التنبيه
على مبادئ التوجيه - قسم العبادات باب في أحكام الخلطة
في الماشية
(معنى النهي عن الجمع بين المفترق)
وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يجمع بين مفترق، ولا يفرق بين مجتمع
خشية الصدقة" (1). وما كان من خليطين، فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية. ولا
خلاف أن للخلطة تأثيرًا في زكاة الماشية على الجملة وإن اختلف في التفاصيل.
ومعنى نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن الجمع بين المفترق عند مالك وأصحابه
أن يكون اثنان لهما غنم يجب في افتراقهما أكثر مما يجب في اجتماعهما، فإذا
أطلهما (2) الساعي جمعا ليخففا عن أنفسهما، كاثنين، لكل واحد منهم أربعون
أو ستون فتجب عليهما في الافتراق شاتان ومع الاجتماع واحدة. فنهيا عن الجمع
ليُسقطا بعض ما وجب عليهما.
(معنى النهي عن التفريق بين المجتمع)
ومعنى النهي عن التفريق أن يكونا خليطين لواحد مثلًا مائة وعشرون
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الحيل 6555.
(2) في (ق) أطلبهما.
(2/895)
وللآخر إحدى وثمانون، فإذا أطلهما الساعي
فرّقا ليؤدي كل واحد منهما شاة، وفي الاجتماع يجب عليهما ثلاث شياه.
فإذا فعلا ما نهيا عنه من التفريق أو من الجمع فالمذهب أن يأخذا بزكاة ما
كانا عليه في الأول. واستقرأ أبو الحسن اللخمي من مسألة البائع ماشيته
فرارًا، أنهما يؤخذان هاهنا بزكاة ما رجعا إليه، كما قاله في مختصر ابن
شعبان في مسألة البائع فرارًا، أنه يؤخذ بزكاة العين (1). وهذا الاستقراء
لا يلزم لأنّ تلك الماشية قد أخذت فيها الزكاة، وقد لا يختلف الحال بين
زكاة الماشية وزكاة العين، وربما كانت زكاة العين أنفع للمساكين. وفي مسألة
الخلط يختلف اختلافًا بينًا كما مثلنا به.
(بما يعرف القصد إلى الفرار)
وبأي معنى يحصل ظهور القصد إلى الفرار بالتفريق أو الجمع؟ أما إن قامت (2)
قرينة حال تدل على القصد بذلك فينبغي أن يعول عليها ولا يلتفت إلى الزمان،
وأما إن لم تقم قرينة حال فهل يرجع إلى الزمان أم لا؟ في المذهب قولان:
المشهور أنه يستدل على ذلك بقرب الزمان، والشاذ أنه لا يستدل عليه بزمان
أصلًا بل ينظر إلى ما يظهر من قرينة الحال، ولا شك أن هذا هو الأصل. وإنما
مراعاة الزمان [طلبًا للاستدلال على قصد الفرار من الزكاة بقرب الزمان.
وإذا قلنا بمراعاة الزمان] (3)، فما مقداره؟ ثلاث روايات: أحدها: أنه
الشهران ونحوهما، والثاني: أنه الشهر، والثالث: أنه دون الشهر.
ولا يظهر لهذا التحديد معنى يؤدي إليه حتى يكون غيره في حد الطرح (4)، بل
تحريم الجمع (5) على قرب الزمان. فكل منهم شهد بنوع، والأصل كما قلناه
مراعاة ظهور القصد.
__________
(1) التبصرة لوحة: 93.
(2) في (م) كانت.
(3) ساقط من (ر).
(4) في (ر) الصرح.
(5) في (ت) الجميع.
(2/896)
وإذا وقع الإشكال في هذا القصد، هل تجب
اليمين أم لا؟ يجري على الخلاف في أيمان التهم، وقد تقدم أن فيها ثلاثة
أقوال.
...
