التنبيه على مبادئ التوجيه - قسم العبادات

باب في عشور أهل الذمة والحربيين
(أحكام عشور أهل الذمة)
والكفار على ضربين (4) معاهدين وغير معاهدين؛ فالمعاهدون صنفان: أهل ذمة وغيرهم، فأما أهل الذمة إذا سافروا نظر، فإن سافروا في قطرهم الذي فيه (5) ذمتهم لم يكن عليهم غرم، فإن خرجوا إلى غيره لزمهم الغرم. لكن اختلف المذهب هل يلزمهم لحق الوصول (6) إلى القطر الثاني، أو لحق (7) الانتفاع فيه. وفي ذلك قولان: والمشهور أنه لحق الانتفاع فيه (8). وتظهر ثمرة الخلاف إذا وصلوا ولم يبيعوا ما معهم أو لم يشتروا بما قدموا
__________
(1) في (ق) و (ت) تمحيض.
(2) ساقط من (ر).
(3) ساقط من (ت).
(4) في (ق) و (م) قسمين.
(5) في (م) و (ق) و (ت): في.
(6) في (م) بحق الوصول وفي (ق) لحق الأصول.
(7) في (ق) بحق.
(8) في (ر) به.

(2/841)


به من العين هل يلزمهم العشر؟ والمشهور أنه لا يلزمهم حتى يبيعوا أو يشتروا، والشاذ أنه يلزمهم. وإذا قلنا بالمشهور فوصلوا (1) بمتاع كف عنهم (2)، فإن باعوا أخذ منهم عشر الثمن، وإن لم يبيعوا ورجعوا إلى قطرهم لم يؤخذ منهم شيء. وعلى القول الثاني يؤخذ منهم وإن رجعوا به على حالهم (3)، وإن كان معهم رقيق فعلى المشهور لا يحال بينهم وبين ما يحدثونه فيه من استخدام أو وطء، وعلى القول الثاني يحال بينهم وبين ذلك.
وإن وصلوا بعين غير مسكوك فأرادوا أن يضربوه في بلد الإسلام؛ فعلى المشهور إن ضربوه أخذ منهم مقدار إجارة عشر، ومثاله أن يصل (4) واحد منهم بمائة دينار تبرا (5) فيضربها، فلمن يلي أمر المسلمين أن يأتي بعشرة (6) فيضرب للمسلمين (7)، أو يأخذ من الذمي أجرة عشرة (8). وعلى القول الثاني يأخذ منه عشرة كاملة.
وإن أتى بمسكوك فعلى المشهور إن اشترى سلعًا فوقع في الرواية يأخذ عشرها. وفي نقل أبي محمد بن أبي زيد يأخذ [قيمة] (9) عشرها. وقال بعض المتأخرين: أما إن كانت تنقسم فيأخذ عشرها، وإن كانت لا تنقسم فيأخذ تسعها قيمة. وهذا بناء على التقريب؛ لأنه رأى أن تقويم العشر بيع للسلعة، فوجب أن يؤخذ [منه قيمة] (10) العشر المقوم ثم يؤخذ
__________
(1) في (ر) فإذا وصلوا.
(2) في (ق) و (م) و (ت) تركوا.
(3) في (ق) و (ت) حاله.
(4) في (ر) فعل.
(5) في (ق) و (ت) أو تيرا.
(6) في (ق) بعشره.
(7) في (م) فيضربه المسلمون.
(8) في (ق) و (م) عشره.
(9) ساقط من (ر).
(10) في (ت) عن، وفي (ق) منه عن.

(2/842)


