التهذيب
في اختصار المدونة (كتاب الصَّرف)
2489 - قال مالك: ومن اشترى حلياً مصوغاً فنقد بعض ثمنه وتأخر البعض، بطلت
الصفقة كلها، وهو صرف. (1)
_________
(1) انظر: مواهب الجليل (4/301) ، والتمهيد لابن عبد البر (6/468) ،
والمدونة الكبرى (8/393) ، والتقييد (3/150) ، وشرح الحدود (335) ،
والمقدمات لابن رشد (2/14) .
(3/91)
ومن كان له على رجل مائة دينار فباعها منه
بألف درهم فقبض [منها] تسعمائة، وفارقه قبل قبض الباقي لم يصلح ويرد
الدراهم، وتبقى له المائة دينار على حالها، ولو قبض الدراهم كلها جاز، ولو
كان له عليه ألف درهم حالة فباعها منه بطوق ذهب، ثم فارقه قبل قبضه فلا خير
فيه، ويرد الطوق، ويأخذ دراهمه، والحلي في هذا والمسكوك والتبر سواء، لا
يجوز في شيء من ذلك تأخير ولا نظرة إلا يداً بيد.
2490 - ومن صرف من رجل مائة دينار بألف درهم فنقده خمسين ديناراً وقبض ألف
درهم ثم فارقه، فالجميع منتقض، ولا يجوز منه حصة الخمسين النقد، لأن الصفقة
وقعت فاسدة، ولو تقابضا الجميع ثم وجد من الدنانير خمسين رديئة، انتقض من
الصرف حصة الخمسين فقط، لأن هذا صرف صحت عقدته، ولو رضي الرديئة تم جميعه.
ومن صرف من رجل ديناراً بعشرين درهماً، فقبض عشرة وقال له: أعطني بالعشرة
الأخرى أرطال لحم كل يوم رطلاً لم يجز. ولا يجوز تأخير ما وقع مع الدراهم
من عرض، وإن تعجل ذلك جاز.
ومن اشترى من رجل سلعة إلى أجل بنصف دينار نقداً، فأعطاه بعد الصفقة
ديناراً ليرد عليه نصفه دراهم بغير شرط فلا خير فيه، لأنه صرف فيه سلعة
تأخرت، ولم يجز
(3/92)
مالك اجتماع بيع وصرف في صفقة واحدة، إلا
أن تكون دراهم يسيرة كالعشرة ونحوها، وإن كثرت الدراهم لم يجز، ولا بأس
بصرف دينار بدراهم وفلوس.
ومن اشترى ثوباً وذهباً يسيراً لا يكون صرفاً بدراهم فتأخر درهم منها بطل
البيع، وإن كانت الذهب كثيرة لم تجز، وإن انتقد جميع الصفقة، ومن اشترى
فلوساً بدراهم أو بخاتم فضة أو ذهب أو بتبر ذهب أو فضة فافترقا قبل أن
يتقابضا لم يجز، لأن الفلوس لا خير فيها نظرة بالذهب والورق.
قال مالك: وليس بحرام بيّن، ولكني أكره التأخير فيها. ولو جرت الجلود
(3/93)
بين الناس مجرى العين المسكوك لكرهت بيعها
بذهب أو ورق نظرة.
ولا يباع فلس بفلسين نقداً ولا مؤجلاً.
2491 - وإن اشتريت من رجل عشرين درهماً بدينار وأنتما في مجلس [واحد] ، ثم
استقرضت أنت ديناراً من رجل إلى جانبك، واستقرض هو الدراهم من رجل إلى
جانبه فدفعت إليه الدينار، وقبضت الدراهم، فلا خير فيه، ولو كانت الدراهم
معه
(3/94)
واستقرضت أنت الدينار، [فإن] كان أمراً
قريباً كحل الصُّرة لا يقوم لذلك ولا يبعث وراءه، جاز، ولم يجزه أشهب.
2492 - وأكره للصيرفي أن يدخل الدينار في تابوته أو يخلطه ثم يخرج الدراهم،
ولكن يدعه حتى يزن دراهمه فيأخذ ويعطي، وأكره أن يصارفه في مجلس، ويناقده
في آخر، أو يجلسا ساعة ثم يتناقدا قبل أن يفترقا. (1)
ومن لقي رجلاً معه دراهم فواجبه عليها، ثم مضى [معه] إلى الصيارفة
_________
(1) انظر: التاج والإكليل (4/309) ، ومواهب الجليل (4/309) .
(3/95)
ليتناقدا، لم يجز، ولو قال له المبتاع:
اذهب بنا إلى السوق بدراهمك فإن كانت جياداً أخذتها منك كذا وكذا درهماً
بدينار، لم يجز، ولكن يسير معه على غير موعد، فإن أعجبه شيء أخذ وإلا ترك.
ولا خير في أن يبتاع الوارث من الميراث حلي فضة أو ذهب، أو ما فيه حلية أقل
من الثلث، مثل السيف وشبهه، ويكتب على نفسه ويتأخر الوزن أو يؤخر المحاسبة،
أو ليقوما إلى السوق فينقد، [فلا يعجبني ذلك] ولا ينبغي، وأراد منتقضاً،
إلا أن يتناقدا حين البيع، ألا ترى لو تلف بقية المال أنه يرجع عليهم فيما
صار لهم فيقتسمونه فلا يجوز إلا بالنقد، وكذلك الأجنبي.
(3/96)
2493 - وإن صرفت من رجل ديناراً بعشرين
درهماً، فلما قبضت الدينار تسلفت منه عشرين درهماً ثم رددتها إليه في صرف
ديناره، لم يجز، وكأنك أخذت ديناراً في عشرين درهماً إلى أجل. ولو بعت منه
دنانير فضة بدنانير قائمة فراطلته بها وزناً بوزن ثم تقابضتما فأراد أحدكما
أن يصرف من صاحبه ديناراً مما أخذ منه، لم يجز.
2494 - وإن قبضت من غريمك ديناً، فلا تعده إليه مكانك سلماً في طعام أو
غيره، وكذلك لو أسلمت إليه دنانير في طعام، ثم قضاكها بحدثان ذلك من دين لك
عليه بغير شرط، لم يجز، ويكره ذلك كله بحدثانه.
2495 - وإن كان لك على رجل دراهم حالةً فبعتها من رجل بدنانير نقداً، لم
يصلح ذلك إلا أن يقبض منك الدنانير وينقدك غريمك الدراهم مكانه يداً بيد.
