التهذيب في اختصار المدونة

 (كتاب الهبة) (1)
3862 - ومن وهب من مال ابنه [الصغير] شيئاً، لم يجز، فإن تلفت الهبة ضمنها الأب.
ومن تصدق على رجل أو وهبه شقصاً له في دار أو عبد، فذلك جائز، ويحل المعطى فيه محله، فيكون ذلك حوزاً.
3863 - وإن وهبت رجلاً عشرة أقساط زيت من زيت جلجلانك هذا، جاز ذلك كهبتك له ثمرة نخلك قابلاً ويلزمك عصره. ولا ينبغي أن تعطيه من زيت غيره مثله لخوف التأخير في طعام بمثله، ولعل الجلجلان الذي وهبته من زيته يهلك قبل ذلك فتكون قد أعطيته زيتك باطلاً.
_________
(1) انظر: حاشية الدسوقي (3/248) ، ومواهب الجليل (4/380) ، والمدونة الكبرى (15/118) ، وأنيس الفقهاء (ص255) ، والمطلع (11/591) ، وشرح حدود ابن عرفة (597) .

(4/343)


3864 - ربيعة: ومن قال: [اشهدوا] أن لفلان في مالي صدقة مائة دينار، لزمه ذلك إن حملها ماله، وإلا لم يتبع بما عجز.
ورأى ابن شهاب أن من وهب لرجل من عطائه وكتب له به كتاباً، فلا رجوع له فيما أعطى، ومن وهب لرجل نصيباً من دار ولم يسمه، [قيل للواهب: أقر بما شئت مما يكون نصيباً] .
وإن وهبه مورثه من فلان وهو لا يدري كم هو ربع أو سدس أو وهبه نصيبه من دار أو جدار، ولا يدري كم ذلك، فهو جائز.
والغرر في الهبة لغير الثواب يجوز، لا في البيع.
وإذا وهبت دينك لأحد ورثة غريمك، كان له دونهم.
وإن وهبت هبة لحر أو عبد فلم يقبض حتى مات، فلورثة الحر وسيد العبد قبضها، وليس لك أن تمتنع من ذلك.
3865 - ومن وهب عبداً له مأذوناً قد اغترقه الدين، جاز، ويجوز بيعه إياه إذا تبين أن عليه ديناً.

(4/344)


ومن باع عبداً له، أو وهبه، أو تصدق به بعد أن جنى جناية وهو بجنايته عالم، لم يجز ذلك إلا أن يتحمل الجناية، فإن أبى حلف ما أراد حملها ورد، وكانت الجناية أولى به في رقبته.
3866 - ومن باع عبده بيعاً فاسداً، ثم وهبه لرجل قبل تغيره في سوق أو بدن، جازت الهبة إن قام بها الموهوب، ويرد البائع الثمن، ولو مات الواهب قبل تغير سوقه وقبل قبض الموهوب إياه، بطلت هبته، ولو وهبه بعد تغيره في سوق أو بدن، لم تجز الهبة، لأنه لزم المبتاع بقيمته.
وكذلك إن أعتقه قبل تغيره في سوق أو بدن، جاز عتقه إذا ردّ الثمن، لأن البيع بينهما مفسوخ ما لم يفت العبد.
وإن وهبت لرجل عبداً قد رهنته، جاز، ويقضى له عليك بافتكاكه إن كان لك مال، وإن لم يقم عليك حتى فديته، فله أخذه ما لم تمت أنت فتبطل الهبة، وليس قبض المرتهن قبضاً للموهوب له إن مات الواهب، لأن للمرتهن حقاً في رقبة العبد بخلاف المخدم، وإن وهبته عبدك المغصوب، جاز ذلك إن قبضه قبل موتك، وليس حوز الغاصب حوزاً للموهوب.

(4/345)


[قلت] : ولِمَ والهبة ليست في يد الواهب؟ قال: لأن الغاصب لم يقبض للموهوب له، ولم يأمره الواهب أن يحوزها الموهوب له، فيحوزها إن كان غائباً، وإن كان الموهوب له حاضراً غير سفيه وأمر الواهب رجلاً يقبض له [ذلك] ويحوزه له، لم يجز هذا، فالغاصب ليس بحائز. وكذلك خليفتك على دار ليس حوزه حوزاً للموهوب له.
ولو وهبته عبداً وأجّرته من رجل، فليس حوز المستأجر حوزاً للموهوب له إلا أن يسلم إليه إجارته معه، فيتم الحوز.
وأما العبد المخدم أو المعار إلى أجل، فقبض المستعير والمخدم له قبض للموهوب، وهو في رأس المال إن مات الواهب قبل ذلك.
3867 - ويقضى بين المسلم والذمي في هبة أحدهما للآخر بحكم المسلمين، وإن كانا ذميين فامتنع الواهب من دفع الهبة لم أعرض لهما، وليس هذا من التظالم الذي أمنعهم منه.

