل تجب الزكاة أم لا؟ فمن رأى أنه مخاطب في الأول لكن لا يؤمر بالإخراج خيفة] (1) ألا يقتضي أوجب الزكاة وإن (2) ضاعت، ومن رأى أنه غير مخاطب لم يوجبها إلا أن يبقى المال في يده حتى يكمل فيه النصاب.
وأما لو أنفق العشرة فالمذهب أنه (3) على إيجاب الزكاة لأنه نصاب قد جمعه ملك وحول، وقد أنفق بعضه مختارًا. فيصير كالمفرط في إخراج الزكاة بعد الحول، فتجب في ذمته.
ورأى بعض المتأخرين جريان الخلاف وإن أنفق، وهو القياس على ما قدمناه من سبب الخلاف في الضياع. لكن فرقوا بينهما في الروايات كما قدمناه من أن الضياع قد يكون بغير سبب ولم ينتفع به، والإنفاق بسببه وقد انتفع به. ويكون كالمفرط في الإخراج بعد مضي الحول. لكن قال سحنون بالمساواة بين الضياع بسببه أو بغير سببه. وينبغي أن يكون الضياع بسببه (4) كالإنفاق.

(قاعدة المذهب في حكم الدين)
ونرجع إلى قاعدة المذهب في حكم الدين فنقول إن ما ذكرناه أنه عبارة عن كل مال خرج من يد المالك، احترازًا من دين وجب في ذمته قبل أن يحصل في يد المالك. وهذا القسم يكون حَوْله من يوم قبضه ولا يزكيه عند قبضه، لأنه فائدة. ولو كان الدين حاصلا عن سلعة كانت للقنية فبيعت؛ فإن بيعت بنقد فحَوْل ثمنها من يوم قبضه، وإن بيعت بدين فمتى حول ثمنها؟ في المذهب قولان: أحدهما: أنه يكون من يوم قبضه كالأول. والثاني: أنه يكون من يوم البيع. وهو على الخلاف في بيع النسيئة (5)، هل
__________
(1) ساقط من (ر).
(2) في (ت) إن.
(3) في (ت) كله.
(4) في (ت) بغير سببه.
(5) في (ر) القسيمة.

(2/809)


هو نوع من أنواع التجارة أم لا؟ وهو خلاف في حال. وينبغي أن ينظر هل زاد في الثمن للتأخير فيكون مال أصرفه في شيء وجبت تنميته فتجب الزكاة، أو لم يزد في الثمن فلم تحصل التنمية فلا تجب الزكاة. هكذا يقوله بعض الأشياخ. وينبغي أن يكون هذا جاريًا على أصل آخر، وهو من ملك أن يملك هل يعد مالكاً أم لا؟ فإن عددناه مالكًا كان هذا كالقابض لثمن النقد ثم صرفه في دين، فيكون حوله من يوم البيع. وإن لم نعده مالكاً لم يحصل له الثمن إلا بعد قبضه، ولا أصل له مزكى (1) يبني عليه وليستقبل به الحول من يوم قبضه.
...

فصل (زكاة بعض الدين المقبوض)
وإذا استحق الدين أن يزكى بعد (2) قبضه لأنه من الصنف المملوك أصله، [أو ثمن سلعة للتجارة، أو غير سلعة القنية] (3) بيعت بالدين على أحد القولين (4). فإنه إن قبض منه عشرين دينارًا زكاها بلا شك، كان عنده مال يضيفه إليه أم لا. فإن قبض دون ذلك، فإن كان عنده مال قد جمعه وأتاه الحول فكمل به النصاب زكى، وإلا لم يزك حتى يكمل ما يقبضه عشرين دينارًا. وأما إن أضافه إلى مال عنده كمل النصاب على ما قدمناه، وإذا كمل له من المقبوض، أو منه ومما في يديه النصاب فيزكى حينئذ. فإن ما يقتضيه من دينه إن بقي منه شيء يكون حوله يوم قبضه ولو كان دينارًا واحدًا مثلًا.
وإذا زكى النصاب الأول فهل يبقيه على حوله ويكون حوله من يوم
__________
(1) في (ت) وفي (ر) من كان.
(2) في (ر) عند.
(3) في (ر) وثمن سلعة مقنية، وفي (ق) أو من سلعة القنية.
(4) في (ر) القولين في المذهب.

