التوسط
بين مالك وابن القاسم في المسائل التي اختلفا فيها من مسائل
المدونة ذكر خلافه له في
كتاب النكاح
16 - هل يذهب الغلام حيث شاء إذا احتلم؟
(1).
" قال ابن القاسم: قال مالك في الغلام إذا احتلم أن له أن يذهب حيث شاء،
وليس لوالده أن يمنعه.
قال ابن القاسم: إلا أن يخاف من ناحيته سفها". (2)
قال أبو عبيد: أما قول مالك في الغلام إذا احتلم أن له أن يذهب حيث شاء،
فلأن بلوغ الاحتلام مع مقارنة صحة العقل والتمييز له، وسلامة البالغ من
الزمانة (3) توجب سقوط النفقة عن الأب.
فإذا سقطت نفقة الابن عن أبيه فقد انقطع السبب الذي به كان يتوصل إلى الحجر
عليه، وصار أملك بنفسه وبالتصرف في ماله منه، وهذا ما لا أعلم فيه خلافا.
فأما قول ابن القاسم: إلا أن يخاف من ناحيته (4) سفها، فإن كان [ص24] يريد
السفه الذي يوجب الحجر عليه في نفسه ( .... ) (5) لا يخرجه بلوغ الاحتلام
عن حجر أبيه، ولا يسقط عن الأب ما قد وجب له من الحق عليه.
وإن كان يريد بالسفه المتوقع من ناحيته خلاف ذلك، فلا أعلم أن شيئا يوجب
الحجر على البالغ سوى نقص العقل وضعف التمييز والانفاق في غير مصلحة.
وإذا خلا السفيه المتوقع من هذه الأوصاف فلا سبيل إلى الحجر عليه، وهذا مما
لا اختلاف فيه، والله أعلم.
وقول مالك في ذلك أولى بالصواب عندي، إن شاء الله.
_________
(1) هذا العنوان مني، وليس من المؤلف.
(2) المدونة (4/ 157).
(3) زمن يزمن زمنا وزمانة فهو زمن، أي مبتلى فيه عاهة. راجع لسان العرب
(13/ 199).
(4) في الأصل: ناحية، والصواب ما ذكرته.
(5) ما بين القوسين به خرم بسبب الأرضة بمقدار نصف سطر.
(1/66)
17 - مسألة: حكم وضع
الأب من صداق ابنته (1) (2).
" قال ابن القاسم: قال مالك، لا يجوز للأب أن يضع من صداق ابنته البكر
(شيئـ) ـا (3) إذا لم (يطـ) ـلقها (4) زوجها.
قال ابن القاسم: وأنا أرى أن ينظر فيما فعله الأب من ذلك، فإن كان ما فعله
على وجه النظر مثل: أن يكون الزوج معسرا بالمهر فيخفف عنه وينظره، فذلك
جائز على البنت إن شاء الله". (5)
قال أبو عبيد: أما منع مالك من إجازة وضيعة الأب من صداق ابنته البكر إذا
لم يطلقها زوجها، فلأن الصداق قد وجب لها بنفس العقد ( .. ) (6) مقارنة
(تـ) ـسمية (7) الصداق، بدلالة أن لها أن تمتنع من زوجها حتى تقبض الصداق
_________
(1) قال ابن عبد البر في الكافي (254): وإن كانت بكرا جاز عفو أبيها عن نصف
الصداق، إذا وقع الطلاق قبل ذلك ولا بعد الدخول، ولا يجوز لأحد أن يعفو عن
شيء من الصداق إلا الأب وحده لا لوصي ولا غيره.
وقال الدسوقي في حاشيته (2/ 327): قوله (لا بعد الدخول) أي لا يجوز للولي
أن يعفو عن بعض الصداق بعد الدخول إن رشدت، لأنها لما صارت ثيبا صار الكلام
لها، فإن كانت سفيهة أو صغيرة فالكلام للأب، وحينئذ فله أن يعفو عن بعض
الصداق لمصلحة، كذا في (خش) و (عبق)، وهو غير صواب، إذ الحق أنه لا عفو له
بعد الدخول سواء كانت رشيدة أو لا. ففي سماع محمد بن خالد أن الصغيرة إذا
دخل بها الزوج وافتضها ثم طلقها قبل البلوغ، أنه لا يجوز العفو عن شيء من
الصداق لا من الأب ولا منها.