(4/346)


3868 - ولا باس بهبة ما لم يبد صلاحه من زرع أو ثمر، أو ما تلد أمته أو غنمه، أو ما في ضروعها من لبن أو ما على ظهورها من صوف أو ثمر قد طاب في شجره، والحوز في ذلك كله حوز الأرض أو رقاب النخل أو الأمهات، وعلى الواهب تسليم ذلك إليه بالقضاء والسقي فيما يسقى على الموهوب، وحيازة من أسكنته أو أخدمته حوز للدار أو العبد.
3869 - ومن وهب لرجل ما تلد أمته أو ثمر نخله عشرين سنة، جاز ذلك إذا حاز الأصل أو الأمة، أو حاز ذلك أجنبي، وإن لم يخرج ذلك من يده حتى مات، بطل، ولا يقضى بالحيازة إلا بمعاينة بينة لحوزه في حبس، أو رهن، أو هبة، أو صدقة.
3870 - ولو أقر المعطي في صحته أن المعطى قد حاز وقبض، وشهدت عليه بإقراره بينة، ثم مات، لم يقض بذلك إن أنكر ورثته حتى تعاين البينة الحوز.
3871 - قال ابن القاسم: ومن وهب عبداً لابنه الصغير ولأجنبي، فلم يقبض الأجنبي حتى مات الواهب، فذلك كله باطل، كقول مالك فيمن حبس على ولده الصغار والكبار فمات قبل أن يقبض الكبار: إنه يبطل كله، بخلاف ما حبس عليهم وهم صغار كلهم، هذا إن مات كان الحبس لهم جائزاً.

(4/347)


وروى ابن نافع وعلي عن مالك فيمن تصدق على ولده الصغير مع كبير أو أجنبي، أن نصيب الصغار جائز ويبطل ما سواه، ولو كان حبساً بطل جميع الحبس، لأنه لا يقسم أصله. والصدقة يملكونها وتقسم بينهم، وقد حازها للصغير من يحوز حوزه.
3872 - ومن وهبك ديناً له عليك فقولك: قد قبلت، قبض، فإذا قبلت سقط، وإن قلت: لا أقبل، [سقطت الهبة و] بقي الدين بحاله، وإن كان الدين على غيرك فوهبه لك، فإن أشهد لك وجمع بينك وبين غريمه، ودفع إليك ذكر الحق إن كان عنده، فهذا قبض، وإن لم يكن كتب عليه ذكر حق فأشهد لك وأحالك عليه، كان ذلك قبضاً، وكذلك إن أحالك [به] عليه في غيبته فأشهد لك وقبضت ذكر الحق، فهكذا قبض الديون.
3873 - ومن تصدق عليه رجل بأرض، فقَبْضُها حيازتها، فإن كان لها وجه تحاز به من كراء يكريه، أو حرث يحرثه، أو غلق يغلق عليها، فإن أمكنه شيء من

(4/348)


ذلك فلم يفعله حتى مات المعطي، فلا شيء له، وإن كانت أرضاً قفاراً مما لا تحاز بغلق، ولا فيها كراء يكرى، ولا أتى لها إبان تزرع فيه، أو تمنح، أو يحوزها بوجه يعرف حتى مات المعطي، فهي نافذة للمعطى، وحوز هذه [الأرض] الإشهاد.
وإن كانت داراً حاضرة أو غائبة فلم يحزها حتى مات المعطي، بطلت، وإن لم يفرط، لأن لها وجهاً تحاز به. وإذا قل في الأرض الغائبة: قد قبلت وقبضت، لم يكن ذلك حوزاً، وذلك كالإشهاد على الإقرار بالحوز، إلا أن يكون له في يديك أرض، أو دار، أو رقيق بكراء، أو عارية، أو وديعة وذلك ببلد آخر، فوهبك ذلك، فإن قولك: قبلت، حوز، وإن لم تقل: قبلت، حتى مات الواهب، فذلك لورثته.
وقال غيره: ذلك حوز لمن ذلك في يديه.
3874 - والواهب إذا اشترط الثواب، أو رُئي أنه أراد الثواب فلم يثب، فله أخذ هبته