(2/810)


زكاه، أو يضيفه إلى ما بعده لأنه نقص عن النصاب بالزكاة؟ في المذهب قولان: والمشهور أنه يبقيه على حوله، والشاذ أنه يضيفه إلى ما بعده.
وسبب الخلاف هل تراعى الطوارئ أم لا؟ فمن لم يراعها أبقاه على حوله فزكاه إذا حل، ومن راعاها أضافه إلى ما بعده؛ لأنه لا يأمن على ما بعده التلف. وان تلف لم تجب في الأول زكاة لأنه دون النصاب.
وإذا اختلطت عليه أحوال الاقتضاءات أضاف الآخر منها إلى الأول، لأنّ أكثر العلماء يوجبون الزكاة في الدين وإن لم يُقبض.
وإذا اختلطت أحوال الفوائد ففيها قولان: المشهور عكس هذا وأن الأول [منها] (1) يضاف إلى الآخر، والشاذ أنها كالديون. وإنما فارقت الديون على المشهور لأن جمهور الأمة لا يوجبون زكاتها حتى يمضي الحول بخلاف الديون.
وأما القول الآخر فيمكن أن يكون مبناه على مراعاة الخلاف الشاذ. وفي المذهب قولان في مراعاته.
أو يكون (2) سبب الخلاف اجتماع موجب ومسقط وفي المذهب قولان أيهما يغلب؟ وقد تقدم ذلك. واستحسن أبو الحسن اللخمي أن يجعل في الجميع حولًا وسطًا لا ينبني على أول الاقتضاءات والفوائد ولا على آخرها (3).
وهذا له وجه أن يحصل الوسط (4) في ذلك وهو جارٍ على أصل المذهب في مال تنازعه اثنان أنه يقسم بينهما, لأنّ التعجيل والتأخير قد تنازعه (5) المساكين ورب المال، ولا يمكن تغليب (6) أحد الجانبين مع
__________
(1) ساقط من (ر).
(2) في (ر) ويكون.
(3) التبصرة لوحة: 62.
(4) في (ق) الأصل.
(5) في (ر) تنازعها.
(6) في (ق) تحصيل.

(2/811)


الشك، فيقسم بينهما. وهذا بناء على [إسقاط] (1) مراعاة الخلاف. ولو لم يكن لرب الديْن (2) غيره، فاقتضى منه دينارًا ثم آخر فاشترى بالأول سلعة ثم بالثاني كذلك، فباع السلعة الأولى بعشرين دينار والثانية كذلك مثلًا. فإن كان شراؤه بالدينار الثاني بعد أن باع السلعة الأولى لم يترك (3) إلا إحدى وعشرين دينارًا لأنّ التجر في الثاني وقع بعد أن وجبت الزكاة [في الأول] (4)، ويستقبل بالربح الثاني حولًا من يوم وجبت الزكاة.
وإن كان شراؤه بالثاني قبل أن يبيع فإنه يزكي أربعين, لأنّ الربح وسببه حاصل قبل وجوب الزكاة في الأصل. وهذا على أن الأرباح مضافة إلى أصول (5) الأموال. وأما على القول بأنها فوائد، يستقبل بالأرباح حولًا. وهكذا روى ابن نافع وأشهب عن مالك (6) رحمه الله في هذه المسألة.
ولو كان الشراء بالثاني (7) أولًا، ثم بالأول؛ فإن اشترى بالأول قبل أن يبيع المشترى بالثاني، فلا شك أنه يزكي الأربعين كما قدمناه على المشهور. وأما على قول أشهب الذي يرى أن النصاب إذا أَكمل بالثاني، يبقى الأول على حوله. وإن كان دون النصاب فينبغي أن لا يزكي إلا إحدى وعشرين [ديناراً]، (8)؛ لأنّ الغيب كشف أنه إنما اشترى بالأول بعد أن وجبت فيه الزكاة.
وأما إن كان شراؤه بالأول بعد أن باع المشترى بالثاني فلا شك أنه لا
__________
(1) ساقط من (ر).
(2) في (ق) و (ت) المال.
(3) في (ق) و (ت) لم يزد.
(4) ساقط من (ق) و (ر).
(5) في (ق) رؤوس.
(6) في (ت) هكذا روى ابن نافع وأشهب عن ابن وهب، وفي (م) روى ابن وهب وأشهب عن مالك.
(7) في (ت) الشراء أولًا بالثاني ثم.
(8) ساقط من (ت).

