التنبيه
على مبادئ التوجيه - قسم العبادات باب في حكم (7) بدل الماشية
ومن ملك ماشية فأبدلها بعين أو بماشية فرارًا من الزكاة، فإنه يؤمر (8)
بزكاة الأول، ولا يمكن من قصده إلى سقوط الزكاة، وهذا بلا خلاف. فإن لم يكن
فرارًا فلا يخلو من أن يبدلها بعين أو ماشية، فان أبدلها بماشية فلا يخلو
من أن تكون من نوعها أو من غير نوعها، ولا يخلوا أن يتخلل ذلك عين أو لا
يتخلله.
__________
(1) في (ر) وزكاها.
(2) في (ق) للغلة.
(3) في (م) هل تكون فيها الزكاة إذا بيع أو لا، وفي (ق) هل يكون فيها
الزكاة إذا بيعت أم لا، وخرم في (ت).
(4) في (ر) للغلة.
(5) في (ت) فلا تقوم.
(6) ساقط من (ق).
(7) في (م) أحكام.
(8) في (ر) يؤخذ.
(2/887)
فإن أبدل ماشية بعين والماشية للتجارة فقد
قدمنا أنه يبني على حكم حولِ الأصل، ولا يختلف في ذلك. وإن كانت لغير
التجارة وهي دون النصاب يستقبل بالثمن حولًا، وإن كان فيه نصاب أو (1)
أضافه إلى ما يكمل به النصاب, لأنّ هذه لا زكاة في أصلها المبيع فيضاف
الثمن إليه.
فإن كانت نصابًا فباعها بعين فهل يستقبل به حولًا أو يبني على حول الماشية؟
في الكتاب قولان، (2) فمن التفت [إلى أن] (3) الأولى مزكاة والثانية كذلك
حكم بالإضافة، ومن التفت إلى اختلاف أحكام الزكاة وأنها غيرها (4) حقيقة
وإنما زكيت الأولى وإن كانت في معنى العروض لوجود النماء فيها عدها كالعروض
للقنية. وهكذا القولان أيضًا لو كانت الأولى عينًا فاشترى بها ماشية فهل
تزكى أم لا؟ وهما على ما قدمناه.
وإن كانت الأولى ماشية وأبدلها بماشية من غير صنفها كإبل وغنم أو بالعكس،
فلا يخلو من أن يكون كل واحد منهما نصابًا، أو غير نصاب، أو أحدهما
[نصابًا] (5) دون الآخر؛ فإن كانت كل واحدة نصابًا فقولان: المشهور
الاستقبال بالثانية حولًا، والشاذ بناؤها على حول الأولى. وهما على ما
قدمناه من الالتفات إلى جريان الزكاة [فيهما] (6). [والثاني بناء على
الالتفات إلى اختلاف [معناهما في] (7) الزكاة.
فإن (8) كانتا جميعًاً دون النصاب فلا شك في الأحكام (9) للزكاة] (10)
__________
(1) في (ر) إذا.
(2) المدونة 1/ 322
(3) ساقط من (ق).
(4) في (ق) و (ر) غير.
(5) ساقط من (م).
(6) ساقط من (ق) و (ت).
(7) في (ق) معنى.
(8) في (ق) وإن.
(9) كذا في (ق)، وفي (ت) الأحكم.
(10) ساقط من (م).
(2/888)
وكذلك إذا كانت الثانية دون النصاب ولم
يقصد الفرار. وقد قدمنا الحكم (1) إذا قصده.
وإن كانت الأولى دون النصاب والثانية نصابا فقولان على القول بجريان
الزكاة: أحدهما: سقوط بناء الثانية على [حول] (2) الأولى لما كانت الأولى
[لا] (3) تجب فيها الزكاة، والثاني: وجوب البناء على أصل ملكه الأول (4)،
ويعد (5) هذا إكمال النصاب (6) كالربح.
وإن كانت الماشية الثانية من نوع الأولى (7)؛ فالمشهور من المذهب بناء حول
الثانية على حول الأولى لأنهما لما تجانسا فكان الثانية هي الأولى بعينها
(8). والشاذ الاستقبال بالثانية حولًا]] (9).
وهذا اشتراط أن يمضي على العين الواحدة حولًا دون أن تبدل، وهذا إذا كانت
الأولى نصابًا، فإن كانت دونه فلا شك على القول بالاستقبال بالثانية حولًا،
وإن كانت الأولى نصابًا فإنه يستقبل هاهنا. وأما على القول الثاني ففي
البناء والاستقبال قولان. وسببهما ما قدمناه من عد الزيادة كالربح
والالتفات (10) إلى سقوط الزكاة في الأولى. فإن تخلل ذلك عين كمن باع ماشية
بعين ثم يشتري بالذهب (11) ماشية، فهل يبني على حول الأولى أو يستقبل؟
قولان: المشهور أنه يستقبل إلا أن يكون الأول للتجارة، وهما
__________
(1) في (ق) الخلاف.