(4/349)


إن لم تتغير في بدنها بنماء أو نقصان، والهبة في هذا الوجه بخلاف البيع، وكذلك إن أثابه أقل من قيمتها، فإما رضي الواهب بذلك أو أخذها إن كانت قائمة، ولا يجبر الموهوب على ثواب إذا لم تتغير الهبة عنده، إلا أن يرضى بدفع قيمتها، فيلزم الواهب أخذها، ولا كلام له في الهبة، وإن فاتت [الهبة] عند الموهوب بزيادة بدن أو نقصان، لزمته قيمتها. قال عمر بن عبد العزيز وغيره: يوم قبضها.

(4/350)


3875 - قال ابن القاسم: وليس للموهوب ردها في الزيادة إلا أن يرضى الواهب، ولا للواهب أخذها في نقص البدن إلا أن يرضى الموهوب. (1)
[قال ابن القاسم:] ولا يفيتها عند الموهوب حوالة سوق.
[[قال ابن وهب:] قال مالك - رحمه الله -: وله أن يمسكها أو يردها] .
[قال ابن القاسم:] وإذا عوض الموهوب للواهب أقل من قيمة الهبة، ثم قام الواهب بعد ذلك يطلب، فليحلف بالله ما قبل ذلك، ولا سكت إلا انتظاراً
_________
(1) انظر: المقدمات لابن رشد (2/447، 448) .

(4/351)


لتمام الثواب، ثم إما أتم له الموهوب القيمة، وإما رد الهبة إن لم تفت، وأخذ عوضه.
ومن تصدق بصدقة على ثواب فهي كالهبة.
ومن وهب لرجل ديناً له على آخر لغير ثواب، جاز، ولا رجوع له فيه، وإن وهبه إياه لثواب لم يجز أن يثيبه إلا يداً بيد.
3876 - ومن وهب لحاضر وغائب أرضاً، فقبض الحاضر جميعها، فقبضه حوز للغائب وإن لم يعلم ولا وكله.
وكذلك إن وهب لغائب، أو تصدق عليه بشيء فأخرجه من يده وجعل من يحوزه له حتى يقدم فيأخذه، فذلك نافذ. ألا ترى أن أحباس السلف كان قابضها يحوز قبضه على الغائب والحاضر الكبير المالك لأمره، وعلى الصغير ومن لم يولد بعد، قيل: فالعبيد، والحيوان، والعروض، والحلي كيف يكون قبضه؟ قال: بالحيازة.
قال ابن القاسم: ومن وهب لصغير هبة، وجعل من يحوزها له إلى أن يبلغ وترضى حاله فتدفع إليه وأشهد له بذلك، فذلك حوز، وإن كان له أب أو وصي حاضر، فإذا بلغ فله أن يقبض.
وأما إن وهب لحاضر غير صغير ولا سفيه ولا عبد، وجعل من يحوز له، وأمره أن لا يدفعها إليه، لم تكن هذه حيازة إن لم يقبضها الموهوب حتى مات الواهب، لأن

(4/352)


الموهوب له جائز الأمر وهو حاضر، فلم يسلمها إليه، فعلى أي وجه حازها هذا له، وإلى أي أجل يدفعها إليه؟ وهذا بخلاف الصغير، لأنه أراد في الصغير ارتقاب بلوغ رشده، أو لئلا يأكله الأب، ولا يرتقب في كبير حاضر شيئاً، ولا يكون حوز غيره له حوزاً إلا أن يحبس عليه غلة نخل، ويجعل ذلك بيد من يجري عليه الغلة ويتولاه، فذلك جائز. وكذلك كانت أحباس الماضين.
وقال غيره: الصغير والسفيه لهما وقت يقبضان إليه [الهبة] ، وهو البلوغ في الصغير مع حسن الحال، وحسن الحال في السفيه وهذا البالغ الذي أعطي عطية، تكون له مالاً تراثاً لما منع من قبضها لغير شيء عقده فيها [مما مثله يعقد في الصدقات] ، يدل على أنه لم يرد أن يبتلها له ويعطيه إياها.
3877 - ومن وهب لرجل هبة على أن لا يبيع ولا يهب، لم يجز، إلا أن يكون سفيهاً أو صغيراً فيشترط ذلك عليه ما دام في ولاية، فيجوز.
وإن اشترط ذلك عليه بعد زوال الولاية لم يجز، كان ولداً للواهب أو أجنبياً، ولا تكون الأم حائزة لما وهبت لصغار بنيها وإن أشهدت، ولا لما تصدقت به

