التنبيه
على مبادئ التوجيه - قسم العبادات باب في أحكام من
تخلف عنه السعاة
(حكم من تخلف عنه السعاة فزادت الماشية أو
نقصت)
وقد قدمنا الخلاف في السعاة، هل مجيؤهم (5) شرط في الوجوب أو في الأداء؟
والمشهور من المذهب عدهم شرطًا في الوجوب، وهذا في بلد فيه سعاة. وأما بلد
لا سعاة فيه فلا يختلف أنهم غير معدودين شرطًا أصلًا.
__________
(1) في (ر) ومن لم يسقط به فمن رأى، وفي (ق) ولم يسقط به فمن رآه، وخرم في
(ت)
(2) ساقط من (ر).
(3) في (ر) إلا أكثر.
(4) في (ر) المذهب.
(5) في (ق) و (ت) هل هي شرط.
(2/909)
وإذا بنينا (1) على المشهور أن عدهم شرطًا
[في الأداء] (2)، فإذا تعذر إرسالهم في بعض السنين حتى أقام (3) أرباب
الماشية أعوامًا لم يؤدوا ثم أتى السعاة فإنهم يأخذون (4) عن جميع ما تقدم
من الأعوام. وهل ينظر إلى ما يوجد (5) عند أرباب الماشية فيقدر كأنه ملكوه
[في] (6) كل عام؟ أما إن كانت الماشية فيما تقدم أكمل، فلا خلاف أنهم لا
يضمّنون أرباب الأموال وإنما يأخذون عن الأنقص. وأما إن كانت أنقص فكملت
فهاهنا قولان: المشهور متن المذهب أنهم ينظرون إلى حالة الموجود (7) فيزكون
على مقدارها لما تقدم من السنين. والشاذ أنهم يزكون عن كل عام بقدر المملوك
فيه، وهذا [هو] (8) القياس، لأنّ من تخلف عنه السعاة غير متهم (9).وإذا كان
كذلك فلا يؤخذ عنه عن أعوام كانت ناقصة بالإكمال.
ومثال هذا أن يتخلف السعاة عن من يملك ألفًا من الغنم مثلًا، فيقيم عشرة
أعوام ثم يأتي وليس في يده إلا أربعون، فلا خلاف هاهنا أنه لا يزكي إلا
شاة، وإن كان بالعكس فكانت أولًا أربعين ثم كملت في العام الأخير فالقولان
كما قدمناه: هل يؤخذ منه بالألف (10) عن (11) الأعوام كلها، أو إنما يزكي
شاة واحدة عن الأعوام المتقدمة وفي العام الأخير تسع شياه، وهذا هو الشاذ,
وهو القياس. وأما المشهور فوجهه (12) العدل بين
__________
(1) في (م) بينا.
(2) ساقط من (ق) و (ر).
(3) في (ق) و (ر) قام.
(4) في (ت) يوخذون.
(5) في (ت) يؤخذ.
(6) ساقط من (ت) و (ق).
(7) في (ق) الوجود.
(8) ساقط من (ر)
(9) في (ق) و (ت) و (ر) ملوم.
(10) في (ق) و (ت) و (ر) الألف.
(11) في (ت) على.
(12) في (ر) فوجه.
(2/910)
أرباب المواشي (1) والمساكين، فكما لا يضمن
أرباب الماشية النقص فكذلك يحاسبون بالزكاة عما تقدم.
وبالجملة تجعل الأعوام كالعام الواحد، وأيضًا فقد تخلفت السعاة [للفتنة (2)
ثم بعثوا فأخذوا من الناس على ما في أيديهم. فيعد هذا كالإجماع المستقر.
وهذا إن (3) تخلفت عنه السعاة] (4) وعنده نصاب , فإن كان عنده دونه ثم أتت
السعاة وقد كمل نصابه أو زاد, فإن كان الكمال بفوائد (5) فلا خلاف أنه لا
يحسب عليه إلا من يوم الكمال، وإن (6) كان بولادة فهل يكون كالفائدة أو
يجعل جميع الأعوام كالعام الواحد؟ في المذهب قولان. وهكذا إن تخلف عنه وفي
يده نصاب ثم نقص في بعض الأعوام ثم كمل بعد نقصه (7)، فيجري على ما قدمناه
في هذا من التفصيل؛ فمن عد جميع الأعوام كالعام الواحد أوجب الزكاة ولم
يلتفت إلى النقص، ومن علل بالعمل أو التعديل بين أرباب الأموال والمساكين
لم يوجب شيئًا إلا بعد الكمال.
ولو غاب أعوامًا عدة مثلًا عمن (8) له خمسة وعشرون من الإبل ثم جاء، فإن
وجد فيها بنت مخاض أو بنت (9) لبون أخذ ما وجد وزكى ما بقي بالغنم، وإن لم
يجد ذلك كلف رب المال الشراء من غيرها. وهل يزكي لجميع الأعوام بالإبل أو
يكون الحكم كالأول؟ في المذهب قولان، وهما على الخلاف في تعلق الزكاة بعين
المال أو بالذمة؛ فمن علقها بعين المال أوجب عن عام واحد زكاة الإبل ويكون
الشراء من غيرها هاهنا
__________
(1) في (ق) و (ت) و (م) الأموال.
(2) في (ر) تختلف، وفي (ت) تخلف السعاة الفتنة، وفي (م) يتخلف السعاة
بفتنة.
(3) في (ق) إذا.
(4) ساقط من (ر).
(5) في (ت) و (ق) و (م) فائدة.
(6) في (ق) و (ت) و (ر) فإن.