وبيع الدين إنما يجوز بعرض نقداً فإذا بيع بعين، لم يجز إلا يداً بيد.
2496 - قال عبد العزيز: وإذا أردت أن تبيع ذهباً نقصاً بوازنة فلم تجد من
يراطلك فبع
(3/97)
نقصك بورق ثم ابتع بورق وازنة، ولا تجعل
ذلك من رجل واحد فإن ذلك ذهب بذهب وزيادة.
2497 - ومن اشترى سيفاً محلى كثير الفضة نصله تبع لفضته بعشرة دنانير،
فقبضه ثم باعه مكانه من رجل إلى جنبه قبل النقد ثم نقد الثمن، لم ينبغ أن
يقبض السيف حتى يدفع الثمن، فإن وقع ذلك مضى البيع وجاز إذا نقده مكانه.
وأما إن قبض المبتاع السيف وفارق البائع قبل أن ينقده ثم باع السيف فبيعه
جائز، ويضمن المبتاع الأول لبائعه قيمة السيف من الذهب يوم قبضه كبيع فاسد.
ولو لم يخرجه من يده لم يفته حوالة سوق،، وله رده كالصرف، ولا يفيت الذهب
والفضة تغير سوق، وإن أصابه بيده عيب فانقطع أو انكسر جفنه فعليه قيمته يوم
قبضه.
2498 - وإن صرفت من رجل [ديناراً] بعشرين درهماً، فدفعت إليه الدينار
وأمرته أن
(3/98)
يدفع الدراهم أو نصفها إلى غريمك وقبضت أنت
ما بقي، وذلك كله معاً، لم ينبغ ذلك حتى تقبضها أنت منه، ثم تدفعه إلى من
شئت، لأنكما افترقتما قبل تمام القبض.
2499 - وإن وكلت رجلاً يصرف لك ديناراً، فلما صرفه أتيته قبل أن يقبض فأمرك
بالقبض وقام فذهب، فلا خير فيه.
2500 - ولا يصلح للرجل أن يصرف ثم يوكل ن يقبض له، ولكن يوكل من يصرف له
ويقبض.
ومن لك عليه دراهم فقلت له: صرّفها لي بدينار وجئني به، لم يجز، وكأنك
فسختها [عليه] في دينار فيصير صرفاً متأخراً، أو أخرته بها إلى أن يشتريه
لك
(3/99)
فيصير سلفاً جرّ منفعة، وكذلك إن أمرته أن
يبيع لك طعاماً لك عليه من بيع قبل أن تقبضه ويدخله بيعه قبل قبضه، وإن كان
رأس مالك فيه عيناً فباعه بخلافه من العين دخله مع ذلك تأخير الصرف، وإن
باعه بصنفه أزيد أو أنقص دخله الربا مع ذلك.
2501 - وإن صرف منك رجل ديناراً فلما وزنت له الدراهم وقبضها أراد مقاصتك
بدينار له عليك، فإن رضيت جاز وإن لم ترض غرم لك دينار الصرف وطالبك
بديناره.
ومن لك عليه نصف دينار ودراهم، فصرف منك ديناراً ثم قضاك دراهمك مكانه أو
أعطاك ديناراً لتأخذ نصفه قضاء من دراهمك وتعطيه بنصفه دراهم، فلا بأس به.
(1)
2502 - ومن استقرضت منه دنانير أو دراهم فلا تصرفها منك مكانك، فيئول إلى
الصرف نظرة، إلا أن أقرضكها حالّة فابتعت بها منه سلعة نقداً أو إلى أجل،
أو أقرضكها إلى أجل فابتعت بها منه سلعة يداً بيد، فلا بأس به. وإن أقرضكها
إلى أجل فرددتها إليه في شيء إلى أجل، لم يجز، وصار ديناً بدين.
_________
(1) انظر: مواهب الجليل (4/310) .
(3/100)
2503 - ومن لك عليه ألف درهم إلى أجل فلما
حلّ دفع إليك عرضاً فقال: بعه واستوف حقك، جاز، إلا أن يعطيك سلعة من صنف
ما بعت منه بدينك، وهي أفضل، فلا يجوز، وأما إذا كانت مثلها في الصفة
والجودة أو أدنى، فلا تهمة في ذلك.
ومن له عليك دراهم فلا يعجبني أن تعطيه ديناراً ليصرفه ويستوفي دراهمه،
وأخاف أن يحبسه فيصير مُصرفاً من نفسه، وكذلك الفلوس.
2504 - وكره مالك أن تصرف دراهمك من رجل بدنانير ثم تبتاع منه بتلك
الدنانير دراهم غير دراهمك، أو غير عيونها في الوقت، أو بعد يوم أو يومين.
قال ابن القاسم: فإن طال الزمان وصحّ أمرهما فلا بأس به.
(3/101)
2505 - ويجوز الصرف من عبدك النصراني
كالأجنبي، وكره مالك أن يكون النصارى في أسواق المسلمين [صيارفة] لعملهم
بالربا، وارى أن يقاموا.
2506 - وإن بعت درهماً بنصفه فلوساً ونصفه فضة، أو اشتريت بنصفه أو ثلثيه
طعاماً وأخذت بباقيه فضة جاز، وإن أخذت بثلثه طعاماً [وأخذت] بباقيه فضة،
فمكروه.
(3/102)
2507 - ومن غصبك دنانير فجائز أن تصرفها
منه بدراهم [وتقبضها] ، ذكر أن الدنانير عنده حاضرة أو لم يذكر، لأنها في
ذمته. ولو غصبك جارية جاز أن تبيعها منه وهي غائبة ببلد آخر وينقدك إذا
وصفها، لأنها في ضمانه، والدنانير في ذلك أبين، ولا تصرف منه وديعة لك أو
رهناً في بيته من ذهب أو فضة حليّ أو مسكوك، لأنه ذهب بفضة ليس يداً بيد،
إلا أن تكون الوديعة حاضرة، ولو أودعته مائتي درهم ثم لقيته والدراهم في
بيته فهضمت عنه مائة على أن أعطاك مائة من غير المائتين لم يجز، وإنما يجوز
أن تأخذ منها مائة وتدع له مائة، وإن أودعته دنانير فصرفها بدراهم، أو
ابتاع بها سلعة فليس لك أن تأخذ ما ابتاع أو صرف، وإنما لك عليه مثل
دنانيرك. وإن أودعته عرضاً أو طعاماً فباعه بعرض أو طعام، كنت مخيراً في
[أخذ] ما باعه به، أو أخذ المثل فيما يقضى بمثله، والقيمة فيما لا مثل له.
