التوسط بين مالك وابن القاسم في المسائل التي اختلفا فيها من مسائل المدونة

ذكر خلافه له في كتاب الصلاة
2 - حكم الصلاة خلف أهل الأهواء والبدع (1) (2).
" قال ابن القاسم: وسـ (ـألت مالكا عن الصلاة) (3) خلف الإمام القدري (4)
_________
(1) قال أبو مصعب: سمعت مالك بن أنس يقول: لا يصلى خلف القدرية. رواه اللالكائي (4/ 88)، والفريابي في القدر (155) قال: حدثنا إسماعيل ثنا أبو مصعب به.

- وعن ابن وهب عن مالك سمعه، وسئل عن الصلاة خلف أهل البدع القدرية، قال مالك: ولا أرى أن يصلى خلفهم، قال: وسمعته وسئل عن الصلاة خلف أهل البدع، فقال: لا, ونهى عنه. رواه ابن بطة (2/ 257) والخطيب في الكفاية (152).
- وقال محمد العتبي (المتوفى سنة 255) في المستخرجة: وسئل مالك عن القدرية، فقال: قوم سوء فلا تجالسوهم، قيل: ولا نصلي وراءهم؟ قال: نعم. (16/ 380 - شرح المستخرجة: البيان والتحصيل لابن رشد)، ورواه ابن أبي زمنين في أصول السنة (305)، من طريق العتبي عن سحنون عن أشهب.
- وقال العتبي في المستخرجة (1/ 443 - البيان والتحصيل): وسئل عن الصلاة خلف الإباضية والواصلية, فقال: ما أحبه، فقيل له: فالسكنى معهم في بلادهم؟ فقال: ترك ذلك أحب إلي. انظر تفسير القرطبي (1/ 356).
وذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء (8/ 68) عن ابن وهب عن مالك وسئل عن الصلاة خلف هل البدع القدرية وغيرهم، فقال: لا أرى أن يصلي خلفهم، قيل: فالجمعة؟ قال: إن الجمعة فريضة، وقد يذكر عن الرجل الشيء وليس هو عليه. فقيل له: أرأيت إن استيقنت أو بلغني من أثق به أليس لا أصلي الجمعة خلفه؟ قال: إن استيقنت، كأنه يقول إن لم يستيقن ذلك فهو في سعة من الصلاة خلفه. .
- وذكر الذهبي في السير (8/ 68): أن مالكا سئل عن الصلاة خلف أهل البدع القدرية وغيرهم، فقال: لا أرى أن يصلى خلفهم.
- ونقل ابن تيمية في الفتاوى (13/ 125) عن مالك أنه يرد شهادة أهل الأهواء والصلاة خلفهم.
(2) هذا العنوان مني تسهيلا وتبيينا.
(3) سقط للناسخ هذا من الأصل.
(4) القدرية فرقة من أهل البدع ظهرت على يد معبد الجهني (المتوفى سنة 90) في آخر عصر الصحابة بعد موت معاوية في أثناء المائة الأولى من زمن الزبير وعبد الملك، ولهذا تكلم فيها آخر الصحابة موتا كابن عمر وابن عباس وجابر وواثلة، وغيرهم، ثم تلقف دعوة معبد: غيلان الدمشقي، الذي قتل مصلوبا على يد هشام بن عبد الملك.
ولم يصر للقدرية سلطان حتى ظهرت المعتزلة وتبنت آراءهم في القدر، فصارت تعرف بها، وكان القدرية الأوائل يتكلمون في أعمال العباد والطاعة والمعصية والإيمان والفسق ونحوها.
راجع منهاج السنة (3/ 140) وأصول الدين للبغدادي (335) وكتابي العقيدة الميسرة.