(7) في (ر) بعضه.
(8) في (ر) كمن.
(9) في (ت) ابن.
(2/911)
كالتعويض (1)، ومن علقها بالذمة أوجب عن
الأعوام كلها زكاة الإبل.
فصل (متى يبعث السعاة)
وقد تقدم أن أرباب الماشية ينقسم حالهم إلى من لهم سعاة، وإلى من لا سعاة
لهم. وذكرنا أن من لا سعاة لهم يكون حالهم في الإخراج كالمالك للعين، وتحل
الزكاة عليهم بمضي الحول. وقد ذكرنا الخلاف في مجيء السعاة هل هو شرط في
الوجوب أو في الأداء. فمن لا سعاة لهم يزكون بلا خلاف وقت حلول الحول، وأما
من له سعاة فمذهبنا أنهم يبعثون في [استقبال] (2) الصيف حين تطلع الثريا
بالغداة. وهذا تخفيف عن أرباب الأموال وعن السعاة؛ لأنّ أرباب الماشية
يقيمون (3) في هذا الزمان على مياههم [بالغدو] (4) ويجمعون ماشيتهم، فيهون
على السعاة تحصيل مقاديرها وعلى أرباب الأموال إخراج ما يجب عليهم.
(وجوب إخراج العين الواجبة لا قيمتها)
وأصل المذهب أن الزكاة لا تخرج بالقيمة وإنما يخرج [الإنسان] (5) العين
الواجبة عليه، فإن أخرج قيمتها؛ فأما في الدنانير إذا أخرج عنها دراهم أو
بالعكس فقد تقدم الخلاف فيه، فأما الماشية والحرث فالمشهور من المذهب أنه
إذا أخرج طوعًا القيمة فلا تجزيه، والشاذ أنها تجزيه. وهذا يحتمل طريقين:
أحدهما: أنه جائز ابتداء، فيكون وجهه تغليب إرفاق المساكين، ويكون وجه
المنع تغليب حكم العبادة. ويحتمل أن يكون غير جائز ابتداء لكن إذا وقع فقد
نزل ما اختلف فيه الناس، فيمضي مراعاة للخلاف.
__________
(1) في (ر) كالتفويض.
(2) ساقط من (ق) و (ت).
(3) في (ق) و (ت) و (م) يجتمعون.
(4) ساقط من (م) وفي (ر) بالغرة.
(5) ساقط من (ق).
(2/912)
وإن أخرج القيمة كرهًا فلا يخلو أن يكون
آخذوها يعدلون في الإصراف أو لا؛ فإن كانوا يعدلون فالمذهب على الإجزاء (1)
لأنه [حكم بما] (2) اختلف الناس فيه، وإن كانوا لا يعدلون فهاهنا قولان:
أحدهما: الإجزاء، والثاني: عدمه. وهما نظرًا إلى أن التعدي على الإخراج
يعود بالعداء (3) في الأخذ. وقد قدمنا الخلاف في ولاة الجور يأخذون الزكاة
هل يجزي أم لا؟ وإذا أخذوا القيمة فالإجزاء هاهنا يجري على كل أصل ثان وهو
حكم الجائر (4) من الولاة إذا قصد إلى الحكم وحكم فأصاب هل يمضي حكمه لأنه
وافق الحق، أو يرد لأنه معزول شرعًا؟
فصل (حكم زكاة الماشية تغصب وترد لصاحبها)
وقد تقدم الخلاف في المال العين يغصب أو يضيع، ثم يرجع إلى ربه، هل يزكيه
لكل عام أم لا؟ أما الماشية تغصب ثم ترد إلى ربها فهل يزكيها لعام واحد أو
لما تقدم من الأعوام؟ قولان. وأجراهما الأشياخ على الخلاف في رد الغلات إلى
المغصوب منه، وإنما (5) لم يقل واحد من أهل المذهب أن الزكاة ساقطة جملة
لأنه [لا] (6) خلاف في رد الأولاد، وهو من أعظم النماء إلا على ما يقوله
أبو القاسم السيوري ويستقرئه من مسألة كتاب العيوب في المدونة، وبيانه يأتي
في موضعه.
(حكم الشجر المغصوب)
وإن كان المغصوب شجرًا فهل (7) المذهب متفق (8) على وجوب الزكاة
__________
(1) في (ق) على قولين الإجزاء.
(2) ساقط من (ر).
(3) في (ق) بالعدات.
(4) في (ق) و (ت) الجائرين.
(5) في (م) وإنه.
(6) ساقط من (ر).
(7) في (م) و (ر) فأهل.
(8) في (ر) متفقون.
(2/913)
فيها؟ للمتأخرين قولان (1)، وجمهورهم على
أنها عارية عن الخلاف, لأن الغلات إن كانت مردودة على ربها فالنماء حاصل له
فتجب عليه الزكاة، وقال بعضهم يجري على الخلاف. فإن كان مراده أن الخلاف هل
يزكيها المغصوب منه أو الغاصب؟ فيكون هذا بناء على الخلاف في رد الغلات،
فله وجه. وأن أراد أن المغصوب منه لا يزكيه (2) وإن ردت عليه الغلات فبعيد،
يكاد أن لا يكون له وجه.
...
فصل (زكاة الماشية المردودة بالعيب)
وقد اختلف المذهب في الرد بالعيب، هل هو نقض للبيع من أصله أو نقض له الآن؟
وكذلك في البيع الفاسد إذا نقض هل يكون كالمنتقض من الأصل أو يوم الحكم؟
وكذلك المردودة (3) بالفلس. وعلى هذا اختلف المذهب في الماشية ترد بعيب أو
ينقض البيع الفاسد فيها أو يأخذها ربها لفلس المشتري بعد أن قامت في يد
المشتري عامًا أو أعوامًا، هل تزكيه على ملك المشتري أو على ملك ربها؟ وهل
ببني ربها على ما تقدم له فيها أو يستقبل فيها حولًا؟ وفي كل ذلك قولان.