فصل (أقسام الخلطة)
وإذا تقرر ما قدمناه، قلنا بعده: الخلطة على قسمين: أحدهما: الاشتراك في
أعيان الماشية، فهؤلاء يسمون خلطاء وشركاء، والثاني: الاشتراك في الانتفاع،
فهؤلاء يسمون خلطاء ولا يسمون شركاء. ومحمل (1) الحديث المتقدم في التراجع
إلى القسم الثاني لا إلى الأول. وفيه يصح التراجع إذا أخذ من ماشية أحدهما.
وأما مع (2) الاشتراك، فلا يأخذ إلا مما هما (3) مشتركين فيه، ولا معنى
للتراجع. وقال أبو الحسن اللخمي: يصح التراجع بين الشريكين على أحد قولي
مالك رحمه الله أن الأوقاص غير مزكاة، (4) (5) إذا كان لأحد الشريكين ثلث
وللآخر الثلثان، والجملة عشرون ومائة من الغنم، فإنه هاهنا إذا أخذ شاة يجب
أن يكون نصفها على صاحب [الثلث والنصف على صاحب] (6) الثلثين. فإذا أخذها
من الجملة فقد فضل صاحب الأربعين بسدس شاة (7) يرجع عليه بها, لأنّ الواجب
على صاحب الأربعين (8) نصف وهو إنما أدى على الحقيقة الثلثين.
...
__________
(1) في (ت) ويحتمل.
(2) في (ر) منع.
(3) في (ق) و (م) بما هو.
(4) التبصرة لوحة: 94.
(5) ساقط من (ر).
(6) ساقط من (ق).
(7) في (ت) فضل صاحب الثلثين على الآخر بسدس شاة، وفي (ر) قيل على صاحب
الأربعين على الآخر بسدس شاة.
(8) في (ت) الثلثين.
(2/897)
فصل (أحكام الخلطة)
وإذا تقرر ما قلناه، قلنا ما بعده من أحكام الخلطة تحصر (1) في ثلاثة فصول:
أحدها: ما يوجب الخلطة، والثاني: [في] (2) حكم المأخوذ من الخليطين (3).
والثالث: في حكم الخليط يكون له خليط آخر وماشيته منفردة عن الاختلاط (4).
(موجبات الخلطة)
فأما الفصل الأول؛ فإن موجبات الخلطة خمسة وهي: الراعي والفحل والدلو
والمراح والمبيت. ومعنى هذه: أما الراعي فأن (5) يكون راعي الغنم واحدًا أو
جماعة مشتركين بإذن أرباب الأموال. واشترط أبو الوليد الباجي الافتقار (6)
إلى جميعهم، فإذا حصل هذا المعنى عد هذا شرطًا من شروط الخلطة. فأما الفحل
فأن يكون فعل جميع الغنم واحدًا أو جماعة يشتركون في أعيانها (7)، أو يكون
كل واحد منها (8) يضرب [في] (9) الجميع، واشترط أيضًا أن يفتقر إلى الجميع.
وأما الدلو فمعناه السقي، ومقتضى اللفظ أن يسقى الجميع بدلو واحد، لكن ألحق
بذلك الاشتراك في الماء، إما أن يكون موضعه مملوكًا أو تكون المنفعة فيه
مشتركة.
__________
(1) في (ق) و (ت) ينحصر.
(2) ساقط من (ر).
(3) في (ر) المأخوذ منفردة منها من الخليطين، وفي (م) حكم المأخوذ من
الخليطين، وفي (ق) حكم المأخوذ منها من الخليطين، وفي (ت) حكم المأخوذ فيها
من الخليطين.
(4) في (ر) الانخلاط.
(5) في (ت) و (ر) فإنه.
(6) في (ق) و (م) الافتصار على.
(7) في (ر) يشترك في أعيانها، وفي (م) فيشترك في أعيانهم.
(8) في (ر) و (ق) كل واحد منهما وفي (م) كل منهم.
(9) ساقط من (ر) و (ق).