(1/29)


ومن جرى مجرا (هـ) ـم من أهل الأهواء، فقال: إن استيقنت فلا تصل خلفهم قلت: ولا الجمعة؟ قال: ولا الجمعة، وأرى إن كنت تخافه على نفسك أن تصلي معهم، وتعيدها ظهرا.
قال ابن القاسم: ورأيته إذا قيل له في إعادة الصلاة خلف أهل البدع يقف ولا يجيب.
قال ابن القاسم: وأرى عليه الإعادة في الوقت". (1)
قال أبو عبيد: أما إيجاب مالك الإعادة على من صلى خلف الإمام القدري ومن جرى مجراهم من أهل الأهواء، فلأن القدري عنده الذي يقول إن الله سبحانه لا يعلم الشيء حتى يكون - تعالى الله عن هذا علوا كبيرا -، ومعتقد هذا حلال الدم، إلا أن يتوب، فهو في معنى الكافر الذي لا تجوز الصلاة خلفه اتفاقا، ومن صلى خلفه أعاد الصلاة أبدا، لأن الأمة اجتمعت على أن الله عز وجل عالم بالأشياء قبل كونها، وإجماعهم حق لا ريب فيه، ومن فارق الحق المقطوع على (2) (حجـ) ـيته (3) فهو كافر، وعلى ذلك دلالة واضحة ليس هذا موضع اجتلابها.
فأما كل متدين ببدعة مسخوطة توجب تفسيقه، وتأخيره عن مراتب أهل الفضل والدين، فلا يجوز عندي أن يكون إماما راتبا لذي الفضل والدين، لنقصان مرتبته عن مرتبة من يأتم به، ومن صلى خلفه منهم أعاد الصلاة أبدا، لأن الإمامة حال فاضلة فلا يستحقها، ولا يقوم بها إلا أهل الفضل والدين والفاسق ليس من أهله، لخروجه ببدعته المسخوطة عنهما.
_________
(1) المدونة (1/ 84).
(2) أذهب الخرم بعضها.
(3) ما بين القوسين به بتر، وأتممته لظهور معناه.

(1/30)


فإن قيل: إن الصلاة فعل طاعة، والمبتدع مأمور بها، ومتواعد على تركها، فوجب أن يؤتم به فيها.
قيل: ليس كل مأمور بفعل طاعة يجوز أن يؤتم به (إ) ذا (1) [ص10] فعلها، ألا ترى أن الأمي الذ (ي) (2) لا يحسن قراءة شيء من القرآن، مأمور بالصلاة ومثاب على فعلها، ومتواعد على تركها، وقد اتفقت الأمة على أنه لا يجوز أن (يأتم) (3) به في صلاته من يحسن شيئا من القرآن لنقصان مرتبته عن مرتبة من يأتم به.
وكذلك أهل الفضل والدين، لا يجوز لهم أن يأتموا بمبتدع، لنقصان مرتبته عن مراتبهم، والله أعلم.
وأما قول ابن القاسم: ورأيت مالكا إذا قيل له في إعادة الصلاة خلف أهل البدع يقف ولا يجيب، فيحتمل أن تكون البدع التي توقف مالك عن الجواب في إعادة الصلاة خلف أهلها، مما قد اختلف في تفسيق مبتدعها، لأن البدعة قد تقع على ما يوجب تفسيق المبتدع، وعلى ما لا يوجبه مما قد يعاب عليه، وقد يحمد عليه، قال الله عز وجل "ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها"، فذمهم على ترك رعايتها، ولم يعبهم بابتداعها، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قيام شهر رمضان: " نعمت البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل" (4) فسماها بدعة وهي قربة (5).
فإذا كان هذا الاحتمال سائغا في اللسان، فالوجه في توقف مالك عن الجواب
_________
(1) ما بين القوسين به بتر، وأتممته لظهور معناه.
(2) ما بين القوسين به بتر، وأتممته لظهور معناه.
(3) بتر في الأصل، وأتممته اعتمادا على السياق.
(4) رواه البخاري (1906) والبيهقي (2/ 493) وابن خزيمة (2/ 155) وعبد الرازق (4/ 258) عن عروة عن عبد الرحمن بن عبد القاري عن عمر.
(5) قلت: أطلق عليها عمر بدعة من حيث اللغة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها، ثم تركها خشية أن تفرض عليهم، فمر ذلك العهد وعهد أبي بكر وصدرا من خلافة عمر، ثم صلاها الناس في خلافة عمر، فصارت كالشيء المحدث، فلهذا قال عمر ما قال.