...
فصل (على من يكون كراء نقل الزكاة)
وقد تقدم الخلاف في سنة الجدب، هل يؤخذ فيها من الماشية أم لا؟ وإذا قلنا
بالأخذ بعثت السعاة، وإذا قلنا بنفيه فلا تبعث. وإذا كان من له
__________
(1) في (م) طريقان.
(2) في (ق) و (ت) لا يزكيها.
(3) في (ر) المردود.
(2/914)
ماشية بموضع لا تبلغه السعاة؛ فإن كان هناك
مساكين أدى إليهم، فإن لم يكونوا وافتقروا إلى النقل فهل يكون كراء النقل
عليه لأنّ الزكاة في ذمته، فعليه أن يوصلها إلى مستحقها؟ أو لا يكون عليه
ذلك، بل يكون الكراء من بيت المال إن كان، أو من الزكاة إن لم يكن لأنّ
الزكاة متعلقة بالعين والمساكين كالشركاء [فيها (1)؟ في المذهب في ذلك
قولان. وقد قدمنا الخلاف في هذا الأصل (2).
...
باب في زكاة الحبوب والثمار
وقد أجمعت الأمة على وجوب الزكاة في النبات على الجملة، وإن اختلفت في
التفاصيل. وقد قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ
وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ} (3) الآية، لكن قوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ
يَوْمَ حَصَادِهِ} (4)، ظاهر في تعلق الحق، ومجمل في جنسه ومقداره. وقد أخذ
أبو حنيفة من الآية ومن قوله - صلى الله عليه وسلم - "فيما سقت السماء
العشر" (5) أن الزكاة واجبة في جميع النبات إلا الحشيش والقصب الهندي، إلى
ما قاله من التفصييل الذي لسنا نذكره لأنّ القصد بيان المذهب والإشارة إلى
مذهب المخالف. وساعده ابن الماجشون [على الإيجاب] (6) في كل ذي أصل كالرمان
والسفرجل والتفاح وسائر الثمار، وخالفه في البقول. وعوّل في هذا على الآية.
وألزم أن يقول
__________
(1) ساقط من (ر).
(2) نهاية النسخة (م).
(3) الأنعام: 141.
(4) الأنعام: 141.
(5) أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الزكاة 1412 عن سالم بن عبد الله عن
أبيه رضي الله عنه عن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: "فيما سقت السماء
والعيون لو كان عثرياً العشر وما سقط بالنضح نصف العشر".
(6) ساقط من (ر)، وفي (ت) في إيجاب الزكاة.
(2/915)
بما قاله أبو حنيفة في البقول، لقوله
تعالى: {وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ} (1) الآية، لكن قوله تعالى: {وَآتُوا
حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} (2). وقد اعتذر المشهور من المذهب عما تقتضيه
الآية، بأنه تعالى علق الحق بيوم الحصاد؛ فإنما يكون ذلك فيما يكون فيه
الحصاد، وأيضًا فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد روي عنه أنه استثنى
البقول والفواكه فأسقط منها الزكاة (3).
ومن جهة المعنى (4) أن الزكاة تتعلّق بالأموال الشريفة (5) التي هي قوام
الحيوان (6)، أو قوام معيشته كافية [كالعين] (7) والنعم، ويجب أن يختص من
النبات بما فيه هذا المعنى وليس إلا الأقوات.
...
فصل (أركان هذا الباب)
وإذا تقررت هذه المقدمة (8) قلنا بعدها النظر في هذا الباب ينحصر في ثلاثة
أركان (9): أحدها: ما تجب فيه الزكاة، والثاني: ما المقدار الواجب،
والثالث: في صفة الإخراج.
__________
(1) (2) الأنعام: 141.
(3) لعله يقصد ما أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 4/ 129 عن معاذ بن جبل أن
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "فيما سقت السماء والبعل والسيل
العشر وفيما سقي بالنضح نصف العشر وإنما يكون ذلك في التمر والحنطة والحبوب
فأما القثاء والبطيخ والرمان والقصب فقد عفا عنه رسول الله - صلى الله عليه
وسلم -.
(4) في (ق) اللغة.
(5) في (ت) الشرعية.
(6) في (ر) قوام الأموال الحيوان.
(7) ساقط من (ر). أما في (ق) فالكلمة غير واضحة ولعلها "كالثمر"، أو
"كالشهر".
(8) في (ق) المقدمات.
(9) في (ت) فصول.
(2/916)
(ما الذي تجب فيه
الزكاة)
فأما الركن الأول، فقد تقدم آنفًا قول ابن الماجشون في الفواكه ومخالفة
المشهور له. وإذا قلنا بالمشهور فقد اختلفت طرق المتأخرين في الحكاية عن
المذهب؛ فالجمهور متفقون على أن المذهب على إيجاب المزكاة في كل مقتات متخذ
للعيش غالباً، وأما أبو الحسن اللخمي فحكى على المذهب ثلاثة أقوال: أحدها:
ما قدمناه، والثاني: تعلق ذلك (1) بما يخبز من الحبوب دون ما لا يخبز، فيرى
أن القطاني (2) مختلف في وجوب الزكاة فيها لأنها لا تخبز إلا في النادر،
والثالث: التعلق بكل مقتات وإن لم يكن للعيش غالبًا (3). ويضيف هذا القول
إلى القاضي أبي محمد [عبد الو هاب] (4).