(2/898)
وأما المراح فاختلف فيه على قولين: أحدهما:
أنه الموقع (1) الذي تقيل فيه الغنم، والثاني: أنه الذي تجمع فيه ثم تنصرف
منه إلى المبيت. ويشترط فيه أيضًا أن يكون مملوك الرقبة لجميعهم أو مملوك
المنفعة. فإن كانت مواضع كثيرة، فيفتقر أن يكونوا محتاجين إلى جميعها،
وكذلك الحكم في المبيت.
وقد (2) أضيف إلى هذه الشروط، [المسرح (3) وهو الموضع الذي ترعى فيه. وهذا
يكفي فيه اتحاد (4) الراعي أو تعاون الرعاة. وإذا تقررت هذه الشروط] (5)،
فلا خلاف أنه لا يشترط في ثبوت الخلطة وجود جميعها. واختلف المذهب بعد ذلك
في المعول عليه منها على أربعة أقوال: أحدها: أنه جلها، والثاني: أنه اثنان
ما كان منهما، والثالث: أنه الراعي، والرابع: أنه الراعي والمرعى. وهذا كله
تحريض (6) على حصول الاشتراك في المنفعة التي تجعل المالكين كالمالك
الواحد.
فمن التفت إلى كثرة الاشتراك اشترط الجل حتىّ يكون ما يفترقان (7) فيه
تابعًا، ومن التفت إلى حصول الاشتراك جملة اشترط أثنين لأنّ الواحد لا يحصل
به المقصود، ومن التفت إلى الراعي فلأنه يرى أنه إذا اجتمعت فيه حصل [به]
(8) الاجتماع في غيره، وكان إضافة المرعى (9) إليها إنما ما هو تَتْميم،
وإلا فإذا اجتمعت في الراعي لا بدّ أن يجمعها في المرعى. ويمكن أن ترجع هذه
الأقوال إلى معنى واحد، وهو اجتماع الجل. ويكون المذهب على قولين: أحدهما:
اشتراط الجل، والثاني: اشتراط اثنين، والتفات الجميع
__________
(1) في (ت) الموضع.
(2) في (ر) ومن.
(3) في (ق) المصرح.
(4) في (ق) اتخاذ.
(5) ساقط من (ر).
(6) بياض في (ر) وفي (ت) و (م) تحويج.
(7) في (ر) و (ق) يفتقران.
(8) ساقط من (ت).
(9) في (ر) الراعي.
(2/899)
إلى حصول الاختلاط فيما يجعل المالكين في
المرافق كالمالك الواحد.
...
فصل (شروط زكاة الخلطة)
وأما أحكام (1) زكاة الخلطاء فقد قدمنا أن شروط الخلطة إذا حصلت عد الملك
كالمتحد، وذلك عندنا بشروط: أن يكون كل واحد من الخلطاء مخاطبًا بالزكاة,
لأنه ملك النصاب، وقد حل على [غنمه] (2) حول. فإن لم يكن كذلك فلا تأثير
لخلطته.
(حكم من كان خليطه يهوديًا أو ذميًا)
واختلف المذهب لو كان يهوديًا أو ذميًا أو عبداً هل يزكي خليط المسلم زكاة
الانفراد أو زكاة من له خليط؟ والمشهور من المذهب أنه يزكي زكاة المنفرد.
والشاذ أنه يزكي زكاة من له خليط. واستقرأ أبو الحسن اللخمي من هذا مراعاة
الخلطة (3) إذا نقص نصيب أحدهما عن النصاب، أو لم يحل على غنمه الحول.
والجامع عنده أن كل واحد من الذمي والعبد والمالك دون النصاب والذي لم يحل
(4) على غنمه الحول غير مخاطب بالزكاة. فإذا اختلف في أحد هؤلاء وجب إجراء
الخلاف في الباقي (5). وليس كما قاله لأنّ الذمي قد اختلف فيه الأصوليون
والمذهب هل هو مخاطب بفروع الشريعة أم لا؟ والخلاف [في مراعاة] (6) خلطته
على هذا الأصل؛ فمن قال إنه غير مخاطب [جعل خلطته غير مؤثرة ومن قال إنه
__________
(1) في (ر) حكم.