قال ابن رشد: وهو كما قال، لأنه إذا دخل بها الزوج وافتضها فقد وجب لها
جميع صداقها بالمسيس، وليس للأب أن يضع حقا قد وجب لها إلا في الموضع الذي
أذن له فيه، وهو قبل المسيس لقوله تعالى (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن)
الآية.
وإذا منع العفو في الصغيرة بعد الدخول ففي السفيهة أحرى. اهـ
(2) هذا العنوان مني، وليس من المؤلف.
(3) ما بين القوسين به بتر، وأتممته اعتمادا على السياق والمدونة.
(4) ما بين القوسين به بتر، وأتممته اعتمادا على السياق والمدونة.
(5) المدونة (4/ 159).
(6) ما بين القوسين به بتر بمقدار حرفين.
(7) ما بين القوسين به بتر، وأتممته اعتمادا على السياق.
(1/67)
المسمى لها.
وليس من النظر إسقاط ما قد وجب لها إلا في الموضع الذي أباح الله عز وجل
ذلك فيه، وذلك قوله تعالى: "وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن
فريضة فنصف ما فرضتم، إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح". يعني:
الأب (1) في ابنته البكر.
لأنها إذا طلقت ولم يدخل بها زوجها فلا عدة عليها، ومباح لها الأزواج،
فالأب في تلك الحال الذي بيده أن يعقد النكاح عليها خير، ولا يجوز أن يكون
المراد به الزوج، كما قال المخالف، لأن الزوج لا يملك النكاح [ص25] في تلك
(2) الحال، لأن الطلاق (فا) ته (3) من يده وجعله منها أجنبيا، بل قد زاد
على الأجنبي بأن كانت لا تحل له إلا بعد زوج إن كان الطلاق ثلاثا.
معنى آخر يدل على أن الأب هو الذي بيده عقدة النكاح على الحقيقة من غير أن
يدعى في ذلك ضمير. والزوج لا يصلح له (4) ذلك، إلا بإعادة ضمير في الآية
وهو أن يقال " أو يعفو الذي كان بيده عقدة النكاح" لأنها كانت في يد الزوج
قبل طلاقه لها، فلما وقع الطلاق خرجت عن يده وصار الأب أولى بها، والكلام
على
_________
(1) هذا قول مالكية، وخالفهم الجمهور فقالوا: هو الزوج، انظر شرح الزرقاني
على الموطأ (3/ 171)، وفتح القدير (1/ 254)، وتفسير القرطبي (3/ 207).
قال الدسوقي (2/ 327): قوله (أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) حمله أصحابنا
على الأب، وحمله أبو حنيفة على الزوج.
قلت ونقله الزرقاني في شرح الموطأ (3/ 171) عن الأئمة الثلاثة.
ونقل الشوكاني في فتح القدير (1/ 254) المذهبين عن جماعة من السلف والخلف.
وناقش دليل كل منهما، ورجح هو أنه الزوج.
وانظر تفسير القرطبي (3/ 207 - 208).
(2) هذه الكلمة لا يظهر منها إلا نصفها الأسفل.
(3) ما بين القوسين به بتر، وأتممته اعتمادا على السياق.
(4) في الأصل هنا زيادة "الضمير"، لكن فوقها علامة التضبيب.
(1/68)
المخالف في هذا يطول، وفيما لوحت به مقنع
إن شاء الله.
فاقتصر مالك رحمه الله في إباحة الأب الوضع من صداق ابنته البكر على الموضع
الذي أباحه الله عز وجل فيه، ومنعه مما عداه.
فأما ابن القـ (ـاسم) (1): جعل النظر بالإصلاح في ذلك إلى الأب قياسا على
المنصوص عليه، فيلزمه على قياس قوله أن يجيز للأب أن يضع من ثمن ما قد باعه
من مال ابنته البكر ( ... ) (2) مبتاع له، إذا كان معسرا به، وهذا ما لا
(يـ) ـقوله.
وكلا القولين له وجه في النظر فاعلمه، غير أن قول مالك أولى بالصواب عندي
في (ذلك) (3) كله، والله أعلم.