وهذا الذي عول عليه إنما يقع في إطلاق روايات يظهر في تفصيلها أن المذهب
على قول واحد، لكن اختلف في مسائل [على] (5) الخلاف في ردها إلى قبيل
المقتات نادرأ أو (6) المقتات غالبًا. وقد قدمنا الخلاف في النادر هل تتعلق
به الأحكام أو لا؟
وتفصيل هذا الإجمال أنه لا خلاف في المذهب في إيجاب الزكاة في القمح
والشعير والسلت (7) والعلس (8) والقطاني. لكن اختلف في البسيلة وهي:
الكرسنة (9)، هل تعد من القطاني أم لا؟ وهو خلاف في شهادة. ولا
__________
(1) في (ت) الزكاة.
(2) يقصد بها الحبوب التي تدخر كالحمص والعدس.
(3) التبصرة لوحة: 101.
(4) ساقط من (ر).
(5) ساقط من (ر) و (ق).
(6) في (ر) أو أن.
(7) السلت: ضرب من الشعير ليس له قشر كأنه الحنطة. انظر مختار الصحاح: 130.
(8) العلس: ضرب من الحنطة، تكون حبتان في قشر، وهو طعام أهل صنعاء. المصدر
السابق ص: 189.
(9) لعله يقصد اللوبيا. استفدت هذا من اعتراض ابن عرفة على ابن بشير حث
قال: =
(2/917)
خلاف أيضًا في التمر والزبيب. واختلف في
التين؛ وقد ترجح قول مالك فيه، فقال ابن القصار وغيره: إنما تكلم مالك على
بلده، والتين غير ثابت فيه، وإنما تجلب إليه وهو في بلاد الشام وغيرها من
الأقطار مقتاتًا غالبًا. وقد نزل أبو الوليد الباجي هذا على (1) النظر إلى
المقتات (2) في زمن نزول الأحكام وقوت (3) أهلها، والنظر إلى (4) كل قطر
وعادته. وهذا (5) ينتقض عليه بالزيتون فإنه لا خلاف عندنا في وجوب الزكاة
فيه، وإن لم يكن بالمدينة وأحوازها. وتجب الزكاة في كل ما فيه زيت،
كالزيتون والجلجلان (6). وأما حب الفجل الأحمر (7) وزريعة الكتان، والقرطم
وهو زريعة العصفر، ففي المذهب فيها ثلاثة أقوال: أحدها: إيجاب الزكاة,
وإسقاطها، والتفرقة بين أن يكثر زيتها أو يقلّ. هذا خلاف في حال هل يكون في
هذا من الزيت ما يلحق في الكثرة والمنفعة بالزيتون والجلجلان (8) أم لا؟
وكذلك يختلف أيضًا فيما لا يتزبب من العنب, وما لا يخرج زيتًا من الزيتون،
وما لا يثمر من النخل تتعلق الزكاة به نظرًا إلى الغالب أو لا تتعلّق نظرًا
إلى الشيء في نفسه؟ وهو على الخلاف في تعليق الأحكام على النوادر، وهذا
حقيقة المذهب إجمالًا وتفصيلًا.
...
__________
= وقول ابن بشير الكرسانة هي: اللوبيا، خلاف سماع القريتين تفسير مالك
القطنية.". مواهب الجليل 4/ 348.
(1) في (ر) إلى.
(2) في (ر) الالتفات.
(3) في (ر) وقلة.
(4) في (ق) و (ت) على.
(5) في (ق) وهل.
(6) في (ر) الزنجلان.
(7) ويعرف بالسمسم
يعرف أيضًا بالماش وهو حب يستخرج منه الزيت انظر التاج والإكليل ص 2/ 280.
(8) في (ر) والزنجلان.
(2/918)
فصل (المقدار
الواجب)
وأما المقدار الواجب فهو العشر فيما يُسقى من غير تكلف مشقة، ونصف العشر
فيما يسقى بمشقة. وما كان يشرب سيحًا (1)، أو من السماء، أو بعروقه ففيه
العشر، وما كان يشرِب بالغرب وهو الدلو (2) والدواليب (3) وغيرِ ذلك من
أنواع نزع المياة، ففيه نصف العشر.
فإن كان يشرب بالسيح لكن رب الأصول لا يملك الماء وإنما يشتريه بالثمن ففيه
قولان: والمشهور وهو الصحيح أنه يزكي بالعشر، إذ فيه نص الحديث. وذكر أبو
الحسن اللخمي أنه سئل عما يُتكلف في إجرائه نفقة, فأجاب أنه يزكي للستة
الأول (4) نصف العشر، وفي ما بعدها العشر. ومَن أوجب هاهنا نصف العشر فإنما
يعول (5) على الالتفات إلى المعنى, وأن مقصود الحديث أن ما فيه كلفة ففيه
نصف العشر، وما لا كلفة (6) فيه ففيه العشر [كاملًا] (7). وهذا ظاهر [ما
لم] (8) يصادم النص؛ فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - جعل (9) فيما يشرب
بالعيون [أو بالبعل] (10) العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر (11)، فينيغي
أن ينظرُ إلى المعنى لكن من غير أن يعود التعليل
__________
(1) جاء في لسان العرب 2/ 492 "السَّيْحُ الماءُ الظاهر البخاري على وجه
الأَرض. وفي التهذيب: الماء الظاهر على وجه الأرض. وجمعُه سُيُوح, وقد ساح
يَسيح سَيْحاً سَيَحاناً إِذا جرى على وجه الأَرض".
