الكافي
في فقه أهل المدينة المالكي بسم الله
الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله
كتاب القسمة
باب قسمة الارضين
والرباع
القسمة على ضربين لا ثالث لهما القرعة
والتراضي فالقرعة لا تكون إلا فيما جمعه الصنف
وتقارب ولم يتباعد وصح فيه الاعتدال بتعديل من
يعرف ذلك والتراضي أن يتراضوا على أن يأخذ
الواحد الشيء والآخر خلافه كالبيع وهذا إنما
يصح من المالكين الجائزي الأمر وأما المكيل
والموزون فلا يحتاج الى قرعة والعمل عند مالك
في قسمة الارض والكروم والرباع والجنات والدور
إذا أراد أربابها قسمتها أن ينظر فإن كانت
متجاورة
(2/867)
أو قريبا بعضها
من بعض وكانت متساوية في الجودة والرداءة جمع
حق كل ذي سهم في موضع منها وأن كانت يبعد
بعضها من بعض قسم لكل انسان بحظه في موضع منها
ولا يجمع حقه كله في موضع واحد إذا كانت كذلك
وسواء كانت متساوية القيم أم متباينة إذا كانت
متباعدة بعضها من بعض وكانت مواضعها متباينة
في الزهد والرغبة وان تقاربت الدور في الرغبة
فيها والزيادة لتشابه أماكنها جاز أن يضم
بعضها الى بعض في القيمة واذا اختلفت الارض
فكان منها ما يسقى بناضح ومنها ما يسقى بعين
ومنها ما يكون بعلا قسم كل حائط منها على حدته
وان كان أمرها واحدا وتقاربت أماكنها وكانت
الرغبة فيها والزهادة سواء ضم بعضها الى بعض
في القسمة ولم يلتفت الى من كره ذلك منهم
وللحاكم النظر في ذلك وهذا كله قسمة القرعة
والاعتدال ولا قرعة في مكيل ولا موزون واما
قسمة التراضي والتخاير فيقسمون كيف شاؤا
تفاوتت المقسومات أو تقاربت وتقسم الدور
وغيرها من سائر المقسومات على سهم أو أسهم ما
لم يكن أهل فرض مع عصبة او أهل فرض مع غيرهم
فإن خرج السهم الذي لصاحب السهم الكبير ضم
اليه مما يليه حتى يستوي حقه فإن خرج لمن له
ذلك القدر من الشركاء أخذه وأقرع بين الباقين
حتى يستوفوا حقوقهم فإن كان أهل فرض أو عصبة
مثل الأخوة للأم والزوجات ونحوهم مع العصبية
فأراد أحد الأخوة أو الزوجات أو أحد العصبة أن
يقسم له بحصته خاصة دون إخوته
(2/868)
فليس ذلك له
ولكن يقسم له وخوته ولإخوته في موضع واحد
الثلث للإخوة والثمن للزوجات واذا اختلف
المتقاسمان في القرعة فأراد أحدهما أن يقرع
على جهة وأراد غيره جهة سواها أقرع بين
الجهتين فأيهما خرجت قرعتها أسهم عليها فإن
كان المقسوم جنانا مختلفة الغرس أو كانت أرضا
أو قطع كرم أو جنات تزيد قيم بعضها على بعض
قومت كل قطعة وعرف فضل قيمتها على الاخرى ثم
أقرع بينها بعد ذلك ولا تجوز القرعة الا بعد
التساوي في القيم فإن اختلفت القيم عدلت بعرض
من غيرها أو بدراهم ومن كان له موروث بعد
موروث أو نصيب بعد نصيب شراء أو غيره جمعت له
حصصه كلها في موضع واحد ولم يكن له ان يأبى عن
ذلك ولا لشركائه أن يمنعوه من ذلك ولو أراد ذو