18 - مسألة: إذا وكلت المرأة من يزوجها فزوجها
من نفسه (4) (5).
" قال ابن القاسم: قال مالك في رجل قالت له وليته زوجني ممن أحببت، فقد
وكلتك فزوجها من (نفـ) ـسه (6) أو من غيره، قبل أن يسمي لها، أن ذلك لا
يلزمها ولا يجوز عليها إلا أن تجيز ذلك بعد تسميته لها.
وقال ابن القاسم: إذا زوجها من غير نفسه وإن لم يسمه لها، فهو جائز عليها".
(7)
_________
(1) ما بين القوسين به بتر، وأتممته اعتمادا على السياق.
(2) بتر في الأصل بمقدار 3 أحرف.
(3) ليست في الأصل، والسياق يقتضيها.
(4) قال ابن عبد البر في الكافي (1/ 229 - 230): وكذلك المرأة إذا أذنت
لوليها في العقد عليها في رجل بعينه، وسمت صداقا، فإن جعلت إليه تزويجها
ممن رآه جاز إذا زوجها من كفء، إذا رضيت به بعد ذكره لها، وإلا لم يجز ولا
يزوجها من نفسه حتى يعرفها بذلك فترضى به.
وراجع: مواهب الجليل (3/ 439) والشرح الكبير (2/ 233).
(5) هذا العنوان مني، وليس من المؤلف.
(6) ما بين القوسين به بتر، وأتممته لظهور معناه.
(7) المدونة (4/ 172).
(1/69)
قال أبو عبيد رحمه الله: أما قول مالك أنه
لا يلزمها عقد من لم يسم لها، فلأنها إنما وكلته فيما لا يجوز لها مباشرته
من عقد النكاح على نفسها، وما لا يجوز لها أن تليه من أمر (هـ) ا (1).
فأما الـ (ـر) ضا (2) بالزوج، وبمقدار الصداق فلا مدخل للولي في ذ (لـ) ـك
(3)، [ص26] وإنما هو حق من حقوق المرأة لا يليه عليها غيرها إذا كانت ( ...
) (4) أمرها، وإذا كان كذلك، فلابد من تعريفها بالمعقول له معها، وبما بذله
لها صداقا.
وأما تفريق ابن القاسم بين الولي يزوجها من نفسه، وبين تزويجه لها من غيره
في أنه يلزمها ما عقد عليها لغيره، وإن لم يسمه لها، ولا يلزمها عقده لنفسه
إلا بتعريفها بذلك ورضاها به.
فوجهه عندي: والله أعلم أنه لما كان تزويج الولي لها من نفسه مما قد اختلف
في إجازته، فإن رضيت به لزمه أن يصرح باسمه لضعف سببه، من أجل الاختلاف
الواقع في أمره ولم ( ... ) (5) تزويجه لها من غيره لحصول الاتفاق عليه،
إذا رضيت به، فهـ (ـذا) (6) ما اتجه لي في تفريقه بين ذلك، وفيه نظر.
وقال الشافعي: " لا يجوز للولي أن يزوجها من نفسه وإن أذنت في ذلك".
وهذا الذي قاله فاسد، بدلالة (7) اتفاقنا على جواز عقد الأب لنفسه على مال
ولده الذي في حجره على وجه المعاوضة، وإذا جاز للأب أن يباشر بيع مال ولده
الذي في حجره من نفسه ثم لا تقدم (8) مباشرته لذلك في عقده، فالولي الذي قد
_________
(1) ما بين القوسين به بتر، وأتممته لظهور معناه.
(2) ما بين القوسين به بتر، وأتممته لظهور معناه.
(3) ما بين القوسين به بتر، وأتممته لظهور معناه.
(4) ما بين القوسين به بتر بمقدار كلمة، وقدرها الحسن حمدوشي: تملك.
(5) ما بين القوسين به بتر في وسط الكلمة، هكذا: يقـ .. ـرة، لم أستطع
قراءتها.
(6) ما بين القوسين به بتر بمقدار 3 أحرف، فقدرتها كما ذكرت.
(7) هذه الكلمة بها خرم قليل.
(8) هذه الكلمة بها خرم قليل.
(1/70)
أذنت (له) (1) وليته في العقد عليها أولى
بأن يجوز له مباشرة ذلك.