(2) في (ت) الدلو الكبير.
(3) في (ق) الدوالي.
(4) في (ق) و (ت) يزكي للسنة الأول.
(5) وفي (ق) يقول.
(6) في (ت) مشقة كلفة.
(7) ساقط من (ر).
(8) ساقط من (ت).
(9) في (ق) إنما يحمل فيما يسقى.
(10) ساقط من (ر).
(11) أخرج مالك في الموطأ في كتاب الزكاة بَاب زَكَاةِ مَا يُخْرَصُ مِنْ
ثِمَارِ النَّخِيلِ =
(2/919)
بمصادمة النص. وقد قال المحققون إن كل
علَّة تعود على النص بالإبطال فهي باطلة، وأيضًا قد يكون الخلاف في
النوادر، هل تعطى حكم الغالب أو تعلق عليها الأحكام في أنفسها؟
وإن سقى شيئًا من النبات بالوجهين جميعًا: العين والنضح أو ما في معنى ذلك.
فلا يخلو من أن يتساوى الأمران، أو يكون أحدهما تبعا؛ فإن تساويا فقولان:
أحدهما: أنه ينظر إلى ما حيي به النبات فيعلق الحكم عليه، والثاني: أنه
يزكى بثلاثة (1) أرباع العشر فيعطى لكل سقي حكمه. وهذا هو القياس، إلا أن
يكون الذي حيي به النبات هو المقصود، والثاني: في حكم اللغو.
وإن كان أحدهما تبعًا للآخر فثلاثة أقوال: أحدها: أن الأقلَّ لا يلتفت إليه
وينظر إلى الأكثر. والثاني: ينظر إلى ما حيي به النبات. والثالث: إعطاء كل
شيء (2) حكم نفسه. والقولان مبنيان على الخلاف في الأتباع هل تعطى حكم
متبوعاتها أم لا؟ وأما النظر إلى ما حيي به النبات فعلى ما قدمناه.
(اعتبار النصاب)
ولا خلاف عندنا في اعتبار النصاب فلا يزكى من وُجد دونه، وهو خمسة أوسق
(3). وقدَّر الأشياخ الوسق قفيزًا، وبالقروي أربعًا. فتكون الزكاة
__________
= وَالْأَعنَاب "عَنْ سُلَيمَانَ بْن يَسَار وَعَن بُسْرِ بن سعيد أَن
رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ
وَالعُيُونُ وَالَبَعلَ العُشرُ وَفِيما سُقيَ بِالنْضحِ نِصفُ العُشرِ".
(1) في (ق) ثلاثة.
(2) في (ق) سقي.
(3) جاء في لسان العرب 10/ 378: الوَسقُ والوِسْقُ: مِكْيَلَة معلومة،
وقيل: هو حمل بعير وهو ستُون صاعًا بصاع النبي- صلى الله عليه وسلم -, وهو
خمسة أَرطال وثلث، فالوسْقُ على هذا الحساب مائة وستون مَنًا؛ قال الزجاج:
خمسة أَوسق هي خمسة عشر قَفِيزًا، قال: وهو قَفِيزُنا الذي يسمى المعدّل،
وكل وَسْق بالمُلَجَّم ثلاثة أَقْفِزَةٍ، قال: وستون صاعًا أَربعة وعشرون
مَكوكًا بالمُلَجَّم وذلك ثلاثة أَقْفِزَةٍ. التهذيب: الوَسْقُ، بالفتح،
ستون =
(2/920)
في ست أقفزة وربع بالقروي، فإن نقص عن ذلك
لم تجب وهذا لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة"
(1)، وما زاد على ذلك أُخذ بقدره كما يفعل في العين. وكل ما العادة فيه
الكيل حكمه ما قدّمناه. وأما ما العادة فيه الوزن فإنه ينسب من الكيل، فإذا
بلغ المقدار الذي ذكرناه وجبت فيه الزكاة. ويعتبر ما العادة فيه التجفيف
حال جفافه، وذلك جارِ في العنب والبسر (2) والتين إذا قلنا بإيجاب الزكاة
في التين. وأما الزيتون فإنما يعتبر (3) فيه حالة كماله، والكمال فيه
الطيب، والجفاف نقص عن الكمال، فلا (4) يعتبر [فيه] (5).
والذي قلناه في البُسر والعنب والتين إذا كان الجفاف فيه متأتيًا، و
[العنب] (6) إذا (7) كان لا يتأتى فيه ذلك فهل يحسب حالة كماله التي لا
يزيد عليها، أو يعتبر جفافه لو كان الجفاف فيه متأتيًا؟ في المذهب قولان.
وهما على الخلاف في مراعاة النادر في نفسه، فيعتبر [حالة كماله التي لا
يزيد عليها] (8)، أو يعتبر الأكثر من غير نظر إلى النادر فيعد (9) تأتي
الجفوف (10) فيه.
__________
= صاعًا وهو ثلاثمائة وعشرون رطلاً عند أَهل الحجاز، وأَربعمائة وثمانون
رطلًا عند أَهل العِراق على اختلافهم في مقدار الصالح والمُدِّ، والأَصل في
الوَسْق الحَمل؛ وكل شيء وَسَقته، فقد حملته. قال عطاء في قوله خمسة
أَوسُقِ: هي ثلاثمائة صاع، وكذلك قال الحسن وابن المسيّب.
(1) متفق عليه فقد أخرجه البخاري في كتاب الزكاة 1378 ومسلم في كتاب الزكاة
979.