[عشر ما] (1) بعده، هكذا حتى يدور. فقصاره (2) أن يرجع إلى قيمة التسع من الأول. فهذا خيال بعيد, لأن الواجب عليه عشر واحد، ومتى تصرف بعده لم يلزمه شيء مادام في ذلك القطر إلا أن يسافر لقطر ثانٍ. وتقديم العشر نهايته أن يكون كشراء سلعة بما ودّى عشره إلا أن يكون ودّى العشر (3) من مال آخر معه، فلِمَا قاله هذا وجه.
ولو كان انتفاع الذمي بغلة كمن له ظهر [بهائم] (4) يكريه فهل يلزمه عشر الكراء أم لا؟ في المذهب قولان: أحدهما: أنه يلزمه، وهو المشهور. والثاني: أنه لا يلزمه.
وقد قدمنا الخلاف فيما يقتنيه من الغلات، هل حكمها حكم الرقاب أم لا؟ وإذا قلنا باللزوم فكيف صفته؟ ثلاثة أقوال: أحدها: إن عقد الكراء في قطره لم يلزمه، وإن عقده في القطر الثاني لزمه. والقول الثاني: بالعكس. والثالث: أنه ينظر فيما سار في قطره الأول لم يلزمه عشر، وما سار في القطر الثاني الذي سافر إليه لزمه عشر ما أخذ فيه من الكراء.
والخلاف في هذا على الخلاف في الكراء (5) متى يستقر وجوبها، هل بالعقد؟ فلا يلزمه على المشهور إلا إن عقد في غير قطره. أو باستفاء (6) المنافع؟ فيكون الحكم بالعكس. أو ينظر فكل ما وفي به لزمه مقداره لاستحقاقه له فيفض (7) الكراء على ما سار (8) في القطرين. ولو ترددوا في أقطار المسلمين لوجب أن يؤخذ منهم العشر في كل قطر على ما قدمنا.
__________
(1) في (ق) و (ت) و (م) عما.
(2) في (ر) فقضاؤه.
(3) في (م) العشرين.
(4) ساقط من (ر) و (ق).
(5) في (ت) الكراء.
(6) في (ر) باستئناف.
(7) في (ر) فيغض، وفي (م) فببعض.
(8) في (ق) سافر.

(2/843)


والأصل في هذا فعل عمر رضي الله عنه (1). ولم يخالفه عليه مخالف. وبين الأصوليين خلاف هل يعد هذا إجماعًا أو لا؟
والمأخوذ العشر كما قدمناه. هذا في كل الأشياء، وفي كل قطر إلا الطعام إذا وصلوا به إلى المدينة ففيه قولان: أحدهما: أنه كالأول، والثاني: أنه يؤخذ منهم نصف العشر. وكذلك كان يفعل عمر رضي الله عنه ليكثر جلبه (2) إلى المدينة للحاجة إليه (3). وأما القول الثاني فوجهه شهادة بالاستغناء عنهم في هذا الزمان.
...

فصل (حكم المعاهدين)
وأما المعاهدون فإن قدّر لهم مقدار فليس عليهم إلا هو، وإن لم يقدر لهم فهم كالحربيين، وقد اختلف المذهب هل حكم هؤلاء حكم أهل الذمة في العشر أو يصرف ذلك إلى اجتهاد الإمام؟ والأصل في هذا المأخوذ، فعل عمر رضي الله عنه، لكنه إنما فعله مع ذميين؛ فمن التفت إلى المشاركة في الكفر ساوى بينهم، ومن التفت إلى أن أموال أهل الحرب مباحة إلا بالعقد (4) صرف ذلك إلى اجتهاد الإمام. والمشهور من المذهب أنه يؤخذ منهم، باعوا أو لم يبيعوا، بخلاف أهل الذمة. وهو بناء على أنهم يوقفون (5) على العشر. والشاذ أنهم كأهل الذمة إنما يؤخذ منهم إن باعوا وانتفعوا، كما تقدم في أهل الذمة.
وإن قدموا بما لا يجوز لأهل الإسلام تملكه ولا التصرف فيه مثل
__________
(1) انظر سنن البيهقي 9/ 209، والأموال لأبي عبيد 473.
(2) في (ر) حمله.
(3) انظر سنن البيهقي 9/ 210، وتفسر القرطبي 8/ 113.
(4) في (ق) و (ت) العمد.
(5) في (ق) لا يوقفون، وهي غير واضحة في (ت).

(2/844)


الخمر والخنزير؛ فإن أرادوا بيعه [من أهل الإِسلام لم يمكنوا من ذلك بلا خلاف. ومن أراد بيعها] (1) من كفار أهل الذمة فهل يمكنون من ذلك ويؤخذ منهم من أثمانه؟ في المذهب قولان: المشهور تمكينهم منه، وهذا لأنهم كفار يعامِلون أمثالهم. والشاذ أنهم لا يمكنون منه.
ويمكن تخريج هذا على الخلاف هل هم مخاطبون بفروع الشريعة فلا يمكنهم منه، أو غير مخاطبين فيمكنهم.
...