السهم أو ذو السهمين أخذ حقه في موضعين لم يكن
له ذلك وجمع حقه في موضع واحد وإذا كانت الدار
مختلفة البيوت قسمت بالقيمة وعدلت وضرب عليها
بالسهام إلا أن يتخاير أربابها واذا عدلوا
بيوت الدار وعلوها وسفلها بالقيم واقتسموها
بالسهمان على القيم رد كل من لحقه فضل على
شركائه ما يجب لكل واحد منهم وإذا اختلفت
اجناس المقسوم لم يجز اقتسامه بالقرعة حتى
يكون أرضا كلها أو دورا كلها أو عبيدا كلهم أو
ثيابا كلها ولا يجوز أن يقرع في عبد ودار واذا
خرج السهم لزم صاحبه ولم يكن له ان يأبى من
قبوله واذا قسم بنيان الدار وتركت عرصتها
ليرتفق بها إلا أن
(2/869)
تكون العرصة
متى اقتسمت صار لكل فريق منهم حظ ينتفع به
منها فتجوز حينئذ قسمتها أو يفتح كل ذي سهم في
نصيبه بابا الى موضع العرصة فيجوز اقتسامها
على هذا ايضا فإذا قسمت الدور وتركت العرصة
ترفقا ثم أرادوا قسمتها قد اختلفت قول مالك في
ذلك فمرة قال لهم ذلك ومرة قال لا يقسم ويترك
مرفقا لجماعتهم وروى ابن وهب عن مالك تلخيص
ذلك قال إذا كانت الدار ذات البيوت اقتسمت
وتركت عرصتها ثم ارادوا بعد ذلك قسمتها فإن
كانت البيوت لا حجر لها كان لهم قسمة العرصة
ليتخذوا منها حجرا على بيوتهم وان كانت البيوت
المقتسمة لها حجر ليستر بها وتلك العرصة مناخ
ابلهم ومرفقهم فتلك لا تقسم
ولا يجمع القاسم حصص رجلين أو ثلاثة في سهم
واحد الا برضاهم ولكن يقسم لكل واحد حقه على
حدة وكل من طلب القسمة من الشركاء في دار أو
أرض كان له ذلك فإن أبى شركاؤه اجبروا على
القسمه حتى يأخذ كل واحد حقه وسواء طلب القسمة
واحد أو أكثر فإن كان الربع صغيرا لا يحتمل
قسمه ولا يحصل لاحدهم ما ينتفع به فقد أجاز
مالك قسمته لمن دعا الى ذلك ويقسم البيت
والحانوت والحمام والدار وان لم يكن لبعضهم
الا ما لا ينتفع به لم يختلف في ذلك قول مالك
وقال بقوله طائفة من أصحابه بالمدينة منهم ابن
كنانة فخالفه في ذلك أكثر أصحابه على
(2/870)
ما يأتي في
الباب بعد هذا ان شاء الله فإن كانت الشركة في
ثوب واحد او سفينة او دابة أو عبد أو غير ذلك
مما لا ينقسم ولم يتراضوا بالانتفاع به على
الاشاعة وأراد احدهم البيع وأبى الآخر أجبر
الذي ابى البيع على البيع وقيل له أما بعت
وأما أخذت انصباء شركائك بما تبلغ من الثمن
فإن امتنع من هذا وأبى اجبر على البيع حتى
يحصل الثمن فيتقاسما فإن كانت جماعة رقيق أو
ثياب اقتسمت بالقرعة والقيمة اذا كانت تحتمل
القسمة على سهم اقلهم وكل مالا يجبر على قسمة
فلا يجوز أن يسهم عليه وما يجبر على قسمة فلا
بأس بالاسهام عليه قال ابن القاسم لو كان
المقسوم دار مجتمعة ليس لها الا باب واحد فوقع
الباب في القسمة في حظ أحد الشركاء كان
لسائرهم الدخول والخروج منه شرطوا ذلك أم لم
يشترطوه فإن اشترط بعضهم أن لا ممر له بالباب
نظر فإن كان لمن يشترط ذلك فناء ينفذ فيه بابا