(2) ساقط من (ر) و (ق).
(3) ساقط من (م).
(4) في (م) للأولى.
(5) في (ق) يعد.
(6) في (م) للنصاب.
(7) في (ق) و (ت) الأول.
(8) في (ت) الثانية على الأول لأنهما لما تجانسا كانت الثانية هي الأولى
بعينها، وفي (ق) حول الأول على حول الماشية لأنهما لو تجانسا وكانت الثانية
هي الأولى بعينها.
(9) ساقط من (ر).
(10) في (ت) أو الالتفات.
(11) في (ت) الثمن.
(2/889)
[على] (1) ما قدمناه [من الخلاف إذا اشترى
بالعين ماشية] (2)، فهاهنا أحرى (3) بالبناء إذا التفت إلى الأصل [الأول]
(4) والذي بعده وألغى (5) الوسط. فإن استهلكت لإنسان ماشية وأخذ عنها ماشية
بدلًا عن قيمتها، فهل يكون ذلك كبدل ماشية بماشية، أو كبيع الأول بالعين ثم
يشتري بالعين ماشية (6)؟ في الكتاب قولان وهما على الخلاف فيمن خُيِّر بين
شيئين هل يعد كأنه لم يأخذ إلا ما وجب له فيكون هو (7) كالبدل أو يعد
كالتارك للقيمة والآخذ عنها ماشية فيكون كالمتنقل من شيء إلى شيء وفي هذا
الأصل في المذهب قولان.
...
باب في زكاة فوائد الماشية
ولا تخلو الماشية من أن تصادف عند مستفيدها شيئًا (8) من نوعها أو لا
تصادف؛ فإن لم تصادف فبيَّن أنه يستقبل بما أفاده حولًا، وإن صادفت عنده
شيئًا من نوعها فإن كانت الأولى دون النصاب أضافها إلى الثانية بلا خلاف
واستقبل بها حولًا، ويستوي (9) في هذا حكم العين والماشية.
وإن كانت الأولى نصابًا فهل يضيف الثانية إليها فيزكيها لحول الأولى أو
يستقبل بها حولًا؟ في المذهب قولان: المشهور أنه يزكيها لحول الأولى
__________
(1) ساقط من (م).
(2) في (ر) من عد الزيادة كالربح ماشية.
(3) في (م) و (ت) أجرى.
(4) ساقط من (ر).
(5) في (ر) و (ت) والغنى.
(6) في (ق) ثانية، وفي (ت) نانية.
(7) في (ق) هذا.
(8) في (م) مقيدها شيء.
(9) في (م) ولا يستوي.
(2/890)
بخلاف العين. ومذهب ابن عبد الحكم أنه
يستقبل بها حولًا بمنزلة العين. وقد اختلف في وجه الفرق بينهما على طريقين:
أحدهما: أن العين لا سعاة له، فإذًا تبقى كل فائدة (1) على حولها, لأنه
يخرج الزكاة متى حل حول كل واحدة (2). والماشية لها سعاة فإذا أبقى كل
واحدة (3) على حولها أمكن أن تحل الأحوال في وقت لا سعاة فيه فيتأخر إخراج
الزكاة عن وقتها، فكان عدلًا بين أرباب الأموال والمساكين أن تضاف الثانية
إلى الأولى. وأْيضًا فقد يدعي المالك أنه استفاد البعض بَعْدُ لتسقط الزكاة
عنه وقت (4) مجيء الساعي، ثم يستمر السقوط إلى العام الثاني فلم يمكن من
ذلك [بحمية] (5) الذرائع. والطريقة الثانية أن الماشية لها أوقاص، فلو بقي
كل منها على حوله لأدى ذلك إلى مخالفة النصاب الذي قدره النبي- صلى الله
عليه وسلم - مثال ذلك أن يكون للإنسان أربعون شاة ثم بعد مضي نصف الحول
مثلًا يستفيد أربعين فلو أبقى كل فائدة (6) على حولها لأدى إلى أن يُخرِج
من ثمانين شاتين، وهذا خلاف حكم الشريعة. [وقد يستفيد أربعين أخرى، فيخرج
شاة أخرى عنها لو قدر بقاء كل فائدة على حولها، فيصير في عشرين ومائة ثلاث
شياه، وهذا خلاف حكم الشريعة] (7). فكان على هذا إضافة الثانية إلى النصاب
الأول عدلًا بين أرباب الأموال والمساكين. وعلى اختلاف حكم الطريقتين يختلف
الحكم بين من لهم سعاة وبين من لا سعاة لهم؛ فإن عللنا بالأول وجب على من
لا سعاة لهم أن يزكوا كل مال على حوله، وعلى التعليل الثاني يستوي الأمر
فيهما فيضيف الثانية إلى الأولى. [ووجب على من لا سعاة لهم أن يزكوا كل مال
على حوله] (8)، وقد نص عليه في
__________
(1) في (ت) فيمكن بناء كل فائدة.