(1)
2508 - ولا بأس بشراء سلعة بعينها بدينار إلا درهماً إن كان ذلك نقداً، فإن
تأخر الدينار أو الدرهم أو السلعة وتناقد الباقي لم يجز. وروى أشهب عن
مالك: إن كان
_________
(1) انظر: التاج والإكليل (4/268) 312) .
(3/103)
الدينار والدرهم نقداً والسلعة مؤخرة
فجائز.
قال ابن القاسم: وإن تأخر الدينار والدرهم إلى أجل واحد وعجلت السلعة
فجائز، وكذلك إن اشتراها بدينار إلا درهمين في جميع ما ذكرنا، وإن كانت
بدينار إلا ثلاثة دراهم لم أحب ذلك إلا نقداً، وجعل ربيعة الثلاثة
كالدرهمين، ولم يجز مالك الدرهم والدرهمين إلا زحفاً، فأما بدينار إلا خمسة
دراهم أو عشرة فيجوز نقداً كله، ولا ينبغي التأخير في شيء من ذلك للغرر
فيما
(3/104)
يغترق ذلك من الدينار عند الأجل إن حال
الصرف.
قال يحيى بن سعيد: لم أزل أسمع أنه يكره أن يبتاع الرحل ببعض دينار شيئاً
ويأخذ بفضله ورقاً، ويترك ما ابتاع حتى يعود في يوم آخر فيأخذه، لأن ذلك
يرى صرفاً.
2509 - قال مالك: وإن ابتاع منه سلعة بثلثي دينار فقال له بعد البيع: هذا
دينار فاستوف منه ثلثيك وأمسك ثلثه عندك، فلا بأس به إذا صح ذلك ولم يكن
بينهما في ذلك شرط عند البيع ولا عادة ولا إضمار.
2510 - ومن قدم تاجراً ومعه ألوف دراهم ورقيق ومتاع ونقر فضة، فاشترى ذلك
كله [منه رجل] صفقة واحدة بألف دينار وتناقدا لم يجز، إذ لا يجوز صرف وبيع
في صفقة، ولا شركة وبيع، ولا نكاح وبيع، ولا جُعل وبيع، ولا قراض وبيع، ولا
مساقاة وبيع.
2511 - وإن ابتعت سلعة بخمسة دنانير إلا درهماً أو درهمين، فندقته أربعة
دنانير وتأخر الدينار الباقي أو الدراهم، أو نقدته الدينار وأخذت الدرهم
وأخرت الأربعة لم يجز ذلك، إذ للدراهم في كل دين حصة، ولو ابتعتها بخمسة
دنانير إلا ربعاً أو سدساً
(3/105)
جاز تعجيل الأربعة، وتأخير [الدينار]
الباقي [حتى يأتيك بخمس أو بربع وتدفع إليه الدينار، وكذلك إن] [تأخرت
الأربعة ودفع ديناراً] ، أو أخذ سدسه أو ربعه مكانه دراهم، [فلا بأس به] ،
لأن الجزء من الدينار لا يجري في سائره.
2512 - ومن باع سلعة بدينار إلا قفيز حنطة نقداً، جاز ذلك، كان الدينار
نقداً أو مؤجلاً، وكأنه باع السلعة وقفيز حنطة بدينار، هذا إن كان القفيز
والسلعة عنده، وإلا لم يجز، ودخله بيع ما ليس عنده.
2513 - قال ابن المسيب: ومن باع من رجل طعاماً بدينار ونصف درهم فلا يأخذ
من المبتاع بنصف الدرهم طعاماً، ولكن يأخذ منه درهماً ويعطيه ببقيته
طعاماً. قال مالك: إنما كرهه سعيد لأنه يصير ديناراً وطعاماً بطعام، قال
مالك: ولو كان نصف الدرهم ورقاً أو فلوساً أو غير الطعام جاز.
(3/106)
2514 - وإن صرفت من رجل ديناراً بدراهم فلم
تقبضها حتى أخذت بها منه سلعة، أو قبضت منه نصفها، وأخذت بنصفها سلعة
مكانك، فذلك جائز، فإن رددت السلعة بعيب رجعت بدينارك، ولو صرفته منه
بدراهم على أن تأخذها منه سمناً أو زيتاً نقداً أو مؤجلاً، أو على أن
تقبضها ثم تشتري بها منه هذه السلعة، فذلك جائز، فإن رددت السلعة يعيب رجعت
بدينارك، لأن البيع إنما وقع بالسلعة، واللفظ لغو، وإنما ينظر مالك إلى
فعلهما لا إلى قولهما وليس هذا من بيعتين في بيعة.
2515 - ولا يجوز بيع سلعة ودراهم كثيرة بذهب، لأنه بيع وصرف، وإن كانت
الدراهم يسيرة أقل من صرف دينار جاز ذلك كله نقداً، وإن نقدك من الذهب حصة
الدراهم وأخر ما قابل السلعة لم يجز، ويجوز بيع سلعة ودراهم بعروض نقداً،
أو إلى أجل، ولا يجوز بيعها بورق نقداً، ولا إلى أجل. وأصل قول مالك في بيع
ذهب بفضة مع أحدهما أو مع كل واحد منهما سلعة، فإن كانت سلعة يسيرة تكون
تبعاً جاز. وإن كثرت السلعة لم يجز، إلا أن يَقِلّ ما معها من ذهب أو فضة،
وهذا كله نقداً.
(3/107)
وإن كان الذهب والورق والعرضان كثيرين لا
خير فيه.
ولا يجوز بيع فضة وذهب بذهب، ولا [بيع] إناء مصوغ من ذهب بذهب وفضة، ولا
يباع حلي فيه ذهب وفضة بذهب ولا بفضة نقداً، كانت الفضة الأقل أو الذهب
كالثلث أو أدنى، [وأجاز أشهب وعلي بن زياد أن يباع بأقلهما فيه، ويباع
بالعروض والفلوس، ورواه علي عن مالك] .