(2/812)


يزكي على القولين إلا إحدى وعشرين. هذا حكم الاقتضاءات على الجملة إذا انفردت.
...

فصل (زكاة الفوائد)
وجمهور الأمة على أن الفوائد يُستقبل بها حولًا ولا يُزكى عند ملكها، لما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - من إسقاط الزكاة قبل مضي الحول (1) لأنّ الشريعة سامحت أرباب الأموال فلم توجب عليهم إخراج الزكاة قبل انتفاعهم بالأموال. فإذا انتفعوا وكمل النماء المقصود وجبت الزكاة. والفوائد عبارة عن كل ما لم يتقدم (2) عليه ملك ولا على أصله، كالغلات (3) مثلًا. وقد قدمنا أن غلات السلع المقتناة فوائد، والقولان في غلات التجارة. وهذا الذي أجملناه يتضمن جميع أنواع الفوائد من العطايا والمواريث وما يجب في الدم من أروش الجنايات وأثمان السلع المقتناة وأنول الغلات.
وفي كتابة المكاتب خلاف، هل هي ثمن لرقبته أو حكمها حكم الغلة؛ فإن قلنا إنها ثمن لرقبته فيكون حكمها حكم أثمان الرقاب، فينظر هل المكاتب للتجارة أو للقنية، ويجري على حكم ما تقدم. وإن قلنا إنها كالغلات فيجري على حكم الغلات، وقد تقدّمت.

(حكم من أفاد نصابًا)
وإذا ثبت هذا قلنا [بعده] (4) من أفاد مالًا فلا يخلو من أن يكون نصاباً أو دون النصاب، فإن كان النصاب أو عنده ما يكمل به النصاب جعل حوله
__________
(1) أخرج الترمذي في سننه في كتاب الزكاة 631 عن ابن عمر قال: قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من استفاد مالًا فلا زكاة عليه حتى يحول عليه الحول عند ربه".
(2) في (ت) عبارة غلات عن كل لم يتقدم.
(3) في (ق) ولا على أصله ولو تقدم على أصله كالغلات.
(4) ساقط من (ت) و (ر).

(2/813)


من يوم أفاده، وإن كان دون النصاب فإن أفاد بعده ما يكمل به النصاب أضاف الأول إلى الثاني على مذهب ابن القاسم، وزكى الأول على حوله (1) على مذهب أشهب على ما قدمناه في مقتضي عشرة من ديْنه ثم عشرة، هل تعود العشرة (2) الأولى إلى حولها؟
فإذا أكمل النصاب من غير زيادة عليه ثم أفاد بعده فائدة وزكى النصاب الأول بربع عشرة، فهل يعود (3) لنقصه بجزء الزكاة إلى حول ما بعده؟ فيه قولان كما قدمناهما في من اقتضى عشرين ثم عشرة. والمشهور من المذهب أن الأول يبقى (4) على حوله. والشاذ أنه ينتقل إلى حول ما بعده.
وإذا بنينا على المشهور فإنه يزكي كل فائدة على حولها إلا أن يصيرا جميعًا إلى ما ليس فيه الزكاة. ومثاله (5) أن يستفيد عشرين في المحرم مثلًا ثم عشرة في رجب، فإذا حل حول المحرمية زكّاها [ثم إذا حل حول الرجبية زكّاها، فإن حل حول المحرمية مرة أخرى نظر ما إن لو أضافه إلى الرجبية كمل النصاب بها، زكّاها] (6) حينئذ على المشهور من المذهب، ولم يزكها على القول الثاني حتى يحل حول الرجبية. ثم إذا حال حول الرجيبة نظر أيضًا؛ فإن كان فيها وفي المحرمية نصاب زكّاها حينئذ، وإن لم يكن فيهما النصاب لم يترك.
وإذا مر الحول بالأولى (7) فاعتبرهما (8) فقصر عن النصاب حتى أتى
__________
(1) في (ر) على حاله.
(2) في (ر) من مقتضى عشرة هل تعود العشرة، وفي (ت) في من اقتضى عشرة ثم عشرة.
(3) في (ر) تعود.
(4) في (ق) أن الأولى تبقى.
(5) في (ت) ومثال.
(6) ساقط من (ر) وغير واضح في (ت).
(7) في (ق) فالأولى.
(8) في (م) هذا.