باب في أحكام مصارف الزكاة
(الأصناف المستحقين للزكاة)
وقد بين الله تعالى صفة المستحقين، وأنهم ثمانية أصناف، فقال (2) تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} (3) الآية، وهذه اللام عندنا لام الصرف (4) لا لام التمليك، ولهذا نقول: لا يجب أن تقسم الصدقات على ثمانية أصناف فيعطى لكل صنف قسم، بل لو أعطيت لصنف واحد أجزأ، وإنما تصرف بحسب الاجتهاد. فالتعبد هاهنا إخراجها إلى من يستحقها من هذه الأصناف بخلاف ما نقوله في الكفارات؛ فإن الأعداد المذكورة في القرآن مستحقة، ولهذا لو أعطى كفارة الظهار لأقل من ستين مسكينًا لم تجزه، وإن كان مقدار ما يعطيه هو الواجب لستين. وسيأتي بيانه ولنتكلم على أحكام الأصناف الثمانية على الترتيب الوارد في القرآن.
__________
(1) ساقط من (ق) و (م) وخروم في (ت).
(2) في (ت) و (م) في قوله.
(3) التوبة: 60.
(4) في (ق) التصريف.

(2/845)


(هل الفقراء والمساكين اسمان لمسمى واحد أم لا؟)
وقد سمى الله تعالى في كتابه الفقراء والمساكين، وقد اختلف في المذهب هل هما اسمان لمسمى واحد أو لمسميين مفترقين (1) في المعنى، في المذهب في ذلك قولان. والجمهور على أنهما مختلفان في المعنى. ويشهد لهذا أن الله تعالى ذكرهما بواو العطف. فلولا اختلاف معناهما لم يكن للتكرار معنى. وإذا قلنا إنهما مختلفان فإلى أي شيء يرجع الخلاف؟ هاهنا طريقان: أحدهما: أنه يرجع إلى شدة الحاجة وضعفها. لكن اختلف هؤلاء أيهم أشد حاجة؟ هل المسكين لأنه مأخوذ من سكون الحركة، وهذه الحالة (2) إنما تكون مع الموت، [أو الفقير (3) الذي لا وجدان معه حتى يكون مشبهًا بالميت] (4)، ويحتج هؤلاء بقول القائل:
أما الفقير الذي (5) كانت حلوبته ... وفق العيال ولم يترك له سبد (6)
وقد أخبر بكونه فقيرًا وأن له حلوبة.
أو الفقير مأخوذ من فقار الظهر ومعناه أنه انكسر فقاره. ومن وصل إلى تلك الحال فلا يحيى. ويحتج هؤلاء بقوله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} (7) فسماهم مساكين وأخبر أن لهم سفينة. واعتذر الأولون عن قول الشاعر بأن الفقر مختلف فله بداية ونهاية ولذلك لم يذكر مطلقًا، وإنما ذكره مضافًا إلى المعنى (8) الذي وصفه به. واعتذر الآخرون
__________
(1) في (ر) اسمان مفترقان.
(2) في (م) الحاجة.
(3) في (ت) و (ر) و (م) والفقير.
(4) ساقط من (ق).
(5) في (ر) التى.
(6) انظر الزاهر 290، والمحلى 6/ 149، ومختصر اختلاف العلماه 5/ 30، والتمهيد لابن عبد البر 18/ 50، وبدائع الصنائع 2/ 43، وتفسير القرطبي 8/ 169. وقد نسب هذا البيت الشعري إلى الراعي.
(7) الكهف: 79.
(8) في (ق) الغنى.

(2/846)


عن قوله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} (1) بأنهم كانوا أُجراء لا مالكين.
والطريق الثانية: أنه يرجع إلى صفة الحال (2) فالفقير الذي يسأل، والمسكين الذي لا يسأل، وقد قيل الفقير الذي يعلم به فيتصدق عليه والمسكين الذي لا يعلم به واحتج هؤلاء بما ورد في الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس المسكين الذي ترده اللقمة ولا اللقمتان، ولكن المسكين الذي لا يعلم به، فيتصدق عليه ولا يسأل"، الحديث كما ورد.