(2) جاء في لسان العرب: 4/ 58 "البُسْرُ: التمر قبل أَن يُرْطِبَ
لِغَضاضَتِهِ، واحدته بُسْرَةٌ".
(3) في (ر) و (ق) تعرف.
(4) في (ر) و (ق) ولا.
(5) ساقط من (ت) و (ق).
(6) ساقط من (ق) و (ت).
(7) في (ق) وأما وفي (ت) وإذا.
(8) في (ق) فيعتبر حالة الكمال الذي لا يزيد في أحدهما أنه ينظر إلى ما حيي
به النبات فيتعلق الحكم عليه.
(9) في (ت) فيعتبر وفي (ق) فيقدر.
(10) في (ر) و (ق) الجفاف.
(2/921)
وإذا اجتمع النصاب من صنف واحد وجبت
الزكاة، وإن اجتمع من أصناف فهاهنا ينقسم [النبات] (1) الذي يجب فيه الزكاة
إلى ثلاثة أقسام: قسم لا خلاف فيه أنه لا يضاف بعضه إلى بعض، [وقسم لا خلاف
أنه يضاف بعضه إلى بعض، وقسم فيه قولان.
(ما لا يضاف بعضه إلى بعض لتكملة النصاب)
وأما ما لا يضاف بعضه إلى بعض، (2)؛ فالزبيب لا يضاف إلى التين، [ولا هما
إلى الزيتون] (3) ولا جميعها إلى التمر، ولا الزيتون إلى الجلجلان، ولا
جميع ذلك إلى زريعة الكتان، إن قلنا إنَّ فيه الزكاة.
وبالجملة أنَّ كل صنف من هذه الأصناف منفرد بنفسه. وأصله أن (4) ما تباين
في الجنس والمنفعة فلا يضاف بعضه إلى بعض. وكذلك لا يضاف جميع ما ذكرناه
إلى الحبوب.
(ما يضاف بعضه إلى بعض)
وأما ما يُضاف بعضه إلى بعض فالقمح والشعير والسلت يُضاف بعضه إلى بعض
عندنا. على نصوص المذهب، [وأصله أن ما استوت المنفعة فيه أو تقاربت] (5).
ولا خلاف أن أنواع التمر والزبيب والزيتون يُضاف كل صنف منها بعضه إلى بعض.
(الأنواع المختلف فيها)
وأما المختلفة فيه فمنه العلس وهو الأشقلية، وقد اختلف المذهب فيه هل يُضاف
إلى القمح وما ذُكر معه أو يكون صنفًا قائماً بنفسه؟ ومنه الأرز
__________
(1) ساقط من (ر).
(2) ساقط من (ق).
(3) ساقط من (ر).
(4) في (ت) كل.
(5) ساقط من (ر).
(2/922)
والدخن والذرة؛ في المذهب قولان في إضافة
بعضها إلى بعض في [أحكام الربا. وخرَّج [منه] (1) أبو الوليد الباجي في
إضافة بعضه إلى بعض في] (2) الزكاة. ولا شك في صحة هذا التخريج.
وأما القطاني فهل يُضاف بعضها إلى بعض؟ قد اختلف قول مالك رحمه الله في
الإضافة في أحكام الربا، واختلف متأخرو أصحابه هل يجري مثل ذلك في الزكاة؟
فحكى أبو الوليد الباجي قولين، وروى القاضي أبو محمد جريانه في الزكاة. قال
أبو الوليد الباجي: الصواب أنه لا يجري (3)، وعوَّل على ما ذكره في الموطأ
[من أن الدنانير والدراهم] (4) جنسان في الربا، ويُضاف بعضها إلى بعض في
الزكاة بلا خلاف. وهذا يدلّ على أن الربا يُشترط فيه من تقارب المنفعة ما
لا يشترط في الزكاة. وهذا الذي قاله واضح.
هذا النظر في إضافة [الأصناف. وأما إضافة الملك بعضه إلى بعض فإن اتفق
الشرع في النبات والحصاد فلا شك في إضافة] (5) بعضه إلى بعض. وينبني (6)
على هذا أن ما يوجد (7) من الأشجار يُضاف بعضه إلى بعض إذا اتفقا في ظهور
الثمرة.
(حكم ما يثمر بَطْنَيْنِ)
وإن كان المزروع بطنين [أو بطوناّ] (8) فهل يعتبر فيه الفصول، فيضاف الشتوي
منه إلى النابت في زمانه، وكذلك الصيفي والربيعي والخريفي؟ أو يُنظر إلى ما
اتفق في زمن النبات ويُضاف إليه؟ فإن زرع ونبت قبل حصاد ما
__________
(1) ساقط من (ر).
(2) ساقط من (ق).
(3) في (ق) لا يجزي.
(4) ساقط من (ر).
(5) ساقط من (ر).
(6) في (ر) و (ت) وبين.
(7) في (ت) ما يؤخذ وفي (ق) ما يتحد.
(8) ساقط من (ر).