(2/814)


حول الثانية وهما على نقصهما (1) عادا إلى حول واحد إن كان فيهما بعد ذلك النصاب بتجر، فإن وقع التجر قبل ذلك أضاف الحول إلى يوم وقع الربح. ولا يخلو من أن يحصل قبل حلول حول الثانية أو بعده أو معه؛ فإن حصل قبل حلول الثانية انتقل حول الأولى إليه وبقيت الثانية على حولها، وإن حصل بعد حول (2) الثانية صار حولهما جميعاً واحداً، وإن حصل مع حول الثانية فكذلك أيضًا يصير حولهما جميعاً واحداً.
والتمثيل (3) بما قدمناه في العشرين المحرمية والعشرة (4) الرجبية فإذا جاء المحرم فاعتبرهما فوجدهما ناقصين عن النصاب فإنه لا يزكي، وإن اتجر فيهما أو في أحدهما فكمل النصاب [في ربيع] (5) انتقل حول المحرمية إليه، وبقي حول الرجبية على حاله، فإن بقي على نقصهما (6) حتى أتى حول الرجبية وهما كذلك، ثم اتجر بهما أو بأحدهما فكمل النصاب في شعبان مثلًا، صار حولهما جميعاً شعبان. وإن كمل النصاب في رجب صارتا جميعاً رجبتين.
ولو (7) زكى الأول [في المحرم] (8) لأنّ معه منها ما فيه النصاب، ثم نقصا (9) بعد ذلك حتى أتى رجب، فاعتبرهما فلم يكن فيهما النصاب، ثم اتجر بهما أو بأحدهما فكمل نصابه قبل المحرم، فإنه ينتقل حول الثانية إلى يوم كمال نصابه، [ويبقى حول الأول على حاله. وأصل هذا أنهما يبقيان على حولهما ما لم يمر حول الأولى] (10) وحول الثانية، وليس فيهما مقدار
__________
(1) في (ق) تقصيرهما.
(2) في (ر) و (ت) حلول.
(3) في (ق) والممثل وفي (ت) ويمثل.
(4) في (ر) والعشرين.
(5) ساقط من (ر).
(6) في (ر) تصغيرهما.
(7) في (ر) ولو كان.
(8) ساقط من (ت).
(9) في (ق) نقصت.
(10) في (م) ويلغى حول الأولى، وفي (ت) ويلغى الحول الأول، وفي (ق) ويبقى حول الأول وأصل هذا أنهما يبقيان على حولهما ما لم يمر حول الأول.

(2/815)


النصاب. وأن الأرباح مزكاة على حول الأول (1) فإذا حصل الإكمال (2) بالربح عُدَّ (3) كأنه لم يزل حاصلاً. لكن لا تجب الزكاة إلا يوم الحصول فجعل الحول من يوم حصل الإكمال وتفصيل هذا الإجمال (4) ما قدمناه.
...

فصل (حكم زكاة فائدتين جمعتا في ملك وحول)
وإذا جمع الفائدتين في ملك وحول زكيت إحداهما بالأخرى من غير خلاف. لكن هل يكون حولهما واحدًا أو يعود حول الأول إلى يوم استفادهما؟ وقد قدمنا الخلاف في ذلك؛ ومثاله مسألة العشرتين (5). فإن لم يجمعهما حول واحد واجتمعا في ملك، ومثاله أن يستفيد عشرة فتقيم عنده في يده ستة (6) أشهر، ثم يستفيد عشرة فتقيم الثانية ستة أشهر، فبعدها ينفق الأولى أو تضيع، ثم تبقى الثانية إلى تمام الحول. فابن القاسم يسقط الزكاة لأنه لم يكمل عنده نصاب حال عليه الحول، وأشهب يوجبها. وهو بناءً على ما قدمناه من أصله أن الزكاة الأولى قد وجبت، وإنما لم يؤمر بالإخراج خوفًا من ضياع الثانية.
...