2516 - ولا يجوز بيع ثوب ودراهم بعبد ودراهم، وإن تناقدا قبل التفرق، وأصل
قول مالك أن الفضة بالفضة مع أحد الفضتين أو مع كل واحد منهما سلعة لا
يجوز، كانت الفضة كثيرة أو يسيرة.
(3/108)
2517 - والسيف المحلى والمصحف والخاتم إذا
كان ما فيه من الفضة تبعاً كالثلث فأدنى، جاز بيعه بفضة نقداً، وإن كثرت
الحلية وصار الفضل تبعاً لم يجز بيعه بالفضة. ولا يجوز بيعه بفضة أو بذهب
إلى أجل، قلت الحلية أو كثرت، ويجوز بيعه بذهب نقداً، قلت الحلية أو كثرت،
فإن بيع السيف بفضة أو بذهب إلى أجل، والذي فيه من الفضة تبع فسخ ذلك، إن
كان قائماً، وإن فات بتفصيل حلية أمضيته، لأن ربيعة كان يجيز بيعه بذهب إلى
أجل إذا كانت حليته تبعاً، وإنما كرهه
(3/109)
مالك ولم يشدد فيه الكراهة، وجعله كالعرض
لجواز اتخاذه، ولأن نزعه مضرة.
وما حُلي بفضة من سرج أو قدح أو سكين أو لجام أو ركاب مموه أو مخروز عليه،
أو خرز مموه وشبه ذلك، فلا يجوز بيعه بفضة، وإن قلت حليته، لأن اتخاذ هذه
الأشياء من السرف، بخلاف ما أبيح اتخاذه من السيف المحلى والمصحف والخاتم،
وكان مالك لا يرى بأساً أن يحلى المصحف، وكان يكره هذه الأشياء التي تصاغ
من الفضة، مثل: الإبريق ومداهن الفضة والذهب، ومجامر الفضة والذهب،
والأقداح واللجم والسكاكين المفضضة، وإن كانت تبعاً، وكره أن تشترى.
2518 -[قال ابن القاسم:] ومن اشترى إبريق فضة بدنانير أو دراهم فاستحقت
الدنانير أو الدراهم، انتقض البيع لأنه صرف.
2519 - ومن صرف ديناراً بدراهم فاستحقت الدراهم انتقض الصرف، وقال أشهب:
(3/110)
لا ينتقض إلا أن تكون دراهم معينة، فإن لم
تكن معينة يريه إياها، وإنما باعه من دراهم عنده من كيسه أو تابوته، فعليه
مثلها ما لم يفترقا، قال ابن القاسم: ولو أنه إذ استحقت ساعة صرفها قال له:
خذ مثلها مكانه قبل التفرق جاز، ولو طال أو تفرقا لم يجز.
2520 - ومن اشترى خلخالين من رجل بدينار أو دراهم، فنقده، ثم استحقهما رجل
بعد التفرق، فأراد إجازة البيع، وابتاع البائع بالثمن لم يجز ذلك، ولو
استحقهما قبل تفرق المتبايعين فاختار أخذ الثمن فلا بأس به إن حضر
الخلخالان وأخذ الثمن مكانه، ولو كان المبتاع قد بعث بهما إلى بيته لم يجز،
ولو افترقا لم أنظر إلى ذلك الافتراق، ولكن إذا حضر الخلخالان وأخذ المستحق
الثمن من البائع أو من المبتاع مكانه فذلك
(3/111)
جائز، وإن غاب الخلخالان لم يجز، قال أشهب:
هذا استحسان والقياس الفسخ، لأنه صرف فيه خيار.
2521 - ومن اشترى من رجل دراهم بين يديه كل عشرين درهماً بدينار، فلما نقده
الدنانير قال: لا أرضاها، فله نقد البلد، فإن كان نقد البلد في الدنانير
مختلفاً فلا صرف بينهما إلا أن يسميا الدنانير.
2522 - ولا يجوز أن تصرف من رجل نصف دينار، أو ثلثه أو ربعه وإن قبض جميعه،
لأنه لا يبين بحصته منه، قال أشهب: وقد بقي بينهما عمل الشركة، ولو اقتسماه
فإنما يقتسمان دراهم، فيأخذ دراهم من دراهم.
وإن صرف رجل ديناراً من رجلين فقبضه أحدهما بأمر صاحبه وهو حاضر،
(3/112)
أو صرف رجلان ديناراً من رجل فدفعاه إليه
فذلك جائز، وكذلك لو كان موضع الدينار نُقْرة ذهب أو فضة. (1)
ومن كان بينه وبين رجل نقرة فباع منه نصيبه منها جاز ذلك إذا انتقد، قال
أشهب: وإن باع نصيبه من غيره، وقبض المشتري جميع النقرة جاز، وإن لم يقبض
فلا خير فيه.
2523 - وإن صرفت من رجل ديناراً ثم لقيته بعد أيام فقلت له: قد استرخصت
[مني] فزدني، فزادك دراهم نقداً أو إلى أجل فجائز ولا ينتقض الصرف، وليس لك
رد الزيادة بعيب فيها، وإن كان الدينار رديئاً فرده أخذ منك الذي زادك مع
دراهمه، لأنه للصرف زادك فيرد برده، وكذلك الهبة بعد البيع للبائع إن رد
السلعة بعيب أخذها.
ولا بأس بزيادة دراهم في راس مال السلم بعد شهر أو شهرين.
_________
(1) انظر: المدونة الكبرى (8/418) .
(3/113)
2524 - ومن لك عليه دراهم إلى أجل من بيع
أو قرض فأخذت بها منه دنانير نقداً لم يجز، ولو كانت الدراهم حالة جاز،
[وإن صارفته قبل الأجل على دنانير واشترطت قبضها عند محل أجل الدراهم، أو
اشتريت بها منه قبل الأجل عرضاً بعينه، أو مضموناً إلى ذلك الأجل لم يجز،
وإن تعجلت العرض جاز] ، [وكذلك إن كان مكان الدنانير عرض إلى ذلك الأجل،
لأنه دين بدين، ولو كان العرض نقداً جاز] ما لم يكن العرض الذي تأخذ من صنف
العرض الذي بعت، ويكون أجود منه أو أكثر فلا يجوز، حلّ أجل الدين أم لا.
2525 - وإن صرفت من رجل دنانير بدراهم، ثم أصبتها بعد التفرق زيوفاً، أو
ناقصة فرضيتها جاز ذلك، وإن لم ترضها انتقض الصرف، وإن كان تأخر [من] العدد
درهم لم يجز أن ترضى بذلك، لوقوع الصرف فاسداً.