(2/923)
قبل (1)، في المذهب في ذلك قولان. والنظر
إلى الفصول بناء على ما زُرع في كل فصل، حكمه في السقي والمنفعة منفرد عن
حكم ما زُرع في فصل غيره. والنظر إلى [الاجتماع في النبات كالنظر إلى
الاجتماع في الحول والملك كما تقدم في أحكام الفوائد. وإذا اعتبرنا
الاجتماع] (2) في النبات فكان الزرع في ثلاثة أزمنة؛ أول وثان وثالث. فلا
شك أنه إذا زرع الثالث قبل حصاد الأول أن الكل (3) يُضاف بعضه إلى بعض،
وأما (4) إذا زُرع الثالث بعد حصاد الأول وقبل الثاني، فإذا كان أضيف كل
واحد من الطرفين منفردًا إلى الوسط وجبت الزكاة [لكمال النصاب] (5) لم
يختلف على هذا في الوجوب. فإن كان لم يجتمع من إضافة أحد الطرفين إلى الوسط
ما تجب فيه الزكاة، ولا يجتمع من الكل أيضًا، فلا شك في السقوط. وإن كان
يجتمع من إضافة الكُل ولا يجتمع (6) من إضافة أحد الطرفين منفردًا إلى
الوسط، ويجري (7) على ما قدَّمنا في زكاة الخلط إذا كان إنسان له خليطان
فهل يُعد الجميع خلطاء (8) أم لا؟ وقد تقدم ذلك وما فيه من الأقوال، وكذلك
حكم الاقتضاءات والفوائد.
...
فصل (صفة الإخراج)
وأما صفة الإخراج، فإن النبات كله إذا كان على ساق كالحنطة وما ذُكر معها
فتؤخذ الزكاة من حَبّه. وتجب فيه بالطيب على [قول، وبالحصاد
__________
(1) في (ت) ويضاف منه ما زرع ونبت قبل حصادها قبله إلى ما قبله.
(2) ساقط من (ر).
(3) في (ر) العمل.
(4) في (ق): وإذا، وفي (ت) فإن.
(5) ساقط من (ق).
(6) في (ر) لا يجتمع.
(7) في (ت) فيجري.
(8) في (ر) الجمع ذلك.
(2/924)
على قول، على] (1) ما سنُبيِّنه إلا أن
يكون الحَبُّ يُعصر زيته كالجلجلان أو زريعة الكتان وما ذُكر معهما (2) على
قول من أوجب الزكاة فيها، فإن المذهب في هذه على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه
تؤخذ من الندب، والثاني: أنه يؤخذ من الزيت إذا كمل (3) الحبّ النصاب،
والثالث: أنه كيفما أخذ أجزأ، إما من الحب وإما من الزيت. وكذلك الخلاف في
الزيتون.
وأما الأشجار كالتمر والزبيب والتين فإنهما على قسمين: أحدهما: أن تكون
ثمرتها تبلغ الكمال، والثاني: أن تكون لا تبلغه، كما لا يثمر من النخل ولا
يزبب من العنب ولا يجف من التين. فإن كانت تبلغ النهاية أخذ منها إذا بلغت
النهاية، وإن كانت لا تبلغه فيها هاهنا قولان: أحدهما: أنه تؤخذ من التمر،
والثاني: أنه تؤخذ من الكامل (4) عنها.
وسبب الخلاف فيما يعتصر زيته أنه له (5) كمالين: أحدهما: كونه حبًا مما يصح
ادخاره، والثاني: كونه زيتًا، وهو المقصود والغاية التي يراد لها. فمن نظر
إلى حالته التي يدخر عليها وعده كمالًا أوجب منه، ومن نظر إلى نهايته أوجب
من زيته، ومن رأى أن كل واحد منها [كمال] (6) خُيِّر، ويعتمد القول بإخراجه
حبًّا لقوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} (7)، وأما القول
الثاني بناءً على ما لا يعتصر.
وأما الخلاف فيما لا يجف فهو على ما قدَّمناه من النظر إلى كل صورة في
نفسها أو النظر إلى الأكثر، والنوادر لا تُراعى.
(زكاة الحب المبيع)
وإذا أوجبنا الزكاة من الحبَّ فباعه ربه؛ فإن باعه ربُّه قبل الطيب
__________
(1) ساقط من (ق).
(2) في (ر) معه وفي (ق) معها.
(3) في (ت) بلغ.
(4) في (ر) الكمال.
(5) في (ت) لأنه له وفي (ر) لأنه رآه.
(6) ساقط من (ق).
(7) الأنعام: 141.
(2/925)
وجبت الزكاة على المشتري لا على البائع
لأنه خرج عن ملكه قبل وجوب الزكاة عليه، فإن باعه بعد الطيب فالزكاة على
البائع، وهل يجزيه أن يخرج من ثمنه، أو يكلف بأن يأتي بحب مثله؟ في المذهب
قولان. والتكليف بأن يأتي بحب هو (1) الأصل؛ لأنه باع نصيب المساكين، فعليه
أن يعوض ما أتلف. وأما القول بأنه يخرج من الثمن فقد رآه (2) بعض المتأخرين
على طريقين: إما على القول بإجزاء (3) القيم، وإما على أن البيع جائز. فصار
كالوكيل للمساكين فيمضي بيعه (4) ويؤخذ من الثمن (5).
فإن أفلس البائع ولم يوجد عنده ما يؤخذ منه فهل يؤخذ من المشتري مقدار
الزكاة؟ في المذهب قولان: أحدهما: أنه يؤخذ منه، والثاني: أنه لا يؤخذ منه.
وهما على الخلاف هل يعد المساكين كالشركاء في العين فإذا أفلس البائع رجعوا
إلى عين ما لهم فأخذوا منه؟ أو ليس كالشركاء فيتبع بذلك البائع متى أيسر؟
وذوات الأصول على قسمين: أحدهما: ما يخرص كالتمر والعنب، والثاني: ما لا
يخرص كالزيتون. واختلف في وجه الفرق فقيل: إن التمر والعنب ظاهر النبات
متميِّز عن الأوراق، فيحصل مقداره بالخرص (6)، وقيل: بأن حاجة (7) أهله إلى
أكله من حيث يبتدي الطيب.