جاز اشتراطه وإلا كان شرطه باطلا ولو صار في
نصيب احدهم علو لم يجز اشتراط صاحب السفل
طريقا له عليه إلا اذا لم يجد طريقا غيره ولو
اقتسم أهل الحجر الداخلة فأرادوا فتح ابواب في
منازلهم لم يكن لك لهم لأنهم إنما يملكون
الممر دون ما سواه ولو أراد رب الحجرة الخارجة
تحويل بابها الى موضع هو ابعد لم يجز ذلك له
إلا أن يكون موضعا قريبا لا ضرر فيه على
مستطرقه وإذا كان في الحائط فحل نخل أو فحول
تركت ليؤبروا بها نخلهم وإن لم يقتسموها
(2/871)
ويكونون فيها
على انصبائهم وكذلك البئر وإذا اقتسم قوما
أرضا لها شرب فالشرب بينهم على قدر حصصهم من
الارض الا ان يتقدم لاحدهم فيه فضل واذا
اقتسموا دارا في زقاق غير نافذ لم يكن لاحدهم
أن يفتح بابا حيال باب صاحبه بغير رضاه لأن
القسمة وقعت على ارتفاع كل واحد منهم بما
يقابل بابه وان كانت سكة نافذة جاز ذلك لمن
أراد منهم ويجعل الطريق عند القسمة مما يدخله
الحمولة ولا يضيق بأهله وليس في ذلك حد عند
مالك
(2/872)
باب جامع القسمة
ولا بأس بقسم الغائبات على الصفات ويقسم
الحاكم على الغائب اذا طالت غيبته وعلى الصغير
الذي لا وصي له ولا ينتظر قدوم الغائب ولا
يكتب اليه وليس كل من يكتب اليه يأتي ويقسم
الحاكم عليه كما يقسم على الصغير ولا بأس
بقسمة الوصي على الصغير إذا كان له في القسمة
حظ ونظر ولا تجوز قسمة على بالغ الا بإذنه ومن
جهل ميراثه لم يجز أن يقسم عليه وتجوز قسم
البالغين الذي يلون انفسهم لما ارادوا قسمته
على التراضي بينهم من غير قرعة ان شاؤا ويقسم
البيت الصغير والحمام أذا دعا احد الشركاء فيه
(2/872)
الى القسمة
وسواء صار له أو لصاحبه من ذلك ما فيه منفعة
أولا هذا قول مالك وخالفه في ذلك أكثر أصحابه
وقد احتج مالك في ذلك بظاهر كتاب الله عز وجل
: {مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً
مَفْرُوضاً} النساء الاية7
وخالفه ابن القاسم وغيره فقال لا يقسم بينهم
الا ما ينتفع به كل واحد وإلا بيع عليهم
واقتسموا ثمنه والحجة عندي لمذهب ابن القاسم
ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال :
"لا تعضية لأهل الميراث الا ما حمل القسم"
ذكره ابن وهب قال اخبرني ابن جريج عن صدقة بن
موسى عن محمد بن ابي بكر بن عمرو بن
(2/873)
حزم عن أبيه عن
النبي صلى الله عليه وسلم وفسره أبو عبيدة
وغيره بأن الشيء إذا لم يحتمل القسم لم يقسم
ولم يفرق عن حاله ويترك ميراثا على وجهه أو
يباع ويقسم ثمنه
ومن الحجة ايضا في ذلك ما روي من قوله صلى
الله عليه
(2/874)
وسلم: "لا ضرر
ولا ضرار" وما لا ينتفع به عند القسمة فالقسمة
فيه ضرر وقال بعض أصحاب مالك ان دعا صاحب
النصيب الكبير الى القسمة لم يجب إذا خالفه
صاحب النصيب الذي لا منفعة له فيه وان دعا
صاحب القليل الى القسمة جازت قسمته وما كان