(2) ساقط من (ر).
(3) في (ر) الخليط الخلاف.
(4) في (ق) يكمل.
(5) التبصرة لوحة: 95.
(6) ساقط من (ت).
(2/900)
مخاطب] (1) حكم بتأثيرها. لكن يوجب على من
خالطه من المسلمين ما يلزمه ويكون الذمي كالظالم للمساكين بإمساك ما يلزمه.
(حكم زكاة ما بِيَدِ العبد)
والعبد قد اختلف الناس في زكاة ما بيده، فقيل: تجب على سيده لأنه غير مالك
أصلًا، وقيل: عليه في نفسه لأنه مالك حقيقة، وقيل وهو المذهب لا يجب عليه
شيء. والقول بمراعاة خلطته مبني على مراعاة الخلاف، والإجماع على أن من
قصرت غنمه عن النصاب أو لم يحل عليها الحول لا يجب في نفسه شيء، فكيف يقاس
بعضهم على بعض؟ ومقتضى حكمها (2) بأن الخلطاء كمتحدي الملك, لأنّ أحدهما لو
كان معه معز وللآخر ضأن لكانا كالمالك الواحد وجرى في حكم ما تقدم على حكم
المالك (3) تكون غنمه مختلطة. وهذا نص في كتاب ابن سحنون.
(حكم زكاة الأوقاص)
واختلف المذهب في الأوقاص هل هي مزكاة أم لا؟ وعلى هذين القولين سيأتي ما
في الكتاب في خليطين؛ لأحدهما تسع (4) من الإبل وللآخر خمس (5) هل يقتسمان
المأخوذ منهما على أربعة عشر جزءًا أو على التساوي؟ (6) فإن حكمنا بزكاة
الأوقاص فعلى التفاضل، وإن حكمنا أنها غير مزكاة فعلى التساوي.
وسبب الخلاف إلغاؤها قبل كمال النصاب الثاني والاعتداد (7) بها بعد كماله،
فمن نظر إلى الإلغاء قال لا شيء فيها، ومن نظر إلى الاعتداد
__________
(1) ساقط من (ر).
(2) في (ق) جملتها.
(3) في (ق) و (ت) وجرى على ما تقدم في حكم المالك.
(4) في (ر) تسعة.
(5) في (ر) خمسة.
(6) المدونة: 1/ 331.
(7) في (ت): النصاب أو الاعتداد.
(2/901)
أوجب. ولا خلاف في الاعتداد بما لو كان
لأحدها تسعة والآخر ستة, لأنّ الأوقاص هاهنا أثرت زيادة الشاة فلولا
الواحدة والأربعة الزائدة على خمسة كل واحد لم يجب إلا شاتين، وإنما لفقت
الأوقاص [هاهنا] (1) لما قدمناه من عد الخليطين كالمالك الواحد. وهكذا
تنقلهم الخلطة إلى أن يخرجا من الإبل , وإن كان الانفراد يقتضي إخراج الغنم
أو يخرج أحدهما، وقد ينقلها من فرض إلى فرض وهذا بيّن إذا اعتبر.
...
فصل (2) (حكم أخذ الساعي من الخليطين ما لا يجب عليهم)
وإذا تقرر أن أصلنا اشتراط النصاب في حق كل واحد منهما، فإذا اجتمعا (3)
وليس لكل واحد منهما نصاب فلا زكاة عليهما، وإن كان لأحدهما نصاب والآخر
دونه فالزكاة على من في حظه نصاب. فإن خالف الساعي هذا الحكم فأخذ ولا يجب
الأخذ (4) فلا يخلو من أن يكونْ المجتمع عنهما غير نصاب أو نصاباً، فإن
قصّرا (5) عن النصاب فهو غاصب، تكون (6) مصيبتها من أخذت من غنمه.