(بعض شروط الفقراء والمساكين)
وإذا تقرر كونهما بمعنى أو بمعنيين فلا خلاف أنه يشترط فيهما الإسلام، والحرية، وهل يشترط فيهما عدم القدرة على الكسب، في المذهب قولان: أحدهما: أنه لا يشترط. والثاني: أنه يشترط، وهو يجري على الخلاف في من ملك أن يملك هل يعد مالكًا أم لا؟ فمن لم يَعُدّه مالكًا لم يشترط عدم القدرة. ومن عده مالكًا اشترطها. ويحتج من يشترطها بما روى عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة ... " وهذا الحديث لو صح لكان كالنص لأحد القولين في اشتراط عدم القدرة على الكسب.
ولا خلاف أنها تشترط الحاجة ولا شك أن ذلك يوجب اسم الفقر أو المسكنة.
وهل من شروط المحتاج أن يكون غير مالك للنصاب؟ في المذهب قولان: أحدهما: أن ذلك من شروطه لقوله - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ: "وأخبرهم أن الله تعالى فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم" وهذا يقتضي تمييز من تؤخذ منه الزكاة ممن ترد عليه، وكونهما صنفين. ولا يحصل ذلك إلا إذا لم تعط لمن يملك نصابًا. والقول الثاني: أن ذلك ليس
__________
(1) الكهف: 79.
(2) في (ر) المالك.

(2/847)


من شرطه لأنّ المقصود بالزكاة إغناء المحتاج، وهذا إذا لم يكفه ما بيديه فهو محتاج حقيقة. ولا شك على القول بأن من له نصاب لا يعطى، أنه لا يدفع إلى الفقير الواحد نصابًا كاملًا. وأما على القول الثاني فإنه يدفع إليه نصاب إذا كان في القدر المخرج سعة، وكان الآخذ محتاجًا إلى النصاب.
ولا شك أن من كان في عيال غيره، والنفقة تلزم من هو في عياله لا يعطى من الزكاة, لأنه وإن كان فقيرًا فإنه مليء بلزوم نفقته لغيره (1). فإن كان لا تلزم نفقته غيره، فإن عول على الاستدامة فلا يستحق أخذ الزكاة، وإن عول على الانقطاع عن نفقة من هو في عياله أو صرفه المنفق، فإنه يستحق أخذ الزكاة.

(حكم إعطاء أحد الزوجين للآخر من الزكاة)
ولا شك أن الزوج لا يعطي زوجته لأنها مليئة بماله. وأما المرأة فهل تعطي زوجها؟ منعه في الكتاب، (2) وحمله ابن القصار على الكراهية، وفرق أشهب (3) بين أن تعطيه فيعيده في النفقة عليها، أو يصرفه في منافع غير ذلك. فمنع في الأول، وأجاز في الثاني. والمنع؛ لأنّ منفعته (4) عائدة عليها. وأما الكراهة فإنه مطالب بالنفقة، فهي تأخذ بغير الوجه الذي تدفعه إليه به. وأما التفرقة فراعى فيها ما راعى في القول الأول، لكن لم يلتفت إلى المعونة على ما يصرف إليها، بل إلى نفس المصروف. وبيّن من هذا أنه لا يعطي لقرابته الذين تلزمه نفقتهم.

(حكم من لا تلزمه نفقته)
وأما من لا تلزمه نفقته؛ فإن كانوا في عياله فلا يعطيهم النفقة ولا الكسوة إن كان يكسوهم، فإن كان لا يكسوهم أعطاهم الكسوة. فإن كانوا
__________
(1) في (ر) نفقة غيره.
(2) المدونة: 1/ 298.
(3) في (ق) ابن حبيب.
(4) في (ت) و (ر) منفتها.

(2/848)


ليسوا في عياله فهل يعطيهم؟ لا يختلف أنه لا يمنع من ذلك. وهل يجوز أم لا (1)؟ في المذهب ثلاثة أقوال: الكراهية في الكتاب، وعلل بخشية المدح (2). وفي غيره قولان: الجواز لمساواتهم لغيرهم في الاستحقاق، والاستحباب لانفرادهم بحق القرابة. وفي الحديث أنهم أفضل من صرفت إليهم الصدقة (3). وقد يكون هذا خلاف في حال، فإن قصد المن أو فضلهم وهم ليسوا في الحاجة كغيرهم كره، وإن أمن المن وأعطاهم لسد الحاجة (4) ولمساواتهم لغيرهم في الحاجة فالأولى هاهنا الاستحباب لما لهم من حق القرابة.
...