(4/353)


عليهم، بخلاف الأب، إلا أن تكون وصية للوالد أو وصية وصي للوالد، فيتم حوزها لهم ولابنتها البكر وإن حاضت، والأب يحوز لصغار ولده ولمن بلغ من أبكار بناته ما وهبهم هو وأشهد [لهم] عليه، ولا يزول حوزه حتى يبلغ الذكور ويدخل بالبنات أزواجهن بعد المحيض، ويؤنس من جميعهم مع ذلك رشد، فإن مات الأب قبل رشدهم، فذلك لهم نافذ، وإن بلغوا مبلغاً تجوز حيازتهم فلم يقبضوا حتى مات الأب، بطلت هبة الأب من ذلك.
وليس للابنة وإن ولدت أولاداً وهي سفيهة، ولا للابن البالغ السفيه، حوز ولا أمر، وكذلك إن كانت الابنة بالغة مرضية، لم تبرز إلى زوجها، وذلك على الأب والوصي.
3878 - ومن وهب لابنه الصغير - وهو عبد لرجل - هبة وأشهد، لم يكن حائزاً له، لأن سيده يحوز ماله دون الأب، فإن جعل الأب هذه الهبة بيد أجنبي يحوزها للصبي، جاز ذلك، وكان حوزاً رضي سيده أو كره.
3879 - وما وهب الزوج لزوجته [البكر] قبل البناء، أو تصدق به عليها وأشهد، ولم يخرج ذلك من يده حتى مات، فليس ذلك لها بحوز، إلا أن يجعله بيد من يحوزه لها، وكذلك بعد دخوله بها وهي سفيهة أو مجنونة. (1)
_________
(1) انظر: المدونة الكبرى (15/134) ، والتاج والإكليل (6/59) ، وحاشية الدسوقي (2/435) .

(4/354)


ولا يكون واهب حائزاً للموهوب إلا والد، أو وصي، أو من يجوز أمره عليه.
والزوج لا يجوز أمره عليها ولا بيعه ما لها، وأبوها: الحائز بلها] وإن دخل بها زوجها، ما دامت سفيهة وفي حال لا يجوز لها أمر.
3880 - وللأم أن تعتصر ما وهبت أو نحلت لولدها الصغير في حياة أبيه، أو ولدها الكبار، إلا أن ينكحوا أو يتداينوا، فإن لم يكن للصغير أب حين وهبته أو نحلته، فليس لها أن تعتصر، لأنه يتيم ولا يعتصر من يتيم، وتعد كالصدقة عليه.
وإن وهبتهم وهم صغار لا أب لهم ثم بلغوا ولم يحدثوا في الهبة شيئاً، فليس لها أن تعتصر، لأنها وهبت في حال اليتم، [وهي بمنزلة الصدقة] .
وإن وهبتهم وهم صغار والأب مجنون جنوناً مطبقاً، فهو كالصحيح في وجوب الاعتصار لها.
وللأب اعتصار ما وهب أو نحل لبنيه الصغار والكبار، وكذلك إن بلغ الصغار ما لم ينكحوا، [أو يحدثوا ديناً] ، أو يحدثوا في الهبة حدثاً، أو تتغير الهبة عن حالها.

(4/355)


وللأب أن يعتصر من الأصاغر وإن لم تكن لهم أم، لأن اليتم من قبل الأب.
ولو وهب لولده الكبير أمه فقبضها الولد، ثم وطئها، لم يكن للأب أن يعتصرها بعد الوطء. ولا يعتصر الأب ما وهب أجنبي لولده.
ولا يعتصر الأبوان ما تصدقا به على [ولدهما] ، صغيراً كان أو كبيراً. وأما الهبة، والعطية، والعُمر، والنحل، فلهما الاعتصار في ذلك.
وأما الحبس فإن كان بمعنى الصدقة لم يُعتصر، وإن كان بمعنى الهبة، يكون سكنى أو عمرى إلى شهر أو شهرين، ثم مرجعهما إليه، فإنه يعتصر.
وقضى عمر بن عبد العزيز فيمن نحل ابنه أو ابنته بعد أن نكحا، أن له أن يعتصر، إلا أن يتداينا أو يموتا.
[قال - أيضاً - عمر بن عبد العزيز: ما وهب الأب لابنه أو لابنته، فله أن يعتصر ذلك ما لم ينكحا أو يموتا] .