وإن أكمل باجتماعهما نصاب فإن قصد إلى الغصب فالحكم كالأول, وإن أخذ بتأويل
فالمذهب أنهما يتراجعان في المأخوذ، وهذا على مراعاة الخلاف، أو لأنّ (7)
الساعي كالحاكم في مضي حكمه (8) بلا خلاف.
__________
(1) ساقط من (م) و (ت) وفي (ق) هاهنا الزيادة لما.
(2) ساقط من (ق) و (ت).
(3) في (ق) و (ر) اجتمعت.
(4) في (ر) على الأخذ.
(5) في (ر) و (م) قصر وفي (ق) انقصر.
(6) في (ث) غصب محض تكون.
(7) في (ت) لأن وفي (ر) ولأن.
(8) في (ت) فيمضى فعله.
(2/902)
وإن كان لأحدهما نصاب وللآخر دونه، فلا
يخلو من أن يضر الذي له النصاب بالآخر حتى يوجب بالتأويل زائد أو لا يضره؛
فإن ضره كمن له مائة وعشرون من الغنم وللآخر إحدى عشر، [فجاء الساعي فأخذ
شاتين فإن أخذهما بغير تأويل فواحدة على رب النصاب، والثانية مصيبة ممن
أخذت] (1) منه، وإن أخذها بتأويل ففي المذهب قولان: أحدهما: أنهما يتراجعان
في الشاتين، إذ كذلك قصد الآخذ فيمضي حكمه (2) يكون كحكم (3) بما اختلف
النَّاس فيه. والثاني: أن واحدة تكون ممن له النصاب لأنّ ذلك هو الواجب
عندنا، والثانية يتراجعان فيها لأنها [من] (4) التي وقع فيه التأويل.
وأجرى الأشياخ المتأخرون على هذا ما لو كان لأحدهما اثنان وثلاثون من الإبل
وللآخر أربعة فجاء الساعي وأخذ بنت لبون؛ فعلى القول الأول يتراجعان فيها،
وعلى القول الثاني يكون على صاحب الأكثر بنت مخاض، وينظر إلى قيمة ما زادت
بنت لبون عليها فيتراجعان فيها. قال أبو الحسن اللخمي: ويجري فيها قول
ثالث: - يعني في مسألة الغنم - أْن الشاة الزائدة (5) يكون على كل واحد
منهما نصفها، قال: بمنزلة ما لو شهد أربعة بالزنا واثنان بالإحصان ثم رجعوا
ففي الدية قولان: أحدهما: أنها تكون على [عدد] (6) الرؤوس، والثاني: أنها
تكون نصفين: نصف علي الشهود بالزنا, ونصف على الشهود بالإحصان (7) والجامع
عنده أن كل واحد في الخليطين مؤثر في أخذ الزائد، كما أن كل فريق من هؤلاء
الشهود مؤثر في وجوب الرجم.
ولا يلزم ما قاله لأنّ القول [بكون] (8) الدية (9) شطرين نظرًا إلى أن
__________
(1) ساقط من (ر).
(2) في (ق) و (ت) فعله.
(3) في (ر) حكم.
(4) ساقط من (ق) و (ت).
(5) في (ق) الواحدة.
(6) ساقط من (ر) و (ق).
(7) التبصرة لوحة: 96.
(8) ساقط من (ق).
(9) في (ق) لأنّ القول بالدية شطرين لأنّ التوصل يكون الدية شطرين نظر إلى
أن الإحصان.
(2/903)
الإحصان يستقل بالإثنين كاستقلال (1) الزنا
بالأربعة فهم في المعنى كالمتشاطرين (2). ومسألة الخليطين، لا شك أن لزيادة
العدد تاثيرًا في وجوب الزكاة، وفي (3) تأويل المصدق فتقسمت (4) على
الأعداد.
وإن كان صاحب دون النصاب غير مضر بالآخر، فإن أخذ الساعي مقدار الواجب فلا
شك في اختصاص من له النصاب [به] (5)، وإن (6) زاد عليه فهو ظلم محض يكون
ممن أخذ منه.