(1/31)


في إعادة الصلاة خلف أهل البدع من نحو ما ذكرته، بدلالة تصريحه (1) بإعادة الصلاة خلف القدرية، ومن جرى مجراهم من أهل الأهواء، والله أعلم.
وأما اختيار ابن القاسم في إيجاب الإعادة في الوقت، فوجهه: أن إعادة الصلاة خلف الفاسق مما اختلف فيه أهل العلم، فاستحب للمـ (ـؤ) تم (2) به أن يعيد في الوقت، ليأتي بالصلاة على أتم ما صلاها، ويستدرك فضل ذلك مـ (ـن) (3) فرض الو (قـ) ـت. (4)
والقياس عندي: إن كل من صلى خـ (ـلـ) ف (5) متدين ببدعـ (ـة) مسخوطة [ص11]، أن يعيد ا (لـ) ـصلاة أبدا، لأنه قد وضع (فرضـ) ـه (6) في غير موضعه، لأن للذي افترض عليه: ألا يأتم بفاسق معلن الفسق، إذ غير معقول أن يكون من أمر بالأخذ على يديه، والحول بينه وبين ما يهم به (إما) ما (7).
والمسلمون يجدون إلى منعه من ذلك سبيلا، وإذا كان كذلك، فواجب على كل من علق فرضه من هذا وصفه، أن يعيده أبدا، لأنه قد أحدث في الدين ما ليس منه، وقد قال النبي عليه السلام " من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد" (8) وإذا كان فعله مردودا، فالإعادة واجبة عليه، والله أعلم.
_________
(1) في الأصل: تسريحه، وهو خطأ.
(2) ما بين القوسين به بتر، وأتممته لظهور معناه.
(3) ما بين القوسين به بتر، وأتممته لظهور معناه.
(4) قال ابن المواق في التاج والإكليل (2/ 99): والفرق بين ذلك أن الذي صلى تقاة صلى على أن يعيد، ومن صلى على أن يعيد لا تجزئه الأولى.
وأما الذي وقف فيه مالك فقد قصد الائتمام به على أن هذا فرضه ولا يعيد، فالصواب أنه تجزئه.
(5) ما بين القوسين به بتر، وأتممته لظهور معناه.
(6) بياض في الأصل وأتممته لأن المصنف ذكره قريبا بهذا اللفظ.
(7) ما بين القوسين به بتر، وأتممته لظهور معناه.
(8) - رواه البخاري (1717) ومسلم (1717) وأبو دواد (4606) وابن ماجه (1/ 7) وأحمد (6/ 240 - 270) وابن حبان (1/ 207 - 209) والدارقطني (4/ 225).
ورواه مسلم (1718) وأحمد (6/ 146 - 180 - 256) والدارقطني (4/ 227) عن عائشة مرفوعا بلفظ: كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد.

(1/32)