فصل (حكم اجتماع اقتضاءات وفوائد)
وإذا اجتمعت اقتضاءات وفوائد، وقد اجتمعت الفوائد وأصل الديون
__________
(1) في (ق) و (ت) الأصول، في (م) الأصل.
(2) في (م) و (ق) النصاب.
(3) في (م) صار.
(4) في (ق) و (ت) على ما قدمناه.
(5) في (ر) العشرين.
(6) في (ر) و (ت) تسعة.

(2/816)


في ملك وحول فإنه ينظر فإن كان في كل صنف من الاقتضاءات والفوائد مقدار النصاب لم يضف حول شيء منها إلى الأخرى، إلا أن يتفق حول الفوائد (1) ووقت الاقتضاءات. وإن قصرت عن النصاب متفرقة وأكملته مجموعة، فإنه يضيف الفوائد إلى ما بعدما (2) والاقتضاءات إلى ما قبلها من صنفها، وهذا لأنّ الديْن حال الحول على أصله. وإنما لم يزد (3) ما يقتضي منه وإن (4) كان دون النصاب؛ إما خوفاً ألا يقتضي، وإما لأنه لا يعد مستقرًا في ذمته إلا بعد اقتضائه. فإذا اقتضاه تبيّن وجوب الزكاة فيرده إلى ما قبله. والفوائد لم يحل (5) على أصلها حول فيضيفها إلى ما بعدها مما حال عليه الحول؛ ومثال هذا أن يقبض (6) عشرة ثم عشرة فإنه يزكي العشرة الثانية، أنفق الأولى أو أبقاها على ما قدمناه. لأنّ الثانية مضافة إليها.
وإن استفاد عشرة ثم اقتضى عشرة فلا يضيف الفائدة إلى الدين إلا أن تبقى في يده حتى يحول عليه الحول عند ابن القاسم (7)، وحتى يقضي عند أشهب على ما قدمناه (8) في المال إذا جمعه ملك ولم يجمعه حول.
ولو اجتمعت فوائد وديون ولو أضاف الفوائد مفردة إلى ما بعدها (9) لم يكمل منهما النصاب ولو أضاف الدين إلى ما قبله، لكنه إن أضاف بعضه إلى بعض كمل به النصاب.
وقد اختلف المتأخرون على قولين: فمنهم من أوجب الزكاة لما كان
__________
(1) في (ق) حلول حول الفائدة.
(2) في (ر) ما بعدها من الاقتضاءات والاقتضاءات.
(3) في (ت) لم يترك وفي (ق) لم يزك.
(4) في (ت) إن.
(5) في (ر) يصحل.
(6) في (ق) و (ت) أن يقتضي.
(7) في (ق) و (ت) أشهب وحتى يقبض عند ابن القاسم.
(8) في (ق) و (ت) على ما قدمناه عنهما.
(9) في (ر) وديون أضاف الفوائد إلى ما بعدها.

(2/817)


الدين يقتضي الإضافة إلى ما قبله، والفوائد تقتضى الإضافة إلى ما يضاف بعضه إلى بعض من الدين. وأسقط بعضهم اعتبارا بكل صنف منفردًا إلى ما يضاف إليه، ومثال هذا أن يقتضي عشرة ثم بعدها يستفيد عشرة ثم يقضي خمسة، وقد أنفق العشرة التي اقتضى أولًا. فهذه الخمسة إذا أضفناها إلى العشرة الأولى المقتضاة لم تكن فيها زكاة. وإن أضيفت العشرة (1) إليها فكذلك أيضًا. فمن اعتبرهما أسقط، وإن أضيفت العشرة الفائدة إليها صارت خمسة عشرة؛ فالخمسة مضافة (2) إلى ما قبلها فكأنها واسطة بين الفائدة والاقتضاء الأول، فتجب إضافتها إلى كل واحد منهما، فيقتضي ذلك إضافة الجميع.
فمن اعتبر هذا أوجب الزكاة، لكن إنما اختلفوا هل تجب الزكاة في الخمسة المقتضاة خاصة، لأنها تزكى بالملكيين. وسمعنا في المذاكرات وجوب الزكاة في الجميع عند بعض الأشياخ، وهو مقتضى ما عللنا به بعد.
وكذلك لو اقتضى عشرة ثم استفاد عشرة ثم بعدها اقتضى دينارًا فيجري هذا الخلاف في الدينار أو في (3) الجميع حسب ما ذكرناه. ولو كان الاقتضاء عشرة لم يختلف في وجوب الزكاة في الجميع لأنها كيفما أضيفت على الانفراد وعلى (4) الاجتماع وجبت الزكاة. وعلى هذا القانون (5) تجري مسائل خلافية في زكاة خليط الخليط هل توجب الواسطة اجتماع (6) الجميع أم لا؟ وسيأتي بيانه في حكم زكاة الخليط.