فصل (العاملون على جمع الزكاة)
والصنف الثالث: العاملون على الزكاة وهم جُباتها وموصّلوها إلى الإمام ليفرقها أو يتولون تفريقها. ولا خلاف أن الصدقة تحل لهذا الصنف وإن كانوا أملياء.
وهم أحد الخمسة الذين استثناهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أخذ الزكاة وإن كانوا أملياء. لكن اختلف في العبد والنصراني؛ هل يجوز استعمالهما عليها أم لا؟ فأما العبد فالخلاف فيه مبني على أخذ (5) المستعمل؛ هل يغلب عليه حكم الإجارة المحضة [أو يضاف إلى ذلك] (6) كونه ممن يستحق على الجملة؟ فإن قلنا بتغليب حكم الإجارة أعطي منها، وإن قلنا بتغليب
__________
(1) كذا في (ر) و (ق) و (م)، وخرم في (ت) و (ل).
(2) المدونة 1/ 297.
(3) من ذلك ما أخرجه أحمد مسند: 4/ 18 عن سلمان بن عامر ان النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: "الصدقة على المسكين صدقة وإنها على ذي الرحم اثنتان انها صدقة وصلة".
(4) في (ق) الخلة.
(5) في (م) أجر.
(6) ساقط من (ر).

(2/849)


ذلك وإضافة كونه ممن يستحق على الجملة فإنه لا يستعمل عليها.
وأما الذمي ففي استعماله ولاية له، ولا تحل ولايته. لكن إن كان خادمًا بحيث لا يكون له سلطان على أحد من المسلمين فيختلف فيه على الخلاف في العبد.
وإن استعمل عليها فقيرًا أعطي لحق الفقر والاستعمال. وإن كان غنيًا أعطي أجره (1) بحسب الاجتهاد، ولا يزاد على قدر ما يستحقه بالعمل.
...

فصل (المؤلفة قلوبهم وهل حكمهم باق أو منسوخ)
والصنف الرابع: هم المؤلفة قلوبهم. وقد اختلف هل حكمهم باق أو منسوخ لاستغناء المسلمين عنهم. وإنما كان ذلك في زمن حاجة الرسول - صلى الله عليه وسلم - إليهم. والصحيح بقاء حكمهم، لكن إنما يعطون وقت الحاجة إليهم، قاله القاضي أبو محمد.
واختلف في صفتهم فقيل هم قوم من الكفار يعطون ليستألفوا (2) على الإسلام. وكانوا لا يسلمون بالسيف والقهر، لكن يسلمون بالعطايا والإحسان. وقيل: هم قوم أسلموا في الظاهر ولم يَسْتَقْرِ الإسلام في قلوبهم، فيعطون ليتمكن الإسلام في قلوبهم. وقيل هم قوم من عظماء المشركين أسلموا ولهم أتباع يعطون ليستألفوا أتباعهم على الإسلام.
وهذه الأقوال كلها متقاربة المعنى، والقصد بها الإعطاء لمن لا يتمكن الإسلام عنده حقيقة (3) إلا بالعطاء، فكأنه ضرب من الجهاد. وقد علمت الشريعة أن المشركين ثلاثة أصناف: صنف يرجع بإقامة الدليل وإظهار
__________
(1) في (ر) حقه.
(2) في (ق) ليستألفوا أتباعهم.
(3) في (ل) لا يمكن إسلامه حقيقة.

(2/850)


البرهان، وصنف بالقهر والسيف، وصنف بالعطاء والإحسان. فيستعمل الإمام بالنظر (1) ما يكون للمسلمين مع كل صنف ما يكون لسبب نجاته من الكفر وتخليصه.
...

فصل (عتق الرقاب)
والصنف الخامس: الرقاب. ولا خلاف عندنا في الإجزاء إذا اشتروا رقبة سليمة من العيوب، مؤمنة، ليس فيها عقد حرية. فأعتقها عن المسلمين حتى يكون ولاؤها لهم. فإن كانت معيبة فهل تجزي؟ في المذهب قولان: أحدهما: الإجزاء لتناول العموم لها، والمنع (2) قياسًا على الكفارات (3)، وكذلك إن كانت كافرة (4). فإن كان فيها عقد حرية كالكتابة، أو عتق البعض، أو التدبير فهل يجزى الإعطاء في ثمن حريتها؟ في المذهب ثلاثة أقوال: الجواز، لتناول العموم له. ومنع الإجزاء, لأنّ الولاء ليس للمسلمين لكن لمن ابتدأ الحرية. والتفرقة بين أن يعطي لإكمال العتق (5) فيجزي، أو لغير إكماله (6) فلا يجزي. وهذا نظرًا إلى أن المقصود تحرير الرقبة لا الولاء. فإن حصلت الحرية بالعطية أجزأ وإلا لم يجزي.
وإن أعتق عن نفسه فهل يمضي عتقه مجزيًا عن الزكاة ويكون ولاؤه للمسلمين، أو يمضي العتق عنه ويكون [الولاء] (7) له ولا يجزى عن المسلمين ويعيد الزكاة؟ في المذهب قولان: أحدهما: مضيها عن الزكاة،
__________
(1) في (ت) الناظر وهي غير واضحة في (ق).
(2) في (ت) ومنعها وفي (ر) ومنعه.
(3) في (ر) الكفارة.
(4) في (ت) كفارة.
(5) في (ق) الحرية،
(6) في (ق) إكمالها.
(7) ساقط من (ت).