وأما إن اشتريت فلوساً بدراهم ثم أصبت بعد التفرق بعضها رديئاً لا يجوز،
فأرجو أن يكون البدل في ذلك خفيفاً للاختلاف فيها، وقد كان ابن شهاب يجيز
البدل في صرف الدنانير بغير شرط، وإن كان مالك يأباه، فكيف في الفلوس؟.
(3/114)
وإن وجدت في الصرف درهماً مردوداً لعينه
وهو طيب الفضة، أو كان لا يجوز بجواز الدراهم عند الناس أو زائفاً، فلك رده
ونقض الصرف إلا أن ترضاه، فإذا رددت إليه دراهمه حين وجدت بها عيباً، فجائز
أن تؤخره بدينارك إذا ثبت الفسخ بينكما، وإن لم يثبت الفسخ كرهته، ورأيته
صرفاً مستقبلاً.
2526 - ومن اشترى بدينار مائة درهم أو ديناراً بدرهمين أو بدرهم، أو كان له
على رجل ذهب حالة، فأعطاه بها دراهم، فقال: لا أقبلها إلا بكذا، زيادة على
صرف الناس، فذلك كله جائز.
2527 - ومن أقرضته ديناراً فوهبته نصفه، فله قضاؤك باقيه دراهم وتجبر على
أخذها إن كانت كصرف الناس، وكذلك إن بعت منه سلعة بنصف دينار، الجواب واحد.
2528 - ومن باع سوار ذهب لا يعلم وزنه بفضة غير مسكوكة لا يعلم وزنها جاز،
ويجوز بيع الذهب بالفضة جزافاً ما لم تكن سكة فتدخله المخاطرة.
(3/115)
2529 - قال مالك: وإن أسلفت رجلاً مائة
درهم عدداً وزنها نصف درهم، فقضاك مائة درهم وازنه على غير شرط جاز، وإن
قضاك تسعين وازنة فلا خير فيه، وكذلك إن أقرضته عشرة دنانير ينقص كل دينار
منها سدساً أو ربعاً فقضاك عشرة [دنانير] قائمة، جاز إن لم يكن في ذلك وأي
ولا عادة، وإن قضاك تسعة لم يجز وإن كانت أكثر من وزنها، ولا يصلح إذا كانت
عدداً بغير كيل إلا أن يستوي العدد ويكون الفضل في أحدهما، فيجوز.
2530 - ومن أقرضك مائة درهم وازنة عدداً، فقضيته خمسين درهماً أنصافاً جاز،
ولو قضيته مائة درهم أنصافاً ونصف درهم واحد لم يجز، وإن كانت أقل وزناً،
وأصل قول مالك [في هذا] ، أنك إن استقرضت دراهم عدداً فجائز أن تقضيه مثل
عددها، كانت مثل وزن دراهمه أو أقل [أو أكثر] ، ويجوز أن تقضيه اقل من
عددها في مثل وزنها أو أقل، إذا اتفقت العيون، وإن قضيته أقل من عددها في
أكثر من وزنها، أو قضيته أكثر من عددها في أقل من وزنها لم يجز. ولو أقرضته
المائة كيلاً جاز أن يقضيك أزيد عدداً أو أقل [في] مثل وزنها، وتفاضل الوزن
معروف مع اتفاق
(3/116)
العدد فهو جائز، واختلاف العدد مع تفاضل
الوزن مكايسة فلا يجوز. وإن أبدل لك رجل ثلاثة دنانير بنقص سدساً سدساً،
بثلاثة دنانير وازنة على المعروف جاز، وإن أعطاك بها دينارين قائمين لم
يحل.
2531 - ومن أقرضته دراهم يزيدية فقضاك محمدية، أو قضاك دنانير عتقاء من
دنانير هاشمية، أو سمراء من محمولة، أو من شعير لم تجبر على أخذها، حل
الأجل أم لم يحل. (1)
قال ابن القاسم: وإن قبلتها جاز ذلك في العين من بيع أو قرض قبل الأجل
وبعده، ولا يجوز في الطعام حتى يحل الأجل كان من بيع أو قرض، لأن الطعام
يرجى تغير أسواقه وليس العين كذلك، ولابن القاسم قول في إجازته من قرض قبل
_________
(1) انظر: منح الجليل (4/525) ، والشرح الكبير (3/82) .
(3/117)
الأجل إن لم يكن في ذلك وأْي ولا عادة، وهو
أحسن إن شاء الله.
ولا تأخذ قبل الأجل يزيدية من محمدية، ولا محمولة من سمراء ويدخله ضع
وتعجل. وقد قال مالك في الدين يكون على الرجل فيقول لصاحبه: ضع عني وأعجل
لك أنه لا يجوز.
(3/118)
وإن أقرضته دراهم مجموعة محمدية، فقضاك بعد
الأجل يزيدية مجموعة أكثر من وزنها لم يجز، وذلك بيع فضل [وزن] عين بزيادة
وزن، ولو قضاك يزيدية مثل وزنها فأقل جاز.
2532 - ولو أقرضته يزيدية مجموعة فقضاك محمدية مجموعة أقل من وزنها لم يجز،
وذلك بيع زيادة بفضل عين، ولو قضاك محمدية مجموعة مثل وزن يزيديتك فأكثر
جاز، ما لم تكن عادة، وكذلك إن قضاك يزيدية مجموعة أكثر من وزن يزيديتك،
وهذا في الدنانير والدراهم سواء.
وإن أقرضته مائة درهم يزيدية كيلاً فقضاك مائة وعشرين يزيدية كيلاً لم
يعجبني. وكذلك إن أقرضته طعاماً فلا تأخذ فيه فضل العدد، مثل عشرين ومائة
إردب من مائة، ولو زادك ذلك بعد مجلس [القضاء] والتفرق جاز في العين
والطعام ما لم تكن عادة، ولو قضاك أرجح في الوزن بشيء يسير أو أنقص بكثير
فلا بأس [به] ، وإنما يجوز من ذلك مثل ما فعل ابن عمر، قضى مثل العدد وزاد
في وزن الدراهم التي قضى، ولم يعطه عشرين ومائة بمائة، ولا عشرة ومائة
بمائة.