وأما ما كان على ساق فإنه بمنزلة الزيتون.
(ما يخرص وما لا يخرص)
ولو احتاج أصحاب ما ذكرناه أنه لا يخرص إلى الأخذ منه قبل
__________
(1) في (ق): هل.
(2) في (ت) نزله.
(3) في (ت) بإخراج.
(4) فيما يبعه.
(5) في (ر) الثمر.
(6) في (ق) و (ر) على الخرص.
(7) في (ت) لحاجة، وفي (ق) لأنّ حاجة.
(2/926)
كماله، فهل يخرص لذلك؟ قولان: أحدهما: أنه
يخرص، والثاني: أنه لا يخرص. وهما على الخلاف في علَة الخرص ما هي؟ هل هي
حاجة أهله (1) إلى التصرّف فيه قبل الكمال؟ أو تمييزه عن الأوراق؟ فإن قلنا
الحاجة (2) إلى الأكل قبل الكمال خرّص سائر الأشياء إذا افتقر أهلها إلى
الأكل، وإن قلنا إنه للتمييز فلا يخرص.
ويكفي في الخرص عندنا الواحد لأنه كالحاكم، بخلاف حَكَمَيْ (3) الصيد.
فإنهما كمقوّمي العيب. وإن خرصه خارصون (4) فاختلفوا، ففي الرواية إذا خرص
ثلاثة (5) فاختلفوا أخذ منه ثلث ما يقوله كل واحد. وهذا إذا تساووا كلهم في
المعرفة، فأما إن اختلفوا فيؤخذ بقول الأعرف منهم.
وإذا خرص الخارص ثم تبيَّن له أنه أخطأ؛ فإن كان غير عارف رجع إلى ما تبيّن
له بلا خلاف، وإن كان عارفًا فهل يؤخذ بقوله أو يرجع إلى ما تبيّن؟ في
المذهب قولان. وهما على الخلاف في المجتهد يخطئ هل ينقض اجتهاده أو يعذر
به.
(متى يستقر وجوب زكاة الحبوب)
واختلف المذهب متى يستقر وجوب الزكاة هل بالخرص أو بالطيب أو بالجذاذ؟ ومن
نظر إلى مبتدأ (6) الانتفاع وأوائل الكمال أوجب بالطيب، ومن قال الخارص
كالساعي أوجب بالخرص. والذي سمعناه في المذاكرات يدلّ على القول بالإيجاب
باليبس لأنها نهاية الكمال. ومن عوَّل على قوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ
يَوْمَ حَصَادِهِ} (7) ورأى أن الجذاذ بمنزلة الحصاد،
__________
(1) في (ت) هل هي لحاجة أهله، وفي (ق) هل هي حاجة أهل.
(2) في (ت) لحاجة وفي (ق) أنه لحاجته.
(3) في (ر) حاكم.
(4) في (ق) و (ر) خراصان.
(5) في (ق) و (ر) ثلثه.
(6) في (ق) هذا.
(7) الأنعام:141.
(2/927)
أوجب بالجذاذ. وفائدة هذا لو مات ربّ
الثمرة أو باع في أثناء ذلك؛ فإن كانت لم تطب فلا شيء عليه، فإن جذت فعليه
[الزكاة] (1) باتفاق. وإن كانت بين ذلك فعلى الخلاف. وقد قدّمنا حكم العبد
يعتق، وأنه يجري حكم ثمرته بعد العتق على هذا المعنى.
ولا خلاف عندنا أن الحبَّ يؤخذ من عينه كيف كانت حالته. وأما التمر والزبيب
فإن كان وسطًا أخذ منه، وإن كان مختلطًا، أو جيدًا كله، أو رديئًا كله،
فثلاثة أقوال: أحدها: أنه يؤخذ منه قياسًا على الحب، والثاني: أنه يؤخذ من
الوسط عدلًا بين أرباب الأموال والمساكين، وقياسًا على الماشية تؤخذ (2) من
الوسط، والثالث: أنه إن كان مختلطًا أخذ من الوسط، وإن كان صنفًا واحدًا
أخذ منه, لأنّ الوسط يمكنه إخراجه من المختلط، ولا يمكن ذلك في الجيِّد
والرديء إلا بأن يشتري من غيره، وفي ذلك مشقة على أرباب الأموال.
...
فصل (حكم النبات يضيع بعد وجوب الزكاة)
وقد تقدم في الكتاب الأول حكم الأموال يضيع منه شيء بعد الحول من غير تفريط
أو بتفريط. وعلى هذا الأسلوب يجري حكم النبات، لكن وقع في الروايات اضطراب
إذا حصد أو جذ ثم عزل نصيب المساكين، أو أدخله إلى موضع خزينه، ففي بعضها
يضمن المفرط دون غيره، وفي بعضها إن كان القسم والإخراج إليه فلا ضمان
عليه، وإن كان إلى المصّدّق يضمن. وتحقيق هذا إن عمل ما في وسعه من غير
تفريط أو تأخير عن وقت إمكان الخروج فلا ضمان عليه إن ضاع المال (3) أو
نصيب المساكين
__________
(1) ساقط من (ق) و (ر).
(2) في (ق) فيؤخذ وفي (ت) يوخذ.
(3) في (ق) و (ر) الكل.
(2/928)
إن عزله، وكان عزله نظرًا. لكن يختلف هل تتعلّق الزكاة بالباقي وإن قصر عن
النصاب؟ وهو على الخلاف الذي قدمناه في إمكان الإخراج هل هو شرط في الوجوب
أو شرط في الأداء؟ وإن فرط تعلَّق بذمته بلا خلاف.
... |