وقد تقدم أن من وجبت له غنم بأعيانها فالزكاة فيها من يوم الوجوب. وحكم
المرأة تتزوج على غنم بأعيانها جارية على هذا الأسلوب. فإذا ما طلقها الزوج
فصار إليها نصف صداقها لأنّ الطلاق قبل الدخول فهل يستقبل حولًا من يوم
عادت إليه أو يبني على ما تقدم له؟ في المذهب قولان. وهو على الخلاف في
المرأة هل تملك الكل بالعقد أو نصفه؟ فإن قلنا إنها تملك الكل استقبل الزوج
حولًا، وإن قلنا إنها تملك النصف خاصة يبني على الحول الأول. وإذا قلنا إنه
يبني على الحول الأول فمن أين يجعله، هل من وقت ملك أو زكى أو من يوم أصدق؟
للمتأخرين قولان: والأكثر وهو الصحيح أنه من يوم ملك أو زكى. وقال بعض
المشايخ من وقت عقد. ويكاد أن لا يكون له وجه إلا أنه يحتمل أنه بالعقد صار
كأنه مِلْكٌ مفتتح فيبنى على ذلك الوقت.
...
فصل (حكم الخليط يكون له خليط آخر)
أما حكم الخليط تكون له ماشية منفردة أو يكون له خليط آخر فيها؛
__________
(1) في (ر) كما استقل.
(2) في (ق) و (ت) كالشاهدين.
(3) في (ق) في.
(4) في (ق) بقسمته وفي (ت) وقسمت.
(5) ساقط من (ر).
(6) في (ق) بأن.
(2/904)
فإن كان له خليط آخر ففي المذهب أربعة
أقوال:
أحدها: أنهم يعدون كلهم خلطاء، ومثاله أن يكون لواحد أربعون وللآخر ثمانون.
أربعون منها خالط بها صاحب الأربعين، وأربعون خالط بها الآخر. وإذا عد
الجميع [خلطاء] (1) زكوا شاتين على كل واحد من صاحبي الأربعين نصف شاة،
وعلى صاحب الثمانين شاة.
والقول الثاني: أن كل واحد من صاحبي الأربعين لا يحتسب بالآخر، وإنما يحتسب
بغنم صاحبه الخالط له خاصة. فيكون على كل واحد من صاحبي الأربعين ثلث شاة
وعلى صاحب الثمانين [ثلثا] (2) شاة لأنه لا يحسبها مع (3) كل واحد من صاحبي
الأربعين.
القول الثالث: أن كل واحد من صاحبي الأربعين لا يحتسب إلا بما معه خاصة،
فيكون عليه نصف شاة وعلى صاحب الثمانين شاة (4) , لأنه يجمع (5) جميع ملكه
فيضيف بعضه إلى بعض.
والقول الرابع: أن صاحب الثمانين لا يجمع ملكه بعضه إلى بعض، لكن يزكى كل
ملك خالط به الآخر كأنه لا يملك غيره.
ولكن هذا القول يوافق القول الأول في هذه الصورة، فيكون عليهما (6) شاتان،
على كل واحد من صاحبي الأربعين نصف (7)، وعليه نصفان. والطريق إلى الموافقة
في هذه الصورة مختلف (8) , لأنه في القول
__________
(1) ساقط من (ر).
(2) ساقط من (ت) و (م).
(3) في (ق) و (ت) لأنه يحتسب بها مع.
(4) في (ر) و (ق) و (ت) ثلثا شاة.
(5) في (ر) لا يجتمع.
(6) في (ت) عليهم.
(7) في (م) نصفًا وفي (ر) نصفان.
(8) في (ر) و (ت) والطريق الموافق في هذه الصورة تختلف.
(2/905)
الأول يجعل الجميع مختلطين (1)، وفي الرابع
يجعلهم كالمنفردين بالاختلاط ولا يجمع (2) مالك الثمانين بعضه إلى بعض.