(3/119)
2533 - ومن لك عليه مائة دينار قائمة من
بيع أو قرض، فلا تأخذ منها مائة مجموعة أزيد عدداً، لأنك تركت فضل عيون أو
وزن، لفضل العدد، إلا أن تسلفه بمعيار عندك قد عرفت وزنه، أو شرطت في البيع
الكيل مع العدد، فيجوز أخذ مجموعة وإن كانت أكثر عدداً، فأما إن أسلفته
مائة عدداً فقضاك مثل عددها كيلاً أو أنقص منها في الوزن فجائز. وما بعت
بفرادى فلا تأخذه كيلاً، وما بعت كيلاً فلا تأخذ فرادى، وما بعت بفرادى
واشترطت كيله مع العدد فجائز أن تأخذ فيه كيلاً أقل عدداً أو أكثر، ومن ذلك
أن تبيع سلعة بمائة درهم كيلاً، وتشترط عددها داخل المائة خمسة، فجائز أن
تأخذ [كيلاً] أقل من ذلك العدد أو أكثر في مثل الوزن.
ومن لك عليه مائة دينار مجموعة من بيع أو قرض فقضاك مائة قائمة من غير وزن،
فذلك جائز، لأنها أكثر وزناً وأفضل عيوناً، وإن قضاك مائة فرادى لم يجز،
لأنك تجاوزت نقصها لفضل عيونها على المجموعة.
2534 - ومن باع سلعة بمائة دينار مجموعة، ولم يسم كم داخلها فلا بأس به ما
لم يدخل له ذهباً غير جائز بين الناس، والدنانير المجموعة هي المقطوعة
الناقصة تجمع في الكيل، والقائمة: هي المائة الجياد إذا جمعت مائة عدداً
وزادت في الوزن مثل الدينار،
(3/120)
والفرادى: إذا اجتمعت في الوزن نقصت في
المائة مثل الدينار.
ومن لك عليه درهمان فرادى قد عرف وزن كل واحد منهما إلا أنهما لم يجمعا في
الوزن، فلا تأخذ بوزنهما منه تبر فضة مكسورة، كانا في الجودة مثل فضته أو
أدنى، لأنك إذا أخذت وزن الفرادى مجموعة لا بد أن يزيد وزن المجموعة على
الفرادى، الحبة والحبتين أو ينقص، فلا يكون ذلك مثلاً بمثل.
2535 - ولا يباع القمح وزناً بوزن، وليس ما كرهنا من أخذ مجموعة من فرادى
مثل ما أجزنا من أخذ السمراء من المحمولة، والمحمولة من السمراء بعد الأجل،
لأن الطعام مكيل لا تفترق أقداره وهذا مختلف. (1)
2536 - ويجوز [بيع] مجموع الفضة بمجموعها، لأنه أخذ مثل وزن فضته أجود من
فضته أو دونها في الجودة.
2537 - ومن لك عليه درهمان مجموعان فلا تأخذ منه بوزنهما أو أقل تبر فضة
أجود من فضتهما، لأنه بيع لسكتهما بجودة الفضة، وليس هذا كقضاء سمراء من
محمولة، لأن السكة غير الدراهم، وجودة الطعام ليس غيره.
_________
(1) انظر: المدونة (8/429) .
(3/121)
2538 - ويجوز تبر الفضة بعضه قضاء من بعض،
أجود صفة أو أردأ عند الأجل في مثل الوزن، ما لم تكن سكة، ولا فضل في وزن.
2539 - ومن أبدل لك دراهم كيلاً فقلت له: زدني في الكيل، [فزادك] فذلك ربا،
وأما إن أبدل لك ديناراً أو درهماً بأوزن منه بغير مراطلة فذلك جائز فيما
قل، مثل الدينارين والثلاثة لا أكثر، لأن هذا معروف، والأول مكايسة.
ولا يجوز في المبادلة أن يكون الناقص أجود عيناً، وإن سألته [أن] يبدل لك
ديناراً هاشمياً ينقص خروبة بدينار عتيق قائم وازن، فلا خير فيه عند ربيعة
ومالك، [قال ابن القاسم:] ولا بأس به عندي، وإن كان الديناران هاشميين إلا
(3/122)
أن أحدهما ضُرب بمصر، والآخر ضُرب بدمشق،
فإن كان الناقص أفضل في عينه ونفاقه عند الناس من الوازن فلا خير فيه، وإن
اتفقا في النفاق والجودة جاز.
2540 - وإن أتيته بدينار مرواني مما ضرب في زمان بني أمية وهو ناقص، فأردت
أن يبدله لك بدينار هاشمي [مما] ضرب في زمان بني هاشم، فإن كان بوزنه
فجائز، وإن كان الهاشمي أنقص، فقد كرهه مالك بحال ما أخبرتك، ولا بأس به
عندي.
2541 - وإن بعت من رجل دراهم بدراهم أو بفضة، أو فضة بفضة، فلما توازنتما
رجحت فضتك فوهبته ذلك لم يجز.
2542 - ومن لك عليه تبر فضة أو ذهب مكسور، فلا تأخذ منه إذا حل الأجل تبراً
أجود من الذي لك عليه أقل وزناً، ويجوز أن تأخذ أدنى من تبرك أقل وزناً.
(3/123)
2543 - ولا يجوز أن تأخذ منه بعد الأجل
محمولة، أقل كيلاً من سمراء لك عليه قضاء من جميع الحق، قال أشهب: إنه جائز
كالفضة، كذلك لو اقتضى دقيقاً من قمح والدقيق أقل كيلاً، فلا بأس به إلا أن
يكون الدقيق أجود من القمح الدين.
قال ابن القاسم: والفرق بين الفضة التبر وبين الطعام، أن الفضة التبر عند
الناس كلها نوع واحد، وأمر قريب بعضه من بعض، والسمراء والمحمولة مختلفة
السوق متباعد ما بينهما، ولو جاز ذلك لجاز أن تأخذ شعيراً أو دقيقاً أو
سلتاً أقل، ويدخل في الطعام من قرض أو استهلاك التفاضل في بيعه، ويدخله
أيضاً في البيع بيعه قبل قبضه. ومما يبين ذلك لو أتاك رجل بإردب سمراء،
فقال لك: أعطني بها خمس ويبات محمولة أو شعيراً أو سلتاً، على وجه التطاول
منه عليك لم يجز، ودخله بيع الطعام بالطعام متفاضلاً.