لأن الأب إنما أوجب أن ينظر في مال ولده ويعقد فيه عنه عجز الابن عن التصرف
في ماله لضعف تمييزه وذهابه عن الأصلح له والأوفر عليه، فكان الأ (ب) (2)
حينئذ يقوم مقام الابن في تقدير الثمن وتعديده، إذ لو كان مبين ( ... ) (3)
فإذا جوز للأب أن يقدر ما يبتاعه لنفسه من مال ابنه وينظر له فيه، فالنكاح
الذي لا مدخل للولي في تقدير صداقه والرضى به، ( .. ) (4) أولى بأن تجوز
مباشرته لعقد نفسه، على ما قد أذنت له فيه ورضيت به.
ولا يجوز أيضا أن يفسد النكاح من جهة جواز أن يكون الولي غير كفء [ص27] (
.... ) (5) تراعى من أجل حقوق الأولياء، فإذا كان الولي هو العاقد لنفسه
بطل أن يفسد عقده من هذه الجهة.
ويؤيد ما ذهب إليه مالك رحمه الله عتق النبي صلى الله عليه وسلم صفية
وتزويجه إياها من نفسه (6).
_________
(1) ما بين القوسين به بتر، وأتممته لظهور معناه.
(2) ما بين القوسين به بتر، وأتممته لظهور معناه.
(3) خرم في الأصل بمقدار كلمة، وتظهر الحروف من أعلى، كأنها: سلفا، أو:
خلفا.
(4) لا تظهر هذه الكلمة جيدا، ورسمها هكذا: وساذ.
(5) بتر في الأصل بمقدار 4 كلمات.
(6) رواه البخاري (4798 - 4874) ومسلم (1365) والنسائي (3342 - 3343) وأحمد
(3/ 165 - 170 - 181 - 186 - 203 - 239 - 242 - 280) وابن الجارود (721)
وابن حبان (4063) وأبو نعيم في المستخرج (3328) وأبو عوانة (4213) والدارمي
(2242 - 2243) والبيهقي (7/ 58 - 128) والدارقطني (3/ 286) وابن أبي شيبة
(3/ 473) وعبد الرزاق (7/ 269) والطحاوي (3/ 20) والطبراني في الكبير (24/
68 - 69) والأوسط (3463 - 6690) وأبو يعلى (3132 - 3173 - 3890 - 4162 -
4163 - 4167 - 4168) عن أنس بن مالك.
(1/71)
ومعلوم أن المولى في عقد النكاح يحل محل
الولي المناسب، فكان ما جاز للولي فعله في ذلك، فولي النسب مشارك له فيه.
ولا يجوز أن يقال: إن ذلك خاص للنبي صلى الله عليه وسلم لأن ما خص به عليه
السلام قد قام دليله، وهذا ما لا دليل عليه فينقاد له.
ولا يجوز أيضا أن يقال: إن النبي عليه السلام ولى أمر صفية رجلا فزوجها
منه، لأن ذلك لو كان لحكي كما حكي عتقه إياها، وجعل ذلك صداقا لها، فلما لم
ينقل ذلك دل الظاهر على (أنـ) ـه (1) هو الذي باشر العقد لنفسه دون غيره،
والله الموفق للصواب.
19 - مسألة: (الأمة التي غرت من نفسها فتزوجت
ثم استحقها سيدها) (2).
" قال ابن القاسم: بلغني عن مالك أنه قال في الأمة إذا غرت من نفسها فتزو
(جـ) ـها (3) ر (جل) (4) فولدت له أولادا ثم استحقها سيدها ووُلدها أحياء،
والوالد عديم، أنه إن كان الوُلد أغنياء فله أن يتبعهم بقيمتهم.
قال ابن القاسم: و (سئل مالك) (5): لو مات الأب ولم يدع مالا والوُلد
أغنياء فله أن يتبعهم". (6)
قال أبو عبيد: أما إيجا (ب مالك) (7) على الولد قيمتهم إذا كانوا أغنياء،
وكان الولد حيا عديما، فلأن قيمة (الـ) ـولد (8) في الأصل، إنما هي على
الأب.
_________
(1) ما بين القوسين به بتر، وأتممته لظهور معناه.