3 - حكم سجود التلاوة بغير طهارة (1) (2).
" قال ابن القاسم: كان مالك ينهى أن تقرأ السجدة على غير وضوء، وفي الساعات التي ينهى عن الصلاة فيها.
قال ابن القاسم: وأنا أرى أنه لاشيء عليه". (3)
قال أبو عبيد رحمه الله: أما نهيه عن قراءة السجدة على غير وضوء، وفي الساعات التي نهي عن الصلاة فيها، فلأن السجدة صلاة (4)، والصلاة لا تجوز بغير وضوء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يقبل الله صلاة بغير طهور" (5) " ولا يسجد بعد
_________
(1) روى البيهقي (1/ 90) بإسناد صحيح كما في الفتح (2/ 554) عن الليث عن نافع عن ابن عمر قال: لا يسجد الرجل إلا وهو طاهر.
وأخرج ابن أبي شيبة (1/ 375) بسند صحيح عن الشعبي قال في الرجل يقرأ السجدة وهو على غير وضوء قال: يسجد حيث كان وجهه.
وأخرجه أيضا (1/ 376) بسند حسن كما في الفتح (2/ 554) عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه كان يقرأ السجدة ثم يسلم وهو على غير وضوء إلى غير القبلة وهو يمشي يومئ إيماء.
واستدل البخاري للجواز بسجود المشركين مع المسلمين، والمشركون نجس ليس لهم وضوء.
وأكثر نصوص المالكية على أن الطهارة شرط، انظر التاج والإكليل (2/ 60 طبعة دار الفكر) و (2/ 360 - طبعة دار الكتب العلمية) والشرح الكبير (1/ 306) وحاشية العدوي (1/ 360) وشرح زروق وابن ناجي على الرسالة (1/ 238).
(2) هذا العنوان مني تسهيلا وتبيينا.
(3) المدونة (1/ 111).
(4) قال الصنعاني في سبل السلام (1/ 403): قلت: والأصل إنه لا يشترط الطهارة إلا بدليل، وأدلة وجوب الطهارة وردت للصلاة، والسجدة لا تسمى صلاة.
(5) رواه مسلم (224) والترمذي (1) وابن ماجه (272) وأحمد (2/ 19 - 39 - 51 - 57 - 73) وابن خزيمة (8) وأبو يعلى (5677) - (5750) والبيهقي (1/ 42) والطبراني في الكبير (12/ 331) والأوسط (2292) عن ابن عمر.
وروى البخاري (135 - 6554) ومسلم (225) وأبو داود (60) والترمذي (76) وأحمد (2/ 318) وابن خزيمة (11) والبيهقي (1/ 117) عن أبي هريرة مرفوعا: لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ.
وفي الباب عن أبي المليح بن أسامة عن أبيه عند أصحاب السنن.

(1/33)


الصبح حتى تطلع الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب، لأنها نافلة، وقد نهى النبي عليه السلام عن التنفل في هاتين الساعتين (1).
وقال ابن عمر رحمه الله " كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم لا يسجدون السجدة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس" رواه أبو داود عن عبد الله (بن) (2) الصباح قال نا أبو بحر قال: نا ثابت بن عمارة قال: نا أبو تميمة الهجيمي عن ابن عمر فذكره (3).
_________
(1) رواه البخاري (559 - 563) ومسلم (825) وابن ماجه (1248) وأحمد (2/ 529) وابن خزيمة (1275) وابن حبان (1543 - 1544) والبيهقي (2/ 462) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس وعن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس.
وفي الباب عن عمر عند مسلم (826) وأبي داود (1276) والترمذي (183) وابن ماجه (1250) وأحمد (1/ 18 - 20 - 39 - 50) والبيهقي (2/ 451).
وعن أبي سعيد، خرجه البخاري (561 - 1139 - 1765 - 1893) ومسلم (827) وابن ماجه (1249) وأحمد (3/ 7 - 45 - 59 - 67 - 71 - 95) وغيرهم.
وعن ابن عمر خرجه البخاري (560 - 564) ومسلم (828). وابن خزيمة (1273) وابن حبان (1545) وغيرهم.
(2) بتر في الأصل، وأتممته اعتمادا على السياق.
(3) رواه أبو داود (1415) والبيهقي (2/ 326) وغيرهم، وفي سنده: أبو بحر وهو عبد الرحمن بن عثمان بن أمية الثقفي البكراوي البصري.
ضعفه يحيى بن معين وعلي بن المديني وأبو داود والنسائي وابن حبان وأبو حاتم وغيرهم.
ووثقه العجلي.
واختلف فيه قول أحمد.
والصحيح أنه ضعيف لكثرة من تكلم فيه، والله أعلم.
وشيخه ثابت بن عمارة وهو الحنفي أبو مالك البصري.
قال أحمد: ليس به بأس.
وقال الدارقطني وابن معين: ثقة.
وقال أبو حاتم: ليس عندي بالمتين.
وقال النسائي: لا بأس به.
وذكره ابن حبان في الثقات.
قلت: وأبو حاتم متشدد، فالرجل صدوق على أقل الأحوال.