(2/851)


ويكون ولاؤه للمسلمين, لأن المال لهم فيغلب حكمه لأنه المخطئ في اشتراط الولاء له. والثاني: نفي الإجزاء عن الزكاة تغليبًا للقصد.

(هل يعطى الأسير لفك رقبة)
وهل يعطى منها الأسير لفك (1) رقبته؟ قولان: المشهور: أنه لا يعطى، وهو نظرًا إلى اشتراط الولاء للمسلمين ولا ولاء هاهنا. والثاني: أنه يعطى لأنه فك لرقبته (2)، وقال ابن عبد الحكم: إنه إذا أخرج زكاته ثم افتقر، فإنه لا يأخذ (3) منها. وإن أسر افتكت منها رقبته. وهذا لأنّ المال غير عائد إلى الأسير في الفك وعائد إليه في الفقر.
...

فصل (الغارمون)
والصنف السادس: الغارمون. ولا خلاف (4) أن من عرف بالدين (5) وكثر عليه، واستدانه من الآدميين في غير فساد أنه يستحق [أخذ] (6) الزكاة لأداء دينه، وإن كان عنده مال يؤدي (7) منه دينه لكنه إذا أداه كان فقيرًا؛ فإن استدانه في فساد، فإن كان على حالته لم يعط، وإن نزع عنها فهل يعطى؟ في المذهب قولان: أحدهما: أنه لا يعطى لأن استدانته غير مباحة بل محرمة، والثانى: أنه يعطى. وهذا نظرًا إلى حالته التي فيها الآن. والأول نظرًا إلى ابتداء أمره (8).
وإن كان الدين لله تعالى كالكفارة والزكاة التي فرط فيها فهل يعطى
__________
(1) في (ق) لفداء.
(2) في (ر) لفك رقبته.
(3) في (ر) يأخذ.
(4) في (ق) ولا شك.
(5) في (ق) و (ت) فدحه الدين.
(6) ساقط من (ق) و (ت).
(7) في (ق) ما يؤدي.
(8) في (ق) حالته.

(2/852)


لذلك؟ في المذهب قولان. وقد قدمنا الخلاف في هذا الدين هل يسقط الزكاة أم لا؟ وهذا جار عليه.
وإن مات مستدينًا فهل يؤدى دينه من الزكاة، في المذهب قولان: أحدهما: أنه لا يؤدى، وهذا حمل الآية على الحي لا على الميت، والثاني: أنه يؤدى، وهذا نظر إلى كونه غارمًا في حين الاستدانة (1).
وهل من صفات الغارم أن يكون محتاجًا؟ ذكر الداودي عن مالك قولين: أحدهما: مراعاة ذلك. والثاني: أنه يشير إلى أنه لا يراعى، بل إن (2) كان مديانًا وله من المال ما يؤدي منه دينه وفوق (3) ذلك أنه يعطى، قال ولا يفصح (4) به، وفي الكتاب فيمن بيده ألف أدينار، (5) وعليه ألفان وله دار وخادم يساويان (6) ألفان، أنه لا يعطى من الزكاة إلا أن (7) يؤدي الألف في دينه فتبقى عليه ألف فحينئذ يعطى ويكون من الغارمين (8). وقال أشهب يعطى وإن لم يؤد. وهذا يشير إلى الخلاف الذي ذكره (9) الداودي.
وسبب الخلاف النظر (10) إلى الحال أو إلى المآل. ولا شك في مراعاة كونه لا يستدين لأخذ الزكاة لأنه إن استدان لذلك صار قاصدًا لأخذ الزكاة بالدين، فلا يمكن من ذلك. ومراعاة الحاجة كما قدمناه قد يلحق (11) الغارم بالفقير والمسكين، ولهذا قال في القول الثاني لا يراعى ذلك.
...
__________
(1) في (ت) لاستدانته.
(2) في (ق) و (ت) إذا.
(3) في (ق) فرق، وغير واضحة في (م).
(4) في (م) لا يفضح، وفي (ت) لا يصح.
(5) ساقط من (ق).
(6) في (ت) لا فضل فيهما يساويان.
(7) في (ر) أنه.
(8) المدونة: 1/ 295.
(9) في (ق) حكاه.
(10) في (ق) و (ت) وسببه النظر.
(11) في (ر) و (م) ويلحق. وخرم في (ت).