(2) هذا العنوان مني، وليس من المؤلف.
(3) ما بين القوسين به بتر، وأتممته اعتمادا على المدونة والسياق.
(4) ما بين القوسين به بتر، وأتممته اعتمادا على المدونة والسياق.
(5) ما بين القوسين به بتر، وأتممته اعتمادا على المدونة والسياق.
(6) المدونة (4/ 207).
(7) بتر في الأصل، وأتممته اعتمادا على السياق.
(8) ما بين القوسين به بتر، وأتممته لظهور معناه.
(1/72)
لأن المصاب الذي هو سبب الولد منه (إ) ذا
(1) كان الأب معسرا، والولد واجدا لها، وجب أن ينوب عنه في قضائها مادام
الأب حيا، واتصل عدمه، لأن القيمة إنما وجبت على الأب بدلا (لة) (2) تسليم
الولد، لولا شبهة الحرية التي سرت فيه.
فوجب أن ينوب عنه في غرم قيمة نفسه، كما ينوب عنه في قضاء ما استحدثه من
الدين بسببه، فلما كا (ن) (3) عدم الأب ( ... ) (4) على الابن، (إذا) (5)
كان موسرا أن ينوب عنه في غرم [ص28] القيمة التي هي بدل من تسليمه في قول
مالك وابن القاسم، وكان ( ... ) (6) يوجب ارتفاع الغرم عن الابن في قولهما
معا وجب أن يكون إذا مات الأب، وخربت ذمته وسقط الدين عنها بسبب خرابها أن
يسقط عن الابن ما انتقل إليه بسببه، لأنه إنما هو نائب عنه في ذلك نيابة
كفاية، لا نيابة حمالة ولا حوالة (7)، هذا وجه هذه الرواية عندي.
_________
(1) ما بين القوسين به بتر، وأتممته لظهور معناه.
(2) ما بين القوسين به بتر، وأتممته لظهور معناه.
(3) ما بين القوسين به بتر، وأتممته لظهور معناه.
(4) خرم في الأصل بمقدار كلمة، لا يظهر منها إلا حرف التاء أو النون آخرها.
(5) هكذا ظهرت لي، وربما تكون: وإنما.
(6) بتر في الأصل بمقدار كلمتين.
(7) قال ابن عبد البر في التمهيد (18/ 290 - 291): واختلف الفقهاء في معنى
الحوالة:
فجملة مذهب مالك وأصحابه فيها أن من احتال بدين له على رجل على آخر فقد برئ
المحيل، ولا يرجع إليه أبدا، أفلس أو مات، إلا أن يغره من فلس، فإن غره
انصرف عليه.
وهذا إذا كان له عليه دين.
فإن لم يكن له عليه دين فهي حمالة ويرجع إليه أبدا.
فإن كان له عليه دين فهي الحوالة، ولا يكون للمحتال أن يرجع على المحيل
بوجه من الوجوه، توى المال أو لم يتو، إلا أن يغره من فلس قد علمه.
وهذا كله مذهب الشافعي وأصحابه أيضا ...
وانظر شرح الدردير (3/ 326).
(1/73)
وقد روى عنه ابن أبي أويس (1) في الكتاب
"المبسوط" أنه قال: " في العربي يتزوج الأمة وقد انتمت له إلى بعض العرب،
وهو لا يعلم أنها أمة ثم إن سيدها اعترفها وقد ولدت له أولادا، فإن زوج
الأمة يفتدي ولده من سيدها بالقيمة، فإن كان له مال أ (خذ) (2) ذلك منه،
وإن لم يكن له مال كان ذلك دينا عليه".
وهذه الرواية أ (ليق) (3) بمذهبه، وأقيس على أصوله.
لأن القيمة في الأصل إنما وجبت على الأب من أجل المصاب الذي هو سبب الولد،
فلا يجوز أن ينتقل عنه إلى الابن إلا عن طيب نفس منه.
لأن الدين لا ينتقل من ذمة إلى ذمة، إلا بحمالة أو حوالة.
وإذا خلا ا (لابـ) ـن (4) من أن يكون متحملا بالقيمة أو محالا عليه بها
(فغير) (5) (جـ) ـائز (6) أن يكلف غرم قيمة لم يكن سببها، ولا كان له صنع
في إيجابها، والله أعلم بالصواب.