(1/34)


فأما قول ابن القاسم: وأنا أرى أنه لا شيء عليه، فإن كان قوله: لا شيء عليه بمعنى لا حرج عليه إذا سجد (هـ) ا (1) [ص12] على غير وضوء، وفي الساعات التي كان النبي عليه السلام لا يسجدها فيها، فما أبرئه من مواقعة الحرج، وكيف لا يحرج من لم يتأس برسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه الأسوة الحسنة.
وإن كان أراد بذلك لا سجود عليه، فقد روى عبيد الله بن عمر عن نافع، عن ابن عمر أنه قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا السورة في غير الصلاة فيسجد ونسجد معه، حتى لا يجد أحدنا مكانا لموضع جبهته" (2).
أفيجوز لأحد مـ (ـنا) (3) أن يرغب عن فعل فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وامتثله أصحابه رحمة الله عليهم والمسلمون هلم جرا.
وقول مالك أولى بالصواب عندي في ذلك، والله أعلم.
_________
(1) ما بين القوسين به بتر، وأتممته لظهور معناه.
(2) رواه البخاري (1025 - 1026 - 1029) وأبو داود (2/ 17) والبيهقي (2/ 323) جميعا من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر به.
(3) ما بين القوسين به بتر، وأتممته لظهور معناه.

(1/35)


4 - حكم من تذكر صلاة وهو في صلاة (1) (2).
" قال ابن القاسم: قال مالك فيمن ذكر صلاة نسيها وهو في صلاة مكتوبة أنه إن كان وحده فذكرها بعدما صلى من هذه التي هو فيها ركعة فليضف إليها أخرى ثم ليقطع، وإن ذكرها بعدما صلى ثلاث ركعات فليضف إليها رابعة ثم ليقطع.
_________
(1) قال ابن المواق في التاج والإكليل (2/ 10 - دار الفكر) (2/ 279 - دار الكتب العلمية) بعد نقله كلام مالك وابن القاسم الآتي ذكره في هذه المسألة: من ابن يونس: والذي للمازري إن ذكرها بعد أن عقد ركعة، فإن كانت الصلاة زائدة على الثنائية أضاف ركعة أخرى لهذه الركعة التي عقد، لأن عقد الركعة يؤكد حرمة الصلاة والخروج من الصلاة على ركعة لا يحسن فأمر بالتمادي إلى صورة النفل وهو ركعتان.
وإن كانت الصلاة ثنائية كصلاة الصبح فمقتضى إطلاق الروايات أنها كسائر الصلوات.
وقال بعض الأشياخ: مقتضى اختيار ابن القاسم في الرباعية أن يقطع بعد ثلاث ليؤثر ذكر المنسية في منع الإكمال أن يقطع في الصبح بعد ركعة ليؤثر أيضا ذكر المنسية في منع الإكمال.
قال ابن عبد البر في الكافي (2/ 54): فإن ذكرها وهو في صلاة انهدمت عليه، فإن ذكرها في صلاة قد صلى منها ركعتين سلم من ركعته، وإن كان إماما انهدمت عليه وبطلت على من خلفه، هذا هو الظاهر من مذهب مالك.
وليس هذا عند أهل النظر من أصحابه كذلك، لأن قوله فيمن ذكر صلاة في صلاة قد صلى منها ركعة أنه يضيف إليها أخرى ويسلم، ولو ذكرها في صلاة قد مضى منها ثلاث ركعات أضاف إليها رابعة وسلم، وصارت نافلة غير فاسدة، ولو انهدمت عليه كما ذكروا وبطلت لم يؤمر بأن يضيف إليها ركعة أخرى، كما لو أحدث بعد عقد ركعة لم يضف إليها أخرى.
ويدلك على ذلك أيضا من مذهبه قوله فيمن ذكر صلوات كثيرة أكثر من صلاة يوم وليلة، وهو في صلاة إنها لا تنهدم عليه وهي صحيحة له يتمادى فيها، وتجزيه من فرضه ثم يقضي بعد ما ذكر. انتهى.
وانظر حكاية الخلاف في: تفسير القرطبي (11/ 180) والتمهيد لابن عبد البر (6/ 403).
(2) هذا العنوان مني، وليس من المؤلف.