(2/853)


فصل (المراد بسبيل الله)
والصنف السابع: سبيل الله [تعالى] (1). وهو محمول على الجهاد عند الجمهور من العلماء، فيصرف إلى المجاهدين وآلة الحرب. ولا خلاف في ذلك أن المغازي يعطى من ذلك، وإن كان غنيًا ببلده [إذا كان فقيرًا بموضعه. وإن كان غنيًا بموضعه] (2) فهل يعطى؟ قولان: أحدهما: أنه لا يعطى، لعدم حاجته. والثاني: أنه يعطى، إذ لو لم يعط مع ملائه لكان هذا الصنف راجعًا (3) إلى صنف ابن السبيل. وأيضا فإنه يعطى على سبيل الإجارة على الغزو فيأخذها وإن كان غنيًا.
وهل تصرف في بناء الأسوار التي يتقى بها مضرة (4) العدو، وإنشاء الأساطيل التي المقصود بها مجرد الغزو وما في معنى ذلك من مجرد الآلات (5)؟ ظاهر المذهب على قولين: والمشهور: أنها لا تعطى لذلك، وهذا لأنهم فهموا من هذا الصنف نفس الجهاد دون ما يستعان به عليه. والثاني: أنها تعطى لذلك، وهذا لأنّ الأساطيل مما يستعان بها على الجهاد، وفي الأسوار تحصن من العدو، وهذا (6) داخل في عموم قوله تعالى: {فِي سَبِيلِ اللَّهِ}.
...

فصل (ابن السبيل)
والصنف الثامن: ابن السبيل. والمراد به من كان بغير بلده، يعطى
__________
(1) ساقط من (ر) و (ت).
(2) ساقط من (ر).
(3) في (ق) و (ر) و (ت) و (م) راجع.
(4) في (ق) معرة وفي (ت) عورة
(5) في (ت) الأثاث.
(6) في (ت) وهو.

(2/854)


ليستعين بذلك على الوصول إلى بلده، أو على (1) استدامة سفره. فإن كان فقيرًا بموضعه ولا يجد من يسلفه، فإنه لا خلاف أنه يعطى. وإن وجد من يسلفه وهو مليء بموضعه فهل يعطى؟ قولان: أحدهما: أنه لا يعطى، والثاني: أنه يعطى. وهو خلاف يرجع إلى أحد وجهين: إما إلى الشهادة بمشقة السلف (2) وعدم مشقته، أو إلى رده إلى الفقير. لكنه ذكر صنفًا مفردًا (3) لكونه فقيرًا في موضعه الذي هو به دون بلده، أو لا يرجع (4) إلى ذلك لأنه لو روعي فقره لم يكن لعده (5) صنفًا معنى.
وإن كان غنيًا بمكانه الذي هو به فهل يعطى؟ في المذهب قولان: المشهور: أنه لا يعطى إذ لا حاجة تدعوه إلى ذلك، والثاني: أنه يعطى، وهذا نظراً إلى العطاء بمجرد (6) السفر إذ يتناوله قوله تعالى: {وَابْنَ السَّبِيلِ}.
...

فصل (هل يُعطى لآل الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الزكاة)
وهل يعطى من ذلك لآل الرسول - صلى الله عليه وسلم - في المذهب أربعة أقوال: أحدها: أنهم لا يعطون من سائر الصدقات الواجبة والتطوع. والثاني: أنهم يعطون من الجميع. والثالث: أنهم يعطون من صدقة التطوع دون الواجبة. والرابع: بالعكس فالمنع لقوله - صلى الله عليه وسلم - للحسين رضي الله عنه وقد أخذ تمرة من تمر الصدقة "أما علمت أن الصدقة لا تحل لآل محمد" (7).
__________
(1) في (ق) وعلى.
(2) في (ق) التسلف.
(3) في (ت) صنف مفرد.
(4) في (ق) ويرجع.
(5) في (ر) أخذه.
(6) في (ق) المجرد.
(7) لم أقف عليه بهذا اللفظ وقد أخرج مسلم حديثين بهذا المعنى الأول عن محمد وهو ابن زياد أنه سمع أبا هريرة يقول أخذ الحسن بن علي تمرة من تمر الصدقة =