وأما إلزام ابن القاسم: الابن غرم القيمة في (حال) (7) حياة الأب وبعد
مماته بشرط عدمه في كلتي حالتيه فإنما معنا (هـ) أنه يقيم موت الأب في ذلك
المقام عدمه، فكما يلزمه غرم القيمة في حال حياة الأب، واتصال عدمه، وجب
لمثل
_________
(1) هو إسماعيل بن عبد الله بن عبد الله بن أويس بن مالك أبو عبد الله بن
أبي أويس الأصبحي (ت 226) انظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء (10/ 391)
والتاريخ الكبير (1/ 364) والجرح والتعديل (2/ 180) وترتيب المدارك (1/
369) وتذكرة الحفاظ (1/ 409) وشجرة النور (56) وتهذيب الكمال (3/ 124)
وتهذيب التهذيب (1/ 271) وغيرها.
(2) ما بين القوسين به بتر، وأتممته لظهور معناه.
(3) بتر في الأصل، وأتممته اعتمادا على السياق، ولأن المؤلف يكرر هذا
الاصطلاح مرارا.
(4) ما بين القوسين به بتر، وأتممته لظهور معناه.
(5) بتر في الأصل بمقدار 3 أحرف وقدرتها كما ذكرت أعلاه.
(6) ما بين القوسين به بتر، وتظهر الألف في الوسط، وأتممته لظهور معناه.
(7) بتر في الأصل: بقيت الألف في الوسط وسقط حرفان، وكررها المؤلف باللفظ
الذي ذكرت بعد سطر واحد.
(1/74)
ذلك أن يلزمه غرمها بعد موته إذا لم يترك
وفاء بها.
واختيار ابن القاسم في هذه المسألة أقيس من القول الذي بلغه عن مالك فيها،
غير أن رواية ابن أبى أويس عنه أولى بالصواب عندي في ذلك، والله أعلم.
20 - مسألة: اختلاف المطلقين في وقوع الجماع
(1) (2).
" قال ابن القاسم: قال مالك في المطلقة [ص29] (لأنها) (3) إذا تزوجت زوجا
غير مطلق فدخل بها ثم طلقها وزعم أنه لم يجامعها، (و) قالت (4) المرأة قد
جامعني أن القول قولها في ذلك ولها الصداق كاملا، وعليها العدة ولا يملك
الزوج رجعتها إن كان الطلاق رجعيا ولا تحل للمطلق ثلاثا إلا باجتماع منهما
على الوطء.
قال ابن القاسم: وأنا أرى أن تبين في ذلك ويخلى بينها وبين نكاحه، وأخاف أن
يكون هذا من الذي طلقها ضررا منه في نكاحها". (5)
قال أبو عبيد: لم يختلف قول مالك وابن القاسم في (أن) (6) المرأة لا تكون
_________
(1) قال ابن عبد البر في الكافي (254): ولو اختلفا في المسيس فقالت: قد
وطئني، وقال: لم أطأها، فإن كان لم يدخل بها وإنما خلا بها في بيتها فالقول
قوله مع يمينه، وإن كان قد خلا بها في منزله دون بناء، وقال: لم أمسها،
فالقول قولها مع يمينها.
وقد قيل: إنه متى ما صح أنه خلا بها أن القول قولها في المسيس مع يمينها،
وسواء خلا بها في بيتها أو في بيته.
وعليها العدة في الوجهين جميعا.
ولو طلقها والمسألة بحالها كان لها نصف الصداق، إذا كان القول قول الزوج
وحلف، وإن كان القول قولها وحلفت فلها الصداق كاملا بالمسيس. والخلوة لا
توجب صداقا إذا تصادقا على عدم المسيس.
(2) هذا العنوان مني، وليس من المؤلف.
(3) ما بين القوسين به بتر، وأتممته اعتمادا على المدونة والسياق.
(4) ما بين القوسين به بتر، وأتممته لظهور معناه.
(5) المدونة (4/ 289).
(6) ما بين القوسين به بتر، وأتممته اعتمادا على السياق.
(1/75)
محصنة بإقرارها بالوطء إذا لم يصدقها الزوج
فيه، كذلك الزوج لا يكون محصنا بذلك، لأن المرأة لا تصدق عليه.