(3/124)
وكذلك إن أتاك بطعام جيد فأبدله منك بارداً
منه، لم يجز بأكثر من كيله، ويجوز في الذهب بدله بأنقص منها وزناً وأشر
عيوباً على المعروف، فافترقا، ولا خير في اقتضاء صيحاني من عجوة قبل الأجل
من قرض، ولا زبيب أحمر من أسود، وإن كان أجود منه، وما جاز في الاقتضاء من
القرض جاز من الاستهلاك.
2544 - ومن أقرضته قمحاً فقضاك دقيقاً مثل كيله جاز، وإن كان أقل من كيله
لم يجز.
2546 - ويجوز في المراطلة بيع مصوغ الذهب بتبر ذهب أو دنانير، أجود من
الذهب المصوغ أو أردأ كيلاً، يداً بيد، بخلاف الاقتضاء.
2547 - وكذلك حلي بين رجلين باع أحدهما حصته منه شريكه بمثل نصف وزنه يداً
بيد فلا باس به، وكذلك نقرة بينهما، وروى أشهب أن مالكاً لم يجزه في
النقرة، إذ لا ضرر في قسمتها ككيس
(3/125)
[مجموع] مطبوع بينهما، فيصير ذهباً بذهب،
ليس كفة بكفة، وإنما جاز في الحلي لما يدخله من الفساد، وإنه لموضع
استحسان.
2548 - وإن أقرضت رجلاً ذهباً مصوغاً أو سكة، فقضاك تبراً مكسوراً أجود
عيناً أو قضاك حلياً أو دنانير عن تبر ذهب أقرضته، والتبر أجود ذهباً،
والوزن في ذلك كله واحد لم يجز، لأنه بيع لسكة أو صياغة لجودة ذهب،
والصياغة بمنزلة السكة، لأنه كان لا يلزمك أن تأخذ تبراً من حلي أقرضته،
فلما أخذته علمنا أنك إنما رضيته لفضل عينه وذلك بحضورهما في المراطلة
جائز، وتلغى السكة والصياغة، وتزول التهمة.
2549 - ولا يجوز التبر الأحمر الإبريز الهِرَقْلي بالذهب الصفر ذهب العمل،
إلا مثلاً بمثل.
(3/126)
ومن اشترى دنانير منقوشة مضروبة ذهباً
إبريزاً أحمر جيداً بتبر ذهب أصفر للعمل وزناً بوزن، جاز ذلك، وإن أصاب في
الدنانير مالاً يجوز عينه في السوق وذهبه أحمر جيد، لم ينتقض الصرف بينهما
ولم يكن له رده، لأنه إنما يرجع بمثل ما يرد أو أردأ، وإن كان الدينار
مغشوشاً انتقض من التبر بمثل وزنه خاصة.
2550 - ومن اشترى حلياً من فضة بوزنه من الدراهم أو بذهب أو بعرض جاز ذلك.
فإن وجد بالحلي كسراً أو شقاً فله رده، لأنه إذا حبسه لم يبق بيده مثل ما
أعطى من فضل سكة لفضل صياغة، كمن ابتاع دقيقاً بقمح فوجد بالدقيق أو بالقمح
عيباً لرده، لأن دقيق القمح المعيب ليس كدقيق الصحيح، بخلاف الدنانير
المعيبة، لأنها إذا لم تكن مغشوشة فهي مثل ما أعطى وأفضل، وكذلك إذا ابتاع
خلخالين من ذهب أو فضة، بتبر ذهب أو فضة، فوجد في الخلخالين عيباً يردان
منه، وذهبهما أو فضتهما مثل تبره أو أجود فلا يردهما، لأن ما في يديه مثل
تبره أو أفضل.
2551 - ومن كانت له دنانير ذهب أصفر ورجل آخر تبر مكسور إبريز أحمر فتصارفا
وزناً بوزن جاز، وإن كان لأحدهما دنانير ذهب أصفر وللآخر دنانير مثلها
ذهباً أصفر مع تبر ذهب أحمر، فإن اتفق المسكوكان في النَّفاق جاز، كان
التبر أرفع من المنفردة أو أدنى، وإن كانت الدنانير التي مع التبر دون
المنفردة والتبر أرفع منهما، لم يجز، لأن صاحب الدنانير المنفردة يأخذ فضل
عيون دنانيره على دنانير صاحبه في جودة التبر الإبريز، وإن كانت [الدنانير]
المنفردة دون الدنانير الأخرى ودون التبر أو أرفع منهما في نفاقهما، جاز
ذلك، وإن كانت إحدى الذهبين كلها أنفق جاز، لأنه معروف، وإن كانت إحدى
الذهبين نصفها مثل الذهب [الأخرى] ونصفها أنفق منها جاز، وأما إن كانت
نصفها أنفق من المنفردة ونصفها دون المنفردة لم يجز.
(3/127)
[قال مالك:] وإن راطلته هاشمية قائمة
يُعتَّق أكثر عدداً أو أنقص وزناً فلا بأس به، فإن جعل مع الهاشمية ذهباً
أخرى هي أشر عيوباً من العُتَّق كالناقصة ثلاث خروبات ونحوه، لم يجز.
* * *
ما يحرم في اقتضاء الطعام بالطعام
2552 - وإذا اقتضيت عشرة [دنانير] مجموعة من بيع فرجحت، جاز أن تعطيه
برجحانها عرضاً أو ورقاً بخلاف المراطلة، وكذلك إن كان ذلك عليه لحم أو
حيتان فاقتضيته [منه] فوجدت فيه فضلاً عن وزنك، فجائز شراؤك تلك الزيادة
بثمن نقداً أو إلى أجل إن كان أجل الطعام قد حل، وإن لم يحل فلا خير فيه،
وإن حل
(3/128)
فاختلفت الصفات، والجنس واحد فلا بأس أن
تأخذ بمنه] مثل وزنك أو كيلك أجود صفة أو أردأ، ولا تغرم لجودة أو تأخذ
لزيادة شيئاً، ولا تأخذ أجود وأقل كيلاً ولا أردأ وأزيد كيلاً، وإن لم تغرم
لذلك شيئاً ولا رجعت بشيء، ويدخل ذلك كله بيع الطعام قبل قبضه إن كان من
بيع، ولو كان هذا من العروض التي تكال أو توزن أو غيرها من الثياب والحيوان
عدا الطعام فلا بأس به.