مثل الدابة والعبد والسفينة وما لا يمكن قسمته
بين الشريكين أجبروا على التقاوم أو على البيع
وصاحبه أولى به بأقصى ما يبلغ في النداء ان
أراده ويقسم أصول الشجر التي فيها الثمر
بالقيم ويترك ثمرها حتى يجذ فيقسمونه كيلا من
كل صنف على حدته لا يجوز غير ذلك ولا يجعل
الرديء أكثر كيلا من الجيد لأنه بيع ولا تجوز
قسمة شيء من الثمار في رؤوس الشجر غير النخل
والعنب لأنهما فيها الخرص وقد عرف خرصه هذا
أصل قول مالك وتحصيل مذهبه وبه أقول وقد روي
عنه وعن طائفة من أصحابه إن عرف وجه الخرص في
سائر الثمار واحتاج اهلها الى قسمتها واختلف
أغراضهم فيها فكان بعضهم يريد الاكل ويريد
بعضهم التزبيب وبعضهم البيع جازت القسمة بينهم
بالخرص والتحري وان لم تختلف أغراضهم فلا تجوز
قسمتها الا كيلا أو وزنا في الارض والقول
الاول أصح في قياس الاصول ولم يتخلفوا ان قسمة
البقول لا تجوز لما يلحقها من الجوائح فيؤل
(2/875)
ذلك الى بيع
بعضها ببعض متفاضلا ولا تجوز قسمة الزرع أخضرا
ولا يابسا حزما ولا مدروسا حتى يصفى ويقسم حبا
بالكيل ولا يقسم جزافا ولا بظرف يتسع أحيانا
كالقفة والغرارة وإنما ينقسم بمثل القصعة
والجفنة والقلة والمد وأجازه بعض أصحاب مالك
وزنا إذا كان حبا مرفوعا في بقعة واحدة قال
ابن القاسم ويجوز اقتسام الزرع قبل بدو صلاحه
على التجري إذا أريد قطعه لوقته فإن أخر
أحدهما حصته فسدت القسمة بينهما وكان على الذي
حصد نصف قيمه ما حصد لشريكه وله الرجوع بنصف
ما أبقى شريكه وإذا انهدم بيت بين رجلين فلم
يبن أحدهما قاسم او باع وما كان من الدواب
والعبيد فالتقويم فيها والقسمة على القيمة
اةلى وأما ما يصعب تقويمه مثل الغنم والثياب
وشبهها مما يدق أمرها ويكثر فإنه يضم بعضه الى
بعض التعديل ويقوم ويستهم عليه وتقسم المائعات
كلها بما جرت به العادة في بيعها في البلدان
من الظروف والاكيال اذا علم أن ذلك لا يشف
بعضه على بعض والقسمة بيع من البيوع وقد مضى
في أحكام البيوع ما هو أصل هذا الباب ومن ادعى
غلطا في قسمة التعديل والقرعة لم تنقض له
القسمة وسئل البينة على ما ادعاه فإن أتى
ببينة حكم به له بها ورجع ما شهدت به في ذلك
وعادت الاشاعة فيه
ولا بأس باستئجار القاسم وتطيب له اجرته إذا
اجتهد وتصح بمبلغ جهده وأجرته على عدد الرؤوس
على قدر
(2/876)
الانصباء لأن
تعبه في اخراج السهم الصغير كتعبه في اخراج
الكثير هذا تحصيل مذهب مالك وروي عنه وعن
طائفة من أصحابه أن الاجرة في ذلك على قدر
الانصباء وفي باب جامع القضاء في الدعوى في
كتاب الاقضية حكم قسمة الورثة ديونهم عند
الغرماء وفي كتاب الشهادات حكم شهادة القسام
وقال مالك في رجل كانت عنده وديعة لقوم أمره
القاضي بدفعها اليهم وان يكتب بينهم وبينه
وثيقة بذلك ان الاجرة عليه وعليهم لكاتب
الوثيقة
(2/877)
|