واتفقا معا - أعني مالكا وابن القاسم- على أن كل ما لا يحصن الزوجين من الو
(طء) (1) فإ (نه) (2) يحل المبتوتة للمبت عصمتها.
واتفاقهما على هذه الجملة يقدح في اختيار ابن القاسم.
والدليل على أن تحليل لا يكون إلا بمصاب يتفق عليه الزوجان أن النبي صلى
الله عليه وسلم جعل ذوق العسيلة من شرائط الإحلال الذي (لا) (3) يتم إلا به
في قوله عليه السلام لرفاعة بن سموأل حين أراد ارتجاع تميمة بنت وهب وكان
قد طلقها ثلاثا "لا تحل لك حتى تذوق العسيلة" (4).
والعسيلة فعـ (ـل) (5) بين اثنين، ولا يثبت وقوعه إلا باجتماعهما عليه،
وتصادقهما (عليه) (6)، لأن طريق العلم به من جهتهما فإذا تصادقا على ذلك
ثبت حكم الإحلال، (ولـ) ـكل (7) واحد من الزوجين فيما لهما وعليهما.
_________
(1) ما بين القوسين به بتر، وأتممته لظهور معناه.
(2) ما بين القوسين به بتر، وأتممته لظهور معناه.
(3) ما بين القوسين به بتر، وأتممته لظهور معناه.
(4) رواه البخاري (2496 - 4960 - 4964 - 5011 - 5456 - 5734) ومسلم (1433)
والنسائي (3283 - 3408 - 3411) والترمذي (1118) وابن ماجه (1932) وأحمد (6/
34 - 37 - 193 - 226 - وغيرها) والحميدي (1/ 111) والطيالسي (203) وابن أبي
شيبة (3/ 541) وعبد الرزاق (6/ 347) وأبو نعيم (3451 - فما بعد) وأبو عوانة
(4318 - فما بعد) والدارمي (2267 - 2268) والبيهقي (7/ 333 - وغيرها) وابن
الجارود (683) وأبو يعلى (4423) وغيرهم عن عروة عن عائشة.
وتابع عروة: القاسم، رواه النسائي (3412) وابن حبان (4120).
وتابعهما: الأسود، رواه النسائي (3407) وأخمد (6/ 42).
(5) ما بين القوسين به بتر، وأتممته لظهور معناه.
(6) ما بين القوسين به بتر بمقدار كلمة، وأتممته اعتمادا على السياق.
(7) ما بين القوسين به بتر، وأتممته لظهور معناه.
(1/76)
لأن التحليل في الأصول يقتضي من الكمال
مالا يقتضي للتحريم، وليس استحقاق المرأة للصداق ( ... ) (1) بإقرارها
بالوطء، مع نفي الزوج له من هذا الباب في شيء، لأن الصداق إنما وجب لها
بإرخاء ستره عليها وتمكينها له من نفسها، وذلك أعلى ما يمكنها ( ... ) (2).
فلما فعلت ما كان عليها أن تفعله، ولم يتوجه إليها [ص30] تقصير في ذلك، كان
القول قولها مع يمينها قـ (ـوة) (3) سببه (4) ( ... ) (5) الصداق دون إثبات
الوطء على الزوج.
لأن الوطء لو ثبت عليه بذلك لكانا به محصنين، ولكان له ارتجاعها في العدة
إن (كان) (6) طلاقه لها رجعيا.
فلما لم يكن لها ذلك دل على فساد القول بوقوع التحليل لذلك الوطء، والله
أعلم.
وأما وجه قول ابن القاسم في أنها تبين ويخلى بينها وبين نكاحه فللظنة التي
تلحق الزوج المطلق في مناكرتها الجماع، وقد بين ذلك ابن القاسم في قوله:
"وأخاف أن يكون هذا من الذي طلقها ضررا منه في نكاحه، وليس بالظن يستباح ما
قد ثبت تحريمه".
وكلا القولين له وجه، سوى أن قول مالك أولى بالصواب في ذلك عندي، والله
أعلم.
_________
(1) ما بين القوسين به بتر.
(2) بتر في الأصل بمقدار 3 كلمات أو 4، تظهر بعض حروفها فقط.