...
__________
(1) في (ق) و (ت) الفائدة.
(2) في (ق) والعشرة والخمسة مضافة ...
(3) في (ق) و (ت) وفي.
(4) في (ق) أو.
(5) في (ت) القياس وفي (ر) الخلاف.
(6) في (ر) إجماع.

(2/818)


فصل (مسائل خلافية من الفوائد)
ولنذكر (1) من الفوائد مسائل خلافية وهي:

(حكم المال الموروث)
المال الموروث، وقد قدمنا أنه فائدة يستقبل به حولًا وذلك إذا قبضه من وجب له عند استحقاقه، أو قبضه وَكِيلُه بإذنه وأتاه به من غير حبس عنه. فإن حبسه فقولان: أحدهما: أنه كالأول يزكيه من يوم قبضه وكيله لأنّ يده كيده، والثاني: أنه يزكيه للسنة الواحدة وإن أقام في يد الوكيل أعوامًا تشبيهًا بالدين. وإن تأخر قبضه أو قبض وكيله عن يوم الاستحقاق حتى قام عاماً أو أعواماً، فلا يخلو من أن يكون علم به أو لم يعلم.
فإن لم يعلم به ولم يوقفه السلطان له فلا خلاف أنه يستقبل به حولًا من يوم قبضه. هذه نصوص الروايات. وأبو الحسن اللخمي يحكي قولاً ثانياً: أنه يزكيه من يوم وجب له (2). وهذا إن صح فإنما يكون وجهه أنه مال يملكه، وهو مهيأ للتنمية. وعجز مالكه عن تنميته لا يوجب إسقاط الزكاة كالعاجز عن تنمية ما في يده.
وإن علم فقولان: أحدهما: أنه يكون كالمقبوض، وهذا يظهر إذا قدر على أخذه فلم يفعل. والثاني: أنه لا يكون كالمقبوض لأنه لم يحصل فيه النماء المقصود أو القدرة عليه إلا يوم يقبضه.
وإن أوقفه السلطان، فهل يكون قبض الموقوف عنده كقبضه؟ قولان: أحدهما: أنه لا يكون كذلك لأنه بكل حال عاجز عن التنمية. والثاني: أنه يكون كقبضه لأنه عمل فيه أقصى المقدور عليه، وقبض السلطان للغائب كقبضه.
__________
(1) في (ق) ونذكره.
(2) التبصرة لوحة: 64.

(2/819)


وإذا قلنا إنه يكون كقبضه فأقام أعوامًا، فهل يزكيه لسنة (1) واحدة كالديون أو لجميع الأعوام؟ فيه قولان. وتزكيته لجميع الأعوام تحقيق لأنّ المُقام قبض (2) كقبضه. وهذا حكم من يقبض لنفسه من الرشداء. وأما الصغار والسفهاء فهل يكون قبض الأوصياء ومن أقيم لهم قبضاً؟ لا خلاف في ذلك إذا قبض الوصي أو المقام لهم نصيبهم خاصة.
وأما إن قبض نصيبهم ونصيب الأكابر مختلطًا ففي ذلك قولان: أحدهما: أنه يكون قبضًا لهم. والثاني: أنه لا يكون كذلك. وهو على الخلاف في قسمته على الجميع هل تصح وإن لم يحضر الأكابر.
ومما يلاحظ هذا الأصل المال المغصوب يقيم (3) عن صاحبه. فأما حكم الحرث والماشية فنحيل الكلام عليها على الكتاب الثاني، وأما العين فلا خلاف في المذهب أنه لا يزكيه لكل عام. وهل يزكيه لعام واحد أو يستقبل به حولًا؟ في المذهب قولان: أحدهما: أنه يزكيه لعام واحد, لأنه ملكه في طرفي الحول (4) كالدين، وهو المشهور. والثاني: أنه يستقبل به حولًا, لأنه مال معجوز عن تنميته من غير اختيار لمالكه.