ومن لك عليه دراهم يزيدية عدداً فقضاك محمدية أو يزيدية عدداً وأرجح لك في
كل درهم، فلا بأس به ما لم تكن عادة، ولا يجوز أن تأخذ محمدية أقل من وزن
اليزيدية، لأنك تركت وزن يزيديتك لفضل عيون المحمدية، وكذلك إن قضاك تبراً
مكسوراً أجود من تبرك وأقل وزناً لم يجز، كان ما ذكرنا من بيع أو قرض.
2553 - وإن أقرضته فضة بيضاء فقضاك بعد الأجل فضة سوداء، مثل الوزن فأقل
جاز، ولا يجوز أرجح، لأنك تركت جودة فضتك البيضاء في زيادة وزن فضته
السوداء، وكذلك إن قضاك فضة بيضاء من فضة سوداء مثل الوزن فأكثر جاز، ولا
يجوز أن يقضيك أقل من الوزن، وهذا كله ما لك تكن عادة بينهما. (1)
2554 - وإن أقرضته ديناراً فلا بأس أن تأخذ بسدسه أو بما شئت من أجزائه
دراهم إذا حل أجله وكان حالاً، ويجوز أن تأخذ بثلثه عرضاً نقداً، ثم لا
تأخذ ببقيته في الوجهين
_________
(1) انظر: مواهب الجليل (4/399) .
(3/129)
ذهباً، لأنه يصير ذهباً وورقاً بذهب، أو
ذهباً وعرضاً بذهب، ويجوز أن تأخذ ببقيته عرضاً، وإن أخذت ببقيته دراهم
وحدها أو مع عرض جاز ذلك إن حل الأجل، وإن لم يحل لم يجز.
2555 - ولا يعجبني أن يباع الدرهم السَّتوق الرديء بدرهم فضة، وزناً بوزن
ولا بعرض، لأن ذلك داعية إلى إدخال الغش وفساد أسواق المسلمين، وقد طرح عمر
- رضي الله عنه - في الأرض لبناً غُشّ، أدباً لصاحبه، ولكن يقطعه، فإذا
قطعه جاز بيعه إذا لم يغر به الناس ولم يكن يجوز بينهم.
قال أشهب: إذا رُدّ لغش فيه لم أر أن يباع بعرض ولا فضة حتى يكسر خوفاً أن
(3/130)
يغش به غيره، ويجوز بدله على وجه الصرف
بدراهم جياد، وزناً بوزن، لأنهما لم يريدا بهذا فضلاً بين الفضتين، وهذا
يشبه البدل.
قال أشهب: وإذا كُسِر الستوق جاز بيعه إن لم يخف أن يسلبك فيجعل دراهم، أو
يُسبل فيباع على وجه الفضة، فإن خاف ذلك فليصفه حتى تباع فضته على حدة
ونحاسه على حدة.
2556 - ومن لك عليه فلوس من بيع أو قرض فأُسقطت لم تتبعه إلا بها، وقاله
ابن المسيب في الدراهم إذا أسقطت، ومن استقرضك ديناراً دراهم، أو ثلث دينار
دراهم [أو نصف دينار دراهم] فأعطيته دراهم، فليس يقضي عليه إلا بدراهم كما
قبض مثل وزنها، غلت الدراهم أو رخصت.
2557 - قال يحيى بن سعيد: وإن استقرضك نصف دينار فدفعت إليه ديناراً فانطلق
به فكسره فأخذ نصفه وردّ إليك النصف الباقي، فعليه أن يعطيك ديناراً فتكسره
فتأخذ نصفه وترد إليه نصفه.
(3/131)
وقال مالك: إن أعطيته ديناراً فصرفه
المستسلف فأخذ نصفه وردّ نصفه كان عليه نصف دينار، غلا الصرف أو رخص.
2558 - وإن ابتعت سلعة بدانق أو بدانقين أو بنصف درهم أو بربع وقع البيع
بالفضة وتعطيه بالفضة ما تراضيتما عليه، فإن تشاححتما أعطيته بذلك فلوساً
في الموضع الذي فيه الفلوس، تصرف يوم القضاء لا يوم التبايع. (1)
وإن ابتعت شيئاً بدانق فلوس نقداً أو مؤجلاً، فإن سميتما ما للدانق من
الفلوس أو كنتما عارفين بعدد الفلوس، فلا بأس به، والبيع إنما وقع على
الفلوس، وإن كانت مجهولة العدد ولا تعرفان ذلك لم يجز، لأنه غرر.
2559 - وإن ابتعت سلعة بنصف دينار أو بثلث أو بربع، وقع البيع على الذهب
وتدفع إليه ما تراضيتما عليه، فإن تشاححتما قُضي عليه في جزء الدينار
بدراهم بصرف يوم القضاء لا يوم التبايع.
2560 - ومن باع سلعة بنصف دينار فاشترط أن يأخذ به دراهم نقداً يداً بيد،
فإن كان الصرف معروفاً يعرفانه جميعاً فلا بأس بذلك إذا اشترطا كم الدراهم
من الدينار.
2561 - ومن باع سلعة بنصف دينار إلى أجل واشترط أن يأخذ به إذا حل الأجل
دراهم
_________
(1) انظر: المدونة (8/446) .
(3/132)
لم يجز، ولو لم يشترط ذلك كان له إذا
تشاحّا عند الأجل أن يأخذ منه دراهم على صرف الناس يوم يأخذه بحقه، ولكنه
لما اشترط ذلك وقع البيع على ما يكون من صرف نصف دينار بالدراهم يوم يحل
الأجل، فهذا مجهول.
قال أشهب: وإن كان إنما وجب له ذهب وشرط أن يأخذ منها دراهم، فذلك أحرم،
لأنه ذهب بورق إلى أجل، وورق أيضاً لا يعرف عددها، ولو شرط أن يأخذ بنصف
الدينار إذا حل الأجل ثمانية دراهم، كان بيعاً جائزاً، وكانت الثمانية
لازمة لهما وذكر النصف لغو.
2562 - قال مالك: ومن باع سلعة أو أكرى منزله بنصف دينار أو بثلث على أجل،
فلا يأخذ في ذلك قبل الأجل دراهم، وليأخذ عرضاً إن أحبا، فإذا حل الأجل
فليأخذ ما أحب. (1)
* * *
"نهاية كتاب الصرف"
* * *
_________
(1) انظر: التقييد (3/177) .
(3/133)
|