وتتصور المخالفة لو كان لواحد خمسة عشر من الإبل خالط (3) بخمسة منها صاحب
خمسة، وبعشرة صاحب خمسة أخرى.
فعلى القول الأول يكون على الجميع بنت مخاض، وعلى القول الرابع تكون زكاتهم
بالغنم فيزكي كل واحد من صاحبي [الخمسة] (4) شاة واحدة، ويزكي صاحب الخمسة
عشر ثلاثة شياه. وأما إذا كان إنسانًا مخالطًا ببعض غنمه, ونمثله بالصورة
الأولى فيكون له ثمانون، خالط بالأربعين [منها من له أربعون] (5)، ولم
يخالط بالأربعين الأخرى. فيجري هاهنا ثلاثة أقوال: أحدها: أنه يكون عليهما
شاة، على صاحب الثمانين ثلثاها وعلى صاحب الأربعين ثلثها، والثاني: أن يكون
عليهما شاة وسدس، على صاحب الثمانين ثلثان وعلى صاحب الأربعين نصف (6)،
والثالث: أنهما يخرجان شاة ونصفًا (7)، على صاحب الثمانين شاة وعلى صاحب
الأربعين نصف.
(مآخذ هذه الأقوال)
وقد تقدم مآخذ (8) هذه الأقوال في أحكام الاقتضاءات، لكنا ننبه عليه هاهنا،
وذلك أنه اجتمع في هذه أمران كالمتناقضين: أحدهما: أن الخليط الأوسط يجب ضم
ملك بعضه إلى بعض [مع عدم الخلطة، والطرفان ليس
__________
(1) في (ر) مخاطبين.
(2) في (ق) يجعل.
(3) في (ق) خالطه.
(4) ساقط من (ت).
(5) ساقط من (ق) و (ت)
(6) في (ر) ثلث.
(7) في كل النسخ نصف.
(8) في (ر) أحد.
(2/906)
بينهما خلطة، فلا يجب ضم ملكيهما بعضه إلى
بعض] (1).
فمن غلب حكم الوسط ورأى أن كل واحد منهما يجب ضم ملكه (2)، وهو يجب ضم ملكه
(3) بعضه إلى بعض، قال (4) يكون الجميع كالخلطاء.
ومن غلب حكم الطرفين المنفردين أفرد ملك الوسط فجعله كالمالكين أربعين
[أربعين] (5) ولم يضم ملكه [بعضه] (6) إلى بعض (7)، وهذا هو القول الرابع.
ومن رأى أن الوسط قد حصل لكل واحد من صاحب الأربعين خلطة (8). والخليط يجب
أن يضاف جميع ما يملكه إلى ما خالط به، جاء منه القول الثاني. ومن وجب عنده
ضم ملك الواحد بعضه إلى بعض وأفرد حكم الخليط لما خالط به، جاء منه القول
الثالث.
...
باب في الهارب بماشيته من السعاة
ولا شك أنه متعد في الهروب، فالواجب عليه متعلق بذمته. فلا يختلف المذهب في
ذلك، لكن اختلف إذا زادت نعمه بعد أن كانت ناقصة في أعوام، هل يؤخذ بما
يوجد في يده من الزيادة على سائر الأعوام؟ وهو الشاذ من المذهب، أو يؤخذ عن
كل عام بما في يده؟ وهو المشهور. وكان المشهور هو القياس لأنه إنما يؤخذ
بما تعدى عليه، فإذا ظلم فلا ينبغي أن يظلم فيزاد عليه
__________
(1) ساقط من (ق) و (ت).
(2) في (ق) و (ت) ضمه إليه.
(3) في (ق) ملك.
(4) في (ق) وقال.
(5) ساقط من (ر).
(6) ساقط من (ر)،
(7) في (ر) كالمالكين أربعين ولم يضم ملكه إلى بعض.
(8) في (ق) خليط.