(حكم المال يضيع ثم يعود إلى صاحبه)
ويلحق به المال يضيع عن صاحبه فيلتقط ثم يعود إليه، هل يستقبل به حولًا أو يزكيه (5) لعام واحد أو لكل عام؟ فيه ثلاثة أقوال هي جارية على ما تقدم.
وهل يزكيه ملتقطه إذا كان له عروض يجعل ما في ذمته فيها؟ أما إن لم ينو (6) تملكه فلا شك أنه لا يزكيه. وأما إن نوى تملكه أو تسلفه أو
__________
(1) في (ق) و (ت) كقبضه فهل يزكيه سنة.
(2) في (ر) لأنه قبض.
(3) في (ر) ويقوم.
(4) في (ر) على الدين.
(5) في (ر) ويزكيه.
(6) في (ر) يبق.

(2/820)


تصرفه فيه فلا إشكال أنه يزكيه، وأما إن نوى ولم يتصرف فقولان: أحدهما: أنه يزكيه. والثاني: أنه لا يزكيه. وهما على الخلاف في مجرد النية هل تؤثر، وينتقل [حكم] (1) الحيازة أم لا؟ لأنه كان أولاً يحفظه لصاحبه ثم قصد انتقال اليد (2) ففي هذا الأصل في المذهب قولان.
ومن هذا القبيل المال يدفنه صاحبه ثم يجده بعد أعوام؛ ففيه أربعة أقوال: أحدها: أنه يزكيه لما مضى من السنين لأنه مفرط. والثاني: أنه يزكيه لسنة واحدة تشبيهًا بالدين. والثالث: أنه إن دفنه في موضع صحراء زكاه لما مضى من السنين لأنه عرضه للتلف، وإن دفنه في بيت أو ما في معناه لم يزكه لما مضى من السنين, لأنه لم يفرط. والرابع: عكس هذا، ويرى أنه إذا دفنه في موضع يحاط به فكأنه مقصر (3) في وجوده، فهذا كالمقدور عليه، وإذا دفنه في صحراء أو ما في معناها فهو كالتالف.

(حكم المال المهيأ للتنمية)
وقد يحصل من جميع ما تقدم أن المال [إذا تهيأ للتنمية وكان مالكه قادرًا على تنميته] (4) غير عاجز لا لتقصير (5) في المالك إن وجد فلا خلاف في المذهب أنه يزكيه لكل عام. وهذا كالمال يكون في يد المالك وتحت قدرته. وسواء كان صغيرًا أو كبيراً، سفيها أو رشيداً. وقد قدمنا ما قال أبو الحسن اللخمي في الصغير والسفيه، وتخريج الخلاف فيهما ضعيف.

(حكم المال المعجوز عن تنميته)
وإن كان المال في نفسه مهيئا للتنمية لكن عجز مالكه عن تنميته لأنه غير قادر على التصرف فيه للمنع أو لعدم العلم أو لبعد مكانه عنه؟ فثلاثة
__________
(1) ساقط من (ت).
(2) في (ر) ثم فصل انتقاله النية.
(3) في (ق) مقر.
(4) ساقط من (ر).
(5) في (ت) إلا.