(2) في (ت) قائدة.
(3) في (ر) فائدة.
(4) في (م) ووقت.
(5) بياض في (ر)، وفي (م) محمية، وفي (ت) فحميت.
(6) في (م) مال.
(7) ساقط من (ق) و (ت) و (م).
(8) ساقط من (ر) و (ق) و (م).
(2/891)
المستخرجة (1). ولا يمكن أن يختلف في أن
الأوقاص تزكى على الروايتين جميعًا، وإنما تزكى الثانية على حولها إذا كانت
زائدة على الوقص أو كمل بالأول النصاب. ومثال هذا أن يكون للإنسان أربعون
ثم يستفيد أربعين فلا يختلف أنه لا يزكي إلا واحدة, لأنّ الفائدة الثانية
لا تؤثر. وكذلك أيضًا لو كانت الفائدة الثانية ثمانين. وإن كانت أكثر من
ذلك فهاهنا ينظر إلى اختلاف التعليلين على ما قدمناه؛ فإن كان في موضع فيه
سعاة فلا يختلف أنه يضيف الثانية إلى الأولى على المشهور من المذهب. فإن لم
يكن له سعاة فهل يزكي عن الأولى شاة فإذا حل حول الثانية زكاها أيضًا،
هاهنا يتصور الخلاف على اختلاف التعليلين؛ فمن علل بمجيء السعاة زكى كل مال
على حاله (2)، ومن علل بالأوقاص أجرى (3) الحكم على المنصوص في المذهب [وإن
لم يكن سعاة] (4).
...
فصل (هل يشترط لوجوب الزكاة إتيان الساعي)
وإن لم يكن للماشية سعاة كان حولها كَحَول العين، وهو مرور الزمان. فإذا حل
عليه الحول وجبت الزكاة، فإن كان لها سعاة فهل يشترط في وجوب الزكاة إتيان
الساعي؟ في المذهب قولان: المشهور اشتراط ذلك، وإنما لا تجب إلا بوجهين:
أحدهما: حلول الحول، والثاني: مجيء الساعي. والشاذ مراعاة الحول خاصة. وهذا
قياس على سائر الأموال، والأول نظراً إلى ما استقر في الزمان واستمر عليه
العمل. وأيضًا فلما كان رب المال ممنوعًا من إخراج الزكاة قبل إتيان
السعاة، صار الوجوب إنما يتقرر بعد إتيانهم. وعلى هذا اختُلف لو مات من حال
الحول على ما عنده
__________
(1) سبق الحديث عن هذا الكتاب في الدراسة ضمن مصادر ابن بشير.
(2) في (ق) و (ت) حوله.
(3) في (ر) وجرى.
(4) ساقط من (ت).
(2/892)
من الماشية قبل (1) إتيان الساعي فعلى
المشهور من المذهب لا يجب عليه شيء، وهكذا قال في الكتاب (2). ولو أوصى بها
لكانت في الثلث غير مبدأة (3) على الوصايا لأنها لم تجب، بخلاف أن يوصي
بزكاة فرط فيها فإنما تكون مبدأة على الوصايا. القول الثاني أنه يجب
إخراجها وإن لم يوص بها، وهذا على ما قدمناه. وعلى هذا أيضًا اختُلف إذا
تخلف السعاة لعذر هل تجزي المخرج أم لا؟ والمشهور أنه لا يجزيه، والشاذ أنه
يجزيه.
(مسائل تنخرط في هذا السلك)
ومما ينخرط في هذا السلك أن يمر الساعي بإنسان فيجد عنده دون النصاب ثم
يعود في رجوعه فيجدها قد كملت بولادة. والمشهور أنه لا يزكي إذ ليس له أن
يعود إليه. وقد استقر (4) الأمر أنه لا زكاة (5) عليه في هذا الحول، والشاذ
أنه يؤخذ منه, لأنّ مروره الأول (6) لا يوجب حكمًا إذ ليس من أهل الزكاة،
وإنما يوجبها المرور الثاني.