(1/36)


وقال ابن القاسم: يقطع (بعـ) ـد (1) ثلاث ركعات أحب إلي فيصلي التي نسي ثم يعيد التي قطع". (2)
قال أبو عبيد: قد اختلف قول مالك في هذه المسألة، فروى عنه ابن القاسم أنه قد كان مرة يقول: يقطع، وإن ذكر ذلك بعد أن صلى ركعة.
وإنما وجب على الذاكر صلاة نسيها في الحال التي يصلي فيها أو يقطع ما هو فيه، لأن ترتيب الصلوات عنده فرض مع الذكر، وبقاء الوقت، بدلالة اتفاق الجميع على أنه لا يجوز تقديم العصر على الظهر في أول وقت الظهر، فلما كان الترتيب فرضا مع بقاء الوقت، وكان و (قت) (3) الصلاة التي نسي هو الوقت الذي ذكرها فيه لا يجوز له تأخيرها عنه، بدلالة (4) قول النبي صلى الله عليه وسلم " من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها إذا (ذكـ) ـرها [ص13] لا كفارة له إ (لا) (5) (ذ) لك" (6)، وجب أن تبطل عليـ (ـه الصـ) ـلاة التي هو فيها، لأنه وضعها في غير موضعها، لأنهما لما اجتمعا في الوقت، و (كـ) انت (7) إحداهما مبدأة في الترتيب، وهي التي نسي وجب أن تبدأ في القضاء، وإذا وجب عليه أن يقطع ما هو فيه، وجب عليه ألا ينصرف منه إلا على شفع.
_________
(1) ما بين القوسين به بتر، وأتممته لظهور معناه.
(2) المدونة (1/ 129).
(3) ما بين القوسين به بتر، وأتممته لظهور معناه.
(4) سقطت الألف من هذه الكلمة بسبب الأرضة.
(5) ما بين القوسين به بتر، وأتممته لظهور معناه.
(6) رواه البخاري (572) ومسلم (684) وأبو داود (442) والنسائي (613) والترمذي (178) وابن ماجه (696) وأحمد (3/ 100 - 267 - 282 - 243 - 269) وابن خزيمة (993) وابن حبان (1556) والطحاوي (1/ 466) وابن أبي شيبة (7/ 281) وأبو نعيم في المستخرج (1536 - 1537 - 1538) وأبو عوانة (1142) وأبو يعلى (2854 - 2856 - 3109 - 3177).
وفي الباب عن أبي هريرة وأبي قتادة وسمرة وأبي بكرة وغيرهم.
(7) ما بين القوسين به بتر، وأتممته لظهور معناه.