(2/821)


أقوال على الجملة: وجوب الزكاة لكل عام، ووجوبها لعام واحد، وسقوطها. وهل يعتد (1) عليه من غير علمه وتفريطه من غير تفريطه فيه التفصيل المتقدم.
ولم (2) يختلف في المذهب في العين المغصوب أنه لا يزكيه لكل عام (3) وإنما يختلف (4) هل يستقبل به حولًا أم لا؟ ولم يختلف في الدين أنه يزكيه لعام واحد كما قدمناه. واختلف فيمن عليه دين فوهب له عند حلول الحول هل يستقبل به حولًا (5) أم لا؟ وهذا لأنّ المديان لا يزكي لأنه غير كامل الملك لقدرة من له عليه دين على أن ينتزع (6) ماله من يديه. فإذا وهب له (7) فهل يكون كأن لم يزل مالكًا لما وهب له لظهور الأمن من الانتزل أو كأنه إنما ملكه الآن؟ وهذا على الخلاف في المترقبات متى يعد حصولها حقيقة. وأما الخلاف في المال المحال [به] (8) فنؤخر الكلام عليه إلى زكاة المديان.
...

فصل (حكم زكاة المنافع)
واختلف المذهب في الواجب في (9) المنافع هل يقدر استقرار ملكه يوم قبضه أو يوم استفاء العوض عنه؟ وعلى هذا اختلف المذهب فيمن
__________
(1) في (ق) و (ت) وهل يفتقر.
(2) في (ت) ولكن لم وفي (ق) لكن لم.
(3) في (ق) إلا لعام واحد.
(4) في (ق) اختلف.
(5) في (ق) أو يزكيه الآن وهذا لأن.
(6) في (ر) ينزع.
(7) في (ر) وهبه.
(8) ساقط من (ر).
(9) في (ر) عن.

(2/822)


استأجر (1) نفسه ثلاث سنين مثلًا بستين دينارًا فقبض (2) جميعها ثم مر حول، هل يزكي العشرين خاصة إذا كانت الأحوال (3) متساوية إذ لم تجب حقيقة غيرها؟ أو عن الجميع لأنّ الأصل السلامة وهي على الأصل الذي قدمناه؟ وذلك الأصل أيضًا مبني على حكم المترقبات متى يعد حصولهما، أو يلتفت إلى حكم الطوارئ هل تراعى أم لا؟
وينخرط في هذا السلك لو استأجر دارًا لسنين (4) وقبض جميع الكراء في أول الحول هل يزكي الجميع أو لسنة واحدة فيبقى ما قابل غيرها لأنه دين عليه؟ أو يجعل دينه في مقابلة الدار؟ وهل هي صحيحة أم مهدومة لتعرضها للانهدام؟ في المذهب في ذلك أربعة أقوال:
أحدها: أنه يزكي الجميع، وهذا بناءً على أن الإجارة وجبت يوم القبض، ولا يلتفت إلى الطوارئ. وبتخرج هذا أيضًا على القول بأن من له عين مختلفة الأحوال وعليه دين، أنه يزكي ما حل حوله ثم يجعل دينه فيه، ثم يزكي المال الآخر فكذلك هذا. وفي مسألة المستأجر نفسه يزكي عن (5) سنة واحدة إذا كان في الواجب عنها مقدار النصاب أو كان (6) يملك ما يتم به النصاب، ثم يجعل دينه فيما زكاه، [ويزكي الباقي إن كان ما زكاه يوفي دينه.
والقول الثاني: في مسألة المستأجر (7) للدار أنه لا يزكي غير ما حلَّ حوله من السنَّة الأولى وهذا بناء على أنه لم يجب غيرها، والباقي لم يجب، ويلتفت (8) على الشاذ من المذهب أن الدين] (9) يجعل في العين لا في العروض.
__________
(1) في (ق) أجر.
(2) في (ر) و (ت) وقبض.
(3) في في (ر) الأولى.
(4) في (ت) و (ق) سنين.
(5) في (ر) على.
(6) في (ر) وكان.
(7) في (ت) المستأخر.
(8) في (ر) وليلتفت.
(9) ساقط من (ر).

(2/823)


والثالث: أنه يزكي ما قابل (1) السنَّة ويجعل الدين الذي عليه في قيمة الدار صحيحة, لأنّ الأصل صحتها وانهدامها طارئ، وهو بناء على ترك مراعاة الطوارئ.
والقول الرابع: أنه يجعل ديْنه في قيمة الدار مهدومة لجواز انهدامها. وهذا مبني على مراعاة الطوارئ وإن بعدت.
وقد أتينا بأحكام الفوائد مستوفًا (2) تصريحًا وتلويحًا، ولا يكاد يشذ من أحكامها شيء عما أتينا به.
...