وينخرط (7) في هذا أيضًا أن يمر به الساعي فيسأله عما عنده فيخبره ثم يصبح
فيعد عليه فيجد بعضها قد مات أو زادت بولادة؛ فأما إن مات بعضها فالمنصوص
أنه يحتسب بما يجد لا بما أخبره. قال بعض الأشياخ: وهذا إذا كان في أعيانها
المأخوذ [منها] (8). وأما إن كانت إبلًا تزكى بالغنم فإنه يأخذ عما أخبره
به لا (9) عما وجد بعد أن أصبح. وفي المذهب قول
__________
(1) في (ق) و (ت) حل حول الماشية قبل.
(2) المدونة: 1/ 326.
(3) في (ق) مبدات وفي (ر) مبتدأة.
(4) في (ر) استقل.
(5) في (ر) لا إعادة.
(6) في (ت) الآن.
(7) في (ق) ويلحق وفي (ر) يخلص.
(8) ساقط من (ق) و (ت) و (م).
(9) في (ق) و (ت) أخبره بدلًا.
(2/893)
أنه إن صدقه (1) فيما أخبره به فيأخذ به
ولا يلتفت إلى الزيادة والنقصان، وإن لم يصدقه ولم يثق بقوله فإنه يأخذ بما
وجد لا بما أخبره. وهذا يحتمل أن يكون تفسيرًا ويحتمل أن يكون خلافًا،
وكذلك عده أبو عمران.
وبالجملة هذه المسألة تجري على ما قدمناه في زكاة العين إذا ضاعت بعد الحول
وقبل إمكان الأداء. وقد تقدم أن المشهور من المذهب أنه لو بقي دون النصاب
لم يأخذ منه شيئًا، و [أن] (2) الشاذ أنه يأخذ مما بقي بحسابه.
وكذلك يختلف إذا ماتت وبقي منها دون النصاب، هل يأخذ مما بقي معولًا على
خبر رب المال أو لا يأخذ وهو المشهور من المذهب؟ وإنما يكون ذلك إَذا عول
على خبره، وأما إن لم يعول عليه وعول على أنه يعد فيأخذ بما وجد، فإنه [لا]
(3) يختلف أنه لا يلتفت إلى ما كان قبل العدد. وأما لو زادت. بالولادة، فإن
لم يعول على خبره إخذ بما يجد عند العدد، وإن عول عليه ووفق به فهاهنا
للمتأخرين قولان: أحدهما: أن المذهب على قول واحد، أنه ينظر إلى ما عول
عليه. والثاني: أن المذهب على قولين: أحدهما: أنه لا يلتفت إلى خبره, لأنّ
هذا من الأموال الظاهرة، فلا يلتفت فيها إلا إلى الموجود لا إلى خبر
المالك. والثاني: أنه إن كان موثوقًا بقوله وصدقه فقد صار حكمًا بأن الواجب
عليه مقدار ما أخبره به، لا سيما أن الأمر (4) على ما أخبره، وإنما زادت
بالولادة [أو نقصت بإتلاف] (5).
ولو أخذ الساعى في العدد بعد النظر وبقي الشطر الآخر لم يعده حتى (6) تلف
بعض المعدود أو زاد بالولادة، فهل يكون عدها كالحكم بأن الواجب فيه ما
استقر عنده من عدد؟ فيه للمتأخرين قولان: أحدهما: أنه
__________
(1) في (ر) يصدقه.
(2) ساقط من (ق)
(3) ساقط من (ت).
(4) في (ر) إن ظهر الأمر.
(5) ساقط من (ت).
(6) في (ر) و (م) الشطر وبقي الشطر الآخر بعده حتى.
(2/894)
كحكم استقر عنده فلا يلتفت إلى زيادته ولا نقصانه بمنزلة ما لو عد الجميع.
والثاني: أنه يعول على الزيادة والنقصان؛ لأنه لا يستقر الوجوب إلا بعد عد
الجميع.
إذا قلنا باستقرار الوجوب في المعدود فتلف منه البعض حتى لم يبق من الجميع
إلا مقدار دون النصاب، أو تلف طير المعدود فكان المعدود دون النصاب، فهل
يزكي ما بقي؟ هذا يجري على الخلاف الذي قدمناه في العين يتلف منه شيء بعد
حلول الحول، وقبل إمكان الأداء. وكذلك أجراه الأشياخ على هذا المعنى، وتقدم
في ذلك القولان.
... |