(3) طمس في هذه الكلمة في الأصل لا تظهر جيدا، فلعل الصواب ما ذكرته.
(4) طمس في هذه الكلمة في الأصل فربما هي سببه، أو شبهه.
(5) طمس في الأصل بسبب الرطوبة والترميم بمقدار كلمتين.
(6) في هذه الكلمة طمس، وتظهر الكاف في أولها والنون في آخرها، فلعل الصواب
كما ذكرته.
(1/77)
ذكر خلافه له في
كتاب الخلع
21 - المريضة تختلع من زوجها، هل يرثها؟.
(1) (2)
" قال ابن القاسم: قال مالك في المريضة تختلع من زوجها في مر (ضـ) ـها (3)
أن ذلك لا يجوز (أن) (4) يرثها.
قال ابن القاسم: وأنا أرى إن كان صالحهـ (ـا) (5) على أكثر من ميراثه منها
أن ذلك غير جائز، وإن كان صالحها على قدر ميراثه منها فأقل، فذلك جائز، ولا
يتوارثان". (6)
قال أبو عبيد رحمه الله: قد روى ابن أبي أويس عن مالك في المريضة تختلع من
زو (جها) (7) أنه يجوز مع ذلك خلع مثلها.
وقول ابن القاسم مطابق لهذه الرو (اية) (8)، لأ (ن) (9) خلع المثل الذي نص
_________
(1) قال ابن رشد في بداية المجتهد (2/ 52): وخلع المريضة يجوز عند مالك إذا
كان بقدر ميراثه منها.
وروى ابن نافع عن مالك أنه يجوز خلعها بالثلث كله.
وقال الشافعي: لو اختلعت بقدر مهر مثلها جاز وكان من رأس المال، وإن زاد
على ذلك كانت الزيادة من الثلث. انتهى.
وحكى ابن جزي في القوانين الفقهية (155) ثلاثة أقوال: الجواز مطلقا، والمنع
مطلقا , والجواز إن كان قدر ميراثه منها.
وراجع: مواهب الجليل (4/ 32) والتاج والإكليل (4/ 32).
(2) هذا العنوان مني، وليس من المؤلف.
(3) ما بين القوسين به بتر، وأتممته لظهور معناه.
(4) ما بين القوسين به بتر، وأتممته اعتمادا على السياق والمدونة.
(5) ما بين القوسين به بتر، وأتممته لظهور معناه.
(6) المدونة (5/ 351 - 352).
(7) ما بين القوسين به بتر، وأتممته لظهور معناه.
(8) ما بين القوسين به بتر، وأتممته لظهور معناه.
(9) ما بين القوسين به بتر، وأتممته لظهور معناه.
(1/78)
مالك على تجويزه إنما أراد به قدر ميراثه
(1) منها، لأنه المقدار الذي لا اعتراض لورثتها عليها في إعطائها إياه من
رأس مالها، إذ هو الواجب له فيه، نحو ميراثه منها مع استدامة عصمتها، فجوز
له من ذلك خلع المثل، ومنعه مما زاد.
كما جوز للمريض [ص31] ( ... ) (2) من بعض ور (ثتـ) ـه (3) بما يباع به
مثلها، لأنه الثمن الذي لا اعتراض لسائر ورثته عليه في ذلك، ومنع من بيعه
لها منه بأقل من ثمن مثلها، لما فيه من معنى الازواء عن الوارث، فيحتمل أن
يكون ما أجمله ابن القاسم في روايته عن مالك، إنما توجه إلى ما زاد على خلع
مثلها، بدلالة ما فسره ابن أبي أويس في روايته عنه.
والمفسر أبدا يقضي على المجمل (4).
وإنما لم يجز له أن يرثها لأنه الذي منع نفسه من ذلك بالطلاق الذي أوقعه
عليها ولا لها أن ترثه، لأنها لم يتعلق لها حق في ماله يوجب الحجر عليه،
والله أعلم.
_________
(1) في هذه الكلمة طمس قليل في الأصل.
(2) بتر في الأصل، بمقدار كلمتين.
(3) ما بين القوسين به بتر، وأتممته لظهور معناه.
(4) انظر إرشاد الفحول للشوكاني (284 - 285).
(1/79)
|