(2/907)
فوق الواجب. لكن أشهب القائل بالمذهب
الثاني قد يرى أنه غير مصدق في دعواه النقص في السنين الماضية، أو يقيسِ
(1) ذلك على المشهور من المذهب في من (2) تخلف عنه السعاة، أنه يؤخذ بما
تقدم من السنين بما في يديه الآن. وسيأتي بيانه في الباب الذي يلي هذا.
وإذا قلنا إنه لا يؤخذ عن كل سنة إلا بما يملك فيها، فإن كان الأخذ ينقص ما
في يديه إما لما أنقص، وإما لأنّ تسقط (3) عنه بعض السنين لتقصيرها عن
النصاب، فهل يبتدئ بالحساب من أول سنة فيؤخذ منه عنها ثم يكون نعمه بعد ذلك
لا يجب فيها شيء؟ أو يجب [فيها دون أن يبتدئ بالسنة الآخرة.] (4) ولم يؤخذ
عما تقدم لتقرره في ذمته؟ في المذهب قولان. ومثاله أن يكون لرجل إحدى
وأربعون شاة فيفر بها أربع سنين ولا تزيد، فيأتي المصدق ويقوم (5) عليه،
فالمشهور أنه يبتدئ بالسنة الأولى فيأخذ شاة، ثم شاة عن الثانية فينقص (6)
غنمه عن الصدقة، فلا يلزمه غير ذلك. والشاذ أنه يبتدئ بالسنة الآخرة ويأخذ
عن جميع ما تقدم لتقرره في ذمته.
وكأن سبب الخلاف في هذا أن الدَّيْن يُسقط زكاة العين ولا يسقط زكاة
الماشية. وقد قدمنا الخلاف أيضًا في الدين إذا كان من زكاة هل يسقط الزكاة
أم لا؟ وهاهنا الدين من زكاة (7) لكنه متعلق بأعيان الماشية، بخلاف الدين
الثابث في الذمة؛ فمن (8) رأى أن الدين لا يسقط زكاة الماشية (9)
__________
(1) في (ر) يقاس.
(2) في (ر) ومن.
(3) في (ر) إما لما نقص أو إلى أن يسقط، وفي (م) إما لما انتقص وإلى أن
تسقط. وفي (ق) إما لما أنقص أو إلى أن يسقط.
(4) في (ت): أو يجب أن يبتدئ بالسنة الآخرة في (م): ويجب فيها دون أن
يبتدئ، وفي (ر) دون أو يبتدئ بالسنة الأخرى.
(5) (ق) و (ت) و (ر) ويقدم.
(6) في (ت) فينتقص.
(7) في (م) الدين زكاة، وفي (ق) دين زكاة.
(8) في (ق) أسقط فمن.
(9) في (ر) بخلاف الدين الثالث فمن رأى أن الرهن يسقط زكاة الماشية، وخرم
في (ت).
(2/908)
جعل هذا كالمتقرر في الذمة لم تسقط به الزكاة، ومن رآه] (1) متعلقًا بأعيان
الماشية بخلاف الدين الثابت في الذمة أسقط به. وقد قدمنا الخلاف في جزء
الزكاة هل يتعلق بعين المال حتى يكون المساكين كالشركاء، أو يتعلق بالذمة.
وهذا جارٍ على ذلك [الأسلوب] (2). وإذا بنينا على المشهور من المذهب أنه لا
يؤخذ من الهارب إلا عما يملك في كل عام فانصرف هاربًا بألف شاة، ثم قُدِرَ
عليه وبيده أربعون، فقال نقصت من وقت الانصراف، فالمذهب أنه لا يصدق، وأنه
يؤخذ عن جميع الأعوام على كمال الأنعام [إلا العام الآخر] (3)، وهذا لأنه
متعد في الهروب (4)، وقوله غير موثوق به. والأصل الكمال إلا في الوقت الذي
نقصت فيه.
ولو انصرف مثلًا بأربعين ثم أتى بالألف، وقال إنما استفدتها قريبًا فهل
يصدق تعويلاً على ما تقدم، أو لا يصدق تعويلاً على ما وجد في يده الآن؟ في
المذهب قولان.
... |