(1/37)


لأنه إذا بطل أن ينوب له عن فرضه صارت نافلة، والنافلة لا تكون إلا مثنى، لأن النبي عليه السلام قال: " صلاة الليل والنهار مثنى مثنى" (1).
فإذا ذكر ذلك بعد أن رفع رأسه من الركعة الثالثة أتمها أربعا، لأن من أهل العلم من يرى أن تصلى النافلة (2) أربع ركعات فوجب عليه أن يتمها لينصرف على شفع، ولا يخرج (3) بذلك عن صلاة النافلة عند بعض العلماء، هذا وجه القول الأول.
وأما وجه قوله: إنه يقطع وإن ذكر ذلك بعد أن صلى ركعة، فلأن الصلاة التي انتقضت عليه إنما دخل فيها بنية الفرض، فإذا انتقض فرضه بتذكره الفرض المبدأ قبله لم ينقلب نافلة، لأن أواخر أعمال العبادات مبني على أوائلها.
فإذا تحرم المصلي بصلاة ثم طرأ عليه ما ينقضها، وجب أن تنقض في الوقت
_________
(1) رواه البخاري (460 - 461 - 946 - 950 - 1086) ومسلم (749) وأبو داود (1326 - 1421) والنسائي (1667 فما بعد) والترمذي (437) وابن ماجه (1175 - 1319) وأحمد (2/ 10 - 30 - 40 - وغيرها) والحميدي (628) وابن خزيمة (1072 - 1110) وابن حبان (2426 - 2623) والدارمي (1459 - 1584) والبيهقي (2/ 486 - 3/ 21 فما بعد) وابن أبي شيبة (2/ 74 - 7/ 312) والطحاوي (1/ 278) وعبد الرازق (3/ 28 - 29) وأبو يعلى (2623 - 5431 - 5494 وغيرها) والطبراني في الكبير (12/ 275 - 303 - 313 - 396) والأوسط (76 - 79 - 758 - 940 وغيرها) عن ابن عمر مرفوعا بلفظ: صلاة الليل مثنى مثنى.
وأما باللفظ الذي ذكره المصنف، أي: بزيادة (والنهار)، فخرجه أبو داود (1295) والترمذي (597) والنسائي (1666) وابن ماجه (1322) وأحمد (2/ 26) وابن أبي شيبة (2/ 74) والطحاوي (1/ 334) والدارمي (1458) والطيالسي (1932) والبيهقي (2/ 487) والدارقطني (1/ 417) وابن خزيمة (1210) وابن الجارود (278) وابن حبان (2453 - 2482 - 2483 - 2494) عن ابن عمر.
لكن ضعف زيادة " والنهار" أحمد وابن معين والنسائي والدارقطني وغيرهم، انظر الجوهر النقي (2/ 487) -488) والتمهيد (13/ 185) والفتح لابن رجب (9/ 98 - 99).
(2) تكررت هذه الكلمة في الأصل.
(3) تكررت هذه الكلمة في الأصل.

(1/38)


الذي طرأ عليه الحادث الموجب لذلك، وإذا انتقضت بطل أن ينوب له عـ (ـن) (1) فرضه أو نافلته.
وكلا القولين له وجه سائغ في النظر، فاعلمه وبالله التوفيق.
وأما وجه استحباب ابن القاسم أن يقطع بعد ثلاث، فلأن أصل النافلة ركعتان، وما زاد عليهما فليس منها فاستحب له أن يقطع لأنه ليس وراء (الر) كعتين (2) شيء من النافلة يمضي عليه.
وقد كان لهذا الذي استحبه وجه سا (ئغ) (3) في النظر لولا قوله في النافلة: " إذا صلاها ساهيا ثلاث ركعات أنه يضيف إليها ر (كعة) (4) رابعة ويسجد لسهوه قبل السلام".
فإذا كان هذا الفرض المنتقض عنده ينقلب نافلة، فيلزمه أن يحكم له بحكم النافلة في ألا ينصرف عنه (إلا) (5) على شفع [ص14]، والله أعلم.
_________
(1) ما بين القوسين به بتر، وأتممته لظهور معناه.
(2) ما بين القوسين به بتر، وأتممته لظهور معناه.
(3) ما بين القوسين به بتر، وأتممته لظهور معناه.
(4) ما بين القوسين به بتر، وأتممته لظهور معناه.
(5) ما بين القوسين به خرم، ولا يظهر إلا الجزء العلوي من ألفين، فقدرتها كما ذكرت.

(1/39)