(4/356)


قال ربيعة ومالك: ولا يعتصر الصدقة من ابنه وإن عقه.
وليس لغير الأبوين أن يعتصر هبة، لا جد، ولا جدة، ولا غيرهما، إلا الأبوان من الولد.
قال ربيعة: وليس للولد أن يعتصر من والده شيئاً.
3881 - ومن وهب لرجل هبة لغير ثواب فقبضها الموهوب بغير أمر الواهب، جاز قبضه، إذ يقضى على الواهب بذلك إذا منعه إياها، فأما هبة الثواب، فللواهب منعها حتى يقبض العوض كالبيع، ولو قبضها الموهوب قبل الثواب وقف، فإما أثابه أو ردها. ويتلوم لهما تلوماً لا يضر بهما فيه، فإن مات الواهب للثواب والهبة بيده، فهي نافذة كالبيع، وللموهوب قبضها إن دفع العوض للورثة.
3882 - وإن مات الموهوب قبل أن يثيب الواهب، فلورثته ما كان له.
ولا ثواب في هبة الدنانير والدراهم، وإن وهبها فقير لغني، إلا أن يشترط

(4/357)


الثواب، فيثاب عرضاً أو طعاماً، وإن وهب حلياً للثواب، فله عوضه عرضاً، ولا يعوض عيناً ولا من حلي فضة ذهباً.
3882 - وإذا قدم غني من سفره فأهدى له جاره الفقير الفواكه والرطب وشبهها، ثم قام يطلب الثواب، فلا شيء له، ولا له أخذ هبته وإن كانت قائمة بعينها.
3883 - ولا يقضى بين الزوجين بثواب، ولا بين ولد ووالده، إلا أن يظهر ابتغاء الثواب بينهم كالزوجة تهب لزوجها الموسر جارية فارهة يسألها إياها لما تستجلب من صلته، أو الزوج يهبها لذلك، والابن لما يستغزر من أبيه، فلذلك حُكم الثواب، ولو شرطا ثواباً لزمهما.
3884 - وما وهبت لقرابتك أو ذوي رحمك وعلم أنك أردت ثواباً، فذلك لك، إن أثابوك، وإلا رجعت فيها.
وما علم أنه ليس للثواب كصلتك لفقيرهم وأنت غني، فلا ثواب لك ولا تصدق أنك أردته ولا رجعة لك في هبتك. وكذلك هبة غني لأجنبي فقير، أو فقير لفقير ثم يدعي أنه أراد الثواب، فلا يصدق إذا لم يشترط في أصل الهبة ثواباً،

(4/358)


ولا رجعة له في هبته، وأما إن وهب فقير لغني، أو غني لغني، فهو مصدق أنه أراد الثواب، فإن أثابوه وإلا رجع في هبته.
3885 - وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: ومن وهب هبة يُرى أنه أراد [بها] الثواب، فهو على هبته يرجع فيها إن لم يرض منها، فإن هلكت، فله شَرْواها بعد أن يحلف بالله ما وهبها إلا رجاء أن يثيبه عليها. (1)
3886 - قال ابن القاسم: وإن وهبت [لرجل] [هبة] فعوضك، منها فلا رجوع لأحدكما في شيء مما أعطى.
ومن وهب عبداً لرجلين، فعوضه أحدهما من حصته، فله الرجوع في حصة الآخر إن لم يعوضه، كمن باع عبداً من رجلين في صفقة واحدة، فنقده أحدهما وفلس الآخر، كان أحق بنصيب الآخر من الغرماء، وإذا عوض الواهب أجنبي عن الموهوب بغير أمره، لم يرجع على الواهب [له] به، ولكن إن
_________
(1) روى مالك في الموطأ (2/754) ، أثر عمر رضي الله عنه.

(4/359)


رئي أنه أراد ثواباً من الموهوب، رجع عليه بقيمة العوض إلا أن يكون العوض دنانير أو دراهم، فلا يرجع عليه بشيء إلا أن يريد به سلفاً، فله اتباعه، فإن لم يرد ثواباً ولا سلفاً فلا شيء له.
وباقي مسائل هذا الكتاب قد تقدمت قبل هذا، وفي كتاب الاستحقاق ذكر العوض في الهبة يستحق.
* * *

(4/360)