(2/855)


ومن حمل ذلك على عمومه منع في التطوع والواجبة، ومن قصره على الغالب من كونه من الصدقة الواجبة قصره على الواجب دون التطوع. ويدل عليه تعليله - صلى الله عليه وسلم - للمنع لأنها أوساخ الناس. وأما الجواز مطلقًا فمعلل بأنهم إنما منعوا منها لما كانت الأرزاق الواجبة لهم جارية عليهم، والآن انقطعت فحلت لهم الصدقة. وأما التفرقة في إجازة الواجبة دون التطوع فإن الواجبة لا مِنَّة فيها بخلاف التطوع، فجاز لهم أخذ ما لا منة فيه.
...

فصل (من هم آل الرسول - صلى الله عليه وسلم -)
وإذا قلنا بمنعهم، فمن الممنوع منهم؟ لا خلاف في المذهب أن بني هاشم ممنوعون، وأن ما فوق غالب (1) غير ممنوعين، وما بين ذلك فيه (2) قولان: أحدهما: المنع، والثاني: الإجازة. وسبب الخلاف، هل تتناولهم لفظة "الآل" لقوله - صلى الله عليه وسلم - "لا تحل الصدقة لآل محمد".
وهل يمنع الموالي كما يمنع الأحرار؟ في المذهب قولان: أحدهما: المنع، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "مولى القوم منهم" (3). والثاني: الجواز. وقد أجازه ابن القاسم فاحتج [عليه] (4) بما ذكرناه من الحديث فقال: فقد جاء في حديث
__________
= فجعلها في فيه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كخ كخ ارم بها أما علمت أنا لا نأكل الصدقة" كتاب الزكاة 1069. والثاني قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد" كتاب الزكاة 1072.
(1) هو: غالب بن فهر بن مالك، الجد التاسع للنبي - صلى الله عليه وسلم -.
(2) في (ق) فيهم.
(3) أخرج البخاري في صحيحه في كتاب الفرائض 6380 وأحمد في مسنده 4/ 340 واللفظ له عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مولى القوم منهم وابن أختهم منهم وحليفهم منهم".
(4) ساقط من (ق).

(2/856)


آخر: "ابن أخت القوم منهم" (1)، وإنما يريد في المعونة والقرب.
...

فصل (كيفية توزيع الزكاة)
وإذا تقرر أن هذه الأصناف تستحق أخذ الزكاة، فإن الوالي والمزكي لنفسه يجتهد فينظر إلى مواضع الحاجة بحسب الوقت فيصرف فيه الزكاة، ويختلف ذلك باختلاف الأعصار والأمصار. ولا يجوز للإنسان أن يمسك صدقته حتى يخرجها عن مستحقها، بل الواجب عليه أن يبادر إلى إخراجها إذا وجد مستحقها. والأفضل لمن وجبت عليه أن يوليها غيره، وهذا لخوف المحمدة والثناء. وقد يجب ذلك إذا كان ممن يجهل مواضعها، أو لا يسلم من قصد الرياء (2).

(حكم من دفعت له الزكاة فزال السبب الذي من أجله دفعت له)
وقد قدمنا الخلاف إذا اجتهد فأخطأ، فإن دفعها إلى من يستحقها لمعنى، فلم يصرفها فيه حتى زال المعنى الذي أخذها لسببه، فإنها تؤخذ منه. وهذا كابن السبيل، يأخذها فلا ينفق منها حتى يصل موضعه، أو يصله ماله على القول بأنه لا يأخذها إن كان غنيًا في موضعه. والغازي يأخذها للغزو ثم يقعد عنه. وتردد أبو الحسن اللخمي في الغارم يسقط دينه أو يؤديه من غيرها، هل تسترد منه إذا كان غير محتاج على أحد القولين (3). وإنما أخذها بمجرد الدين فينبغي أن تؤخذ (4) منه إذا سقط دينه أو أداه من غيرها كالغازي.
...
__________
(1) اخرج البخاري في كتاب الفرائض من صحيحه 6381 عن أنس عن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال "ابن أخت القوم منهم أو من أنفسهم".
(2) في (ت) الثناء.
(3) التبصرة لوحة: 79.
(4) في (ق) ترد.

(2/857)